جغرافيا ولصوص/عبدالله المتقي
صفحة 1 من اصل 1
جغرافيا ولصوص/عبدالله المتقي
الباب
الباب
من خشب العرعار، مغلق ، أخضر، باهت ، وفي مواسم الصيف يظل فاغرا فمه حتى
في الليل، لأن خالتي لا تتحمل الصهد ، وأحيانا يكاد يخنقها غشت.أما أنا...
فكان ينام فوق العتبة ، ونفس الحلم يتكرر:
( أدخل من باب قديم ، ما
يشبه الممرات ، ثم نفس الباب ، ونفس الرقم ، نسيت أن الباب من خشب باهت
وأخضر، وفي فصل الشتاء ، يحرص أبي على إغلاقه بمفتاح صدئ على مقاس ذراعي
الصغير ، خوفا من الشفارة )
الخابية
خالتي تقول لأمي في الشتاء :
- « الماء سمين «
وفي
غشت ، تغير رأيها ، تسكن قريبا من الخابية ، وتحلم بالثلج ، والبجع،
والمطر، والأدوية الشعبية ، وفي نهاية كل حلم ، كان جدي يمشي في نفس
الممرات ، يدخل نفس الباب ، نفس الرقم ، ونفس الفرشاة .
أما أنا...
)
فحين يقبل ليل الشتاء ، أ شعل لخالتي الفانوس ، أ تربع أمامها ، فتحكي عن
جدي الذي كان يعشق الصباغة والعيطة الحوزية ، وحين أتعب من ألوان الحكاية
، أنام في أقصى هذه الغرفة الطينية والباردة ، أحلم بجزيرة من الإيقاع
والتناغم ، وقد أستيقظ ، كي أسترق السمع للمطر، وأتلذذ بضوء الفانوس يعبث
به برد الشتاء (
بيت النعاس
في بيت النعاس، سرير خشبي
متهالك،عليه ماعليه من غطاء قديم ،وسادتان وثمة طاقية ، صندوق ملابس،
جسدان يختفيان تحت الغطاء، ومشهد غريب بين آدم وحواء، لم أتمكن من معرفة
تفاصيله الأخرى ، لكن خالتي لخصتها قائلة:
- عفريت زرق أنت
) قد
تستغربون إذا قلت لكم: أنه بعد يومين ، اختفيت من بيت النعاس ، ونمت مع
خالتي وإخوتي في غرفة فقيرة ، بعدما كنت أنام دافئا بين حواء وآدم ، في
السرير الخشبي المتهالك، وأسمع ما يشبه خريرا لزجا .(
الكشينة
كنت نائما ، واستيقظت لأرى أشعة الشمس مسلطة على وجهي مباشرة ، كانت أختي
نائمة هي الأخرى ، وحين فتحت عينيها لم تجدني ، كنت جالسا فوق دكة جوار
الباب ، أتأمل صباح الحارة، وأحيانا أحرك رأسي يمينا وشمالا .
يبدو أن
كلبا يقترب من الدكة ، خفت ، وبحركاتي التي انفعلت ، انحنيت ، التقطت حجرة
، ثم رميتها بقوة لتصيب الكلب ، نبح ، تجهمت أنيابه ، هربت ، تبعني ، وفي
الكشينة ، نشب كل فمه في فخذي العاري والصغير ، ثم نظر كلانا إلى الآخر،
ولأني لست مثله ، خرج هو من الباب ، دخلت أنا الكشينة ، كي أضمد العضة
بطحين الفلفل الحلو
المرحاض
بعد ربع ساعة من الزمن، يصل أبي إلى الخلاء
ومضت أمي لا أعرف إلى أين ؟
أما أنا ، فكنت أبتعد عن الطريق فقط
البئر
كانت دارنا دوما عامرة، تعج بأصوات الجيران، الماء يمشي على الأرض، يقف، يتجمع في دوائر ولا يتعفن، والدلو فقد أذنه اليمنى .
تؤوب
عمتي من فيلا النصارى ، تحمل لنا خبزا أبيض ، سمكا مقليا ، ولعبا تجنن ،
وحين ترى الدلو بأذن واحد ، تغلق فم البئر، وتسب الجيران بكلام عار ،
تتدخل جدتي :
- « نهاك الله آبنيتي «
تحتسي جدتي نفس الكلام ، تغضب
، وتغلق عليها غرفتها القديمة ، ولا تفتحها عمتي إلا صباح يوم العيد، تبوس
قنة جدتي ، وحينها يفتح البئر فمه ، ويشتري عمي دلوا جديدا بأذنين كبيرتين
كالحمار.
قبة الضريح
قبة الضريح بلقاء وفوقها جامور أخضر ينتصب بلا حياء ، الصحراوي يسهو ويحلم بالجامور، عمتي تسهو وتحلم بالقبة .
تهمس جدتي لجارتها :
( بنتي سخونة، وذنوبها على زنقة نجمة واحدة )
قبة
الضريح باردة ، وقنة عمتي باردة بالحناء ، يبدو أنها حائض ، ورغم رائحتها
النتنة ،يداعب الفقيه الصحراوي شموع الزوار بأصابعه السمراء ، تبتسم عمتي
، وبعد الغروب يلعبان الغميضة في القبة ، وأبقى أنا قريبا من صندوق الولي
الطاهر والمدكوك بالشموع ، أمص حلوى الساعة ، وأضرسها . وحين يجن الليل،
أكاد أقلع (قزيبتي)، تحشوها أمي بقطعة صابون، تبرد ، وأنام كي أحلم
بالصحراء وبالناقة والجمل، والفقيه الصحراوي الذي لعب مع عمتي .
الشفارة
الليل أعمى ، أمي نائمة تحلم بأبي ، أبي خارج البيت ، أنا وأختي شبه مندغمين خوفا من ( ماما غولة )، ثم ننام بفعل إيقاع الصراصير.
في
الصباح ، أفتح عيني بصعوبة على صراخ أمي تضرب فخديها ، الباب تكسرت ضلوعه
، الخابية تهشمت ، بيت النعاس أبيض وحاف من الأفرشة ، البئر فاغر فاه
مندهشا ، الصحراوي وعمتي يتفرجان .
( شاخت أمي ، ابيضت عيناها من
البكاء ، مات الصحراوي بسرطان في جهازه التناسلي، توقف قلب عمتي وفي يدها
اليمنى باقة نعناع ، ثم عاد أبي من سفره ذات مساء مشلولا فوق عربة
كهربائية )
الباب
من خشب العرعار، مغلق ، أخضر، باهت ، وفي مواسم الصيف يظل فاغرا فمه حتى
في الليل، لأن خالتي لا تتحمل الصهد ، وأحيانا يكاد يخنقها غشت.أما أنا...
فكان ينام فوق العتبة ، ونفس الحلم يتكرر:
( أدخل من باب قديم ، ما
يشبه الممرات ، ثم نفس الباب ، ونفس الرقم ، نسيت أن الباب من خشب باهت
وأخضر، وفي فصل الشتاء ، يحرص أبي على إغلاقه بمفتاح صدئ على مقاس ذراعي
الصغير ، خوفا من الشفارة )
الخابية
خالتي تقول لأمي في الشتاء :
- « الماء سمين «
وفي
غشت ، تغير رأيها ، تسكن قريبا من الخابية ، وتحلم بالثلج ، والبجع،
والمطر، والأدوية الشعبية ، وفي نهاية كل حلم ، كان جدي يمشي في نفس
الممرات ، يدخل نفس الباب ، نفس الرقم ، ونفس الفرشاة .
أما أنا...
)
فحين يقبل ليل الشتاء ، أ شعل لخالتي الفانوس ، أ تربع أمامها ، فتحكي عن
جدي الذي كان يعشق الصباغة والعيطة الحوزية ، وحين أتعب من ألوان الحكاية
، أنام في أقصى هذه الغرفة الطينية والباردة ، أحلم بجزيرة من الإيقاع
والتناغم ، وقد أستيقظ ، كي أسترق السمع للمطر، وأتلذذ بضوء الفانوس يعبث
به برد الشتاء (
بيت النعاس
في بيت النعاس، سرير خشبي
متهالك،عليه ماعليه من غطاء قديم ،وسادتان وثمة طاقية ، صندوق ملابس،
جسدان يختفيان تحت الغطاء، ومشهد غريب بين آدم وحواء، لم أتمكن من معرفة
تفاصيله الأخرى ، لكن خالتي لخصتها قائلة:
- عفريت زرق أنت
) قد
تستغربون إذا قلت لكم: أنه بعد يومين ، اختفيت من بيت النعاس ، ونمت مع
خالتي وإخوتي في غرفة فقيرة ، بعدما كنت أنام دافئا بين حواء وآدم ، في
السرير الخشبي المتهالك، وأسمع ما يشبه خريرا لزجا .(
الكشينة
كنت نائما ، واستيقظت لأرى أشعة الشمس مسلطة على وجهي مباشرة ، كانت أختي
نائمة هي الأخرى ، وحين فتحت عينيها لم تجدني ، كنت جالسا فوق دكة جوار
الباب ، أتأمل صباح الحارة، وأحيانا أحرك رأسي يمينا وشمالا .
يبدو أن
كلبا يقترب من الدكة ، خفت ، وبحركاتي التي انفعلت ، انحنيت ، التقطت حجرة
، ثم رميتها بقوة لتصيب الكلب ، نبح ، تجهمت أنيابه ، هربت ، تبعني ، وفي
الكشينة ، نشب كل فمه في فخذي العاري والصغير ، ثم نظر كلانا إلى الآخر،
ولأني لست مثله ، خرج هو من الباب ، دخلت أنا الكشينة ، كي أضمد العضة
بطحين الفلفل الحلو
المرحاض
بعد ربع ساعة من الزمن، يصل أبي إلى الخلاء
ومضت أمي لا أعرف إلى أين ؟
أما أنا ، فكنت أبتعد عن الطريق فقط
البئر
كانت دارنا دوما عامرة، تعج بأصوات الجيران، الماء يمشي على الأرض، يقف، يتجمع في دوائر ولا يتعفن، والدلو فقد أذنه اليمنى .
تؤوب
عمتي من فيلا النصارى ، تحمل لنا خبزا أبيض ، سمكا مقليا ، ولعبا تجنن ،
وحين ترى الدلو بأذن واحد ، تغلق فم البئر، وتسب الجيران بكلام عار ،
تتدخل جدتي :
- « نهاك الله آبنيتي «
تحتسي جدتي نفس الكلام ، تغضب
، وتغلق عليها غرفتها القديمة ، ولا تفتحها عمتي إلا صباح يوم العيد، تبوس
قنة جدتي ، وحينها يفتح البئر فمه ، ويشتري عمي دلوا جديدا بأذنين كبيرتين
كالحمار.
قبة الضريح
قبة الضريح بلقاء وفوقها جامور أخضر ينتصب بلا حياء ، الصحراوي يسهو ويحلم بالجامور، عمتي تسهو وتحلم بالقبة .
تهمس جدتي لجارتها :
( بنتي سخونة، وذنوبها على زنقة نجمة واحدة )
قبة
الضريح باردة ، وقنة عمتي باردة بالحناء ، يبدو أنها حائض ، ورغم رائحتها
النتنة ،يداعب الفقيه الصحراوي شموع الزوار بأصابعه السمراء ، تبتسم عمتي
، وبعد الغروب يلعبان الغميضة في القبة ، وأبقى أنا قريبا من صندوق الولي
الطاهر والمدكوك بالشموع ، أمص حلوى الساعة ، وأضرسها . وحين يجن الليل،
أكاد أقلع (قزيبتي)، تحشوها أمي بقطعة صابون، تبرد ، وأنام كي أحلم
بالصحراء وبالناقة والجمل، والفقيه الصحراوي الذي لعب مع عمتي .
الشفارة
الليل أعمى ، أمي نائمة تحلم بأبي ، أبي خارج البيت ، أنا وأختي شبه مندغمين خوفا من ( ماما غولة )، ثم ننام بفعل إيقاع الصراصير.
في
الصباح ، أفتح عيني بصعوبة على صراخ أمي تضرب فخديها ، الباب تكسرت ضلوعه
، الخابية تهشمت ، بيت النعاس أبيض وحاف من الأفرشة ، البئر فاغر فاه
مندهشا ، الصحراوي وعمتي يتفرجان .
( شاخت أمي ، ابيضت عيناها من
البكاء ، مات الصحراوي بسرطان في جهازه التناسلي، توقف قلب عمتي وفي يدها
اليمنى باقة نعناع ، ثم عاد أبي من سفره ذات مساء مشلولا فوق عربة
كهربائية )
العلم الثقافي
25/12/2009
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى