في الشارع كركح اجتماعي•••/مصطفى الحسناوي
صفحة 1 من اصل 1
في الشارع كركح اجتماعي•••/مصطفى الحسناوي
الشارع مجرد
مكان قد يندغم في حياده القاتل أو يتماهى و أكثر التمظهرات حدة وصخبا، قد
يكون أو لا يكون، يكون بالكثافات الإنسانية و الحشود الجسدية السائرة،
المتكلمة، المتحركة التي تخترقه أو لا يكون، أي يعود إلى تمظهره المحايد،
يصير مجرد جدران آيلة إلى صمتها المقبري• أحيانا نعبر الشارع حين تجتاحه
الحشود و تمخره الامتلاءات الجسدية كما لو أنه رحمنا، ملاذنا العفوي،
مآلنا الذي به / فيه نحس بأننا كائنون و أننا لسنا مجرد عزّل بلا علاقات
وكثافات و تقاطعات، نستسلم فيه لعضوية الانتماء للجنس البشري، نحتك بأجساد
أخرى، نشم روائح عرقها أو عطرها أو عفونتها، نرى أنفسنا في ملامح المارة
في ألبسة العابرين في نظراتهم في حركاتهم و سكناتهم في آلامهم و أفراحهم
في كل الصخب الحسي الذي يجعلهم قريبين جدا من ذلك العمق الغريزي البدائي
الذي تروم الانتظامات الاجتماعية و المعتقدات و الدوكسا و القيم و الأحكام
الجاهزة طمره أسفل المواضعات المتفق عليها• داخله نكتشف بأننا حشد بلا
جسد• و أحيانا أخرى، يكفي أن نعبر الشوارع ليلا أو في الصباح الباكر،
لنكتشف بأننا داخلها، في أتون صمت شبيه بصمت المقابر مجرد جثة / جثث• عوض
دفء الرحم، و الثقة الغريزية في الانتماء للجنس البشري نكتشف برودة
الجدران والرعب المندلق من الزوايا و العتمات و الشك الذي يخلفه كل هسيس•
في الشارع بالذات نكتشف حسنا القطيعي الذي ننساه بطريقة لا واعية، نلقي به
في جب اللامفكر فيه، نرصد الآخر / الآخرين الذي يتكلمون فينا / يسكنوننا•
إن الشارع هو عرينا، عنفنا المتكلم أو الصامت، تفاهتنا و بشاعتنا، مرضنا و
نقاهتنا، فيه نرى فداحة الإقصاء و الاستيلاب، و بذخ الانخطاف• داخله نكون
في حضرة لكن بلا محتوى صوفي، نمارس السقوط الحر و ننجذب نحو الأسفل، نلج
حيز التيه، و نضرب في المتاهات دون أن نترك سطحه المليء بالأخاديد
والثقوب• الشارع صحراء تمخرها طرق موصدة، قد نتيه فيها سنين دون أن ندرك
بأننا ما نني نراوح في المكان• هو أول الصخب و آخر الصمت، ألق البداية و
كوارث النهاية،عظمة الأجساد و انحطاطها• نعبر الشارع / الشوارع، نمخر
الحشود من الأجساد التي من الضروري الانفصال عن كل تصور أو إدراك ساذجين
لها كجسد مسالم• إن الحشد من الأفراد ليس فضاء محايدا تلجه أو تساقط عليه
الأحداث، بل هو مجرد نظام مستقر للعنف وبالمعنى الجيلوجي فهو قد يشبه تارة
طبقة من الترسبات اللاواعية وتارة أخرى حمما بركانية غير مستقرة يمكنها
الانطفاء من تلقاء ذاتها أو حرق محركيها والفعلة فيها• هناك في الشارع
الأسراب و العصب و القطيع و التحالفات و غير ذلك من العلائق المتناقضة
التي تجعل منه دغلا أو صحراء، و داخله قد تختبر منافع الانذغام الحيواني
في القطيع و مضاره أو تختبر أقصى درجات العزلة و الصموتات البالغة النأي•
فيه قد تكون جزءا أو تصير جزيرة، و أحيانا كثيرة قد تصير الوقائع و
التفاصيل التي يتم سردها عنه / فيه سواء كانت متخيلة أو واقعية سياقا يصير
السارد نفسه موضوعا له، كما في السرد الفيلمي الذي انبنى عليه فيلم
[كولاتيرال] للمخرج المتميز مايكل مان ( بطولة توم كروز)• في أول لقاء
القاتل المحترف و الأنيق و المتضلع في فنون الموسيقى كالجاز و البلوز
(كروز) مع السائق الزنجي الذي سيعبر و إياه ليل لوس أنجلس عبورا كارثيا
سيتماهى مرار و خط الموت، سيحكى القاتل للسائق حكاية الشخص الذي مات بسكتة
قلبية في ميترو المدينة و ظلت جثثه الجالسة طيلة النهار في مكانها دون أن
ينتبه إليها أحد، و عند نهاية اللقاء / نهاية الفيلم سيعيش السارد /
القاتل المحترف الحكاية ذاتها و يعرف المصير ذاته• في هذا الفيلم بالذات،
كما في فيلم مايكل مان للآخر (Heat) مع العملاقين آل باتشينو و روبير دي
نيرو، و الذي أعتبره شخصيا من روائع السينما العالمية، يرينا المخرج كيف
يمكن لعين السينما أن تستخرج / تستبطن شارعا / شوارع أخرى أسفل الشوارع
الأصلية لتخرج هذه الأخيرة من مدينتها و حضارتها و تلج حيز العنف المنهجي
البدائي الأول الذي أصله السرد الهوميروسي في [الإليادة] و [الأوديسة] أو
السرد الممسرح عند سوفوكل و يوربيد.
مكان قد يندغم في حياده القاتل أو يتماهى و أكثر التمظهرات حدة وصخبا، قد
يكون أو لا يكون، يكون بالكثافات الإنسانية و الحشود الجسدية السائرة،
المتكلمة، المتحركة التي تخترقه أو لا يكون، أي يعود إلى تمظهره المحايد،
يصير مجرد جدران آيلة إلى صمتها المقبري• أحيانا نعبر الشارع حين تجتاحه
الحشود و تمخره الامتلاءات الجسدية كما لو أنه رحمنا، ملاذنا العفوي،
مآلنا الذي به / فيه نحس بأننا كائنون و أننا لسنا مجرد عزّل بلا علاقات
وكثافات و تقاطعات، نستسلم فيه لعضوية الانتماء للجنس البشري، نحتك بأجساد
أخرى، نشم روائح عرقها أو عطرها أو عفونتها، نرى أنفسنا في ملامح المارة
في ألبسة العابرين في نظراتهم في حركاتهم و سكناتهم في آلامهم و أفراحهم
في كل الصخب الحسي الذي يجعلهم قريبين جدا من ذلك العمق الغريزي البدائي
الذي تروم الانتظامات الاجتماعية و المعتقدات و الدوكسا و القيم و الأحكام
الجاهزة طمره أسفل المواضعات المتفق عليها• داخله نكتشف بأننا حشد بلا
جسد• و أحيانا أخرى، يكفي أن نعبر الشوارع ليلا أو في الصباح الباكر،
لنكتشف بأننا داخلها، في أتون صمت شبيه بصمت المقابر مجرد جثة / جثث• عوض
دفء الرحم، و الثقة الغريزية في الانتماء للجنس البشري نكتشف برودة
الجدران والرعب المندلق من الزوايا و العتمات و الشك الذي يخلفه كل هسيس•
في الشارع بالذات نكتشف حسنا القطيعي الذي ننساه بطريقة لا واعية، نلقي به
في جب اللامفكر فيه، نرصد الآخر / الآخرين الذي يتكلمون فينا / يسكنوننا•
إن الشارع هو عرينا، عنفنا المتكلم أو الصامت، تفاهتنا و بشاعتنا، مرضنا و
نقاهتنا، فيه نرى فداحة الإقصاء و الاستيلاب، و بذخ الانخطاف• داخله نكون
في حضرة لكن بلا محتوى صوفي، نمارس السقوط الحر و ننجذب نحو الأسفل، نلج
حيز التيه، و نضرب في المتاهات دون أن نترك سطحه المليء بالأخاديد
والثقوب• الشارع صحراء تمخرها طرق موصدة، قد نتيه فيها سنين دون أن ندرك
بأننا ما نني نراوح في المكان• هو أول الصخب و آخر الصمت، ألق البداية و
كوارث النهاية،عظمة الأجساد و انحطاطها• نعبر الشارع / الشوارع، نمخر
الحشود من الأجساد التي من الضروري الانفصال عن كل تصور أو إدراك ساذجين
لها كجسد مسالم• إن الحشد من الأفراد ليس فضاء محايدا تلجه أو تساقط عليه
الأحداث، بل هو مجرد نظام مستقر للعنف وبالمعنى الجيلوجي فهو قد يشبه تارة
طبقة من الترسبات اللاواعية وتارة أخرى حمما بركانية غير مستقرة يمكنها
الانطفاء من تلقاء ذاتها أو حرق محركيها والفعلة فيها• هناك في الشارع
الأسراب و العصب و القطيع و التحالفات و غير ذلك من العلائق المتناقضة
التي تجعل منه دغلا أو صحراء، و داخله قد تختبر منافع الانذغام الحيواني
في القطيع و مضاره أو تختبر أقصى درجات العزلة و الصموتات البالغة النأي•
فيه قد تكون جزءا أو تصير جزيرة، و أحيانا كثيرة قد تصير الوقائع و
التفاصيل التي يتم سردها عنه / فيه سواء كانت متخيلة أو واقعية سياقا يصير
السارد نفسه موضوعا له، كما في السرد الفيلمي الذي انبنى عليه فيلم
[كولاتيرال] للمخرج المتميز مايكل مان ( بطولة توم كروز)• في أول لقاء
القاتل المحترف و الأنيق و المتضلع في فنون الموسيقى كالجاز و البلوز
(كروز) مع السائق الزنجي الذي سيعبر و إياه ليل لوس أنجلس عبورا كارثيا
سيتماهى مرار و خط الموت، سيحكى القاتل للسائق حكاية الشخص الذي مات بسكتة
قلبية في ميترو المدينة و ظلت جثثه الجالسة طيلة النهار في مكانها دون أن
ينتبه إليها أحد، و عند نهاية اللقاء / نهاية الفيلم سيعيش السارد /
القاتل المحترف الحكاية ذاتها و يعرف المصير ذاته• في هذا الفيلم بالذات،
كما في فيلم مايكل مان للآخر (Heat) مع العملاقين آل باتشينو و روبير دي
نيرو، و الذي أعتبره شخصيا من روائع السينما العالمية، يرينا المخرج كيف
يمكن لعين السينما أن تستخرج / تستبطن شارعا / شوارع أخرى أسفل الشوارع
الأصلية لتخرج هذه الأخيرة من مدينتها و حضارتها و تلج حيز العنف المنهجي
البدائي الأول الذي أصله السرد الهوميروسي في [الإليادة] و [الأوديسة] أو
السرد الممسرح عند سوفوكل و يوربيد.
السعدية الجبلية- عدد الرسائل : 524
العمر : 59
تاريخ التسجيل : 31/08/2006
رد: في الشارع كركح اجتماعي•••/مصطفى الحسناوي
| |||
الاتحاد الاشتراكي الإتحاد الإشتراكي |
السعدية الجبلية- عدد الرسائل : 524
العمر : 59
تاريخ التسجيل : 31/08/2006
مواضيع مماثلة
» الشارع والمشرع..
» مجانية التعليم العالي محفوظة والرسوم ستهم أبناء الميسورين
» مجهول يعتدي على الرئيس الفرنسي خلال جولته في الشارع
» بعد مهزلة ملعب مراكش : الشارع الوهراني تحت تأثير الصدمة
» سلا / مصطفى الشليح
» مجانية التعليم العالي محفوظة والرسوم ستهم أبناء الميسورين
» مجهول يعتدي على الرئيس الفرنسي خلال جولته في الشارع
» بعد مهزلة ملعب مراكش : الشارع الوهراني تحت تأثير الصدمة
» سلا / مصطفى الشليح
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى