صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شىء من فلسفة الإسراء والمعراج..

اذهب الى الأسفل

شىء من فلسفة الإسراء والمعراج..  Empty شىء من فلسفة الإسراء والمعراج..

مُساهمة من طرف abdelhamid الأحد 23 يونيو 2013 - 13:15

كلما تأملنا في المناسبات الدينية الرائعة وبحثنا فيها عما يعمق في النفس حب الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، والدفاع عنه أيضا بطريقة حضارية راقية، وفهم وتفهم هذا الدين العظيم على بصيرة، دون إسفاف أو بدع لا داعي لها سنسأل عنها يوم القيامة، وحتى ولو كان بأسلوب فلسفي منطقي رائع، يضع كل الأشياء في موضعها دون زيادة أو نقص عما جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة، خاصة الأحاديث الصحيحة. وهاهي حادثة الإسراء والمعراج تستحق التأمل لنبش ما فيها من معجزات وفوائد وعلم ومعرفة وإطلالة على عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى ولو من خلال بعض التساؤلات المشروعة المفيدة:
السؤال الأول: لماذا نكتب عن الإسراء والمعراج؟
الجواب: لأنها مقارنة بالمعجزات الرسولية الأخرى من المعجزات الكبرى، سواء فيما يتعلق بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو بالمقارنة بمعجزات الرسل الأخرى..
واختيار الله جل وعلا لرسول أمي هو بحد ذاته معجزة، حتى يتلقى العلم من الله مباشرة، حتى لا يقال أن هناك من علمه..
علينا أن نعرف خلفيات الإسراء وحيثياته حتى نفهم لماذا كان الإسراء؟.
فقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لأذى كثير من المشركين والكفار.. وفي عام واحد.. هوعام الحزن.. ماتت زوجته خديجة رضي الله عنها.. وكانت سكنا له.. تداوي مايلقاه من مشقة في سبيل الدعوة.. كما مات في نفس العام عمه أبو طالب الذي كان حماية خارجية له.. وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف.. عله يجد هناك من يسمع كلمة الحق ويؤمن بدين الله.. ولكنه بدلا من ذلك وجد الجحود والنكران.. وسلطوا عليه سفهاءهم فأسمعوه ما يؤذيه.. والتجأ إلى بستان هناك يلتمس الحماية.. وجلس رافعا يديه إلى السماء.. مناجيا ربه لما يلقاه من أهل الأرض.. والله سبحانه وتعالى هو القائل:
(.. ولا تلك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) النحل: 127-128.
وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة ولم يجد إلا المصعب بن عدي.. أحد كفار مكة ليجيره عند الدخول..  فأراد الحق سبحانه وتعالى.. أن يلفت رسوله الكريم .. أنه إذا ضاقت عليه الأرض فإن ملكوت السماء يحتفي به ويرحب به.. وأن ربه الذي كلفه بهذه الرسالة السامية بلاشك سينصره رغم كل الشدائد. ومن هنا جاءت معجزة الإسراء والمعراج.
ولنتأمل في الآية الكريمة (سبحان الذي أسرى بعبده..) الإسراء: 1.  فكلمة سبحان لم ترد في القرآن الكريم.. إلا عند ذكر الأشياء العجيبة المعجزة.. لذلك حين نسمعها في كلام الله سبحانه وتعالى.. فلا بد أن نعرف أن هذا تنزيه لله.. بأن الفعل الذي تم لا يقدر على فعله إلا الله جل جلاله.. وسبحان اسم.. وكل اسم لله يدل على الثبوت وعلى الدوام.. فالله سبحانه وتعالى منزه قبل أن يخلق من ينزهه..
فإذا قرأنا قول الله سبحان الذي اسري بعبده نعرف أن الله أرادنا أن نعرف أن معجزة الإسراء والمعراج من فعل الله سبحانه وتعالى.. ولم تتم بقوة رسول الله صلى الله عليه وسلم البشرية..
حين قال العرب والرسول يروي ما حدث له في الإسراء والمعراج.. أتدعي أنك أتيتها في ليلة.. ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرا.. كان سؤالهم دليلا على أنه لم يفهموا المعجزة.. فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل سريت.. وإنما قال أسري بي.. ومن الذي أسرى به.. الله سبحانه وتعالى..
وهناك تأمل آخر وهو الحق سبحانه وتعالى يقول: (سبحان الذي أسرى بعبده ..)، ولم يقل برسوله.. ولله جل جلاله في كونه عبيد وعباد.. كلنا عبيد الله.. الطائع فينا والعاصي. والمؤمن فينا والكافر والعياذ بالله.. ولكن عباد الله هم الذين اخلصوا له.. فاتحد اختيارهم مع منهج الله سبحانه وتعالى.. ولذلك نجد في القرآن الكريم.. عندما يريد الله أن يتحدث عن المخلصين من خلقه.. لا يسميهم عبيدا ولكن يسميهم عبادا.. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)، الفرقان: 63.
الله جل جلاله قد استخدم كلمة (عبده).. ليلفتنا إلى حقيقتين هامتين:
الحقيقة الأولى: أن الإسراء تم بالروح وبالجسد.. ولم يكن مناما.. ولكنه كان رؤية حقيقية.. فكلمة عبد لا تطلق إلا عند التقاء الروح والجسد.. وقد دار النقاش مع أولئك الذين استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهو يروي لهم ما حدث في الإسراء.. على أساس أنه تم بالروح والجسد.. وإلا ما كانوا ناقشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدث..
هذه واحدة.. أما الثانية: فهي أن الله جل جلاله يريد أن يثبت لنا أن العبودية له هي أسمى المراتب التي يصل إليها الإنسان.. فالعبودية لله عزة ما بعدها عزة.. وعطاء ما بعده عطاء.. وإذا قرأنا سورة الكهف نجد الحق جل جلاله يقول: (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما.. ) الكهف: 65-66. وهذا يكفي للإشارة إلى أن موسى رسول الله وكليمه.. ومع ذلك كان هناك عبد من عباد الله.. أعلم من موسى عليه السلام، واتبعه ليأخذ منه، أو ليتعلم عنه، وهو كما يُذكر الخضر عليه السلام.
السؤال الثاني والثالث: ولكن لماذا تم الإسراء ليلا؟ الحق سبحانه وتعالى يقول: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ..). الإسراء: 1. ولماذا لم يتم الإسراء نهارا، ويرى الجميع بأغينهم؟.. ولماذا الإسراء والمعراج غيبا؟
الجواب: على السؤالين هذين السؤالين: رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يركب الدابة التي أتى له بها جبريل عليه السلام، وهي البراق ويشق بها عنان السماء.. ألم يكن هذا أقوى بالنسبة للمعجزة.. بحيث يراها الناس في وضح النهار.. كما رأى أتباع إبراهيم النار وهي لا تحرقه.. وكما رأى أتباع موسى البحر وهو ينشق.. ألم يكن الإسراء نهارا هو تأكيدا للمعجزة فلا يكذبها أحد.. ولا يثور حولها ذلك الجدل الذي ثار من ضعاف الإيمان.. هذه واحدة.. أما الثانية... فإذا كانت المعجزة منسوبة إلى قدرة الله سبحانه وتعالى وقوته.. فلم أخذت ليلة أو جزءا من الليلة.. ألم يكن الله سبحانه وتعالى قادرا على أن ينقل رسوله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في لحظة أو أقل من لحظة؟ ثم يعيده أيضا في لحظة؟.. وكيف تأخذ المعجزة زمنا وهي بقدرة الله سبحانه وتعالى الذي لازمن عنده. ما دام الفعل من الله جل جلاله.. فهل يحتاج الله إلى وقت ليتم معجزته؟
كل هذه الأسئلة طُرحت وقيلت من المستشرقين.. وكانوا يحسبون بذلك أنهم يهدمون المعجزة.. ولكن أسئلتهم هذه بينت نواحي الإعجاز في الإسراء والمعراج.. تلك النواحي التي ربما لم يكن أحد يتنبه لها لو أن هؤلاء المستشرقين.. لم يشككوا في الإسلام.. ولكن الله سبحانه وتعالى يسخر عبده غير المؤمن لخدمة دين الحق. وليعرف الناسي دواعي العظمة في هذا الدين.
ثم أن حادثة الإسراء بدأت عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  نائما في الكعبة.. وقيل في بيته.. وقيل في بيت أم هانيء. وكل الروايات صحيحة.. لأن رؤيا الأنبياء صادقة. وتثبيت الأنبياء قبل المعجزات يأتي من الله جل وعلا.. حتى لا يفاجأ الرسول بالمعجزة. حيث ثبَّت الله موسى بمعجزة العصا قبل الذهاب إلى فرعون.. بل جرب العصا قبل الذهاب أمام رب العالمين.  التي أخذت شكل مرة حية ومرة جان.. وتم تدريب موسى على استخدامها مسبقا.. حتى لا يرتبك موسى أو يخاف عند جمع فرعون وسحرته المتمرسين..
والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قد بشر في رؤيا تسمى رؤيا الإيناس.. وهي أن يرى النبي الشىء في منام أو في يقظة.. حتى إذا ما أصبح حقيقة كان له أنس به وألف به.. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح..
إذا من قال أن الإسراء رؤيا منامية. نقول له أنها رؤيا الإيناس أولا.. ورؤيا التذكير بالنعمة ثانيا.. وواقع الحادث ثالثا.. وبذلك نخرج من كل الروايات المختلفة.. حتى الروايات التي تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اسري به من بيت أم هانىء.. والتي تقول إنه أسري به من بيته.. والتي تقول أنه أسري به من المسجد الحرام.. نخرج منها بنفس الفهم.. فقد جاءته الرؤيا مرة وهو عند أم هانىء.. وجاءته مرة وهو في بيته.. ومرة حقيقة واقعة وهو في المسجد الحرام.. فلا تضارب بين الروايات المختلفة.. ولا بين رؤيا التثبيت والإيناس ورؤيا الواقع.. وأم هانىء ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان بيتها قريبا من الكعبة.
ولكن الحقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قد اسري به من المسجد الحرام .. هذا هو إسراء الواقع. وأن الإسراء تم بالروح والجسد.. وإن كان ذلك لا يمنع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قد تعرف لحدث الإسراء مناما.. وتعرض له روحا. وتعرف له يقظة وواقعا..
على أن بعض الناس لا يزالون يجادلون في أن الإسراء لم يتم بالروح والجسد. وهم يستخدمون في ذلك النص القرآني الشريف: (.. وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ..) الإسراء: 60. ويقولون (الرؤيا) لا تستخدم إلا لما يرى في المنام.. أما ما يرى في اليقظة، فإننا نقول عنه (رؤية)..
نقول إذا كان المقصود هنا رؤيا منامية.. فكيف تكون فتنة للناس؟ يصدقها بعضهم ويكذبها بعضهم.. لو كانت رؤيا منامية.. فلا يمكن أن يناقشها أحد تصديقا أو تكذيبا كما بينا.. ونحن لا يجب أن نأخذ بالشائع على ألسنة الناس. ولكننا إذا عدنا للغة العربية قبل أن ينزل القرآن الكريم.. نجد أن كلمة (الرؤيا) وردت أيضا للبصر. وذكرت كذلك في كثير من قصائد الشعر لفحول الشعراء العرب.. والفرق الوحيد أنهم كانوا يستخدمون كلمة (الرؤيا) في البصر. عندما يتحدثون عن الأشياء الغريبة التي تشبه الحلم. فإذا استخدمنا (رؤيا) بمعنى المشاهدة بالبصر.. لهذا لا يتم إلا إذا رأينا أمامنا أمرا عجيبا.. وإلا لو كان الرؤيا منامية.. ما كانت فتنة للناس..
وهناك مسألة أخرى وهي أنه عندما طلب الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. معجزات حددوها.. لم يحققها لهم الله.. لأن تاريخ البشرية ومن سبقوهم كذبوا بالمعجزات الحسية رغم أنهم رأوها.. كما أن المعجزات الحسية مقصود بها الذين رؤوها فمن لم يراها غير مطالب بها ولا هو مقصود بها. ولكن الحق سبحان وتعالى أراد أن تكون معجزة الإسراء.. دليلا إيمانيا يبقى إلى يوم القيامة.. لأن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم باقية إلى يوم القيامة.. فجعلها غيبا عليه دليل مادي.. حتى تناقش بالعقل.. وتكون مدخلا للإيمان. لأن الإيمان ليست أداته الرؤية.. فليس بعد العين أين.. ولكنه يتم بالدليل العقلي. على أن ما هو غيب حدث فعلا. ووجود الشىء مختلف عن إدراك وجوده.. وذلك واضح بالدليل العقلي. فنحن مثلا لم نر الجراثيم إلا حديثا. ولكنها كانت موجودة منذ بداية الخلق.. وعدم علمنا بها لم يبطل مهمتها في الكون. ومن هذا الدليل العقلي وغيره من الأدلة عن أشياء كانت موجودة في الكون.. ثم كشفها الله لنا فعرفناها. مثل خصائص الغلاف الجوي. أو الكواكب التي نكتشف منها المزيد مع مرور الزمن أو غير ذلك. من هذا أقمنا الدليل العقلي. على أن ما هوغيب عنا.. موجود وإن لم ندركه. ثم لو أن المعجزة تمت نهارا.. ورأى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصعد إلى السماء على البراق. لقالوا إنما سُحرت أبصارنا. وأقرا قول الله تعالى: (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين)، الأنعام: 7. إذا المعجزة تمت غيبا ولكن عليها أكثر من دليل عقلي..
الرد على كفار قريش بأنهم يضربون في الرحلة أكباد الإبل شهرا، هو أن الفاعل هو الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يدع أنه هو الذي أسرى بنفسه. هذه واحدة، والدليل العقلي الثاني: أنهم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم، صف لنا المسجد الأقصى.. وقال رجل منهم أنا أعلم الناس ببيت المقدس.. فرفع له وأخذ يصفه وصفا دقيقا أذهل الحاضرين.
وهنا وقفة لو كانت قريش تعلم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد سافر إلى بيت المقدس.. ولو مرة واحدة ما سألوه هذا السؤال.. ولكنهم كانوا على يقين .. أنه صلى الله عليه وسلم لم يذهب إلى المسجد الأقصى في حياته.. ولكنهم طلبوا أن يصفه لهم كنوع من التعجيز.. وكذلك فيما يتعلق بالجمل الذي ضل منهم.. وأن القافلة يتقدمها جمل لونه أسود.. وأنها ستصل إلى مكة في شروق يوم كذا.. وقد حصل كل ذلك. كل هذه كانت أدلة مادية عقلية.. على أن المعجزة قد حدثت.. ولكن مع ذلك فقد فتن بعض المسلمين ولم يصدقوا وانطلقوا إلى أبي بكر رضي الله عنه.. وقال قولته المشهورة: أنصدقه في خبر السماء ونكذبه في هذا.. فالوحي غيب عنهم.. يجب تصديقه في معجزة غيبية أخرى حدثت له أقام عليها الدليل العقلي والمادي.. فيعرفون أنه صادق، وأن رسالته هي رسالة الحق. إذا كان المفروض بعد هذه الأدلة المادية التي قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤكد أنه أسري به.. كان المفروض لكل إنسان له عقل أن يزداد إيمانا برسالة محمد عليه الصلاة والسلام..
إذا حققت المعجزة هدفين.. أقامت الدليل العقلي والمادي على أن كل ما يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صدق ولو كان غيبا عنا.. وخلصت الإسلام من ضعفاء الإيمان.. الذين لو كانوا قد استمروا على إسلامهم لأصابوا هذا الدين بالضرر البليغ..
السؤال الرابع: الله سبحانه وتعالى لازمن عنده، فلماذا استغرقت معجزة الإسراء زمنا؟
الجواب: ألم يكن الحق جل جلاله قادرا على أن يسري برسوله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في لحظة؟ نقول إنه جل جلاله كان قادرا على ذلك.. ولكن لا بد أن نفهم أن كل ذلك خلق من خلق الله قانون.. وكل خلق منا يرى ما يدخل في قانونه.. فالبشر لهم قوانين تختلف عن قوانين الجان.. فالجن مثلا لأنه مخلوق من نار.. يستطيع أن يتحرك أسرع.. ويستطيع أن يتشكل بأشكال مختلفة.. ولكن الله سبحانه وتعالى رحمة بنا.. قد جعل كل من يتشكل بقانون.. يحكمه هذا القانون.. ولذلك إذا تشكل الجان في صورة إنسان وأطلقت عليه الرصاص قتل.. لأنه خاضع لقانون البشر الذي تشكل به.. وكذلك الملائكة وكل خلق الله. لهم قوانينهم الخاصة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا بد أن يقيم الدليل المادي والعقلي.. على أنه قد أسري به.. ولذلك كان لابد أن يرى أشياء وأحداثا تخضع لقوانين البشر ليأتي ويرويها لأهل مكة.. كدليل على صدق المعجزة.. وأحداث البشر تحتاج إلى زمن.. ولذلك اقتضت بشرية الأحداث التي سيراها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق بين مكة وبين المقدس أن يتم الإسراء في زمن، وأن يستغرق وقتا، ولو أن الله عز وجل لا يرد من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الدليل المادي والعقلي على صدق معجزة الإسراء لتمت المعجزة في لازمن.. جعل المعجزة تتم في ليلة لتستوعب الأحداث البشرية فيها. وكان الوقت الذي استغرقه الإسراء هو من تمام المعجزة وكمالها.
ثم لنتأمل فيما إذا أردنا أن نتحدث عما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في معجزة المعراج، فأنه كثير وكثير جدا، ولكننا يجب أن نفهم أنه إذا كانت معجزة الإسراء هي معجزة تحد للبشر فإن الإسراء لم يأت هكذا.. لأن الله سبحانه وتعالى جعل رسول صلى الله عليه وسلم يرى ما تتسع عقول البشر لإدراكه، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلال المعراج رأى الجنة ورأى النار بما فيهما، إن في الجنة ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فلا توجد ألفاظ بشرية تستطيع أن تصف ما في الجنة.. لذلك كان المعراج كان تثبيتا للرسول عليه الصلاة والسلام، وليعرف البشر أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى لرسوله صلى الله عليه وسلم أشياء فوق مقدور عقولهم، وفوق مقدور تصور البشرية كلها، وهذا يعطينا مؤشرين: أولا: منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه. ثانيا: إن كل شيء سيحدث في الدنيا وفي الآخرة موجود عند الله سبحانه وتعالى.
إذا علينا أن نتنبه إلى قول الحق جل جلاله (له)  في الآية: ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ياسين:82. أي أن هذا الشيء موجود..
على أننا هنا لابد أن نلتفت إلى أنه وإن ذكر الزمن في الإسراء.. فإنه لم يذكر في المعراج.. لماذا؟ لأن وجود الزمن في الإسراء كان له مبرر.. وهو الآيات البشرية التي رآها الرسول والتي كانت دليلا عقليا على حدوث المعجزة.. ومادام الحق سبحانه قد أعطى الدليل العقلي، في أنه خرق قوانين الكون لرسوله في أمر حسي، تدركه العقول وأن غاب عن الحواس، فالله جل جلاله الذي خرق القوانين في المعجزة الأرضية، قادر على أن يخرقها في الصعود إلى السماء. إذن فرحمة بعقولنا جعلنا الله بالدليل العقلي نتأكد من حدوث معجزة الإسراء.. حتى إذا حدثنا عن صعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء، فإننا نصدق فالأرض أرض الله والسماء سماؤه، وهو قادر على أن يغير القوانين في الأرض والسماء.
ولكن أحدا منا لم يصعد إلى السماء، ثم يعود إلى الأرض حتى يمكن أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصف له ما في السماء، كما سألوه أن يصف لهم بيت المقدس، إذن فالمعجزة هنا في المعراج، لا تحتاج إلى زمن.. كما احتاجت معجزة الإسراء، فلذلك فالزمن فيها لم يذكر وليس عاملا هاما يلزم وجوده.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى في السماء الأولى آدم، وفي الثانية رأى يحيى وعيسى، عليهما السلام، وفي الثالثة رأى يوسف، وفي الرابعة رأى أدريس، وفي السابعة رأى إبراهيم، عليهم السلام.
السؤال الخامس: هل هذا الترتيب الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلم للأنبياء في السموات يعني أفضلية نبي على نبي، أم أنهم جميعا في منزلة عالية؟
الجواب: الترتيب لا يعني الأفضلية أبدا، والله سبحانه في كتابه العزيز يقول: (كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله). البقرة 285. إذن فالتفرقة هنا غير موجودة، والقرب من الله سبحانه وتعالى ليس بالمسافات..
والذين مر بهم الرسول وسأل عنهم وأجيب على أسئلته هم على أنواع:
فالذين يحصدون في يوم وكلما حصدوا عاد الزرع في نفس ساعة الحصاد كما كان قبل أن يحصل، هم المجاهدون. تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف.
والمرأة العجوز الحاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة هي الدنيا. حيث إغراء الدنيا بزينتها وفتنتها.. ولكنهم لا يأخذون منها شيئا.
والذين يرضخون رؤسهم هم المتثاقلون عن الصلاة المكتوبة.
والذين تقرض السنتهم وشفاهم بمقاريض من حديد، وكلما قرضت عادت كما كانت، قال هؤلاء خطباء الفتنة، الذين يقولون مالا يفعلون..
والصخرة التي يخرج منها ثور كبير ويريد الثور أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فهو مثل الرجل يعطي الوعد ويقسم عليه، ثم لا يستطيع أن يفي به ولا أن يفي فيما وعد وأقسم، ولذلك يطالبنا الحق بألا نكثر من القسم، وألا نعد بشىء إلا ونحن قادرون على الوفاء به. والأدلة كثيرة في القرآن الكريم.
ثم رأى أكلة الحجارة وهي مشتعلة لا تنطفىء أبدا، فهم بلقمهم للحجارة ضمان لاستمرار الوقود حتى لا تنطفىء النار، وهم المرابون.
أما الذين يعتدون على أعراض الناس قولا وفعلا، فلهم أظافر من نحاس يخدشون بها وجوههم وصدورهم، والوجه أكرم شىء في الإنسان.
والذين يتركون اللحم الطيب أمامه ويأكلون اللحم النتن، فهم الزناة.
أما من يحملون حملا، لا يقدر عليه، ثم يمد يده إلى شىء آخر ليحمله ليزيد حمله فهم الذين يحملون الأمانات ويعجزن عن أدائها، ومع ذلك يحبون أن يزيدوا ظهورهم حملا بقبول أمانات جديدة.
وقد يتساءل بعض الناس، كيف رأى رسول الله المتكاسل عن الصلاة؟. مع أن الصلاة المكتوبة في الإسلام لم تكن فرضت.. وكيف رأى كل ما رأى؟، مع أنه لم يأت زمانه بعد؟
نقول: إن الله سبحانه وتعالى عالم غيب السموات والأرض.. كل شىء موجود في علمه. ونحن البشر إذا أردنا أن نبني عمارة جعلنا لها نموذجا مصغرا يسمى "اسكتش" وكلما كان المهندس بارعا كان هذا النموذج بالغ الدقة والتفاصيل، فكيف بالله سبحانه وتعالى وهو المبدع الأعظم لهذا الكون عنده صورة لما سيحدث في كونه. من بداية الخلق إلى الخلود في الجنة أو النار. وإذا كان المهندس البشري كلما كان بارعا قامت العمارة وفق النموذج الذي أعده لا تختلف عنه، كذلك عمارة الكون.
قال تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى) النجم:13-15. وهنا نسأل: من الذي رآه الرسول مرة أخرى؟ يقال أنه جبريل.. رآه في صورته كما كان ينزل بالوحي طوال رحلة الإسراء، ثم رآه في صورته الملائكية الحقيقية مرة أخرى عند سدرة المنتهى. ولابد أن نفهم أن القوانين التي خضع رسول الله صلى عليه وسلم لها عند سدرة المنتهى، كانت أرقى قوانين الخلق، لأنه وصل إلى المكان الذي ينتهي عنده علم الخلق كلهم، وعند سدرة المنتهى لا يمكن لأي مخلوق من مخلوقات الله أن يصفها أو يصف جنة المأوى.
وتفسير ذلك أن العلم لكي ينتقل من بشر إلى آخر، لابد له من أسلوب، والأسلوب يحتاج إلى اللغة، واللغة تحتاج إلى توضيح، والتوضيع يوجب علينا أن يوجد المعنى أولا، ثم بعد ذلك يوجد له اللفظ، وهذه أمور لم تسمعها آذاننا ولم ترها عيوننا، ولم تدركها عقولنا، ولا خطرت على قلوبنا، كيف نضع لها ألفاظا، لابد أن نأخذها عن الله سبحانه وتعالى بما أخبرنا به، دون أن نسأل كيف؟ أو نحاول الحصول على توضيح، لأننا عاجزون، فإذا أخبرنا الحق سبحانه بشىء يقرب الصورة إلينا فإننا نأخذه عند قول الله تبارك وتعالى. وهذا مثال ينطبق على وصف الجنة تماما.
الإسراء والمعراج هي اختبار لنا وليست اختبار للرسول صلى الله عليه وسلم. فلم يقل الرسول أنه رأى الآية الكبرى، بل أن الله هو الذي أخبرنا ذلك (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)، النجم: 18.
موسى رأى آيات ربه الكبرى، في الأرض. أما رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فرأى آيات ربه الكبرى في السماء. (واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى) طه:22-23. وهنا فيها فائدة لغوية، حيث يمكن من السياق اللغوي، أن معناها رأي الآية الكبرى من آيات ربه.. فكأن الكبرى هي المفعول، وليست وصف الآية. حيث المرحلة الأخيرة من المعراج.
وقول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم: لو تقدمت لاحترقت.. وأنت يارسول الله لو تقدمت لاخترقت.. ما معنى هذه الجملة: معناها أن قوانين ملائكية جبريل، لا تسمح له إلا بالوصول إلى سدرة المنتهى، وهي كما قلنا، التي ينتهي عندها علم الخلائق كلها ولو بالوحي، ولذلك فإنه إذا تقدم، فإن قانونه لا بتحمل فيحترق. لأن ملائكيته لا تحتمل. فأصبح رسولنا الكريم وحده، الذي يستطيع أن يتقدم وأن يخترق.
لقد رأى رسولنا صلى الله عليه وسلم خلال رحلة المعراج مشاهد كثيرة، رآها رمزا مقدورا، وسنراها رمزا مفعولا بالنسبة للناس في الآخرة. والدليل (تبت يدا..) المسد:1. هذه الآيات أخبرتنا بمصير أبي لهب، وهو ما يزال على قيد الحياة، أي فترة الاختيار البشري، ومع ذلك فإن أبا لهب لم يخطر على باله، أن يعلن إسلامه ولو نفاقا أو رياء، ليهدم قضية الدين، بل بقي على كفره، ليكون – وهو الكافر – آية صدق القرآن الكريم.
كذلك لم يخطر على بال أحد من الروم أو الفرس، أن يتقدم لعقد صلح أو إنهاء حرب ليهدم الدين الجديد، ورغم أنه قد مر حوالي تسع سنوات، بين نزول الآية الكريمة وانتصار الروم، وكان هذا الزمن كافيا جدا، ليعقد الفرس والروم صلحا ويتجنبوا الحرب، فإن ذلك لم يحدث ووقعت الحرب وانتصر الروم كما أخبر القرآن الكريم.
إلى هنا نأتي إلى النقطة الأخيرة، وهي فرض الصلاة وكل أركان الإسلام وأحكامه جاءت بالوحي، إلا الصلاة، فإنها فرضت بالأمر المباشر من الله سبحانه،  لأنها صلة العبد بربه، وهي الرمز لعبودية الإنسان للخالق العظيم، والصلاة هي جامعة لأحكام الدين كله، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح الدين كله. وأركان الإسلام كلها قد تسقط عن العبد، فالفقير تسقط عنه الزكاة، والمريض يسقط عنه الصوم، وغير المستطيع يسقط عنه الحج. ولكن الصلاة لا تسقط عن المؤمن بها. فإنه إذا لم يستطع أن يصلي واقفا صلى جالسا، أو راقدا، أو بجوارحه..
ثم أن مسألة تخفيض الصلاة بواسطة سيدنا موسى عليه السلام، يجب أن نفرق بين عداوتنا لليهود وموسى عليه السلام، فموسى رسول من أولي العزم ولا يجب أن يكون في نفوسنا له إلا الحب والتقدير. بصرف النظر عن شعورنا نحو اليهود، الذي بدلوا وغيروا في التوراة. ولو كانوا أتباع موسى بحق لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. حتى وإن قال اليهود أن لقاء رسولنا صلى الله عليه وسلم وما تبعه من تخفيف الصلاة، هو فرض وصاية موسى على الإسلام وهذا غير صحيح. فالوصاية أن تفرض الشىء الذي تريده ولو قهرا على صاحبه، هل فرض موسى عليه السلام شيئا على الإسلام قهرا أو اختيارا؟ لم يحدث ذلك. وكانت هذه العبارة الوصاية صحيح لو أن موسى هو الذي خفف الصلاة من خمسين إلى خمس، ولكن من الذي خفض الصلاة؟ إنه الله جل وعلا، فأين الوصاية والأمر كله لله.
رجعنا إلى الكثير مما كتبه الشيخ الشعراوي، عن هذه المناسبة.



الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن الجوف
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 66
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى