صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الرحلات المكية

اذهب الى الأسفل

الرحلات المكية Empty الرحلات المكية

مُساهمة من طرف قاضي حاجة الثلاثاء 27 أكتوبر 2009 - 9:00

الرحلات المكية LxDaKM7XDH

صدر
للعلامة "عبد الهادي التازي" مؤلف هام1- في جزءين-عنونه بSadرحلة الرحلات -
مكة في مائة رحلة مغربية ورحلة) ،واهتمام "عبد الهادي التازي" بالرحلة
والرحالين، من تحصيل الحاصل، غير أن اهتمامه "المونوغرافي" يستحق وقفة
خاصة، وهذا ما سنحاول إبرازه في هذا التعريف بالكتاب وأبعاده.
الرحلات المكية Info%5C221023200910053PM1
عبد الهادي التازي
حول العنوان: يتكون عنوان المؤلف من شقين:
أ-
الشق الأول: (رحلة الرحلات) يعلو الشق الثاني. وهذا التموقع، على صفحة
الغلاف، يهدف إلى تمييزه عن العنوان الثاني بإعطائه بعدا خاصا جعل منه
(مقولة) تمجيدية تلغي عامل الزمن. فهذه الرحلة تبعا لذلك هي رحلة الماضي
والحاضر والمستقبل.
كما أن هذه المقولة تجعل من المكان المرتحل إليه
بوصلة هادية لكل من الأمكنة. فالسفر، في المكان، مرحلة من مراحل الوصول
إلى آخر المحطات. ومن ثم "فمكة" هي البداية والنهاية. هي أوج الرحلات،
وطموح المرتحل هو الوصول إلى هذا المكان الأشرف لتصبح رحلته "رحلة
الرحلات".
ب- أما الشق الثاني: فهو استدعاء لصياغة تراثية (ألف ليلة
وليلة). إنها "مكة" الحكاية المتجددة بتجدد الارتحال ،حكاية تروى من مواقع
مختلفة، تتوارثها الأجيال، وهي تزداد إشراقا وإمتاعا وخصوبة. والرحلة
الواحدة بعد المائة، هي رحلة مفتوحة على الجميع في انتظار القيام بهذه
الرحلة المؤجلة.
على سبيل المدخل: قد لا أضيف جديدا إذا أشرت إلى
المنجز العلمي للدكتور "عبد الهادي التازي2" في ميدان الرحلة والارتحال.
فذلك من تحصيل الحاصل كما سبقت الإشارة. غير أن ما تجب الإشارة إليه، في
هذا السياق، يكمن في اهتمام الأستاذ "عبد الهادي التازي" بنوع من
"المونوغرافيا" الخاصة بالأمكنة سواء كانت مقدسة أو غير مقدسة.
والدراسة الحالية (مكة في مائة رحلة مغربية ورحلة) تتجاوز "المونوغرافيات" السابقة من حيث كونها:
أ- لا تعالج المكان في رحلة واحدة، بل في رحلات عديدة تجاوزت المائة.
ب-
لا تقتصر على التوثيق التاريخي، بل تمتد إلى تنوع أساليب الرؤية والتعبير،
فضلا عن الحياة اليومية لهذا المكان المقدس عبر الفصول الأربعة.
ج- دور "مكة" الإشعاعي عبر الزمن.
ولما
كانت الدراسة منصبة على المتن الرحلي الحجي (الحجازي) المغربي، فإن طبيعة
هذا النص المرنة سمحت بالاقتراب من "مكة" المشرفة من مواقع متعددة، أضاءت
?كما سبقت الإشارة- هذا المكان الطاهر على امتداده "الأركيلوجي" ?ماضيا
وحاضرا" في التاريخ والثقافة والوجدان.
الكتاب، إذن، عرض للرحلة الحجية
المغربية، انطلاقا من "ابن العربي" -6هـ/12م- إلى الملك "محمد الخامس"
?1379هـ/1960م، في وقفتها المميزة بالبيت العتيق أو مكة المكرمة، وصفا
وسردا وتأريخا وتأويلا وجدانيا.
وبالرغم من انضواء هذه الرحلات تحت إطار الرحلات الحجية أو الحجازية، فإن ذلك لا يمنع من إبداء الملاحظات التالية:
1-
تتوزع هذه الرحلات بين الرحلات الحجية والرحلات غير الحجية. في النوع
الأول نجد الكم الغالب من هذه الرحلات. وفي النوع الثاني نجد رحلات سفارية
(ديبلوماسية) (ابن عبد السلام في القرن 12هـ/18م/ ابن عثمان المكناسي ف(ي
القرن 18) أو رحلات علمية (الإدريسي في القرن 6هـ/12م/ابن العربي في
القرن6 هـ/12م/ابن رشيد السبتي في القرن 8هـ/14م). أو قد تكون هذه الرحلات
لأغراض أخرى سياحية أو زيارية... إلخ.
وسواء كانت هذه الرحلات لهذا الغرض أو ذاك، فإن الرحالة لا يتردد في أن يعرج على "قدس الأقداس" ?حجا أو عمرة- للتبرك بالبيت العتيق.
2-
إنها رحلات حجية (حجازية) مغاربية دون أن تقتصر على المغرب الأقصى الذي
أخذ نصيب الأسد، فإلى جانب الرحالين المغاربة وجد الرحالة الجزائري (ابن
عمارة في القرن 12هـ/18م)، وإلى جانب هذا الأخير وجد الرحالة التونسي
(الشيخ السنوسي التونسي في القرن 14هـ/20م).. إلخ.
3- إنها رحلات حجية
(حجازية) إفريقية كما يتجسد ذلك في رحلة إمبراطور "مالي" "مانسا موسى" في
القرن 8هـ/14م، في سياق علاقة ملوك بني مرين" ب "السودان".
4- إنها
رحلات حجية (حجازية) ?وهذا من طرائف الرحلة والارتحال ?قامت بها المرأة
بجانب الرجل؟، (رحلة الأمير مريم" الوالدة مربية السلطان أبي الحسن
المريني في القرن 8هـ/14م، ورحلة الأمير مريم أخت السلطان السابق الذكر في
القرن ذاته) نضيف إلى ذلك رحلة الملكة "خناثة" زوجة المولى اسماعيل ?في
القرن 12هـ/18م.
5- وهي رحلات تتوزع بين الرحلات الفردية ?وهذا هو
الطابع الغالب-والرحلات الجماعية كما هو الشأن في رحلة أكبر أنجال
السلطـان "سيدي محمـد بن عبد الله" الذي- فضلا عن مناسك الحج ? رافق
أختيه- كريمتا السلطان المغربي- اللتين زفتا لأميرين من أمراء الحجاز.
6-
وهي، أيضا، رحلات رحالين أجانب ادعى معظمهم الإسلام لسبب أو لآخر بعد أن
غيروا هوياتهم الأجنبية، وتقمصوا بعض المسلكيات الإسلامية. من بين هؤلاء
نذكر: "الشريف العباسي" أو المعروف ب: Domingo Badia "دمينكوباديا"
الطنجي. وقد استطاع هذا الرحالة الحياة اليومية ?الجاسوس في سياق ظهور
الحركة الوهابية، أن يقدم صورتين متكاملتين لـ "مكة" سواء في جانبها
الطبيعي والإداري، أو في جانبها الديني. وبالإضافة إلى هذه وتلك، قدم
الرحالة اليومية لـ "مكة" اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا أثناء القرن
13هـ/19م.
الرحالة الأجنبي الثاني هو الرحالة الفرنسي "ابن البشير" في
القرن 14هـ/19م. واسمه الحقيقي "جيل جيرفي كورتلمون » Gervais
Courtellement « الذي قام "بما يمكن أن نسميه عمرة"' (ج، 2، ص530) واستطاع
هذا الرحالة -بذكاء واحتيال ?إخفاء آلة التصوير تحت ملابسه مما يسمح له
بالتقاط العديد من الصور بمناطق "الحجاز" مثل "جدة" و"مكة" المكرمة.
7-وقد لا يقتصر الرحالة على رحلة حجية واحدة، بل إن الكثير منهم قد ارتحل
مرات ومرات، علما أن الكثير منهم أيضا اكتفى بالحج، أو العمرة؟، فكان
حاجا، ومنهم من سجل رحلته الحجية وكان حاجا ورحالة في آن واحد. فصفة
الرحالة لا تصدق إلا على كاتب الرحلة الذي يعيد صياغة التجربة ? تجربة
السفر- بواسطة الكتابة. وأشهر مثال، في هذا السياق، الرحالة "ابن بطوطة"
الذي حج سبع مرات، ومنهم من قصرها على حجات ست ?وسجل "أربع رحلات إلى مكة"
(ج، 1،ص138) وهناك أمثلة عديدة في الكتاب.
8- إنها رحلات حجية
مغربية توزعت بين الرحلات المفقودة والرحلات الموجودة، بين الرحلة
المكتملة القائمة الذات، والرحلة الموزعة في مظان كثيرة، بين الرحلة
المخطوطة والرحلة المطبوعة أو المنشورة، بين الرحلة المعهورة باسم صاحبها،
والرحلة المجهولة المؤلف، بين الرحلة المكتملة تأليفا ومتنا، والرحلة
المبتورة أو غير المكتملة.
في باب الرحلات المفقودة، يذكر المؤلف
الجزء الخامس الخاص بموضوع الحرمين الشريفين، والمفقود من رحلة "ابن رشيد
السبتي" في القرن 8هـ/14م المعنونة ب "ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة قي
الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة". وفي باب الرحلات المنتشرة في
مصادر مختلفة نجد رحلة "المنتهي" التي أوردها اللواء "ابراهيم رفعت باشا"
في كتابه مرآة الحرمين أو الرحلات الحجازية، والحج ومشاعره الدينية" (ج،
2، ص616). وفي باب الرحلات المخطوطة نجد رحلة "التميمي القيرواني" في
القرن 14هـ/20م، أو رحلة "السرغيني العمراني" في القرن 14 هـ/20م... وفي
باب الرحلة المجهولة المؤلف نذكر رحلة "القول المستقصى عن الرحلة لبيت
الله الحرام والمسجد الأقصى". وهي منسوبة خطأ إلى"أحمد المامون البلغيثي
في فهرست المؤسسة السعودية بالدار البيضاء" (ج، 2،ص558).نضيف إلى ذلك
مثالا آخر يخص "أبو العلاء إدريس"، وهواسم "مجهول تنسب إليه مخطوطة
بعنوان: "الابتسام عن دولة ابن هشام" وفي باب الرحلة المبتورة نجد رحلة
"الرحلة الوزانية المفروجة بالمناسك المالكية" التي عثر عليها المؤلف،
أخيرا، مكتملة في مؤسسة "علال الفاسي" رحمه الله. وهناك أمثلة عديدة.
9-وهذه
الرحلات الحجية المغربية توزعت بين رحالة البر ورحالة البحر، بين رحلة
الأرض (الركب الحجي التقليدي) ورحلة السماء (الطائرة)، بين الركب الحجي
المغربي الصرف، والركب الحجي المغربي ? المشرقي. وفي كل الأحوال، كان
الوصول إلى هذا المكان الطاهر، عبر الوسائل المختلفة، لا يزيد الزائر إلا
خشوعا وتضرعا. فتطور وسائل الارتحال، من حيث السرعة والجودة، أسهم في
الإسراع بإطفاء جذوة لهيب زيارة المقام الكريم التي تزداد اشتعالا كما
تجسد في تعدد الرحلات والحجات و"العمرات" عند الكثير من الرحالين المغاربة
على مر العصور، واختلاف الأزمنة.
حول "أدبية الرحلة": لعل أهم مقاصد
المؤلف "المونوغرافي" تكمن في تقديم أكبر كم ممكن في مجال الحديث عن "مكة"
المكرمة من قبل رحالين مغاربة ? بالمعنى الواسع- تعاقبوا عبر العصور
والحقب، وتنوعت أدواتهم ووسائلهم، المادية والتعبيرية، في الاقتراب من هذا
المكان الذي شهد أول بيت بني للناس كافة، إعلاء للوحدانية، والواحدية، قبل
ظهور الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن ثم، لم يكن المقصد
إبداعيا، بقدر ما كان "تيماطيقيا" يروم من خلاله المؤلف، الاستقصاء والرصد
والمقارنة بين الذي عالجوا موضوعه "مكة" المشرفة في رحلاتهم أو كتاباتهم.
غير أن ذلك لا يمنع من إثارة القضايا التالية، في مجال الرصد والاستقصاء،
عبر المحطات التالية:
1- عدم إدراج رحلات مغاربية عديدة -ما دام المؤلف قد أدرج- مشكورا- نماذج من الرحلات الجزائرية والتونسية ومن بين هذه الأمثلة نذكر:
- رحلة محمد بن مسايب الجزائري في القرن 18.
-
بالرغم من تقديم الأستاذ عبد الهادي التازي لرحلتني "المقري" الجد،
و"المقري" الحفيد، فإن ذلك لا يمنع م وجود التباس لدى المهتم أو المتابع
عند اطلاعه على تحقيق ? وهي غير مذكورة بهذا العنوان الصريح ?"رحلة المقري
إلى المغرب والمشرق، مع تنصيص هذا الأخير على دخوله "مكة" المكرمة للحج
خمس مرات، وزار المدينة المنورة سبع مرات. فهل يوجد في المتن الرحلي
"مقري" ثالث؟3.
- وفي المسرد الملحق بالرحلات المعتمدة لا نجد نصوصا
لبعض الرواد المغاربة مثل الرحلات الثلاثة لـ "أبي بكر القادري" إلى
الديار المقدسة4.
- الرحلة الحجازية ?سنة 1350هـ المعنونة ي: "الأنفاس
النورانية في الرحلة الحجازية "للشيخ محمد الطيب بن محمد المهدي ابن الشبخ
محمد الكتاني". وهي رحلة أنجزت منذ سبعين سنة وكتبها المؤلف وراجعها الجد
وأخرجها الحفيد (مطبوعة حديثا".
2- إن الموضوعة التي تمحورت حولها
الرحلات ?موضوعة "مكة" المشرفة- لم ينظر إليها إلا من جانب القاسم المشترك
بين هذه الرحلات، في حين ?بالرغم من الإشارات القليلة- كانت "مكة" المكرمة
موضوعة مركزية في هذه الرحلات، فضلا عن كونها حافزا على الكتابة المختلفة
وجدانيا، وفكريا، بين رحالة وآخر، وبين نص وآخر. وهذا ما سأعود إليه عند
معالجة الجانب الأدبي لهذا المتن الخصب في المتن الرحلي المغربي خاصة،
والعربي عامة.
3- في مجال الاستقصاء والتراكم، لم يراع في تقديم هذه
الرحلات ?ما عدا الترتيب الزمني- الترتيب الألفبائي- مغربيا أو مشرقيا-
كما أن المسرد الوارد في ما بين الصفحة 54 إلى الصفحة 58 لم ترتب فيه
الرحلات ترتيبا أبجديا مشرقيا أو مغربيا وبالإضافة إلى ذلك، لم يبتعد
"مسرد الرحلات الإضافية" عن هذا المنظور العام.
4- اغتنى المؤلف ?بجزءيه- بنصوص أخرى مميزة تجسدت في الآتي:
- الصور الفوتوغرافية لمواقع مكة المشرفة، خاصة الكعبة المكرمة- فضلا عن مواقع مناسك الحج عامة.
- الصور الفوتوغرافية لبعض الرحالين المحدثين، أو من جهة اخرى" الرسوم المفترضة للرحالين القدامى.
- صفحات من مخطوطات رحلية أضفت جمالية بصرية على المؤلف بورقه المريح للبصر والبصيرة.
-
في باب الاستقصاء، كان من الأفضل التنصيص على الصورة النهائية للنص الرحلي
الوارد في المؤلف، فرحلة "الغسال" (الرحلة الطنجوية الممزوجة بالمناسك
المالكية) حققها الباحث المعروف "عبد العزيز التمسماني في خلوق"5. في حين
وردت في المؤلف بكونها مخطوطة ضمن مجموع بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم
1496 من الورقة 5 إلى الورقة 24.
أدبية الرحلة الحجازية (المكية):
بالرغم من تنصيص الرحالين المغاربة ?والمسلمين عامة- على الحج من حيث كونه
فريضة من فرائض الإسلام، لمن استطاع إليه سبيلا، فإن ذلك لا يمنع من كون
الرحلة الحجية هي انتقال -بعد أداء الفريضة ? من المستوى الديني إلى مستوى
الكتابة. وهذا ما يفسر ?وقد أشار المؤلف إلى ذلك في مواقع عديدة ?استعمال
مصطلح "المذكرات" و"اليوميات" إلخ...
هكذا اشترك الرحالون المغاربة في
"فقه المناسك"، واختلفوا من حيث الشعور والوجدان الفردي داخل الوجدان
العام. في الكتاب "بجزءيه" نلمس شيئامن ذلك، عبر بعض الإشارات المميزة
المقتطفة من لحظات خاصة عاشها الرحالة يقول الفقيه "الرهوني" في رحلته، عن
هذه اللحظة، لحظة اللقاء بالكعبة المشرفة "وحسبك أني ذهلت حتى عن نفسي!
فما كنت أشعر بوجودي! (...) ووصلت الكعبة، وما سوى ذلك كله خيال! لأن
العقل ذهب، والدموع تجري (...) والمطوف يلقنني الأذكار (...) وأنا أتابعه
بلساني ولكن قلبي حائر ولهان، لأني بين حالة خوف ودهش من هيبة الجلال التي
اعترتني" (ج،2،ص661).
وقد زاد هذه اللواعج اشتعالا للبعد المكاني لـ
"مكة" عن بلاد المغارب فمن المؤكد ان كتابة الحاج المنتسب إلى المكان
?الفضاء- القريب من البيت العتيق تختلف عن كتابة الحاج المغربي البعيد عن
المكان المقدس، مما يفسح المجال لتصاعد حالات الشوق والاشتياق، فضلا عن
مغامرات الطريق التي اعتبرها ?في حالة وقوع مكروه- الحاج المغربي شهادة
واستشهادا. وهذا ما جعل من الرحلة ?شعوريا- الحجية "رحلة صغرى" في انتظار
الرحلة الكبرى التي لا مفر منها.
ولعل أهم خصيصة ?فضلا عن الجانب
الوجداني المميز- في الرحلة الحجازية ?وقد أشار الأستاذ عبد الهادي التازي
إلى ذلك- ربط التعاليم الدينية ب "اليومي" من خلال "فقه النوازل عبر
الإفتاء والمحاججة من جهة، وعبر محاربة البدع ونقد المظاهر المنكرة من جهة
ثانية.
إن الجمع بين الإحساس الصادق من جهة، والواجب الدعوي من جهة
ثانية، يسمح للحاج بالرغبة في التماهي مع المسلكيات النبيلة أو الخيرة،
تطهيرا وصفاء كما جسدته دموع الرحالة الواردة أعلاه، أو غيره من الرحالين
الذين زاروا هذا المكان.
من هنا ?كما عبر عن ذلك العديد من الرحالين-
كانت تجربة المغاربة بعيدة عن الاستنساخ بالرغم من الإيهام بذلك. فالتغير
قد يصيب المنظور دون أن يصيب الرؤية أو النظرة. ولعل هذا ما يفسر ما عرفته
الحجاز من أحداث وتغييرات عمرانية دون أن تتغير الأحاسيس من حيث الجوهر،
مع اختلافها من حيث أشكال التعبير أو الكتابة.
2- هكذا أصبح المكان
المقدس ?البيت العتيق- مركزا لكل الأمكنة والأفئدة. والرحلات الحجية
المكونة من طبقات نصية عديدة، وهي في الوقت ذاته، منفتحة على طبقات نصية
جديدة متجددة إلىان يرث الله الأرض ومن عليها، أقول إن هذه الطروس
المتجددة تغتني بالتجربة الخاصة ?كما سبقت الإشارة- لكل رحالة على حدة.
هكذا وجدنا الرحلات المغربية قد امتلأت بسجلات عديدة، تكامل فيها الإسناد
والسند سواء تعلق ذلك بالأموات أو الأحياء، وامتلأت، أيضا، بالطرائف
والمحكيات والسرود والكرامات والإفادات المختلفة والجدل والتوصيفات
العديدة... إلخ.
3- تزداد عناصر الأدبية بروزا في الرحلات الشعرية سواء
تلك التي كتبت بالشعر الفصيح أو بالشعر العامي (الزجل أو الملحون) كما
أورد ذلك الأستاذ "عبد الهادي التازي" في كتابه.
ولما كان الشعر مجالا
لإثارة الخيال، فإن الصور تتلاحق اتباعا أمام الشاعر، وهو يتأمل البيت
العتيق. يقول الزجال "سيدي سعيد المنداسي" قفي القرن 12 هـ/18م، في هذا
السياق:
استيقظ با عشيق لي
هي الكعبة المشرفة مولاة الخال!! بها بين الصفوف نسلي
كيما يسلى الظمي من الماء طيب زلال (الجزء 1ص288
4-
غير أن هذه الدبية قد يتداخل فيها النثري بالشعري، واليومي بالتجريدي،
وعلم الأطوال والعروض بالفضاء وأبعاده، والخطط بالوصف الأدبي، والسرد
بالتقرير ...إلخ كل ذلك يسهم في إعطاء طعم خاص للكتابة الرحلية، بحكم
انفتاح هذه الأخيرة، على أنماط الكلام وأنماط الكتابة من جهة، وانفتاحها
على النص المكتوب والنص من جهة ثانية، المرسوم أو المصور، وانفتاحها
أخيرا، وليس آخرا، على التجربة العامة والتجربة الخاصة في آن واحد.
5-
وعلى هذا الأساس، كان الجهد الكبير الذي بذله الأستاذ "عبد الهادي التازي"
في الجمع والتحقيق والتصنيف والتبويب يلامس، برفق، جانب الأدبية التي ما
زالت محط جدل وحوار بين الباحثين في ميدان النص الرحلي.
ومن ثم، كانت
الرحلة ?وهي نص المكان بامتياز- نصا لإعادة صياغة الأمكنة من خلال
الأحاسيس والمواقف. وهذا ما يفسر تداخل المكان المقدس بمرجعيات عديدة جمعت
بين الأدبي وغير الأدبي، اللغوي و"الطوبوغرافي" الخاص والعام.
وبسبب
ذلك كان المكان المقدس عامة، (الكعبة المشرفة/المدينة المنورة) من أهم
إنجازات النص الرحلي الذي كان وراء تشكيلة عبر مستويات عديدة بدءا باسم
المكان (مكة /بكة... إلخ) أو على مستوى المدينة
(يثرب/طابة/طيبة/الطيبة/دار الأخيار/قبة الإسلام/الغراء/بيت
الرسول...إلخ)، وانتهاء بتداخل الاسم مع الصفات أو النعوت كما هو واضح في
المرادفات أعلاه6 .
إن هذا التعدد، أو الغنى المعجمي، هو الذي خلق الدلالات العديدة للمكان المقدس، ومن بينها نذكر:
أ-
دلالة المكان التاريخي، فالرحالة المغربي لا يكتفي بتقديم الصور المرئية،
بل يرجع، بين الفقيه والأخرى إلى تاريخية المكان المقدس من خلال مواقع
متعددة عبر شواهده العمرانية وغيرها.
ب- المكان الصورة: سواء كانت
أدبية من أحرف أو صورة من خطوط ورسوم (أنظر رسوم ابن الصباح في القرن
التاسع الهجري للكعبة "المشرفة أو للمشاعر المقدسة ج،1ص170،169) نضيف إلى
ذلك الصورة الفوتوغرافية التي استخدمها بعض الرحالين المعاصرين.
ج-
دلالة المكان المقدس حكائيا: والمطلع على الكتاب سيلتقي بحكايات عديدة قبل
الوصول إلى "مكة المكرمة" وأثناء الوصول، مع إيراد محكيات عديدة لحظة
مغادرة المكان المقدس.
د- معمار الفاضائل: المكان المقدس، عبر تاريخه،
عرف ببساطة معماره. وبالرغم من التوسعات الأخيرة والإصلاحات المختلفة،
فالمنظور واحد، وهو ارتباط هذا المعمار بقوائم الخلاق وأعمدة التقوى كما
عبر عن ذلك "أحمد شوقي" في معارضة الشهرة لهمزية "البوصيري" إنه المكان ?
العتبة "التي تفصل بين الإيمان والكفر، بين الكائن قبل القيام بالشعيرة
المقدسة، والكائن المؤدي لهذه الشعيرة، بين الولادة الأولى والولادة
الثانية.
خلاصات:
سمح لنا هذا المؤلف، بجزءيه، باستخلاص خلاصات عديدة، يمكن إجمالها في خلاصتين:
1-
يصبح ?على حد تعبير المؤلف- تاريخ الحرمين الشريفين ليس وقفا على الحجاز،
أو شبه الجزيرة- بل هو التاريخ الممتد إلى "بلاد المغرب الكبير" بما فيها
الأندلس وطرابلس وتونس والجزائر وموريتانيا وغرب إفريقيا على العموم(ج،1
ص19).
2- إمكانات النص الرحلي في المقاربة والاقتراب من موضوعة
"المكان" من خلال تداخل الأنظمة التعبيرية، الأدبية وغير الأدبية، فضلا عن
مستويات التفكير والتأويل./.

هوامـــش:
1 - (رحلة الرحلات أو مكة في مائة رحلة مغربية ورحلة) نشر مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي 1426 هـ/2005م.
2 - للدكتور عبد الهادي التازي "مونوغرافيات" عديدة منها:
أ- ليبيا من خلال رحلة الوزير الاسحاقي م. فضالة. المحمدية.1976.
ب- صقلية في مذكرات السفيرات ابن عثمان م. فضالة. المحمدية.1977.
ج- القدس والخليل في الرحلات المغربية، نشر منظمة الأسيسكو- الرباط 1977.
أنظر أيضا القدس كما رآها الرحالون الإسبان: عبد العزيز شهبر منشورات جمعية تطاون أسمير 1999.
3
- رحلة المقري إلى المغرب والمشرق. تأليف أبي العباس أحمد المقري، تحقيق،
محمد بن معمر جامعة وهران.م الرشاد للطباعة والنشر وتوزيع الجزائر
1425هـ/2004م. وفي المقدمة ينسب المحقق "المقري" إلى تلمسان.
4- رحلاتي الحجازية: أبو بكر القادري م.النجاح الجديدة 1995.
5 - الحسن بن محمد الغسال: الرحلة الطنجوية الممزوجة بالمناسك المالكية تقديم ونشر عبد العزيز خلوق التمسماني ط،1،1998.
6
- أنظر بحثنا عن "المدينة المنورة" مستويات المكان: الأبعاد والدلالات
ألقي بالجزائر في سياق ندوة (الرحالة العرب والمسلمون...) المنظمة من قبل
"مشروع ارتياد الآفاق" ? أبو ظبي الإمارات العربية المتحدة وقد طبعت
الأعمال الكاملة لهذه الدورة ?الجزائر 2005- في مطبوع ضخم وأنيق صادرعن
المشروع ذاته وفي السنة ذاتها.

عبد الرحيم مؤدن
جريدة العلم المغربية
23/10/2009-

قاضي حاجة
قاضي حاجة

ذكر عدد الرسائل : 29
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 12/11/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى