ابن علي يخطب في نحاة البصرة
صفحة 1 من اصل 1
ابن علي يخطب في نحاة البصرة
ابن علي يخطب في نحاة البصرة
---------------------------------------------
تحل اليوم الذكرى السنوية العاشرة للخطبة التي ألقاها طاغية نجدان في نُحاة البصرة، يوم اعتقالهم . و ها هو نص الخطبة ، كما رواه أبو الحسن الشيباني في كتابه ( كشف الظنون.)
_____________________________
قال أبو الحسن الشيباني :
كنتُ في مجلس ابن علي ، حين جيء بنحاة البصرة و هم يرسفون في الأغلال ، و فيهم عبدالله بن أبي إسحاق الحضرمي ، و عيسى بن عمر الثقفي ، و أبو عمرو بن العلاء، و الخليل بن أحمد ، و الأخفش الأكبر، و سيبويه، و اليزيدي ، و أبو زيد الأنصاري ، و قطرب ، و أبو عمر الجرمي، و المازني، و يونس بن حبيب . فلما مثلوا بين يدي الطاغية ، تفرسَ فيهم طويلا ، ثم وقف و اتكأ على عصاه، و خاطبهم قائلا:
- يا نحاة البصرة ، اعلموا أنكم شربتم كأس الجهالة و ركبتم مركب الضلالة ، و عزمتم على إشعال نار الفتنة ، وأحدثتمْ في لغة العرَب أحداثاً لم تُسبَقوا إليها : تَشدَّدتمْ في السماع، فلم تكونوا تأخذون إلا عن جفاة الأعراب ، في أطراف الجزيرة العربية . و بالغتم في التحري عن الشاهد السليم ، و زعمتم أن أكثركم من قيس و تَميم ، و حقّرتمْ نُحاةَ الكوفة و وصفتموهم بأنهم من عرب اليمن ، الذين لا يطمئن إلى لغتهم أحد ، لعدم خلوص العربية فيهم ، و لأنهم خالطوا الأحباشَ و الهنود ، و تزوجوا منهم ، فامتزج الكلام العربي لديهم بغير العربي. و عبتم على نحاة الكوفة كذلك أنهم أسسوا نحْوَهمْ على القياس، و تساهلوا في الرواية ، و اعتدّوا بكل مسموع ، فلم يفرقوا بين غثّ و سمين . و افتخرتم بأن البصرة تقع في الجنوب الغربي من العراق ، على طرف البادية ، في صقع عاش في الحرية البدوية، و لم يمتد إليه نفوذٌ أجنبي ، يُغَيّرُ من طبيعته . و قلتم إن البصرة هي أدنى مدن العراق من البوادي العربية ، حيث العرَب الأقحاح ، و زعمتم أن عدم اختلاط أهلها بدم أجنبي قد جعلها تحافظ على سليقتها العربية ، و هكذا حططتم من شأن الكوفة، لأنها شديدة النأي عن الجزيرة العربية ، إذْ تَفصل بينهما صحراءُ السماوة ، المترامية الأطراف ، وقلتم إن نُحاتَها يستصعبون الرحيلَ إلى الجزيرة العربية ، كي يسمعوا الكلام العربي الخالص و الفصيح . و هذا لعمري كلام باطل . فهذا شيخنا أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي الكوفي ، يشهد على أكاذيبكم ، هو الذي طاف زمناً طويلاً ببادية نجد و الحجاز، و أقام بالبصرة مدة غير يسيرة ، في زمن شيخكم الخليل بن أحمد .
و زعمتم أن أهل الكوفة إنما قرّبهم الخلفاء العباسيون كي يردوا لهم الجميل ،
بسبب مواقفهم القديمة المعروفة ، فعَزّت الكوفة ، حسب أقوالكم، بعد ذلّ و هوان ، و صار يُشار إلى نُحاتها بالبنان . و نسيتم أن معاوية بن أبي سفيان قد فعلَ الشيء نفسه مع البصريين ، بعد أن حفظ لهم جميلَ تأييدهم للأمويين.
و عبتم كذلك على أهل الكوفة أنهم لم يكونوا يتجاوبون مع النحو في أوله ، و أنهم انصرفوا عنه إلى رواية الأخبار و الأشعار . فإياي و هذه الأكاذيب ، فإني لا أوتى بمن يروجها إلا رميتُ به في سجن الكثيب. و إياي و دعوة " العنصر العربي البصري الخالص " ، فإني لا آخذ داعيا بها إلا نكلتُ به . و اعلموا أني آليتُ على نفسي أن آخذ المصيبَ منكم في النحو بذنب المخطئ ، و أن أجالدكم مجالدة العارف بكم ، و بما جُبلتم عليه من سوء الفعل . فاتقوا الله فينا و في أنفسكم و احذروا مزالقَ الفتنة ، فإنها تفسد المعيشة و تكدر النعمة . و اعلموا أني لا أعِدُ إلا وفيت ، و لا أهمّ إلا أمضيت . و قد أمرتُ صاحبَ شرطتي بإلقاء القبض على كل شاعر يتخذ البصريون من شعره الشواهدَ النحوية ، و بدأتُ بأولئك الذين استغل سيبويه أشعارهم لإثبات أباطيله . و هكذا أمرتُ باعتقال عدي بن زيد العبادي ، بسبب بيته الشعري :
أكلَّ امرئ تَحْسبين امرءاً = و ناراً تَوَقّدُ بالليل نارا ؟
و أمرت باعتقال جران العود ، الذي قال :
يا ليتني و أنتِ يا لميسُ = ببلدة ليس بها أنيسُ
و باعتقال النجاشي الذي قال :
فلستُ بآتيهِ و لا أستطيعهُ = و لٰكِ اسْقني إنْ كان ماؤكَ ذا فَضْل
وباعتقال هشام، أخي الشاعر ذي الرمة ، بسبب بيته :
هي الشفاءُ لدائي إن ظفرتُ بها = و ليس منها شفاء الداء مبذولُ
و باعتقال ذي الرمة نفسه ، لأنه صاحب البيت التالي:
ديارَ مَيّة إذْ ميٌّ تُساعفنا = و لا يَرى مثلها عُرْبٌ و لا عَجَمُ
و باعتقال العُجير السلولي الذي قال:
إذا متُّ كان الناسُ نصفان شامتٌ = و آخرُ مُثْنٍ بالذي كنتُ أصنعُ
و سوف يُنقل شعراءُ الشواهد هؤلاء إلى سجن الكثيب . و إني لأرجو أن تطول هذه اللائحة ، حتى لا يبقى هناك شاعر طليق من بين أولئك الذين ينظمون لكم الشواهد . و أيْم الله إنّ فيهم لأسْرى كثيرةً ، فليحذرْ كل واحد منهم أنْ يكون منْ أسراي .
---------------------------------------------
تحل اليوم الذكرى السنوية العاشرة للخطبة التي ألقاها طاغية نجدان في نُحاة البصرة، يوم اعتقالهم . و ها هو نص الخطبة ، كما رواه أبو الحسن الشيباني في كتابه ( كشف الظنون.)
_____________________________
قال أبو الحسن الشيباني :
كنتُ في مجلس ابن علي ، حين جيء بنحاة البصرة و هم يرسفون في الأغلال ، و فيهم عبدالله بن أبي إسحاق الحضرمي ، و عيسى بن عمر الثقفي ، و أبو عمرو بن العلاء، و الخليل بن أحمد ، و الأخفش الأكبر، و سيبويه، و اليزيدي ، و أبو زيد الأنصاري ، و قطرب ، و أبو عمر الجرمي، و المازني، و يونس بن حبيب . فلما مثلوا بين يدي الطاغية ، تفرسَ فيهم طويلا ، ثم وقف و اتكأ على عصاه، و خاطبهم قائلا:
- يا نحاة البصرة ، اعلموا أنكم شربتم كأس الجهالة و ركبتم مركب الضلالة ، و عزمتم على إشعال نار الفتنة ، وأحدثتمْ في لغة العرَب أحداثاً لم تُسبَقوا إليها : تَشدَّدتمْ في السماع، فلم تكونوا تأخذون إلا عن جفاة الأعراب ، في أطراف الجزيرة العربية . و بالغتم في التحري عن الشاهد السليم ، و زعمتم أن أكثركم من قيس و تَميم ، و حقّرتمْ نُحاةَ الكوفة و وصفتموهم بأنهم من عرب اليمن ، الذين لا يطمئن إلى لغتهم أحد ، لعدم خلوص العربية فيهم ، و لأنهم خالطوا الأحباشَ و الهنود ، و تزوجوا منهم ، فامتزج الكلام العربي لديهم بغير العربي. و عبتم على نحاة الكوفة كذلك أنهم أسسوا نحْوَهمْ على القياس، و تساهلوا في الرواية ، و اعتدّوا بكل مسموع ، فلم يفرقوا بين غثّ و سمين . و افتخرتم بأن البصرة تقع في الجنوب الغربي من العراق ، على طرف البادية ، في صقع عاش في الحرية البدوية، و لم يمتد إليه نفوذٌ أجنبي ، يُغَيّرُ من طبيعته . و قلتم إن البصرة هي أدنى مدن العراق من البوادي العربية ، حيث العرَب الأقحاح ، و زعمتم أن عدم اختلاط أهلها بدم أجنبي قد جعلها تحافظ على سليقتها العربية ، و هكذا حططتم من شأن الكوفة، لأنها شديدة النأي عن الجزيرة العربية ، إذْ تَفصل بينهما صحراءُ السماوة ، المترامية الأطراف ، وقلتم إن نُحاتَها يستصعبون الرحيلَ إلى الجزيرة العربية ، كي يسمعوا الكلام العربي الخالص و الفصيح . و هذا لعمري كلام باطل . فهذا شيخنا أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي الكوفي ، يشهد على أكاذيبكم ، هو الذي طاف زمناً طويلاً ببادية نجد و الحجاز، و أقام بالبصرة مدة غير يسيرة ، في زمن شيخكم الخليل بن أحمد .
و زعمتم أن أهل الكوفة إنما قرّبهم الخلفاء العباسيون كي يردوا لهم الجميل ،
بسبب مواقفهم القديمة المعروفة ، فعَزّت الكوفة ، حسب أقوالكم، بعد ذلّ و هوان ، و صار يُشار إلى نُحاتها بالبنان . و نسيتم أن معاوية بن أبي سفيان قد فعلَ الشيء نفسه مع البصريين ، بعد أن حفظ لهم جميلَ تأييدهم للأمويين.
و عبتم كذلك على أهل الكوفة أنهم لم يكونوا يتجاوبون مع النحو في أوله ، و أنهم انصرفوا عنه إلى رواية الأخبار و الأشعار . فإياي و هذه الأكاذيب ، فإني لا أوتى بمن يروجها إلا رميتُ به في سجن الكثيب. و إياي و دعوة " العنصر العربي البصري الخالص " ، فإني لا آخذ داعيا بها إلا نكلتُ به . و اعلموا أني آليتُ على نفسي أن آخذ المصيبَ منكم في النحو بذنب المخطئ ، و أن أجالدكم مجالدة العارف بكم ، و بما جُبلتم عليه من سوء الفعل . فاتقوا الله فينا و في أنفسكم و احذروا مزالقَ الفتنة ، فإنها تفسد المعيشة و تكدر النعمة . و اعلموا أني لا أعِدُ إلا وفيت ، و لا أهمّ إلا أمضيت . و قد أمرتُ صاحبَ شرطتي بإلقاء القبض على كل شاعر يتخذ البصريون من شعره الشواهدَ النحوية ، و بدأتُ بأولئك الذين استغل سيبويه أشعارهم لإثبات أباطيله . و هكذا أمرتُ باعتقال عدي بن زيد العبادي ، بسبب بيته الشعري :
أكلَّ امرئ تَحْسبين امرءاً = و ناراً تَوَقّدُ بالليل نارا ؟
و أمرت باعتقال جران العود ، الذي قال :
يا ليتني و أنتِ يا لميسُ = ببلدة ليس بها أنيسُ
و باعتقال النجاشي الذي قال :
فلستُ بآتيهِ و لا أستطيعهُ = و لٰكِ اسْقني إنْ كان ماؤكَ ذا فَضْل
وباعتقال هشام، أخي الشاعر ذي الرمة ، بسبب بيته :
هي الشفاءُ لدائي إن ظفرتُ بها = و ليس منها شفاء الداء مبذولُ
و باعتقال ذي الرمة نفسه ، لأنه صاحب البيت التالي:
ديارَ مَيّة إذْ ميٌّ تُساعفنا = و لا يَرى مثلها عُرْبٌ و لا عَجَمُ
و باعتقال العُجير السلولي الذي قال:
إذا متُّ كان الناسُ نصفان شامتٌ = و آخرُ مُثْنٍ بالذي كنتُ أصنعُ
و سوف يُنقل شعراءُ الشواهد هؤلاء إلى سجن الكثيب . و إني لأرجو أن تطول هذه اللائحة ، حتى لا يبقى هناك شاعر طليق من بين أولئك الذين ينظمون لكم الشواهد . و أيْم الله إنّ فيهم لأسْرى كثيرةً ، فليحذرْ كل واحد منهم أنْ يكون منْ أسراي .
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 66
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى