الْهُدْهُدُ وَابْنُ عَسَاكِر الدِّمَشْقي / محمد علي الرباوي
صفحة 1 من اصل 1
الْهُدْهُدُ وَابْنُ عَسَاكِر الدِّمَشْقي / محمد علي الرباوي
الْهُدْهُدُ وَابْنُ عَسَاكِر الدِّمَشْقي
( 1 )
رَجُلٌ فِي طُولِ الْحُلْمِ، وَفِي عَرْضِ الضَّوْءِ، يُحَدِّقُ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ، بِسَاحَةِ سَيِّدِنَا عَبْدِ الْوَهَّابِ ، يُرَتِّلُ مَا يَتَيَسَّرُ مِنْ أَهْوَالٍ تَلْتَهِمُ الشَّجَرَ الْبَشَرَ الْحَجَرَ الطَّيْرَ أَمَامَ الْأَطْفَالِ الْمُنْتَشِرِينَ بِصَدْرِي الشَّاسِعِ.. كَانَ الدَّمْعُ الْقَارِسُ يَمْلَأُ عَيْنَيْهِ الصَّاحِيَتَيْنِ، وَمِنْ ضِلْعَيْهِ ابْنُ عَسَاكِرَ يَخْرُجُ.. يُصْغِي.. يَبْكِي.. أَأَنَا مَنْ دَوَّنَ هَذَا الْهَوْلَ بِهَذَا السِّفْرِ الطَّالِعِ مِنْ غَابَاتِ دِمَشْقْ؟
( 2)
صَعِدَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْبَرَ هَذَا الْمَسْجِدِ. كَانَتْ خُطْبَتُهُ تَتَسَلَّلُ كَالضَّوْءِ إِلَى الْقَلْبِ الْيَابِسِ. كَانَتْ أَنْهَارُ الْكَلِمَاتِ تُبَلِّلُ أُذْنِي.. مَا عُدْتُ عَصِيَّ الدَّمْعِ. بَكَيْتُ. بَكَى مَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ. صَلَّى بِالنَّاسِ ارْتَعَشَتْ أَفْئِدَةُ النَّاسِ ارْتَعَشَتْ أَعْمِدَةُ الْمَسْجِدِ صَارَتْ بِالْقَلْبِ دِمَشْقُ وَصَارَ بِهِ الْحُزْنُ زُهُوراً يَانِعَةً تَمْلَأُ كُلَّ شَوَارِعِ وَجْدَةَ.. هَذَا الْحَافِظُ فِي مَقْصُورَتِهِ حَيَّا مَوْلَاهُ وَسَلَّمَ. سَلَّمْنَا. انْفَتَحَتْ كُلُّ الْأَبْوَابِ. خَرَجْنَا. كَانَ الشَّامِيُّ أَمَامَ الْبَابِ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى الْأَشْجَارِ يُحَرِّكُ أَضْلُعَهَا بِمَوَاوِيلَ عَلَى الرَّسْتِ ، صَبَايَا الشَّامِ حَوَالَيْهِ بِأَطْمَارٍ تَكْشِفُ جُوعاً مَسْطُوراً بَيْنَ خُدُودٍ قَاحِلَةٍ. فِي الطِّينِ يَطَأْنَ. الْأَقْدَامُ الْعَطْشَى حَافِيَةٌ وَكَأَنَّ الْقَدَمَ الْهَشَّةَ مَا وَطِئَتْ مِسْكاً أَوْ كَافُورَا.
( 3 )
اَلْأَشْجَارُ بِهَذِي الْغَابَةِ كُلَّ صَبَاحٍ تَفْتَحُ نَاِف
ذَتِي لِتُطِلَّ عَلَى خَبَبٍ يَسْكُنُ أَرْجَاءَ الْقَلْبِ تُبَلِّلُهُ بِعَصَافِيرَ تُخَبِّئُ فِي الْأَغْصَانِ تَسَابِيحَ عَلَى النَّهَوَنْدِ السَّارِحِ فِي أَعْمَاقِي. تَأْخُذُنِي الْأَشْجَارُ إِلَى الْغَابَةِ. أَلْقَانِي مَلِكاً قَطَعَ الْبَحْرَ وَأَحْرَقَ هَذَا الْجَسَدَ الْمُرَّ لِيَدْخُلَ فِي سِرْبِ الطَّيْرِ يَقُودُ الْهُدْهُدُ هَذَا السِّرْبَ يَشُقُّ بِهِ الْغَيْمَ الْغَيْمُ يَشُقُّ بِكَفَّيْهِ الصَّاحِيَتَيْنِ الْمُمْطِرَتَيْنِ ضُلُوعِي يُخْرِجُ مِنْهَا بُرْكَاناً أَسْوَدَ يَدْفِنُهُ فِي أَرْضٍ قَاحِلَةٍ. هَذَا الْهُدْهُدُ يَعْلُو.. وَأَنَا أَعْلُو خَلْفَ الْهُدْهُدِ.. أَعْلُو.. فَإِذَا أَلْقَيْتُ بِعَيْنَيَّ إِلَى الْأَرْضِ ابْتَلَّتْ أَجْنِحَتِي الْبَيْضَاءُ بِزَخَّاتٍ مِنْ دَمٍّ نَثَرَتْهُ دَاحِسُ وَالْغَبْرَاءُ أَمَامِي الطَّيْرُ الْأَسْوَدُ يَحْفِرُ فِي الْبَيْدَاءِ الْقَبْرَ رَأَيْتُ الْأَخَوَيْنِ يَنُوحَانِ وَفِي الْأَرْضِ الثَّكْلَى يَصْرُخُ قَبْلَ الْفَجْرِ دَمُ الْأَخَوَيْنِ الْمَقَتُولَيْنِ.. رَأَيْتُ. تَحَجَّرَتِ الْعَيْنَانِ. فَيَا هَذَا الْهُدْهُدُ خُذْ جَسَدِي الْهَشَّ وَرُدَّ غَلَائِلَهُ الْبَيْضَاءَ إِلَيَّ وَحُطَّ حَوَافِرِيَ الظَّمْأَى بَيْنَ شَوَارِعِ وَجْدَةَ كَيْ أَغْرَقَ فِي قَطْرَةِ دَمْعٍ نَثَرَتْهَا عَيْنُ الطِّفْلِ عَلَى الشَّامِ الْمَحْرُوقِ أُحَوِّلُ هَذِي الْأَقْمَارَ إِلَى أَشْجَارٍ يَانِعَةٍ تُعْطِي الْأَرْضَ الْغَطْشَى زُرْقَتَهَا تَأْخُذُ زِينَتَهَا جِلَّقُ يَأْتِي نَهْرُ الْفِرْدَوْسِ إِلَيْهَا مِنْ قَلْبِ ابْنِ عَسَاكِرَ وَهْوَ يُخَبِّىءُ فِي أَحْجَارِ الْأَطْلَسِ آهَاتِ الزَّبَدَانِي . يَا هَذَا الْهُدْهُدُ أَجِّلْ سَفَرِي الْممُتْدَّ مِنَ الْقَلْبِ إِلَى الْبَحْرِ السَّاكِنِ فِي أَعْمَاقِكَ. أَجِّلْهُ حَتَّى مَطْلَعِ حُلْمٍ آخَرَ. إِنِّي فِي الْغُوطَةِ أَنْشُرُ أَشْعَارِي لِأَكُونَ بِهَذِي الْأَشْعَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ شَهِيدَا.
( 4 )
بَصَرِي أَدْخَلَنِي فِي جَوْفِ الدَّجْنِ الْغَامِقِ مُذْ دَمَّرَنِي هَذَا الْهَوْلُ الْمُتَأَجِّجُ بَيْنَ ضُلُوعِ عَوَاصِمِنَا الْمُنْهَارَةِ. أَدْخَلَنِي بَصَرِي فِي لَهَبٍ أَسْوَدَ مُذْ غَرَّقَنِي دَمْعَةُ طِفْلٍ فَقَدَتْهُ أَمَامِي الشَّامُ فَيَا هَذَا الْهُدْهُدُ هَا قَدْ رَكِبَ الْبَحْرُ إِلَى الْبَحْرِ إِلَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ فَدَثِّرْنِي بِجَنَاحَيْكَ الْمَرْشُوشَيْنِ بِأَنْدَاءِ الْحُلْمِ وَأَلْقِ عَلَى النَّاسِ هُنَاكَ قَمِيصَ الْفَجْرِ لِأَرْتَدَّ بَصِيرَا.
افران/ وجدة: 28/09/2015
( 1 )
رَجُلٌ فِي طُولِ الْحُلْمِ، وَفِي عَرْضِ الضَّوْءِ، يُحَدِّقُ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ، بِسَاحَةِ سَيِّدِنَا عَبْدِ الْوَهَّابِ ، يُرَتِّلُ مَا يَتَيَسَّرُ مِنْ أَهْوَالٍ تَلْتَهِمُ الشَّجَرَ الْبَشَرَ الْحَجَرَ الطَّيْرَ أَمَامَ الْأَطْفَالِ الْمُنْتَشِرِينَ بِصَدْرِي الشَّاسِعِ.. كَانَ الدَّمْعُ الْقَارِسُ يَمْلَأُ عَيْنَيْهِ الصَّاحِيَتَيْنِ، وَمِنْ ضِلْعَيْهِ ابْنُ عَسَاكِرَ يَخْرُجُ.. يُصْغِي.. يَبْكِي.. أَأَنَا مَنْ دَوَّنَ هَذَا الْهَوْلَ بِهَذَا السِّفْرِ الطَّالِعِ مِنْ غَابَاتِ دِمَشْقْ؟
( 2)
صَعِدَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْبَرَ هَذَا الْمَسْجِدِ. كَانَتْ خُطْبَتُهُ تَتَسَلَّلُ كَالضَّوْءِ إِلَى الْقَلْبِ الْيَابِسِ. كَانَتْ أَنْهَارُ الْكَلِمَاتِ تُبَلِّلُ أُذْنِي.. مَا عُدْتُ عَصِيَّ الدَّمْعِ. بَكَيْتُ. بَكَى مَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ. صَلَّى بِالنَّاسِ ارْتَعَشَتْ أَفْئِدَةُ النَّاسِ ارْتَعَشَتْ أَعْمِدَةُ الْمَسْجِدِ صَارَتْ بِالْقَلْبِ دِمَشْقُ وَصَارَ بِهِ الْحُزْنُ زُهُوراً يَانِعَةً تَمْلَأُ كُلَّ شَوَارِعِ وَجْدَةَ.. هَذَا الْحَافِظُ فِي مَقْصُورَتِهِ حَيَّا مَوْلَاهُ وَسَلَّمَ. سَلَّمْنَا. انْفَتَحَتْ كُلُّ الْأَبْوَابِ. خَرَجْنَا. كَانَ الشَّامِيُّ أَمَامَ الْبَابِ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى الْأَشْجَارِ يُحَرِّكُ أَضْلُعَهَا بِمَوَاوِيلَ عَلَى الرَّسْتِ ، صَبَايَا الشَّامِ حَوَالَيْهِ بِأَطْمَارٍ تَكْشِفُ جُوعاً مَسْطُوراً بَيْنَ خُدُودٍ قَاحِلَةٍ. فِي الطِّينِ يَطَأْنَ. الْأَقْدَامُ الْعَطْشَى حَافِيَةٌ وَكَأَنَّ الْقَدَمَ الْهَشَّةَ مَا وَطِئَتْ مِسْكاً أَوْ كَافُورَا.
( 3 )
اَلْأَشْجَارُ بِهَذِي الْغَابَةِ كُلَّ صَبَاحٍ تَفْتَحُ نَاِف
ذَتِي لِتُطِلَّ عَلَى خَبَبٍ يَسْكُنُ أَرْجَاءَ الْقَلْبِ تُبَلِّلُهُ بِعَصَافِيرَ تُخَبِّئُ فِي الْأَغْصَانِ تَسَابِيحَ عَلَى النَّهَوَنْدِ السَّارِحِ فِي أَعْمَاقِي. تَأْخُذُنِي الْأَشْجَارُ إِلَى الْغَابَةِ. أَلْقَانِي مَلِكاً قَطَعَ الْبَحْرَ وَأَحْرَقَ هَذَا الْجَسَدَ الْمُرَّ لِيَدْخُلَ فِي سِرْبِ الطَّيْرِ يَقُودُ الْهُدْهُدُ هَذَا السِّرْبَ يَشُقُّ بِهِ الْغَيْمَ الْغَيْمُ يَشُقُّ بِكَفَّيْهِ الصَّاحِيَتَيْنِ الْمُمْطِرَتَيْنِ ضُلُوعِي يُخْرِجُ مِنْهَا بُرْكَاناً أَسْوَدَ يَدْفِنُهُ فِي أَرْضٍ قَاحِلَةٍ. هَذَا الْهُدْهُدُ يَعْلُو.. وَأَنَا أَعْلُو خَلْفَ الْهُدْهُدِ.. أَعْلُو.. فَإِذَا أَلْقَيْتُ بِعَيْنَيَّ إِلَى الْأَرْضِ ابْتَلَّتْ أَجْنِحَتِي الْبَيْضَاءُ بِزَخَّاتٍ مِنْ دَمٍّ نَثَرَتْهُ دَاحِسُ وَالْغَبْرَاءُ أَمَامِي الطَّيْرُ الْأَسْوَدُ يَحْفِرُ فِي الْبَيْدَاءِ الْقَبْرَ رَأَيْتُ الْأَخَوَيْنِ يَنُوحَانِ وَفِي الْأَرْضِ الثَّكْلَى يَصْرُخُ قَبْلَ الْفَجْرِ دَمُ الْأَخَوَيْنِ الْمَقَتُولَيْنِ.. رَأَيْتُ. تَحَجَّرَتِ الْعَيْنَانِ. فَيَا هَذَا الْهُدْهُدُ خُذْ جَسَدِي الْهَشَّ وَرُدَّ غَلَائِلَهُ الْبَيْضَاءَ إِلَيَّ وَحُطَّ حَوَافِرِيَ الظَّمْأَى بَيْنَ شَوَارِعِ وَجْدَةَ كَيْ أَغْرَقَ فِي قَطْرَةِ دَمْعٍ نَثَرَتْهَا عَيْنُ الطِّفْلِ عَلَى الشَّامِ الْمَحْرُوقِ أُحَوِّلُ هَذِي الْأَقْمَارَ إِلَى أَشْجَارٍ يَانِعَةٍ تُعْطِي الْأَرْضَ الْغَطْشَى زُرْقَتَهَا تَأْخُذُ زِينَتَهَا جِلَّقُ يَأْتِي نَهْرُ الْفِرْدَوْسِ إِلَيْهَا مِنْ قَلْبِ ابْنِ عَسَاكِرَ وَهْوَ يُخَبِّىءُ فِي أَحْجَارِ الْأَطْلَسِ آهَاتِ الزَّبَدَانِي . يَا هَذَا الْهُدْهُدُ أَجِّلْ سَفَرِي الْممُتْدَّ مِنَ الْقَلْبِ إِلَى الْبَحْرِ السَّاكِنِ فِي أَعْمَاقِكَ. أَجِّلْهُ حَتَّى مَطْلَعِ حُلْمٍ آخَرَ. إِنِّي فِي الْغُوطَةِ أَنْشُرُ أَشْعَارِي لِأَكُونَ بِهَذِي الْأَشْعَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ شَهِيدَا.
( 4 )
بَصَرِي أَدْخَلَنِي فِي جَوْفِ الدَّجْنِ الْغَامِقِ مُذْ دَمَّرَنِي هَذَا الْهَوْلُ الْمُتَأَجِّجُ بَيْنَ ضُلُوعِ عَوَاصِمِنَا الْمُنْهَارَةِ. أَدْخَلَنِي بَصَرِي فِي لَهَبٍ أَسْوَدَ مُذْ غَرَّقَنِي دَمْعَةُ طِفْلٍ فَقَدَتْهُ أَمَامِي الشَّامُ فَيَا هَذَا الْهُدْهُدُ هَا قَدْ رَكِبَ الْبَحْرُ إِلَى الْبَحْرِ إِلَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ فَدَثِّرْنِي بِجَنَاحَيْكَ الْمَرْشُوشَيْنِ بِأَنْدَاءِ الْحُلْمِ وَأَلْقِ عَلَى النَّاسِ هُنَاكَ قَمِيصَ الْفَجْرِ لِأَرْتَدَّ بَصِيرَا.
افران/ وجدة: 28/09/2015
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
مواضيع مماثلة
» الْهُدْهُدُ وَابْنُ عَسَاكِر الدِّمَشْقي / محمد علي الرباوي
» الرؤوس / محمد علي الرباوي / محمد علي الرباوي
» الشَّـــــهِـــــيـــــــد / محمد علي الرباوي
» عَـــــيْــــنــــــاك / محمد علي الرباوي
» الــــغــــــرْبـــــــة / محمد علي الرباوي
» الرؤوس / محمد علي الرباوي / محمد علي الرباوي
» الشَّـــــهِـــــيـــــــد / محمد علي الرباوي
» عَـــــيْــــنــــــاك / محمد علي الرباوي
» الــــغــــــرْبـــــــة / محمد علي الرباوي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى