صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

'الرحلة إلى مكة': فيلم عن ابن بطوطة بين الغرب المهتم والغرب المتهم

اذهب الى الأسفل

'الرحلة إلى مكة': فيلم عن ابن بطوطة بين الغرب المهتم والغرب المتهم Empty 'الرحلة إلى مكة': فيلم عن ابن بطوطة بين الغرب المهتم والغرب المتهم

مُساهمة من طرف izarine الإثنين 11 يناير 2010 - 12:35

الرحلة إلى مكة هو عنوان هذا الفيلم عن موسم الحج والرحالة إبن بطوطة. وهو عنوان نابض ومتحرك في تضاريس دلالية متعددة. عنوان في دلالته المباشرة يصارح المشاهد الغربي بمضمون آخر عن الإسلام. وفي إحالته الأدبية يذكر المشاهد العربي بهذا اللون الأدبي الأخاذ والشيق، الذي يجمع بين المعرفة والمتعة: أدب الرحلة والذي للأسف قلت الأقلام التي تتناوله، أو على الأقل تتناوله بدون براغماتية الخطاب الجيوسياسي. ولولا بعض عيناته التي لا زال من خلالها ينبض بحياة صعبة وسط الكم الهائل من الصور الجغرافية المتحركة، لانقرض هذا الفن الأدبي مثلما انقرضت قبله الملحمة وألوان أدبية أخرى. وأقصد هنا هذه الأعمال الرائعة في سياق أدب الرحلة لكاتب سيناريو الفيلم نفسه، الكاتب الانكليزي الأفغاني طاهر شاه في حيز الأدب الغربي، وكذلك كتاب أمجد ناصر المعنون تحت أكثر من سماء، في سياق أدبنا العربي. عنوان الفيلم الانكليزي أصلا يحيلنا قبل كل شيء لحقيقة أدب الرحلة في الأرشيف الأدبي العربي: يذكرنا أن أدب الرحلة كان في الأساس هو أدب الرحلة إلى مكة.
الرحلة إلى مكة فيلم يتناول شخصية تاريخية عربية واسلامية من طراز ابن بطوطة، كتسجيل يخترق فضاء الحرم المحرم، وكحبكة تنهل من كتاب أم في الثقافة العربية ككتاب الرحلة، فيلم كهذا لا بد وأن يكون محط لبس وملابسات، نقد وتناقضات.

المشاهدة المبتورة

مقابل أصوات الاستحسان الذي لقيه في الغرب هذا الفيلم التسجيلي الحكائي، أو الدوكودراما، من إخراج 'بروس نيبور' نجد في حيزنا الثقافي العربي والمغربي خصوصا صدى الانتقادات التي عابت عليه في أكثر ما عابت، سطحية تناوله للشخصية التاريخية إبن بطوطة. انتقادات مشرعنة شيئا ما لأن انطباع الاحباط والاستياء هو أول ما يشعره المتفرج العربي المسلم بعد مشاهدة سينمائية ليس دافعها التعرف على مكة أو البعد الانساني لمناسك الحج، وإنما معالجة سينمائية هوليوودية لمغامرات إبن بطوطة. وهذا عكس ما قد يحصل للمتلقي الغربي الذي يجد في الفيلم أخيرا ما يروي عطش فضوله المعرفي تجاه الاماكن الاسلامية المقدسة. لأول مرة سيتخطى المتلقي الغربي عتبة هذه الأماكن المحضورة عليه واقعيا بالبنذ القانوني الوضعي، وثقافيا بالحجاب التعتيمي للصور المنمطة الرائجة عليها. ربما، وبكل شرعية ما يبغي المتلقي العربي المسلم هو إشباع شره تحقيق الذات بصريا عبر الاحتفال السينمائي بأيقونة تاريخية محلية كابن بطوطة. المشاهد العربي المسلم له حق في الصورة عن تراثه: حق إبن بطوطة في البطولة الضوئية، وحق كتاب الرحلة في الملحمة السينمائية.
لن يختلف الأمر بالنسبة لمشاهد عربي مسلم من نوع خاص. لنقل هذا المثقف الذي تمحص جيدا في شخصية ابن بطوطة كرحالة وشخصية إشكالية لها طريقة تعاملها مع الدين وأمور الدولة. مثقف خبر إبن بطوطة كرحالة إتنولوجي بدافع ميتافيزيقي، يدون لسير الأولياء والصالحين في كل مكان داخل الحيز الجغرافي لدار الاسلام، والتاريخي لعصر بني مرين في الدولة المغربية.
قد يستنكر هذا المثقف عبثية منتجي الفيلم باقتضاب خمس وعشرين سنة من التجوال بكل أخطارها ومفاجآتها في رحلة دامت ثمانية عشر أشهر. وقد يستغرب لهذه الجرأة الوقحة في تقليص أربع وأربعين دولة حديثة وما يناهز سبعة وسبعين ألف ميل من المسافة في خط شمال إفريقيا، وبعض مدن الشرق الأوسط. مثقف من هذه العينة إن كان ينتمي لثقافة متمركزة حول اللفظ والمخطوط، ولا يملك أي حساسية للوسائط التعبيرية الجديدة، وقد يكون لا زال يقارب فن الصورة بعقلية المؤامرة الغربية الاستعمارية، حتما لن يجد في نسخ مضمون كتاب الرحلة سينمائيا سوى مجرد مسخ لهذا الأخير. في نظر هذه الشاكلة من المثقفين، والمتحجرة في فكرة عن الثقافة وفكرة عن الإبداع، فيلم بروس نيبور، وأي فيلم عن ابن بطوطة مصدره غربي، سيكون مجرد تحريف وتقزيم لعلم مسلم قصد الإساءة إليه. وبالفعل، لم ولن يغيب عن الساحة الثقافية العربية من سيردد أن فيلم الرحلة إلى مكة مس من الاستشراق و'حق' ثقافي غربي أريد منه باطل.
فيلم عن إبن بطوطة كما ذكرنا في عتبة هذه المقاربة المحدودة في افق اجتهادنا، هو لا محالة مجال لالتباسات عديدة. ولكن ليست بالضرورة سلبية. فيلم يجمع بين المتعة والدرس، التسجيل والحكاية يظل بالضرورة المقابل الصوري لكتاب الرحلة، والذي هو الآخر بمقاييس العصر كان يجمع المتعة الأدبية بالدرس الأنتروبولوجي.
الفيلم والكتاب يلتقيان إذا في نقطة التجاذب الاسلوبي بين المخيال والأكاديمية، بين التاريخ والرواية، بين التوثيق والحكاية، وبين نصية المتن والتناص الذي تدشنه حوارية هذا النص مع الذاكرة الأدبية والظرفية الآنية الواقعية.
أقل ما يقدمه هذا الفيلم هو مناسبة أخرى للوقوف على شبكة الإلتباسات التي تعترينا في عملية القراءة، خصوصا بشكلها الجديد الذي هو المشاهدة. أي التباس يخلقه الفيلم هو عنصر مفاجأة للمتلقي القارئ والمشاهد على السواء: الالتباس هو عنصر متعة إذا. متعة تتأتى من هذه الحوارية بين نص الرحلة المكتوب والمطول ونص الرحلة المصور والمقتضب: إنها متعة توليد الجديد من خلال المفارقات التي تتضمنها بالضرورة كل جدلية تداخل متن في آخر. فيلم الرحلة إلى مكة اخرج كتاب الرحلة بالمعنى السينمائي في أهم ما يتضمنه ككتاب: أبان عن طاقته الهائلة في قدرته وإمكانياته اللامحدودة على التولد والتوليد. إمكانية لا يتميز بها إلا النص الأدبي الذي يمتنع عن القراءة الوظيفية والمغرضة.
هذه الحوارية النصية بين السينما والأدب بين الدوكودراما والتاريخ وبين جديد المشهد والذاكرة الثقافية أعادت تشكيل العلم إبن بطوطة بمقصودية جديدة. أقل ما سيترتب عن هذا التشكيل الجديد هو هذه اللغة الجديدة وهذه الدلالة المستجدة.

حتمية الرحلة بين الصورة والنسخة

في كتابه لسان آدم خصص عبد الفتاح كيليطو فصلا عن إبن بطوطة كتب فيه:
بعد أن أملى إبن بطوطة حكاية أسفاره، اختفى أثره ولم يعد يسمع عنه أي شيء. بعد إتمام كتاب الرحلة، لم يبق لابن بطوطة أي دور مهم للقيام به. فقط الكتاب وحده سيترجم للغات عديدة ويتجول العالم وربما قد يصل لأقطار لم يصلها المؤلف نفسه' عبد الفتاح كيليطو لسان آدم 1995.
على ضوء هذه الملاحظة يمكن مقاربة كتاب ابن بطوطة كمؤلف يحمل عنوانا متضمنا لحتميته في مجال الشغل الثقافي. كما اشترطت رحلة الرحلة الكتابية غياب المؤلف إبن بطوطة اشترطت رحلة الرحلة السينمائية غياب هذا المؤلف في مقابله التشخيصي داخل اللغة الجديدة أي اللغة السينمائية. وإنها فعلا لمفارقة غريبة أن يكون من سيخلد إبن بطوطة في الشاشة هو شخص يحمل أحد أسمائه: شمس الدين. شمس الدين زينون 'هو الممثل المغربي الذي تطابق مواصفاته البدنية مواصفات إبن بطوطة' على الأقل كما جردها طلال حرب في تحقيقه للكتاب. هذا الممثل الذي ظل محتشما في حضوره الضوئي قدم أداء فيه من التماهي والصدق ما سيجعل شمس الدين الاسطورة يخلد حقيقة في وجه شمس الدين الشاشة. لكن حتمية التحقق في الغياب ستلاحق ابن بطوطة النسخة مثلما لاحقت ابن بطوطة الأصل. فبمرور أسبوعين بعد الاشتغال على الشريط الصوتي في كندا سيترك الممثل صوتا لابن بطوطة يتكلم لغة عالمية كلغته العربية بمقاييس زمن رحلته. ويعود لبلده المغرب حيث يتلقفه الموت في حادثة سير في الدارالبيضاء. شهورا بعد ذلك تم العرض الأول للفيلم فقط بحضور شمس الدين الشخصية والدور وبغياب الانسان في كليهما. وكما شمس الدين إبن بطوطة سيرحل كذلك شمس الدين زينون قبل الوقوف على عظمة عمله.
التحقق في الغياب كذلك هو التحقق من خلال التغيير. إبن بطوطة نفسه لم يتحقق إلا كغريب. تشكلت شخصيته في حيز الاغتراب. مؤلفه تحفة النظار في عجائب الأسفار.. الرحلة هو الآخر يستجيب لهذه المفارقة ويصير مضمونا يتشكل في رحلاته المتعددة بين اللغات والتحقيقات والتأويلات لا ينقصها ضرب من العجائبي والغرائبي حسب تنوع الأساليب والأقلام التي تناولته. بعد ستة قرون من الرحلة يرسو المؤلف في محطة لغوية وأسلوبية أخرى. هذه المرة يغير المؤلف جلده من اللغة اللسنية إلى اللغة السينمائية التي تعتمد الصورة المتحركة. ربما في هذه المرحلة من مراحل التحولات يستجيب هذا المؤلف أخيرا لرغبة صرح عنها من عنوانه وهي خلق انطباع الحضور والمشاهدة في القارئ تجاه محتويات مضمونه. بعنوان كتحفة النظار هناك هذا الطموح في خلق ما يسمى في لغة الحرفة السينمائية بانطباع الواقع.
هي مفارقة كون اللغة الأخيرة التي رصى عليه نص الرحلة بطموحه في خلق صورة عن الكون هي اللغة الأكثر كونية. فالسينما لغة عالمية ربما لو توفرت في زمن إبن بطوطة لاستغنى عن رحلته. أو قام بها كمخرج وثائقي وتسجيلي أي وهو يحمل كاميرا رقمية في متاعه. فمقاصد السينما كلغة عالمية ولغة حقيقة واستكشاف تنسجم وطموح المؤلف الرحالة. مثل سينما تسجيلية مباشرة كان ابن بطوطة يلتقط مشاهد المواقف والوقائع التي اعترته واعترضته أثناء رحلته. هاجس مصداقية التسجيل كان يراود ابن بطوطة في خلقه لمواصفات تعتمد مقاييس تقرب ما شاهده إلى مستمعيه. إبن بطوطة كان يدون في شاشة ذاكرته بالطبع والانطباع. كان يقوم بعملية يصطلح عليها اليوم بالتسجيل الدوكودرامي.
رغبة التصوير الحاضرة كأنا علوي في عملية التدوين والإخبار داخل مؤلف الرحلة تجد انعكاسيتها في بعض المواد المضامينية التي يحتويها مؤلف تحفة النظار. ليس من الغريب أن تكون الصورة أغرب فن ووسيلة تواصل تشد انتباه إبن بطوطة في رحلته للصين. هذه النقطة البعيدة في كون إبن بطوطة حيث تتقاطع دواعي الرحلة من حب في المغامرة وطلب للعلم في أبعد معاقله كامتثال حرفي لنصيحة الحديث النبوي. هناك في آخر معقل للعلم وبعيدا عن دار الإسلام ستشد الصورة ابن بطوطة وسيشغل ذهنه فن التصاوير.
تحدث ابن بطوطة عن فن التصاوير عند الصينيين بلغة الرحالة الوصفية وبلغة الأديب الرشيقة والأهم من هذا وذاك بلغة الناقد المقارن التي تنبني على ثنائية الدرس كمضمون والدرس كمنهجية. كان إبن بطوطة يقرب الأشياء الموصوفة في مؤلفه للمتلقي عبر مقارنات معاييرها مستلهمة من البيئة المستأنسة من طرف هذا الأخير مثل الحديث عن الديك الصيني من خلال مقارنته بالديك المغربي وغيرها من النماذج. لكن على العكس من هذا قارن إبن بطوطة فن التصوير عند الصينيين به عند الروم. وصف إبن بطوطة ظاهرة التصوير كما لاحظ عبد الفتاح كيليطو في إطار محور اختلاف جوهري لا يسمح بأية مقارنة. (عبد الفتاح كيليطو لن تتكلم لغتي 2002). في سبيل تقريب فن الصورة للمتلقي العربي المسلم احتاج إبن بطوطة إلى معايير وصفية خارجة عن الحيز الثقافي لهذا الأخير.
وكأن بابن بطوطة بقرون قد وضع عتبة يقترح من خلالها على متلقيه من العرب والمسلمين من جيل الصورة السينمائية منهجية لمقاربة عمله في نسخته السينمائية. اقترح وصفة استقرائية لمؤلفه حين يأخذ هذه الأخير تشكلا تعبيريا غريبا عن بيئة اللغة التي نشأ فيها. كان ابن بطوطة في وصفه وإخباره يراعي شروط الموضوع وشروط التلقي. نبهنا بقرون لهذه الحقيقة المقترنة بفن القراءة قبل ظهور النظريات الحديثة حول النص والتناص وقبل كل خطاب وصفي في هذا المجال يميل بثقله لجانب المتلقي. في سبيل تواصل أفضل راعى إبن بطوطة شروط التلقي لذى من يستمع له من العرب فكانت مقاربته للظاهرة الأيقونية مقاربة الناقد المقارن المتمرس في دراسة الوسائط التعبيرية. اسنبت مقارنته في بيئة يتحقق فيها القياس عوض بيئته التي ليس فيها إلا الفارق. وهو شيء لم يفعله عن وعي ولاوعي من تحامل من بني جلدته على فيلم الرحلة إلى مكة.

الرحلة إلى مكة في إشكال الصياغة والاستساغة

فيلم الرحلة إلى مكة هو نتاج صياغة جديدة لمؤلف الرحلة. كتابة يتجدد فيها بشكل تمليه آلية تعبيرية مختلفة. وسيط الكتابة السينمائية يختلف شكلا وجوهرا عن وسيط الكتابة الادبية. وعملية التلقي في المشاهدة تتأسس على أنماط ونماذج سردية ليست بالضرورة معادلة أو مقابلة للأنماط السردية الأدبية التي تتأسس عليها عملية القراءة. عملية الصياغة السينمائية مركبة في أصلها. انطلاقا من عنصر المؤلف أو هذه الهوية المتعددة الأوجه في المنتج والمخرج وكاتب السيناريو والمؤلف الموسيقي إلخ- وانتهاء باللغة السينمائية المركبة والتي تعتمد خمسة عناصر عضوية هي الصورة المتحركة والنص المكتوب والحوار والموسيقى ثم المؤثرات الصوتية الأخرى. أمام خصوصية النص السينمائي وما يقابلها من خصوصية النص الأدبي لا يمكن الحديث في حالة التحويل السينمائي إلا عن تناص يفرض شروطا أخرى على الكتاب في إعادة صياغته وتلقيه لن تكون بالضرورة هي نفس الشروط التي أنتجته أصلا كمؤلف أدبي.
كفيلم وكفيلم غربي بالخصوص أثار الرحلة إلى مكة ملابسات عدة أسست لجبهة ثقافية أخرى لصراع الحضارات. كان سياقا مناسبا لتفعيل الخطاب العربي المنمط والمتعسكر (حسب أدونيس) تجاه هذا الغرب الثقافي والمهتم بالثقافة العربية والاسلامية والذي أصبح يدخل كله تعسفا في خانة الاستشراق. هذا المصطلح الذي أصبح لا يعني رؤية لعلاقة الذات بالآخر في جدلية التاريخ كما اقترح عبدالله العروي ولا المنهجية الاستقرائية والنقدية للمتن الأدبي المنبني على الناموس الغربي والتي أرسى دعائمها الراحل إدوارد سعيد وإنما أصبح مرادفا لخطاب ينضح بأعراض العصبية للشرق والشوفينية المحلية. طبعا لن يصعب الحصول على وصفة استشراقية بهذه الحمولة إذا شاهدنا فيلم الرحلة إلى مكة على ضوء كتاب لينا حداد عن وسيط الاستشراق الجديد أي السينما الأمريكية: صحراء دفيد لين 'متسكعي صحراء' والمتوحش الطيب على شاكلة العاشق الإنكليزي تيمات استشراقية موجودة في متن الفيلم. وكما هو واقع كون الرحلة إلى مكة فعلا شرق آخر من تأليف الغرب لا يقل واقعية كون المقاربة الاستشراقية اصبحت وجهة نظر ومجموعة من الأحكام الجاهزة للإسقاط ولا يهم إن كان مصدرها الغرب أم الشرق نفسه.
لكن ما غاب عن المدعين درس ابن بطوطة والذين لم يتأخروا في شن حملة على الفيلم باسم هذا الدرس هي ثلاث نقاط مهمة: أولها هو أن كتاب الرحلة بعد مخطوط إبن جوزي لم يخرج للوجود كنسخته نهائية ومطبوعة بالعربية إلا على يد المستشرقين الأوروبيين دفريمي وسانجونيتي واللذين بالاظافة إلى هذه النسخة باللغة الاصلية ألفا كذلك نسخة باللغة الفرنسية.
ونعود لنقطة أخرى أشار إليها عبد الفتاح كيليطو وهي كون أوروبا القارة التي لم يهتم بها إبن بطوطة في رحلته هي من سيهتم به بشكل واسع يليق بما أنجزه كرحالة.
في نفس اتجاه النقطة الاولى تكمن النقطة الثانية في كون هذا الفيلم الغربي هو من أشعل فجأة شرارة الاهتمام بابن بطوطة. لكن نار هذه الشرارة أول ما ستضيء هو واقع عدم وجود أي دليل على كون مؤلف الرحلة استعمل كمصدر أو مرجع أو حتى إحالة في الكتب الجغرافية العربية التي ظهرت بعد تاريخ تأليفه (1355). كانت منسوخات هذا الكتاب في أغلبها قصرا على المغرب وشمال إفريقيا وفقط بعد نصف ألفية على تأليفه يلقى أخيرا كتاب الرحلة الاهتمام الذي يليق بها ولكن ليس على يد العرب بل على يد الدارسين الاوروبيين (روس دون: إبن بطوطة 1993). في الغرب كان كتاب الرحلة تقريرا ومرجعا ومصدرا مهما لا يمكن الاستغناء عنه في سياق الدرس التاريخي للشرق وإفريقيا في القرن الرابع عشر.
وأخيرا وفي ما يهمنا أكثر في سياق المقارنة بين الفيلم ومصدره الأدبي والتاريخي تكمن النقطة الثالثة. وهي غياب الاهتمام أو عدم المبالات بالجانب المنهجي للكتاب. وأعني منهجية المقاربة التي كان يستعملها إبن بطوطة. ففي وصفه للظواهر والأشياء كان ابن بطوطة يأخذ بعين الاعتبار مدى درجة قربها وبعدها عن عوالم المتلقي السوسيوثقافية. كانت المقارنات التي يعقدها كما أشرنا أعلاه متجانسة الأطراف. مقاربته لفن التصوير عند الصينيين على سبيل المثال لا الحصر تبقى مرجعية منهجية تستدعي التوقف والتريث قبل إصدار الأحكام. مثل ابن بطوطة تجاه الصورة المرسومة يمكن مقاربة الفيلم كصورة متحركة داخل خصوصيته التعبيرية والجمالية وما تشترطه كإنتاج وكتلق. ويمكن كنتاج لذلك الوقوف على بعد تعبيري وجمالي آخر سيكتسبه مؤلف الرحلة حتما مع هذه الصياغة الجديدة.
لكن قبل هذا وذاك ربما أجدر بنا أن نستفيذ من ابن بطوطة في طريقة حفظه للمسافة بين الذات والموضوع. الطريقة الوحيدة والواحدة التي تمكن في وتمكَن من تجاوز مركبات النقص حين الحديث عن الثقافة العربية في سياق الغرب الثقافي. هذا الغرب المهتم والمتهم.
هل في مقارنته لفن التصاوير عند الصينيين معه عند الروم كان إبن بطوطة مستشرقا؟ ففي هذه المقارنة لم يكن هناك ميل للثقافة البيزنطية وانما تاكيد لحقيقة غياب هذا الفن عند العرب. غياب حينها وغياب اليوم.
عوض التحامل على الفيلم الأجدر بنا السؤال: لماذا لم تهتم الدوائر التربوية والثقافية في العالم العربي والاسلامي بابن بطوطة على ضوء الحساسيات الجديدة للأجيال الجديدة التي لا تعرف تاريخها ورجالاته إلا بالعناوين والجدادة المدرسية الهشة؟ لماذا لم نقارب إبن بطوطة خارج إطار الاخبار والمعلومة عن جغرافيات دار الاسلام في عهده؟ هل ننتظر من الغرب إطلاعنا على الابعاد السردية والمنهجية لكتاب الرحلة كما فعل مع ألف ليلة وليلة؟ والسؤال الأكثر ارتباطا بسياق هذه الورقة هو لم يهتم لحد الساعة أي مخرج عربي أو مسلم بإنتاج عمل سينمائي يليق بشخصية إبن بطوطة؟
انتظار الجواب سيكون عملية دون جدوى. ابن بطوطة شأنه شأن الاهرام وموسيقى بتهوفن والصخرة الموجودة على سطح القمر التي تحمل إسمه صار علما إنسانيا. الاجدر بنا الاحتفاء به وتفعيل أثره في اتجاهات ومقصوديات جديدة. والوظيفة التوضيحية والتعريفية بالاسلام في معقله التي قام بها فيلم الرحلة إلى مكة نموذجا لكيفية التعامل مع ابن بطوطة كطاقة وامكانيات ابداعية لامحدودة.
ولكن لحد الساعة وتجاه هذه الطاقة من الإرث الثقافي العربي فقط الغرب المتهم هو من اهتم.


'الرحلة إلى مكة': فيلم عن ابن بطوطة بين الغرب المهتم والغرب المتهم BGPmIXTIzQ

عبد اللطيف عدنان / القدس العربي

هيوستن تكساس12- 11- 2009
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى