صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مقالات لد. عبد الرحمان غانمي

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

مقالات لد. عبد الرحمان غانمي Empty مقالات لد. عبد الرحمان غانمي

مُساهمة من طرف السعدية الجبلية الثلاثاء 4 مارس 2008 - 8:49

العقل وتحرير الإنسان
11:06 | 02.02.2008

د. عبد الرحمان غانمي | المغربية

إذا كان العقل السياسي السائد يعكس مرحلة معينة من التاريخ-إذا جاز هذا
التقدير- فإنه بالإمكان إنجاز قواعد ومبادئ لعقل جديد وفق منظور جديد، قد
يقوم مقام السابق
أو يعمل على تشذيبه وتحديثه، وتقليم أظافره من كل الشوائب التي علقت به،
أو تكلست لسنوات وعقود، عبر صنوف العقول مثل : العقل السوقي، العقل
الانتفاعي، العقل الانتقائي التجزيئي، وفق التصور الذي نطرحه.

وعليه،
فإننا لا ننظر، للعقل السياسي القائم، ولا نناقشه إلا انطلاقا من العوائق
التي راكمها في مواجهته لمشروع التغيير ومفهومه، وأيضا من خلال جعل
العوامل السلبية للممارسة مادة للتحويل، في ما يمكن أن يخدم مشروع عقل
سياسي مغاير.

إن هذه الولادة، لا يمكن أن تحدث، إلا إذا اقتنعنا
ومارسنا نقد العقل القائم، من داخل أسسه ونظمه، واعتماد ممكنات التطور
والتحول فيه، وذلك باستحضار كل المفاهيم ومستويات الفكر الإنساني الفلسفي
والعلمي، الذي يسمح بهذا العمل، مادمنا أننا في منازلة حقيقية ضد "عقول" و
"أدوات" عتيقة ومتقادمة من خلال المقارنة بين أضداد العقول.

إن
التفكير النظري العقلاني، والممارسة العقلانية، ليست اكتشافا جديدا، لقد
عاركت ما يمكن أن نعبر عنه ب : "الأسطورة والخرافة السياسية"،
"وميتافيزيقا التفكير"، الأسطورة والخرافة ليستا كمحمول ثقافي وتراثي
إنساني ثري وغني، والميتافيزيقيا، ليس بمعناها الفلسفي وما وراء الطبيعة،
وإنما نقصد الممارسة السياسية كما هي عيانية قوامها، السلوك المزدوج،
والهروب والابتعاد عن الواقع، والتقوقع حول الذات، والخوف من المحيط،
والتوزع النفسي، والانتظارية، التي تولد الشعوذة السياسية، والخرافة
السياسية، والسياسة الهاربة الغيبية الميتافيزيقية، التي لا توفر حتى
الإشباع لذاتها ومنتجيها.
هذا يفرض عمليات بحث وتنقيب متواصلة وغير مستقرة، يكتمل فيها الإحياء والتجديد، والربط بين المتطلبات والتحديات الراهنة.

وفي
الوقت نفسه، ليس مطلوبا، أن تكون السيادة المطلقة للعقلانية. وإلا سنكون
أمام عالم من المُثل والخيال، وإن كان الخيال ضرورة للسياسة والعقل والنفس
البشرية، فالخيال كثيرا ما يفتح أبواب العقل والعقلانية، التي غالبا ما
تُنقذنا أجنحته من رتابة الواقع. ومع ذلك فالعقلانية أساسية لتكون روحا
وموجهة للتفكير والممارسة.
فكثيرة، هي الأشكال اللاعقلية، التي تتزيا بشعار العقل.

إننا
بصدد، ضرورة إدراك النظام والترتيب بين الأشياء، وتفتيت فاعليات الالتباس
العقلي، والخلط المنهجي، وإشكالية الوضوح والعقل، وغيرها من القضايا
والمفاهيم، وفهم الأسباب والمسببات، في ضوء معطيات العلم والواقع، العقل
باعتباره عاملا للحركة والتاريخ.

وهذا يتطلب، أيضا إعادة النظر في
مفهوم العقل ذاته، ومراجعة القواعد السائدة المساعدة على ابتكار كل
الإجراءات النابعة من ضرورات الواقع، وتغير القواعد العقلية والاجتماعية،
بشكل مستمر، للحيلولة دون أن يسود العقل الاستهلاكي، لأن العقل هو في
جوهره، أداة لتحرير الإنسان، من كل أشكال العبودية الفكرية والسياسية
والاجتماعية والاقتصادية.

إن مسيرات العقل و "تاريخه" لم تكن طريقه
دوما معبدة ويسيرة، في ظل مجتمعات غارقة في الظلام والجهل والاستغلال، كما
أن تحويل العلم والإيديولوجيا والفكر لخدمة الإنسان والسيطرة على الطبيعة،
لم يكن في كل الأحوال في المتناول.

إننا في حاجة دائمة لعودة
العقل، لتجنب قيام مجتمع "الخرافة" والسيطرة السياسية، وتحديد معايير
العقلانية لتشمل العلاقات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية، بين الإنسان
والإنسان، وبين العقل واللاعقل لاستحالة إلغاء هذا الأخير من حياة الناس.
أي البحث عن العقل:

- كأداة لوضع الأسئلة، والتمييز، والتحرير، والانفتاح على مختلف القيم الثقافية النبيلة، والنقد، وترسيخ حرية التفكير.

* كاتب وجامعي مغربي
السعدية الجبلية
السعدية الجبلية

انثى عدد الرسائل : 524
العمر : 59
تاريخ التسجيل : 31/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقالات لد. عبد الرحمان غانمي Empty رد: مقالات لد. عبد الرحمان غانمي

مُساهمة من طرف السعدية الجبلية الثلاثاء 4 مارس 2008 - 8:58

العقل التوفيقي

09:09 | 09.02.2008

د. عبد الرحمان غانمي | المغربية



حينما نفكر في العقل المغربي، من حيث واقعه ومكوناته وآفاقه، فإننا نجد
أنفسنا أمام عقول وليس عقل واحد، تنتابه أزمات ومآزق، وقد يندحر إلى
الأسفل، مثلما أيضا يتطلع إلى الأفضل ورسم صور ثقافية واجتماعية واقتصادية
وتخييلية مغايرة لما هو موجود.
وهي العملية التي لا يمكن أن تتأتى من تلقاء ذاتها أو بسهولة ويسر.

وإذا
كان الحاضر يلقي بأسئلته وقضاياه الملحة، من خلال التحديات المطروحة والتي
لم تجد لها حلولا ناجعة وملائمة، ولما سيطرح، فإن هذا لا يعني أبدا أننا
تخطينا ظلال الماضي.

ومع ذلك، فإن القدامى من فلاسفة وفقهاء
ومؤرخين وعلماء وأدباء سعوا بطرائقهم ورؤاهم ومنهجياتهم إلى التصدي للكثير
من الإشكالات، سواء في الغرب الإسلامي (المغرب) أو المشرق.

وما
يهمنا أن كل النظريات والتصورات ذات الأبعاد التجريدية، كانت في عمقها،
مشروعات للإجابة عن كثير من الأوضاع التاريخية والواقعية، بكل تجلياتها.

وعليه،
فرغم مرور قرون، وبروز تحولات عميقة في مجتمعاتنا، فإن الحاجة تبرر إعادة
قراءة العديد من مداخل الأفكار، من خلال السعي نحو تبيئتها وتحيينها، لا
لكي تكون النظرية ملائمة للواقع بالمعنى الآلي، أو الواقع خاضعا للنظرية،
بشكل من "الإذعان" و "الاستسلام"، وإنما كي تكون زادا ومنهجا قادرا على
معالجة الأسئلة الفكرية والثقافية والواقعية المعقدة.

وهكذا يمكن
الحديث هنا، عن أبرز ما لازم العقل العربي الإسلامي (والمغرب منه) -رغم أن
التربة الفكرية والفلسفية المغربية أنجبت فيلسوفا مثل ابن رشد عمل على
تجاوز مثل الإشكاليات منهجا ومنظورا – هي تلك الرؤية المبنية على العقل
التوفيقي، مع كل ما يترتب عنها من نتائج، وهي الرؤية التي أملتها معطيات
تاريخية وحضارية ودينية وفلسفية، ووجدت صداها بالخصوص في التراث الفلسفي
العربي الإسلامي.

من هنا، فإن التفكير في طبيعة وبنية "العقل
التوفيقي"، هي من صميم الحاضر، بغض النظر عن الموقف الفكري من هذا
"العقل"، أو حتى الموقف السياسي والإيديولوجي، وهذا ما نجده في مختلف
الإنتاجات الثقافية، والخطابات السياسية والممارسات والسلوكات الاجتماعية،
الصادرة عن عدد من الفاعلين، وحتى المؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة،
وغير ذلك.

بيد أنه جدير بالذكر الإشارة إلى أن ابن رشد تصدى لهذه
الإشكالية فلسفيا بقوة ثاقبة، في مواجهة الغزالي في كتابه (تهافت
الفلاسفة)، وبنية التفكير الفلسفي في المشرق القائمة على التوفيق، ولذلك
فإن كتاب ابن رشد (فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال) هو
أساسا تأليف في المنهج، مثلما هو بمثابة مفتاح لكل الإشكاليات العقلية
القائمة على التوفيق بين مسارين متباينين وليس متنافرين(الشريعة،
والحكمة)، لأنهما يهدفان إلى الغاية نفسها (الحقيقة)، أي المعرفة بالله
ومخلوقاته، يقول "ذلك متقرر عند كل مسلم من الطريق الذي اقتضته جبلته
وطبيعته من التصديق وذلك أن طباع الناس متفاضلة في التصديق، فمنهم من يصدق
بالبرهان، ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية تصديق صاحب البرهان (بالبرهان)
إذ ليس في طباعه أكثر من ذلك، ومنهم من يصدق (بالأقاويل) الخطابة كتصديق
صاحب البرهان بالأقاويل البرهانية"
ويضيف "وإذا كانت الشريعة حقا،
وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق، فإنا معشر المسلمين، نعلم، على
القطع، أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع، فإن الحق
لا يضاد الحق ويشهد له".

حقيق بنا هنا، أن نقف عند هذا التمايز
والالتقاء، الذي لا ينسحب على علاقة الحكمة بالشريعة فقط، وإنما يطول
معارف أخرى فكرية وثقافية وأدبية ونظرية، بصفة عامة، ويتبدى كذلك في ما هو
تاريخي وميداني وسوسيولوجي، وهذا ما يطرح الأسئلة التالية : أين يكمن جوهر
التمايز ؟ وما هي تخومه؟ وأين تظهر خطوط الالتقاء والتداخل، تعلق الأمر
بهذا الموضوع أو موضوع آخر؟

ولعل الإجابة عن هذه الملفات من شأنه
أن يفتح أبوابا غامضة في الفكر والسياسة والدين والواقع الاقتصادي
والاجتماعي والثقافي، وأيضا في أزمنة الماضي والحاضر والمستقبل، باعتبارها
ملفات وقضايا مفتوحة على رهانات كثيرة ومتناقضة.

* كاتب وجامعي مغربي
السعدية الجبلية
السعدية الجبلية

انثى عدد الرسائل : 524
العمر : 59
تاريخ التسجيل : 31/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقالات لد. عبد الرحمان غانمي Empty رد: مقالات لد. عبد الرحمان غانمي

مُساهمة من طرف السعدية الجبلية الثلاثاء 4 مارس 2008 - 8:59

التفكر العقلي

11:00 | 16.02.2008

د. عبد الرحمان غانمي
| المغربية


في ضوء ما تثيره إشكالية التوفيق العقلي فلسفيا من تعقيدات، يواجه الفكر
الفلسفي التباسات الإشكالية والمفهوم، ولعل هذا الفهم يستمد مرجعياته من
الواقع في أبعاده

حتى وإن كانت الفلسفة تنزع نحو التجريد، في حين تتطرق مجالات معرفية أخرى إلى مثل هذه الإشكالات من منظوراتها.

ومع
ذلك، فإن مفهوم "الواقع" بدوره يطرح التباسات عديدة، فليس هناك واقع واحد
على الأرض، بل يمكن القول إن الواقع ذاته في الزمان والمكان نفسهما ينظر
إليه من قبل الملتصقين به أو الذين يكتفون بمعاينته، من زوايا مختلفة، فما
بالنا حينما نفكر في الواقع، في ارتباطه بمحدداته التاريخية والحضارية،
ومع كل هذه الاعتبارات، فإن "الواقع" يطل بشكل أو بآخر، بين ثنايا مختلف
مضارب العلوم الإنسانية، ومن ضمنها التفكير الفلسفي.

ومن دون شك،
فإن ابن رشد حين ناقش قضايا العقل، فإنه كان يجيب عن إشكالات عديدة موصولة
ب "واقعه"، وأساسا بما كان ينبغي أن يكون، أو كيفية مجاوزة ما هو كائن،
وبالتالي فإن ما هو "كائن" لم يكن هو "الحقيقة" المثلى والأحادية؛ وهذا ما
حفزه أيضا على النظر إلى الفكر الفلسفي والفقهي الذي كان سائدا آنذاك
وقبله، في المشرق مع فرق كلامية وفلاسفة كثيرين، بشكل نقدي.

وهذا
ما استشعره ابن رشد، منتصرا للعقل بالاستناد إلى النص القرآني، والدلائل
البرهانية، في النظر إلى الموجودات، والصنائع، وهو ما يمكن من معرفة
(الصانع) (الله)، وإذا كان الإيمان بالمعنى الغيبي ينبني على أسس ومعارف
برهانية، فحري بكل الناس في ذلك الزمن (وحتى في حاضرنا) الأخذ الأمور
الاقتصادية والتاريخية والاجتماعية والفكرية والفقهية والدينية، بناء على
استعمال القياس العقلي، وهو القياس الذي لا يتأتى لعامة الناس.

يقول
ابن رشد في مؤلفه (فصل المقال) "فأما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات
بالعقل،وتطلب معرفتها به، فذلك بيِّن في غير ما آية من كتاب الله".

ويظهر
هذا المحتوى في العديد من الآيات القرآنية التي تسند الاعتبار العقلي
والشرعي، الشيء الذي لا يتنافى مع الدين، بل هو من بنيانه، يقول تعالى :
"فاعتبروا يا أولي الأبصار" (سورة الحشر)، بل حين يخاطب الله الإنسان الذي
بوأه وضعا خاصا ضمن باقي المخلوقات، فإنه يدعوه إلى التفكر والتأمل عقليا
في كل الموجودات الدالة على وجوده، وعلى أسرار هذا الكون، الذي لم يستطع
العلم الإحاطة بكل بواطنه، قال تعالى : "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت،
وإلى السماء كيف رفعت" (سورة الغاشية) وغير ذلك، من الآيات التي تحث على
استعمال العقل في النظر إلى الموجودات، وهو ما نجده بشكل لافت، في كثير من
نصوص القرآن الكريم.

وفي ذلك، فإن ابن رشد يعود إلى الأصول
(النصوص)، مع نقد ومراجعة ما تراكم من "معارف"، التي في كثير من الأحيان،
لمجرد أنها تتناول نصوصا مقدسة، يسبغ عليها أصحابها أو بعض المنتسبين
والمريدين أشكالا من القداسة والتقديس، يقول ابن رشد : "وإذا كان الأمر
هكذا، وكان كل ما يُحتاج إليه من النظر في أمر المقاييس العقلية قد فحص
عنه القدماء أتم فحص، فقد ينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم، فننظر في ما
قالوه من ذلك، فإن كان كله صوابا قبلناه منهم، وإن كان فيه ما ليس بصواب
نبهنا عليه".
ويضيف : "وإذا كان هذا هكذا، فقد يجب علينا إن ألفينا لمن
تقدم من الأمم السالفة نظرا في الموجودات، واعتبارا لها، بحسب ما اقتضته
شرائط البرهان، أن ننظر في الذي قالوه من ذلك، وما أثبتوه في كتبهم، فما
كان منها موافقا للحق قبلناه منهم، وسررنا به، وتركناهم عليه، وما كان غير
موافق للحق نبهنا عليه، وحذرنا منه، وعذرناهم".

إذن، بأي معنى يمكن
معالجة الكثير من القضايا التي لها صلة بالعقل ؟ ثم كيف يتأتى لنا استخدام
العقل في ظل بيئة تجافيه ؟ وما هي آليات القياس العقلي الملائمة للراهن ؟
ذلك
ما نسعى لطرحه وصوغ بعض الإجابات لإشكالات، تؤرقنا في عصرنا الحالي، من
منظور يتيح تشغيل آلية "العقل" وديناميته مفهوما وموضوعا ومنهجا.

* كاتب وجامعي مغربي
السعدية الجبلية
السعدية الجبلية

انثى عدد الرسائل : 524
العمر : 59
تاريخ التسجيل : 31/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقالات لد. عبد الرحمان غانمي Empty رد: مقالات لد. عبد الرحمان غانمي

مُساهمة من طرف السعدية الجبلية الثلاثاء 4 مارس 2008 - 9:01

النظر العقلي

11:37 | 23.02.2008

د. عبد الرحمان غانمي | المغربية



لاحظنا، في المقالات السابقة، كيف واجه التفكير العقلي والقياس العقلي، من
منظور الفلسفة في الغرب العربي الإسلامي (ابن رشد) نموذجا، إشكالية
التوفيق العقلي، وكل هذا يجري في ضوء ثوابت ومبادئ برهانية.

تميز صنوف الناس بناء على أنماط تفكيرهم، وهو ما
يمكن أن يترك أثره على صعيد الفلسفة والدين والسياسة والعلم ومجالات
إنسانية ومعرفية أخرى.

وهكذا فإن النظر في الموجودات يستوجب
استعمال العقل و"استنباط المجهول من المعقول"، وهذا ما يدعوه ابن رشد
بالقياس (القياس العقلي) ويترتب عن ذلك، أنه ليس هناك نظر واحد في القضية
الواحدة، أو القضايا المتعددة، أي بمعنى أن هناك أنواعا للنظر وفقا لأنواع
القياس (والبرهان).

وإذا كان ابن رشد يؤكد على أن الشرع يحث على
معرفة (الله)، وهو ما حاصل، وكل مخلوقاته بالبرهان، شريطة معرفة صنوف
القياسات، وأنواع البراهين ومستلزماتها، "ومنها قياس وما منها ليس بقياس"
فإن هذا التوجه في التفكير، قاده إلى الحديث عن القياس البرهاني والقياس
الجدلي، والقياس الخطابي، والخطاب المغالطي. ولذلك، فإنه لا ينبغي الخلط
بين القياس العقلي، والقياس الفقهي، وهذا ما يفرض التمييز بينهما، وإذا
كان الشرع يحض على استخدام العقل، فإنه لا يمكن مجافاته، باللجوء إلى
القياس الفقهي الذي له إوالياته وأدواته.

يقول : "وليس لقائل أن
يقول : إن هذا النوع من النظر في القياس العقلي بدعة، إذا لم يكن في الصدر
الأول، فإن النظر أيضا في القياس الفقهي، وأنواعه، هو شيء استنبط بعد
الصدر الأول، وليس يرى أنه بدعة، فكذلك يجب أن نعتقد في النظر في القياس
العقلي، ولهذا سبب ليس هذا موضع ذكره".

والواضح من هذا المنظور، أن
هذا الاستعمال للعقل وفحصه لا ينطلق من فراغ، وإنما يعود إلى ما تقدم في
التراث الإنساني، حيث يمكن الأخذ منه وفحص ما هو موجود وترك مالا يتلاءم
مع مقتضيات مرجعياتنا، بمعنى أن هذه العودة، ليست سلبية تكتفي بالنقل
و"الاجترار والتقديس"، وإنما نابعة من رؤية نقدية لأدوات وآليات التفكير
العقلي يقول : " وإن كان الأمر هكذا، وكان كل ما يحتاج إليه من النظر في
أمر المقاييس العقلية فحص عند الشدة، أتم فحص، فقد ينبغي أن تضرب بأيدينا
إلى كتبهم، فننظر في ما قالوه من ذلك، فإن كان كله صوابا قبلناه منهم، وإن
كان فيه ما ليس بصواب نبهنا عليه".

وحينما نتأمل في هذا، فإنه
يتبدى لنا، أنه لمعالجة الكثير من القضايا الفكرية والفلسفية والواقعية،
فإنه لا يتأتى لنا هذا إلا بفحص المنظور والمنهاج المستعمل، على أن المنهج
العقلي، هو وسيلة للتفكير، وإذا أخذنا به، فإنه ينبغي الانشغال بنتائجه
جزئيا أو كليا، أو على الأقل اعتبارها، بصرف النظر عن الإيمان أو الاقتناع
بها، أو التشكيك فيها، أو رفضها، وهو الاعتبار المؤتلف أو المختلف حوله
الذي يدحض كل أساليب "العدوانية" و"العدائية" الجاهزة تجاه فكر ما، أو
استخدام العقل بطريقة أو أخرى، أو الوصول إلى خلاصات قد لا يدركها أو
يستوعبها الآخر، بشكل مخالف لما درج عليه من الفهم والتلقي والتقبل، أو
تتنافر إيديولوجيا مع مرجعيات الآخر، وهذا لا يغني عن القول، إن استعمال
العقل، في حد ذاته، أو جوهره، هو حَمَّالٌ لآلية تمثل الغير أو الآخر، من
داخل المرجعية (الهوية) نفسها، أو من خارجها، ولآلية مراجعة خلاصاته،
وأيضا لانفتاحها على احتمالات مضمرة أو بائنة أو نفي كل ما جاء به العقل،
وهو ما لا ينقص من قيمتها، وإنما يضعها في صورة متألقة ومتلألئة، لما
تتيحه من معرفة للموجودات وللأشياء والكوامن في الإنسان والطبيعة والوجود،
وغير ذلك من القضايا الميتافيزيقية أو العلمية والواقعية والحضارية
والثقافية.

وفي هذا يقول ابن رشد : "وبين أيضا أن هذا الغرض إنما
يتم لنا في الموجودات بتداول الفحص عنها واحدا بعد واحد، وأن يستعين في
ذلك المتأخر بالمتقدم، على مثال ما عرض في علوم التعاليم فإنه لو فرضنا
صناعة الهندسة، في وقتنا هذا، معدومة، وكذلك صناعة علم الهيئة، ورام إنسان
واحد، من تلقاء نفسه، أن يدرك مقادير الأجرام السماوية، وأشكالها، وأبعاد
بعضها عن بعض، لما أمكنه ذلك. مثل أن يعرف قدر الشمس من الأرض، وغير ذلك
من مقادير الكواكب، ولو كان أذكى الناس طبعا، إلا بوحي أو شيء يشبه الوحي".

وهكذا
يبدو أن أي معرفة عقلية هي حصيلة لكثير من المعطيات والأدلة والبراهين،
التي يراكمها ويستنبطها العقل، الذي من دونه لا يمكن معالجة القضايا
البسيطة والمعقدة على حد سواء.

كاتب وجامعي مغربي





السعدية الجبلية
السعدية الجبلية

انثى عدد الرسائل : 524
العمر : 59
تاريخ التسجيل : 31/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقالات لد. عبد الرحمان غانمي Empty رد: مقالات لد. عبد الرحمان غانمي

مُساهمة من طرف السعدية الجبلية الثلاثاء 4 مارس 2008 - 9:03

شروط النظر ومراتب الناس

11:11 | 01.03.2008

د. عبد الرحمان غانمي | المغربية

إذا كان النظر والتفكّر العقلي ضرورة معرفية، فإن "طبيعة" العقل تدفع نحو
قراءة التمايزات "العقلية" والإدراكية بين الناس،سواء تعلق الأمر بما هو
متداول وشائع من خطابات وانشغالات ذاتية ونفسية واجتماعية واقتصادية
ودينية بين عموم الناس..
أو بما له من صلة بالاهتمامات الفكرية والعلمية
الدقيقة والثقافية والأدبية والفلسفية الممنهجة، ولذلك فإن الخلط بين
المعارف والمفاهيم والخطابات والآليات دون خبرة ودراية وتعمق وضبط، كثيرا
ما يؤدي إلى التباسات وبلبلات بشكل من التَّجليح (الإقدام الشديد) الأعمى
على ارتكاب الخطأ، والغواية والزلل (سواء عن علم وقصد، أو عدم علم وجهل
وبدون قصد)، باعتبار أن النظر العقلي، لا يمكن إلا أن نضعه، في سياقاته
المعرفية ومراتبه وشروطه.

لذلك يميز ابن رشد بين طرائق المعرفة
(بالله ومخلوقاته) وجبلاّت التصديق، لأن طبيعة الناس في الأصل متباينة
ومتفاضلة وليست متشاكلة، وهذا ما يستلزم الإقرار والتسليم به في الواقع،
وفي كل الأزمنة والجغرافيات فمن يصدق بالبرهان، ليس هو من يصدق بما يسميه
ابن رشد، بالأقاويل الجدلية، والأقاويل الخطابية، مثلما يبني من يصدق
بالبرهان بالأقاويل البرهانية، آراءه وخلاصاته، وبالتالي، فإن المعرفة
البرهانية لا يمكن أن تخالف حقيقة الأشياء ومعرفة الحق؛ ذلك : "أن الحق لا
يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له"، أما بخصوص وضع إجابات للإشكالات النظرية
والفلسفية التي تنشأ عن النتائج في علاقة ظاهر النصوص بباطنها، فإنها تتم
عبر آلية (التأويل)- الذي "هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى
الدلالة المجازية من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب في التجوّز، من
تسمية الشيء بشبيهه أو بسببه أو لاحقه أو مقارنه، أو غير ذلك من الأشياء
التي عددت في تعريف أصناف الكلام المجازي".

وهكذا، إن ظاهر النص
يقبل التأويل وسبر أجزائه وألفاظه، التي لا يمكن أن تحمل دائما على
ظاهرها، لذلك كان الاختلاف في النظر إلى النصوص القرآنية بين الفرق، مثلما
أن الناس هم أصناف من التصديق، بيد أن ابن رشد يتجه إلى حسم الإشكالية عبر
إعطاء "امتياز" خاص لفئة معينة (العلماء) تستحقه، بتناول قضايا التأويل
المحفوف بمحاذير عديدة، دون أن يستبعد عنها احتمالات الخطأ، المصفوح عنه،
باعتبارهم مكلفين شرعيا للنظر فيها، وفي هذا السياق، يقول : "وأما الخطأ
الذي يقع من غير هذا الصنف من الناس، فهو إثم محض، وسواء أكان الخطأ في
الأمور النظرية أو العلمية. فكما أن الحاكم الجاهل بالسنة إذا أخطأ في
الحكم لم يكن معذورا، كذلك الحاكم على الموجودات إذا لم توجد فيه شروط
الحكم فليس بمعذور بل هو إما آثم وإما كافر.

وإذا كان يشترط في
الحاكم، في الحلال والحرام أن تجتمع له أسباب الاجتهاد وهي : معرفة
الأصول، ومعرفة الاستنباط من تلك الأصول بالقياس، فكم بالحري أن يشترط ذلك
في الحاكم على الموجودات، أعني أن يعرف الأوائل العقلية، ووجه الاستنباط
منها".
واللافت هنا هو تلك المقارنة في تناول الأمور التأويلية
والنظرية والفلسفية من الناحية المنهجية والرؤية الناظمة لها، وكذا النظر
إلى شروط الحكم والسلطة والسلطان، بما يشي أن التصور الرشدي الفلسفي كان
موصولا بهواجس "الواقع" في عصره، صنو ما يؤرقنا في عصرنا من "واقع" أيضا
له سمات كثيرة من الماضي الحافل المشرق، والماضي المحبط الذي يبعث على
التدهور لقرون، والحاضر بكل معطياته، والمستقبل بكل تحدياته وتعقيداته.

فإن
كانت الإشكالات الغيبية، والتأويلات للنص المقدس تثير زحمة من الأسئلة
والتأويلات عند الخوض فيها من ذوي المعرفة والعلم، فكيف سيكون الحال في
هذا الصدد، حينما نواجه شؤون الحكم والاقتصاد والاجتماع وشؤون العلوم
الوضعية والتجريبية، من هنا، تتجلى أهمية المنظور العقلي وفق آليات واضحة
ومنهجية مضبوطة في مواجهة الأفكار التي تجنح نحو إضفاء هالة من "التقديس"
على ما تقدمه من "بيانات"، أو تخطيطات أو تقنيات أو مشاريع تنطلق من
تصورات معينة، حتى وإن كانت تستند إلى ما يبتكره العلم الحديث، فقيمة أي
علم لا تكمن فقط في ما يقدمه، وإنما في ما قد يؤشر عليه.

كاتب وجامعي مغربي





السعدية الجبلية
السعدية الجبلية

انثى عدد الرسائل : 524
العمر : 59
تاريخ التسجيل : 31/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقالات لد. عبد الرحمان غانمي Empty رد: مقالات لد. عبد الرحمان غانمي

مُساهمة من طرف السعدية الجبلية السبت 8 مارس 2008 - 14:01

المعرفة

08.03.2008

د. عبد الرحمان غانمي | المغربية

حينما نتحدث عن شروط النظر، سواء ما يمس معتقدات الناس أو القضايا
الشرعية، وكذا الفلسفية والفكرية والواقعية، التي يتصدى لها الفكر
الإنساني، فإن هذا يقودنا –مثلما رأينا- إلى مراتب الناس في المعرفة.

التي هي حق مشروع لكل المواطنين، من الناحية النظرية والمبدئية، لكنها
ليست متاحة للجميع، وحتى مدارك الناس و"عقولهم" أصناف، في الوقت الذي
يقتاتون من فضيلة المعرفة. ولعل هذا التصنيف المنهجي، لا يروم وضع "طبقات"
من أهل المعرفة ومن ليس من أهلها، أو لم يتح له أن يكون من أهلها، بقدر ما
أن الواقع والتاريخ هما اللذان يلقيان بظلالهما بعيدا عن الشعارات
المثالية، التي تكرس في العمق اللامعرفة والاستيلاب الفكري، خصوصا في
عصرنا الذي اختلت فيه الكثير من الموازين والمقاييس في أغلب المجالات،
وهذا ما يشكل تربة حقيقية لبروز الكثير من الظواهر اللافتة، فالجهل لا يقف
عند من يعرف الكتابة والقراءة أو من لا يعرفهما، أو من يستخدم التقنيات
والوسائل العصرية المتطورة، باعتبارها "قيمة" استهلاكية، بدراية وإتقان،
وأحيانا في غير ما وجدت من أجله، تعلق الأمر بالدول والمجتمعات أو
الجماعات والتنظيمات، أو الأفراد، أو من لا يستعملها أصلا، لتعذر ذلك، أو
لعدم تأقلمه معها، لذلك لا يمكن لأي مجتمع، بنظامه ودولته، أن يكون قويا
في ظل عدم تزويده بما يلقحه ثقافيا وفكريا (مقاومة الجهل الفكري)، وهذا ما
ينقصنا، في جانب ما ابتلينا به من مشاكل اقتصادية واجتماعية معقدة، تلعب
فيها التخطيطات المبعثرة دورا أساسيا.

هذا ما يجعلنا نلح على ضرورة
إعادة النظر في وضعنا الثقافي والاجتماعي وفي الواقع السائد، حماية
للمستقبل، عبر قراءة تراثنا من جديد، المستنير وغير المستنير منه، مع ظهور
عقليات ممزقة من حيث الوعي والوجود والرأي،تساهم في تدبير وتسيير الأزمات،
عوض التفكير في كيفية مجاوزة مثل هذه العقبات، وهو ما لا يمكن أن يحصل في
غياب تضافر كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الاقتصادية والاجتماعية،
السياسية والفكرية والمدنية، شريطة الإلمام وانتقاء وتدعيم المؤهلين لذلك
بكفاءاتهم وإنتاجاتهم الفكرية، إذ ما أحوج المجتمع إلى تمجيد التثقيف
والعلم والمعرفة الإنسانية، والوجودية، فمعرفة جوهر الشيء خير من ضبط
كيفية استعماله دون ربط ذلك بوظائفه، سواء تعلق الأمر بالعلم أو السياسة
أو الثقافة، أو بالسلطان (الحكم).

من هذا المنطلق، فإن هناك قضايا
لا يمكن أن تعالج إلا بالبرهان، ولا يمكن أن يطرقها إلا أهله، وأخرى
بالجدل لأهل الجدل، وغيرها بالطبيعة والإرشاد لأهله، وهذا ما رام الفلاسفة
العرب والمسلمون القدامى معالجته من منظوراتهم وتصوراتهم، فمثلا فإن
الغزالي في كتابه (التفرقة) يصنف مراتب الوجود إلى خمسة : (ذاتي، وحسي،
وخيالي، وعقلي، وشبهيّ)، أما في (إلجام العوام عن علم الكلام) فأشار إلى
أربع مراتب للوجود : (وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في
اللسان، ووجود في البياض المكتوب عليه).

وحين تتم "المعرفة" في كل
المجالات، بطريقة لا تراعي الخصوصيات والمدارك، مثلما يجري تعميم استعمال
التقنية والتكنولوجيا، من قبل عقليات متخلفة، فإن الأمر يتحول إلى وبال
على المجتمع وأفراده وطبقاته، و"شبهة" بين أوساطه، وهذا لا يعني ضرورة
احتكارها من قبل مجموعات و"طوائف" خاصة، وإنما ما يعوزنا هو توفير بنية
ملائمة لتلقي الكثير من المعارف والمعلومات وطرق قراءة النصوص، والخطابات
سواء المقدسة أو غيرها، وكذا كيفية التعامل وتوظيف مختلف الآليات والوسائل
المتاحة، وغير ذلك، عبر تنظيم المجتمع وتحديث الدولة، وتكريس دولة
القانون، واستثمار الموارد البشرية في إطارها السليم، وإعادة الاعتبار
للعلوم الإنسانية، التي تعمل على تأطير وتكوين وبناء شخصية الأفراد، أمام
تنامي العديد من الظواهر المجتمعية المعقدة، والتي تتأبَّى عن القبض من
خلال آليات فكرية تهادن الواقع أو تتحول إلى أداة لتبريره وإمراره،
والاكتساح الأجنبي لروافد قيمية ليست كلها ملائمة لمجتمعاتنا، كما أن جزءا
من مقوماتنا الحضارية والثقافية والتاريخية قد لا يتواءم مع عدد من
المجتمعات والثقافات الصاعدة، وعليه فإن : "العمل الحق هو امتثال الأفعال
التي تفيد السعادة، وتجنب الأفعال التي تفيد الشقاء، والمعرفة بهذه
الأفعال هي التي تسمى العلم العملي". (ابن رشد).

كاتب وجامعي مغربي
السعدية الجبلية
السعدية الجبلية

انثى عدد الرسائل : 524
العمر : 59
تاريخ التسجيل : 31/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقالات لد. عبد الرحمان غانمي Empty المجال السياسي المغربي إلى أين ؟

مُساهمة من طرف said الإثنين 9 يونيو 2008 - 23:51

بدون شك، فإن المغرب سواء في الظرف الراهن أو في المستقبل سيكون دوما، في
أمس الحاجة إلى دولة قوية ومؤسسات إدارية وقضائية ومجتمعية قوية، وأحزاب
قوية، وبالجملة.
فاعلة ومنتجة ومؤثرة وذات مصداقية، ومن شأن استقرار المكونات السياسية
والاجتماعية هذا، أن يساهم أيضا في استقرار البلاد، وفي هذا الصدد يمكن أن
نتحدث عن تأسيس مفهوم جديد للعلاقات، يقوم على شراكة متطورة إيجابية
متماسكة ومتوازنة تمتح أسسها من تراثنا المتنور وهويتنا المتأصلة الثقافية
والتاريخية واللغوية، ومتطلبات العصر والفكر التحرري والعقلاني، شراكة
جديدة مع المجتمع ونخبه ومؤسساته، وإعادة تأهيل الخطاب السياسي لكي يواجه
كل القضايا المستعصية، بدءا من أسئلة هذا الخطاب نفسه.

ويمكن القول
إن الممارسة السياسية هي جزء من كل، بمختلف تجلياتها، كما أن الأحزاب مكون
من باقي المكونات الأخرى ذات النفوذ في المجتمع، والتي لا يمكن تجاوزها
مثل التنظيمات والمؤسسات التقليدية الموجودة خصوصا في المجال القروي، كما
تحتل حيزا كبيرا في الذهنيات الحضرية، من أعراف ورموز ونظم اجتماعية ...
الخ.

لكن حياة الأحزاب السياسية بالمغرب، ظلت دائما معرضة لكل
الرياح الآتية من كل الواجهات والاتجاهات، هذا يدفعنا إلى طرح سؤال أساسي،
نجني اليوم عواقبه، ويتعلق بالأسباب والخلفيات التي كانت وراء إضعاف
الممارسة السياسية، وجعلها لعقود مجرد طابو يؤدي إلى الزجر والعقاب
والإقصاء والتهميش، في أحسن الحالات، هذا رغم اعتراف الدستور المغربي بدور
الأحزاب في تأطير المجتمع وبناء مؤسساته.

يترتب عن ذلك، أن اختيار
التعددية السياسية للدولة، بعد الاستقلال لم يكن اختيارا مبنيا على
استراتيجية ديمقراطية، تروم تحقيق مشروع مجتمعي ناضج، ومن خلال ذلك، جرى
تقزيم ومحاصرة أي دور للمجال السياسي في التنمية والتطور والتحرر، يمكن أن
ينهض به المجتمع. وعليه، فإن المعادلة السياسية كانت تتلخص، في أن وجود
الدولة كان بمثابة سلطة مضادة ومخيفة، هذا الوجود كان يعني في ما يعنيه،
انتفاء وجود الآخر المجتمعي أو السياسي، مع القبول بالوجود المظهري. وهذا
ما يفسر استمرار الصراع والصدام، الذي غذته أطراف وأجهزة ودواليب داخل
الدولة وخارجها، لما يخدم مصالحها ومخططاتها، وعبر "حلقات سياسية" مختلفة،
في جو سياسي مشحون كان قابلا للانفجار في أي وقت.

فهل وفق كثير من
المعطيات والمتغيرات الجديدة في ظرفنا هذا، يمكن أن تنقلب المعادلة، ويصبح
واقع الأحزاب السياسية المغربية، وبعبارة أدق، الممارسة السياسية في
المغرب عائقا للتغيير والتطور المأمول.

وإذا عدنا إلى الخلف سنجد
عبر تاريخها ومحطاتها، عرفت الحياة الحزبية والسياسية المغربية، مخاضات
طويلة وعسيرة، كان أعنفها ما وقع في حزب الاستقلال وخروج الاتحاد الوطني
للقوات الشعبية من رحمه، والذي تحول في ما بعد إلى حزب الاتحاد الاشتراكي،
وفي مساره تفرع عنه حزب الطليعة، وفاعلون سياسيون آخرون، وبموازاة ذلك
خرجت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي استطاعت أن تكون مجمعا لجل
التيارات السياسية المحسوبة على منظومة اليسار، من قلب الصراع داخل
الاتحاد المغربي للشغل. وفي الوقت نفسه، أسس حزب الاستقلال الاتحاد العام
كنقابة موالية.

وإلى جانب الأحزاب التقليدية المعروفة، التي
ذكرناها، إضافة إلى الحزب الشيوعي المغربي، الذي أصبح يحمل اسم التقدم
والاشتراكية، ظهرت تشكيلات سياسية أخرى مثل 23 مارس، إلى الأمام في ارتباط
ببعض الأحداث الوطنية والدولية، ثم جبهة القوى التي انفصلت عن حزب التقدم
والاشتراكية. وفي فترات لاحقة، وفي ظروف خاصة، ستظهر منظمة العمل
الديمقراطي الشعبي، والتي سيتفرع عنها بدورها، الحزب الاشتراكي
الديمقراطي. ويمكن القول إن التفاعلات التي وقعت داخل الأحزاب الوطنية،
كانت لها نتائج متفاوتة، كل هذا يدعو إلى طرح أسئلة حول واقع المجال
السياسي المغربي، ومآلاته وآفاقه.

كاتب وجامعي مغربي
09:45 | 07.06.2008

د. عبد الرحمان غانمي * | المغربية
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقالات لد. عبد الرحمان غانمي Empty الازدواجية بين الخطاب والواقع

مُساهمة من طرف abdelhamid الأحد 22 يونيو 2008 - 12:59




الازدواجية بين الخطاب والواقع


10:16 | 22.06.2008د. عبد الرحمان غانمي | المغربية
لا نستبعد أن يكون لتركيبة "مجتمع الجوطية"، كما يعبر بول باسكون، تأثير على العلاقات القائمة، وذهنيات الحياة السياسية المغربية.
مما يدعو إلى الوقوف عند الوسائل التي تساعد على تورم وتكرار "الصراعات" والأزمات المستمرة التي تعيشها الأحزاب الوطنية، أو في أحسن الأحوال، تنتابها أزمات "قلبية" من حين لآخر، وتمثل مفهوم الحزب ومحدداته.

هل كل ما نراه، ما هو في آخر المطاف، إلا علامات انشقاقية، أو هو مخاض طبيعي لمسار منعرجات الحياة السياسية العامة، من خلال ما يتمخض عن الأحزاب العاملة، من كيانات قزمية وصغيرة، وأخرى قوية وفاعلة – إن وجدت-، ثم كيف يمكن توفير عناصر المناعة والحصانة للتصدي لمثل هذه الظواهر ؟

وإذا تجاوزنا فهم شكليات "الانشقاق" أو "الانفصال"، فإن الانشقاق يتسع ليشمل، الانشقاق عن الهوية والتاريخ، واستبدال مضمون بآخر، وتحويل الممارسة السياسية النبيلة، إلى محميات سياسية ترمي بكل القوانين جانبا، وتتهرب من مأسسة التقاليد والأعراف المضيئة، وتعتمد على أسلوب التصفية المعنوية لكل الرموز والأعراف والمبادئ والمثل، أي كل ما يشكل مضمون هويتنا وانتمائنا.

وإذا كان لا يعسر على الفهم، أن تعمل القوى المحافظة، كانت عبارة عن تنظيمات سياسية أو شبكات اجتماعية واقتصادية، على تكريس ما هو سائد، فإن قوى التغيير مهما كانت ألوانها السياسية، مطالبة بعدم مسايرة ما هو موجود وينبغي أن تكون ميالة وتواقة لما هو أفضل، والأغرب أن تصير بعض أطرافها ممثلة لفكر الجمود والتفتيت والحفاظ على ما يدخل في نطاق "المكتسبات" بالنسبة إليها.

فإلى أين ستقود المخاضات التي تعرفها الساحة السياسية ؟ وبأي معنى ؟
لقد سبق أن قسمنا التشكيلات السياسية المغربية، بمختلف ألوانها وقسماتها، ومرجعيات الإيديولوجية إلى ثلاثة، هذا بصرف النظر عن تلك التنظيمات السياسية المتباينة، التي تعيد في الغالب، إنتاج نفسها، بصور أخرى، وهذا ما يتجلى، في المرجعية الإيديولوجية اليسارية والاشتراكية الديمقراطية التي تعود إلى التجارب الماركسية أو الفكر الاشتراكي عموما، ونماذج بعض الأحزاب الاشتراكية الغربية في ارتباط بخصوصية الواقع المغربي ومكونات هويته، والمرجعية الليبرالية التي غالبا ما لا تعود إلى جوهر الفكر الليبرالي المتنور كما ظهر في الغرب، وإنما تتخذه شعارا أيديولوجيا، لتسويق ثقافة السوق والاستهلاك وتعميم الخوصصة والمضاربات، وغير ذلك، هذا إضافة إلى توسيع الأفكار الغربية، كما تصفق لها منظومة العولمة الرأسمالية المتوحشة، والمرجعية الإسلاموية، التي تستند إلى الدين الإسلامي، لبناء ما تعتبره مشروعها، لها تأويلاتها ولها قراءاتها ومذاهبها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، توزعت إلى شيع وملل ذات المظهر الديني، والعمق السياسي.

وفي كل هذه المرجعيات، التي تتوزع إلى "طوائف" و "قبائل"، متناحرة في وقوت كثيرة، ومتحالفة تارات أخرى، يبرز ذلك التمزق بين التيارات المرجعية والإيديولوجية التي تبرر وجودها، وبين ما تطرحه من "مشاريع" و"مأمولات"، فالذي يتقمص "الليبرالية" يتمسك بها في كل ما يتعلق بالسوق والمادة، لكن سرعان ما يتخلى عنها، وعن صورها الفكرية وما تدعو إليه من حرية وتحرر وديمقراطية وعقل متنور ولا يجد أيضا "الاشتراكي" حرجا في الالتزام بتطبيق وتنفيذ القرارات والاختيارات والسياسة الرأسمالية، كما كان لا يتردد، وبحماس، في انتقادها ودحضها، بل ومعاداتها، مثلما أن النموذج الإسلاموي (ونقصد به كما ترى كل فئة الإسلام وليس كما هو الإسلام في منابعه وأصوله ومبادئه، وهو ما يشكل قاسما للمجتمع والأمة بصفة عامة)، بدوره يتحرك وفق معطيات الواقع سياسيا وثقافيا.

كاتب وجامعي مغربي


abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى