صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جمالية الأزمة الجارحة في المجموعة القصصية «الإقامة في العلبة» لحسن البقالي

اذهب الى الأسفل

جمالية الأزمة الجارحة   في المجموعة القصصية «الإقامة في العلبة» لحسن البقالي Empty جمالية الأزمة الجارحة في المجموعة القصصية «الإقامة في العلبة» لحسن البقالي

مُساهمة من طرف قاضي حاجة الثلاثاء 27 أكتوبر 2009 - 8:56

جمالية الأزمة الجارحة   في المجموعة القصصية «الإقامة في العلبة» لحسن البقالي XUtsyWXtAf

يتأسس
متخيل قصص مجموعة «الإقامة في العلبة»i للروائي والقاص المغربي حسن
البقالي على مدار دلالي قوامه جمالية الأزمة الجارحة، فتبدو القصص مأخوذة
بمقولة الكشف كما يتطلبها الفعل الإبداعي القصصي؛ أي كشف الكثير من مظاهر
الأزمة بخلفية جمالية، أزمة محورها «الإنسان» بكل امتداداته وأبعاده، وذلك
ضمن أفق تخييلي قوامه جمالية الفضح. من هنا يكون العالم التخييلي المشيّد
لقصص «الإقامة في العلبة» محكوما بجمالية كشف الأزمة وفضحها ضمن سياق قصصي
دال على الانتصار لمقولة «جمالية الممكن» التي لا ترضى بحيادية الفعل
القصصي، بل تؤمن بجدوائيته في التصحيح انسجاما مع مقولة الروائي الصيني
«غاو غيسنغجيان» التي مفادها: أن الكتابة بمثابة طريقة لضبط الخلل»ii.
يظهر أن متخيل قصص «الإقامة في العلبة» انبثق من الرغبة في كشف الأزمة
وفضحها وعرضها بوسائط جمالية يستدعيها النص القصصي، أملا في تشكيل وعي
تجاوزها والتحرر من ثقلها الجارح، فعن أي أزمة يتحدث محكي قصص «الإقامة في
العلبة»؟ وما هي الجماليات المتولدة عن تسريد الأزمات الجارحة قصصيا؟
جمالية الأزمة الجارحة   في المجموعة القصصية «الإقامة في العلبة» لحسن البقالي Info%5C2210232009122910PM1
حسن البقالي
1-في أزمة الإنسان المعاصر..

تدفع
الإجابة عن الأسئلة السابقة إلى الإقرار بدءا بأن متخيل قصص «الإقامة في
العلبة» لم يبرح مجال «الإنسان»، وعطفا على قضية «الأزمة» المثارة سالفا
فإن متخيل القصص تمحور حول «أزمة الإنسان»، ومن منظور زمني هي أزمة
الإنسان المعاصر. إن هذا المعطي يؤكد أن الإبداع الأدبي والفني، ومنه
الإبداع القصصي، لا يخرج متخيله عن مجال الكائن البشري وحياته المتنوعة
الامتدادات، لكن بطرق فنية وجمالية، وهو ما يؤكده أكثر من مبدع وناقد،
مثلما هو الأمر مع الأديب الأمريكي «هنري ميللر» القائل: «جوهر الفن هو
الروح الإنسانية»iii، والأديب الأنجليزي «د.هـ. لورنس» الذي يتحدث عن
وظيفة الفن قائلا: «إن وظيفة الفن هي الكشف عن العلاقة بين الإنسان وبين
عالمه المحيط به في اللحظة الحية»iv. أما الناقد «إيف روتير» فيوسع منطلق
الفعل الإبداعي ليصير الإنسان جزءا هاما منه فيقول: «إن جميع الخطابات
والنصوص والمحكيات تقود إلى العالم»v، ولن يكون هذا العالم سوى عالم
الإنسان، باعتباره الكائن الفاعل في هذا العالم والمنفعل به. فما هي أهم
العوالم الإنسانية التي يشير إليها متخيل قصص «الإقامة في العلبة»؟ وما هي
مظاهر الأزمة في تلك العوالم؟

2-في تضايف الأزمة والفن..

تقربنا قصص «الإقامة في العلبة» لحسن البقالي من متخيل ينطوي على الوعي
بالوظيفة الفنية والفكرية للفنون التعبيرية والأدبية؛ وظيفة قوامها جمالية
الاندماج التي نقصد بها جعل المتخيل القصصي مرتبطا بشكل تعبيري أو فني دال
على موضوع منجذب صوب كشف أزمة ما، فيعبر عنها بطريقة فنية وجمالية تؤكد
«أن القصة تشكل جزءا من الحياة قبل أن تهاجر من الحياة وتنفي نفسها في
الكتابة»vi بتعبير «بول ريكور». هكذا تقربنا القصص التالية: «شرب
الموسيقي.. كتابة القصة»، «سرقات»، «سينما»، «رانيا»، «آية» من حياة
إنسانية مزدانة بأزمات جارحة في سياق جمالي؛ لأنها قصص مؤسسة على تصوير
تراجيديا الكائن البشري المعاصر ضمن إطار فني خاص، حيث يتخذ النص القصصي
أداة فنية أو وسيلة تعبيرية أدبية كي يسرد أعطابا إنسانية متنوعة.
من
هنا فإن متخيل قصة «شرب الموسيقى.. كتابة القصة» يتمركز حول المواضيع
الممكنة لكتابة القصة القصيرة من لدن «إنسان» تعتعه السّكْرُ ولعبت أم
الكرم برأسه، حيث تحول الفضاء المعتم والفوضاوي المثقل بسلطة الضجيج
والإنسطال إلى محفز وباعث على التفكير في كتابة القصة، قصد صياغة أزمة
الإنسان أثناء تفاعله مع مؤثثات فضاء الحانة، أو معالجة القضايا المعبرة
عن تراجيديا الكائن البشري المخذول في صحوه ولا يظهر خذلانه إلا بعد يقظة
متوهمة بالمشروبات الروحية. لذا قد تتولد قضية القصة من حوار ندماء الحانة
أساسه الافتراض والتخمين: «عندها يقول الرجل الذي تعتعه السكر دون أن يدرك
ذلك: -بإمكاني الآن أن أكتب قصة» (ص8). إن التفكير في كتابة القصة هو
تفكير في تشييد النص القصصي الإطار، وبالتالي فمتخيل القصة يتولد جراء
حوار عفوي يدفع للتفكير في بنية القصة من داخل القصة، وهو تفكير محكوم
بجمالية التوجيه التي تتمفصل إلى مستويين: الأول توجيهي قوامه تنبيه
القارئ المحتمل إلى أهمية كل القضايا والأحداث، مهما أوغلت في الهامشية،
في تشكيل النص القصصي وتشييد متخيله؛ سواء كان نصا قصصيا تمتد أحداثه
لترصد رمزية «فندق بغرف لا متناهية، يقيم فيه زبناء بعدد لا متناه..» (ص7)
وبمقصفه تتولد حكايات متعددة تدفع للتفكير في كتابتها سردا قصصا، أم كان
نصا قصصيا يفكر في موضوعه التخييلي بمدخل فني تحكمه جمالية الإضافة، ما
دامت «قد كتبت كل القصص التي تحتملها الأرض واكتملت دورة الجنس» (ص8)، أم
كان نصا قصصيا يطرح إشكالية المفارقة الجارحة بين التفكير في موضوع القصة
وبين الانتقال إلى كتابتها فعلا، لأن من يطرح كتابة القصة يظهر أنه لم
يكتب قصة واحدة في حياته.
إن اشتغال التخييل القصصي على قضية محورها القصة يمنح التفكير في عدة دلالات ترشح من قصة «شرب الموسيقى.. كتابة القصة» من بينها:
-في
ظل أزمة الإبداع لدى الفرد المبدع يتولد الإحساس باستهلاك كل الموضوعات
و»اكتمال دورة الجنس»، بيد أن هذا الشعور يضمر ضعفا في الملَكة الإبداعية؛
لأن الحياة، والإنسان ضمنها، تخضع لتحول دائم في سيرورة منفتحة على
المستجد دائما، مما يطرح تعدد الموضوعات المنفلتة من المقاربة الإبداعية.
-في
ظل أزمة الذات نفسيا أو فكريا أو اجتماعيا.. يكون الإبداع هو المخلِّص
والمنقذ، مما يدل على قدرة القصة القصيرة على «امتصاص» أزمات الإنسان
الجارحة، ليس رغبة في «عرض» تجربة الأزمة قصصيا بل أملا في التحرر من
ثقلها واقتسامها مع الآخرين، كما تؤكده الأدبيات السيكولوجية، لكن بمداخل
فنية ووسائط جمالية، خاصة إذا سلمنا بأن «عمل الكاتب هو عمل إستيطقي بشكل
كلي»vii.
وتقربنا قصة «سينما» من الأزمة الإنسانية والفن السابع،
فالقصة تنسج متخيلها من أزمة الإنسان داخل الشريط السينمائي وخارجه؛ حيث
إن السينما تؤثر في الكائن البشري فتكتسحه بقيم جديدة، يقول السارد: «تقول
أمي إن السينما ضيعتني، فتلعنها وتلعنني.. من يقول لها: حين تشتغل الشاشة
تبتدئ حياتي» (ص17). إن أزمة الذات الإنسانية هنا تخلقها السينما؛ فحينما
تلج الذات الطفلية عالم السينما تبدأ مأساة شخصية الأم بأزمة نفسية متولدة
من الخوف على ابنها من التيه واللامبالاة بما هو جدي وهام في تشكيل
كينونته ومصير وجوده الذي انتهى كارثيا (الموت)، أما حينما يُمنع الطفل من
الاهتمام بعالم السينما تنفجر أزمته المفضية إلى نهاية «الحياة»، باعتبار
النهاية هنا استعارة رمزية للقلق والحيرة و»الموت» الرمزي تحت أنقاض
اليومي والمادي قبل الموت البيولوجي، مما يعبر عن أهمية المتخيل الفني في
تشكيل الشخصية، وصياغة مواقفها، وبناء أفكارها وأحلامها، ولكنه قد يجهز
على وجودها ويدمر كينونتها.
وتنطوي قصة «سينما» على مظهر آخر من
المظاهر الدالة على أزمة الإنسان من داخل الفن، وهو ما تضيئه المتوالية
السردية التالية: «إنه فيلم يَصْنعُ على الشاشة مجدا أمريكيا مُرِّغ في
وحل البلد الإفريقي الضعيف» (ص18). إنها السينما التي تصنع مجدا مزيفا، كي
تداري الذات أزمة نفسية تتولد لدى الإنسان الأمريكي حينما تنتهك قوته.
هكذا تصير السينما عنصر تعويض لأزمة ولَّدها الزمن المعاصر المثير والمرعب
الذي تخلخلت فيه قيم القوة، أحيانا، في إبدال دال على انتصار إرادة الضعف
على سوء تدبير وإدارة القوة. ولعل «تحول حي سيدي موسى إلى «موقاديشو»
حقيقية» (ص17)، بفعل مؤثرات صوتية وبصرية، يضمر دلالة رمزية أساسها جمالية
المأساة؛ مأساة إنسان يعي حقيقة الصراع السياسي فيجعل الفن السينمائي في
خدمة إيديولوجية التفوق والزعامة وإن كان الآخر أقل سلطة وقوة، ومأساة
إنسان صار حقل تجارب وأرضية اكتشاف المشترك المأساوي بين الجغرافيات
والكائنات الإفريقية، وبالتالي لا فرق بين «سلا» المغربية و»موقديشو»
الصومالية غير توجيهات المخرج، ولا بين موت الكومبارس و»الطفل الحقيقي»
غير سنة الإعجاب وحب السينما أو سلطة الرغبة في التسلق لتحقيق الشهرة
المقدسة. لذلك تنتهي قصة «سينما» على إيقاع تراجيدي جسدته رمزيا جمالية
الضياع؛ أولا ضياع حقيقة اندحار القوات الأمريكية على أعتاب مقاومين
صوماليين يمتلكون إرادة حب الوطن ونبل المقاومة، وهو ضياع يعبر عنه الشريط
السينمائي حينما يقلب الحقائق، فيجعل الضحية جلادا والهزيمة انتصارا.
وثانيا ضياع كائن إنساني (طفل) مهووس بالسينما ومحب لها، حيث كان «يتقافز
فوق السطوح» يتابع مشاهد التصوير ليسقط مصابا بما عجل انتهاءه الوجودي
(الموت)، خاصة أن «سيارة إسعاف تعذر وصولها بسبب الحصار المضروب على الحي
لدواعي التصوير» (ص20). ألا يفصح الفن السينمائي، في سياق التخييل القصصي،
عن أزمة إنسانية جارحة ؟
إن الإجابة واضحة، أما الأزمة الجارحة فتتعمق
حينما يكون مصدرها المبدع والأديب، فخارج أي منطق مثالي وصدامي من واجب
المبدع تشجيع الإبداع النوعي، واتخاذ طريق الابتكار سبيلا في إنتاجه. إن
هذا ما يطرحه بشكل معكوس متخيل قصة «سرقات» التي تفصح رمزيا عن أزمة
إبداعية يتحول بموجبها «الحمزاوي الأديب الكبير» إلى كائن ينشر الإحباط في
نفس وعقل المبدع «المبتدئ» كما تمثله شخصية «علال الريفي»، هذا الأخير قدم
روايته المخطوطة إلى «الروائي الذائع الصيت» كي يقول كلمته التقويمية
فيها، فكان قولا مؤثثا بمفردات حقل الإحباط والتيئيس، بيد أن «علال» لم
يستسلم وييأس فقرر السرقة كي يطبع روايته التي توجد مخطوطة مع الروائي
«الحمزاوي»، وبما أن السجن كان المكان الذي عبرت نحوه شخصية «علال» لتتحول
إلى مجرد رقم بدل الولوج إلى عالم الروائيين بوضع رمزي، فإن «الحمزاوي» أو
بالأحرى «الهمزاوي» اغتنم الفرصة وأصدر رواية «سرقات» الدالة على سرقة
فاضحة لرواية «علال» ليبدأ الاحتفال بالإصدار الجديد شرقا وغربا، لأن
رواية «الحمزاوي» «تؤسس لتوجه فني جديد لديه، وتدشن لمغامرة جميلة..»
(ص16)؛ مغامرة أساسها أزمة قيم لدى جل الفرقاء الاجتماعيين بما فيهم
الأدباء المفترض فيهم الترفع عن اقتراف ما يسئ إلى رأسمالهم الرمزي،
ومغامرة قوامها أزمة إنسان في زمن صار الفشل مصير المبدع الحقيقي
و»النجاح» الإعلامي، أحيانا، حليف المبدع الانتهازي الذي يعاني من عقم
المخيلة الإبداعية.
و يتمركز متخيل قصة «رانيا» دلاليا بوساطة جمالية
لحكاية «أبا علال» عن «لاراف» (دورية الشرطة) حول أزمة الأطفال في محيط
مجتمعي تبنيه فلسفة الإهمال واللامبالاة بالأطفال، فتتولد لديهم مشاعر
الوحدة والتمرد، كما هو الشأن مع الطفلة «رانيا»، مما يدفعهم إلى تبديد
قنوطهم ووحدتهم وأزمتهم الداخلية بالبحث عن المشترك الإنساني، بيد أنه بحث
قد ينتج فعلا أخرق يدفع الذات الطفلية إلى مشارف هاوية حفرها بعمق أشرار
بأفعالهم الإجرامية، أو إلى داخل فضاءات مليئة بالقلق جراء تشفير دلالي
يجعل الكثير من الفضاءات تقوم على جمالية التماثل الإجرامي؛ فالطفلة
«رانيا» لا تخلو رمزيا من تماثل مع مجرمين سرحهم الليل فالتقطتهم سيارة
دورية الشرطة، بيد أن بكاء الطفلة «رانيا» (ص25) قوض ذلك التماثل الرمزي
فتم تسريحها من سيارة الشرطة، وذلك في إشارة رمزية دالة على أزمة وعي لا
يقيم وزنا لأحلام الأطفال وطموحاتهم وتحركاتهم وأفكارهم.. من لدن كل
الفرقاء الاجتماعيين.
أما في متخيل قصة»آية» فنكتشف أن الشعر كان
مدخلا فنيا لكشف الأزمة الصحية للطفلة التلميذة «آية» وهي تشخص دور النبتة
في مشهد مسرحي شعري (ص28-29)، ليصير الكلام الشعري بلسما شافيا للذات
الإنسانية (آية) من أزمة العزلة والانعزال المترتبة عن مرض القلب، كما أن
الشعر فجَّر لدي الطفل المشارك في المشهد المسرحي الشعري (سامي) قيما
سامية ونبيلة أساسها التضامن والتآزر، بالرغم من غياب الشرط الموضوعي
لتحقيق ما يكفي ماديا: «يا رب .. أقبل أن أبيع الفطائر طول حياتي.. فقط
اشف آية» (ص30)..
من هنا فإن متخيل بعض قصص «الإقامة في العلبة»
يتخلُّق من تضايف الفنون والأزمات الجارحة والموجعة، فتكون النصوص القصصية
بمداخلها الفنية والجمالية معبِّرة عن تشفير مضاعف وتضعيف إبداعي يتخذ
طابعا إبداليا بين القصة والرواية والسينما والحكاية والشعر المسرحي، كي
يعبر النص القصصي عن أزمة أو مأساة حاضرة أو مؤجلة، ظاهرة أو مضمرة.. بناء
على رؤية فكرية وفنية تؤمن بـ»الصلة المباشرة التي تقيمها الكتابة بين كل
ما هو موجود أو محتمل الوجود»viii.

3-في الإقامة داخل أزمات متنوعة..

إن
الأزمة حين تنتشر تحقن الذات المأزومة بأمصال الألم المتعدد الامتدادات،
مما يدفع للتفكير في تجاوز الأزمة وتدبيرها. لهذا فإن الأزمات المتنوعة
التي يقربها محكي قصص «الإقامة في العلبة» للقاص حسن البقالي تعبِّر عن
رغبة قوية في الفضح والتعرية عبر جمالية التحرر؛ جمالية تروم جعل القصة
نصا فنيا يتمثل عالم إنسان عار من كل شيء غير أزمته الجارحة، وذلك بمقولات
فنية وفكرية تمتع وتدفع للتفكير في تجاوز مختلف الأزمات، ما دام «الكاتب
الخلاق هو الذي يعلِّم الفعل الإنساني الاتساع والتحرر»ix. من هنا فإن
الأزمات الجارحة التي يرصدها متخيل قصص «الإقامة في العلبة» يتأسس على
جمالية الكشف ذات الغاية التحررية، ما دامت جمالية الأزمة الجارحة تروم
إيضاح وضع مجتمعي وإنساني موبوء يولد مشاعر التمرد.
يقول السارد في
قصة «اختفاء»: «امرأة متوسطة الجمال.. كلما حل شهر مارس، تسمع عن يوم
عالمي للمرأة، ثم لا تسمع بعد ذلك سوى أفعال أمر ونهي: «صَبّْني، فرشي،
طيبي، آجي، سيري، ما تمشيش، ما تعيقيش، اسكتي، كلي ما تاكليش..» (ص31-32).
إنه مقطع سردي يترجم أزمة جارحة لامرأة صارت مُهانة داخل مؤسسة الزواج،
وواقع وزمن تشوهه قوانين التراتبية وتقيده تقاليد مجتمعية تطفئ فكر
الاعتراف بمجهودات المرأة الزوجة في ماء الاضطهاد، فتصير الزوجة خادمة
تلبِّي الرغبات وتصرِّف الأوامر والطلبات بقلق داخلي، لتنفجر الأزمة
الداخلية في تصرُّف أساسه التمرد وترك «المؤسسة الظالمة». ولما غادرت
«حجيبة المحمودي» بيتها، الذي صارت فيه مجرد خادمة مقنعة، استيقظ زوجها
على حقيقة مفزعة كانت تحجبها «حجيبة» بحضورها المؤسس على بلاغة الطاعة:
«طوال ربع قرن من الزواج، لم يحدث أن وجَّه لها كلمة شكر واحدة، أو أي
كلمة رقيقة أخرى تفتح شهيتها للحياة وتسقي دمعة الحب الخبيئة تحت جذور
القلب..» (ص33). إنها أفكار وتعابير مبنية على جمالية المضمر، أي إضمار
الكثير من الدلالات المحتجبة؛ أولها دلالة الانتقاد الحاد لبؤس مجتمعي لا
يعترف بمجهودات المرأة في بيت الزوجية، لذلك يعتصم الأزواج بالصمت في
مقامات تتطلب تفعيل وتغليب ثقافة الاعتراف، ولو المعنوي، بمجهودات
أزواجهم، مما يفضي لتعميق هوية الـ»بدون» التي تصير معادلا رمزيا يعمق
اللامبالاة بالفعل الخلاق للمرأة في البيت. وثانيها دلالة التحفيز على
بناء تواصل أسري قوامه «الكلام» المُشْرع على دفع الذات الأنثوية (الزوجة)
لتجاوز اليأس والقلق صوب الإحساس بالكينونة والوجود، وذلك بإسماع تلك
الذات لغة تخاصم شُحَّ الصمت وتعانق غنى ثقافة الاعتراف، مما يدفع «الذات
الأنثوية» للتخلص من «أسباب تعاستها» ومن «نظرتها الكسيرة» (ص34).
وفي
نفس السياق تحتفي قصة «قصة حب» بأزمة الأزواج في زمن صار محكوما بزخم
وسائط الاتصال الجماهيري، ومنها الشبكة العنكبوتية التي اتخذها أحد
الأزواج بوابة لتجاوز الرتابة المتولدة من مؤسسة الزواج، كما تعبر عنها
رمزية الصحراء والجليد والفراغ في قول السارد الاستعاري: «صار ما بيننا
صحراء من جليد، وفراغات مديدة..» (ص42). إنه وضع مغرق في الأزمة التواصلية
بين الأزواج التي لن يكون الخروج منها إلا بـ»الشات»، أي التواصل من غرف
الدردشة مع أنثى افتراضية «الدهماء»، وهي «الدردشة» التي كسرت تصلُّب
القلب وتحجره بعشق افتراضي بدأ «يقتحم خزان القلب بطاقة بديلة..» (ص44).
بيد أن العشق الجديد المتولد بين العاشقين الافتراضيين سيضع واقع الزوجين
في مأزق الاستمرارية، ما دام كل واحد صار عنده الحب الافتراضي بديلا لحياة
زوجية رتيبة ومملة، وصارت «المحبة بلا قيود» التي يؤسسها النقر على فأرة
الحاسوب بديلا لحب تقيده المؤسسة الزوجية، فيموت بذلك الحب لأنه لا يقبل
القيود، وهو ما يعني أن السياق الحضاري الراهن صار يؤسس لحب افتراضي يعد
ولادة جديدة ينتظرها الزوج والزوجة، لكنها ولادة مفجعة أفرزت حبا جارحا،
لأن أحداث القصة الختامية قربتنا من مشهد التقاء عاشقين تولَّد حبهما
لبعضهما افتراضيا، ولن يكون العاشقان سوى الزوجين الغارقين في أزمة رتابة
حياتهما الزوجية، ففر كل واحد منهما باحثا عن حب افتراضي يبدد الرتابة،
ليقف الزوج في النهاية على حافة الدهشة مرددا: «لقد كانت الدهماء التي
تيمت بها افتراضيا هي نفسها.. نفسها.. هي نفسها.. زوجي» (ص47)، فهل يعد
الحب الافتراضي إبدالا وجدانيا جديدا؟ وهل يمكننا اعتبار العشق الافتراضي
استعارة جمالية للانهيار والفقدان الذي يشْعر به الإنسان في عالم الواقع
فيلجأ للافتراضي كي يداري أزمته الجارحة؟
إن القاص حسن البقالي وهو
يفتح محكي القصص على الأزمات الجارحة فأنه يهتم بمصائر الشخصيات المأساوي؛
فيهتم أولا بانفعالات الشخصيات وأفعالها، كما هو الشأن مع شخصية المقامر
في قصة «المقامر» الدالة على الأزمة الحادة لدى الإنسان المدمن على
القمار، حيث ينحدر المقامر في نسق أخلاقي فادح وانحطاط قيمي مثير يجعله
منخرطا في المقامرة بكل شيء بما في ذلك زوجته (ص69). أو مثلما هو الأمر مع
شخصية القاتل في قصة «على مهل يؤكل الباذنجان» المعبرة عن اختلال قيمي
وأزمة أخلاقية ونفسية حادة للكائن البشري في زمن القتل الدال على الانهيار
القيم والإنسان والأخلاق.
ويعتني ثانيا بالوضع المأساوي للشخصيات
القصصية، كما يعبر عنه متخيل قصة «لا أحد يموت في الطابق الثالث قبل أن
يزوره أوسكار» ضمن نسق جمالي دال على الوضعية المأساوية للكائن الإنساني
العجوز، فترسم القصة صورة سوداء لثقافة مجتمعية صارت مفتونة بالتمركز على
«الذات» و»الأنا»، ومدفوعة للانفصال عن الآخرين ولو كانوا أباء وأمهات،
مما يفرز الفاجعة والمأساة التي تجعل الكائنات الإنسانية (العجائز) محكومة
بالانفصال عن العالم الإنساني والأسري الممهور بالدفء والحميمية، فيغدو
الكائن الحيواني (القط أوسكار في القصة) رفيقا للعجزة في إقامة الموت
الرمزي (دار العجزة) إلى حين تحقق الموت البيولوجي الذي يصير مرغوبا
ومطلوبا، لأن الرحلة الحياتية تبدو خاتمتها مفتوحة على فاجعة الوحدة وأزمة
الانفصال عن كل اتصال إنساني أو حيواني، لذلك يتساءل السارد بحرقة قائلا:
«من يسأل الآن عن عجائز دار العجزة؟ من يسأل عنهم بعد رحيل أوسكار؟»
(ص58).
وسيرا على الخط الدرامي المفجع والأزمات الجارحة تنفتح أحداث
قصة «الإقامة في العلبة» على أزمة الإنسان أثناء ولوجه عالم الإدارة
العمومية، فتصير الإدارة معادلا رمزيا للأزمة المفتوحة على القلق والضياع:
«-هل تعتقد أن الأمور في الإدارة كما هي في الحياة؟.. أيقنت أن علي مواجهة
المزيد من الأدراج والممرات والتيه والهواجس واختبار الذات..» (ص76). من
زاوية جمالية تشير الممرات والأدراج إلى رمزية العقبات المسطرية والمداخل
القانونية المعقدة التي تواجه الإنسان أثناء سعيه للحصول على وثيقة إدارية
بها يكتمل الوجود بالقوة والفعل: «شهادة الحياة»، وإن كان الوجود الفعلي
يعبِّر عن انتهاء رمزي؛ لأنه انتهاء ساهم «شرُّ» السلطة في تحققه، فالذات
التي ولجت عالم الإدارة كي تثبت وجودها وكينونتها على الورق عادت لبيت
استقرارها وجدته مهدما، فكان الخروج من وجود محكوم بسلطة العقل والدخول في
وجود مؤطر بالهلوسة والرهاب والنسيان، فصارت «الإقامة في العلبة» معادلا
رمزيا «للإقامة في الأزمة الجارحة والفاجعة المؤلمة».

-في الختم..

يرى «تيري أوزوالد» في كتابه «القصة القصيرة» بأن «جوهر القصة القصيرة
يكمن في العمل على تفجير جميع المعتقدات في نظام الأشياء، وفي الرفض
الساخر للأفكار الوعظية»x . إن ما يطرحه «أوزوالد»، هنا، يساير ما طرحه
متخيل قصص «الإقامة في العلبة» للروائي والقاص المغربي حسن البقالي؛ حيث
إن الأزمة والفاجعة القصصية تعد تجربة تعيشها الشخصيات في سياق تخييلي لا
يتوخى الوعظ والإرشاد، بل يطمح إلى تأسيس مقولات جمالية قوامها العرض
والإثارة، إثارة الأزمات وعرض الفواجع، وذلك في إطار لغوي ملئ بالسخرية
وممهور بالتكثيف الدلالي، فتصير اللغة الشاعرية، أحيانا، قناة فنية تليِّن
حدة الأزمة، وتقبل تأويلات متعددة، لإنتاج دلالات يمكن ربطها بمدلولات
أساسها المكابدة والمأساة والمعاناة.

- الهوامش:
- هذه الورقة قدمت في الدورة الثانية لمعرض الكتاب المستعمل بالدار البيضاء، يوم الأحد 29 مارس 2009.
i
- حسن البقالي، الإقامة في العلبة، قصص، منشورات مجموعة البحث في القصة
القصيرة بالمغرب، كلية الآداب ابن مسيك، الدار البيضاء، ط1، 2009، وأرقام
الصفحات داخل المقال التي لا تحيل على الهامش هي أرقام صفحات المجموعة.
ii - Gao Xingjian / D. Bourgeois, Au plus prés du réel, (Dialogue sur l’écriture), éd l’aube; Paris; 1997, p: 13.
iii - هنري ميللر، ثلاثية الصلب الوردي، ج1، ترجمة: أسامة منزلجي، دار المدى، سوريا، 2003، ص: 306.
iv
-د.هـ لورنس، الرواية والخلق، ضمن: نظرية الرواية في الأدب الأنجليزي
الحديث، مؤلف جماعي، ترجمة: أنجيل بطرس سمعان، الهيئة المصرية العامة
للتأليف والنشر، 1971، ص: 210.
v -Yves Reuter, L’analyse du récit, éd Nathan, Paris, 2000, p : 100.
vi - بول ريكور، الذات عينها كآخر، ترجمة: جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2005، ص: 331.
vii- خوليو كورتازار، حوار الكرمل، مجلة الكرمل، العدد 3، صيف 1981، ص: 250.
viii
- إيتالو كالفينو، ست وصايا للألفية القادمة (محاضرات في الإبداع)، ترجمة
وتقديم: محمد الأسعد، سلسلة «إبداعات عالمية»، الكويت، ع 321، ديسمبر
1999، ص: 52.
ix - أناييس نين، رواية المستقبل، ترجمة: محمود منقذ الهاشمي، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1983، ص: 234.
x - Thierry OZWALD, La nouvelle, éd Hachette, Paris, 1996, p: 64.

عبد الرحمن التمارة
جريدة العلم المغربية
23/10/2009-

قاضي حاجة
قاضي حاجة

ذكر عدد الرسائل : 29
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 12/11/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى