صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حكاية متحزب ..

اذهب الى الأسفل

10102013

مُساهمة 

حكاية متحزب .. Empty حكاية متحزب ..




 

حكاية متحزب.


ولد المتحزب تحت سقف من دور الصفيح المنتشرة حول مسقط رأسه وتعكس حرارة مفرطة أيام الصيف و تقطر مياها أيام فصل الشتاء..ضيق و ضوضاء الجيران.والقاذورات سمة المنطقة.. حبا فوق الرمال و الوحل بعد أن شرب حليب المرضعات من الجيران .. وحليب الكنيسة المسيحية في الفيلاج إلى جانب حليب الأم المخلوط بالفقر و المرض..تغذية غريبة تقوي عضلات فتية تعيش في الحرمان..بلغ سن التدرج في القراءة.. سلمه الوالد المسكين لفقيه " المسيد " كتاب قرآني قريب من حي الفقراء..حي بلا ماء و لا كهرباء..حيث انتشرت الشموع و مصابيح " الغاز "..و حفاظا على النقد الأبيض يبيت بعضهم بلا عشاء..داوم على الحصير..تحمل جلسة التربيع, حفظ آيات قصيرة عن ظهر قلب دون أن يفهم معناها و يستوعب مغزاها..كببغاء صغير يردد كلام الله خوفا منه و من ضرب الفقيه و أتباعا لنصائح الوالدين و الجيران..إنه فطرة استقبلت العفويات و المحتمات, لم يصبر جلده الطري..هرب من " الفلقة "..كضرب مبرح يؤلمه..شم رائحة طلاب التلقين البدائي..لعن عقابهم العشوائي, انهال عليه الوالد بالحزام شرط جسده حمرة ..ليعود إلى تعلم دين الآباء و الأجداد, بكت الأم..دافعت عن ابنها..هدأ الخلاف..فأصبحت حياة المتحزب فسحة لحماية الأم تبعده عن المراقبة و سجون الكتاتيب..نماه اللعب بالغضروف الطرومبية  و كرة القدم في ساحة بعد انتهاء سوق الاثنين ..واندمج مع هوايات أخرى..نجا من أخطرها و كان هذا التطور يعلمه أسرارا كانت طبيعية..إلى يوم منع من مرافقة والدته إلى الحمام البلدي التقليدي..وكم أعجبه الاستحمام مع أقرانه تحت مراقبة أخيه الأكبر..بلغ سن التمدرس في سرعة اضطرته إلى التخلي عن بعض العادات..سجله الوالد المسرور في مدرسة بنيت ضد التوجهات الاستعمارية..توجهات طلت البلاد باللغة الأجنبية وضدا في الغاصب شيدت مؤسسات دينية و اجتماعية و تعليمية لتنشر مبادئ المغرب وتبشر بالاندماج معه..كانت المدرسة مقاومة بناها مقاومون ومقاولون و بناءون و كهربائيون و مهنيون آخرون واغلبهم أميون..وعند تعيين المسؤول أدارها أحسنهم معرفة ويفرق بين الألف وعصا الطبال..خطه ناسب الظروف ولغته من مدن علمية وفرت له فرصة الانقضاض على مركز وفره الاستقلال ..قفز فوق الأكتاف الغارقة في عرق الأعمال المضنية ووطأة الأمية والأمازيغية إلى الإدارة..رحب به المسحوقون في سوق التشغيل والتنكيل الاستعماري ..فله مالهم يحلم به ولهم منه غرف لتدريس فلذات أكبادهم  وعليهم دفع واجبات التعليم الحر..تعلم المتحزب الخط العربي..و تمرن على الحروف الفرنسية..ضبطها بين سطور الدفتر بالتمام والكمال خوفا من خبطة  يد معلم لا يهاب سوى ضميره ..دون تجاوز حدودها في الخطوط المتوازية مع أنهم أبناء من بنوا لقمة عيشه ..فمن تعدى المطلوب وأغضب أبو الطباشير ضرب على راس الأصابع مع استبدال اليمنى باليسرى أيام البرد القارص و من لم يخطئ ارتقى في التنقيط المرتب..ساعده الذكاء الذي ورثه منذ نعومة أنامله..ولم يصنه لسانه السليط من التأنيب و ردود فعله القاسية ضد خدشه أو إهانة ..تنافس الفقراء و الضعفاء على الرتب الأولى ليتركوا المراتب الموالية لأفواه الملاعق الذهبية ..نجح في الامتحانات..نال جوائز عن كل مادة تفوق فيها..تحول استقطاب التلاميذ إلى النخبوية فأصبحت تلك المدرسة المسلحة بالإيمان و الوطنية وكرا للأغنياء و أبناء الذوات أصحاب النفوذ  فماتت حكمة: لولا أبناء الفقراء لضاع العلم..ضاع المتحزب لما توقف عن مسار التمدرس بسبب التمييز بين الأصول و الأنا ابن من شاء ..حمل شهادة تفتح آفاق الاعتكاف في التعليم الموالي المبهمة أهدافه في السمسرة السياسية ..


شب المتحزب بين اللهو و ترعرع بين أحضان الأصدقاء دون أن يميز بين الصالح و الطالح..اختار  وظيفة لم تخطر على باله..تقيه من الضياع و ترفع مستواه بين أهل الحي..قرأ قرار التعيين مرارا ليفهم القصد و البلد المقصود, اشترى ألبسة بلا ذوق..و أحذية مختلفة ليرتدي ما يقيه البرد و الحر دون أن يتقن الاختيار..وضع رأسه رهن أيدي الحلاق أيام الأسواق الأسبوعية, بعد شهرين أو ثلاثة اشهر..وأعجبه الحمام البلدي كثيرا..و يسعد أكثر عند الاغتسال استعدادا لشهر رمضان والأعياد والتأهب للسفر وزيارة الوالدين كي يرى على هيأة معلم أنيق من الدولة..يسهر مع الرفاق..يؤدي لعبته المفضلة ( الكارطا ) في إحدى المقاهي..يمشى عبر الشوارع يتنزه في الحدائق المحروسة من طرف خدام البلدية..و تكون فرحته أكبر عند الإفطار على مائدة أعزب..تحمل ألذ الأطعمة المفبركة في المطاعم..يلعب الكرة مع أقرانه أو الورق بدون قمار..يعشق فريق مدينته لكرة القدم..يحضر مقابلاته التي تفتنه..يصفر و يصفق و يشجع إلى بحة يعتبرها أصدقاؤه بردا أصاب حنجرته..ويتذكر درجة الحماسة الكبرى إلى الجنون عندما هزم فريقه العتيد ناديا من الفرق التي أسسها المستعمر..فالاستعمار عصابة احتلت البلاد..أساءت..فعذبت العباد في السجون و مراكز الأمن..كان المتحزب يمقتهم ..ويتمنى لهم القتل و الطرد..و يكره الخونة مصاصي فوائد القمع و التنكيل و أرزاق الوطنيين..لكنه شاب في مقتبل العمر..يعيش واقعا ترك مسؤوليته للكبار ومتزعمي السياسة و المقاومة..شاب يؤدي واجبه و يعيل والديه..لكنه أعجب بنضال الأوفياء.. سمع الكثير عنهم في الإذاعات الأجنبية ( هنا القاهرة , هنا لندن )..و قرأ عنهم في الجرائد التي توزع سرا..وكانت بعض المتاجر و الدكاكين و كرا لسماع أخبار النضال و قراءة ما جد في ساحة النبل و الشرف, وكم من فرص التقط فيها  دردشتهم أثناء مروره أو حضوره.رفقة والده الذي يحلق رأسه عند (حجامه) المفضل .سخنت المعركة بين شعب مخلص و مستعمر مستهتر..و شاءت أقدار جولات المتحزب أن يصادف على مفترق الشوارع الرئيسية في المدينة مظاهرة تعج بالرجال و النساء و الشبان و الأطفال ينادون بالحرية و يرددون شعارات منافية للمستعمر ومن معه من الأتباع المشهورين بإخلاصهم للجلادين مقابل هبات من خيرات وأملاك المغاربة..وترتفع حناجرهم بسقوط الاستعمار..و فوق رؤوسهم ترفرف أعلام البلاد وصورة الملك المنفي ولافتات السخط و الغضب تطالب استقلالا كاملا..شاهد ضميره الوطني حماسة..مواطنين يحبون وطنهم من عمق متجذر بالهواء والماء  ..خرجوا من ديارهم..تركوا التزاماتهم..ليواجهوا الخطر المبهم..دوى الرصاص من جهات مختلفة..تشتت الجمع..تاركين القتلى و الجرحى..في سبيل الوطن..انجرف المتحزب مع الهاربين..رصدتهم عيون موزعة حول المتظاهرين.في الأزقة.و بسببهم ألقى عليه القبض..جره الشرطي الأجنبي من قفاه..يطرقه بالهراوة و يصفه بالبداوة و التخلف و ناكر لجميل دولة محتلة  جلبت الازدهار و شيدت أرقى المعمار..و في مركز الأمن صفع و أشبعوه إهانات تقشعر لها الأبدان, سخروا منه كمثقف واع يتظاهر مع رعاع و همج.. و من خلال استجوابه.. قيمه الجلادون كموظف " كحيان " بليد سياسي اتساق مع الجموع الهائجة دون أن يعرف السبب.. رأوه شابا لا يخشى جانبه المتواضع.. أطلقوا سراحه و شرطوا التوبة..غادر المركز متألما..خائفا..متجنبا الوقوع بين قوائم كلاب الحراسة..تخلوا عن مراقبته..صنفوه في لائحة الباردين..تمنى المتحزب أسلحة نارية ليطلق رصاصها الثاقب على جماجمهم المليئة بلصوصية الاستيلاء والاستعلاء ..تمنى الحرية و بزوغ شموس تحرق الأيام المكدرة لشعب أصيل..تمنى نهاية الدمويين الذين سمموا حياة البسطاء..أصحاب الأرض و أتباع القدر..فهم آدميون يرفعون الراية البيضاء منذ القرون الأولى التي كونت القبائل والجماعات...تمنى الدنيا الفاضلة التي كتبت و سطرت فلم تولد إنها فترات لا ينساها المتحزب لأنها جزء من حياته ..


وعلى باب بيت المتحزب الذي نسي الشأن السياسي في فترات قصيرة ذابت في المتعة .. طرقته نقرات موسيقية خفيفة..فتح الباب.. استقبل صديقا عزيزا عليه..دار بينهما حديث مألوف..بثرثرة متشعبة..تردد الصديق قبل أن يلقى رجاءا يخفيه منذ مدة قصيرة..تشجع..فبادره بطلب المشاركة في حزب عتيد يدافع عن البلاد و خيراته..أنصت لتحليل طويل يصف زعيما مثاليا ضحى وناضل وقاوم أيام الاستعمار..ضحى من اجل الشعب و رمز البلاد...واتصالاته وسعت أنحاء العالم..واستقبله زعماء ثوريون يدافعون عن الديمقراطية والبلوريتارية  و مصير الشعوب..أتباعه من المنخرطين و المناضلين مثقفون وعمال شركات وفلاحة من أرجاء الوطن  شمالا وجنوبا و من شرقه إلى غربه يهتفون له و ينشدون اسمه..تصله التبرعات من المواطنين و الدول المؤيدة لمصالح الشعوب الجاثمة تحت قبضة الاستعمار, تبرعات تساهم في دعم الحزب و تمويل مشاريعه الثورية..و تحديث دور الجريدة الذي يعكس الأهداف والالتزامات وإعانة المسيرين و الأطر لتبرز الأنشطة العلنية في التجمعات  والعرائض والمنشورات  الصادرة عن مطابعها لتوزع على المواطنين وتحثهم على مواجهة الآراء الهدامة و الأساليب الأجنبية الموروثة بالضغط والعنف ومقاطعة منتجاته و قوانينه...كان عرض الصديق قيما هز القلب الساخن بحب الوطن فلم يطل الانتظار إذ آمن المتحزب بقضية جهاد سياسي فأعلن انضمامه..و بسرعة مذهلة حصل على بطاقة الانخراط لتأييد إخوانه والعمل على مناهضة من وصفهم أوبئة الذل و القمع..هتف عاش الوطن و رموزه.إلاه وملك.صفق للخطب الحماسية الملتهبة..وقف شعر رأسه عند كل جملة تثير لوعة حبه للأرض الطيبة..ازداد تعلقه بآثار الأجداد..شارك في التجمعات و الصق في الليالي الظلماء منشورات تندد بمن استغل عرق المواطنين و تحيز لمساعي التفرقة و الهيمنة..نجا من دوريات البوليس ..راوغ أنوف البلاغة..لعب دور ساعي البريد بين الأزقة و الشوارع يحمل قصاصات إخبارية و علبا و سلالا يجهل محتواها دخل بيته لاهثا..تملص من السؤال : أين كنت؟  فهو موظف ملحق بالمدينة...يحترس من أهلها..يحافظ على نفسه كي لا يفقده الحزب..اكتشف أهمية الوعي و الثقافة في السياسة...و ادر ك أن وظيفته أيضا سترفع من مقاومة  المناضلين, خصوصا لما تدخل احدهم معلنا أن موزعا للمنشورات قلب بعضها كملصقات..احمر وجه المتحزب وعرق خجلا من أن يكون هو المعنى بالأمر..متهما ظلام الليل..لكن الاعتراف برأه..و من تم اعتمد الصراحة و سبل الحق..التزم بهما في حواراته و تدخلاته..اكتفى بالسمع و التأييد ليجزم و يسلم.. قرأ نصوصا تساير ثقافة النضال..عانق شظف العيش لم يلتمس مساندة من احد أو وساطة من النافذين في الحزب..تحلى بالمبدأ إلى النخاع.بين رضاع الفرص..إنهم جبهات سياسية داخل الحزب وقحون استفادوا من تعيينات و ترقيات و انتقالات..بلداء انقضوا على وظائف لا يستحقونها و صدموا  الأذكياء وأصحاب المؤهلات اليدوية و الفكرية بأصابع الاتهام المجاني وأقاموا جدار التهميش المبنى بالتفرد و الغرور والنفاق كي لا يشاطرهم المنخرطون التوزيع ..دافع عنه الأصدقاء لكن البعض منهم يخترق بالمال أو الوعود الكاذبة .. ثمنوا له الخير والشر لكن المتحزب لم يرق إليهم ولم يعرهم اهتماما لأن الحزب لا يملكه أحد ..عثر طلبهم  في رفض الأشرار..وضاع الإلحاح مع العناد..لم يتكرر..فلا داعي لمساندة منكوس من السلالم ومراكز الحزب..المراتب كثيرة و الوظائف الشاغرة ومتوفرة في رفوف الحزب.. حزب لن يقبل أمثال..متحزب صامد..لا يتملق..عندي..صريح..نافد..يعارض إن دعت ضرورة الحق..أحب الحزب..صف الكراسي و جمعها فبل و بعد التجمعات..لف حول عضده شارة المنظم..فكانت وساما يعترف بشاب موظف مناضل يحبو نحو الرجولة..شاب نقي..لكنه طرد من الوظيفة ضمن حملات التطهير و التصفية..لما صنفوه مقاوما واتهموه رغم برودته و سيره على جنب الحائط المظلم وكانت حجتهم إضراب ضد البلاد .شارك فيه ليساند المطالب الملحة وفي طيها ترقيته....أصبح عاطلا بينهم..تبرم حوله خيوط الصدقة و شفقة محتكرة..رفض مقابلا للسخرة و الخدمات..أنفة فقير قانع راض بأفضال مكتوبة على جبينه الشامخ..ساند إخوة على الدرب سائرين في عروقه الممزوجة بدم التقاليد و العادات..سقط فيما لم يعرف خلفياته..متحزب بالنية وحاجته غير مقضيه..حاوروه و ناوروه و دفعوه إلى الإخلاص الأعمى..نسي الحزب وضعيته المزرية و شبابه المندفع نحو سنوات تذيبه في رحلة كاملة.ونسي تضحياته...كل شئ يهون في سبيل الدفاع عن القياديين و المسحوقين. ....وبعد هدوء الأعصاب..و انشغالات في البطالة المكافحة.. أشرقت السياسة تحمل على جناحيها وثيقة الاستقلال بفضل ثورة الملك والشعب ..دامت الفرحة وطالت , مات المغفور له محمد الخامس وأطل عهد الحسن الثاني ومرت السنوات والأطر العليا تتصارع عبر الأحزاب وعبر التعيينات وكل المطالب بين المد والجزر إلى أن اشرأبت الأعناق لخطاب يدشن انتخابات من نوع غاب عن ما قبل 1976..


تحررت البلاد بفضل الدماء السائلة على السهول و الهضاب و الجبال شهداء أوفياء سقطوا قتلى في السجون أو ممزقين بالرصاص..اقبروا كما قبر أمثالهم منذ آلاف القرون..فلم يشهدوا فرحة الحرية و أنظمة التغيير, ومتع الرافلين في حياة السلام..احتفل المتحزب مع المواطنين وكانت فرحته لا تسع قلبه الذي قاسى الويلات..رقص على نغمات الأغاني الحماسية و ردد أزجال الحزب الملحنة بطرب فطري..شرب شاي الانعتاق و الخلاص, أكل كعك الفخر و الفجر الجديد, انتشى بهواء و ماء لا يلوثهما الأجنبي الغاصب والمحتكرون للسياسة ..الآن يمشى فوق ارض كسرت القيود بيد المدافعين الأوفياء..وستحلو الدنيا و تروق للمضطهدين..تعانقت صدور الملتحمين تحت العلم ووراء رموز الكفاح..جاء الحق لطالبيه وزهق الباطل مع مقترفيه..انتصر المؤيدون و انهزم المفرق المستبد..توردت الوجوه..ابتسمت الشفاه ثم ضحكت لخير قادم و فرحة دائمة..حمد المتحزب الله على نجاة بلاده من الغم و بدايتها في حكومة جديدة لها علم يرفرف في دول أخرى و سفراء يمثلونها في أمم و هيأة الأمم المتحدة ..توالت التجمعات و الخطابات تشيد باليوم الأغر و تترحم على المجاهدين و توزع أصول الحرية وروح التضامن لقلوب عطشانة.. تشتاق لبناء المستقبل.. سمع المتحزب تلك الكلمات الفياضة بتعبيرات جياشة.. وحضر شخصيا وعودا تزف السعادة للجميع..و تروج أحلام الأمل.. أوحى إليه أنها الفضل وسيعود إلى وظيفته.. حرر رسائل إلى مديره..وسلم نسخا منها لرؤوس الحزب.. انتظر الأجوبة.. تبخرت بين لم نتوصل بها و قريبا سيأتيه الرد.. مرت الشهور.. تأزم نفسيا.. بدا يشم رائحة الخيانة.. اتقى القذف.. و تخمين الفاسق.. فالانتماء يلجمه و يحول بينه و بين التورط في الإساءة العمياء..الحدس يغلى و الحاسة السادسة تفضح والعقل يصنف لكن العاطفة تتقمصه و تثبت أقدامه في الحزب.مرت الحقبة كالبرق عبر ذهنه .الذي ينتظر خطابا يزرع روحا جديدة في السياسة وانطلقت كلمات الملك كسهام تطهر الأفكار البالية وتفتح الباب للمنافسة الشريفة من أجل كراسي تخدم مصالح المغاربة المخلصين ..كانت سعادة المتحزب لا تقاس ..وفي خضم المعركة الانتخابية وبعدها ..تغيرت أحوال السياسيين ..


سأل المتحزب صديقه المضلع في شؤون الأخبار..والمنخور حزبيا  ليستقى القصاصات المتداولة من أفواه الثقة.. ما الذي أشعل الفتنة بين القياديين ؟ أجابه : لقد انقسم و انقسموا على أنفسهم.. والتحقت بهم و بحزبهم الجديد..حزن السائل..على أناس ضاقت بهم رقعة التجمعات..فوجدوا في الاتساع رحمة..و تبديل المقر و الاسم نشوة الصيد المادي .. أما الخضوع لما يخالف الإدارة فهو نقمة.. حاول كل منهما إقناع الآخر.. رفض التبعية المتفرعة.. لم يقتنع بالاندماج في تيار ابتكروا قواعد لعبته.. و النتيجة استبد كل واحد برأيه اكتفى المتحزب بالقديم.. لم يفرط في الرضاعة السياسية التي فطم عليها.. تاركا الندم للزمن المطول.. تناطحت الثيران الهائجة على حلبة المنفعة.. و من اجل رئاسة حكومة تهضم الفوائد و تنغنغ العصبة.. كبرت أزمة المتحزب الذي صار يشاطر " نعم " في حقلها و يقول " لا " في محلها, أصبح رجلا عاديا بين المدعوين و المنخرطين...انتزعت منه شارة المنظم..لا يؤمر بواجب...همشوه.. عاش على طرف النضال, هتف للوجوه القديمة... صفق نفاقا للمنظمين الجدد..الذين نثرهم الحزب من طرد أو ملل من فكر غير مناسب لأمواج التغيير, تغير زحف الشواهد و الترقي الوظيفي والمهن الحرة المدرة للأرباح والتطور الهرمي للنفوذ المتعمد على التسلق فوق الأكتاف..كإخوة بالسند و المدد. فات الركب أمام المتحزب وأغرقته المستويات المتلاحمة على الباطل في قعر المقر المملوء بالنفعيين و المتربصين للامتيازات.ومنتظري غمزة الدهن المجاني   .لم يجهر بامتعاضه كي لا يسئ إلى الأيام الخوالي الذائبة بين جدران الحزب... فالشاطر بمؤهلاته ووقاحته..و العاجز بصمته و تنازلاته و خجله.. الدافع طمع متوحش..والممانع يرفض الحرام..مشية المتحزب سياسية وهذه المشية تعطى لمن تشاء و تحرم على من أساء..الفرص متساوية لكن التوزيع عنصري...ينتظر مرور المباركة بلا جدوى..ظنها قادمة نحوه رغم أن الظن إثم...اعتمد على الظروف...فالزمن يكذب و الرياح حملات موسمية تهب فتطرح ما ليس في الحسبان.. فالمؤمن مصاب بالخير أو الشر..نزلت الجملة للتعريف بالانتخابات من حيث لا يحتسب والاختلافات تعمق التشتت ..بدأ الغليان بين المناضلين تحت سيطرة اللوبيين ..انتشروا لحث المواطنين على تسجيل أنفسهم كناخبين.. طرقوا أبواب العمارات و المنازل و الفيلات و دور الصفيح..مثلوا الشعبية و الديمقراطية و الشفافية...انتهت الحملة وفي طيها دعاية له.. عين الحزب مرشحيه.. أقصى المتحزب في البداية..لكن أيادي  الاختيار عجنوه في لجنة الدعاية و توزيع المطبوعات وإعداد التجمعات في الأحياء نظرا لانتمائه و سكنه في إحدى الدوائر الانتخابية...ارتاحت نفسيته إلى حد ما ...فتأطير كهذا  يرفع من مستواه بين المنخرطين..ودعمه للمرشح سيقره  القياديون.. لعب دورا هاما في الحملة.. وزع الصور و المطبوعات تحت الأمطار الغزيرة ارتوى حذاءاه القديمان بالماء و الوحل فزادا من وزنه المبني على اللحم الضئيل والعظام..دافع بصوت مكهرب ومجلجل ومكسو بحب الحزب.. التقى بإنسان من طين.. تسلم منه بطاقة الزيارة عجب المتحزب لأمر هذا الرجل العجيب.. اعتقد ضربا في الغيب انه من حزب آخر يريد شراءه أو استقطابه سحب الفكرة..ولا زال يشك في إنسان يلح على زيارته ترفع عن السلبيات..اهتم بايجابيات على نصب عينيه لم يمحوها اليأس..أنهى الحملة الصاخبة..ذاق فيها التعب و الانتقاد و التهكم و السب و السخرية..نجح المرشح..فتكون فريق من لونه الحزبي..نشط المتحزب بفوز المتيم بهم بالشاي والثرثرة ودرر من سوف .. ونجح من الحزب أعضاء يعقد عليهم الآمال..توقف عن التفكير في الغيب..اجتر شريط الحملة أثناء اللجوء إلى سريره للاسترخاء..ظهرت صورة تلك الفتاة التي احمر وجهها و هو يقدم لها مطبوعات الدعاية..ابتسمت لحظة وجيزة..فأرسلت عيناها شرارة القبول..عينا غزالة في وكر المسكنة..لم تفارقه.. وجهها الناعم الأبيض..يدل صفاؤه على الاعتكاف في الدار و مراقبة صارمة تمنعها من الخروج.. و تحميها من إغراء الذكور..زرعت نظراتها حبا لازال بذرة.. سقاها بأحاسيسه..فاقتربت من قلبه كبداية زاحفة على عتبة الغرام..سيؤنسه طيفها..فرضت عليه زيارة حيها..ليتمتع برؤيتها..و لو كانت رؤية خاطفة عبر النافذة.. و من حسن حظه تعرف على مناضل في الحزب..استغله ليبعد الشبهات و يتدبر أمر حبه في هدوء.. حنت إرادة الرغبة..أعلنت الموافقة بابتسامة صنفها كتهكم لأن وضعيته تقلل من شأنه ..لكنها ألهبه محرار الزواج في الفؤاد..الحب يناديه و البطالة تكبحه..عرض فكرة الزواج كاستشارة على أصدقائه..شجعوه..زينوا وصلة ورد في البطالة.. و أوهموه بحزب سيعيده لوظيفته من جديد و يحل عقدة المشاكل...غنى لكنه استغنى عنها لأن البطالة تكسر الإشعاع الروحي , تيقن أن المناضلين.لن يساعدوه وسطرهم ضمن الساخرين والماكرين نشلت الحالة ذرة مكوكية من روحه..وتوالت الأيام الحافية ..وبدون إذن أو سابقة توصل بأمر من مسيري مقر الحزب يفرض عليه أن يكنس قاعة الاجتماعات ويحرس ويقوم بالسخرة لجلب حاجيات المقر , صمت كالمصعوق ووضحوا له موقعه كمناضل مقابل المساعدات التي يؤديها إخوانه , وبعد شهور ضعفت بنية المتحزب أقل من أصلها ونقصت المساعدة فلما أحس بتقليلها أو عدمها , تخلى عن الحزب نهائيا ودودته الملونة تغذي خياله وتذكر نومه ....


عيب المتحزب شخصيته المعطلة..فحان له وقت الحصاد..لقد زرع ذلك العضو الناجح في حيه و سقاه بحملة موفقة و معقدة..فكر بعمق..فسعد لملاحقة المرشحين الناجحين الذين يمثلون الحزب ومناضليه البسطاء دون دخول مقر الحزب الذي هجره وهو في طور النقاهة من سمومه .واكب تحركات العضو كالظل..ظنه عنصرا نافعا سيطبق حسه الوطني و ينفذ القانون الأساسي للحزب و يبرهن على الأخوة  السياسية في وجه إنسان مغربي, انتظره أمام المكتب..وعاين تلك الاجتماعات الطويلة لينفرد به بعد فضها..تملص منه مدعيا الأرق..عسكر أمام باب " الفيلا " كالمتسول..حاول المتحزب أن يستدرجه نحو مشاكله لا مشاكل الحي..و ينزله من برج الغرور ليزور فؤاده الجريح و يتواضع معه. ليتوسط له في وظيفة و لو كانت حقيرة..احترق بالتملق والمحاباة أرسل الناجح إشارة الغضب.لما سمع.بأنه تخلي عن الحزب.. أكد له التخلي عن الذي يربطه داخل قمقم وعن العناصر التي تحولت إلى ممثلين للمصلحة الخاصة..انتهى زمن التضحيات و الاحتجاجات ضد هاضمي الحقوق و المتخلين عن جذور العفة..لم ينفعه ادعاؤه البارد مادام أنه ندم على عبادة بخور الحزب..وكانت تهديداته تنكسر على أيدي الأغنياء و المثقفين وأشباه السياسيين الذين غص بهم الحزب..أصبح لا شئ..سوى انه يتلقى ركلات الصراع المقيت بين اللاحسين لعسل السياسة..تناقص المقام..ظهرت الخصاصة على أسنانه الصفراء بتدخين أرذل السجائر ولباسه ينم عن سقطة في الحاجة ..حشر مع التابعين..انفق الشهور وراء السراب..انتفخت كرش العضو..لامست مقود سيارته الفاخرة..فكان لا يهبط منها إلا بشق النفس المعشوشبة بأفخر السجائر..لاهثا ولعاب الافتراس بين شفتيه ..وعدوه بالمجاملة..سكن أعظم قنوط بين جدران المتحزبين الذين لا يأبهون بالاستقامة ..


  أعتقته الأم (وكم من والدين ساندا ابنهما وهو في حالة مزرية أو تزوج على يد المحكمة بعد زلة ؟! ) ساعدته  ليتزوج تلك الفتاة التي رآها أثناء الحملة واستعدت أن تصرف عليه إلى أن تموت ..أقام عرسا بسيطا ورفض استدعاء السياسيين الملعونين .. فكانت المعجزة في زوجته التي تتقن " الطرز " وتحملت عبء المنزل..وأعانته دون أن تحطم نخوته.ورجولته.و قلدته وسام الصبر فأحالهما على لعبة الزمان..وقلب حيران..حزب عزيز..ضم عناصر تستفيد و تفسد ريادته..شتم النضال فألفاه سعيا وراء المنفعة..حذر السمع والبصر من لغة السياسيين ..أهان الوساطة..نصحه ضميره  كي يشمر عن ساعديه و يعتمد على نفسه بدل الاتكال على الزوجة الضعيفة..حلت ساعة الغضب و السب و الاندفاع.ليفتح طريق التخطيط .عاد إلى الحزب كهواية وألفة محت تلك الخيانة معتمدا على ( الراس اللي ما يدور كدية ) ..فوض أمره للقدر ظل وفيا للحزب الذي يطحن الكفاءات و يقرب أصحاب المال و المرتزقة ببلاغة الكلام... داخ المتحزب بين الضالعين في الاستفادة و المتسلقين على أكتاف " الغلابة " التصق في صف الغيورين المطحونين تحت ظروف متدهورة... فكان أسعدهم إلى حد ما بزوجته التي أنقذته و لم تهنه بين صديقاتها و أصدقائه و ازدادت سعادته كآبة لما أخبرته بالحمل..ضيف قادم سيضاف إلى المأساة المقيتة..حمد الله..فلاحت بين حروف " القهر " بطاقة الزيارة التي تحمل اسم و عنوان و أرقام هواتف ذلك الإنسان الذي التقى به أثناء الدعاية الانتخابية.. وقف أمام بناء ثري..مرتجفا..خائفا..خجولا..ضغطت سبابته البائسة على زر جرس نغم..وبصمت أغلاه نوعا..بعدما بصمت قطع خبز على عدس وزيت ومرق بلا لحمة..انفتح الباب على وجه صبوح لخادمة شابة..استبشر وهل السعد..و بأدب خافت لم يتعود عليه في مواقف شتى رجا مقابلة سيد البيت.. استقبله الإنسان ..صافحه بيد رطبة بالهبرة  وممتدة من كم جلباب باهظ الثمن..تلعثم المتحزب..تفضل على أريكة فاخرة, جلدها ناعم..جال ببصره فرأى عجبا يطرب طيور الفقر المعششة في الأقفاص الإسمنتية..سره وجوده في جنة بنتها التجارة أو الفلاحة أو الإرث  أو الله اعلم..وشاهد العمال الفقراء الذين شربوا الشاي وأكلوا الخبز والزيتون وناموا قبل أن تكتمل ..سأل : أين رزق العاطل ؟ أجابته الخادمة بفنجان قهوة و حلويات لم يذقها في حياته..رحب به الرجل الإنسان المنتسب للطين الخالص..سأله عن وضعيته..فتكلم الضياع..ونطق العنف..و ثارت المدفونات في نفس لا تأمر بسوء..زفر آخر تنهيدة راضية بالقسمة..وعده المضيف الطيب أن يجد له عملا مناسبا لمؤهلاته..يحميه و يقيه من الشماتة..ودع المتحزب سيد البيت..والأمل يدفع رجليه..خف وزنه..حمل على كتفيه  الخلاص أعدم الإحباط على عتبة الإنسان من طين الأثرة .. الآن سيصبح مؤهلا ليفرض صوته..و يطفو من الحضيض السياسي..وسيقاوم بسلاح العمل والأجرة وسيقترح و يلاحظ و يلائم التدخلات ويناقش ويعارض ..سيعيد مكانته..فلن يشطب المقر..و يعلق اللافتات وخيوط الكهرباء الملونة مصابيحها و ربما سيفتح له سمسم الانتخابات باب الترشيح..وتشفع له تلك الحملة التي أبان فيها عن شعبيته..لكنه يخشى أن يتذكر سمسم ماضيه فيشطب عليه..أو يتدخل ضده الماكرون..ليدع سمسما متربعا على الملفات..ويقارن بين الإنسان والعضو النشوان بالاستغلال..لم ينفعه النضال و القياديون وجموع التصفيق ..انتظر..أتاه خبر التشغيل أخيرا عينه رئيس بلا لون انتخابي كموظف في إحدى الشركات..رجل من تراب أنقذ معوزا كادحا, خانه حزب بجلاله وقدره ,  أحسن إليه الصبر الجميل..أطربته زغرودة زوجته المخلصة لما أتاها بخبر سار يتوج ازدياد طفل بكى ولن يتذكر الماضي ...


المتحزب : هل تأذن لي سيدي أن أعود إلى حزبي ؟؟!


الإنسان : ولم لا تنخرط معي كلا منتمي  ؟


المتحزب : لقد ضيعت فيه سنوات ولا يمكن أن تذهب هباء منثورا


الإنسان : لن أهددك أو أفرض عليك رئيا لا تتمناه لعقليتك السياسية  , وستبقى في وظيفتك , افعل ما شئت وإن احتجت لي فلا تتردد وإن أردت مساعدتي في الانتخابات المقبلة فبابي مفتوح لك دائما وإن رفضت انتخابي لا تذع ما يؤذيني


المتحزب :  أعدك بما يثلج صدرك وشكرا


بكى الذين وافتهم المنية و انتقلوا إلى جوار ربهم..حضر جنازة رموز قلائل أحبهم..وزع الخبز و القهوة ليلة عشاء الميت..ارتبط بالحزب رغم التنكيل الذي أصابه..لم يبخل عليه بجهده..أرضي الجميع ليكسب الأجر وصفة المخلص النشيط..ساعد لجمع التبرعات لأسر الموتى بلا معين  و للمطرودين و الموقوفين عن العمل بسبب الإضرابات  والاحتجاجات..أحب اللون الذي.لطخ النفاق صورته  قبل التململ داخل وسطهم السياسي..أعلنت الدولة موسم الانتخابات الموالية, رشح نفسه كباقي الناس..اختار نفس الدائرة..رفضه سمسم الترشيح و السبب الأسبقية للأعضاء السابقين.المؤسسين والمتجذرين بأقدمية الطاعة والخضوع والموافقة العمياء   .سد العضو الطريق في وجه صديق مخلص..رضي بالهزيمة..ككبوة ستزول..سيخوض معارك أخرى ضد الفشل و حفار الشقاق..كرر المحاولات..اعترضها و عارضها سمسم ( المنسق )  بذاته أو بإيعاز تنافسي تحول إلى صراع هدام..انسحب من الانتخابات..أدى دوره في الحزب بدون حماسة, قاطع الثقة نفر من الصداقة..تفرغ لذويه و عمله..خسر الأعوام..عوضها بالولد الذي يملا صدره هواء نقيا..والذي وهبته تلك الزوجة الصامدة..ربة بيت من صنف المطيعات القالعات عن الزائف..همها رعاية الطفل.. والسهر على المطبخ..من اجل سعادة المتحزب..لم يشعر معها إلا بالسعادة..قسم راتبه بين مصاريف البيت و تغطية الديون الخفيفة..ساهمت الزوجة واقتصدت للمستقبل الغامض مع هؤلاء المتسلقين على جبال الذهب و المتزحلقين فوق مصالح الرؤوس السوداء..لم تتأزم وضعيته أبدا..وفر الحليب و فحوص الطبيب..قيل له يوما : لماذا لم تحضر اجتماعات و محاضرات الحزب ؟ اعتذر..أجابهم : استدعوني..ولن أحضر ..لقد شغلتني الوظيفة و الولد..شك فيهم..خاف الطرد  وفضيحة الأقوال الموشومة بالافتراء..رتب أوقاته ليخصص جزءا منها لما تلقى دعوة من الثائرين في الحزب..بدت مسرحيات تخفي الضرب تحت الحزام بالليل والنهار .


تناقص المناضلون في جل الأحزاب..ضعفت الأغلبية..احتدت النزاعات بين أقطاب الحزب العتيد..استعملت الحسابات  والمحاسبات للوصول إلى المناصب تصاعدت أدخنة الانسحابات من مدخنة كل حزب..القيادة تضغط و تقرر و تفرض.. وأذيال الهرم يطيعون ويتسلقون كالزواحف فوق رمال بالعنبر  للوصول لعصير الشد والنهب والتفرقة ..فصار الانفصال و الانفصام موضة الحرية..استقالات من استقالات  تكونت أحزاب جديدة..بقى المتحزب على عهده لا يخون  ولوجه سياسي ضبط الموعد... زهد ليكتفي برقع  توليفة الذكريات..ذكريات أبطال الحرية و الجهاد النبيل لا يتوخون إلا الحسنات وورائهم هتافات الجماهير..بعدها اختلطت بنود الناس..فلبث كالأصنام  طنين الالقياديين..


أبدى حنقه  ممن فرض عنوة  المحسوبية و السوقية المنحرفة الجارفة لكل جميل.آلمته غايات زاغت عن الخط المستقيم .قرر أن لا  يحيد عن موقفه الموروث..لطالما انفعل و تراجع..فالقصة قصة مخدر من هواء الاجتماعات لن يتأثر ولن يتجاوز العلاقة..علاقة عروقه المتشابكة مع فروع الحزب..ومن حسن الإساءات إلى عقله المنسلخ عن العاطفة و الهوى الجارف..جلوسه إلى جانب أقدم مناضل أمي..جر محراث التأسيس و الكفاح بكتفه سنين طويلة..منخرط مستقيم..ساهم بوقته و أمواله في دعم الحزب..أقام حفلات لجمع الشمل بلا نفاق..خاض الحملات الانتخابية..حمل شارة المنظم..وزع الدعوات..فلم ينل من الأطر سوى عدم الاكتراث..و لم يزره احد لمواساته و مؤازرته في الأحزان و الأفراح لكنه وجد سندا من الجيران وصية جبريل عليه السلام..و على الجانب الآخر من المقر لمح تاجرا قديما ساند الحزب ورفع شعاراته, ضحى وأغدق عليه بالمال  لأداء ثمن الإيجار ومطبوعات الحملات و الحلوى و الشاي لتسخين طبول التهييج و إطالة المؤثرات السياسية..فهو الآخر لم يحقق له الحزب مطالبه و لم يطبطب على ظهره..ليخلص المتحزب إلى أنهم في الهم واحد..فوضع المنخرطون ضعاف الشخصية رؤوسهم بين الرؤوس لسياف الفلوس و( التبناد ) ..ازدهر المقر بالمهاجرين من الأحزاب الأخرى و زاغ آخرون عن دربه المتعفن بالاستبداد نحو اختياراتهم الصائبة أو الخاطئة...اكتشف المتحزب عدة خدع لا دليل ضدها ولن يجد بين المنخرطين الخراف من يؤيده ويسانده ضد مرتكبيها , فكلما التأم معارضون لنسف أقطاب الشر والتفرقة والهيمنة شقهم السمسم بماله وصعاليكه المعتمد عليهم في خرق من يتعاونون لتنحيته .....


لم يكن أنانيا عاشر الاختلاط المعاصر..فألفى نفسه واحدا من المعارضين المتمسكين بكلمة " لا " يغازلون " الهراوة الحزبية" بالانتقادات  لم يعتقل..و لم ينكل به احد..لأنه وطني يحب بلاده..يكره التمزق والعصبية والعنصرية والحروب الأهلية..والعنف ضد القانون..خصال حميدة كسبها من صبر والديه  ومن الإيمان بالقدر و حماية نفسه من التعذيب..الأنباء الدموية روت الأرض..سالت مرارا من عروق الشهداء و المظلومين منذ عهد آدم انطلاقا من ابنه القتيل..صفة الاعتداء سيطرت على الإنسان معنوية أو مادية..تحدى الكتب والقوانين.التي لم تطبق ولن تطبق أبدا .شرور انطلقت مع الحجارة  والنبال و الرماح والسيوف والبنادق والمدافع والطائرات والبواخر والغواصات والصواريخ..وألسنة الدمار قادمات  والصراع ابدي بين قلوب لا تعرف الرحمة..حروف التاريخ قطرات دم موهوب ومسلوب..كلماته نار فتيلها شيطان ..حدود الدول شائكة في عالم أحمق ولد فيه المتحزب..حيث يرشف الأقوياء منابع اكتشفها الضعفاء..فهل يعتمد البشر على ألسنة  الضلالة العمياء ؟ سؤال أودي بحياة الكثيرين..الأوائل تحت التراب و الباقون فوق الأرض مهددون بالطبيعة  والحرب...فكر المتحزب في دوره داخل الحزب و فوق بسيطة متقلبة..فطأطأ لعيشة اليوم المهددة بغد مجهول ..جمع كل القضايا السياسية في ( اداها واداها والله ما خلاها ) وأدرك أن أهل الاستقامة في كل مكان وفي كل النظريات لا مكانة لهم في التوزيع وستبقى رتبهم على الصفوف الخلفية المبرمجة لهم حيث يسكنون عمدا


اتخذ المسكين المغلوب على أمره مقعدين في منصة مؤقتة عبر أحلامه المفقودة بين أبطال نعم و لا..أطل على مسرحية تحاك ليتقمصها الأتباع كنجوم لإبداع المناصب الكبرى .وعلى المقعد الثاني استعمل منظارا يتجول فوق موائد المترفين المخصصة لمن تدهن بطونهم وتنزلق ضمائرهم.فوق حلبة البسطيلة .شكر قدره الذي نجاه ومنحه حياة سلمت من  الفخاخ السياسية ..زفر هواء صانه من الهراء , حيي زوجته المناضلة المحقة ,  هيأ ماءا ساخنا و صابونا عطرا ليغتسل من الخبث السياسي...تراجع..أغلق بوابة الاتصالات..حافظ على علاقته مع الطيبين وعلى لون المواطن..فهو مطوق بالانتماء للبلاد..ولا يمكن له أن يقشر صباغة سنواتها الطويلة..تراكمت الأحزاب و ازدادت النقابات أعدادا..شاخ القياديون..كبرت الكتاكيت المفرخة من بيضهم ..حققت المعارضة قفزة بالزانة إلى أضواء الحكومة..سجلت رقما قياسيا.لما ضيعت الذين سجنوا وقتلوا من أجلها  حضر المتدينون بالقفز الطولي نحو الباب الحكومي ليغلقوه من أجل الاعتصام والزهد في المحاسبة ...ظن المتحزب أنها صفقة رابحة لحزبه العتيد لما انظم لمغرقي الطبقة المناضلة ..حياهم من بعيد..سدوا باب القنص حماية لطرائدهم  ..صنفهم كطيور الحرية..تنقب الحب لتملأ حويصلاتها..وتطعم أوفياء قاعديين  وقاعدين..طارت لتحط في أعشاش ذوي القربى و الصاحب بالجنب....مضى الزمن بالمقالب..فاستقدم  الإضرابات و الاعتصام  والاحتجاجات و الاجتماعات المراطونية لجبر الخواطر..انتشر الغموض..تعجب المتحزب من ألوان لم تنفع و لم تشبع المخلصين الذين يتطوعون بلا مقابل و بلا امتياز..رجال ضحوا..فامتطاهم آخرون..قضوا سنوات طويلة وهم يحاربون بالسلاح  والخناجر..ضاعوا و تاهوا في التغييرات و تاه معهم المتحزب..فقال : ناضلت قبل ولادتكم..أجابوه : في الواقع أن لديهم أذكى منه ربوه ومرنوه وعلموه ( الفتيقات ) ..كبرت أفكاره فيما بعد لكن حجمه صار اصغر .لذلك انتهت حكاية المتحزب واندثرت سنوات انخراطه في الحزب عبر فضاء المغرب بلا سحب تتزعم وتقي ( الدراوش ) .لكنها انتهت  مع إنسان من طين عكف على زيارته ولم ينس فضله رغم تشبثه باللون المزيف مسيروه..


لازمت المتحزب صيغة التمسك بالسياسة منذ شبابه وعبر رجولته بلا مقابل و بلا امتياز وارتاح لأن الإطلاع على الأخبار لا يمنعها أحد  ...



 

                                                                            

avatar
أوباها حسين

ذكر عدد الرسائل : 286
العمر : 81
تاريخ التسجيل : 11/10/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

حكاية متحزب .. :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى