صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اللسـان المـفلوق/عبد الفتاح كيليطو

اذهب الى الأسفل

اللسـان المـفلوق/عبد الفتاح كيليطو Empty اللسـان المـفلوق/عبد الفتاح كيليطو

مُساهمة من طرف izarine السبت 10 أبريل 2010 - 22:09

لا أتخيّلني أكتب في اللغة الدّارجة التي أتكلّمها . ما إن أمسك بالريشة ، ما إن أكن أمام الورقة البيضاء ، تفرض العربية الكلاسيكية نفسها عليّ و معها الأدب . تحرير رسالة ، و هو، مع ذلك ، فعل يوميّ ، عادي ، يجعلني مسبقا ، و بكيفية ماكرة ، أستقرّ في المؤسسة الأدبية . عليّ أن أستخدم نماذج ، إنشاءات تأتيني مباشرة من النصوص الأدبية ، و في المقام الأول من النصوص الملقنّة في المدرسة ؛ عليّ أن أختار معجما ، أسلوبا ، نبرة ، كلّها أبعد ما تكون عن طريقتي في الكلام ؛ عليّ أن أبذل جهدا ، أن أتردّد بين صيغ مختلفة ، أن أراجع القاموس ، أن أمحو ، أن أبدأ من جديد . هكذا تؤول العربية الكلاسيكية إلى المكتوب ؛ إنّها تعني لي أيضا إنفاقا كبيرا للجهد .
لمّا أتكلّم ، تسيل الكلمات من النّبع ، دارجتي تتدفق في الحال ، مألوفة ، عفوية و في وفاق تام مع العالم الذي يتهيّأ لي أنّي تملّكته منذ الولادة ، دون أن يكون لي أن أتعلّمه تدريجيا . لا أتساءل أبدا إذا ما كنت أتكلّم بشكل صحيح ، لا يمكنني أن أتكلّم إلاّ بشكل صحيح ، ليس ثمّة ذرّة من شكّ بهذا الخصوص . ليس الأمر كذلك حين أتكلّم العربية الكلاسيكية ، هذا ما لا يقع لي في الواقع إلا نادرا جدّا . إنّها تجربة أخشاها و أتجنّبها إلى الحدّ الأقصى . عمليّا ، لا أتكلّم العربية الفصيحة إلاّ في مناسبتين ، في النّدوات و المؤتمرات أو حين تسمح لي الصدفة بملاقاة عربيّ من الشرق الأوسط . مُحادثي ، في الحالة الأخيرة ، لا يتكلّم إلاّ لهجته ، يبدو له هذا الأمر طبيعيا تماما ، في حين أجدني مضطرّا أن أحدّثه بالفصحى ، مروءة ، خجلا ، رغبة في أن أكون مفهوما أو اهتماما بإنهاء المحادثة سريعا . في الندوات و المؤتمرات ، عليّ أن أحترس ، أن أحرص على عدم اقتراف أخطاء نحوية . الويل لي إذا ما أخطأت في استعمال الحركات الإعرابية . طبعا ، لا أحد سيؤاخذني على ذلك ، على الأقل في حضوري ، غير أنّي أحسّ ، في ارتباك ، أنّ خطأ في التحريك أو الإعراب كفيل بتقويض مصداقية خطابي . و أنا أتكلّم إذن ، أقوم باستدعاء نتف من علم النحو الذي تمّ تلقينه في المدرسة ، أصير تلميذا من جديد يتمرّن على تأليف جمل تبعا للنماذج المدوّنة على السبورة . المعلّم حاضر ، المسطرة في اليد .
قلْ ، لا تقلْ : في نطاق هذا الأمر ، تتراءى لي العربية الكلاسيكية . يجب عليّ ، في الجوّ الرّسمي للندوة أو المؤتمر ،
و في جزء من الثانية ، أن أبتّ في لاحقة كلمة ما . و أنا في خضمّ البحث عن الشكل الصحيح ، أحسّني مراقبا ، مُترصّدا . أراقب نفسي أنا أيضا . لست في بيتي إطلاقا ، أنا آخر . أستمرّ في الكلام ، في الواقع أستمرّ في القراءة ، لأنّه حين يتعلّق الأمر بالعربية الكلاسيكية ، لا نتكلّم بل نقرأ ، حتّى و إن لم يكن تحت الأعين نص ، حتّى و إن تمّ الإرتجال . أتكلّم ، لكنّ الحروف ، الكلمات ، الجمل موجودة هنا قبلا ، تتتابع على شريط تخيّلي أملكه أنا وحدي و كلامي يعيد إنتاجه . ما أقوله و مهما كان مؤلّفا على التوّ و دون إعداد ، يتوالى أمام عينيّ ، نص مكتوب مسبقا ، حرف يسبق كلّ صوت ، كلّ حركة للشفتين و اللسان . يجب تكرار القول إنّ العربية الفصيحة ملازمة للمكتوب ، إنّها المكتوب في كلّ جلاله . في المدرسة القرآنية ، نحفظ كلام الله و نحن نكتبه اوّلا بأوّل على اللوح .
العربية الدارجة لا تُكتب . لا وجود لأيّ نص يرافق كلامي . يحدث لي ، بالتأكيد ، و أنا أقرأ في جريدة ، أن أعثر على تعبير دارج ، على مثل ، على شذرة من أغنية ، لكن عليّ أن أهتمّ حتى أقبض على المعنى . يتولّد عندي ، حينئذ ، انطباع أنّي أتهجّى لغة أجنبية . تصبح اللغة الدارجة التي هي جدّ مألوفة عندي ذات غرابة مقلقة ، حالما تُكتب . هذا الأمر يُفسّر بغياب التعوّد مثلما بالحكم المسبق البالي الذي يعزو إلى اللغة الدارجة مكانة ثانوية ، تابعة ، لا تُعتبر إلاّ تحريفا للغة العربية خالصة الجذور . يُقال أحيانا إنّ اللغة الدارجة نتاج الكسل ، الجهل ، الخلط ، اللّبس ؛ هي ، بعبارة أخرى ، أثر فساد البشر و مكر التاريخ . ظاهرة طفيلية ، تنمو على حساب اللغة الأصلية ، تبحث ، باحتيال ، على اغتصاب حظوة لا تستحقها . إذا لم يتم الحذر منها ، توشك أن تخنق اللغة ـ الأمّ ، أن تضيف إلى لائحة سيّئاتها تهمة قاتلة أمّ مرعبة . يتمّ تقبّلها في الأحاديث و المبادلات اليومية ( لا يمكن فعل خلاف ذلك في الواقع ) ، إلاّ أنّها لا يُنعم عليها بشرف الكتابة ، بشرف الأدب . لا يمكن ، بعد كلّ شيء ، التوجّه إلى تدريس النصوص الدارجة في المدرسة ، لا يمكن ، بعد كلّ شيء ، مطالبة التلاميذ بإنجاز إنشاءات مستنسخة عن طريقتهم في الكلام !
عليّ أن أعترف أنّي لم أتخلّص تماما من هذا الحكم المسبق ، بدليل السّخط الذي أستشعره حين أتبيّن ، و أنا أقرأ روايات إحسان عبد القدوس أو الطيب الصالح ، أنّ الشخصيات تتكلم اللهجتين المصرية أو السودانية . السرد و الوصف مكتوبان في لغة عربية صافية ، عذبة ، و الحوار في لسان لا أفهمه و هو، لهذا السبب ، يبدو لي غريبا . أحسّني عندئذ محبطا ، كما لو أنّ بين أيدينا كتابا انتُزعت منه بضع ورقاته .
تقدير الجرعة من الفصحى و الدّارجة هو أبلغ معضل يطرح نفسه على الكاتب العربي . إنّه ، و الحق يقال ، ليس بمشكل جديد . حتى أنّ الجاحظ في القرن التاسع الميلادي كتب في كتاب البخلاء « و إن وجدتم في هذا الكتاب لحنا ، أو كلاما غير معرب ، و لفظا معدولا عن جهته فاعلموا أنّا إنّما تركنا ذلك لأنّ الإعراب يبغض هذا الباب ، و يخرجه من حدّه « . المسألة تأخذ أبعادا مدوّخة حين يكتب الكاتب العربي باللغة الفرنسية ...
مثل العربية ، و إن أكثر ، كانت اللغة الفرنسية بالنسبة إليّ متّصلة بالمدرسة ، بالمكتوب ، بالأدب . كانت بالنسبة إليّ أيضا مرتبطة بشكل لا فكاك منه بالصّورة . و هذا كان أمرا عجيبا ( منذ أربعين سنة ، كانت الصّورة نادرة ، إن لم تكن عديمة الوجود وسط الأسر المغربية ) . بدراسة هذه اللغة ، كنت أتلقى سيلا من الصّور . اليوم الذي عرض لنا فيه الأستاذ مسيو Adnet شريط le Roman de Renard ، كان يوما مشهودا . ثعابين البحر ، الذئب Ysengrin ، الثعلب Goupil و زوجته Hermeline : عالم سحري انبثق من ظلمة القسم . فيما بعد « اكتشفت « القصص المرسومة و الشخصيات ذات الإسم الرنّان و العدواني : كيت كارسون ، بليك لوروك ، ميكي لورنجي ، تكس ويلير . قرأت فيما بعد فينيمور كوبر و جيمس أوليفر كيروود . قارة جديدة تنكشف أمام عينيّ الدّهشتين و ك « كولمبوس صغير « وضعتُ قدمي على أرض بقدر ما هي مباركة ، لم تكن موعودة . بفضل اللغة الفرنسية ، عرض الأدب الأمريكي عليّ نفسه في شكل غابات ، براري ، بحيرات و شلالات . ترعرعتُ وسط الصيادين بالفخاخ ، وسط الذئاب ، الدّببة ، وسط الموهيكان و الوونغاس . فتحت لي اللغة الفرنسية عالما من التخيّل ، من الحلم ، من المتعة .
كنت أقرأ بكثرة في لغة لا أتكلّمها ، في وسعي ، بالكاد ، أن أتمتمها ( اللغة الفرنسية المحكية أوالمنطوقة كانت مجهولة تماما بالنسبة إليّ ) ؛ علاوة على أنّ نطقي أعاقه « عيب « ( ما زال مستمرا ) : نطق R كما تنطق الرّاء ، كنت عاجزا على لثغ الرّاء الباريسي . فونيم ، مجرّد فونيم سيرجعني دوما إلى لغتي الأصلية ، إلى أصولي . في « الكتابة و التناسخ « ، تحدّثت طويلا عن متكلم من القرن السابع الميلادي ، واصل بن عطاء الذي لم يكن في مقدوره و بسبب أصله غير العربي أن يتلفظ الرّاء دون لثغة .
كنت أقرأ ، و بالموازاة مع العالم التخيّلي الذي تعرضه كلّ حكاية ، تنبثق عوالم أخرى كنت أنشئها في شكل سناريوهات متخيّلة . كنت أمنح أوصافا أخرى للشخصيات ، أتخيّل مجرى آخر للأحداث ، نهاية أخرى للقصة . بحلولي محلّ الكاتب ، كنت أجري على عمله عمليات معقدة ، أخضعه لإرغامات جديدة ، باختصار ، كنت أرغب في إعادة كتابته . هذه الرغبة كانت في البداية مشوشة قوّة و فعلا ؛ الإمكانية الوحيدة المتاحة كانت الإنشاء المدرسي . لكن أتى اليوم الذي استشففت فيه احتمال إعادة الكتابة بحرية بعيدا عن تمرين الإنشاء و القصص التي أطالعها . حدث هذا عندما قرّرتُ أن أصير كاتبا ، ليس دون ذعر ، ليس دون إحساس بالإثم جليّ . لم أحادث أحدا بهذا الأمر ، مثل دون كيخوطي ، كمّا نتذكّر ، قام بخرجته الأولى « دون أن يطلع الرّوح التي تحيا في السرّ بنيّته « . عزمتُ فعلا أن أصير كاتبا في النّطاق الدّقيق الذي صمّم فيه دون كيخوطي أن يصير فارسا جوّالا . الجنون الذي قاد الفارس ذا الطلعة الحزينة إلى محاكاة أماديس دو غولا ، ألهمني الرغبة في محاكاة فينيمور كوبر .
دون كيخوطيتي استمرّت عدّة سنوات ، سوّدت خلالها ، في كتمان مطبق ، كمية كبيرة من الأوراق . ستتوقف أو بالأحرى ستأخذ مجرى آخر يوم أن قرأت في جريدة ( أو في مجلة ؟ ) دفاعا و تشريفا للغة العربية . كاتب المقال ذهِل من أنّ المغاربة يكتبون باللغة الفرنسية . في الشروط الصعبة للحماية ، كان لهم بلاريب عذر ، لكن بعد الاستقلال ، لم تعد هناك أية حجّة : أن تكتب في لغة أخرى غير العربية ، لا يمكن أن يكون إلاّ شكلا من أشكال الاستيلاب .
هذا المقال بلبلني . ما كنت أكتبه ( باللغة الفرنسية ) أصبح مقصى مسبقا . لأوّل مرّة أدركتُ ، و إن بغير وضوح ، تاريخية الأدب ، اندراج الأعمال الأدبية في لغة ، في عصر ، في مجتمع ، في نوع ، في ذهنية ، في طبع أو مزاج . إلى ذلك الوقت ، كان الأدب يبدو لي فوق الزمان و المكان ، يتجسّد ، تتابعيا ، في مؤلّفين ، الاختلافات بينهم عارضة .
كنت « مستلبا « . هذه الكلمة التي برزت في النقد الأدبي ، لم أكن أدرك معناها ، كنت أتلقاها كقدح أو إهانة ، كانت تعدني بالاستيلاب الذهني و بالانزواء النفسي ... و بكيفية غير متوقعة ، المقال الذي أتيت على ذكره ، بقدر ما أرعبني ، حرّرني . كنتُ أقول مع نفسي ، إذا ما كتبت باللغة العربية ، لن يكون لديّ أيّ سبب للاحساس بالإثم ، بانعدام الجدارة ، لن أكون مضطرّا لإخفاء كتاباتي ، سأنخرط في تيار عمومي و سأكون مدفوعا بحماسة التضامن . لن تعود الكتابة مجرّد متعة ، و لكن أيضا علامة امتنان تجاه الماضي ، إعلاء للإرث ، دليل وفاء . عندئذ شرعت في الكتابة باللغة العربية .
كلّ هذا حدث منذ أزيد من ثلاثين سنة .
جزم الجاحظ أنّ كاتبا لا يمكنه أن يبرع في لغتين ، أنّ التقدّم الملاحظ في الأولى يتمّ بإدخال الضرر على الأخرى ، بعبارة ثانية ، إنّ مزدوج اللغة لا يملك من اللغتين إلاّ نصفهما ؛ بمعنى أنّه لا يتمكّن و لا يسيطر على أيّة واحدة منهما . سواء كتب باللغة العربية أو باللغة الفرنسية ، فهو يعاني من فجوة ، من نقصان ، من شعور بالنّقص . و يخسر في النهاية على الجانبين . الجاحظ لا يعرف إلاّ العربية ، لم يكن في حاجة إلى لغة أخرى ليرضي فضوله الأدبي و العلمي فائق الحدّ . لكن الصّحيح أيضا أنّ المؤلفيْن اللذين يحظيا بإعجابه أكثر ، الشاعر أبا نواس و الناثر ابن المقفع ، كانا من ذوي اللسانين .

حواش : ( من وضع المترجم )

* الجاحظ ، كتاب البخلاء ، تحقيق طه الحاجري ، القاهرة ، دار المعارف ، 1971 ، ص : 40 .
* لم يكن واصل بن عطاء يستطيع نطق حرف الرّاء ، كان ينطقه غينا ، و هو ما دفعه إلى حذفه من كلّ خطبه . انظر لمزيد من التفصيل عبد الفتاح كيليطو ، الكتابة و التناسخ ، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي ، المركزالثقافي العربي ، ط 1985 ، ص 107 .
* Roman de Renard مجموعة من المحكيات الفرنسية من القرون الوسطى ( القرنين الثاني عشر و الثالث عشر ) ، أبطالها حيوانات يتصرفون كآدميين .
* Kit Carson 1809 _ 1868 من رواد حملات الغزو و التوسّع في الغرب الأمريكي ، تحولت مغامراته إلى قصص مرسومة .
* Tex Willer, Miki le Ranger , Bleck le Roc أبطال قصص مرسومة إيطالية المنشأ ، عرفت النور على التوالي 1948 ، 1951 ، 1954 .
* Fenimore Cooper 1789 _ 1851 روائي أمريكي ، من رواياته المشهورة « آخر الموهيكان « Le dernier des Mohicans 1826 ، و المقصود بهذا « الآخر» وونغاس Woongas ، و الموهيكان قبيلة من قبائل الهنود الحمر تعني « شعب النهر العظيم « .
*James Oliver Curwood 1878 _ 1927 روائي أمريكي من رواياته « المصيدة الذهبية « ...
المرجع : Revue de monde musulman et de la Méditerraneé , 1993 , N? 70 , PP : 71 _ 75



ترجمة : إسماعيل أزيات
-العلم الثقافي9/4/2010



اللسـان المـفلوق/عبد الفتاح كيليطو 2249201032338PM1
بقلم: عبد الفتاح كيليطو
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى