صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الماموث الأخيـر

اذهب الى الأسفل

الماموث الأخيـر Empty الماموث الأخيـر

مُساهمة من طرف عبدالله السبت 28 أبريل 2012 - 23:07

(1)

استهلال:
"قد يبدو من المدهش العثور على أفكار عميقة في كتابات الشعراء وليس في كتابات الفلاسفة. والسبب هو أن الشعراء يكتبون تحت تأثير حماسهم وقوة تخيلهم: ذلك أنه توجد فينا بذرات العلم مثلما توجد شرارات النار في الحجر. الفلاسفة يستخرجونها بالبرهان العقلي أما الشعراء فتنقشع لديهم بفعل تخيلهم وتغدو أكثر لمعانا"

الماموث الأخيـر Vz5jwQECeT

محمد السرغيني


وأنا
طالب في شعبة الفلسفة(1976/1977)، حضرت درسا في الثقافة العربية للأستاذ
"محمد السرغيني". استهل درسه بسؤال موجه لطالبة في الصفوف الأولى من الفصل،
قائلا: أعربي مادموزيل "ليس". فوجئت وأدركت توا نواقص أخوات كان. لكنني لم
أجرؤ على الكلام. فتسمرت في مكاني إلى أن زحزحتني عبارة غريبة... تلفظ بها
الأستاذ وهي: "تأييس الأيسيات عن ليس"، وأرجعها لصاحبها "أبي يوسف إسحاق
الكندي"، وخاض في تفصيل معانيها و دلالتها ومحل "ليس" من الإعراب فيها.
منذ ذالك الحين والجملة تختمر في وجداني وعقلي إلى أن حصلت على رسائل
الكندي وبالضبط على الرسالة الأولى في اللاهوت1. وبعدها أدركت هول معاني
العبارة، وأهميتها في السياق العربي الفلسفي الذي ابتدعه الكندي وأسسه على
عبارته تلك، رغم ما لحقها من حيف إيديولوجي كان يعتبر اللاهوت سُبة ولا يرى
فيه قدرة ناسوتية على التفكير فيما هو ديني.
إن بحثي حول مفهوم
"الأيس"2 لدى الكندي يعود فيه الفضل إلى أستاذي "محمد السرغيني"، فهو الذي
دلني على ذخيرة تلك الجملة الأنطولوجية وهو الذي فتح أعيني على كنوز
الفلسفة العربية الإسلامية، وهذا هو دأبه مع محبي الفلسفة (جمال الدين
العلوي ومحمد المصباحي) .وبهذه المناسبة أرفع نخب الجمل وتراكيبها، ونخب
رحيق اللغة والفلسفة في صحة الشاعر والأستاذ.
مناسبة حديثي هذا؛بعد فشلي
أكثر من مرة في قراءة ديوان من دواوينه، أني مكثت الطالب الذي ينصت
للشاعر؛ ولا يستطيع الكلام بَلْه الكتابة رغم أن قصيدة "أرنسو تشي غيفارا"3
في تلك الأحيان كانت إنذارا ونبراسا لأكثر من كلام وخطاب.
تلقيت بصدر
رحب، "وصايا الماموث"4.. مرتين.. الأولى من أرحية الشاعر الصديق "محمد
بنطلحة .. الذي اقترح علي بطريقته اللبيبة والكتومة والإيحائية واللبقة،
قراءة الكتاب مقدرا أن عمقه الفكري والفلسفي لا مثيل له، هو الذي جرب كل
صعاب ورُهاب هذا العمق بدءا من صافو، سيوران والتيهان وجورجياس ومقياس
الإنسان وليبنتز وهايدجر"، لماذا هناك الوجود وليس هناك بالأحرى لا شيء"
إلخ.....
والثانية من الأستاذ السرغيني نفسه حين التقينا صدفة بجوار
ولاية فاس بولمان القريبة من سكناه.. وأهداني الكتاب ممهورا بعبارات أعتز
بها واحتفظ بها لدوائر الزمان.
"وصايا الماموت الأخير"، سيرة ذاتية
ذهنية أو بعبارة أخرى خلفية فكرية أدبية فنية تذكرنا بالوصايا العشر وأيضا
بتلك التي تركها لنا ميلان كونديرا5 (...)مغدورة.
حفظت الوصايا العشر من
الضياع في لوحتين مرمريتين "ولا يولد المرمر إلا بعد مخاض و عسر ولادة/على
وقع نقرات ازميل مسنون/ ينقل وشم الحرف النبطي إلى هامة التماثيل النصفية
/و لا يتغير شكله عند انهيار أسطورة أصحابها"6 ؛كانا هما الصلة بين نور
الله وتعاليمه وسيدنا موسى وقومه في جبل سيناء. مضمون الوصايا يتصل
بوحدانية الله، واستحاله تجسيده أو تصويره كما يتعلق بأهم مبادئ المعاملات
كإثبات يوم نهاية الأسبوع لعبادة الله وتحريم السرقة.. "إن اللوح" المحفوظ
لهذه التعاليم هو الذي ضمن لها البقاء لفائدة الموصى لهم بها رغم بعض
الاختلافات الطفيفة في صياغتها أو ترتيبها. فهي وصايا دينية أخلاقية انبثقت
"كالحلم" هروبا من بطش الفراعنة وتفضيلا للانهائي، الرمالي عبر عبور البحر
وأهوال طريقه المنشقة والمنبلجة.. الوصايا العشر تندرج ضمن المعجزات..
أما
الوصايا المغدورة فهي ملتبسة.. تتعلق أحيانا بوصايا أوصى بها كتاب بحرق
كتبهم كفرانز كافكا أوفلادمير نابوكوف.. ولم ينجز مرادهم؛ وتتعلق أحيانا
أخرى بكتابات نقدية أو فنية توصي خيرا بالرواية وتقنياتها ومفاهيمها
واختياراتها.. والموسيقى وعلمها وأجروميتها.. وهو شأن وصايا ميلان كونديرا.
يشترك
الماموت الأخير مع سيدنا موسى "السامي الأخير" (ص166) في امتلاك عصى يهشان
بها على شياههما.. وفي امتلاك وصايا يوصي بها للموصى لهم؛ وفق لوحتين عند
سيدنا موسى وبندين عند الماموت الأخير. أما المشترك مع م. كونديرا فهو
إضافة إلى الوصايا امتهان الضحك والسخرية. فكل كتب كونديرا تمدح الضحك:
"أنواع الحب المضحكة" وكتاب "الضحك والنسيان" و"رواية المزحة".. حيث يؤكد
قائلا: "السخرية برق رباني يكشف معالم العالم في التباسها الأخلاقي وعدم
كفاية الإنسان في إصدار الحكم على الآخرين. السخرية هي ثمالة نسبية قضايا
الإنسان واللذة الغريبة المستخلصة من يقين اللايقين.والهزأ حسب أو كتافيو
بات "هو من اختراع العقل الحداثي". (ص45 من كتاب م. كونديرا. م. سابق).
"وصايا
الماموت الأخيرة" سيرة فكرية شعرية. تتوسط ثنائية الصدق والكذب بل تفضل
صدق الكذب على كذب الصدق."إنني أعرف كيف ومتى وأين أكذب. أعرف لماذا علي
أن أكذب وأعرف أن مخاطبي يعرف كذبي ويصدقه.."(ص 5) 7. به يتحمل الماموت
تمحل الألم وعنفه.
لغة الوصايا "كالحلم" لاهي صادقة ولا كاذبة. إن
اعتبرناها »نبوءة" كانت لها قوة استشراف الآتي، وإن اعتبرناها تذكرا
(anamnèse) كانت لها قدرة سبر أغوار الماضي. في كلتا الحالتين تستهدف لغة
الماموت "استمرار القديم في الراهن والآتي". لغة لا يمكنها أن تكون مباشرة،
فراهنيتها انقرضت مع انقراض السلالة، لكن مكث منها جانبها الانزياحي،
ففي هكذا لغة فائض في المعنى لا يمكن قياس فيضه وفيضانه، وفيها في نفس الآن
شح في المعنى كقبض الريح والشيحْ.. بحيث تبدو لغة الماموت إمتلاء مبنى
وابتلاء معنى. "تتطلب مهمة اقتناض المعنى تطهير هذه السلالات (البوم،
الغربان، الضواري الديناصورات...) من الدم الفاسد وإعدادها لإبداع فصائل
عرقية أعضاؤها بدائية وسلوكها حداثي، وعند انصهار الأعضاء البدائية في
السلوك الحداثي، يؤسس المعنى (مخطوطا ومقروءا) مشروع راهنية قادمة (ص 37).8

هكذا يمكن اعتبار الماموت الأخير من أولئك الذين"يكتبون اللغة ولا يتملقونها" كمحمد خير الدين وكاتب ياسين(44) .9
"وصايا
الماموت الأخير" تتكون من ضربين من البنود. بنود سرية وأخرى علنية، رهانه
على ذات الوصايا قد من حجر. فهو ضد الكتبة الرحل الذين " يضعون العصا بين
رجلي ونعلي"(ص5)، أولئك الذين يقطنون في جمهورية الموز"(ص5) وهو مع مقولة
"خلق الله العالم شعرا" وتوقع رد الاعتبار إلى الغاوين الذين يتبعهم
الغاوون. ولم يجرؤ على تأويل المقولة البديهية، ذلك أن من سكن اللغة المطلة
على أسمائه، لابد من ابتدائه بالسريانية وانتهائه بلغة اللغة] معنى
المعنى[ ومن سكنته اللغة ينفق من صمته على كلامه. "ثم يحمل عصاه ويهش بها
على شياهه الضالة كسيدنا موسى، "وكان من الضروري تقليص ما بين الجميل
والأجمل من مسافة".(ص6) لتوطيد رهان تلك الوصايا.
يا له من رهـــان؟?
بنوده
السرية لا يمكن الجهر بها بله البوح بها. فهي " دهاليز مظلمة رغم بياض
ثلجها" (ص17). فيها يبدو "نيتشه" وقد شفي من قوة ضعفه (ص17). واستمر عناده
المحرج من أجل فهم العالم. وفيها من يعترف، رغم كوجيطو ديكارت، بكينونة هذه
السوآت العاريات.(ص19) وفيها من يتهتم فيتاغورس " بتفسير المسميات
بأضدادها" (ص20) وممارسة التستر على الأعداد الصماء وبعض نوطات الموسيقى ..
أما
البنود العلنية: فهي جاءت ورست بعد الهجرة أرخت لانتشار وباء المجاعة.
لكنها رفضت الولائم والمآدب. وأعلنت على لسان الماموت الرفض بندا للجبانة
أو المسلة الغرافيتية وللذاكرة المثقوبة وفضل العلبة لحفظ مسك دم
الغزال"(ص23)" والأكواريوم مباءة لاحتواء اللامحدود (ص23). وفتح ورشة
التجريب التي مازالت مفتوحة شعرا.
أن يكون الماموت الأخير قد أخطأ حين
أودع وصاياه في العلبة بعد أن اكتشف إمكانية تعرضها لصدأ الرطوبة، وأن يكون
قد نقلها إلى "الأكواريوم" بعد أن تعرف على قانون الغاب المتحكم في سيرة
السمك، فالعناء كل العناء والذي يقلل من وطأة الخطأ كان هو الهروب والفرار
من إشكالية إحراق الكتب ( مكتبة الإسكندرية) ومن إغراقها في مياه دجلة
(أسفار بيت الحكمة) ومن قرصنتها في أعالي المتوسط. لكن هل أفلح في الأخير
حين استودعها في الورشة؟ ورشة الشعر الذي لا تنال منها الرطوبة ولا الصدأ
ولا بطش الكبير الذي يأكل الصغير؟
كانت العلبة لوحا محفوظا للعديد من
الوصايا مصداقا لقوله " استودعت العلبة وصاياي. زواياها الأربع صمام أمن لا
يغريه صدق كذبي بالتطاول على رموزي وإشاراتي" لكن العلبة كانت للحفظ لا
غير.(ص27).
فماذا حفظت لنا؟ حفظت لنا صداقة الماموت بالصقر حبا في
مخالبه وجناحيه كصداقة زاردشت.. نيتشه للثعابين والأسود والكواسر وامتهان
الضحك حتى في أقصى الغبن واليأس، وعلاج الاختلال بالبحث عن التوازن إلخ...
فالصداقة
والضحك والتوازن، أروم شتى الميادين والأجناس، كصداقة مسرحيي العبث ص.
بيكيت و(انتظار غودو).ي بيونسكو و(الخرتيت أو الأميرة الصلعاء). وصداقة
ارنستوشي غيفارا أو المولود البوليفي الوحيد؛ والضحك مع النفزاوي والتيفاشي
وأبيقور وراسبوتين وزوربا ودوساد ."تيه في حوار دون محاورين/ توحد قي
عربدة مفردة وهي مثناة/ تطهير كهنوتي بأفحش القذارات" (ص46).
والبحث عن التوازن بين " فطنة الأمس الدابر وغباء اليوم، الراهن" (ص36).
وبين "بطء نماء الشيخوخة وسرعة ذبول العنفوان" (ص35).
امتلأت
علبة الماموت بشتى صروف الأجناس الأدبية والفنية والشعرية واستخلصت منها
وصايا ما قبل الأكواريوم والورشة. لسان حال الماموت يقول فيها أوصيكم
بنيكراسوف وإيقان الرهيب، بالطباشير القوقازبية وتكسير الجدار الرابع،
بالعود والحقيبة "وأغنية القطار الشبح" أوصيكم "بملح الأرض" وتسو نامي
اليابان. كما أهيب بكم مشاهدة شريط "بلاغة الهاتف" "وسارق الدرجات"
والسخرية من "الأزمنة الحديثة" وجس نبض الثلاثي القلق: سارتر، سيمون وكامي
ومساءلة ثلاثية نجيب محفوظ والإهداء الممهور للماموت في مفتتح "خمارة القط
الأسود". وملامسة ثنائية مالرو "وشرطه الإنساني" وهيمينغواي "ولمن تدق
الأجراس" وثنائية "الجريمة والعقاب" "والمحاكمة"، ورعاية البقر في "عناقيد
الغضب" "وشارع السردين المعلب"، أصيخوا السمع للعصامية التفراوتية
"وأكادير" واستنشقوا عطر حانوت بشارع بونابارت سطعت فيه "نجمة" كاتب ياسين.
ويوصينا الماموت الأخير باليسوعي الأخير خيرا وبغربال "مردادة" المخملي
سعيا حميدا.
تمتد وصايا الماموت امتدادا ملتمسا العذر من تلك الرائحة
ومن "اللجنة". من غالب هلسا همسا ومن من صدئت بأسمائهم قارورة المعنى
(بنطلحة) واغرورقت أنفسهم في الأكواريوم اللازردي.
للموسيقى والشعر لدى
الماموت نفس النصيب من وصايا "ميلان كونديرا" أو أكثر، هناك مزج بين خليط
من الإيقاعات والأهازيج المحلية المختلفة المشرفة على التنافر والتنابذ
كالأمازيغية والعيطة والغرناطي، المألوف والموشح و الأندلسي، ورامسكي
كورساكوف" و"دي فايا" "والجازباند" "وسيدني بيشي" وأيدت بياف" ذلك الصوت
الشجي الذي يمضي كل شيء إلى اللاشيء .(ص76) ولا يندم على أي شيء؛ وإيف
مونطان الشدو الرخيم الذي انبثق في ايطاليا وتلألأ في فرنسا وشارل أزنافور
الصوت الباذخ الهارب من أرمينيا إلى البوهيميا ومومسات أمستردام اللائي لا
يثملهن إلا "خمرك يا جاك بريل" أما جورج براسانس، الجنوبي فلا يستوفيه حقه
إلا الرابور والسلامور الذي كانه قبل الأوان وقبل الرجل المريض...
ومن
المحلي ملحونا وشعبيا بزغت غنائية جميلة لا تخطئها الأذن رغم ما مزجت من
إيقاعات وألحان وما طربت لأوزان وبحار إنها غائية ناس الغيوان وجيل جيلالة
التي استعادت التراث دون استنساخ وبهتان.

الإحــــــــــــــــــالات:

1.
الكندي: الفلسفة الأولى إلى المعتصم بالله، تحقيق أحمد فؤاد الأهواني،
الطبعة الثانية سلسلة علوم الفلسفة، مؤسسة دار الكتاب الحديث، 1986.
2. عز الدين الخطابي/إدريس كثير: في الحاجة إلى إبداع فلسفي، مفهوم الأيس عند الكندي، منشورات الزمن، العدد 48، 2006، ص86.
3. قصيدة لمحمد السرغيني، نشرت في ذات الحقبة ..
4. محمد السرغيني: وصايا ماموث لم ينقرض، منشورات جامعة سيدي محمد بن عبد الله، سلسلة إبداع 2007، فاس.
5. Milan Kundera. Les Testaments Trahis. Gallimard 1993.
6. وصايا ماموث ... ص5.
*. كل الأرقام المذكورة في النص تحيل على وصايا ماموث .. م. سابق.
26/4/2012-العلم الثقافي

إدريس كثير

عبدالله
عبدالله

ذكر عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الماموث الأخيـر Empty رد: الماموث الأخيـر

مُساهمة من طرف عبدالله الأحد 20 مايو 2012 - 19:35

(2)

استهلال «قد يبدو من المدهش العثور على أفكار عميقة في كتابات الشعراء وليس في كتابات الفلاسفة. والسبب هو أن الشعراء يكتبون تحت تأثير حماسهم وقوة تخيلهم: ذلك أنه توجد فينا بذرات العلم مثلما توجد شرارات النار في الحجر. الفلاسفة يستخرجونها بالبرهان العقلي أما الشعراء فتنقشع لديهم بفعل تخيلهم وتغدو أكثر لمعانا»
ديكـــارت.

الماموث الأخيـر KGiIMcMgWp

رغم
أن الشعر هو من أرومة الورشة. إلا أن ما قبلها يتوقف على فرسان من سلالات
عدة. على رأسها وفصلها أبو الطيب المتنبي صديق الماموث الذي تنبأ «بخولة»
أخت «سيف الدولة» عشيقة والذي وهب للشعر عقلا(ص80). «واستعاد الأعمى بصره
به» ثم أيها الجذري الذي جنى على كل جنيات الشعر وترك الشعر جنايات
(الموسوي) كيف أدركت أن الماء لا لون له إلا بلون الإناء «(ص82) أيها
النباتي؟
ويا أدونس لم لم تعد تضيء كما كنت؟ هل خسئت كل فوانيس/نواميس باب عمر؟ يبدو لي أن الماموث هنا قد خسر رهانا من وصاياه??
نعم «لإليوت» والأرض «اليباب» نعم «لأربعاء» «الرماد» دون دخان الثلاثاء.
نعم «لديك» نزارقباني دون الثابت والمتحول» نعم للبرهان دون غليون? نعم لبودلير
ورامبو وفيرلين ولوتريامون لا لاستعارة الاسم دون مسمى. لا لنوبل دون ديناميت.
مرحى
سان جون بيرس؛ أوصى بك الماموث المغربي الأخير حين أدرك «أناباز»
«والمنفى» «والرياح» و أدرك عمق الخلاف بينك وبين دوغول. وجاورك بالعظيم
بابلو نيرودا الذي يقتسم نصف الاسم مع بيكاسو، ويشترك معه في كلية اللغة
الإيبيرية الغرنيكية المتحدثة عن الفقر حين يطل من ثقب الحذاء، حذاء جدار
الكرايبي وقرب الليندي وانتظار ساعي البريد.
ويمكن القول هيت للإشارة
إلى الحكايات (ألف ليلة وليلة ) وإلى الملحمات (العنترية والهلالية) وإلى
طواحين الهواء(دون كيخوطي) وكوميديا الإلهية (دانتي).
وفي الأخير وهو
يستعجل الوصول إلى أعماق الأكواريوم يجمع في باقة واحدة أبا حيان التوحيدي
وابن عربي الهاشمي وعبد الجبار النفري وسيوران وأونفري» هؤلاء الدعاة هم
شيعتي (ص113). أن يتشيع للتوحيدي وابن عربي و النفري فهذا أمر بديهي نظرا
لسوابق الماموث الأخير، ولكن أن يضيف إلى جناياته بورخيس وأونفري فهذه هي
مفاجأة المفاجآت ..هنا يعيد الماموت إحياء الهيدونية والمتاهات يقترب
منها تارة ويبتعد عنها تارة أخرى.
وفي هذه البينونة يشكل التشكيل محورا
مركزيا من وصاياه. فيه يفضل الماموث التجريد على كل أضربه وأنواعه الأخرى:
«التجريد من بين جميع الاتجاهات التشكيلية محجتي» (ص97). ربما لأنه أقرب
إلى أبجدية الشهر لديه. فكيف تقرأ أبجدية اللوحة؟ يفصح الماموث عن ثقافة
تشكيلية عتيقة ومتنوعة، تتحكم فيها قواعد وأقانيم جمة، نستطيع بها مناولة
كل الاتجاهات: التصويري الحرفي تشبيها وتجسيما قدم القدامى، والتشخيصي
الهادف إلى مرمى تشكيلي محض والمحو والتشطيب الشفاف كبلاغة للبحث عن دلالة
الدلالة، والمعجز والباهر والسحري كهيمنة لللاوعي، والتكعيبي باعتباره أصلا
لكل الأشكال، والسريالي «كترس نحاسي ناشئ من العين».
«لا بد إذن من
تخطي كل ما عرفه التشكيل من الاتجاهات السابقة و الوقوف بجدية عند مرافىء
التجريد المتنوعة المشارب و النزعات إذ منه ما هو حلم و ما هو أشكال هندسية
و ما هو تبئير للتراثي و ما هو إلصاقي و ما هو كاليغرافي.»(ص94)
وفي
رأيه أغلب اتجاهات التشكيل المغربي مستوردة.. ذلك أن التطور الطبيعي
للأشكال «الأرابيسكية» في الخشب والزليج والجبص كان لا يتفاعل إلا ببطء مع
ما انتقل إليه من الثقافة البصرية الغربية أو بقي في منأى عما تردد في
مدارس الفنون الجميلة الغربية على يد الجيل الذي تأثر بالحداثة وبما بعد
الحداثة.
والقراءة التي يرتئيها الماموث للوحة التشكيلية يسميها
بالقراءة «الأجرومية» (Grammatologique). تتأسس على ثلاث مناولات: الأولى
شكلية تبحث عن اللون والضوء والظل والخط والإيقاع والمحيط والمسافة والحركة
والعازل، والثانية شعرية تروم انسجام هذه العناصر سالفة الذكر، والأخيرة
قداسية تعبدية تنحني فيها الذات القارئة إجلالا وتكبيرا للفضاء الجمالي.
هكذا قرأ الماموث خوان ميرو وسالفادور دالي وبابلو بيكاسو، وهكذا يقرأ
الشعر... ويتناول رحيقه.
يفضل رحيق سان ميغال على اللقلاقة؛ ويطل على
آخر الهيدونين في تريانون وداليلا ويميز بالعمق الديونيزوسي بين الوافدين
الساقطين وبين المعتقين الراسخين ويضحك ملء شدقيه امنتهانا للضحك، وتأسيسا
للباتافيزيقا (الفريد جاري) على كل فرخ فرخت به الدواليب، ليتقمص كل
الحيوات في حين لا يجد الكائن الماموثي من الوقت ما يسمح له بتقمص حيوات
هؤلاء الدعاة/الشعاة الست.
صدئت العلبة وما حفظت بما اتسعت. وبات نقع
وصاياها في الأكواريم وشيكا باعتباره متحفا للتاريخ الطبيعي الممتلئ سمكا
وحيتانا تتقن ثلاث لغات تتكلم ولاتحس (ص129) وترجح الغلبة للأقوى.
دخل
الماموث حلبة الصراع برمزية لا يمكن فك سمتها لــولا عنوان هامشي (ص
145/146) تحت الماموثية: جاء فيه «أن بداية الألف والباء هي بداية
الاستفهام والتعجب ورغم تعدد اللغات عبرية، إغريقية، عربية، هناك دائما
الألف باء.
بين الألف والياء... نبت الفطر صدفة.. وامتدت المعرفة ضرورة.
وكان أول الكلام الصمت». بهذا الأخير نلتمس العذر إلى الحيوانات المنقرضة.

أعتذر للماموث عن كل رعونتي وكل تأويلاتي وأطلب منه الصفح. «إنما أقرأ
من أجل التقاط الجوهري المحلي وأربطه عضويا بالجوهري الكوني» (ص170).
لكن
لكل كتاب مركزه. ولكل مركز دوارته. ودوارة هذه الوصايا هي حين طاش
الماموث وأراد استخلاص أتعابه. وحين ضاقت به آخر اللحظات: ص(153/154/156)..
وقــــال اعتـــرافا:
«الماموث» في اللوحات المائية ضربة شمس.
«الماموث» في زحمة الألوان يكابد صدأه.
«الماموث» يحترف هويته بطواعية.
أسندت إليه أمر تأويل وصاياي.
وأطلق سراحها علنا وبدون مقابل «(ص156).
فآلت
الوصايا إلى ورشة الشعر. توطئة لا تهتم بالأعلام ومؤلفاتهم ولا بقراءة
منتجاتهم ومنتخباتهم.. إنما تهتم بالمغامرة، مغامرة الكتابة والقراءة. ورشة
وصايا الماموث الأخيرة ورشة كتابة يتم فيها استنبات أعشاب العلامات من رحم
خصيب، أولا بالكلمة التي تقابل صنوها وتتواصل معه بشعرية متكثرة الأبعاد،
ثم بالمعنى وفق مبادئ القولبة أو التطهير بالتناسخ والتشاكل والاستبدال، ثم
بالترادف المتفق حينا والمختلف أحيانا: كسيلان الماء وإراقة الدماء وأخيرا
الكتابة بالاسم كإيغال في التورية: الحجاج سيف قاطف والحلاج كتابة بالدم
والنعاج..... لهذه الكتابات تكوين ومنطق:
«جنينية التكوين بالكلمة
لغة التكوين بالمترادفات
منطق التكوين بالمقولات» (ص163).
مغامرة
الكتابة تستدعي معاقرة القراءة لذا يشير الماموث إلى شتى أنواع القراءة:
القراءة الترفيهية لهزم الوقت الثالث والقراءة التعالمية التي تضع الصفحات
المنسيات في أغلفة جلدية، وتتبرك بقشرة الفاكهة كما لو أنها تذوقت لبها
الحي.والقراءة الاحترافية، تلك التي تستدعي مفاهيم كالسمسار والصراف وتبييض
الفوائد.. قراءة تحترف القراءة وتسمى نقدا.
«النقد انتحال معرفة على معرفة
الناقد يدفع عنه تهمة العطالة
بالانتساب إلى المعرفتين». (ص169)
ويوصي الماموث بالقراءة الشعائرية الابتهالية ذات الإنشاء العالي والترتيل الباطني المهموس.
«قراءة الشعر الترفيهية قتاد
« قراءة الشعر التعالمية عوسج
قراءة الشعر الاحترافية حسك
«قراءة الشعر الشعائرية ابتهال». (ص170)
من
هذه القراءة الأخيرة يمكن ولوج ورشة الشعر، ورشة بثها الماموث آخر وصاياه
وركزها في مفاهيم شعرية فلسفية، هي نبراس قراءة الشعر. منها: السيرورة:
بدايتها مع الملحمي (قديما الإليادة، حديثا أناباز) ثم الوحداني (كالطلليات
والبكائيات) والسريالي (المستفيد من مكتنزات الفعل الباطن)... والمسافة
المتعددة، مسافة المحسوس قبالة المجرد والحقيقي قبالة المجازي والبسائط
قبالة المركبات، أما المسافة فهي فضاء لترتيب أثاث السطر الشعري (كمسافة
الأونطولوجي تعميرا لخراب الميتافيزيقا). (ص174).
وأخيرا الكثافة فهي ليست تمسيدا لتجاعيد، إنما هي اندماج الشاسع في الضيق: ككثافة خرق العادة وخلخلة ثبوثية الذوق العام. (ص174)
آخر وصايا الماموث أن ورشة الشعر تشكيل، وبالتالي «لا يكتشف ترهات هذا العالم غير الشعر» والتشكيل.
آه!
يكتب الشعر ليقرأ وينجز التشكيل ليبص،قاسمهما المشترك هو الذاكرة
والانطباع والحالة النفسية والاستلهام، وقاسمهما الثاني هو القراءة
الشعائرية التي تنقل الإعجاب إلى صلاة ابتهالية، «أبجدية الشعر كتابة
وقراءة وحروف أبجدية التشكيل تخطيطا ورسما وألوانا» (ص177). لذا..
«لا يكتشف ترهات هذا العالم غير الشعر» والتشكيل
كل الخروم أكدت ذلك، كل الوصايا أوصت بذلك، كل العهود تعهدت بمثل ذلك.
القفل المومس يعنو للمفاتيح أيا كان حجمها. (ص179)
وفي خروم أخرى: قرود الأطلس أجود أوبارا
من نسانيس «المسافات». (ص180)
وفي خروم أخرى:
«لا يكتشف ترهات هذا العالم غير الشعر والتشكيل.
«أفروديت = للاشتهاء
عشتروت = للبتولية
بلقيس = للاغتراب
ليلى = للنقض والإبرام
عزة = للمدى المتوسط
وكثير = للمدى البعيد.
لولا
التجريب لصدئت وصايا الماموث وأغرقت في أعالي بحار الأكواريوم، لأن
التجريب هو العمود الفقري الأساسي في الورشة التي اتخذها الشاعر سكنا له»
(ص212) منذ القدم.
ادريس كثير

14/5/2012-العلم الثقافي

عبدالله
عبدالله

ذكر عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى