صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التخييـل في مواجهـة الفقدان قراءة في رواية: "حيوات متجاورة" لمحمد برادة

اذهب الى الأسفل

التخييـل في مواجهـة الفقدان   قراءة في رواية: "حيوات متجاورة" لمحمد برادة Empty التخييـل في مواجهـة الفقدان قراءة في رواية: "حيوات متجاورة" لمحمد برادة

مُساهمة من طرف said السبت 30 يناير 2010 - 19:24

التخييـل في مواجهـة الفقدان   قراءة في رواية: "حيوات متجاورة" لمحمد برادة AiGdYC2jMW

التخييـل في مواجهـة الفقدان   قراءة في رواية: "حيوات متجاورة" لمحمد برادة MkOzhDGh1V

محمد برادة

لعل من أكثر الافتراضات النظرية دلالة تلك التي تقرن التكوين الروائي باستعادة عوالم منتهية، وقيم التبست بالذاكرة، وعواطف ولدتها سياقات مفقودة، وهو الافتراض الذي تتجلى عبره الصنعة الروائية بما هي تحايل على الذكريات وامتحان للحنين ووعي بالمعابر والتبدلات. وبقدر ما يبدو هذا التأويل متصلا بالمرجع البعيد في الروايات ذات السند الفنطازي الملتبس الحدود، فإن استعادة الأصول في النصوص التي تقرن الوجود الذاتي بالمعنى الروائي، تتجلى بوصفها علة للحكي، ومحركا للصوغ الأسلوبي، ومقصدا لجدلية الشخوص والفضاءات والمشاهد والأزمنة.

أغلب
الظن أن السرود الذاتية، والروايات الناهضة على صوت الباطن العميق، بقدر
ما تختزل المواجهة المتواترة عبر الزمن بين التخييل والفقدان، فإنها في
الآن ذاته تعيد التفكير في إمكانيات اللعبة الروائية، وترسم احتمالات
مغايرة لسياقات الكلام ونسيج العلائق المنبهقة من سديم التفاصيل. فما بين
الحنين والاستشراف حدس الاستمرارية، بنضحها المأساوي المأسور بين دفتي
البدء والطي؛ ذلك ما سعى إليه محمد برادة منذ نصه الأول "لعبة النسيان"
مرورا ب"الضوء الهارب" و"مثل صيف لن يتكرر"؛ حيث تمثل المحكيات المتعاقبة
بوصفها تقليبا لصفحات الزمن المتلاشي بسرعة البرق، وتوقا إلى الإمساك
بأطياف سرابية انغرست في خلايا الذهن، واستكناه سحر المسرات المخضلة
بالعذوبة، وتحويل الاسترجاعات الغامضة إلى تخطيطات مجازية تغدو تمائم
للروح، تمنح الكاتب القدرة على مكابدة العيش، والاطمئنان إلى أن فسحة
الحياة لم تنفلت من ساعة الرمل وإنما هي حاضرة ، "مستقرة" على بياض خالد.
في
هذا السياق تحديدا يتجلى النص الأخير لمحمد برادة "حيوات متجاورة" ، بما
هو استرسال على إيقاع الاستعادة والفقد، وتقليب لخزانة الصيغ الروائية،
لنقل الكثافة الضاجة بالنيازك الملتهبة، إلى رحابة السرد المضيء لأبعاد
الزمن الآفل، والمعابر المنسية، ومحيط العلائق بتعقيده الإنساني المتحول.
بالتأكيد سيكون لترتيب طرائق الكلام وصيغ السرد غاية فكرية تنصهر في
المأرب الجمالي، هي ما نعته يوما ميلان كونديرا ب: "وعي الاستمرارية"، وهي
السمة المركزية التي تميز انتماء الإنسان للحضارة المتحولة، حيث تكتسب
الظواهر تدريجيا بعدا تاريخيا فتتجلى كتسلسلات منطقية لأحداث ومواقف وقيم،
تتقاطع في سطحها الظاهر، لكنها تتجاور في العمق، بحيث تتجلى عصية على
الالتقاء ما دامت المصائر فردية لا تتكرر، وإنما قد تتشابه في لحائها
المبهر .
ومنذ البداية يختصر نص "حيوات متجاورة" على القارئ مهمة البحث
في ثنايا المشاهد والصور عن تلك الرؤية التأملية المضافة، حيث يحيل البناء
المعماري على مداخل وفصول تتيح للروائي الإفضاء ?على نحو مقنع- بلواعج
أفكاره المتشربة للوعات خريف العمر، بصدد النواسخ التي تربك سلاسة الحياة،
وتسربل المتع والأحلام والمطامح الشخصية، بسمة الظرفي المحكوم بقدر
التنغيص. هكذا يمتزج الصوت الداخلي للروائي بأصوات روائيين وشعراء، في
عتبات الفصول، عبر مقتطفات هادية تبتدئ بكاتب "سهى البال عن اسمه"، وتنتهي
ب"إيف بونفوا" مرورا ب"بول فاليري" و"فيرناندو بيسوا" و"صلاح جاهين"،
وغيرهم، قبل أن تفسح مقدمات الراوي ومذكرات السارد المسرود له (شخصية
سميح) حيزا آخر للإفضاء، وتتخذ الحلقة الأخيرة من تلك المذكرات المعنونة
ب"لون الحنين" صورة التجريد التأملي في مقابل تفاصيل المغامرات الفردية
المنجمة عبر الحلقات النصية المخصصة لشخصيات: "نعيمة آيت الهنا" و"ولد
هنية"، و"عبد الموجود الوارثي".
تحكي الرواية عن شخصيات مكتنزة
بالأبعاد النفسية والدرامية، وعن وقائع اجتماعية وتفاصيل سياسية، وعن
مرحلة حافلة، عبر مستويات متراكبة، تتجاور فيها عوالم المتعة، وألغاز
الجريمة، وشطحات الثروة، ومتاهات السلطة. بمنظور تخييلي يموقعها داخل سياق
امتداد مفعم بعوامل التوتر السردي، لبلد هو المغرب، وضمن سيرورة زمنية
مسترسلة، من مطلع الاستقلال إلى العقد الحالي. هنا تكتسب الشخصيات المصورة
روائيا: "سميح"، و"نعيمة آية لهنا" و"ولد هنية"، و"الوارثي"، صبغة النماذج
التفسيرية لسلسلة انزياحات في الوعي وفي السلوك المنتقل من حيز الفردي إلى
الأفق الجماعي المتفاعل. وهي الشخصيات التي سيكون من شأن تجاور مصائرها،
وتقاطع رغائبها ونوازعها، تكوين دائرة سردية تنهض على جدل ثنائيات:
الذاكرة والحاضر، الموت والخلود، التخييل ومواجهة الفقدان. وهي الثنائيات
التي تشخص في نهاية المطاف الاستمرارية المضمرة، الدافعة لتكرار صيغ
النهوض الحسي والمعنوي، وترديد منظورات تقلّب بلورة الزمن والوقائع
والتفاصيل المروية.
تشتمل الرواية على تمهيد من حلقتين، حملت أولاهما
عنوان "على عتبة النص" والثانية "توضيح من الرواي" حيث يبين الروائي عبر
فقراتهما ورطة السارد المسرود له في النص، فهو راو وفي الآن ذاته مستمع
لحكاية تخصه، يعيد صياغتها آخرون بطريقتهم، شيء شبيه بما يحدث في بعض
القصص الشعبي حيث يستمع الحكواتي إلى حكايته مروية على ألسنة غرباء. وهي
اللعبة التي ستدمغ هيكل الرواية وتستوعب ما ترمي إلى تشخيصه بصدد انتفاء
الحقيقة، فعندما نكون بصدد مراجعة الماضي واستبطان الذاكرة واستعادة مسار
(أي مسار)، ثمة دوما وجوه متعددة للوقائع، قد تتقاطع في زوايا ما، لكن
الأكيد أنها تمضي في خطوط متوازية، تشرئب إلى بعضها مثلما هي أصوات وحيوات
الذوات الناقلة لها.
يختصر "التمهيد" الجوهر الإشكالي في الرواية،
بينما تنفتح الفصول على الأكوان الشخصية المتباينة في المبنى النصي، هكذا
يخصص الفصل الأول لنعيمة آيت لهنا؛ مضيفة الطيران ذات الأصول المتواضعة،
والقارئة النهمة للآداب، العاشقة للذائد الحياة، التي تعيش تجارب مليئة
بالمفارقات، مفعمة بالتحولات الحادة، ما بين أجواء المجتمع المخملي، وبؤس
عوالم القاع وقسوة محيطه، قبل أن تدفع بها رغبة الانتماء إلى أوساط الطبقة
المرفهة للتجارة في المخدرات. وينقلنا الفصل الثاني إلى عوالم شخصية "ولد
هنية"، الفتى المحدود التعليم، القادم من حي "تابريكت" الهامشي، المفتون
بنعيمة آيت لهنا، الذي تقلب عبر أكثر من مهنة، قبل أن تصهره قسوة الشارع،
والدهاليز السرية للبارات ومحيطها الشرس، حيث يبرز في المبنى الروائي
بوصفه مسربا لعوالم الشقاء، النقيضة لأوساط السلطة والثراء التي عبرتها
نعيمة آيت لهنا. أما الفصل الثالث فيفرد لشخصية عبد الموجود الوارثي، صاحب
النفوذ والثروة والصيت الكبير في ساحة السياسة والدين والثقافة، الذي
انطوت حياته على تركيب غامض، يناظر عادة ذاك الذي يسم حيوات مجمل أصحاب
الحظوة الاجتماعية، ممن يهمهم الحفاظ على تقاسيم الصورة الخارجية البادية
الوقار، من دون التفريط في مباهج اللذة السرية. وتنتهي الرواية إلى صيغة
مركبة تعيد ترتيب الوقائع في ما يشبه سيناريو، يستوعب تسجيلات محرك السرد،
الأستاذ سميح، وتقفل مدارات الحكي بفقرات تأملية من مذكراته، يبرز فيها
صوت الروائي مجددا معلقا على ما حدث، وكأنما الرواية كتبت للإفضاء
بالأسئلة والعبر والتأويلات حول تلك المسارات الإنسانية المتجاورة وكشف
شكوك الذات العميقة للروائي حول جوهر الحياة وكنه المتعة، وحكمة الإيمان،
وحقيقة الموت، ولغز الاستمرارية في نسوغ الزمن المترقرق دون حد.
وبصرف
النظر عن وجود حبكة قصصية متماسكة تلم أوصال تلك الشذرات النصية،
المتراسلة عبر سجلات لغوية متباينة، فإن إعلان الروائي عن تحرره من
استبدادية الراوي، بل وسخريته منه في بعض الفقرات (انظر ص 157)، وإخضاعه
لسلطة متدخل قوي هو "السارد المسرود له"، بما ينطوي عليه هذا الاختيار
البنائي من توسيع لأفق الرؤية الروائية للزمن والفضاءات والشخصيات، يجعل
الرواية تتراسل مع نزوع تجريبي راسخ في تراث هذا الفن ابتدأ ب"فيلدينغ"
ولم ينته ب"كونديرا"، وهو تقليد أضحى معه الإنجاز الأسلوبي تأملا في قدرة
السرد الروائي على استعادة الملموسية للأشياء وتطويق الزمن واستعادة نسوغ
الاسترسال.
في "عتبة النص" تطالعنا فقرة تهجس بحيرة الروائي أمام
الزمن المولد لجلدية الفقدان والحنين يقول: " عنصر الزمن ملتبس، زارع
للارتباك وأحيانا يزيف ما يظن أنه أقرب إلى الحقيقة. إذ ليس بديهيا ولا
متيسرا أن تحكي عن ماض انجلت بعض أسراره المحيطة به وهو في حاضره آنذاك،
انطلاقا من حاضر كان هو مستقبل ذلك الماضي... إن الكاتب يواجه بالحتم
بكارة أحداث تحفها غشاوة تضبب الرؤية وتعتم الوضوح"(ص 5).
لعل الإشكال
الأزلي للنثر الروائي هو إخضاع الزمن لتجربة الاستعادة، ونزع صبغة التجريد
عنه، عبر إكسابه منطق الرحلة، وربط سنواته الممتدة دون حد، ودقائقه المارة
في لمح البصر، بتجارب العيش، وتذوق اللذائذ، ومكابدة اليأس، وترقب الموت
في كل حين. تذكر ما جرى، ثم نسيانه بعد ذلك، على النحو الذي يجعل "الحاضر
يمضي ويحفظ في ذاته الماضي" -بتعبير جيل دولوز- إنها البداهة التي جعلت
"نعيمة آيت لهنا" تشخص في بنية التخييل كتعلة لسبر أغوار فواصل زمنية
مضيئة لمسار سميح، ما كانت لتطفو إلى السطح لولا ارتباطها بالدهشة الطازجة
التي أفرزتها لحظات الغواية الحسية "وسط عتمة يجللها القمع في أزمنة
الرصاص" (ص 21)، وهو المنطق الذي منح زمن اليفاعة المشترك بين السارد
المسود له و"ولد هنية" وظيفة الإحالة على أطياف "تابريكت" الذي احتضن
المشاهد المتوفزة بالأحاسيس في سبعينات القرن الماضي بما انطوت عليه من
مخاضات فكرية وأحلام عاطفية وحراك ثوري، وهي العلة التي جعلت صورة عبد
الموجود الوارثي، المثقف والسياسي وعالم الدين، تشف في مقاطع الوصف
والحوار، عن كيمياء الاستمرارية التي حفظت تماسك مؤسسات السلطة وخطابها،
وتشوفها إلى الرسوخ والتغلغل في رحلة الخمسين سنة التي أعقبت استقلال
المغرب. لا جرم من ثم أن تغدو صورة الزمن بمثابة الهاجس الوجودي في
الرواية، فعبر التعلق به، والتطلع إلى تبديد هلاميته، وتأويل اختلافاته في
منطق الأفراد، ورصد تقاطعات المصائر والمصادفات العبثية، ينتسج معنى
التخييل، من حيث هو لم لأوصال الرحلات الحياتية المتجاورة في مواجهة المحو
والفقدان.
وبما أن الوقت هو محرك الإدراك، وصائغ الأحاسيس، فأن المتع
والكروب لا يمكن أن تكون إلا ظرفية، مشبعة برحيق فصول العمر، وهو ما
استنفرت لتشخيصه مجمل مكونات التصوير في الرواية، حيث يتشرب التمرد الفكري
والسياسي حلمية "السبعينيات"، وتنهل لذائذ الحس من حياض الفتوة، ويلتبس
النهم إلى تجارب الجنس وعوالم الليل بمخاتلة الشباب، بينما تخيم الشكوك
الوجودية على مشارف الغروب، وتخايل الشيخوخة، ذلك ما تشي به صور "نعيمة
آيت الهنا" التي دفعت بها سيرورة التأزيم الزمني إلى حدود الجريمة في
محاولة لترويض نضارة الجسد وتخليد أمجاده. وهو أيضا ما عكسته صورة "عبد
الموجود الوارثي" الخارج من رصانة السياسية والفكر إلى استعادة الحياة،
وكأنما مسار نضاله الطويل ليس إلا تمهيدا لمرحلة النضج حيث تتساوى المتعة
وحرارة العيش. بينما تطل شخصية سميح في كل مرة من أفق الإدراك المأساوي
للعوالم التساكنة في زمنها الروائي، موحية من خلال حلقات الوصف ولقطات
الفعل ومحطات التأمل بحقيقة مفادها أن المتعة -الملتبس كنهها- ليست إلا
صنيعة لمرافئ العبور الجسدي المنذور للفناء. إنها الإجابة الروائية عن
السؤال الذي صدر به الراوي فصول المحكيات الشخصية حيث يقول:
"إن ما
يحيرني ويضع أمامي سدا، هو ذلك السؤال المتصل بالزمن (...) هل من يتكلم عن
الزمن يفعل ذلك مستحضرا الموت والزوال، ولا منطقية الأحداث، ولحظات الفرح
والخيبة وأوهام التحقق عبر الجنس والحب والتفوق؟ أم أنه يكتفي باستعادة
الزمن في مجراه المعتاد وتعاقبه المنظم لعلائق الناس؟ (...) أليس التذكر
لصيقا بنوع من الجنون عندما تتراوح اللحظات الزمنية المستعادة بين حضور
شبه ملموس، وتلاش يزعزع كل يقين ليجعل العقل في مهب رياح الزوال؟"(ص10).
لعل
ما يجعل الذاكرة، من حيث هي طاقة للتكوين الروائي، تعويضا للفقدان، كونها
تربط شريط الوقت الآفل، بتحققات المتع المتصادية مع الفضاء الحسي والمحيط
الإنساني، ومن ثم فإن عمل الروائي هو تخليد "الملموسية" ونفي صبغتي العري
والظلام عن الماضي. نتذكر في هذا السياق، تقنية مونطاجية طالما استخدمت في
أفلام الأبيض والأسود، حيث تغرق اللقطات الموحية بالاسترجاع والتذكر في
الحلكة، فبغير رصيد الحركة النورانية وصداها العاطفي المنحفر في اللاوعي
لا يفضل إلا السواد. في الرواية يتم الالتجاء إلى المناورة المقطعية أو
تغيير طبيعة الحروف لتمييز الأصوات و الأزمنة وهي جميعها حيل للتقريب
المجرد، وتبديد الصمت، وإذكاء التدفق.
وبقدر اقتران المتعة بالفقد
ولوعات الزمن، في نص "حيوات متجاورة"، فقد غدت مع تواتر الاعترافات
الشخصية وتأويلات السارد المسرود له رديفة لانتفاء اليقين، ولغزية الحياة،
من هنا يمكن فهم إلحاح الروائي على سرد التفاصيل الجنسية الناعمة منها
والفضائحية، من حيث هي عنصر جوهري في الرؤى الفردية للوجود المبهر، ومؤشر
على توق الذات الأزلي لتمديد مدارات التحقق وانتهاز فرص العمر الضيق، وهو
ما يختصره على نحو بليغ مقطع من اعترافات عبد الموجود الوارثي، حيث يقول:
"الارتجاج
الذي عصف بي وأنا ألج الشيخوخة قوى لدي الشك في ما نوعد به من حياة بعد
الموت. الحياة هنا على الأرض، أردد مع نفسي، هي المتعة الأخيرة الملموسة
والممكنة. وأخال أنني سأتشبث بهذا الاعتقاد إلى الرمق الأخير" (ص 123).
هي إذن محكية لأسرار الروح، وغرائز الخوف والمتعة وأحلام الحرية والمطلق،
وقدر الولادة والموت، لذا لم يكن غريبا أن يلتجئ الروائي إلى ابتداع صيغة
السارد المسرود له، حيث طبيعة الرؤية المقترحة شبيهة بتلك التي تخبرنا بها
الآساطير والكتب المقدسة عن الكائن اللحدي حيث يمر الشريط أمام الجاثم في
القرار، دون أن يستطيع له تعديلا، أنها حكايته مروية من قبل راوي خفي بعد
اكتمال دائرة السحر.
و هي أيضا رواية الحواس المزدهرة، والفتن
المتساكنة، والشخصيات المنذورة للتحول، التي تباعد بينها المراتع والأصول
والطبقات، وتصل بينها تفاصيل العيش، والاستمرار في الاستجابة لرغائب الحب،
ونزوات الجسد، وأحلام الثروة، فتتجاور في ضعفها وغريزيتها، مثلما تتباعد
في طموحاتها وأحلامها واختياراتها الأخلاقية. فترسم كلها مدارات حنين إلى
لحظات بدأت تذوي مخلفة أثرها المحفور في الذاكرة والجسد، صهرتها لغة سردية
مدهشة في تغلغلها إلى قرار التوترات الداخلية الملتبسة والخبيئة، لروائي
عرف دوما كيف يستدرج الصور من سديم النسيان.

شرف الدين ماجدولين -- العلم الثقافي
29/1/2010
التخييـل في مواجهـة الفقدان   قراءة في رواية: "حيوات متجاورة" لمحمد برادة Info%5C221292010123748PM3


said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى