البشاعة لا تتضمن دائما المنفر و القبيح، بل من إيجابياتها أنها تعطي مدلول الجمال عمقا و توسع مداركه في وعي الناس. تماما مثلما هو شأن الفوضى التي بترز اهمية النظام و قيمته.

مناسبة القول هي ما يعيشه العالم الأن من صحوة تشكل قفزة على مستوى الوعي، حتى إن كان هذا ليس مبعثه التفاؤل و سيادة القيم النبيلة. بل مصدرها الثقل الذي جثم على صدر الإنسانية جمعاء جراء سياسة رجل مجنون كان اول ما فعله يوم دخل ذلك البيت الذي ينعت بالأبيص، انه كشف حذاء رعاة البقر الذي كان ينتعله.هذا الرحل الذي حمل عن جدارة أحلام العصابات السياسة و أغنياء الحروب و طموح المرابين و مخططات الصخيونية التي تعتبره أبنا لم تنجيه بطنها.

لقد حبس العالم كله انفاسه و هو ينظر لنفسه أسيرا بيد مجنون، و يعض أصابعه ندما وهو يترقب النهاية المسار. ذلك المسار الذي لن يعرف نهاية تلقائية بخروجه، بل سيظل تأثيره ماثلا و موشوما في ذاكرى الكثير من الشعوب و الامم لعقود عدة، حتى ان أكثر المتفائلين بقدوم الساكن الجديد، لن يكون بمستطاعه أن ايطرح اكثر من مجرد سؤالفيما إن كان هذا القادم من عرق مختلف يستطيع أن يبيض بعض ما سوده ذلك الأبيض؟

جورج بوش يرحل إذن، مخلفا الإنسانية تلهث من جراء الركض المجنون الذي دقع بها صوبه في مشوار كان يبدو بدون نهاية، وهي الان لا تملك أكثر من ان تنظر حواليها لتطالع حجم الدمار الذي خلفه ذلك الغعصار غير المسبوف، و تستحصر في الوقت نفسه ما تم تغييبه في خضم ذلك الركض المسعور، و ما تم أنباته من طفيليات في ذلك المخاض العسير. وهو استخضار لن يكون مطبوعا بالتفاؤل على كل خال، و السبب أن ما تم زرعه قد خصل في زمن كان فيه ضمير العالم و وعيه مغيبا، و بالتالي فالحرية التي دعا إليها بوش ومارس تحت رايتها حروبه القذرة ليست هي الحرية التي وعاها البشر عبر تاريخ تطور البشرية. و الديمقراطية التي تشر لها بوش لم تكن هي الديكقراطية المنبعثة من تطور الإنسانية، ولنا ان نتأمل الأنظمة و التماذج التي اعتبرها بوش ديمقراطية. و الاقتصاد الذي رعاه بوش فقد رأى هو نفسه في عهد ولايته أي زهرة تلك التي سخر كل طاقاته من اجل نموها.

تتوقف فصول الجنون إذن، و يرحل بوش مخلفا عالما مليئا بالأزمات على كل المستويات بسبب سياسته الحمقاءووضعية متازمة لم يعش العالم مثيلا لها من قبل. وكل ذلك بسبب طيشه الذي خلف الدمار يمينا و يسارا، و رهن مصير البشرية لعقود عدة قادمة. وعمق الأحقاد و ايقظ في النفوس الطائفية و و شهية الفتن، و اعاد العالم إلى ردهات العصور المظلمة المليئة بالتعصب و الأحقاد. و تتطلع البشرية الأن إلى هذا الربان الجديد ذي المواصفات المختلفة باعتباره "ابن الكون" قبل ان يكون ابن أمريكا، وما إن كان شعاره سيظل حبيس جغرافية امر يكا أم أنه سيمضي مع الريح في كل صوب ليجتث ما زرعه سافه المجنون، أم تراه سيترك لنا ان نعتبر من سيرته لننجز لأوطاننا ما انجزه لأمته؟