صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الكائـن والـمـمـكـن والمحال في التنظيـرت الـمـســـرحـيـة

اذهب الى الأسفل

الكائـن والـمـمـكـن والمحال في التنظيـرت الـمـســـرحـيـة Empty الكائـن والـمـمـكـن والمحال في التنظيـرت الـمـســـرحـيـة

مُساهمة من طرف said السبت 30 يناير 2010 - 19:31

الجامعة فضاء للمعرفة، هكذا عرفناها، وهكذا عرفها كل العالم، ولكن يظهر أن جامعة ابن طفيل بالقنيطرة لها وجهة نظر أخرى مختلفة، لقد اقتنعنا ـ نحن الصادقين أو المغفلين من أهل هذا البلد ـ أن الجامعة لا تدخلها الحسابات الحزبية والفئوية، ولا تعرف الحساسيات المرضية، ولا تقترب منها الأنانيات المتضخمة والمتورمة، ولقد كنا نقول دائما ـ وإلى حدود الأسبوع الأخير من العام الماضي ـ بأن الجامعة فضاء للعلم والعلماء وللمتعلمين، وأنها فضاء للبحث والتجريب الحقيقيين.. التجريب وليس التغريب أو التخريب.. وبأنها فضاء للفكر والتفكير وللمفكرين، ولقد تبين لنا مؤخرا، أننا كنا حالمين، أو كنا واهمين، و فاتنا أنه، قد يحدث في أحيان كثيرة، خصوصا في الجغرافيات الغريبة والعجيبة، وفي الأزمنة الشاذة والاستثنائية، أن تختل بعض المقاييس، وأن تضطرب كثير من المعايير، وأن تنقلب كل الأدوار التي نعرف أو لا نعرف، وأن تصبح هذه الجامعة فضاء للحزبيين وللمنجمين وللمهرجين ولقراء الكف، وللوثنيين من عبدة الظلام ومن دعاة الجهل والأمية، وأقول هذا الكلام بمناسبة ( الندوة العلمية) التي عقدتها جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وورطت في أشغالها المشبوهة كثيرا من الأسماء، ولقد وجهت لي ـ في آخر لحظة ـ الدعوة للحضور، ورفضت المساهمة في كرنفالها ذاك للأسباب التالية، أولا،حتى لا أزكي الأمية والجهل، وثانيا، حتى لا أكون شريكا في جريمة ضد العقل والعقلانية وضد النظر العقلي وضد حاضر وماضي ومستقبل المسرح المغربي والعربي، وثالثا، حتى لا أعطي المشروعية لفعل غير مشرع، وأعطي الوزن لأسماء بلا وزن، ورابعا، تقديرا للجامعة المغربية، واحتراما لحقيقتها التي لا يمكن أن يعبث بها العابثون، وإنني أنزه هذه الجامعة أن تخوض في الحسابات النفعوية الضيقة، وأن تنزل إلى مستوى مناقشة البديهيات، وإلى درجة التشكيك في الثوابت والمبادئ التي أقرها العقل الإنساني، وذلك على امتداد كل تاريخه الطويل.


بين حد العلم وحد الأمية

فأن
تنعقد ندوة علمية، بغرض علمي، وبأدوات علمية حقيقية، وبأسماء تنتمي إلى
المعرفة والعلم، وتنتمي إلى الموضوعية وإلى النزاهة العلمية، فذلك شيء
جميل ونبيل بلا شك، ولكن أن يكون لهذه الندوة حسابات مهربة أو مدسوسة، وأن
تكون لها اعتبارات خفية وغير معلنة، وأن يكون وراءها نوايا غير سليمة وغير
بريئة، فذلك هو العبث واللامنطق، وهو الضحك على الجامعة أولا، وهو العبث
بأخلاقيات البحث العلمي ثانيا، وهو ـ ثالثا ـ توريط مؤسسة علمية كبيرة في
حساسيات مريضة لا علاقة له بروح العلم الحق ولا بأهدافه الحقيقية.
إنني
لا أتصور وجود ندوة علمية لا تتغيا تحقيق المعرفة، ولا أتصور وجود فعل
علمي لا يسبقه السؤال العلمي، ولا أتصور أن ينطلق البحث العلمي من فرضيات
خاطئة، وأن يبدأ من مقدمات مغلوطة، وأن يتأسس على حسابات ضيقة جدا،
ولتنزيل هذا الكلام في منزله الحقيقي أقول، إن مناسبة هذا المدخل النظري
هو انعقاد ندوة ( علمية) في مدينة القنيطرة المغربية، والغريب في هذه
الندوة الغربية والعجيبة هو أنها من تنظيم كلية الآداب بجامعة ابن طفيل
بالقنيطرة بالمغرب، ممثلة (بمختبر المسرح والمدينة) وبتعاون مع جمعية نقاد
المسرح بالمغرب، والتي لا أحد يعرفها، ولا يعرف أي (ناقد) ولو كانت هذه
الندوة من تنظيم جمعية من جمعيات الأحياء، لكان عذرها مقبولا، ولكان من
الممكن أن نتغاضى عن زلاتها وسقطاتها وشطحاتها (العلمية) وأما أن يتم كل
هذا الجهل وهذه الأمية في الحرم الجامعي، فإن ذلك ما لا يمكن السكوت عنه
أبدا.
ولكم أن تتصوروا رحلة تبدأ من نقطة الوصول، ومن رغبة في الفهم تبدأ من درجة الشعور بإدراك العلم كله، فماذا يمكن أن يتحقق بعد ذلك؟
إن مصيبة هذه الندوة ( العلمية) أنها تنطلق من سؤال غير علمي، وهذا السؤال هو:
ــ نظريات المسرح العربي: ماذا تبقى منها؟
وإذا
كان الأصل في السؤال ـ أي سؤال ـ أن يكون مدخلا للمعرفة، فإن هذا الصنف من
الأسئلة هو مخرج لها، وهو إقرار ضمني بنهاية ( كل ) نظريات المسرح العربي،
هكذا إذن، وببساطة تامة، وبضربة عنترية واحدة، يتم إسقاط كل التجارب
التنظيرية المتعددة والمتنوعة، بعد حشرها كلها في سلة واحدة، ومن غير
وضعها في مواضعها الحقيقية، ومن غير ربطها بسياقاتها المختلفة والمتنوعة،
وفي هذا الحكم المطلق يختفي شيء يسمى النسبية، وتختفي العلامات المميزة
لكل تجربة، ويتم وضع كل الفعل التنظيري العربي ـ على امتداد ثلاثة عقود من
الزمن ـ تحت طائلة سؤال واحد أوحد هو:
ــ نظريات المسرح العربي : ماذا تبقى منها؟
إن
الجهة التي طرحت هذا السؤال العدمي و(العلمي) والتي هي الجامعة، قد انطلقت
أساسا من ( قناعة) إيديولوجية، وليس من مبدأ علمي، فهي في سؤالها لا تريد
أن تقول سوى أنه لم يبق اليوم من هذه النظريات شيء، وأنها قد ماتت وانتهت
كلها، فهي تفترض الخواء، وإن من يفترض الخواء، لا يمكن أن يحقق شيئا من
الامتلاء العرفي والعلمي.
وإذا كان منظمو هذه الندوة ( يعتقدون) أن هذه النظريات المسرحية قد ماتت، فلماذا يتعبون أنفسهم، ويعقدون هذه الندوة أصلا؟
وما معنى أن يتم استدعاء كل هذه الأسماء الجادة والمحترمة من المغرب ومن خارجه؟
فهل فقط، من أجل أن نخبرهم بأن كل هذه التنظيرات التي تعرفون قد ماتت؟
وما المطلوب من كل المتدخلين في أشغال هذه الندوة؟
أن يبكوا الأطلال مثلا، وأن يضعوا الورود على قبورها؟
أم أن يدبجوا قصائد الرثاء في أجساد الموتى؟
ألم
يكن جديرا بهذه الندوة ( العلمية) مثلا، أن تشغل نفسها بما أجدى وأنفع؟ أي
بموضوع واقعي وحي، وذلك بدل أن تضيع مجهود الجامعة و(مالها ) فيما لا ينفع
البلاد والعباد؟
إن السؤال: ماذا تبقى من التنظيرات المسرحية، لا يمكن
أن يكون إلا من قبيلة ذلك السؤال الذي يقول: ماذا تبقى من الديناصور؟
وماذا تبقى من عاد وثمود ومن إرم ذات العماد ومن كل العرب البائدة؟
هناك
خلل ما إذن، وهناك بؤس في الرؤية والرؤيا، وهناك فساد في التصور، وهناك
خطأ في التقدير، وهناك غلط في الحساب، وهناك فقر في الحس النقدي، وهناك
شيء غير قليل من الاضطراب ومن الاهتزاز في الوعي وفي اللاوعي معا، وهناك
خيالات مريضة لا تستقيم مع روح الصحة النفسية والذهنية والروحية الحقيقية،
وهنك مواقف عدوانية خفية لا يليق إطلاقا أن تنسب إلى الجامعة، ولا يصح أن
تلصق بالبحث العلمي النزيه، وأمام هذه المشهد السوريالي والعبثي
والعجائبي، فإنه لا يمكن إلا أن نتساءل :
ــ هل يعقل أن تتحول الجامعة
المغربية اليوم ـ والتي يفترض فيها أن تكون فضاء للمعرفة وللموضوعية
والنزاهة ـ إلى محكمة من محاكم التفتيش؟
ـ وهل يجوز أن تتحول ندوة (
علمية ) إلى محاكمة غيابية، وأن تكون التهمة فيها هي (اقتراف ) التنظيرات
التي تشكل روح وجوهر المسرح العربي الحديث، وتشكل عقله ووجدانه أيضا،
وتشكل ضميره وتاريخه وجغرافيته كذلك؟
ــ وهل يعقل وجود محاكمة، يفترض فيها شيء قليل من العدل والإنصاف، وذلك في غياب (المتهمين) ؟
ــ وهل يعتقد قضاة محكمة التفتيش هذه، أن مرتكبي التنظيرات قد ماتوا أيضا؟ وإن كانوا كذلك، فما معنى هذه المحاكمة أصلا؟
إن
ما أعرفه شخصيا، هو أن (متزعمي) هذه الانقلابات والثورات التنظيرية
مازالوا أحياء، وعليه، فما الضرر في أن يحضروا، وأن يتم استدعاؤهم، وأن
يقولوا كلمتهم الأخيرة قبل تنفيذ حكم الإعدام فيهم، أليس هذا هو ما نعرفه
ونتعارف عليه دوليا؟
هكذا إذن، تنزل الجامعة المغربية من سمائها ومن
عليائها، لتخوض في سفاسف الأمور، ولترضي غرور بعض الفاشلين في النقد وفي
الجامعة معا، وهي بهذا تنسى، أو تتناسى، أن الأصل في العلم أنه فعل إجرائي
ـ مختبري أو ميداني ـ وأنه فعل مؤسس للمعرفة وليس مجرد رد فعل، أو مجرد
انفعال، أو مجرد حالة مرضية عابرة، أو مجرد نزوة طارئة، أو مجرد حالة
مزاجية ملتبسة، وهل يمكن أن يصل الأمر بهذه الجامعة إلى حد اتهام المفكرين
لأنهم فكروا؟ وإلى درجة تجريم المنظرين لأنهم نظروا؟ وإلى حد اتهام
المجتهدين لأنهم اجتهدوا؟ وهل نسيت هذه الجامعة أن هذه التنظيرات ـ
المتآمر عليها ـ هي التي تدرس اليوم في الكليات المغربية والعربية، والتي
تشكل روح الدرس المسرحي في كل المعاهد المسرحية العربية، بما فيها كلية
الآداب التابعة لجامعة ابن طفيل بالقنيطرة؟

موت التنظير وموت الشمس..

لقد
تم تنظيم ندوة بمدينة القنيطرة، وأريد لها أن تكون علمية جدا، ولقد انطلقت
أشغالها من السؤال التالي ( ما الذي يتبقى من التنظيرات المسرحية؟) مع
فرضية خاطئة ترى أن هذا السؤال هو أساسا سؤال مشروع، وأنه قائم على (
ملاحظة خفوت حدة التنظير وإطلاق نظريات المسرح العربي منذ مطلع القرن
الحالي، والتوجه نحو ممارسة المسرح وإنجازه بحثا عن التواصل مع جمهور
عالمي كما يبدو الآن جليا في حركية المسرح بين المسرح العربي وباقي دول
العالم)
وبهذا يكون خفوت حدة أي شيء، أو أي فعل، أو أي صوت، موجبا لأن
نشكك في وجوده، وأن نصوغ بخصوصه السؤال العجائبي التالي: ماذا يتبقى منه؟
وبهذا يكون من حق السادة العلماء في هذه الندوة (العلمية) أن يلاحظوا ـ
مثلا ـ خفوت حرارة الشمس، في القطب الجنوبي والشمالي من الكرة الأرضية،
وأن يستدلوا بذلك على .. موت الشمس..
ثم إن القول بخفوت فعل التنظير
المسرحي، لا يمكن أن يكون إلا وجهة نظر، ولكنه مع ذلك يصر على أن يقدم
نفسه في صيغة الحكم القضائي النهائي، والذي لا يقبل المناقشة أو المراجعة،
والذي يصبح في درجة البديهيات والمسلمات، وبذلك يكون من حق أي واحد أن
يسأل السؤال التالي: وما هو دليلكم على خفوت حدة التنظير؟ خصوصا إذا كان
الجانب النوعي، في التنظير الجديد، يمكن أن يعوض الجانب الكمي في ذلك
التنظير القديم، أو كان لهذا الخفوت معنى المراجعة أو معنى التأمل أو معنى
الاستراحة أو معنى التأهب أو معنى الصمت الذي يمكن أن يسبق العاصفة
القادمة..
هم في هذه الندوة إذن، يعلنون عن عشقهم للتغيير وللتجديد،
ولكنهم ـ مع ذلك ـ يخاصمون التنظير الفكري والفلسفي، ولا يؤمنون به، وذلك
هو التناقض في أجلى مظاهره، وفي أعلى درجاته، وذلك مادام أن التطور
الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا بالأفكار الجديدة، وأن مثل هذه الأفكار
الثورية والانقلابية الجديدة لا يمكن أن يكون لها وجود إلا في التفكير
العقلي، وعليه، فقد كان من الواجب أن نتساءل، كيف يمكن أن نطور مسرحنا
العربي بدون أفكار متطورة؟ وكيف يمكن أن نجدد صورة هذا المسرح بدون وجود
الأفكار الجديدة فيه؟ ويعرف الجميع اليوم، أن هذه الأفكار المؤسسة للمسرح،
هي التي لها وجود في رحم التنظيرات المسرحية الجادة والرائدة، فهي أساسا
ليست فعلا مضافا أو متطفلا على المسرح، ولكنها روح هذا المسرح، وهي وعيه
ولا وعيه، وهي ذاكرته ووجدانه، وهي بهذا بنك للأفكار الخلاقة، وهي بنك
للعلم والمعلومات، وهي خزان للتصورات والتمثلات، وهي منجم للإبداعات
الممكنة الوجود، وهي قوة اقتراحية مهمة، وهي خريطة طريق المسرح والحياة
معا، وهي بوصلة نفسية وذهنية وروحية في متاهات الإبداع الوجودي والوجود
الإبداعي.
نحن في التنظير الإبداعي دائما، والذي هو نفس الإبداع
التنظيري، لا نشتغل اشتغالا موسميا ظرفيا، لأن حركتنا التنظيرية موجودة في
إطار مشروع كبير مفتوح على المستقبل، بكل ممكناته وبكل مفاجآته المدهشة
والمثيرة، ونرى أن هذا المشروع ليس له سقف زمني محدد، وليست له أهداف
قريبة يسعى إليها، ويمكن أن ينتهي عند درجة تحقيقها، وهو مشروع وجودي قبل
كل شيء، وهو أكبر من المسرح المسرحي، لأنه يتعلق بحيوية الحياة، وبإنسانية
الإنسان، وبمدنية المدينة، ويتعلق بتحقيق المدينة الفاضلة الممكنة الوجود،
وبتحقيق المسرح الآخر الممكن، وبتحقيق الواقع الآخر والوقائع الأخرى،
وتحقيق المؤسسات الأخرى الجديدة والمتجددة، وبتحقيق العلاقات الإنسانية
الجميلة والنبيلة، وبتحقيق الإبداعات الأدبية والفنية والفكرية الأخرى .
هذا
هو مشروعنا الوجودي إذن، والذي يمكن أن تمضي الأيام والليالي ولا يمضي
معها، لأنه وجد ليبقى، ووجد ليرتقي سلم الوجود وسلم الارتقاء والتطور،
ووجد ليكون له في كل مرحلة تاريخية جديدة عنوان جديد، ومن كان في نفسه شك،
فليراجع الكتابات التنظيرية الاحتفالية في السبعينيات من القرن الماضي،
ويقوم بمقارنتها مع الكتابات الجديدة الحالية، ليكتشف مدى التطور الذي
حققه الفكر الاحتفالي، وليعرف أن هذه الاحتفالية ـ في عمرها الجديد ـ هي
اليوم أكثر انسجاما واكتمالا، وأنها أبلغ تعبيرا، وأكثر واقعية، وأكثر
انغراسا وتجذرا في تربة الوقع، وفي وجدان الناس، وفي صفحات التاريخ
المعاصر..

الاحتفالية ثورة فكرية أولا..

في حديثها عن التنوير الأوربي تصف الكاتبة غيرترود هذا التنوير بأنه ( أولا وقبل كل شيء حركة أفكار) 1
ولقد
ارتبطت القرون الوسطى بمحاربة الأفكار، وبمناهضة فعل التفكير، وبمعاداة
الروح العلمية، كما عرفت بحرق الكتب، وبمحاكمة الفلاسفة والعلماء،
وبمطاردة الساحرات، وباضطهاد الفلاسفة والمنظرين، فهل نكون اليوم، أمام
نفس ذلك الزمن الجاهلي والظلامي؟ سؤال يستمد مشروعيته من هذا البحث العبثي
واللاتاريخي عن نهاية النظر والتنظير.
إن الأفكار تنتمي ـ حسب ماركس ـ
إلى البنية التحتية، وعليه، فإن الأفكار الحية هي التي تنتجها المجتمعات
الحية، وأن الأفكار الجديدة هي التي تظهر في المجتمعات الجديدة، وهي التي
تتطور وتتجدد في الحقب التاريخية الجديدة أيضا، وإن ما يحدث اليوم، على
مستوى المسرح المغربي والعربي، لم يأت من فراغ، ولا يمكن أن ينتهي إلى
الفراغ، وهو نتيجة حركية معرفية وجمالية ارتبطت بأسماء مفكرين وبأسماء
منظرين وبأسماء مبدعين، وفي هذا المعنى يقول هيجل ( إن الثورة الفرنسية
نتجت عن الفلسفة) وكل ثورة لا يمكن أن تنهض إلا على فلسفة، وبهذا فقد أمكن
لنا أن نقول ما يلي ( إن ثورة المسرح المغربي والعربي قد نتجت عن التنظير
المتفلسف) ويمكن أن نلاحظ اليوم الملاحظة البسيطة التالية، وهي أن هذا
المسرح، بعد ظهور التنظير الفكري والعلمي فيه، ليس هو نفس ذلك المسرح الذي
كان من قبل، والذي كان تمثيلا فطريا، وكان فعلا عشوائيا، إنه اليوم مسرح
آخر مختلف ومغاير، وقد جاءه هذا الاختلاف من الأفكار ومن التصورات، ومن
القوة الاقتراحية التي يمتلكها التنظير المتفلسف، وإذا كان هذا المسرح
اليوم يتحرك، فما ذلك إلا لوجود محرك نظري بداخله، أو لوجود محركات فكرية
وعلمية كثيرة ومتنوعة في جسده، وإذا كان هذا المسرح فعلا واعيا وعاقلا
وسائلا ومتسائلا، فما ذلك إلا لأنه يعيش في إطار حركة فكرية وعقلية
حقيقية، وأن هذه الحركة لا يمكن أن تصادرها شطحات شخص من الأشخاص أو جهة
من الجهات.
يقول أرسطو( الإنسانية أفق والإنسان متحرك إلى أفقه
بالطبع ودائر على مركزه) ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن الفلسفة الاحتفالية
في المسرح، فهي أفق بعيد جدا، وكلما اقتربنا منه ازداد بعدا عنا،
والاحتفالي فيها مبدع متحرك نحو أفقه، وهو أيضا، دائر حول مركزها..
شيء
مؤكد أن هذا التنظير قد جاء استجابة لحاجة إليه، ولولا ذلك ما كان له أن
يكون أبدا، ولقد ولد في الثقافة العربية ولادة طبيعة، ونما نموا طبيعيا
أيضا، وتحققت له كل شروط الحياة والتطور والتجدد، وهو فعل تاريخي أراد به
التاريخ أن يطور الفعل المسرحي العربي، وأن يرتقي به من درجة المهنة إلى
درجة الفن، ومن درجة النظر الحسي إلى درجة النظر العقلي، ومن درجة الفوضى
إلى درجة النظام، ومن درجة الأفكار الشاردة والمشتتة إلى درجة الأفكار
المنتظمة في منظومة فكرية مترابطة ومتماسكة ومتناغمة ومتجانسة، وأن ينتقل
به من درجة الاشتغال الجزئي على مسرحية معينة، إلى درجة الاشتغال الكلي
على مسرح كامل ومتكامل، وبهذا يكون التنظير ـ في معناه الحقيقي ـ هو
الدرجات الأعلى والأبعد في مسيرة المسارح المختلفة والمتنوعة، وذلك لأنه
يمثل درجة العقل، ويجسد درجة الفكر، ويشخص درجة العلم، وبهذا يكون من حقنا
أن نتساءل:
ــ هل تكون الدعوة إلى نهاية التنظير ـ في المسرح العربي ـ هي دعوة جاهلية وظلامية إلى نهاية العقل فيه؟
ــ وهل يصح أن نخاصم العلم في عصر العلم، وأن نعادي التنوير الفكري، وأن نؤكد على الصناعة العشوائية؟
إن
هذه الندوة إذن، في مخاصمتها للتنظير الفكري، الجاد والجديد والمتجدد
دائما، هي بالتأكيد دعوة ضد العقل والعقلانية، وضد الواقع والتاريخ، وضد
روح العلم، وضد روح الفن، وضد النظام الفكري، وضد النظام الإبداعي، وهي
فوضوية وشعبوية، وهي دعوة إلى انتحار العقل..
يقول جاك دريدا وهو
يتحدث عن أنطونان آرتو ( ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه علينا اليوم
إنما يتجاوز التقنية المسرحية، وهذا هو توكيد آرتو، الأكثر إصرارا، لا
يجوز أن يجري معالجة التفكير التقني أو المسرحي على حدة، وما من شك في أن
انحلال المسرح يبدأ من إمكانية هذا الفعل ) 2
وهذا ما يسعى إليه اليوم
بعض المسرحيين المغاربة والعرب، أي ( معالجة التفكير التقني أو المسرحي
على حدة) وانحلال المسرح يبدأ من هذه الدرجة، أي من درجة الفصل بين الفكر
والتقنية، وبين العلم والفن، وبين الصناعة والفكر..
وإذا كان
الاحتفاليون (لا يؤمنون بتناسخ الأرواح، فإنهم يؤمنون بتناسخ الأفكار،
وبتناسخ الصور، وبتناسخ الاختيارات الوجودية والأدبية والفنية، وهذا شيء
يعطيهم الإحساس بأنهم ورثة الفكر الإنساني، في عموميته وشموليته، وأنهم
مؤتمنون على العبقرية الإنسانية، وذلك على امتداد التاريخ كله) 3
وهذا ما يجعل هذه الاحتفالية جزء أساسيا وحيويا من تاريخ المسرح الحديث، وهي بهذا علامة من علاماته المتعددة والمتنوعة..
في
هذه الاحتفالية يحضر العقل الشاعر دائما، ويحضر النظر العقلي، ويحضر
التنظير الفكريوأةةة الشامل، ويتم ما أمكن الابتعاد عن الشطح الاستعراضي،
ويتم التحرر من النزوات النرجيسية..
لقد حاولت هذه الاحتفالية أن تقرأ
خرائط الوجود والحياة، وأن تكون قراءاتها عامة وشاملة ومتكاملة، وأن تبتعد
عن القراءات الجزئية والانتقائية، والتي قد ترى نصف الكأس وحده ولا تراه
كله، إنها تنطلق دائما من الحقيقة البسيطة التالية، وهي أن الأشياء جواهر
وأعراض، وأنها مضامين وأشكال، ولهذا فقد انطلقت دائما من مخاطبة الجوهر
الصلب، سواء في الكلمات أو في العبارات أو في الناس أو في الأشياء، وبهذا
فقد كان ضروريا أن تخاصم القراءات الشكلانية، وأن تخاصم المقاربات
البرانية، ولم تبهرها الأضواء والألوان، ولم تخدعها الأشكال والأصباغ، ولم
تبعدها عن الجوهر الكامن في روح الحالات والمقامات.
لقد اعتبرت أن
الفعل الحقيقي هو الفعل التاريخي، أي ذلك الفعل الحي الذي يتمدد في
الإنسان، والذي يستمر في جسد الزمان وفي فضاء المكان، والذي يمكن أن تكون
له تداعيات وارتدادات وتغيرات وتشكلات في الأيام والليالي، ولعل هذا هو ما
جعل هذه الاحتفالية تخاصم الموسمية العابرة، ولا تلتفت إلى أي فعل يكون
قصير النفس، ويكون محدود التأثير، ويكون محدود الإشعاع، وهذا ما جعل قضايا
هذه الاحتفالية، وجعل أسئلتها ومسائلها أكبر وأخطر من لحظتها المحدودة
الهاربة، والتي هي أساسا قضايا وأسئلة ومسائل غير ظرفية، وغر موسمية، وغير
إقليمية، وغير شعوبية، وغير فئوية، وغير حزبية، وغير قومية..
ولأن هذه
الاحتفالية فعل حر ومسؤول، ولأنها فعل واضح وصريح، فقد كانت دائما في خصام
متجدد مع المواقف الرمادية، والمواقف التي ليس لها أي لون، والتي قد تحاول
أن توفق بين ما لا يمكن التوفيق بينه، وبهذا فقد كانت دائما ـ وسوف تبقى ـ
ضد المواقف التوفيقية، والتي لا تقوم على مبادئ، أو على قيم، أو على
اختيارات فكرية واضحة.
ولأن الأساس في هذه الاحتفالية أنها رؤية للعالم
والكون، ولأن هذه الرؤية احتفالية وعيدية، ولأن جوهر الاحتفال هو
الإنسانية والحيوية المدنية، فقد انطلقت من أرضية فكرية صلبة، وكانت بهذا
ضد التجريبية الخالصة، أو التجريبية التي تفتقر إلى أية خلفية نظرية،
والتي ليس لها أهداف، وليس لها آفاق، وليس لها ضفاف، وليس لها سقف تستظل
به، الشيء الذي يمكن أن يجعل الفعل التجريبي مطلوبا لذاته، مع أن الأصل
فيه أن يكون آلية فقط، وأن يكون منهجية لإثبات ما هو نظري، ولتجسيد وتشخيص
ما هو رمزي ومعنوي، ولعل هذا ما قامت به الاحتفالية عبر العقود الثلاثة
الماضية.

أنا المنظر أفكر. إذن فأنا موجود..

إننا نؤمن،
بأن الفكر لا يمكن أن يواجهه إلا التفكير، وبأن التنظير لا يمكن أن
يتجاوزه إلا تنظير آخر مختلف ومغاير، تنظير قد يوازيه في القوة والجدية،
ولكنه يختلف عنه في التوجه، وفي الأدوات، وفي المصطلحات، وفي الآليات،
وأين هو اليوم هذا الفكر المسرحي الآخر المختلف والمخالف، وأين هو التنظير
الآخر المغاير؟ هذا هو السؤال العلمي الحقيقي الذي كان على هذه الندوة
طرحه، والبحث له عن أجوبة علمية حقيقية، أما الهروب إلى العمى الإرادي،
بقصد نفي وجود الأشياء الموجدة فعلا وتاريخيا، فذلك هو العبث في أجلى صوره.
إننا
نعتقد بأنه لا وجود لفن حقيقي بدون رصيد معرفي، وبدون أرضية فكرية، وبدون
خلفية نظرية، وبدون أفق فلسفي، وبدون فرضيات وتصورات حقيقية، هذه قناعتنا،
ومن كان عاجزا عن ممارسة التفكير في الفعل الإبداعي فحن لا يمكن أن نلومه،
ومن كان معوقا فكريا وفلسفيا، فنحن لا يمكن أن نضحك عليه، ومن كان حرفيا
في المسرح فذلك شأنه وحده، ومن كان عاجزا على أن يعرف طريقه في عوالم
الحياة والفن فإننا نسعى لأن نهديه إلى الطريق المستقيم، ومن كان غير قادر
على أن يعطي (مسرحه) اسما من الأسماء، فإننا نحرضه على أن يفعل ذلك،
وندعوه إلى أن يبدع في الفكر وفي المسرح معا، وأنه عندما يفعل هذا، فإنه
سيجد نفسه في قلب الفعل التنظيري الحق، وسيجد أنه فعلا مفكر مسرحي، وأنه
مسرحي مفكر، وسيعرف أن الإبداع الكبير لا يمكن أن تصنعه إلا العقول
المفكرة.
إن التنظير إذن لم يمت، ومازال إلى حدود هذا اليوم حيا، وأعتقد أنه ليس من حقه أن يموت،
سواء
أكان ذلك غدا، أو كان بعد غد، أو كان في يوم من الأيام، وليس من مصلحة
البحث العلمي أن يدع المسرح العربي بدون أرضية فلسفية صلبة، أو أن يتركه
بدون تربة فكرية خصبة، أو بدون غلاف جوي يمكن أن تجد فيه التجارب
الإبداعية الجادة كل عناصر الحياة، وكل العناصر المساعدة على النمو
والتطور والتجدد والارتقاء، ولعل من أكبر الأدلة على وجود هذا التنظير،
وعلى حياته وحيويته، هو هذه الندوة ( العلمية) نفسها، فهي تنعقد لأجل
التفكير في التفكير، وبهدف النظر في التنظير، وماذا يمكن أن نسمي هذا
الفعل سوى أنه تنظير أيضا؟ وإذا كان ديكارت في الكوجيتو المشهور يقول:
ــ أنا أفكر، إذن فأنا موجود
فإن أهل هذه الندوة يقولون ـ بلسان الحال، ومن حيث لا يقصدون طبعا ـ ما يلي:
ــ نحن نفكر في التنظير، إذن فهذا التنظير موجود
نعم،
وهو بالتأكيد موجود وحي، موجود في وعي ولا وعي الذين فكروا في تنظيم هذه
الندوة، وموجود في وعي المتدخلين المهمومين بهم التنظير، وموجود في إدراك
الجمهور والقراء الذين يهمهم واقع هذا التنظير، ويهمهم مستقبله، وموجود في
البيانات وفي الكتب وفي الحوارات وفي الندوات وفي المحاضرات وفي المساجلات
وفي الكليات وفي المعاهد وفي المسارح وفي هذا الفراغ الذي لا يضيع فيه أي
شيء..
إنه لا يعقل أن نصادر العبقرية التي أغنت هذه الحياة بالأفكار
وبالآراء وبالتصورات النظرية، وأن نعتقل النبوغ المغربي والعربي، وأن
نصادر اجتهادهما النظري والإبداعي المشروع، والذي لا يمكن الفصل بينه بمثل
هذه الدعوة الغامضة والملتبسة، والتي تؤكد على (التوجه نحو ممارسة المسرح
وإنجازه بحثا عن التواصل مع جمهور عالمي كما يبدو الآن جليا في حركية
المسرح بين العالم العربي وباقي الدول الأخرى) وكأن هذا المسرح المدعم
بترسانة نظرية، وبحقول معرفية كثيرة، وبإرث علمي رصين، لا يمكن أن يتواصل
مع جمهور عالمي..
ونتساءل: هل يكفي أن يقول بعض القائلين ـ أو بعض
المتقولين ـ بأن زمن التنظير قد انتهى لتقول الحقيقة ويقول التاريخ، وتقول
الجغرافيا آمين؟
إن هؤلاء الذين يسعون إلى التواصل مع العالم، ينسون أن
هذا العالم له مسارحه، وله نظرياته، وله منظروه، وله علماؤه، وله مناهجه
العلمية، وله تجاربه الإبداعية، وله تياراته ومدارسه، وأن كبار المبدعين
فيه هم نفسهم كبار المنظرين، وذلك من أمثال فيكتور هيجو وبريشت وآرطو
وبيرنديلو وستانسلافسكي وغروتوفسكي وأوغستو بوال وبيكيت وأوجينو باربا
ويونسكو وسارتر وألبير كامي، وبماذا يمكن أن نحاور هذه الأسماء العالمة
والعارفة؟ بالاقتباس والاختلاس وبالهروب من طرح السؤال ومن مواجهة المسألة
الوجودية والمسألة الإبداعية في نفس الآن؟

1 ــ جاك دريدا ـ مسرح القسوة وانتهاء العرض (أو الواقعة التمثيلية) مجلة ( مواقف ) ع 43 ـ خريف 1981 ـ ض 111
2 ــ جاك دريدا ـ نفس المرجع ص111
3 ــ ع. برشيد ـ من كتاب (زمن الاحتفالية) مخطوط


د. عبد الكريم برشيد - العلم الثقافي
29/1/2010
الكائـن والـمـمـكـن والمحال في التنظيـرت الـمـســـرحـيـة Info%5C221292010125906PM2
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى