صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المدينة الاسلامية

اذهب الى الأسفل

المدينة الاسلامية Empty المدينة الاسلامية

مُساهمة من طرف abdelhamid الثلاثاء 10 يونيو 2008 - 21:10

تخطيط المدينة الإسلامية
تخطيط المدينة هو عملية تحديد وتعريف أفضل طريقة لتحقيق أهداف معينة، ثم اختيارها وفقا لاعتبارات معينة، فى ظل الموارد المحدودة والقيود التى تفرضها الظروف السائدة فى المجتمع، أو أنه عملية ضبط البيئة الطبيعية والبشرية من أجل استخدام أفضل الموارد البيئية، وبالتالى فإن هناك محاولات كثيرة للتخطيط منها التخطيط الاقتصادى والتخطيط الاجتماعى والتخطيط العمرانى.
وتخطيط المدينة بهذا المفهوم يختلف عن خطتها، فالخطة تعنى مساحة من سطح الأرض الكروى نقلت تفاصيلها على لوحة مستوية وفق إحدى طرائق الاسقاط المناسبه بمقياس رسم كى يسمح بظهور تفاصيلها، مثل الطرق وتقسيمات المبانى والميادين إلى أخره وإذا كان هذا تعريفا عاما للخطة فإنه بالنسبة للمدينة يمكن أن يعنى الشكل الذى تبدو عليه من خلال انتظام شوارعها وميادينها وتجمعاتها أن يعنى الشكل الذى تبدو عليه من خلال انتظام شوارعها وميادينها وتجمعاتها السكنية، وفق نظام معين يعطيها شكلا حضاريا يختلف عن غيرها من المدن التى تنمو وفق خطة أخرى. ويعنى ذلك أن الخطة تقترن بالتركيب العمرانى فقط بينما التخطيط يشمل كل ما يتعلق بالمدينة من الناحية الطبيعية والحضارية والسكنية والعمرانية والإقليمية.
واختلفت الأهداف التى أنشئت من أجلها المدن الإسلامية، فمنها ما بدأ على هيئة معسكرات حربية ثم تطور إلى هيئة مدينة كالبصرة والكوفة والفسطاط والقيروان، ومنها ما اتخذ لأغراض إدارية كواسط، ومنها ما انشئ كعواصم أو حواضر للدول المتتابعة كبغداد والقاهرة وفاس وغيرها، ومنها ما كات فى بداية مناطق ارتكاز تحصينية للدفاع، وبمرور الزمن غلب عليها الطابع المدنى وتحولت إلى مدن كالرباط والمونستير ومجريط ( مدريد) وغيرها، ومنها ما نشأ ونما مرتبطا بعوامل دينية كالنجف وكربلاء والكاظمية وغيرها، ورغم تأثير التخطيط بهذه العوامل المختلفة تأثرا واضحا ولاسيما فى مراحل النشأة الأولى، إلا أنه بصفة عامة يقوم على محاور أساسية توجهه توجيها إسلاميا واضحا صاغ تخطيط المدينة الإسلامية صياغة مميزة وجعلها رغم اختلاف أقاليمها وعصورها تتسم بسمات عامة واحدة.
وكانت الرؤية الإسلامية فى تخطيط المدن مراعية لجوانب التخطيط المختلفة، سواء كانت هذه الجوانب عمرانية أو اقتصادية أو اجتماعية.
ويعكس التخطيط المادة للمدينة الإسلامية المحاور المختلفة التى قام عليها تخطيط المدينة وجوانبها المختلفة.
ويبدأ التخطيط باختيار الموقعSituation ونعنى بذلك موقع المدينة وعلاقتها بما يحيط بها.
وقد أشار ابن الربيع إلى هذه الشروط وحددها بستة شروط هى ( سعة المياه المستعذبة، وإمكان الميرة المستمدة، واعتدال المكان وجودة الهواة، والقرب من المرعى والاحتطاب) وتحصين منازلها من الأعداء والذعار، وأن يحيط بها سور يعين أهلها".
أن أحسن مواضع المدن أن تجمع بين خمسة أشياء وهى: النهر الجارى، والمحراث الطيب، والمحطب القريب والسور الحصين، والسلطان إذ به صلاح حالها، وأمر سلبها وكف جبابرتها) وهى فاس فيذكر أنها جمعت هذه الخصال التى هى كمال المدن وشرفها وزادت عليها بمحاسن كثيرة.
وفى ضوء ذلك كان اختيار موقع المدن مرتبطا غالبا بالأقاليم، وبالطرق التجارية الهامة التى تمكنها من توفير احتياجاتها، وتصدير انتاجها ولاسيما أن المدينة لا يمكنها أن تعيش على الوظائف المحلية فقط، فلو كانت المدينة تعيش بلا وظائف إقليمية لوجب أن تكفى نفسها بنفسها من حيث الخام والإنسان، ولكانت بذلك مجرد وحدة سكنية بحته، أو خلية اكتفائية.
وقد ازدهر كثير من المدن الإسلامية معتمدة على أقاليمها كبغداد والقاهرة وفاس ومراكش وقرطبة والمرية وغيرها.
وكذلك كانت التجارة من العوامل الهامة التى أدت إلى نشأة المدن، واعتبرت من المعايير التى تميزها، ومن هنا برزت أهمية اختيار موقع المدينة على الطرق الرئيسة، ويكفى أن تشير إلى ما فكر فيه الخليفة المنصور عند اختيار موقع بغداد فقد وضع فى اعتباره أهمية الطرق التى تؤدى إليها باعتبار أن لذلك أثره الخطير فى حياتها الاقتصادية، فقد أشارت الرؤية التاريخية إلى أنه عندما خرج يرتاد الأماكن رأى موضعا طيبا، فقال لجماعة من أصحابه: ما رأيكم فى هذا الموضع ؟ فقالوا: ما رأينا مثله، هو طيب صالح موافق. قال: صدقتم هو هكذا، ولكنه لا يحمل الجند والناس والجماعات إنما أريد موضعا يرتفق الناس به، ويوافقهم مع موافقته لى، ولا تغلو عليهم فيه الأسعار، ولا تشتد فيه المؤنة، فإنى أن أقمنا فى موضع لا يجلب إليه من البر والبحر شئ غلبت الأسعار وقلت المادة واشتدت المؤنة.
وأشارت الرواية إلى أنه عندما جاء إلى موقع بغداد قال: هذا موقع معسكر صالح، وهذه دجلة ليس بيننا وبين الصين شئ، يأتينا كل ما فى البحر، وتأتينا الميرة من الجزيرة وأرمينية وما حول ذلك، وهذا الفرات يجئ فيه كل شئ من الشام والرقة، وما حول ذلك فينزل وضرب عسكره على الصرآه وخط المدينة، ومما أكد اختياره لهذا الموقع أنه بين أربعة طساسيج مخصبة، وأنه خير موضع لوصول التجارة من البلاد فى المشرق والمغرب والشمال والجنوب، وأنه قريب من البر والبحر والجبل، فقرر اختياره.
وامتد تأثير الطرق المؤدية للمدينة فى تحديد اتجاهات أبوابها، ولا أدل على ذلك من بغداد التى بنى لها أربعة أبواب، فإذا جاء أحد من الحجاز دخل من باب الشام، وإذا جاء من الأهواز والبصرة وواسط واليمامة والبحرين دخل من باب البصرة، وإذا جاء الجائى من المشرق دخل من باب خراسان.
وحددت أهمية الطرق البحرية مواقع كثيرة من المدن الإسلامية، وإذا كان الاتجاه فى بداية الأمر فى اختيار موقع المدن بعيدة عن ساحل البحر خوفا من اغتيال الأعداء لها، كما حدث فى البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان، فإنه بعد أن أصبح للمسلمين قوة بحرية يعتمد عليها فى حماية مدن السواحل، اتجه المسلمون إلى اختيار الموقع الملائمة لاقامة مدنهم على السواحل.
وعند اختيار موقع بغداد كان الخليفة المنصور حريصا على الاطمئنان على أحوال الموقع الصحية، وكلف بعض رجاله بالمبيت فى موضع المدينة ليدرسوا أحواله، فلما انتهوا من مهمتهم قدموا على المنصور وأجمعوا على أفضلة المكان.
ولجودة الهواء أو فساده علاقة وطيدة بانحسار الأمراض أو انتشارها وما يمس مباشرة النواحى الصحية للمجتمع المقيم فيها.
وقد أثر المناخ تأثرا مباشرا وفعالا فى تخطيط التكوينات المعمارية للمدينة الإسلامية، كما كان له أثره الواضح فى تخطيط شوارعها، وتحديد أتجاهاتها، وتشابهت هذه التأثيرات فى معظم المدن الإسلامية، سيما أن أغلبها يقع تقريبا فى المنطقة الحارة فتلاصقت المبانى وتدرجت مقاييس الشوارع وأصبح الفناء عنصرا رئيسا فى تخطيط التكوينات المعمارية المختلفة، وأخذت الواجهات والمظلات والعناصر المعمارية الأخرى المتصلة بالتهوية والإضاءة أنماطا متشابهة، فتكررت أمثلتها فى المدن الإسلامية المختلفة.
ووفرة المراعى والحطب والغذاء من مصادر قريبة، وتأمين مصادرها، كان لها تأثير مباشر فى هيئة تخطيط المدن مثلا فى شرق العالم الإسلامى والتى يلاحظ أنها كانت تشمل فى الوسط على مقر السلطة والحكم مؤمنا فى قلب المدينة، ويحيط بها سور ويدعى ( الشهرستان) يليه دائرة أوسع تمثل المدينة العظمى يحيط بها سور هى الأخرى، ثم يلى ذلك دائرة أوسع تضم البساتين ودائرة رابعة أوسع تشمل المزارع التى تغذى المدينة بحاجاتها الغذائية اللازمة وتكون فى متناول الدفاع عنها وتأمينها، كالموصل التى كانت تمد بغداد بحاجاتها من الميرة، فكانت تمونها بالغذاء أربعة أشهر من كل سنة لسعة سوادها، كما يذكر ذلك المقدسى.
وبرزت الحاجة إلى تحصين المدن منذ عهد قديم، عندما نشأت المدن وزاد عمرانها وثراؤها، وبدأت تتعرض لهجمات الأعداء، الذين يطمعون فى السيطرة عليها أو نهب ثرواتها، مما أدى إلى بناء الأسوار حول المدن واتخاذ الجند والقادة الذين يتولون الدفاع عنها.
وتأمين المدينة يكلفه بناء الأسوار والأبراج والقلاع التى يزيد من كفاءتها وسهولة انشائها والاقتصاد فيها ما يتوفر للموقع من ميزات تحصينية طبيعية، وكان يكون على هضبة متوعرة من الجبل أو باستدارة بحر أو نهر حتى لا يوصل إليها إلا بعد العبور على جسر أو قنطرة، فيصعب منالها على العدو ويتضاعف تحصينها.
عندما اختار الخليفة المنصور موقع بغداد من أن نهر دجلة والفرات بمثابة خندق مائى يزيد مدينته تحصينا، وكذلك انتقاد المعز لدين الله الفاطمى، قائده جوهر فى عدم اختيار هضبة ( أسطبل عنتر) جنوب الفسطاط – أو القدس فى موضع مباشر على النيل كموقع لمدينته الذى انشئت عليه مدينة القاهرة.
ومع نشأة المدن الإسلامية وضحت المحاور الرئيسة التى تميز تخطيطها وتؤثر فيه بصورة أقوى من بقية العناصر التخطيطية الأخرى وهذه المحاور هى ( المسجد الجامع) و(دار الإمارة) و (الخطة) وهى محاور ثلاثة قامت معها محاور أخرى مع تطور عمران المدن الإسلامية، وبمرور الزمن اختلف تأثير هذه المحاور فى تخطيط المدينة الإسلامية قوة أوضعفا.

abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المدينة الاسلامية Empty رد: المدينة الاسلامية

مُساهمة من طرف abdelhamid الثلاثاء 10 يونيو 2008 - 21:12

وفى إطار ما عرضه ابن الربيع من شروط تخطيط الموضع :
1-أول شرط ساقه هو أن على الحاكم ( أن يسوق إليها الماء العذب ليشرب ويسهل تناوله من غير عسف) أى أن تكون مصادر المياه متوفرة بأى صورة من الصور سواء كانت عيوناً أو انهارا أو غير ذلك. سواء أكان بالقنوات أم بالأنابيب أم بحفر الجداول أم بنقل الماء على ظهور الدواب، أم بغير ذلك من الوسائل.
2-والشرط الثانى فى الترتيب هو أن يقدر طرقها وشوارعها حتى تتناسب ولا تضيق، فتقدير الشوارع مطلوب حتى تتناسب مع حركة المرور وكثافتها وحتى لا تضيق بهذه الحركة أو تلك الكثافة، ونوعية الشوارع فمنها ما هو رئيس ومنها ما هو فرعى.
3-ويعرض الشرط الثالث: وهو أن يبينى فيها جامعا للصلاة فى وسطها ليتعرف على جميع أهلها، والمسجد الجامع كان أول ما يختط من تكوينات معمارية فى المدينة الإسلامية وهو من وجهة نظر فقهية من الميزات الحضرية للمدينة الإسلامية.
4-والشرط الرابع أن يقدر أسواقها لينال حوائجهم عن قرب، والسوق من المرافق الأساسية العامة فى المدن، وبدأ تخطيط الأسواق وتصنيفها فى العصر الأموى، وتبلورت فى تخطيط بغداد وسامراء، ومع تصنيف التجارات نتيجة ارتباط التجارة بالصناعة ظهرت تصنيفات الحرف مرتبطة بنظام مراقبة أهل التجارات والحرف.
5-ويأتى الشرط الخامس أن يميز بين قبائل ساكنيها بألا يجمع أضداد مختلفة متباينة ويبرز هذا الشرط، وهى مشكلة صراع الأجناس المختلفة فى بغداد والتى كان الترك من جنود المعتصم محركا رئيسا فيها، وخصوصا بعدما أهمل الخليفة الجنسين العربى والفارسى، وبعدما وجد الأتراك الحظوة، وكان هذا الخلاف سببا واضحا من أسباب انشاء مدينة سامراء، واتخاذها مقرا للخلافة على يد هذا الخليفة.
وجرت العادة أن تكون دار الإمارة مجاورة للمسجد الجامع، قريبه منه أو ملاصقة له، وأصبح هذا التخطيط تقليديا فى المدينة الإسلامية.

التخطيط الدائرى للمدينة
فى رأى الدكتور/ محمد عبد الستار عثمان
وحدث ذلك فى بغداد التى انشئ فى وسطها المسجد الجامع مجاورا القصر الذهب، ومن حوله الدواوين يحيط بذلك سور يعزل هذه المنطقة عن منطقة سكن القادة والموالين للخليفة، ويحيط بذلك سور يليه يتصل بسور خارجى يليه خندق، وفى خارج أسوار المدينة تقطن العامة، وكانت تمارس فى المنطقة السكنية خارج المنطقة المركزية أنشطة الحياة اليومية، وازدحمت الأسواق وبات الأمر ملحا فى تأمين المدينة من خطر الفتنة، فأنشئ الكوخ ونقلت إليه الأسواق ليبتعد هذا الخطر.
كان الاتجاه واضحا لتأمين مركز السلطة بعزله عن مواضع سكنى العامة، وكان الأعوان يقطنون فى مراكز قريبة من الحاكم فى تطبيق عام اختلف صوره، ويعكس هذا التوجيه خللا حدث ببغداد بعدما زاد عمرانها وزادت خطورة الجند الترك بها، واصبحوا يتراكضوا فى شوارع المدينة ويسببون قلقا لأهلها، فحرص على أن يكون ذلك معتبرا فى تخطيط المدن القادمة، وفى هذا الشرط رؤية اجتماعية تجمع الحاكم وأعوانه قريبين منه، فهم فئة واحدة ذات ميول واحدة، ومستوى اجتمعى متقارب يسهل تألفهم فى موقع واحد، ولا يتسبب انتشارهم فى المدينة فى التأثير فى فئاتها الأخرى.
وتمثل مدن العواصم أهم نوعية من المدن الإسلامية باعتبار أهميتها السياسية المنعكسة فى ازدياد عمرانها، فهى تنال من الحظوة والرعاية مالا يناله غيرها من المدن، وقد يتأثر عمران هذه المدن بزوال أهميتها السياسية لزوال دولتها كبغداد بعد سقوط الخلافة العباسية، والقاهرة بعد انتهاء دولة المماليك، والقيروان والمهدية وقلعة بنى حماد وغيرها من المدن.
أن المدن الإسلامية نشأت وتطورت عمرانيا، ولم تعد مدنا مفردة، لكنها أصبحت مدنا مركبة، بمعنى أنها تضم أكثر من مدينة على حد قوله، كبغداد التى احاطت بها الحرية من الشمال والكوخ من الجنوب وتقابلها الرصافة على الضفة الأخرى من نهر دجلة وكذلك القاهرة التى أصبحت تشتمل على الفسطاط والعسكر والقطائع، وهى رؤية تتضح أكثر فى ضوء ما أشرنا إليه من مراحل النمو المعمارى للمدينة الإسلامية التى تنمو فى هيئة أرباض ظاهر المدينة تتصل عمرانيا بالمدينة متأثرة بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تمر بها المدينة، فقد انشئت بغداد كمدينة مستقلة، ثم انشأ المنصور الرصافة لابنه المعتصم بالله هو وجنده وكيانها المستقل أيضا وأنشئ الكوخ لتقل التجارة من بغداد إليه وأنشئ له مسجد جامع لمنع دخولهم إلى المدينة وفى مرحلة لاحقة أدمجت التكوينات الثلاثة وأصبحت تشكل كيان واحدا ولاسيما بعد أن الغيت صلاة الجمعة فى الأرباض الجديدة وكذلك الحال بالنسبة للفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة.

التخطيط الحربى لمدينة بغداد
وبغداد من أروع أمثلة المدن الإسلامية التى روعى فى تخطيطها متانة تحصينها وتمثل متقدمة فى التخطيط الحربى لأسوار المدن فى القرن الثانى الهجرى فقد جاء تخطيط هذه المدينة مستديرا فأوفى بالغرض الحربى باعطاء رؤية متكاملة وواضحة للجند المدافعين عن اسوار المدينة عما لو كانت المدينة مستطيلة أو مربعة، كما أن هذا التخطيط المستدير حقق غرضنا اقتصاديا من ناحية التوفير فى تكاليف البناء فمحيط قطعة من الرض على شكل دائرة أقل من محيط المربع المساوى لها فى المساحة بمقدار 11.27 %، ولا شك أن التوفير فى تكاليف الإنشاء أمر مرغوب فيه، ويدعم الموقف الحربى بصورة غير مباشرة بالإضافة إلى أن الاقتصاد شرطى من الشروط الأساسية التى يجب توافرها فى العمارة بمعناها الصحيح.
وكان التخطيط الحربى لمدينة بغداد يقوم أساسا على خطوط دفاعية متتابعة تحقق اعاقة المهاجمين وتمكن المدافعين من ضربهم. فقد حفر حول المدينة (خندق) يحيط بأسوارها بعمق ستة أمتار واتساع مثل ذلك، كان يملأ بالماء عن طريق قناة فى وقت الخطر، وكان أمام كل باب من ابواب المدينة الأربعة قنطرة تمكن من تصبح المدينة معزولة لا يصل إليها أحد إلا بعبور الخندق الذى يملأ بالماء اثناء الحرب، كما أن سور المدينة الخارجى المجاور للخندق بنيت لحماية اساسه من الماء (مسناة) يصعب التسلق عليها من قاع الخندق، وكان هذا الخندق بمثابة أول عائق أساسى لمن يهاجم المدينة.
ويلى الخندق (السور الخارجى) الذى يمثل خطا دفاعيا واقيا وكان بهذا السور أربعة ( مداخل منكسرة) (باشورة) (Bent Entrance) اتخذت تصميما معماريا يضطر الداخل فى أى منها إلى الأنعطاف يسارا فتكشف يمينه وعى نقطة الضعف التى يمكن اصابتها لعدم حمايتها بأدوات الحماية المستخدمة باعتبارها الذراع الضاربة المتحركة، ويمكن اصابتها اصابة مباشرة، وكان هذا السور بارتفاع عشرين متراً، وسمكه خمسة وعشرون مترا عند القاعدة، وعشرة أمتار من أعلاه، وهذه المقاييس مرتبطة بتحقيق أهداف معينة، فالسمك يساعد على متانة الانشاء من ناحية، وعلى عدم تمكين العدو من ثقبه بسهولة من ناحية ثانية، ومن ناحية ثالثة يوفر ممشى للجنود فى للجنود فى أعله، كما أن الارتفاع محكوم بارتفاع السور الكبير الداخلى، الذى كان أعلى منه، ليكشف المحاربون من خلاله الساحة خارج المدينة كما أنه بهذا المستوى المذكور يحقق رؤية أفضل لأبعد مدى ممكن.
وكان للمدخل أبواب صفحت مصاريعها بالحديد المقاومة ضربات العدو إذا ما استطاع الوصول إليها، وهو أسلوب شاع استخدامه فى حل أبواب المدن الإسلامية ومن أمثلة ذلك أبواب المهدية والقاهرة، وغيرهما وكان بين السورين الخارجى والداخلى الكبير مساحة خالية تصلح للدفاع عن السور الأخير، وهذه المساحة تسمى (الفيصل) ويمكن اضطياد العدو فيها إذا ما استطاع اجتياح السور الخارجى.
أما السور الداخلى الكبير فهو أكبر الخطوط الدفاعية قوة، تركد ذلك مقاييس بنائه، حيث يبلغ سمك السور مزودة بسلالم يصعد منها إلى مجلس يعلوا كل باب من هلاله مشاهد المنطقة خارج المدينة ومراقبتها باعتبار ارتفاعه واشرافه على الساحات خارج المدينة.
وخططت مداخل المدينة الأربعة تخطيطا حربيا دقيقا يمكن من خلاله التحكم الجيد فى الدخول والخروج من المدينة والسيطرة على كل جزء منها وكان يشرف عليها الجند والحرس وزودت هذه المداخل بغرف بلغ عددها فى كل مدخل مائة وثمانى غرف منها مائة للجند تتسع كل غرفة لعشرة وبذلك يكون عدد الجند الف جندى أما الغرف الثمانى الباقية فخصصت للقيادة، أما قلب المدينة الذى اشتمل على الدواوين وقصر الخلافة والمسجد الجامع فكان محاطا بسور داخلى مركزى يعد الخط النهائى لحماية مركز السلطة داخل المدينة.
وامتد تأثير التخطيط المحصن للمدينة الإسلامية إلى تخطيط شوارعها وطرقاتها وتشير رواية الطبرى عن بغداد والهدف من وراء تخطيطها تخطيطاً مستديراً فيكون أنها بنيت مدورة لئلا يكون الملك إذا نزل إلى وسطها فى موضع أقرب منه إلى موضع أخر وجعل أبوابها أربعة على تدبير العساكر فى الحروب وجعل لها سورين فالسور الداخل أطول من السور الخارج وبنى قصرها فى وسطها والمسجد الجامع حول القصر.
فقد خطط المدينة تخطيطاً يكفل الأمن للخليفة فى وقت الخطر ويسهل التوصل إليه فى وقت الأمان واثر ذلك تاثيراً واضحاً فى تخطيط المدينة بصفة عامة وشوارعها وطرقها على وجه الخصوص، فقد حكم بناء السورين للمدينة ومداخلها الأربعة نظام الطرق الرئيسية، فقد كان الوصول إلى المدينة من الخارج من أحد مداخلها عن طريق عبور الجسر الذى يعلوا الخندق، وتخطيط
و فى الأصل ذو مخزى حربى ذلك أنه يمكن دفعه فى وقت الخطر ثم يصل الداخل إلى المدخل المنحنى bent entrance الذى خطط بهذه الطريقة ليكشف عن يمين الداخل ليسهل ضربه إذا كان عدوا ، وانعكس التخطيط الحربى على الرحبات التى تؤدى إليها المداخل ومقاييسها التى تتدرج من الاتساع إلى الضيق كان هدفا مقصورا على حصار العدو وكذلك كاف الفيصل الذى بين السورين بمثابة مصيدة وحاذى الطريقان الرئيسان فى المنطقى السكنية السور الداخلى الكبير والسور الذى يحيط بالمنطقة المركزية، فأخذ الشكل الدائرى تأثرا بهذه الأسوار ولم يسمح بأن تلتصق المبانى بالسور لتسمح للمدافعين بحرية الحركة، كما أن السكك الفرعية التى تصب فى كل منهما كان لها دروب يحكم غلقها وقت الحاجة لتزيد المدينة تأميناً.
كما أن تخطيط الأبواب ومقاييسها وارتباط هذه المقاييس بالأسوار وارتباطها بحرية الطريق والاتفاق به على اعتبار أن هذه البوابات تعلوا طرق المدينة وتتحكم فى شكل الطريق وحركة المرور فيها توضح العلاقة بين التحصين وشوارع المدينة.
وإذا كان للتحصين أثر واضح فى محدودية مساحة المدينة لاعتبارات اقتصادية وحربية فإن أسوار المدن والقلاع داخلها بأبراجها وأبوابها شغلت جزءاً من المساحة أيضاً بالإضافة إلى مساحة المناطق التى تركة خالية وكان لهذا أثر واضح فى استغلال المساحات الداخلية المحدودة استغلاً مكثفا وصحيحاً فى الوقت ذلك وظهر ذلك واضحا فى الامتداد الرأسى للبناء مع ضيق الشوارع الفرعية الذى أدى بدوره إلى الاستغناء عن الشارع كمصدر أساسى للضوء والتهوية والاعتماد على الفناء الداخلى المكشوف واتصل الأمر كذلك بما اتسمت به المدينة الاسلامية من تلاصق دورها ومنازلها توفيرا للمساحة ثم الامتداد بالأجنحة والرواشن فى الطوابق العلية.
ومما يرتبط بأثر نظام التحصين والتأمين وإنشاء طرق تحت الأرض أنفاق أو سراديب تستخدم بواسطة الحكام اللذين يقطنون بالمدينة ويخشون استخدام طرق عادية لسبب أو لأخر، وقد تنوعت هذه الأنفاق والسراديب فمنها ما كان يربط بين القصور داخل المدينة كالأنفاق الذى كانت تربط بين قصور بغداد ومثال ذلك الممر الأرضى الذى أنشأه المعتمد ليربط بين قصر الحسن وقصر الثريا وكذلك النفق الذى كانت بغداد الذى عمل للخليفة المنصور لكى يمكنه من الخروج من بغداد عند حصارها وينتهى بالخليفة على بعد فرسخين منها.

abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المدينة الاسلامية Empty رد: المدينة الاسلامية

مُساهمة من طرف abdelhamid الثلاثاء 10 يونيو 2008 - 21:14

المدينة المدورة
فى رأى الدكتور/ كمال الدين سامح
فى كتابه عن العمارة فى صدر الإسلام
يقول أن الأصل فى التخطيط الدائرى لمدينة بغداد قد أخذ عن النقوش الأشورية البارزة التى تمثل المعسكرات الأشورية والتى سجل عليها التاريخ.
وتخطيطها مستدير وبه طريقان متقاطعان عموديان على بعضهما يجريان من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وكذلك نلاحظ أن التصميم الدائرى للمدينة ذا الطريقان المتعامدين قد عرف فى الكتابة المصرية القديمة وتعتبر المداخل الأربعة لمدينة بغداد التى أنشئها أبو جعفر المنصور الأولى فى الإسلام من حيث تخطيط المداخل المنحنية وهى أربع مداخل رئيسية محورية وهى باب خورسان فى الجهة الشمالية الشرقية وباب الشام فى الجهة الشمالية الغربية وباب البصرة فى الجهة الجنوبية الشرقية وباب الكوفة فى الجهة الجنوبية الغربية وكانت المسافة بين كل بوابتين حوالى 4000 زراع وقطرها حوالى 2710 متر.

مقاييس الشوارع واتجاهاتها
ترتبط مقاييس الشوارع فى المدينة الإسلامية بعوامل مختلفة ومتنوعة منها ما هو متصل بنظام تخطيط المدينة ومنها ما هو مرتبط بطبيعة الموضع والمناخ وطريقة ونوعية الارتفاق بالإضافة إلى ارتباط ذلك لقيم إسلامية والعادات السائدة فى هذا المجتمع.
فعند تخطيط بغداد امر المنصور بان يكون ( فى كل ربض من السكك والدروب النافذة وغير النافذة ما يعتدل به المنازل.... وحد لهم أن يجعلوا عرض الشوارع خمسين زراعا بالسوداء، والدروب ستة عشر زراعا).
واتسمت سامراء باتساع شوارعها حتى أن شارعها الأعظم ( شارع السريجة) كان بحدود مائة متر وهو بذلك يضاهى أعرض الشوارع فى العواصم العالمية حتى يومنا هذا.
وعكست المراحل البنائية. والعمرانية لهذه المدينة مدى الاهتمام بتخطيط شوارعها المتسعة ابتداء من عصر المعتصم الذى أسس المدينة

الرحاب والميادين
تضمنت المدن الإسلامية المبكرة فى خططها مساحات خالية من البناء كان يطلق عليها ( الرحـاب )، تركت لتستخدم فى أغراض مختلفة تركت لتكون " مرابط للخيول وقبور للموتى " وكانت هذه الرحاب متسعة بلع طول ضلعها ستون زراعا.
وإذا كانت المساحات متوفرة فى المدن غير المحصنة فإنها محدودة فى المدن المحصنة، مما أثر بالتالى فى تضمين هذه المدن الميادين والرحاب وجعلت المقابر خارج أسوارها، وتعتبر بغداد فى عهد المنصور من أوضح الأمثلة على هذه النوعية، فلم تشتمل على هذه المرافق التى تحتاج إلى مساحة كبيرة وكان هذا موضع انتقاد كبير لها.

جمالية الشــوارع
من الناحية الجمالية فإن شوارع وطرق المدينة الإسلامية بمقاييسها وأشكالها واجهاتها المتنوعة وعلاقاتها بالتكوينات المعمارية الأساسية والثانوية ولدت قيما جمالية أصيلة يمكن استقراؤها من تحليل نوعيات الجمال المختلفة سواء كان جمال حثى أو عاطفيا أو فكريا تجريديا أو وظيفيا.
كما أن السير فى شوارع المدينة الإسلامية باتجاهاتها المتنوعة أدى إلى اعطاء الفرصة للتجول البصرى، وتقسيط المسافات وإتاحة الفرصة للتأمل الهادى.
وظيفة شوارع المدينة الإسلامية وطرقتها
انصبت وظيفة شوارع وطرق المدينة الإسلامية على كونها شرايين اتصال وحركة تربط بين تكويناتها المعمارية المختلفة وارتبطت وظيفة الشوارع ارتباطا وثيقا بوسيلة النقل المستخدمة وهى الدواب التى كانت تستخدم فى الركوب أو حمل الأثقال ثم ارتبطت مقاييس الشوارع والطرق، وارتبطت كثافة المرور فى طرق المدينة الإسلامية بكثافة سكانها والوافدين إليها

الأســـــواق
من الملامح الرئيسية للمدن أنها ذات طابع تجارى وتمثل الأسواق مراكز النشاط التجارى بصوره ومراحله المختلفة التى انعكست انعكاساً مباشراً على نمطية الأسواق وأنواعها، والسواق الأسبوعية كسوق الأحد فى دمشق وسوق الاثنين فى مكناس والقصر الكبير وسوق الثلاثاء فى بغداد وسوق الأربعاء فى الموصل وسوق الخميس فى فاس ومراكش.
وتأتى الأسواق المرتبة الثانية للمهمة التى يقوم بها مكان التجمع فكانت إلى جانب كونها مراكز تبادل السلع مراكز لتبادل الأفكار والشائعات مما يبرز أهميتها كمراكز اتصال Communication-Center.
وتبلور نظام تخطيط الأسواق وعمارتها فى العصر العباسى وتطورت تطوراً واضحا بتطور عمار المدينة الإسلامية فعند تخطيط بغداد كانت الأسواق من المرافق الهامة التى أهتم المنصور بتوفيرها فى كل ربع من أرباه مدينته.
وسرعان ما ازدهر عمران المدية وضاقت بأهلها، فرأى المنصور أن ينقل التجار خارجها محافظتاً على أمن المدينة ونظافتها وتوفير الهدوء فيها وأنشأ (الكرخ) ليضم التجار وكان تخطيطه مثالاً جيدا يعكس المستوى الذى وصل إليه تخطيط الأسواق.
وتشير الرواية إلى أن المنصور طلب قطعة من القماش ورسم السوق عليها وحدد لكل أهل تجارة مكاناً لهم وأمر ألا تتاجر فئة فيما تتاجر فيه الفئة الأخرى كما أنه فصل بين أهل التجارات والحرف فى تصنيف أدق فخصص لكل حرفة منطقة خاصة بها.
وأنشأت أسواق سامراء بالأسلوب نفسه حيث يمكن القول أن إنشاء السواق المتخصصة أصبح نمطاً تقليدياً فى المدينة الإسلامية.

abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المدينة الاسلامية Empty رد: المدينة الاسلامية

مُساهمة من طرف abdelhamid الثلاثاء 10 يونيو 2008 - 21:16

تغذية المدينة بالماء
تحكم الماء إلى حد كبير في اختيار موضوع المدينة , وطالما أشاد الجغرافيون والبلدانيون المسلمون بالحواضر التى يتوافر فيها الماء العذب . فمثلا يصف القزوينى بغداد فيقول: إنها " أم الدنيا , وسيدة البلاد , وجنة الأرض , ومدينة السلام , وقبة الإسلام , ومجمع الرافدين , ومعدن الظرائف , ومنشأ أرباب الغايات .
هواؤها ألطف , و " ماؤها أعذب من كل ماء " وتربتها أطيب من كل تربة , ونسيمها أرق من كل نسيم ".
ويؤكد وصف القزوينى على أهمية عذوبة الماء حتى يكون صالحا للشرب , وهو وصف تتأكد أهميته عندما نجد أن من المدن ما ارتبط تطور العمران فيها بمدى عذوبة الماء وصلاحيته للشرب كالبصرة التى ظلت مشكلة ملوحة الماء وقلته من المشاكل التى واجهت المسلمين في البداية.
وفى سامراء شق المتوكل من دجلة قناتين شتوية وصيفية تدخلان جامع سامراء , وتتخللان شوارعها , وشق نهرا آخر للدخول في الحير , المدينة الإسلامية على الرغم من أنها منعزلة – نسبيا – وغير ثابتة ودون رأس أو حكومة إلا أن بينها عدد من الروابط الوظيفية المهمة والفضائل المشتركة والأنظمة الموحدة التى تميزت بها , وأعطتها الحياة في أن تبقى حية كمراكز ثقافة فعالة , إطلاق على المدينة الإسلامية مصطلح Town لوصفها في مرتبة أقل من المدن الأخرى التى يطلق عليها مصطلح City , وإذا ما عدنا إلى تصنيف الجغرافيين المسلمين لمراكز الاستيطان اتضح قياسا أن مصطلح Town يعادل مصطلح " بلد ".
ولما كان إنشاء المدن واختيار مواقعها وتوجيه العمران فيها من مهمات السلطة المركزية للدولة فقد كان لتوجيهات سياسة هذه السلطة أثر واضح على كثير من المدن الإسلامية التى ارتبطت ارتباطاً مباشراً بتحقيق هدف سياسى.
وبعدها هدأت حركة الفتوحات اتجهت سياسة التعمير في هذه المدن نحو تحويلها إلى مدن مستقرة تعتمد على نشاطاتها الاقتصادية المختلفة , بعد ما كان الاعتماد على الخراج والغنائم الواردة من البلاد المفتوحة , حيث ظهر الاهتمام بزراعة الأرض وشق الأنهار وبناء الأسواق لممارسة النشاطات التجارية والحرفية.
وارتبط إنشاء مدن العواصم باعتبارات سياسية مباشرة تحقق هدف الاستقرار في فترة التأسيس, وتكون منطلقا لتحقيق الأهداف السياسية التى ترمى لها الدولة , ويقيم " توينبى " هذه التجربة من منظور تاريخى , فيشير إلى فشل الدولة العربية في العصور الوسطى في اتخاذ عاصمة ملائمة , أو فشلها في اتخاذ مدن تؤدى دور العواصم , وعندما اتخذ العباسيون بغداد عاصمة فشلوا في السيطرة على شمال
أفريقية وإسبانيا , ويصل إلى نتيجة مفادها أن العرب لو اتخذوا سلسلة من العواصم في المدن القديمة لكانوا قد نجحوا في السيطرة على جناحى الإمبراطورية الشرقى والغربى.
وتأثر التكوين المادى لهذه المدن بوظيفتها السياسية كعاصمة للدولة , فتضمنت من التكوينات المعمارية ما يقوم بهذه الوظائف كالقصر والدواوين وبيوت الضيافة , وما يتبع ذلك من مراسم خاصة انعكست على تخطيط شوارع المدينة وميادينها وأبوابها . وقد أشرنا إلى أثر توفير الأمن للخليفة أو الحاكم في تخطيط المدينة حتى أننا وجدنا مدينة كبغداد وجه تخطيطها توجيها خاصا يحقق هذا الهدف.
ويشير ابن خلدون إلى أهمية اتخاذ المدينة مركزا للحاكم وأثر ذلك فى عمرانها , فيذكر أن هذه المدن يزداد برعاية السلاطين والحكام إياها , بينما تضمر المدن البعيدة عن هذه الرعاية والاهتمام , وازدياد عمران المدينة بمستوى معين يؤدى إلى استمرارية هذا العمران بقوة الدفع الذاتى , وعكس ذلك صحيح حيث إن ضمور المدن وخرابها يكون أسرع إذا جمدت نشاطاتها مما يؤدى إلى هجرها وموتها.
وتعتبر المنشآت المعمارية الحضارية الضخمة أحد الرموز الهامة المستخدمة كوسيلة من وسائل الدعاية السياسية , فقد اهتم المنصور بإنشاء المدينة باعتبارها رمزا لقوة الدولة , وحرص على إبراز ذلك دلالة حرصه على أن يرى مدينته من يزورها من الغرباء لتقع في نفوسهم موقعا يؤكد عظمة الدولة . وبعد أن استقرت الدولة وتخطت مرحلة التأسيس اتجه الاهتمام نحو بناء القصور الفخمة في محاولة رمزية من الخلفاء للتدليل على قوتهم وعظمتهم في تلك الظروف التى تعاظم فيها دور الوزراء من السلاجقة.
وسعى بعض الولاة في أقاليم الدولة العباسية إلى الاستقلال واتخذوا من إنشاء المدن الجديدة رمزا لهذا الاستقلال , كأحمد بن طولون الذى أنشأ القطائع عاصمة جديدة لمصر في عهده ضمت قصرا كبيرا ومسجدا جامعا بالإضافة إلى قطائع الجند من حوله . واستمر البيت الطولونى في إبراز عظمة ملكة , ودل على ذلك مظاهر الاحتفال بزفاف " قطر الندى " ابنة خمارويه بن أحمد بن طولون إلى الخليفة المعتضد بالله . ومن طريف ما يذكر أن قصرا أنشأته " العباسة " بنت أحمد بن طولون – سمى باسمها – لتستريح فيه " قطر الندى " أثناء رحلة زفافها من مصر إلى العراق , نما هذا القصر وأصبح بارض مصر في غاية الحسن والطيب

سبب انشاء سامراء:
وتعتبر سامراء من المدن الإسلامية التى كان من بين الأسباب القوية لإنشائها عدم القدرة على التكيف بين جند المعتصم " الترك " وأهل بغداد . فقد كثر جند المعتصم " حتى بلغوا سبعين ألفا , فمدوا أيديهم إلى حرم الناس , وإذ ركبوا انحطم كثير من الصبيان والعميان والضعفاء من ازدحام الخيل , فاجتمع عامة أهل بغداد ووقفوا للمعتصم وقالوا: قد عمنا أذى جيوشكم , فإما تمنعهم وإما تبعدهم عنا, و إلا حاربناك بدعاء السحر " فقال: " وإما تقبلهم فلا يكون إلا بتقبيلى , ولكنى أوصيتهم بترك الأذى" فما زادتهم الوصية إلا زيادة بدعاء السحر " فقال: هذه الجيوش لا قدرة لى بها , نعم اتحول عنا وإلا حارلناك بدعاء السحر " فقال: هذه الجيوش لا قدرة لى بها , نعم أتحول وكرامة , وسار من فوره حتى نزل سامراء وبنى دارا وأمر عسكره بمثل ذلك حتى صارت أعظم بلاد الدنيا بناء وأهلا

الحياة الإجتماعية في المدينة الإسلامية
الحياة الاجتماعية في المدينة الإسلامية يتصل اتصالا مباشرا بالحياة السياسية والاقتصادية والفكرية.
ولا شك في أن السياسة الداخلية من أبرز العوامل التى تؤدى إلى انصراف السلطة إلى الإصلاحات الاجتماعية , والعناية بالمرافق العامة وتحقيق الرفاهية الاجتماعية للشعب , كما أن الصراع السياسى غالبا ما يؤدى إلى صراع اجتماعى يفتت الوحدة الاجتماعية , ويبعثر جهود أبناء المجتمع الواحد , فقد ارتعدت حياة بغداد صراع الأمين والمأمون .
وتأثرت حياة مدن العواصم والمدن الرئيسية الاخرى بما تناله من مظاهر الرعاية والاهتمام , وانعكست سياسة الحكام واختلافها من حاكم إلى آخر على حياة المدن , ونرى ذلك في بغداد في عهد المهدى المنثور حيث ساد التقشف
والتضييق في النفقات , بينما شهدت بغداد في عهد المهدى وهارون الرشيد ألوانا من الرفاهية والترف لم تشهدها من قبل ارتباطا بسياسة التسامح والكرم التى اتسما بها , وكان لاختلاف ظروف التأسيس عن ظروف مرحلة الاستقرار أثره الواضح في ذلك فقد اتبع المنصور سياسة حازمة شديدة حتى أنه كان ينتقى عناصر سكان حاضرته الجديدة , وكان يحكم إغلاق أبوابه وأسواره , ويراقب تحركات أهالى بغداد لأنه عانى كثيرا من الاضطرابات السياسية . وعندما تولى المهدى كانت بواعث الاستقرار قد بدت فكانت خلافته مرفهة عن الناس ما كانوا يلقونه من بعض الشدة في عهد المنصور , فقد كان المنصور يؤسس ملكا له خصوم , فكان يكتفى بالريبة والظن فيعاقب بهما, فلما جاء المهدى كانت الخلافة العباسية قد توطدت , وأنياب العلويين قد كسرت , ولإن بقيت لهم بقايا تتطلع للخلافة و فهو لا يحتاج من الاحتراس منهم إلى مثل ما كان المنصور يحتاج إليه من الشدة , والذين كانوا بالمدينة اكتفى بمراقبة الأمير ولامته , ولاسيما أنه امتاز بسجايا حميدة انعكست على سياسة رعيته , فكان المهدى محببا إلى الخاص والعام لأنه افتتح أمره بالنظر في المظالم , والكف عن القتل , وأمن الخائف وانصف المظلوم , وبسط يده في العطاء.
وكان لسياسة المعتصم وإكثاره من الجند الترك والاعتماد عليهم أثر واضح في تغليب هذا العنصر على العرب والفرس , وصعود الاتراك صعودا سياسيا انعكس على حياة بغداد بعد ذلك , كما أنه أثر مباشرة في حياة العامة في بغداد – كما رأينا – وكان ذلك سببا في إنشاء سامراء التى انتقل إليها المعتصم بجنده وقادته من الأتراك.
وتأثرت حياة المدن الاجتماعية بالأحوال الاقتصادية التى مرت بها , ففى العصر العباسى عندما أحدثت سياسة العباسيين طورا آخر في الحياة الاقتصادية للمدن وخصوصا بعد الاهتمام الزائد بالتجارة , ويرتبط الازدهار الاقتصادى للمدن ارتباطا أساسيا بسياسية العمران وانشاء المدن واختيار مواقعها وتخطيط مواضعها

abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المدينة الاسلامية Empty رد: المدينة الاسلامية

مُساهمة من طرف abdelhamid الثلاثاء 10 يونيو 2008 - 21:17

الجنسيات الغربية في المدينة الاسلامية الحياة العامة
معظم الخلفاء العباسيين يختارون زوجاتهم وأمهات أولادهم من الفارسيات والتركيات , حتى أ،ه من بين الخلفاء العباسيين لا نجد إلا ثلاثة فقط من أبناء الحرائر وهو ابو عباس السفاح والمهدى والأمين.
وامتد الأثر إلى العادات والتقاليد التى تأثرت واضحا بهذه التيارات مختلفة المصادر, وبقيت اللغة العربية سيدة موقفها , بل إنها فرضت نفسها على الفرس وغيرهم. وشكل أهل الذمة فئة من فئات مجتمع المدينة الاسلامية قلت نسبته أو زادت حسب طبيعة هذه المدينة أو تلك , واشتغلت الفئات الدينية منهم بالحرف والصناعات التى توارثها وظلوا محتفظين بتقاليدها في كثير من المدن حتى وقتنا الحاضر.
يعتبر الرقيق من الفئات الدنيا التى شكلت مجتمع المدينة الاسلامية , وكثر جلب الرقيق إلأى قصور الحكام والخلفاء في المدن الاسلامية , وزخرت أسواق الرقيق في كثير من المدن الاسلامية كبغداد والقاهرة.
وتنوعت استخدامات الرقيق في الخدمة في القصور ولاسيما الجوارى , ومنهم من حمل السلاح وترقى إلى أعلى المناصب وخصوصا بعدما يعتقون , وكان ذلك هو السبيل الذى انطلق منه المماليك إلى السلطة

الأصناف والحرف والنقابات والحياة الاجتماعية
ارتبط تطور حياة المدينة الاسلامية ارتباطا وثيقا بتطور حياتها الاقتصادية , وقد أدى التحول الاقتصادى الذى شهده العصر العباسى إلى ظهور طبقة رأسمالية تضم كبار التجار وأصحاب المعامل وكبار الموظفين , زاد من قوتها وتوسيع فعاليتها ظهور طبقة من أصحاب المصارف الذين هم تجار في الأصل أخذوا يتاجرونه بالنقون. وصاحب توسعة المعامل وتكثيف الزراعة تجميع العمال وتكتلهم في محل واحد أو رقعة واحده. وهذا قوى الشعور بالمصلحة المشتركة بالأهمية.
ومع إرتفاع مستوى المعيشة وغلاء الأسعار في أواخر القرن الثانى الهجرى، وأوائل القرن الثالث الهجرى دون حصول إرتفاع مقابل في الأجور، وما حدث من فوضى عامة أحدثتها سيطرة الجند الترك- عرقلت الأعمال الحرة وأضرت بأصحاب
الحرف قبل غيرهم ، فظهرت البطالة وروح التمرد والنقمة ولا سيما على الطبقات الغنية والحاكمة.
ومن جهة أخرى تطورت وظيفة عامل السوق التى أقرها الرسول إلى وظيفة الحسبة التى تنطلق من مفهوم اسلامى ينطلق من النص القرآنى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر".
وهدفت السلطة من خلال نظام الحسبة إلى تنظيم الحياة التجارية والسيطرة على الاسواق من خلال المراقبة المستمرة منعاً لاى اختلال قد يحدث، أو تحسباً من تجاوزات المتعاملين في السوق بغير وجه حق بما يضعف ثقة التعامل ، ويمنع استتباب الامن والاستقامة والتعاون بين العامة والتجار.
وتولى وظيفة الحسبة " المحتسب" الذى حتمت عليه ضرورة القيام بأعباء وظيفته الاستعانة بعصبة خيرة من الأعوان والغلمان " الصبيان" وغالباً ما أختار المحتسب إلى جانب ذلك مجموعة من " العرفاء" من أصحاب المهن والحرف المختلفة ليكونوا له عوناً في كشف التلاعب ورصد الغش وحصر المخالفات في نطاق الحرف والمهن التى يمثلونها.
مما سبق يتضح أن الأصناف والحرف نشأت مع تطور الاسواق والحياة الاقتصادية بالمدينة، واتصلت بالحركات الثائرة التى ظهرت في العصر العباسى لظروف التكوين الاجتماعى، ثم تطورت وفق ظروف المجتمع الاسلامى المرتبطة بوجود تيارات دينية كالتصوف، وظهور جمعيات " الأخية" في الاناضول.
وفى إطار نشأة الأصناف والحرف في بداية العصر العباسى وتطورها إلى ما يسمى النقابات في فترة لاحقة متأخرة (16-19) يمكن أن نقول أن الأصناف والحرف، ثم بعد ذلك النقابات ، كانت في كل المدن الإسلامية ولم يرتبط وجودها بقيام حركات شعبية ثائرة ، بل اقتصر ذلك على بعض المدن دون غيرها، وهو ما يؤكد بعد الأصناف والحرف والنقابات عن اتجاهات المقاومة السياسية.

المراجع :
العربيــة :
1-تخطيط المدن وتاريخه: د م/ محمد حماد – الطابعة الأولى – القاهرة – 1988.
2-تاريخ تخطيط المدن – توفيق عبد الجواد .
3-المدينة الإسلامية – د/ محمد عبد الستار عثمان – 1988م – 14080هـ .
4-المدينة على مر العصور – ترجمة إبراهيم نصحى – سلسلة المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب – الكويت.

الأجنبيــة :
1-Islamic Architecture – John D. Hoag .
2-Architecture of the Islamic Word. Texts by Ernst J. Grube and his partners
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى