تحويل القبلة ..والدروس المستفادة..

في حياة رسولنا الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم مواقف مشرفة وجوانب
مشرقة تفيض بجوامع الحكم وتتحلي بالصبر الجميل في مواجهة الشدائد واللجوء
إلي الله يظل الطريق الوحيد لتحقيق الأمل. والرجاء دائما هو الأسلوب
الأمثل لتفريج الكروب وتلبية المطالب تركه لنا سيد الخلق لكي نقتدي به.
ونتخذه أسوة طيبة في حياتنا. نتعلم وندرك انه لا سبيل سوي هذا الطريق اذا
أردنا تحقيق الأهداف وبلوغ أقصي درجات النجاح في الدنيا والآخرة.

سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم تعلق قلبه بالمسجد الحرام وارتبط
بأنواره وبركاته منذ كان طفلا يجلس في موقع جده عبدالمطلب في جوار الكعبة.
يعشق المكان. وحينما كان يحاول أي فرد من المقربين لجده ان يمنع "محمداً"
من الجلوس في مكان عميد بني هاشم كان عبدالمطلب ينهره ويقول دعوه يجلس فإن
ابني هذا سيكون له شأن عظيم.

هذه المشاعر ترسخت في أعماق سيدنا محمد واستمرت أنوارها في رحابه
ولذلك بعد ان خاطبه ربه قائلاً: "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" كان
دائم التطلع إلي الله راجيا ان يستجيب لندائه وان يجعل المصلين الذين
استجابوا لربهم واتجهوا اليه في صلاتهم. وقد تجسد هذا النداء في أن يأذن
الله للمصلين في الاتجاه الي المسجد الحرام بدلا من الاتجاه الي بيت
المقدس. ولم يقتصر النداء علي مجرد نداء وانما كان التطلع وتكرار هذا
الأمر هو الوسيلة الأساسية التي لجأ اليها الرسول في هذا الطلب وقد أخبر
الله عز وجل في القرآن عن ذلك في قوله تعالي: "قد نري تقلب وجهك في السماء
فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا
وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله
بغافل عما يعملون" 144 سورة البقرة.

تضرع رسول الله صلي الله عليه وسلم وتقلب وجهه في السماء كان هو أفضل
مثال ضربه الله لنا لكي نتعلم من الرسول. وأن الاعتصام بحبل الله والتوجه
اليه وعدم الحياد عنه استمرار ذلك وعدم اليأس ومداومة الطلب والالحاح لكي
يصبح الهدف والطموح حقيقة علي أرض الواقع. وقد ضرب الرسول ذلك التصرف
ميدانيا فقام في جنح الليل وفي كل وقت يرفع اكف الضراعة الي ربه فجاءت
النتائج مثمرة وأصدر الله أوامره للنبي ولكل المسلمين بأن الاتجاه في
الصلاة للمسجد الحرام وفي أي ركن من أركان الدنيا يكون الاتجاه إلي البيت
الذي وضعت الملائكة أساسه وأن الصلاة لا تصح بدون الاتجاه اليه.

ومن أهم الدروس المستفادة من هذا العمل لسيدنا محمد صلي الله عليه
وسلم ان الصبر وعدم القنوط والدأب والاصرار في ذل وانكسار في الاتجاه إلي
الله. هو طريق الفلاح. وأن العمل وحسن النية والأمل في رب العباد
والابتعاد عن أي وساوس أو هواجس للشيطان وان الهمة والنشاط والتقوي والعمل
الصالح كلها السبيل لبلوغ الأهداف.

ومن الدروس أن السفهاء من الناس كانوا يتشككون في كل عمل طيب لرسولنا
الكريم وهم كذلك في كل زمان ومكان دائما يعطلون المسيرة ويفتعلون العقبات
ويطلقون الأقاويل ويصدرون الاشاعات وان كل من يتصدي للعمل وخدمة الناس
والاتجاه بهم إلي الطريق الصحيح يجب ألا يلقي بالا لهؤلاء ولا ينصت لأي
كلام يصدر منهم لأنهم معوقون ولا يريدون لأي عمل ان يؤتي ثماره فهم دائما
أعداء النجاح وهواة ايقاف وتعطيل المراكب السيارة وقد عبرت آيات القرآن عن
ذلك بأفضل الكلمات وأحسن العبارات حينما أخذوا يبذرون الشكوك نحو تحويل
القبلة من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام يقول الله: "سيقول السفهاء من
الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من
يشاء إلي صراط مستقيم".

هذه الأمثلة وتلك الأخبار عن مسيرة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
يضعها الله أمام سائر البشر لكي تكون نبراساً تهتدي به الأمة "كنتم خير
أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن
أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون" 110 سورة آل
عمران. والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم.
السيد العزاوي