طائـر البـان - شعر سميرة فرجي

يا طائر البانِ حلِّـقْ فـوق أوطـانـي
وقلْ لعنتـر قد حرَّكْتَ أفنـانــي
ما أنتَ وحـدكَ مشتـاقٌ إلـى وطـن
ولستَ وحدكَ مَنْ بالنَّـوْحِ أبكانـي
إنـي وجـدتُ بـأرض الله عاشقـةً
تهيمُ حيـثُ رأتْ أخفـافَ إنسـانِ
كأنها وُلـِدَتْ من بطــنِ فاجـعــةٍ
أو أنها خُلِقَتْ مـن بعـضِ نيـرانِ
تمشي وتنشر في الصحـراء حرقتَهـا
فيولد الحزنُ مـن أرحام كثبــانِ
يا طائـر البـان عُـدْ لا تلتمس أثـرا
لطيفِ عبلـةَ أو أطيافِ نســوانِ
هنـاك بيـن مقامـات الحجـاز، فمـا
في أرضها امرأةٌ في مثل أشجانـي
إنْ كنتَ تبحث عمن قد فجعتَ بهـــم
فمن فجعت بهم ليسـوا كخلانــي
غاب الأحبةُ عن أرضي وعن وطنـي
فأصبحتْ كلّ أرض الله أوطانــي
حتى غدا الركبُ فيها موطني وغــدا
ظهرُ الجِمَال ورجْعُ الخيل عنوانـي
يا طائر البان صفْ بالله فاجعتــــي
وقلْ لعنتر ما أضنـاكَ أضنانــي
ولسـتُ عبلتَــه، لكنّنــي لهــب
ما مسّـه بشــر إلا وواسـانـي
أنا بحـــارٌ من الأحزانِ يا سنــدي
وليـس عبلة إلا بعـض وديانـي
قد كاد عنتر في الأوجـاع يلمحُنــي
وكاد خافقُــهُ في الغيب يهوانـي
وحين تَنْزِلُ في الأجفــان دمعتُــه
تخالُها هربتْ من قرح أجفانـــي
وكل طعنـة رمــح كان يخطئُهــا
ما كان يخطئُها لو ضمّ أحضانـي
والخيلُ حين ترى ثغـري يُذَكِّرُهـَــا
بسيف عنتر في الهيجا فتخشانــي
ولو رأتني طيـورُ الأيْـكِ تحسبنــي
قد عدتُ ثانيةً من أرض شيبــانِ
شيبانُ فوق جذوع النخـل تصلبنــي
من فرط ما قتل العشاقَ هجرانـي
لعلّني كنتُ يومــا بعـضَ عبلتِهــا
أو بعضَ عنترها يحيا بأزمانــي
يبكي ويلثم رسمـا قد حللــتُ بــه
وينذر الروحَ في عَبْسٍ ليلقانـــي
يا طائر البان لملـمْ شملَنــا لتــرى
ما سوف نفعلُه في مُلْكِ رحمــانِ
سيسأل الناسُ كيف الكــون عدَّلَــهُ
وكيف عَقَّلـهُ بالحــب قلبــانِ
قلبي الذي اختلطتْ أوجاعُـه بدمــي
لما تَفَجَّرَ بالأوجـاع شريانـــي
وقلب عنترَ منقـــوش بعاطفـــةٍ
لَمْ يُعْطِها اللهُ في الدنيا لولهـــانِ
مَنْ غيرُ عنترَ..؟ مَنْ في الكون يَفْهمُني..؟
من غير عنتر..؟ من في حجم أحزاني..؟
فيا صحابي ويا من في الهوى سنـدي
ويا رجالـي ويا أهلـي وإخوانـي
إن متُّ يوما فجوبوا عَبْسَ وانتشــروا
في أرضِ مَنْ رُزِئوا في خير فرسانِ!
وإن مررتُـم بقبـر يستـريـح بــهِ
جثمانُ عنتر حطـوا فيه جثمانـي!