صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

على مائدة الأنبياء، ملح الطعام

اذهب الى الأسفل

على مائدة الأنبياء، ملح الطعام Empty على مائدة الأنبياء، ملح الطعام

مُساهمة من طرف said السبت 12 يوليو 2008 - 0:33


لحسن العسبي
الطبخ
ليس إشباعا للبطن فقط، بل هو دفتر للحضارة.. والعديد من الأمم اكتسبت
خصوصية في سجل البشرية الممتد، تأسيسا على ما راكمه أبناؤها من إبداع في
مجال الطبخ.. ذلك أنه، إذا كانت الحضارة تنبني عموما، على ما أبدعه
الإنسان من خَلْطِهِ الماء بالتراب، أي ما أعطته تلك الخلطة من زرع وحيطان
وألبسة، فإن الطبخ واحد من علامات تلك التوليفة السحرية بين عنصري الطبيعة
هذين.. لأن البشرية نجحت في أن تبتدع لها أشكال بقاء، من خلال حسن استغلال
ما تمنحه الأرض من منتوجات فلاحية، وتوابل، وماء، ونار، مما جعلها تنتج
أكلا يمنح الفائدة ويحقق اللذة ( فائدة اكتساب البدن السليم، ولذة التذوق
).. ولعل المثير في العملية كلها، أن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي
يدرك ويعي أهمية الأكل ويتذوقه، بل إنه الوحيد الذي تتحقق معه المقولة
الخالدة « العين تعشق قبل القلب أحيانا »، ولو حورناها قليلا، لجاز لنا
القول « العين تتلذذ قبل
البطن أحيانا !!»..
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

على مائدة الأنبياء، ملح الطعام Empty الحليب الذي وُعدنا به في الجنة..

مُساهمة من طرف said السبت 12 يوليو 2008 - 0:35

هل يدرك
المغاربة، حين يقدمون الحليب للضيف مع التمر، أنهم إنما يمجدون ويكررون
فعلا إبراهيميا ( نسبة إلى النبي إبراهيم الحنيف، جدر الديانات السماوية
كلها )، حين استقباله لضيوفه من الملائكة الثلاث؟!.. الواقع، إن تمجيد
الحليب في الديانات السماوية هذه، راجع لماسبق وقلناه عن الفضاء الجغرافي
الذي ولدت فيه تلك الديانات التوحيدية، الذي يتميز بما يجوز لنا أن نسميه
« إكراه الندرة ». إذ صلافة تلك الجغرافيات، هي التي جعلت كل أسباب الحياة
شحيحة وقليلة، وكلما توفر منها عنصر حيوي ( مثل الماء والحليب والتمر
والعسل ) كلما تم تمجيده وتبجيله وتقديسه.
هكذا، فإن قصة الحليب،
كواحدة من أهم عناصر المطبخ والإستهلاك في حياة البشرية، وضمنها ذاكرة
الطبخ المرتبطة بالديانات السماوية الثلاث، هي قصة هامة ومفيدة على أكثر
من صعيد، وتستحق المقاربة بشكل مستقل. بعض القراء كتبوا، مشكورين،
يتساءلون حول مدى إجرائية الإعتماد في هذه القراءة على الواقع الجغرافي
فقط لتفسير العديد من الأحكام الدينية، الخاصة بالأكل. وإذا كان صائبا
التأكيد على أن مقاربة السؤال الديني شائكة جدا، وتتطلب العديد من أوجه
المقاربة، فيها الإيمانية وفيها العلمية وفيها التاريخية، فإن مقاربتنا
نحن تنحو صوب نوع من القراءة الأنثروبولوجية، التي تسعى لإقامة معنى آخر
للتأويل يتأسس على تمجيد العقل الذي خص به الله بني البشر، من أجل فهم
أكثر شمولية للسؤال الديني. وما يهمنا نحن منه، في هذه المقاربة، الشق
المرتبط فقط بالطبخ، بصفته واحدا من أعقد وأعمق المواضيع المرتبطة بحياة
الإنسان كإنسان. لأنه حين نأكل فنحن لا نأكل هكذا اعتباطا، بل إننا نأكل
بشكل عقلاني منظم ومفكر فيه، رغم إكراه الحاجة للأكل التي يسببها الجوع.
والجوع كافر كما يقال. وفي هذا الباب، فإن قصة الحليب في ذاكرة هذا الطبخ
واحدة من أهم الأبواب لقراءة أخرى للتجربة الدينية التوحيدية الإيمانية،
لأنها عنوان على كيفية التعامل مع ما تهبه الطبيعة من أسباب وممكنات لصون
الحياة من خلال الأكل. إن تمجيد الضرع الواهب لهذه المادة البيضاء الحيوية
والغنية جدا بالنسبة للتغدية، إنما هو تمجيد للعطاء، فالضرع الوافر هو
عنوان للخصب وعنوان للحنان أيضا. وتمجيد ضرع البقر والنوق والماعز والشاة،
هو تمجيد لمادة تمثل عنصر حياة حاسم في شساعة الصحراء، وفي ذاكرة الرحل.
وليس اعتباطا أن القرآن الكريم، إنما وعدنا في جنة الخلد بأنهار من خمر
وحليب وعسل.. الأول لأنه ممنوع في الدنيا على المسلم تناوله، والثاني لأنه
مادة حيوية عند البشر في كل الجغرافيات وفي كل الديانات، ولأنه عنوان
للطهارة والصفاء والنقاء، والثالث لأنه دواء. [ في هذا الباب، لا يمكن
لكاتب هذه السطور أن ينسى، كيف دافع مواطن مغربي، محب للخمر والنبيذ، عن
شربه له، إزاء مواطنة مغربية ظلت تنصحه بالتوقف عن شرب الخمر، لأن ذلك مما
يغضب الله عليه، وهو الإنسان الطيب جدا والخدوم جدا. فكان جوابه الذي
متروك لكل واحد منا أن يؤوله كما شاء:« يا أختي إن أكبر من يدرك أهمية
الخمر وحلاوته هو الله سبحانه وتعالى، ولهذا وعدنا به في الجنة نحن
المسلمون!!». ].
في الديانة اليهودية، يخبرنا كتاب « على المائدة، مع
موسى، عيسى ومحمد » لصاحبيه جاك لوديفيليك، والقس ألان دو لاماروندي، في
الصفحة 69 منه، أن موسى عليه السلام قد ذكر الحليب من بين الأعطيات
المقدسة التي خص بها الله اليهود، وحدده في حليب البقر والشاة والماعز.
ومن المواد الخاصة بالطبخ التي يمجدها اليهود إلى اليوم هي الحليب، إلى
الحد الذي يجعلهم لا يطبخون إطلاقا شيئا آخر في الآنيات الخاصة بالطبخ
المرتبط بالحليب، بل ولا يخلطون بين أكلة من لحم وأخرى أساسها الحليب على
ذات المائدة، لأن تقديرهم للحليب كبير. وتعتبر هذه المادة، من مواد
الإستهلاك التي حملت من حياة الترحال إلى حياة التمدن والإستقرار، في
تجربة الديانة اليهودية، ونفس الأمر تحقق مع الديانة الإسلامية، التي
تعتبر الحليب من عناوين الصفاء، لأنها ارتبطت في الذاكرة العربية بالجزيرة
العربية بالإبراهيمية الحنيفية، ولأنها مادة حيوية هائلة في الصحراء، التي
يطوقها منطق الندرة في التوفر على ما يغني البدن ويحمي الحياة ويقتل الجوع.
لسنا
في حاجة، إلى تنبيه قارئنا المغربي ( وقارئتنا المغربية طبعا )، إلى ما
يعنيه الحليب وتابعه العسل في ذاكرتنا الجماعية، فهما عنوان لغنى هائل على
المستوى الرمزي وعلى المستوى الصحي، وهي ذات الأهمية التي ظلت ترافقهما في
الديانات السماوية الثلاث، لأنها ظلت مادتان منقدتان للحياة ومطهرتان
للبدن وتغنيان الجسد. ولعلنا قليلا ما ننتبه إلى القاسم المشترك بينهما
معا، وهو الحلاوة الطبيعية، فالحليب يشرب بدون حاجة إلى سكر، والعسل هو
مثال الحلاوة الأسمى. وكما هو متحقق تمجيد الحليب في التوراة والقرآن، فهو
ممجد أيضا في كل الأناجيل المسيحية الأربعة، التي ينص واحد منها ( إنجيل «
مَتَّى » ) على دعوة اليسوعيين إلى شراء الحليب بدون مال، وهذه مفارقة،
لأنه كيف يستقيم الشراء بدون مال؟!.. إنه لا يستقيم إلا في حالة واحدة هي
التعبد، والتقرب إلى الله، مما يعني أن الحليب صدقة، تماما مثلما هو الماء
صدقة في الديانة الإسلامية، كونه مادة حيوية حاسمة في هجير الحياة وقحولة
الصحراء. مثلما أن تقديس الحليب في الديانات السماوية الثلاث، آت من أنه
غداء الطفل الرضيع، وتناول الحليب، هو بمعنى ما عودة إلى صفاء الطوية
الأولى للإنسان، حين يكون غداؤه حليب أمه وثديها. أليست الديانات نوعا ما
ثديا لذلك الصفاء بالنسبة للمؤمن المتعبد!!..
الحقيقة، أن تطور الحليب
في ذاكرة الطبخ الخاصة بالأديان السماوية، يكاد يشكل المادة الوحيدة التي
لها شجرة أنسابها الخاصة. لأن للحليب مشتقات عدة ابتكرتها البشرية، لتجعل
من هذه المادة مائدة قائمة الذات، يتجاور فيها الحليب الطبيعي مع الحليب
المغلي مع الأجبان المتعددة الأنواع ( المملحة وغير المملحة ) مع القشدات
وأنواع الزبادي والروائب والزبدة واللبن... إلخ. وإذا كانت السيرة النبوية
كثيرا ما مجدت الحليب ومشتقاته ( تكفي العودة إلى كتب الجاحظ والأصمعي
وبديع الزمان الهمداني وأبي العلاء المعري، خاصة كتابه القيم « رسالة
الصاهل والشاحج » لإدراك ذلك. )، فإن من أكثر الديانات السماوية التي حددت
أشكال طبخ خاصة بالحليب هي الديانة اليهودية، متبوعة بالمسيحية، التي كانت
تعتبر زبدة الحليب دواء. وهي بذلك تتقاطع مع الذاكرة الإغريقية ثم
الرومانية قبل المسيحية، التي لم تعرف فوائد الحليب ولا أهميته سوى بشكل
متأخر، بالمقارنة مع ما تحقق في الجزيرة العربية وفي الضفة الجنوبية
والشرقية للبحر الأبيض المتوسط، التي ظلت تمجد الحليب وتوظفه في طبخها
وتعتبره مادة حيوية هامة، مغدية جدا ومنقدة للحياة، ورمزا للصفاء والطهر
والقداسة.


2008/7/11





الإتحاد الإشتراكي
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

على مائدة الأنبياء، ملح الطعام Empty لماذا الخمر لذة للشاربين.. في الجنة؟!

مُساهمة من طرف said الأحد 13 يوليو 2008 - 0:27

اليوم نقف عند
واحد من أكثر المواد المرتبطة بالإستهلاك مثيرة للجدل في الديانات
السماوية الثلاث ( اليهودية والمسيحية والإسلام ): الخمر. فهو موعود به في
الجنة في الإسلام، وهو في اليهودية تسقى به الآلهة، وهو آخر ما منح للمسيح
عيسى أثناء صلبه في المسيحية.
لكن، التعامل معه في دنيا الأحياء فيه
تفاوت ومساحات تردد، في هذه الديانات الثلاث معا. وما يسجل هو أن سيرة
السيد المسيح هي الأكثر وضوحا في هذا الأمر، من خلال تمجيده للنبيذ
واعتباره واحدا من مواد الإستهلاك التي تقرب أتباعه من الله، بل ويعتبره
صدقة. أما في اليهودية، فإن أتباع موسى، قد اعتبروا الخمر المذهب للعقل
منبوذا، وكانوا من بين ما يعيبون على السيد المسيح استهلاكه للخمر في كل
بيت يلج إليه، حيث كانوا يطلقون عليه صفة « السكير ». بينما في الإسلام،
كان هناك تدرج في النهي عنه، وليس هناك نص واضح يحرمه بالقطع في القرآن،
فقد ذكر الخمر، مثلا، في أربع سور بكلمة « خمر » وفي سياق آخر ذكرت عبارة
« سكارى » ( البقرة - المائدة - محمد - يوسف )، وكلها في سياقات مختلفة،
تبعا للقصة المرتبطة بكل آية. وأوضح الآيات الناهية عن الخمر، تلك التي
وردت في سورة المائدة، وهما آيتان ( 90 و 91 )، التي توصي المسلمين بما
يلي: «يا أيها الذين آمنوا، إنما الخمر والميسر والأزلام رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة
والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلوات، فهل أنتم
منتهون ». والإجتناب في العديد من التفاسير ليس هو التحريم، مع التسطير أن
تفاسير أخرى ( السيوطي كمثال ) تذهب إلى أن ربطه بفعل شيطاني هو من درجة
التحريم والنهي الرفيع العالي. وإذا كانت الآية الأكثر تداولا في الديانة
الإسلامية تلك التي يقول منطوقها: « لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى »، فإن
الآية 219 من سورة البقرة أكثر تحديدا حين تقول: « يسألونك عن الخمر
والميسر، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما،
ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو. كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون
». فهنا التحديد واضح أن منافعهما أقل وأن إثمهما أكبر. ولعل المثير في
تتبع خيط هذه المادة الإستهلاكية ضمن تحديدات الإسلام الخاصة بالطبخ
والأكل والشرب، الترتيب اللغوي الدال المتضمن في الآية 15 من سورة محمد،
التي تقول: « مثل الجنة التي وعد المتقون، فيها أنهار من ماء غير آسن،
وأنهر من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهر من عسل
مصفى، ولهم فيها من كل التمرات ومغفرة من ربهم، كمن هو خالد في النار
وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم »، إذ يكفي تأمل دلالات العبارات هنا للتوقف
عميقا عند درجات التعامل مع هذه المواد الإستهلاكية الواردة في هذه الآية
الكريمة. فالمتقون وعدوا في الجنة بأنهار من ماء غير آسن، أي ماء دائم
الجريان دلالة على الصفاف والنقاء، ووعدوا بأنهر ( والفرق عدديا واضح بين
أنهار وأنهر ) من اللبن الذي لم يتغير طعمه، أي يظل على سيرته الأولى، لا
حموضة فيه. ثم نعود إلى أنهار من الخمر، هو الوحيد الذي يحدد أنه لذة
للشاربين، وتليها عبارة أنهر من عسل مصفى.. إن تأويل دلالات الإختيار
الإلاهي لقوة هذه الكلمات والعبارات، وترتيبها لغويا حسب القيمة والأهمية،
يترك الباب واسعا للتأويل والإجتهاد في كيفية التعامل مع مادة الخمر في
الديانة الإسلامية.
لكن، الأساسي الذي يجب تسجيله، في هذا الباب، هو أن
الإسلام وحده الذي يحرم وضع الخمر على موائد الأكل، ولا يسمح قط بالطبخ به
أو خلطه بأي طبق من أطباق الأكل، على عكس الديانة المسيحية، التي تعتبره
أساسيا في موائد الأكل وتعتبره واحدا من أسباب الصدقات في مجال الأكل.
فيما اليهودية، تعتبر أن الخمر المصنوع من أياد غير يهودية حرام وممنوع
تناوله وتقديمه للمؤمنين، بل المسموح به هو الخمر اليهودي الكاشير. وإذا
كان لا بد من ربط ذلك بالإكراه الجغرافي، فإنه سيصعب التأكيد على أن طبيعة
الطقس الأروبي البارد، هي وحدها السبب في السماح باستهلاك الخمر مسيحيا،
خاصة وأن السيد المسيح نفسه عاش في بلاد فلسطين المعتدلة الحرارة، وكان
يمجد الخمر ويتناوله بشكل يومي، عند كل طعام. فهل ما يعتبر مادة استهلاك
لحماية الجسد من الصقيع في أروبا، هو نفسه، بتقنيات إنتاج مختلفة، الذي
يرطب الحلوق الجافة والصدور المثقلة بالصهد والحر في شساعة المشرق
العربي؟!.. إنه سؤال أنثربولوجي وتاريخي كبير، لا نملك أي جواب قطعي عنه.
ومما
يسجل في كيفيات التعامل مع هذه المادة، أنها ظلت مادة للتحايل بامتياز في
الديانتين اليهودية والإسلامية على المستوى الإجتماعي. ذلك أن تحريمه
والنهي عنه، لم يمنع العديد من أتباع هاته الديانات على مدى قرون، من
استهلاك الخمر خفية، بل والتغني به في العديد من النصوص الأدبية والشعرية.
ويمكننا هنا التذكير فقط بنصين أدبيين كبيرين في العالم الإسلامي، هما
ديوان أبي نواس الشعري وسيرته المعروفة، حيث كان معاقرا للنبيذ الأحمر
بشراهة في بلاد ما بين النهرين، ورباعيات عمر الخيام النيسابوري وسيرته
التي مجدته في بلاد فارس. ففي نصوص كل منهما، نوع خاص من المقاربة
التمجيدية للخمر. الأول يوصف على أنه إباحي تهتكي ( أبو نواس )، فيما
الثاني صوفي تعبدي فلسفي ( الخيام ). ولو عدنا إلى النص القرآني، في هذا
الباب، لا يمكن نسيان التحديد الوارد في الآيتين 36 و 41 من سورة يوسف،
التي تفيد ضمن قصته الجميلة والدالة والفاتنة الواردة في القرآن الكريم،
أنه: « ودخل معه السجن فتيان، قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا، وقال الآخر
إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه. نبئنا بتأويله، إنا نراك من
المحسنين » ( ... ) « يا صاحِبَيَ السجن، أما أحدكما فيسقي ربه خمرا، وأما
الآخر فيصلب، فتأكل الطير من رأسه، قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ».
الحقيقة،
أن ما يجب الإنتباه إليه في التعامل مع سؤال مادة الخمر على موائد الأكل
في الديانات السماوية، إنما يطرح في العمق كيفيات التعامل مع بعض من
المنتجات الفلاحية الخاصة ببلدان البحر الأبيض المتوسط، شماله وجنوبه
وشرقه، تاريخيا عند شعوب هاته المناطق. خاصة ما يرتبط بالعنب والتمر
والكمترى، التي يتم تصنيع أنواع مختلفة من النبيذ منها، حيث تذهب بعض
التفاسير إلى طرح السؤال حول أنواع معينة من الألبان المخلوطة بالعنب أو
التمر أو العسل، وبعض المشروبات التي تتم صناعتها عن طريق تقنية « التقطير
»، هل هي مندرجة في باب المسكر والنبيذ والخمر أم لا!!. مثلما أن بعض
أنواع المشروبات التي أساسها فواكه متوسطية، مثل التوت والسفرجل والكرز
والتوت الأرضي، كثيرا ما يطرح السؤال عند بعض الفرق الدينية المتشددة إن
لم تكن من المواد المنعشة، المندرجة في باب النشوة. ولعل أكثر الفرق نقاشا
لهذه القضايا ( بل وتساهلا في تحليلها وإجازتها ) بعض الفرق الشيعية في
الإسلام، التي لها رؤية حضرية مدينية للدين، وليست رؤية بدوية صارمة.
بالتالي، فإن طرح سؤال علاقة الخمر بالأكل والطبخ في الديانات السماوية،
سيظل سؤالا إشكاليا هائلا، خاصة وأن النصوص الدينية في الديانات الثلاث لم
تحسم عبر آياتها قطعيا في شكل التعامل معها، مما يفتح باب التأويل واسعا
في هذا الباب. مثلا، ما الذي يمكن قوله، في مقولة « خمرة المتصوفة » التي
فيها تمجيد لكلمة خمر؟


2008/7/12





الإتحاد الإشتراكي
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

على مائدة الأنبياء، ملح الطعام Empty الشاي.. ذلك المجهول على مائدة الأديان السماوية!!

مُساهمة من طرف said الإثنين 14 يوليو 2008 - 20:37

الشاي.. ذلك المجهول على مائدة الأديان السماوية!!
الشاي ( أو « الأتاي »، عندنا بالمغرب )، يحقق مفارقة خاصة في ذاكرة الطبخ الخاصة بالديانات الثلاث. لكنه، يحقق - مغربيا - مفارقة أكبر، ذلك أنه إذا كان الشاي قد غزا العالم العربي الإسلامي من الشرق، فإننا البلد العربي والإسلامي الوحيد الذي ولج إليه الشاي من الغرب، وبالضبط من المحيط الأطلسي. وإذا كانت هذه المادة الأساسية في الإستهلاك بالعالم، قد أصبحت علامة ثقافية عنا كمغاربة، فإن المفارقة الأخرى، هي أنه مادة لم نكتشفها سوى متأخرين جدا، مقارنة مع العديد من دول المشرق العربي. مثلما أن فقه النوازل عندنا ( خاصة في مدن الشمال كتطوان والشاون وسبتة وفاس )، يعتبر واحدا من أغنى الفروع الفقهية التي خاضت في أمر هذه المادة، وتفاعلت معها قبولا ورفضا، تبعا للحاجة الإقتصادية والسياسية للسلطان الذي يكون الحاكم بأمره، في علاقته بالتجارة الدولية الخاصة بزمنه.
لكن، قبل أن نخوض بتفصيل أكبر في هذه الخصوصية المغربية، لا بد من طرح السؤال: ما هي قصة الأديان السماوية الثلاث مع الشاي؟!.. الحقيقة، أنها لم تعره كبير اهتمام، خاصة اليهودية والمسيحية. أما في النص الديني الإسلامي الأرقى ( القرآن )، فإنه بحثنا عن ورود كلمة شاي فلم نجد لها ذكرا، مما يعني أنه ليس مادة ذات اهتمام في التراتبية الإسلامية الخاصة بالأكل، مثلما هو الحال مع الحليب واللبن والتمر والعسل والخمر ولحم البقر والخنزير وغيرها، الواردة في سياقات التحليل أو التحريم. لكن، كون هذه الديانات لم تهتم بالشاي، لا يعني أنها مادة لم تكن تستهلك تاريخيا في جغرافيات هذه الأديان، بل إنها من أكثر المواد استهلاكا بها على مدى قرون إلى اليوم. إلى الحد الذي يقال، إن ما يستهلك بكثرة بعد الماء عند البشر هو الشاي. وتمة خصوصية تاريخية في التعامل مع هذه المادة، تجعل أن المسلمين هم من أول الشعوب التوحيدية التي تناولت الشاي بكثرة، لأنها عوضت به منعها من الخمر والكحول بأنواعها، وأن الشاي قد حورب إسلاميا في البداية بدعوى أنه مادة مخدرة، منعشة، وأنه نوع من المواد التي تخلق عند صاحبها نشوة الإدمان. ولعل الحقيقة التاريخية كامنة، في أن الشاي ليس متوسطيا، أي أنه لم تكن تعرفه الشعوب المتوسطية، شمالا وجنوبا وشرقا، حين ظهرت بها الديانات التوحيدية الثلاث ( اليهودية والمسيحية والإسلام )، ولم تكن تعرف زراعته. بل إنه من المواد التي حملتها معها تجارة الحرير القادمة من أقصى الشرق، وأساسا من الصين، والمفارقة هي أن الصينيين ظلوا لقرون يعتبرون الشاي مادة مقدسة دينيا عندهم من خلال تعاليم الإله بوذا ( بتعدد المدراس البوذية هناك، التي لكل واحد منها إلاهها الخاص ). وحسب بعض المصادر التاريخية المتخصصة في تجارة الشاي واستهلاكه، فإن أصول الشاي تعود إلى ما يفوق 2700 سنة قبل الميلاد بالصين ( وفي هذا الباب نشير إلى دراسة جد قيمة، مغربيا، للباحث المغربي المحترم عبد الأحد السبتي حول الشاي، تحت عنوان « من الشاي إلى الأتاي »، والتي اعتمدنا عليها كثيرا في بحثنا المطول حول تاريخ الطبخ المغربي، الذي سلخ مني حتى الآن سنتين من البحث، والذي سنصدره لاحقا بحول الله ). وحسب ذات المصادر التاريخية الأروبية، فإن أوراق الشاي كانت تزرع في تلك البلاد لوحدها، وأن أول دخولها إلى العالمين العربي والإسلامي، قد كان بتدرج بطيئ، ابتداء من القرن التاسع الميلادي، حيث حمل معه تاجر مسلم إسمه سليمان، هذه المادة العجيبة والمثيرة والهامة، التي يقدسها ذوو العيون الصغيرة الضيقة عند سور الصين العظيم. كانت البداية بباكستان، ثم إيران، ثم الجزيرة العربية في شمالها، ثم تركيا ومنها انتقل إلى أروبا ليصبح واحدا من أكثر المواد استهلاكا في أقصى الغرب الأروبي ( بريطانيا )، بينما كان استهلاكه في باقي أروبا الباردة ضئيلا، عكس النبيذ وأنواع الخمور والكحول. وخلال القرن السادس عشر دخل إلى مصر، ولم يتجاوز قط صحراء ليبيا إلى باقي بلاد العالم العربي والإسلامي.
مغربيا، لم يلج الشاي إلى موائدنا إلا مع نهايات القرن 18 وبدايات القرن 19، عبر التجار الإنجليز، الذين ضاعت منهم حينها أسواق مهمة بوسط أروبا بسبب حروب طاحنة بين فرنسا وألمانيا، فكان أن بحتث عن أسواق جديدة، كان من بينها السوق المغربي، عبر موانئه الهامة آنذاك وهي: طنجة، الجديدة، الصويرة وآسفي. وكل حديث عن الشاي، لابد وأن يأخدنا إلى مادتين أخريين تابعتين ولازمتين له، هي النعناع والسكر. المثير تاريخيا، أن نبتة النعناع قديمة في حضارات المتوسط، وأنها مذكورة في قصص كثيرة خاصة بالسيد المسيح وبالنبي موسى، وأنها ظلت لقرون تعتبر مادة للتزيين وللعطر، ولم تكن تستهلك إلا في البلاد الإسلامية المتوسطية ( فلسطين، لبنان، المغرب الأدنى والمغرب الأوسط والمغرب الأقصى )، وكانت تعتبر مادة للتداوي ضد بعض السموم المرتبطة بالأكل. بل إنها كانت في الديانة المسيحية تعتبر مادة تصلح لتسهيل الهضم. ولم تدخل في إعداد الشاي مغربيا، إلا بشكل متأخر، وكانت الغاية، هي تكسير قوة حبات الشاي، وإعطاءها طعما أكثر ليونة على اللسان. والحال أن الشاي في بدايته عندنا في المغرب، كان يعتبر دواء ضد أنواع متعددة من الإدمان ( نذكر هنا قصة أحد الأمراء العلويين الذي فرح والده السلطان بشفاء ابنه من إدمان بعض المحرمات، بفضل مداومته على تناول الشاي، كما يورد ذلك بتفصيل الفقيه السلاوي، الناصري، صاحب كتاب « الإستقصا في تاريخ المغرب الأقصى » ). بينما في النصوص الدينية اليهودية، خاصة « التلمود »، فإنه يرد ذكر النعناع كمادة فاتحة للشهية قبل الأكل، وأنه كان يطبخ به في بعض الأطعمة اليهودية، بينما وردت في الأناجيل المسيحية، كواحدة من المواد الإستهلاكية الخاصة بالفريسيين، التي كانوا يدفعونها كضريبة للعشر ( ضريبة الأعشار عندنا في الذاكرة المغربية، أي دفع العشر من الشئ، أي « عشَّر عليه »، التي لها حمولة دينية مقدسة عندنا. )، والتي كانوا كثيرا ما يتهاونون في الإلتزام بدفعها للفقراء.
مغربيا، مرة أخرى، نكاد نشكل الإستثناء في باب مناقشة استهلاك مادة الشاى ( وأيضا مادة القهوة ) من خلال فتاوى بلا عدد، تعتبر اليوم إرثا فقهيا هائلا، قليلا ما ننتبه إليه مغربيا، ضمن باب فقه النوازل. لقد أخد منا قبول استهلاك الشاى عقودا من النقاش الفقهي، الذي اعتبر هذه المادة حراما، وبحث لها الفقهاء عن مختلف الأسباب لتأكيد أنها مادة مخدرة حرام، وأن صاحبها يصبح مدمنا لها، كونها تبعث عنده النشوة، فقط لأنها دخلت عوالمنا وأسواقنا وموائدنا المغربية عبر الغرب، وليس عبر الشرق. ولو حدث أن تجاوزت حبات الشاي القديمة صحراء ليبيا، نعتقد أنها ما كانت لتثير كل ذلك النقاش الفقهي وتترك الباب لصدور كل ذلك الصف الطويل من الفتاوى. بالتالي، فلأن ناقلها هم الإنجليز عبر الموانئ المغربية، فإنها حوربت واعتبرت مادة حرام، قبل أن تصبح مع توالي السنين المادة الإستهلاكية الأولى في المغرب، بل وأصبحت علامة ثقافية للمغاربة، في مجالي الضيافة والطبخ. ولعل المثير في هذا الباب الخاص بفقه النوازل في خصوصيته المغربية، كيف أنه كان بابا عالية لمنع الكثير من أسباب انخراط المغاربة في السوق العالمية وفي الحركية التجارية الدولية، ومن الأمثلة على ذلك، النقاش الذي فتحه الكثير من الفقهاء في نهاية القرن التاسع عشر، حين اعتبروا « بابور البر » ( أي القطار ) من أعمال الشيطان التي يجب أن تحارب وأن يحفظ الله أمة المغاربة المسلمين منها (!!)، كما هو منصوص عليه في كتاب « الإستقصا » للناصري السلاوي.
أخيرا، لا يمكن الحديث عن الشاي، دون الحديث عن تابعه السكر، الذي يعتبر واحدا من أكثر مواد الإستهلاك حضورا في ذاكرة الطبخ المغربي، اعتبارا لأننا الأمة العربية والإسلامية والإفريقية الوحيدة التي كانت تحتكر صناعة وتجارة السكر لقرون، قبل أن يغلق المغرب بوابات العالم عليه، من خلال تخليه عن نافذته المتوسطية، مع بدايات القرن 16، ودخل في نكوص تاريخي طويل لا نزال نجر إلى اليوم تبعاته فكرا وسلوكا وثقافة عامة. ولو قامت حفريات إركيولوجية في الشساعة الجغرافية الممتدة من وادي درعة، مرورا بتارودانت ووصولا إلى ميناء الصويرة القديم، لاكتشفنا آثارا هائلة لمعامل السكر المغربية التي كانت تحدد بورصة تلك المادة في العالم كله وكانت مصدر ثروة هائلة للخزينة العامة للمغاربة على مدى قرون. وبالعودة إلى علاقة هذه المادة بالشاي مغربيا، فإن بداية التحلية كانت تتم في الغالب الأعم بالتمر، لأن السكر حينها أصبح مادة مستوردة من الإنجليز ( لقرون أربع كان الإنجليز هم المستثمر الأول في المغرب، ثم الألمان وبعدهم السويديون والهولنديون والإسبان، وإلى حدود 1912 لم يكن هناك أي وجود يذكر لفرنسا تجاريا بالمغرب!! ). ولأن تجار التاج البريطاني هم الذين حملوا إلينا الشاي، فقد حملوا في ركابه عدته أيضا، التي هي السكر، ولكن أساسا أباريق الشاي النحاسية وغير النحاسية.. في النهاية انتصرت التجارة ( أي المصلحة ) على الفقهاء الذين لم يكونوا منفتحين على معنى وذكاء التحول الذي يتحقق في العالم بعيدا عن ضبابية زواياهم التي أغلبها كان نكوصيا انغلاقيا، بعيدا أحيانا حتى عن روح الدين الإسلامي، الممجد للعقل والمكرم للإنسان كإنسان، وأصبح الشاي أكثر المواد استهلاكا في المغرب كله، بدوه وحضره، أغنيائه وفقرائه، أمرائه وعامة الناس فيه.



2008/7/14
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

على مائدة الأنبياء، ملح الطعام Empty القهوة اكتشاف عربي ابتلي به العالم!!

مُساهمة من طرف said الأربعاء 16 يوليو 2008 - 1:01

البارحة
تحدثنا عن الشاي وعلاقته بمطبخ الديانات السماوية الثلاث، وقلنا إنه كان
مجهولا وغريبا على موائد أغلب تلك الديانات ( عدا عند المسلمين الذين
وجودوا فيه، رغم هذه الفتوى المعارضة أو تلك، سائلا ساخنا يعوض منع تناول
الخمر والكحول ). وقلنا، إن المسلمين قد مجدوه، أكثر من باقي الديانات
التوحيدية، لاعتبارات ثقافية واجتماعية، بسبب أن طريق الحرير القادمة من
الصين قد حملت إليهم تلك المادة ضمن ما حملت من مواد تجارية. ولقد مجده
العرب والمسلمون كثيرا، ولعل ما يلخص أبلغ ذلك التمجيد واحد من النصوص
الأمازيغية الجنوبية القديمة حول كؤوس الشاي، تقول: « الأول منه قوي مثل
الحياة.. الثاني منه لذيذ مثل الحب.. الثالث منه رحيم مثل الموت »..
وللحقيقة، فإن قدر الشاي الذي نحته لنفسه طريقا في ذاكرة الطبخ بالعالم،
وفي ذاكرة موائد الأديان السماوية الثلاث، مشابه تماما لذلك الذي خصص
للقهوة، أي تلك المادة الإستهلاكية الأخرى والهامة، التي هي صنو للشاي في
ذاكرة البشرية.
إذا كان العالم اليوم، يعتبر أن الحديث عن أهمية الشاي
والقهوة، هو من باب السماء فوقنا، لأن ما تستهلكه البشرية من كؤوس منها
على مدار الساعة لا يعد ولا يحصى، من أقصى الشرق حتى أقصى الغرب ومن أقصى
الشمال حتى أقصى الجنوب، فإن ذاكرة الأيام تحتفض بتفاصيل مثيرة عن
المسارات التي قطعتها القهوة في تاريخ الطبخ المرتبط بالأديان السماوية.
وأول الملاحظات الهامة، هي أن الديانتان اليهودية والمسيحية، لا يجمعها
بالقهوة غير الخير والإحسان، فهي لم تعرفها ولم تستهلكها قط في بدايات هذه
الأديان على مدى قرون، تماما مثلما كان الأمر مع الشاي. وأن الديانة التي
عرفت القهوة في مطبخها وسمحت بتناولها بكثرة، منذ بداياتها، هي الديانة
الإسلامية. لكن، حين نقول الديانة الإسلامية، فإن المثير هو أن النص
القرآني ليس فيه ولا آية واحدة عن القهوة كمادة للإستهلاك، وهو ذات ما
سجلناه مع الشاي. بالتالي، فهي مادة لم تحلل ولم تحرم، وكل ما صدر حولها
من آراء وفتاوى هي من اجتهاد الفقهاء، خاصة بالجزيرة العربية وبتركيا، ثم
بالمغرب. وكل التفاسير التاريخية المتخصصة في مجال ذاكرة الطبخ بحوض البحر
الأبيض المتوسط، ترجع استهلاك المسلمين للقهوة والشاي، وتغاضي اليهود
والمسيحيين عنهما، إلى طبيعة المطبخ الخاص بكل ديانة على حدة، وأن
المسلمين عوضوا منعهم من استهلاك مشروبات أخرى، لها دور نفسي ومؤثرة على
الجهاز العصبي، مثل الخمور والكحول ( المستهلكة عند المسيحيين واليهود
بتفاوت بينهما )، بالقهوة والشاي. بل تمة من ظل يعتبر أن القهوة قرينة
بمواد مخدرة مثل نبتة « القات » اليمنية، وذلك لأن كل المصادر التاريخية
تجمع على أن القهوة العربية أصلها من اليمن، وبالتحديد من بلدة « مُخا » (
للإشارة هناك بُنٌّ يمني مشهور في العالم إلى اليوم إسمه « موكا » وهي
قهوة ذات عطر خاص، أشبه بخليط بين القرفة وحبة الهيل ). ومما يؤكد عليه
الباحث الجزائري مالك شبل، ضمن كتاب « على المائدة.. مع موسى، عيسى ومحمد
»، أن تمة تواطؤا جميلا بين الممنوع والبحث عن لذة قريبة من المحرم، حين
تعليقه على معنى استهلاك العرب المسلمين للقهوة منذ قرون، فيما لم يهتم
بها اليهود والمسيحيون.
في ذات المرجع، يخبرنا كاتباه، أن الفقيه
الشادلي، زعيم الشادلية، خلال القرن 12 الميلادي، هو أكثر من مجد فوائد
القهوة، وارتقى بها في تفاسيره إلى مرتبة التعبد. ومن الأساطير التي تنسب
إليه، أن القهوة من المواد التي أوصى بها جبرائيل النبي محمد، وهو أمر لم
نجد له أثرا لا في السيرة النبوية ولا في الأحاديث الصحيحة ولا في القرآن
الكريم. لكن، ما هو مؤكد، أن بلاد الحجاز العربية عرفت زراعة القهوة منذ
القدم، مثلما أن مدينة حضرموت اليمنية كانت بها تجارة وزراعة القهوة،
وأنها كانت قهوة صافية غير مخلوطة. ومن حضرموت و « مخا » اليمنيتين،
انتقلت القهوة عبر البحر إلى إثيوبيا القديمة، ومنها إلى ممر وادي النيل (
السودان ومصر )، وعبره انتقلت إلى العاصمة العثمانية، بتركيا الحديثة، مع
بدايات القرن 16، وبالتحديد في مدينة إسطنبول ابتداء من سنة 1554، التي
فتح بها أول مكان عمومي في العالم، مخصص لشرب القهوة والراحة. ومنها
انتقلت إلى باقي الدول الأروبية، حيث فتحت أول أماكن استهلاك القهوة (
التي أخدت الإسم من هذه المادة وأصبحت تعرف ب « المقاهي » ) بلندن سنة
1652، ثم بباريس سنة 1672. مثلا، خلال القرن 19، كانت مقاهي إسطنبول
وبيروت ودمشق والقاهرة بلا عدد، ومن النصوص الجميلة في هذا الباب ( وقد
وردت في المرجع المذكور أعلاه )، تلك التفاصيل التي دونها الأديب الفرنسي
والعالمي الشهير، فلوبير، في كتابه « مذكرات رحلة الشرق » الصادر سنة
1848، حيث كتب يقول:
« إن الحياة عند الأتراك، حياة دعة. إنهم سعداء
بأيامهم تحت سماء رحيمة. إنهم يدخنون تبغا مدقوقا في غليون طويل ورقيق (
يقصد ربما آلة التدخين المعروفة عندنا مغربيا ب « السبسي » )، ويشربون
القهوة المطعمة بتوابل خاصة وهم يفكرون في حريمهم الذي هو في ما وراء
أسوار البيوت. ويبحثون عن أي مكان ظليل للنوم فيه. ينامون باكرا مع أول
الليل، ويستيقضون باكرا مع أول الشمس. يواظبون على صلواتهم الخمس، وفيما
بين أصايعهم تخر حبات السبحات وهم يتخيلون ما هم موعودون به في الجنة من
حليب وعذارى، بعد موتهم. أينما وليت وجهك حيث يوجد التركي، فإنك لا تجده
غير حامل لكأس قهوة في يد، وحامل للسبحة في اليد الأخرى، غارقا في تخيلاته
الآسرة ».
المثير، في ذاكرة القهوة، التي نستهلكها اليوم بشكل يكاد
يكون اعتباطيا في العالم كله، أننا قليلا ما ننتبه، نحن العرب المسلمون
والأمازيغ، أننا ونحن نرتشف قهوة مرة أو خفيفة أو ملقمة بالقرفة أو حبات
الهيل أو بالزنجبيل ( وبعض المناطق الصحراوية يضيفون إليها بعضا يسيرا من
الإبزار )، إنما نتصالح مع ذاكرة إنسانية، كان العرب المالكون للسبق فيها،
وأننا إنما نكرر تقليدا يمنيا قديما، قبل أن تنسى البشرية، وننسى معها، أن
القهوة ليست برازيلية، ولا أمريكو لا تينية، ولا إفريقية، بل إنها عربية
يمنية الأصل، منها انتقلت إلى باقي أصقاع العالم. بل وأن فكرة تخصيص مكان
عمومي للجلوس واستهلاك القهوة ( التي عرفت في ما بعد ب « المقاهي » )، هو
أيضا ابتكار مديني للعرب والمسلمين، ولهذا السبب ربما نحن أكثر الأمم عشقا
بالجلوس في المقاهي، فنحن بذلك إنما نقلد أجدادنا القدامى على امتداد
خريطة أمة محمد.




2008/7/15





الإتحاد الإشتراكي
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

على مائدة الأنبياء، ملح الطعام Empty لماذا الخبز عندنا مقدس، حرام أن نرفسه؟!

مُساهمة من طرف said الأربعاء 16 يوليو 2008 - 18:29

حين نقول الخبز، نقول الدقيق.. وحين نقول الدقيق، نقول الزرع.. وحين نقول الزرع، نقول الأرض والماء والبدور.. وهكذا، فإن سلسلة الإنتاج الخاصة بالخبز طويلة، قديمة ومتميزة، ضمن باقي المنتجات الفلاحية. والخبز يهمنا مغربيا بشكل خاص، لأننا من بين الشعوب المنتجة تاريخيا للحبوب والمستهلكة كثيرا للهذه المادة الحيوية. وبداية، لا بد من أن نسجل أن أهمية القمح والزرع عموما آتية من أنه المادة الطبيعية التي تهبها لنا الأرض، التي لا تبلى ولا تتعرض للتف كثيرا، وتعمر سنوات، إذا ما حُفظت من الرطوبة. بالتالي، فإنه رفيق وفي للإنسان، متى وجد بكثرة، ومتى كانت الأرض معطاء، وكان ماء المطر فيها غزيرا.
تاريخيا، من الشعوب المتوسطية التي لها ذاكرة غنية مع القمح، المغاربة. وحين نقول إن لها ذاكرة غنية مع القمح، فإن ذلك يعني طبيعيا ذاكرة غنية مع الخبز بمختلف أنواعه وأشكاله. ومن المراجع الهامة التي تقدم لنا معلومات دقيقة حول تاريخ القمح بالمغرب، كتاب الدكتور عبد الله العروي حول « تاريخ المغرب »، الذي فيه تفاصيل حول أسباب اهتمام الرومان منذ القدم بالمغرب. لقد ظل الرومان يطمحون إلى احتلال المغرب، لأن به أراضي خصبة تنتج كميات وافرة من القمح والشعير، التي جند روما في حاجة إليها. والحقيقة، أن تتبع خريطة الزراعة في حوض البحر الأبيض المتوسط، تجعلنا نكتشف أن مجالات الإنتاج الفلاحي الكبرى، التي تحقق غنى هائلا في مجالي القمح والزرع، أغلبها في الجنوب المتوسطي وفي شرقه، ثم في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. هكذا فإنه قليلا ما ننتبه أن فلسطين وبلاد الشام، ظلت دوما تشكل مجالا هائلا للأمل في ما تهبه الأرض من منتجات فلاحية بالنسبة لكل الديانات السماوية. فهي أرض هذه الديانات كلها، أرض الأنبياء إبراهيم وسليمان والرسل موسى وعيسى ومنها عرج بالرسول الكريم إلى علياء السماء. لأن الخصب التي تحققه بالنسبة للشعوب التي تقع جنوبها مباشرة يجعلها حلما لكل هارب من هجير الصحراء ويبابها وجفافها وندرة أسباب الحياة فيها. وفي فلسطين كانت الأرض حين تلقح بالمطر، تمنح أسباب حياة لساكنتها، وكانت من ضمن ما تهب، القمح والزرع، الذي من خلاله يصنع الدقيق، الذي يهب بدوره الخبز والحساء وغيره من مواد الأكل. وفي هذا الباب، لا بد من الإنتباه إلى ما يمثله اكتشاف عملية الطحن من أهمية في هذا الباب، فمن اكتشافات البشرية الكبرى في الأزمنة الغابرة، أنها لم تكتشف فقط النار، والفلاحة، بل أيضا كيفيات تحويل بعض المنتجات الفلاحية من خلال طحنها إلى مواد قابلة للإستهلاك. بل أكثر من ذلك، أنها واحدة من عناوين الذكاء الإنساني في تركيب عمليات عدة للوصول إلى مادة استهلاكية حاسمة إسمها الخبز.
لابد من الإنتباه أنه قبل الخبز هناك مسار طويل يمتد على مدى شهور، قبل أن يمنحنا الفرن تلك المادة الذي قدستها العديد من الشعوب ( الخبز )، ألا نتذكر في هذا الباب، كيف أنه لا يزال إلى اليوم في المغرب، الكثير من مواطنينا، حين يجدون كسرة خبز مرمية في الطريق، يحملونها برفق ويقبلونها ويضعونها في مكان عال، حتى لا تدوسها الأقدام، لأن الخبز نعمة، والنعمة لا تُرفس، بل إنها تقدس وتصان ويُتَقرب بها الله. إن مسار إنتاج الخبز إذن في ذاكرة الشعوب المتوسطية طويل، يبتدأ في أول شهر نونبر من كل عام، ويمتد حتى شهر يوليوز، أي مسار يطول على امتداد تسعة أشهر ( أليس في ذلك دلالة على أن الأرض والرحم سواء، لأنها تحبل تسعة شهور وتعطي غلتها للإنسان ؟!! ). وفي المسافة بين رمي البدرة وإخراج الخبز طازجا من الفرن، يعرق الفلاح وهو يحرث الأرض، ثم يرمي البدار، ويطلب من الآلهة أن تجود بماء السماء، ويظل ينتظر أن تحنو عليه وعلى أرضه، ثم بعد توالي أيام المطر، يفرح لاخضرار الحقول ( مهما صغرت )، يشذبها، يرعاها، ثم ينتظر أن تقوم أشعة الشمس بدورها في أن تنضج المحاصيل، حتى تكبر السنابل وتنحني ( « السنابل الملأى تنحني تواضعا، والفارغات منهن شوامخ » .. كما يعلمنا الشاعر العربي القديم )، ثم يشمر الساعد من أجل الحصاد، وبعده يبدع أشكالا عدة لدرس السنابل المجمعة في البيدر، ثم يخرج المدراة ويرفعها إلى السماء تبعا لاتجاه الريح، كي يفصل بين التبن وحبات القمح أو الشعير، ثم يجمع التبن في مكان والزرع في مكان، ثم تأتي مرحلة طحنه باليد أو من خلال اكتشاف الرحى، ثم تأتي مرحلة الغربلة التي تسمح بأشكال عدة من الدقيق، فيها الذي يصلح للحساء، فيها الذي يصلح للخبز بأنواعه، فيها القمح الصلب والقمح الطري وفيها ما تصنع به العصائد، وفيه الذي يصنع منه الكسكس وهكذا. وبعد الغربلة، تأتي مرحلة العجن وإضافة الملح والخميرة ( شعوب الشرق عموما لا تضيف الخميرة عكس مناطقنا المغاربية، ولهذا فإن أنواع الخبز المشرقية رقيقة جدا وأغلبها بلا ملح، وهي بذلك تشبه بعض الخبز اليهودي أكثر )، ثم تأتي مرحلة الفرن والنار، وبعدها يأكل الإنسان ذلك المنتوج الذي أنتج من خلال هذه السلسلة الطويلة، المركبة والتي تتطلب استثمارا هائلا في الزمن وأيضا في « الخاطر ». ألا يستحق ذلك المنتوج التقديس إذن؟!..
إن تقديس كل الأديان السماوية للخبز آت أساسا من هذه الخصوصية. مع التأشير، على أن الديانة اليهودية والديانة الإسلامية هي الأكثر تقديسا للخبر واهتماما به، لأن شعوب شرق المتوسط ( فلسطين القديمة والشام ) وجنوب المتوسط ( خاصة شعوب المغرب العربي، أكثر من مصر وليبيا )، وجدت نفسها في جغرافيات طبيعية خصبة ومنتجة للقمح. وهي تقدسه، لأنه المادة الفلاحية التي حين تتوفر تسد الرمق وتصبر طويلا في الزمن ولا تخون الإنسان، لأنها لا تتلف ولا تبلى. هل الدقيق في المناطق الساخنة والجافة يبلى؟!.. إنه لا يبلى، بدليل أنه في كل المناطق المغربية الغنية فلاحيا كانت هناك مطامير زرع، يظل بها القمح عقودا وليس فقط سنوات. فالخبز بهذا المعنى وفي للإنسان، لأنه صديقه وحاميه الوفي من الجوع، عكس باقي المواد الفلاحية السهلة العطب والتي تلزم الإنسان بالإستهلاك الفوري ( اللحوم، الخضر، الفواكه، الحليب والألبان ... إلخ ). وما دام الخبز وفيا إلى هذه الدرجة، فإنه طبيعيا أن يكون الإنسان وفيا للخبز والقمح والدقيق، بل وأن يقدسه عاليا. ليس اعتباطا أن يقول المسيح لأتباعه : « أنا خبز الحياة » وأن يجعل من الشعير المادة الأكثر قداسة وطهارة، بل وأنه المادة التي تزرعها أحيانا الملائكة، من خلال المطر. وليس اعتباطا أيضا، أن السيرة النبوية، توصينا كثيرا باحترام ما تهبه الأرض من خير ومن شعير وقمح وخبز، مع التأشير أننا بحثنا عن آيات قراية تتحدث عن القمح أو الشعير أو الخبز، فلم نجد غير آية واحدة سبق وتحدثنا عنها في سورة يوسف، من خلال حلم السجينين اللذين كانا معه في السجن بمصر، حيث رأى أحدهم أن الطير تأكل الخبز من فوق رأسه. وإذا كان فقه النوازل في الشريعة الإسلامية لم يتوقف كثيرا عند خصوصيات الخبز، والقمح والزرع، خاصة بدول المشرق العربي ( أما مغربيا فتوفر الزراعة والقمح والخبز يجعلنا تجربة خاصة في كل الخريطة العربية الإسلامية، وكانت الأعراف هي الحاسمة في تقديسنا للخبز عاليا، عكس شعوب المشرق العربي )، فإنه عند اليهود والمسيحيين قد كان من المواد الإستهلاكية المقدسة، بسبب وفرة الإنتاج في فلسطين وروما والأندلس وبلاد الجيرونديين ( فرنسا ).. هل يكفي هنا فقط التذكير ب « خبز الملائكة » عند المسيحيين، وأيضا كيف أن اليهود كل سبت يطبخون خبزا خاصا، بشكل دائري خاص وبدون ملح وأنه عندهم صدقة وعلى درجة عالية من القداسة..



2008/7/16
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

على مائدة الأنبياء، ملح الطعام Empty التفاح الذي أخرجنا من الجنة!!

مُساهمة من طرف said الخميس 17 يوليو 2008 - 18:04

الطبيعة واهبة، والإنسان ابنها الذي تتفضل عليه بالنعم.. والطبيعة خلقها الله مثلما خلق الإنسان، وجعل الواحد منهما في خدمة الآخر.. والإمتحان الحقيقي في كل الديانات السماوية هي أن يحافظ الإنسان على نعمة الله التي خصه بها، وأن لا يتجاوز الحدود التي رسمها له.. بهذا المعنى فإن مجال الخضر والفواكه، واحد من المجالات التي فصلت فيها الديانات السماوية القول، وربطته بمعان وجودية هائلة. ومن الأمثلة على ذلك: شجرة التفاح التي لها معنى ديني خاص في اليهودية والمسيحية والإسلام.. شجرة الزيتون التي هي شجرة مباركة في تلك الديانات كلها.. شجرة اللوز المقدسة في فلسطين منذ القدم... وهكذا. مثلما أن الفول والعدس والجلبان والقرع والتين والذرة البيضاء والخردل الأسود، والتوت والتين وغيرها كثير، كلها منتجات فلاحية مجدتها تلك الأديان في نصوصها.. مثلا الآية القرآنية الكريمة الأولى من سورة التين، التي تقول: « والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون. فما يكذبك بعد بالدين، أليس الله بأحكم الحاكمين » . إن منطوق هذه الآية الكريمة يكاد يلخص الكثير من نقط التشابه بين الديانات التوحيدية الثلاث، كونها تجمع على أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، ثم رده أسفل سافلين، إلا من آمن منه وعمل صالحا. والعمل الصالح هنا هو التعامل مع الذات ومع الطبيعة التي وهبها الله لهذا الإنسان، بما يضمن احترامها واحترام القانون الإلاهي الذي أوصى الرب عباده به، من خلال اختياره هو لرسله وأنبيائه. بمعنى أن تمة نظاما قائما، لا يجوز التجاوز عنه في المنطوق الديني التوحيدي.
إن أكثر الفواكه المرتبطة بالأكل والطبخ، في هذه الديانات الثلاث، التي تلخص هذا الأمر: شجرة التفاح.. فهذه الشجرة ذات حمولة خاصة في كل الديانات السماوية، لأنها عنوان أول غضب إلاهي على الإنسان، كونه أكل من
الشجرة المحرمة، بغواية من الشيطان، التي هي التفاح، وأنه حرم من الجنة. بالتالي، فإن فاكهة التفاح ظلت متهمة دوما على أنها الفاكهة التي حرمت البشرية إلى الأبد من نعيم الجنة، وأنزلتها إلى امتحان الحياة الذي يفضي إلى طريقين لا ثالث لهما في كل تلك الديانات التوحيدية، إما العودة إلى الجنة المفقودة، وإما النار وجهنم وسعيرها. ولو شئنا احترام التراتبية التاريخية للديانات السماوية التوحيدية الثلاث، فإن أولها الذي طرح قضية التفاح كفاكهة كانت محرمة على الإنسان، هي الديانة اليهودية. ويكاد جدر القصة أن يكون متشابها أيضا في المسيحية والإسلام ( مع تسجيل خصوصية في الإسلام، أن القرآن لم يذكر شجرة التفاح قط بالإسم ).
في النص الديني اليهودي، أي التوراة، تعتبر شجرة التفاح شجرة ظليلة، تصلح للراحة، مثلها مثل شجرة الرمان والنخيل، لكن قصة شجرة التفاح في هذه الديانة قصة خاصة. ومما يخبرنا به كتاب « على المائدة.. مع موسى، عيسى ومحمد » في الصفحة 94 منه، أن اليهودية تعتبر التفاح قد كانت « فاكهة محرمة »، وأن الشيطان غوى آدم وحواء بأكلها، مما جعلهم يجنون على البشرية كلها. وحسب منطوق هذه الديانة، فإنه كانت في جنة عدن شجرتان: « شجرة الحياة » و « شجرة معرفة الخير والشر ».. وأن الله أوصى آدم الذي خلقه من طين، أن يقوم بمهمة حراسة تلك الحديقة التي خلق من طينها، بذلك فإن آدم كان بستانيا، مهمته رعاية النباتات التي خلقها الله في تلك الحديقة، وأن يجعلها سليمة على نفس سيرتها الأولى. بهذا المعنى الذي يفيدنا به ذلك الكتاب التأريخي الهام، فإن الحديقة تلك هي ملك لله، وآدم ( الإنسان ) حارسها. أليست الدنيا والوجود كله حديقة لله، والإنسان حارسها؟!.. لكن، في حراسته تلك، فإنه غير مسموح له أن يفعل فيها مايشاء، بل إنه موصى أن يحافظ على التوازن المرسوم له مسبقا من قبل من خلقه من طين. كان مسموحا لآدم أن يأكل من كل فاكهة في تلك الحديقة التي يحرسها، وبذلك فإن الإنسان الأول كان نباتيا في المعنى اليهودي، ولم يكن يسيل الدم أو يأكل ما فيه دم، وأن ذلك لم يحدث سوى أزمنة طويلة في ما بعد، خاصة بعد الطوفان الذي عم الأرض، وبعد أن أعادت سفينة نوح عناصر الطبيعة إلى أماكنها ( أخد نوح من كل مخلوق زوجين حتى يضمن التوالد والتكاثر واستمرار ذلك النوع ). وبهذا المعنى، فإن فعل الأكل في التأويل اليهودي، هو فعل خارجي عن ذات الإنسان، أي أن الله خلق الإنسان في حاجة ماسة إلى أن يتفاعل مع الطبيعة التي هي ضامنة الحياة والصحة له. لهذا السبب فإن الله لم يحرم « شجرة الحياة » على الإنسان، أما « شجرة الخير والشر »، فهي شجرة امتحان أصعب على قدرة الإنسان، لأنه لن يفلح قط في أن يكون خيرا دائما أو شريرا دائما، وأنها عنوان التفوق الإلهي، وبالتالي فهي محرمة على آدم أن يقربها أو يتناول منها، لأنها شجرة آلهة، هم الذين يصنعون الخير ويصنعون الشر، ويعرفون مواقع كل منهما بشكل سليم، وهي دون قدرة الإنسان على العدل. لكن، المحرم دائما يغري، لهذا أغرت شجرة التفاح آدم وحواء، وكان دور الشيطان مساعدا لهما فقط، أي أنه خلق أسباب الإغواء.
بهذا المعنى، فإن التفاح، ( الذي لابد من تسجيل، أنه كان متوفرا بكثرة في ربى فلسطين الكبرى القديمة والشام. وأنه أقدم شجرة تعطي فاكهة صالحة للأكل في تاريخ البشرية )، هو لذيذ، صحي، نافع، لكنه منظور إليه بحسرة، لأنه عنوان الخطأ البكر للبشرية في علاقتها بالله، خالق الأكوان والسماوات والحياة كلها. ولهذا السبب، لقرون عديدة، لم يكن أتباع الديانة اليهودية يهتمون كثيرا بهذه الفاكهة، وهناك فرق متطرفة منها تعتبرها فاكهة محرمة. وليس مستغربا أنها لم تكن حاضرة بقوة في وصفات الطبخ اليهودي، فيما كانت حاضرة في الطبخ المسيحي، لكن في صيغة مثيرة، وهي طبخ التفاحة وتغليفها بمادة حلوة مثل العسل ( اليوم بالشوكولا )، نكاية في حلاوة التفاحة نفسها، أو بصيغة أخرى، لأن المسيحي بذلك إنما أراد أن يعتبرها فاكهة مُرَّةً تتطلب تحليتها بمادة حلوة إضافية. وأنها تستحق النار، أولا، قبل الأكل. لكن المثير طبيا اليوم، هو أنه فعليا التفاح المطهي في الماء المغلي، أفيد صحيا، لأنه لا يتسبب في الغازات بالمريئ وكذا في الأمعاء الصغيرة، أما تناول التفاح أخضر فإنه يتسبب في الغازات، رغم فوائدة الأخرى للقلب ولمقاومة الكوليسترول السئ.
إسلاميا، لا تختلف قصة التفاح عن تلك التي نحتتها الديانة اليهودية، بل تكاد أن تكون متطابقة. لكن، الفرق في الديانة الإسلامية، هو أن الدعوة المحمدية، نزلت في بلاد لم تكن تنتج التفاح، لأن الظروف المناخية لا تسمح بها ولا التربة والماء تعطي هذه الفاكهة. رغم ذلك فإنها من المنتجات التي ظلت حاضرة في موائد المسلمين، خاصة في البلاد التي دخلت الإسلام عقودا بعد وفاة الرسول الكريم، والتي كانت أرضها تنتج تلك الفاكهة ( فلسطين، العراق، بلاد المغرب العربي، وشريط وادي النيل ). علما أنها فاكهة غير مذكورة في القرآن، حيث بحثنا عنها في كل السور ولم نجد لها ذكرا، بل حتى الآية القرآنية التي تتحدث عن آدم وأكله منها، فهي تقول « لا تقرب هذه الشجرة »، بدون تحديد أنها شجرة التفاح. بينما ذكر التمر والتين والعنب..
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى