صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

«أورام موروثة» : محمد صوف

اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 12:55

خص الأديب المغربي محمد صوف
فضاء رمضان لبيان اليوم، بالنص الكامل لروايته الجديدة «أورام موروثة»،
التي لم يسبق نشرها. ندرجها، ها هنا، ضمن حلقات، على امتداد الشهر الفضيل..
وهي حلقات حافلة بالإثارة والتشويق والمتعة.
وللأديب محمد صوف إصدارات
عديدة، في الإبداع القصصي والروائي، وكذا في مجال الترجمة، كما له اهتمام
بكتابة السيناريو، وبالنقد السينمائي. ومن بين عناوين إصداراته: رحال ولد
المكي (رواية)، هنا طاح الريال (مجموعة قصصية)، أبناء قابيل (مجموعة
قصصية)، يد الوزير (رواية)، الرهان(رواية).


بيان اليوم


عدل سابقا من قبل izarine في الخميس 9 أغسطس 2012 - 12:59 عدل 1 مرات
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 12:56

(1)

فكر مروان يومها أن يخلع عنه هم العمر. أن يعلق خوفه على المشجب. ليس لديه الآن ما يخسره أو ما يخاف عليه .
حرية ..
قالت له كاميليا إن هناك من يحسده على شيء لا يستحق الحسد . لا يملك ما يحسد عليه . متاع الآخرين سقط متاعه هو .
قالتها ذات يوم .
و
هو الآن على سفر. يحب السفر. متعته يجدها في الطريق .. لا في الوصول. كانت
أجمل لحظاته تلك التي كان ينتظر خلالها قدومها إليه . متعته في الانتظار .
توقف
في قرية صغيرة . يحب القرى الصغيرة. القرية هادئة .تحيط بها الخضرة من كل
جانب . و في المقهى الوحيد الذي صادفه طلب براد شاي بالنعناع . أحب النادل
الطيب . ترك هواء القرية يتسلل إلى رئتيه وترك عينيه تجوبان أغصان شجر
الليمون . لو كان في القرية فندق لقضى الليلة فيه.
أفرد الجريدة أمامه
. أثاره عنوان صغير .ثم قال لنفسه . أنا هنا لأرتاح. خامره شعور بأنه
يعرف هذه القرية . يعرف مسالكها . حقولها. و دكاكين البسطاء فيها . أحب
الشاي ونفح النادل إكرامية لم يكن يتوقعها. قرأ ذلك في عينيه . عاوده
الحنين إلى كاميليا .غمره. ولأن الحنين جارف قرر أن يدع وراءه العالم
والكون و يرحل إلى هناك. الفندق الذي جاءا معا إليه ذات صيف .لا يزال
رابضا في مكانه. لكن العاملين تغيروا كلهم . عندما وصل إليه كانت الشمس
شفقية تداعب الأفق.. تناغي هرج البحر. كان يشعر بقرص الشمس البرتقالي
يهمس بشيء للماء فيتهادى في شاعرية نحو الشاطئ.
كاميليا تحب البحر .
ترك
أمتعته في الفندق وهزه الشوق إلى جولة عبر المدينة الصغيرة .إلا أنه غير
رأيه . أخمد شوقه. و في الغرفة تحرر من ثيابه ووقف تحت رشاش الماء الذي كان
ينساب دافئا عبر مساماته .
آه لو كانت معه كاميليا الآن.
شعر
بالإنهاك. وأدرك أنها حاضرة فيه أكثر مما كان يتوقع .أدرك أنه في حاجة
إليها و فكر في هشاشة الحياة. و في هواجسه الخافتة الحاضرة بقوة كالأشباح .
لا يستطيع إلى طردها سبيلا .
لا شك أن كثيرين عاشوا وضعيته .
أوقف تنفسه للحظة.أحس بألم دقيق تزرعه اللحظة في مكان ما منه .
في
غيابها يفقد كل شيء لونه. تخفت البهجة التي عاشها ذات زمان في هذا المكان.
يذكر يوم جاءته في عيد العشاق و في يدها وردة . يذكرها وسيمة تحتضن
ابتسامتها سحرا غجريا .
تتحرك في داخله . تعيش فيه. غيابها لا يعني اختفاءها.
يذكر الحزن الذي كان يغلف عينيها . كان يزيدها جمالا. وكان يتساءل هل يحتل هو مكانا ما في وجدانها ؟
و ها هي تتحول حلما. يترقب الليل بأحلامه و صمته وبالرحلات التي يقوم بها خلاله و كأنه يحوم في الهواء متحررا من ثقل الحقيقة .
والحقيقة غيابها.
نهض
من مكانه ليتمشى في حديقة الفندق.كان ضوء الحديقة خافتا وشموع تزين موائد
المطعم التي لا تزال فارغة . بعد قليل ستمتلئ بالعشاق و بهمساتهم.ترك
بصره يزحف نحو الجبل. بدا له قريبا يكاد أن يلمسه إذا هو مد يده إليه . و
رأى أمامه شبحين متعانقين .
ابتسم.
تذكر شيئا ما. هو هنا ليتذكر.
و كلما تذكر أحس بالدفء.و كلما تذكر شعر بالصقيع يغزو أطرافه .
كم يرغب في الإبحار .إلا أنه كلما فكر في ذلك تساءل عن المرفأ الذي يرسو فيه.
لمرساه اسم .. كاميليا .
ناعمة .رشيقة. ابتسامتها بليغة.تقول دون أن تقول وأنفها الدقيق شامخ في كبرياء. و ذكية . كان ذكاؤها يرهقه. يمنحها سحرا تلقائيا .
كم
مرة فكر أنه لا يستحقها . مساء الحياة ما يعيشه. وعليه أن يقلع عن الأحلام
. إلا أنها كانت ترفض قراءته لعلاقتهما . علمته أن الحب لا يقاس بالسنين .
تناهى
إلى سمعه عزف قيثارة آت من أعلى .وانطلقت أغنية يعرفها جيدا. كاميليا
أيضا تحبها .انساب اللحن دافئا محملا بذكريات عصية على النسيان. كان
النغم حزينا. يحفظ الأغنية عن ظهر قلب .لطالما ردداها معا .بدت له الأغنية
الآن أسمى و أرق من كل ما سمع . وأحس بدفقة من شيء مجهول تدفع به إلى
الفوران .
جلس وحيدا.على المائدة إكليل من الزهور. ألقى نظرة حوله فرأى
الشبان أكثر عددا من الأٌقل شبابا .و رأى الشابين اللذين كانا متعانقين
يستوعب أحدهما الآخر . ويتحدثان بهمس . على مبعدة منهما جلست امرأة أنيقة
كستنائية الشعر. كانت بمفردها . كان رأسها يتمايل و بدا له من حركة
شفتيها أنها تردد الأغنية وتحفظها عن ظهر قلب .
''معذرة سيدي. أعتقد أني أعرفك . وجهك ليس غريبا علي ''.
كانت المرأة ذات الشعر الكستنائي .
رفع رأسه نحوها. جاءه الصوت خافتا كما لو أنه صدر من بعد سحيق .
وجد الحل في ابتسامة غامضة .
أضافت المرأة .. '' ألست مروان العاشق
أجاب :'' بلى ''
مدت
يدها إليه تبغي مصافحته . أمسك بأصابع خالية من العظام . بشرة ناعمة. كان
بصوتها بلل. لزجا كان .تلتصق كلماتها بالأذن و لا تبرحها.
- أنا قرأت لك كثيرا .
اندهش. لم يسبق له أن وجد شخصا يعرفه من كتاباته . ولم يجد سوى كلمة شكر يبدد بها خجله .
عاد نغم القيثارة يدغدغ مسمعه و انساق في حلم عذب. أضاف الصوت اللزج .
- تشرفت بمعرفتك .
و
انصرفت. لم يلق بالا إلى انصرافها. كان يشعر بكاميليا في كل ذرة هواء .
في كل ورقة عشب. في كل وردة . في كل دغل . كان يحس بحضورها فيه جارفا .
رن
هاتفه المحمول . كان صديقه محمد .سأله عن أخباره وحدثه عن شريكه الذي
يلح على عقد اجتماع في أقرب الآجال . قال له إن الموضوع مصيري وهو في حاجة
إلى نصحه . تراءى له الشريك بوجهه المرقط بالبياض . وتذكر أقواله بأن
الحياة مجازفة. والكسب مجازفة .
أنصت إلى صديقه ولم يعطه موعدا محددا.
في غرفته شعر بالرغبة في أخذ حمام دافئ . و أحس بكآبة يجهل مصدرها. وابتسم
لكاميليا . كانت صورتها تضاحكه قرب السرير . حدق في اتساع وسواد عينيها و
في وجهها الدقيق طفولة. كان دائما يسعى إلى قراءة ما في عينيها من قلق
وشرود وحزن دفين . عاد إليه صوته.
- أنت رجل رقيق المشاعر. ساهم
النظرات . لا تختال ولا تخاتل .ولا تلبس أمامي فروة أسد . و مع ذلك أراك
أسدا رقـيقا. و كلما رايتك أسدا رقيقا تزداد سحرا .
تقول ذلك و تتماسك الأصابع . تتشبث ببعضها البعض . وتلتقي النظرات حافلة بدفقة من شيء عصي على الوصف .


izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 12:58

(2)

الساعة الثانية والنصف بعد
منتصف الليل .تجلس كاميليا نفسها. وتتأمل حياتها تنظر إليها وجها لوجه.
تنصت إلى تنفسها البطيء. تشعر بالغربة.
تؤمن بأنها لم تعش أبدا. كل
الأيام عليها. كيف تنجو من رجل يطاردها ولا تملك القدرة على تسلق جدران
سجنها. هذا الرجل جاء ذات زوال دون سابق إنذار. طرق الباب وقال للوالد: أنا
طرقت بابك و غرضي نبيل. فرحب به الوالد وفتح له الباب على مصراعيه.
لم تفهم ما وقع. أحست أنها تغوص في أرض رخوة.
أنت
مطلقة و أم . وأنت في حاجة إلى الستر وأطفالك في حاجة إلى من يرعاهم. هذا
الرجل هدية من السماء. جاء إليك بكرامتك. فكري في الوالد. في أولادك. فكري
في ما يقول الناس .فكري في الأصول. في التقاليد. فكري يا بنيتي ورضاي يحفك.
لم تفهم كاميليا . وتبادر إلى ذهنها مروان.
فكرت فيه وأمامها الوالد والزوج المرتقب. شعرت بها تتضاءل تحت ركام هذه الكلمات التي لا تعني لها شيئا.
لا تملك شيئا . كل شيء ملك الوالد. حتى هي. أحست أكثر من أي وقت مضى أنها قطعة من أثاث البيت. يمكن له أن يستغني عنها متى شاء.
كل شيء ملك الوالد . حتى أحاسيسها. تعيش وسط ذوقه . كل ما يحيط بها غريب عنها. وكأنها تعيش في فتور وبنوع من الاستسلام.
ظل الرجل ينتظر الرد. نظرة الوالد استفهام ينتظر ردا.قالت:
- أنا لا أعرف هذا الرجل.
اندهاش... كيف تجرؤ ؟
كاميليا بدورها اندهشت. هاهي تقول لوالدها ما بنفسها لأول مرة دون أن تلقي بالا لأحد.
قال لها الرجل:
- لا تتسرعي في الرد. خذي مهلة للتفكير. وستعرفينني و مع مرور الزمن ستحبينني.
أمام صورة مروان كادت تصرخ في وجه الرجل.
لا
يمكن أن أعرفك .. ولا يمكن أن أحبك . لكنها كبتت صرختها داخلها .وشعرت
بأن حياتها خالية من ملامحها هي. فيها المجتمع والواجب والحلال والحرام..
كل شيء .إلا هي. رغبت في أن تحطم أي شيء كما يفعل طفل غاضب. و في أن تخرج
إلى الهواء الطلق و تركض .تركض.تركض.
رغبت في أن تفرد جناحيها و تحلق كطائر.
و تمر الأيام و شيء جديد غامض يدخل حياتها. أهواؤها تتساقط رويدا رويدا. وقالت لا بد أن أكلم مروان.
ببضع
كلمات شنت عليه غارة. شعر وهي تقذفه بالخبر بغصة ورآه يخسرها في لحظة.
شعرت بتعلقه بها يفوق كلماته. هو الذي لا يملك غير الكلمات.
صمت.وقرأت
صمته.كان أبلغ من القول. سمعت صمته يبكي . وقررت أن تخرج. أن تتمشى .اختارت
الطريق الأطول نحو البحر. كانت قدماها والطريق في انسجام صوفي . دخلت
معتركا جديدا وكان عليها أن تفكر .عاشت لحظات مؤثرة في حياتها.عرفت مواقف
كانت تقول عنها صعبة. إلا أن ذكاءها يلهث أمام هذا القادم الجديد الذي طرق
بابها طالبا راغبا في أن تكون رفيقة ما تبقى من أيامه. حاملا عمرا على
ظهره وتجارب كثيرة ودهاء فريدا.
وقفت في فضاء فارغ قليل الأشجار. و
كأنها ترى لأول مرة تلك البناية التي تهيمن على المدينة . خلفها السماء
تلقي بغيومها على اليوم .و مع ذلك وجدت للهواء طعما لذيذا يقتحم رئتيها .
كانت تتنفس ببطء.
ثم عادت إلى البيت. رأت أنها مقبلة على خلع هذا البيت
برمته . ستخلع عادتها.كلماتها وابتسامتها التي تزرعها في وجهه كل
صباح.فجأة شعرت بشيء ثقيل يربض عليها. أحست بالخوف. بالتردد.
قال لها أنا معك. قرارك هو قراري ,لست وحدك في هذه المعركة. وقالت هي ماذا نملك معا في مواجهة هذا البوح الجارف؟
فكرت في أطفالها .فكر في أطفالها.فكر في الوالد الذي يريد أن يطمئن بطريقته على ابنته و على أحفاده.
فكرت
في المجهول الذي جاء يحمل مستقبلها على خاتم خطوبة . يرغب في امرأة تكنس
ما خلفته نساء غيرها من دمار ويستنجد بالزواج منها ليحمي نفسه ويحمي
الباقي من أيامه بمتراس هو شبابها ووضعها الشاذ كامرأة دون رجل في بيت
محافظ.
رأت أنه جاء بعرضه هذا ليغتال حياتها. رأته يربط سعادته بحقه في أن يجعل منها امرأة تعيسة والحياة معه موت.
لا بد من المواجهة . فهل تستطيعين يا كاميليا؟
في
غرفتها كانت تنصت إلى المقطع الأخير من أغنية الأطلال لأم كلثوم . سمعت
طرقا خفيفا على الباب عرفته من طريقة الطرق. يذكرها وجهه بأيقونة قديمة
علاها غبار الزمن . دخل .مد يده إليها يداعب ذقنها .تركته يفعل. جذبها إليه
.تركته يفعل. طبع على شفتيها قبلة طويلة. تركته يفعل. أحس ببرودها.
قالت:
- لن يمنحك مالك ووضعي الاجتماعي ورغبة والدي سوى جسدي و تأكد أنك كلما لمستني لا تقوم سوى باغتصابي.
جذبها إليه أكثر.
- إنه حقي.
ابتسمت بشماتة.
-
هل يغتصب الحق ؟ اسمع يا زوجي بالقوة. الطريق الوحيد الذي يمكنك من
الانتصار على امرأة يمر عبر قلبها . يكفي أن تحبك امرأة لتقتنع بك. وهذا لا
يتيسر لك معي
لعق شفتيه بلسانه .رأت في فمه صرامة.
صمتت لبرهة
وحدق بعينين نهمتين في شعرها المتهدل ويديها الصغيرتين وهما تسويان خصلاته
التي أفقدها عناقه لها نظامها. قرأ في عينيها السوداوين قلقا غامضا.رآها
شاردة. لا تنظر إليه حين تحادثه و كأنه غير موجود .
ودون أن تنظر إليه قالت:
- حاول أن تفهم إن نومي قربك ليس نوما . إنه قطعة من عذاب.
جعلته كلماتها يتضاءل .يشعر به صغيرا. تافها.وحيدا. هذا الرجل الذي دخل العمر الثالث بدأ ينتفض كطفل تركته أمه وحيدا في الظلام.
قطب.

- حاول أن يبعد الإحساس بالضعف .
- أنت زوجتي شرعا . أنت حرثي . و سآتيك أنى شئت.
تراخت أعصابها دفعة واحدة .نظرت إليه في استسلام.
- قولي شيئا.
-
تريدني جارية.قد يكون . لن أكون لك زوجة .لن تشاركني حياتي لن أشاركك
حياتك. أنا هنا ببيتك مجرد دمية كتلك الدمى التي تنفخ ويقضى منها وطر
وهمي. الشرع جعلني وقفا مكتوبا باسمك .لا أكثر . أرجوك... إنك تصبح مضحكا و
أنت تتقمص دور الأسد. إني أختنق.
قفزت إلى ذهنها صورة مروان باسما .امتقع لونها قليلا وأحست بنظرته تجردها من ثيابها. قالت له:
- ليست لديك الشجاعة الكافية للقيام بمهمة واحدة تتطلب رجولة ومروءة .
همس لها:
- ما علينا..
وأحاطها بذراعيه وأضاف:
- ستتعودين.



izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:00

(3)

- محمد . ماذا كان رد مروان عندما أخبرته برغبتي في لقائه؟
لم يحر محمد جوابا .
حدق فيه مصطفى العصوي و رأى محمد بريقا جديدا في عينيه . قال مصطفى:
- الأمور تطورت . وأنا أفكر في أن اقترح على مروان أن يبيع لي حصصه في الشركة. سأعرض عليه مبلغا يسيل اللعاب .أريد الشركة لي وحدي .
- أنت تعرف أن مروان لم يخلق للركض وراء المال .والتجارة آخر همومه.
- لذلك أقترح عليه الآن أن ينسحب . أذكر أنه قال لي عندما كنت في أزمة وعرضت عليه الشراكة . إن الثقافة والمال لا يلتقيان.
- أعطاك كل ما وفره . أفرغ حسابه ليشاركك فقط ليخرجك من أزمتك .وتريد أن تتخلص منه . أتدري أين يجد عزاءه؟
اتسعت حدقتا مصطفى العصوي و ظلتا تنتظران ردا على السؤال .
-
في العمال الذين تتيح لهم المؤسسة العمل . قال لي مرة إنه لا يستطيع أن
يكون غيره .قالها عندما اقترحت عليه مشاركتك المصنع.. وقال أيضا إنه يحب
أن يعيش حياة يملكها على أن يعيش حياة تملكه . لا يريد أن يكون لديه شيء
يخسره أو يخاف عليه ..
تلك هي الحرية.
ضحك مصطفى وقال :
-هذا ما
سأمنحه له . أشعر أننا لن نختلف .سيخرج من هذا المكتب مسرورا . ويعود إلى
أوراقه و كتبه . ليدع المصنع وعماله لمن يستطيعون تدبير مثل هذه الأمور
.سأدعه يمضي الساعات يحدق في البحر دونما حاجة إلى أنيس . لقد أخذ من
الشركة أكثر مما أعطى . هذا يكفي.
في هذه اللحظة رن الهاتف .قرأ الرقم وابتسم .
- زوجتي . نعم حبيبة قلبي. نعم. أمرك.
انتهت المكالمة .
-
إنها في طريقها لتصبح مدمنة دنيا. عزيزي محمد.الدنيا مثل الأفيون . طعمها
لذيذ يصيب بالخدر والهمود. في البدء كانت قاسية عنيفة . تشتم عمري الثالث
وتبصق في وجهي سنواتها الثلاثين .سأعرفك عليها وسترى كم أنا محظوظ. و
سأكون محظوظا مرتين إذا قبل مروان العاشق العرض الذي هيأته له .

مصطفى
العصوي يحب المال . المال عنده غاية. وكل الوسائل إليه مبررة. حتى زوجته
.. يردد مرارا في خلده أنها قبلت أن تضحي بشبابها لا من أجل سواد عينيه بل
من أجل حسابه بالبنك. لا يمكن لأحد أن يقتلع هذا الاعتقاد من دماغه .
ثم
إنها تطبخ كأحسن طباخ في أحسن مطعم. وتعرف كيف تسلك الطريق التي تؤدي
إلى قلبه . إلا أن حديثها معه يتسم بالعنف .يتسم بالقسوة أحيانا. و هو يضع
ذلك على حساب شبابها . كلما أطال التحديق فيها أزاحت بصرها عنه فيقول :
- لدي حق التحديق فيك .لقد بذلت كل ما بوسعي لأجعل منك سيدة بيت و أخرجتك من دائرة المطلقات و منحتك اسمي.
و
ما أن ينهي جملته حتى تقذف في وجهه ضحكة ساخرة.ويصمت. في جلساته مع
أصدقائه كان يحب أن يفخر بشبابها و جمالها.وكان يراهم ينظرون إليها بنهم و
بأسف على شبابها المهدور. وحتى نساء أصدقائه كن يحدجنها بنظرات تتكلم
ويغتظن و هن يرين أعين أزواجهن تزيغ إليها.
سيقول لمروان خذ نصيبك
وارحل.كثيرا ما كان يثيره سلوكه مع العمال خلال الزيارات النادرة التي
يقوم بها للمصنع .كان يثيره كون العمال يحبونه .يبتسمون في وجهه. تشع
ابتساماتهم له من القلب ابتداء من الحارس مرورا بعمال التنظيف.لذلك ولغير
ذلك وجب التخلص منه . صحيح أنه أنقذه من بيع المصنع حين كان في أزمة
خانقة. وأعطاه كل ما ادخر. لكن...
ما علينا.
ما يثيره في مروان أنه
يكتفي بالتصحيح بقلم الرصاص في كل ما كان يعرضه عليه من وثائق و يمكنه من
أن يستعمل الممحاة وتنتهي الحكاية . قال له مرة هؤلاء العمال لهم صبر
الأرض واحتمالها و عذوبتها .
لم يفهم.
مرة دعاه إلى ضيعته فاقترح عليه أن يكون الغذاء تحت شجرة لا يذكر اسمها .سأله لماذا رد لأنها حين تزهر تملأ النفس بالأريج .
ولم يفهم .
وكل
مرة يتأكد أنه يشارك مجنونا في صفقة مربحة . كان يتحدث عن الأزمة و عن
كيفية احتوائها و يضرب الأخماس في الأسداس و يتلكأ في القول وهو يتحدث عن
إكراميات يتوجب منحها لموظفي الضرائب فكان مروان يوقفه . ارتح قليلا .
أخرج عقلك من صراخه وشرحه وبراهينه واحتجاجاته وحيله واسمع مرة واحدة لصوت
القلب .
يغضب مصطفى و يصرخ .
- كيف سنغير هذا الواقع إذن ؟
فيرد عليه مروان بهدوء.
- كيف ؟ الأمر في غاية اليسر. تعال نغير العيون التي ترى هذا الواقع .
صمت مصطفى.
- أنت لغز.حديثك ألغاز. أنا رجل أرقام . أنت مجنون.
رد مروان دون أن يرف له رمش .
- الجنون يا عزيزي كالملح .يحفظ الوعي من التعفن.
هي
مرات قليلة التقيا خلالها . وكانت كافية ليقرر الانفصال عنه.إنه رجل غريب و
تستحيل الثقة فيه. و تتضخم لديه الرغبة في أن يجني منه ربحا مدمرا.
نسي
صداقة عمر. صداقة العمر هذه هي التي جعلت مروان يدخل وجعا كان في غنى عنه
لينقذه من ورطة كانت ستودي بالشركة عندما طرق الإفلاس بابها . وعندما بدأ
الدائنون يطالبون بمستحقاتهم . وبدأت الرسائل تفد عليها من المحامين
يحذرونه من إدخال المؤسسة إلى التسوية القضائية أو التصفية القضائية . وهما
أمران أحلاهما مر.

كان لا بد له من شريك.
لم يلتفت إليه أصدقاؤه
من أرباب المصانع الأخرى والتفت إليه محمد و هو مجرد رجل تعليم يعيش
بأجره فقط لا غير .واقترح عليه مروان الذي رغم صداقتهما لم يخطر بباله
شريكا قط . لم يقل مروان لا.
لا يزال يذكر عندما دخل هو و محمد على
مروان بمكتبه في الجريدة وسط ركام من الأوراق و الكتب . ويذكر حينما قص
عليه محمد قصة مصطفى . صديق الطفولة فتح الرجل القمطر و أخرج دفتر شيكات
ووقع شيكا قبل أن يعرف المبلغ المطلوب .
وسأل :
- أتمنى ألا يتجاوز ما تحتاج إليه ما يتوفر عليه حسابي .
و ضحك.
- لا أريد أن أمنحك شيكا بدون رصيد . أخاف على نفسي من غضبك . قد تزج بي في ردهات المحاكم وأنا في غنى عن كل ذلك .
و عندما ألقى بالرقم على مسمعه تنهد الصعداء وكتبه و مد له الشيك قائلا :
- قم أنت بإجراءات الشراكة . أنا لا أفهم في مثل هذه الأمور .

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:02

(4)

عند ما جاء إلى هذه المدينة كان شريكه آخر همومه . و ها هو يلاحقه .يقترح
عليه اجتماعا طارئا في قلب ذكرياته . سيدعه يفعل ما يشاء . وسيقول له .
أفوض لك كل الأمور.
كان الوقت ليلا . نزل من فراشه .خرج من رحلته مع
أحلامه . في كل رحلة معها كانا يحلقان في الهواء محررين من ثقل الواقع.
مصنوعين من مادة كلها بهجة. أخذ هاتفه المحمول و ركب الرقم وانتظر الجواب .
ظل الهاتف يرن .فأجل الاتصال بشريكه.
وعاد إلى فراشه .
رن الهاتف . كان محمد.
-
فكر جيدا . العمال يتشبثون بك.يرفضونه.يحبونك.يكرهونه .أنا أعرف أنك
كالماء العكر الآن . تحتاج إلى قليل من الوقت لتستعيد صفاءك . لا تقرر
الآن. ارتح.وتأمل . وستتخذ القرار الصائب .
لا يدري لماذا راج بباله شيء
كالاعتراف بالجميل والوفاء . هو يعي تماما أن الوفاء مرض لا يصاب به غير
الكلاب .ولا يمكن لهذا المرض أن يتسلل إلى الإنسان .
حاول أن ينام
لكنه لم يستطع.لو كانت معه الآن لناقش معها الأمر خلع ثيابه بكاملها وفتح
رواية بوليسية لكاتب مغربي . ولم يستطع أن يقرأ منها سطرا واحدا .تنفس
ببطء وشرع يعد أنفاسه الواحد تلو الآخر . وبين النفس والنفس كانت ضحكة
كاميليا تدغدغ اللحظة. تدغدغه.
كان وحيدا.لم يكن يرغب في شيء. أحس أن
مزاجه متقلب و أنه غير قادر على المكوث في مكان واحد .فارتدى ثيابه و خرج
يتمشى دون وجهة معينة . كان المساء دافئا . عند كل جذع شجرة كان يحلم أنه
معها .
لم يكن يعلم أن الحنين بهذه القسوة.. وعندما عاد إلى الفندق رأى
المرأة ذات الشعر الكستنائي .حياها من بعيد لكنها أقبلت نحوه وقالت :
- جميل ما كتبت عن الحب في زاوية هذا الأسبوع .
همس لها شكرا. وألقى إليها بابتسامة خافتة.لا يحب أن يفرض أحد نفسه عليه . تابعت المرأة :
- معذرة أستاذي .. لماذا تكتب ؟
- لأني عاشق كتابة
التقت
عيناه بعينيها .كانت تنحو نحو الأربعين .وفكر أنها ستظل تطارده ما داما
يتقاسمان الإقامة في . هذا الفندق . لا بأس أن يجلس معها قليلا وأن
يتحدثا طردا للضجر الذي يحاصره .
بدت متحمسة لمجالسته وقبلت الدعوة دون تردد.
أخذا
مكانا في المقصف. ورآها صبية ريانة. و تعجب كيف يهرب من قامة ممشوقة و جسد
متسق .لا شك أنها تمارس الرياضة. انتبه إلى الصدر النافر و الخصر النحيف .
أحب شعرها.
خرج من تأملاته و همس :
- لنشرب نخب صداقتنا .
رددت :
- لنشرب نخب صداقتنا . دعني أعرفك أكثر.
رأى قلبها ينبض في عينيها وتجلت له كاميليا . شعر بغصة . أين هي الآن ؟
- هل أنت متزوج يا أستاذ ؟
- وأب .
- هل أنت سعيد في زواجك ؟
-........
- أعرف أن العشق يتآكل تدريجيا بعد الزواج.و أعرف أيضا أنك شخص من طينة مختلفة .
- ممكن .
و إذا بالمرأة تسكت . مقطوعة فيفالدي أعطت لسحنتها لونا جديدا. قالت :
- الله .. لهذه المقطوعة رائحة . و أكاد ألمسها .
شعرت بنشوته .لامست ارتعاشته والنغم يتسلل إلى روحه . بصوت خافت قالت :
- أنت عاشق يا أستاذ .
صمت . أضافت :
- أنت تحب ..
ياه .. أهو شفاف إلى هذه الدرجة ؟
- و كئيب . شخص ما يسكنك . سعيدة هذه التي استطاعت أن تصيبك بمس من عشق .
حرك رأسه بالموافقة . رفعت كأسها .
- في صحة الصحفي العاشق .
وضحكت . و سمع ضحكة كاميليا . آه لو كان صوتها أقراصا يتناولها كل صباح على الريق . وكل مساء قبل أن ينام.
قال لها :
- هذه الجلسة معك ورطتني في لحظات جميلة .
أحس اللحظة أنه تخطى حدود العقل و أنه يقف على باب مملكة الجنون .
-
أنا عاشق فاشل يا سيدتي . أنا في مفترق طرق . هل أحول الفشل إلى كبرياء ؟
أم أحب الحياة و أركض إليها مغترفا من لحظاتها ما استطعت .
راحت تتطلع إليه
- الصبر يا أستاذ . والأمل .بالأمل ستحقق ما يتجاوز الأمل .
هذه الجملة من هذه السيدة المجهولة جعلته يرى كل شيء بسيطا و ممكنا .. أضافت المرأة :

ستوفق. حتما ستوفق. في عينيك بريق كذلك الذي يشع من عيون الأطفال .لك قدرة
على الاندهاش . أنا أعي أنك ترى محبوبتك في أي زهرة في أي تمثال جميل .
في أي لوحة . في أي قصيدة .
هذه المرأة اكتشاف.
وجاءه رنين الهاتف.
-
أنا آسف على الإزعاج . لقد بذلت جهدا مستحيلا من أجل الحصول على رقم هاتفك
. أنا من النقابة . اسمعني جيدا.بالله عليك . استحلفك بمبادئك أن ترفض ما
سيعرضه عليك شريكك .عندنا خطة . اطلب مهلة للتفكير . أنا أعرف أنك أكبر من
المال . وخلال هذه المهلة سنتفق على خطة تسعد بها نفسك وتسعد بها عمال
المصنع الذين يعانون من شظف العيش .. أتعدني ؟
همس : أعدك .
انتهت المقابلة ولاحظت المرأة أن المتكلم غير المرأة التي يعشق.
- لا شك أنك تقبل على منعطف في حياتك .
لاحظت أن أعصابه تراخت .نظر إليها في استسلام.فنهضت.مدت يدها له مودعة .
- تصبح على خير.
- تصبحين على خير .لسانك يقطر حقيقة.
ابتسمت له و أضافت :

-
أتمنى أن تقبلني صديقة لك. أنت في حاجة إلى البوح وكبرياؤك عاتية تعتبر
الإفضاء ضعفا .. ستلين . وعندما تلين ها أنا. أحس بيد تعتصره و تمنى لو
جاءت كاميليا و بكى على صدرها كالطفل . ثم أحس بابتسامة صديقته تشيعه .
ثم بالبركان داخله يهدأ .
- شكرا سيدتي . أنا ذاهب لأنام .

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:03

(5)

أود أن أعيش ولكني أتدحرج.هكذا فكر مروان و هو يدخل بيته. كنت غبيا عندما
اعتقدت أني أعيش الحياة . هي التي تعيشني . جاءته رسالة هاتفية من كاميليا
يقول له إنها ضاقت درعا بمصطفى العصوي . أحس لأول مرة بالرغبة في القتل
إذا كان القتل سيخلصها منه.
رن هذه المرة هاتف البيت . كان أحد عمال
المصنع. حاول أن يتذكره لكنه لم يفلح إلا أن العامل قدم نفسه باسم يحيى .
تبين له أن الرجل على درجة من الوعي و حدد معه ميعادا قبل أن يتصل بمصطفى
العصوي.
- نحن أيضا لنا كرامتنا وكبرياؤنا ونريد أن نغتصب حقنا بيدنا
وأن نأخذه رغما عنه . كانت المقهى تغص بالزبائن .لم يعتد مروان على هذا
الصخب .لكنه أحب اللحظة.
-نحن نعمل لحساب منافق تافه .لسانه يقطر كذبا
.و لا نريدك أن تخضع لأهوائه . نحن نقدرك يا سيد مروان العاشق لا نريدك
بعيدا عنا تطل علينا من فوق .نريدك خارجا من أحشائنا .
قرأ يحيى في عيني مروان مشروع قبول للمبدأ.
- ماذا علي أن أفعل في نظركم ؟
- الأمر في متناولك.
بكلمات
بسيطة قص المشروع عليه .لا تقبل عرضه.ارفضه بضراوة إن اقتضى الأمر ضراوة.
اطلب مهلة للتفكير. خلال هذه المدة ستتطلع على خطتنا التي ترفض له الفوز.
لقد مارس بهتانه عليك زمنا . ويجب أن يتوقف زحف المرارة التي عانينا
منها طويلا. هذا الرجل يدوسنا ويدوس مشاعرنا.
كان يحيى يتكلم ومروان
يصغي . وبين الفينة والأخرى تتراءى له كاميليا في كامل بهائها فيضيع
تركيزه . لكنه يعرف الموضوع. وحديث يحيى المسترسل الطويل الحافل بالتكرار
يمنحه فسحة للتفكير فيها . في رسائلها الهاتفية منذ أن ذهبت إلى بيت زوجها.
نحن منفصلان منذ البدء قالت مرة. نتلامس بالجسد فقط. أتصدق عليه مكرهة .
أحيانا أتلذذ بحرمانه و عذابه . قالت مرة أخرى لا يمكن أن استمر مع هذا
الثقيل المعتم الجامد اللزج . كل نظرة منه إلي رصاصة في الروح .
ومرة حدثته عن صديقة لها تدعى نانا وعن حكمتها وقالت له :
-نانا تقول إن كل حب عظيم قسوة وألم . و هي تحبنا لأننا نقاسي بصدق.
باختصار لن يوافق على الصفقة التي سيعرضها عليه مصطفى العصوي . قد يقترح عليه هو أن يتخلى عن حصصها لفائدته .
هذا ما فهم من عرض يحيى .
والتقيا .
اختار
مصطفى للقاء ملهى ليليا.كانت الراقصة تتمايل وفق إيقاع مقدمة موسيقية
لأغنية ‘’فاتت جنبنا ‘’ لعبد الحليم حافظ.كان مروان يعشق هذه المقدمة
ويسمعها باستمرار إلى أن حفظها عن ظهر قلب .تساءل متى سيدخل مصطفى في
الموضوع.
صب له الويسكي في الكأس. قال:
- في صحة صداقتنا .
رفع مروان الكأس وألقى بابتسامة باهتة و حمل الكأس إلى شفتيه دون أن يرشف منها شيئا .
وأحس برغبة في الضحك .رآهما رسما ساخرا . أضاف مصطفى العصوي
- صداقتنا ستدوم رغم انفصال المصالح .
خلاصة القول قال مصطفى ما عنده.واحتفظ مروان بالصمت.وعندما حثه على الكلام رد :
- دعني أفكر بالأمر.
وعاد
إلى ذهنه أصدقاؤه الوهميون الذين يلجأ إليهم في المواقف الحاسمة وكلما
وجد نفسه في مواجهة قرار عسير . كازانتزاكيس شتاينبك . نجيب محفوظ
دوستويفسكي وطاغور ..
لا شك أنه سيجد الجواب عند أحدهم . و أفسح للأمل مجالا.
لم يفهم مصطفى العصوي صمت مروان . قال :
-الأمر
لا يحتاج إلى تفكير يا مروان . ستأخذ أضعاف قيمة حصصك . ستضع المال تحت
خدمتك أكثر . ستصبح أغنى. تذكر أنك في منعطف حاسم الآن.
أجاب مروان .
- الحياة دائما منعطف حاسم يا صديقي .لا الآن وحسب بل و في كل ثانية من عمرك .
بدا الضيق على وجه مصطفى العصوي .شعر بدفقة من غضب تغمره.
- تفلسف كما تشاء .خذ وقتك و فكر بالأمر جيدا . أريد جوابا في أقرب الآجال.
رأى
مروان شريكه سخيفا قاتما ثقيل الدم جشعا . وفكر في كاميليا و كيف تتحمل
هذه الكتلة من الفراغ في فراشها .. كيف تتحمل أن تعيش اغتصابا لا يتوقف .
ماذا بوسعها أن تفعل ؟ إنه ذوق والدها واختباره وذوق والدها يعيث فيها شبقا
كل ليلة. واختيار والدها يثير لديها الغثيان كل لحظة .
آه لو تعرف كاميليا لذة التمرد ..
في الخارج استنشق هواء لذيذا . ووجد نفسه يردد أغنية كان يحبها منذ طفولته عادت إليه كلماتها دفعة واحدة .
وفي الغد وجد نفسه أمام مسئول نقابي ويحي. قدم يحيى مروان لرئيسه.
-
مروان العاشق .شريك صاحبنا أمام المسئول لم يستطع مروان إدراك الإحساس
الذي غمره آنذاك . مد يده إليه و صافحه ثم خامره شعور بدأ يتضح . لعله أمام
قائد يتزعم المظاهرات والإضرابات .لعله أمام رئيس للعمال وممثلي العمال و
اتحادات أي شيء وكل شيء. ملامح الزعامة تتبدى لحظة بعد أخرى.
نظرة المسئول فاحصة .لا تطرف.فيخجل مروان ويغض الطرف لاحقه بقوله :
- إليك الخطة يا سيد العاشق .
وعرض عليه الخطة كلها .
رأى
فيها كاميليا .رأي عينيها الساحرتين .سمع صوتها الأجش المتكتم والحافل
بالعذوبة . رأى صوابه مفقودا كلما تطلعت إليه . ومفقودا مرتين كلما تطلع
إليها وكأنه لم يسمع من الخطة سوى أن مصطفى العصوي سينهزم. ما يهمه من
الهزيمة هو تخليص كاميليا من براثينه.
وقال نعم للمسئول.ابتسم المسئول و صافحه وانصرف.
عندما
عاد إلى بيته كانت زوجته تنتظره شاحبة قلقة.تذكر أنه تأخر.اعتذر لها ثم
خلع ثيابه واندس في فراشه يرى كاميليا في فراش الآخر. يرفض أن يطلق العنان
لخياله لكن الصور تتلاحق. وأشياء حامية تتدفق في عروقه ولهب يحرق منه
الدماغ وشيء في دمه يغلي ويؤرقه .
وفي الصباح نسي لقاءه مع المسئول .
كانت زوجته تنظف البيت خرج دون أن ينبس ببنت شفة . جلس في السيارة . وأخرج
هاتفه المحمول وحرر رسالة هاتفية إليها يسألها عن حالها .ثم لاحظ أن
الرسالة لم تصل. هاتفها مغلق إذن . معناه أنها معه أي أنه يحاصرها تنهد و
أدار محرك السيارة .
راج بباله أن يهاتفه و أن يطلب لقاءه ليبعده عنها وليبلغه قراره الأخير . خشي أن يكون هاتفه هو الآخر غير مشغل .
ومع
ذلك حاول .فجاءه صوت شريكه . شكره على المكالمة وحدد معه ميعادا في أحد
فنادق المدينة. و وجد نفسه يفكر في هذه المدينة المتقلبة التي لا تعرف كيف
تلبس أكثر مما تعرف كيف تتعرى . لا تعرف كيف تخلص أكثر مما تعرف كيف
تخون.
هذه المدينة لا تعرف الحب ولا حتى الكراهية .مدينة لعوب تمارس الرقص على الأعصاب وتتلذذ به.

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:16

(6)

حلقة مفقودة !
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:17

(7)

أحست نانا صديقة كاميليا بالضيق الذي يخنق صديقتها . اختلست إليها النظر.
تتبعت حركاتها ووجدت نفسها تشاطرها حزنها . كان عصيا عليها إدراك هذا
الإحساس أول الأمر. بريق عينيها كان يومض وينطفئ. رأت فيها جرأة غير
عادية و معاناة غير عادية أيضا .تبادلتا نظرة فاحصة ثم قصت كاميليا على
نانا حكايتها منذ البدء وأبدت نانا شكا حافلا باليقين في الرجل .
- أشم
رائحة نصب على شرفك. هذا الرجل استغل وضعيتك جيدا واستغل قدرته على
الإرشاء وقدرة الآخرين على الارتشاء . أوهمك و أوهم أهلك بعقد زواج وهمي
واستغل قراءة الفاتحة و أخذك إلى بيته . ستكتشفين أنه يستغل كل شيء.واضح
أنه معتاد على الخوض في الماء العكر.
- هكذا قال مروان . و مع ذلك ينتظر مني هذا المحتال أن أحبه .
ابتسمت آنا و قالت :
-
لا يفهم رجلك في المرأة بقدر ما يفهم في الاحتيال.كل طاقاته امتصها
التلاعب .لا يعي أن الطريق الوحيد لكسب امرأة يمر عبر الحب ولا شيء سواه.
الحب يجلب الاقتناع. يتصور أن المرأة مخلوق غير عاقل و لا تحركها سوى
النزوات . هذا هو الوهم الأكبر .لا عليك سأنظر في أمر زواجك و سآتيك بالنبأ
اليقين .
سألتها كاميليا
- كيف ؟
- دعي الأمر لي . أعطيني فقط اسم الموثق العدلي وصورة زوجك والبقية أنا أتكفل بها . أعدك أنه سيرفع الراية البيضاء .

ضحكت
كاميليا و أشرق وجهها بسعادة مبهمة . ألقت نظرة على مزهرية جديدة في الركن
الأيمن من الغرفة ثم على التلفاز الرابض في أقصاها و تحاشت النظر إلى
صورته ضاحكا فوق الجهاز. ورأت في عيني نانا الخضراوين بريق أمل غرس فيها
ثقة لم تشعر بها من قبل. عينان فيهما طفولة و شرود وابتسامة .. آه من بسمة
النظرات .
مرت لحظة صمت و نهضت نانا مودعة ..
- لو يعرف زوجك أن جسد المرأة حافل بماء الخلود ..
و تبادلتا قبلتين على الخد ثم همست كاميليا :
- مروان يعرف ذلك ..
ردت نانا :
- لاشك أن حياته في غاية البساطة رغم أن الآخرين يعتبرونها معقدة .ولا شك أنه مليء بالتوجس ويتنقل من يقين إلى يقين
- لم أفهم
- لا عليك
تحب
نانا أن تتأمل .التأمل يجمع الشتات .لذا ارتأت أن تمارس رياضة المشي في
غابة بوسكورة . تجد الغابة جميلة متبرجة ومتواضعة في ذات الوقت .تعرف كيف
تسلم نفسها و تعرف كيف تتأبى و هي تعبر مسلكا اختارت دائما عبوره يحدث أن
تغمض عينيها بين الفينة والأخرى و تصغي لصخب العالم ونسيم الربيع يدا
رقيقا تداعب وجهها.
وهي تسير رأت جماعة من الشباب على مبعدة منها تقف
في وسط المسلك. تابعت سيرها دون رهبة.وقف أحدهم في الوسط تماما ثم جاء
صديقان له .وقف أحدهما إلى يمينه و الآخر إلى يساره. المسلك الآن مغلق أمام
نانا ولكي تمر عليها أن تغير الاتجاه .
لكنها تابعت طريقها و كأن لا
أحد أمامها.نفث رجل الوسط دخان سيجارته وابتسم لها بخبث . أذهله شرودها
.حدق في عينيها الخضراوين .قرأ فيهما ابتسامة خالية من الوجل والتردد و قرأ
فيهما طفولة ووجد نفسه يفسح لها المجال . بحركة من يده أوقف زحف صديقه
الواقف إلى يمينه نحوها . قال :
- كأنها لم ترنا .
ساروا خلفها . لم
تلتفت. كانوا غير موجودين . رأوها تخرج من نهاية المسلك و تتوجه نحو
سيارتها .بدورهم توجهوا نحو سيارتهم . لم تلتفت إليهم وقبل أن تدير محرك
السيارة كانت سيارتهم قد انطلقت. قال رئيسهم :
- غريب ما حدث لي . تراخت أعصابي دفعة واحدة .وجدتني أنظر إليها في استسلام .خجلت من نفسي .كيف نعترض سبيل امرأة من هذه الفصيلة؟
قال الآخر :
- بدوري أحسست بقواي تتسرب من دماغي و كأني أغرق في وحل ناعم .
قال الثالث :
- هذه المرأة ساحرة.
أوقفوا سيارتهم على قارعة الطريق في شارع مولاي يوسف و اتجهوا راجلين نحو حديقة الجامعة العربية. فجأة توقف رئيسهم
- انظروا ..
كانت هناك في رصيف مقهى الحديقة .بنفس الهدوء والدعة تطالع كتابا و أمامها كوب عصير شربت منه النصف.
- كيف استطاعت أن تصل قبلنا و تجلس و تطلب عصيرا و تشرب منه النصف و قد تركناها خلفنا ..
نظروا
إلى بعضهم البعض في حيرة. عندئذ رفعت هاتفها إلى أذنها وابتسمت ابتسامة
عريضة . إنها شلوميت . صديقة تعرفت عليها ذات حفل زفاف . و من ذلك الحين و
هي تهاتفها وتسعى إلى لقائها . لا ترفض نانا أبدا عروض شلوميت . و في كل
لقاء أمام قهوة سوداء من جامايكا كانت تضبطها و هي تنظر إليها خلسة . وبين
الفينة والأخرى ترى وجهها يشرق بسعادة آثمة عندما يندفع بصرها إلى نهدي
نانا النافرين و تشعر بملمس ذراعها و عند كل وداع كانت تطبع قبلة على
شفتيها وتكتفي نانا بالابتسام بينما
يلمع في عيني شلوميت بريق اشتهاء وخوف من أن تفقدها .
وافقت
نانا على لقاء شلوميت ذاك المساء .والتقيا في بيتها . وجدت نانا نفسها تقص
على شلوميت قصة كاميليا و ما يجري لها مع مصطفى العصوي .
- من ؟
سألت شلوميت .
- مصطفى العصوي
ردت نانا بتلقائية .ضحكت شلوميت و قالت :
- هذا الطفل الطويل العريض الذي يخاف من الظلام .
- أ تعرفينه ؟
- كل البيضاء تعرفه .
وأعربت لها عن نيتها في أن تعرف عنه كل شيء.لقد فكرت في الاستعانة بمحقق خاص . تريد أن تعرف عنه الشاذة والفاذة
صبت لها شلوميت فنجان قهوة و اقتربت منها أكثر.
- لا داعي لذلك .سأقوم أنا بهذه المهمة وسآتيك به عاريا.
أحاطتها بذراعيها و تمتمت بكلام لم تتبينه ..
- أنت حلم رقيق حنون.
لم ترد نانا على جرأة شلوميت
- أنا غوايتك .عانقيني .تذوقيني . تعلمي كيف تقشرينني و ارميني بعد ذلك مثل قشرة ليمون .اقتلعي غرائزك .
رشفت
نانا من كأسها وتساءلت كيف سيتسنى لشلوميت الحصول على تفاصيل حياة مصطفى
العصوي ؟؟ و كأن شلوميت شعرت بما يتفاعل داخل صديقتها ركبت رقما في الهاتف
وقالت:
- أنا محتاجة إليك في قضية لا أريد أن يعرف أحد عنها شيئا.
و بعد لحظة صمت أضافت:
- نعم مصطفى العصوي . أريد ملفا كاملا عنه .تفاصيل حياته من ألفها إلى يائها.
ثم صمتت ثم ضحكت ثم قالت:
- أعدك يا أنت.

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:18

(8)

دعا مصطفى العصوي للعشاء صديقا له يستشيره في أغلب أموره . يحب أن يلاحظه
عن كثب، أن يتأمله و هو يتكلم ويشرب ويقوم بحركات بهلوانية تضحكه فيتمالك
نفسه . كثيرا ما يلعق شفتيه بين جملتين وكثيرا ما يضحك بصوت عال و هو
يلقي بدعابة قبل أن يضخك السامع . يشعر مصطفى العصوي بشيء ينهشه وصديقه
يحط بصره على كاميليا .يخيل إليه أنه يقضمها أو يلعقها ويراها شهية وعينا
صديقه تزدردانها .ضبطه أكثر من مرة و هو يختلس النظر إلى نهديها النافرين
.يتمالك نفسه و يلقي بضحكة كل نبراتها نرفزة .
ثم رن الهاتف .
جاءه
صوت موظف من المحكمة .- السي مصطفى .أود أن أخبرك أن السيد الوكيل ينقب
في سجلك العدلي . وطلب إعداد بيان عن كل المحاكمات التي تعرضت لها .
ارتج مصطفى وشكر الموظف . وعاد إلى صديقه فتأكد له أكثر أنه يطارد كاميليا بنظراته . كره تفحصه لها وتساءل لماذا ينظر إليها هكذا .
وإذا بالصديق و كأنه أدرك تبرم صديقه منه يميل نحوه ويهمس له وكأنه لا يرغب في أن تسمع كاميليا ما سيقول:
- علمت أن شخصا بحث في المحكمة عن إثبات لزواجك ولم يجد أثرا لعقد زواجك في دفاتر المحكمة.
ألقى
نظرة سريعة على كاميليا و أحس بحرارته ترتفع و خشي أن تلاحظ ذلك . وفي
لحظة وجد نفسه يتساءل عن ثروته وعن تفوقه المزعوم وحدق في صديقه فرأى نظرة
حافلة بشيء ما.
أضاف الصديق :
- وعلمت أنهم اتصلوا بصاحبتك إستر و حدثوها طويلا عنك و سجلوا أقوالها وانصرفوا .
- من هم ؟
- لست أدري.
اتكأ على المائدة بكوع يسراه . فرك عينيه معا بيمناه . ألقى ابتسامة مرتبكة و أضاف :
-
لا تخش شيئا .أنا سد منيع. والمال بوصلتي وخلاصي .والأحباب أمثالك يحبون
جيبي وسنشرب أنا و أنت .ثم أشار إلى كاميليا .. وهذه الجميلة أيضا نخب
انتصاراتي . أنت تعرف جيدا أني لا أنهزم أبدا . و أن كل ما أتمناه أدركه.
أطلق صديقه ضحكة مقتضبة وقال :
- من أين تأتي بهذه القوة المتجددة يا مصطفى ؟
حدج
كاميليا بنظرة ذات معنى وغمز صاحبه .فاستسلما لضحكة طويلة عريضة .لم
تشاركهما كاميليا الضحك ولا الحديث .كانت تفكر فيه ..و في ما سيتمخض عنه
وعد نانا .
كاد أن يمد يده إلى شعرها المتهدل وود لو قبل يدها الصغيرة و
هي ترفع اللقمة إلى فمها . قرأ في عينيها السوداوين قلقا مبهما قرأ فيهما
شرودا دفينا .كانت تنظر إليهما و كأنهما غير موجودين .أضاف مصطفى :
-
كل من يعملون لحسابي ثرثارون .تافهون. يمشون خلفي ولسانهم يقطر نفاقا .لا
تغتر بالمنصب والهبة والجلال. مهما علا شأنهم فهم مجرد غلمان يكفي أن أضع
يدي في جيبي لتركع أبهتهم عند قدمي وسترى بأم عينيك.
هذا الكلام أخرج
كاميليا من شرودها فأصغت وسلطت عينيها على وجه مصطفى . كأن النظرة رمته
بسهم ارتبك قليلا ثم بدأ يتلهى بالنظر إلى الغرفة حوله وانتظر أن تقول
شيئا .لكن انتظاره خاب. كان يرى الكلام في عينيها الصامتتين .
بعد أن
غادر صديقه وذهبت كاميليا إلى المطبخ اعتراه شعور جديد. أدرك فجأة ما لم
يدركه قط كمريض ظل يرفض أعراض مرضه ويحللها بشكل يبعد عنه الاعتقاد أنه
مصاب ولا يستسلم إلا عندما يصبح الألم لحوحا.
أن ينقبوا في حياته أمر
لا يزعجه.لكن أن يذهب البحث إلى ملف الزواج في المحكمة. هذا ما لا يطيقه .
لا يطيق فراقها .كذب عليها وعلى أسرتها لأنها فتنته بجمالها وشبابها. حاول
مرارا أن يبوح لها بأنه متزوج من غيرها ولم يستطع .حاول مرارا أن يبدي
لزوجته رغبته في الزواج عليها فلم يفلح .والزواج من كاميليا لا يتيسر
قانونا إلا إذا علمت زوجته بذلك . زوجته ترفض التعدد وحتما ستطلب الطلاق
والطلاق ليس في صالح حساباته بالبنك. إنها تملك ثلثي ما يملك .
فكان
الحل أن يعثر على شاهد عدل يسيل لعابه أمام المال ليوهم كاميليا بأنه حرر
عقد الزواج . وبعد ذلك يفكر مليا في الأمر .يبحث عن حيلة يتخلص بها من
زوجته دون أن يفقد ثروته.
فهل تجري الرياح بما تشتهيه سفنه دائما ؟
ظل
يحدق في السقف طويلا . تراءت له أشياء جميلة غالية تتلاشى بالتدريج.
والقشة التي يتعلق بها الغريق غير موجودة . وجد نفسه وحيدا .أعزل. وشيء من
الخلف يدفع به إلى منطقة معتمة .
ها هو يتلاشى .كاميليا في المطبخ تغسل
الأطباق وتخلص قاعة الأكل من بقايا الطعام. شعر به وحيدا مهجورا .تقلب في
فراشه وازدرد انفعاله ثم نهض و زحف نحو المطبخ .نظر إليها من الخلف
بتمعن.تسربت إلى أنفه رائحة عطرها ودفعت به إليها يبغي احتضانها من الخلف و
هو يعي أنها ستتخلص منه . يعجب لبرودها معه .لا يتوقع منها أبدا رد فعل
لطيف.
كاد أن يفتح فمه ويقول :
- أريد أن أعترف لك بخطأ –فهل يجدي القول الآن ؟ أنا لص . سرقتك من نفسك سرقتك من الشرع حتى.
لكنه تراجع .
عادت إليه صورة شاهد العدل و هو يحدق في رزمة الأوراق المالية :
- سآتيك بها . و ستكتب زواجنا وتمنح وصل إنجاز العقد لها و دع الباقي علي . خير البر عاجله.
تلكأ شاهد العدل قليلا ووافق .مد يده إلى رزمة الأوراق النقدية.قال مصطفى العصوي :
- لك مثلها عندما تنجح الخطة و أذهب بها إلى البيت .
لم
يعد يفصله عن الهدف إلا مسافة قصيرة تخطاها وهو يقول لوالد كاميليا لقد
كتبت عقد الزواج .ابتسم الوالد وقال بدوره. خير البر عاجله و أمر بنته بأن
تحمل متاعها و تذهب إلى بيت زوجها . التفت بالسواد من الرأس حتى القدمين و
أطاعت الوالد و من يومها وهي تلاطف مرة وتخاصم مرات .
غريب كيف تنهمر
هذه الذكريات عليه اللحظة في حزن وحيرة. ورآها تلتفت إليه وتحدجه بنظرة
اخترقته كالسهم . أحس بها تقول له .لقد انكشف أمرك وستؤدي الثمن باهظا .
اختلج جفناه وعاد من حيث أتى تعبث به الظنون و ترهقه التوجسات .تعود إليه
مشاهد لم يستطع أن يمحوها من ذاكرته . كيف أن الشباب يضاحكونها ويخطبون
ودها في المتاجر متجاهلينه تماما. كيف أنها بدورها تحادثهم في انسجام
بفرضه العمر ويعود إلي قول صديق له إن الرجل عندما يشيخ يصبح خادما مطيعا
لامرأة شابة لا لشيء إلا لأنها تعطيه من المتعة ما لا يستحق .
كان يعتقد أنها ستصبح شيئه. ملكه الخاص. كالسيارة والعمارة والمصنع وشاهد العدل . وأنها ستركع على قدميه لمجرد سخائه.
وكل
يوم يتأكد من أنه واهم . كل يوم يلغي يقينه ويسعى إلى إقناع نفسه أنه
يكفي أن تقتنع بأن حياتها معه معناها الرفاهية والغياب المطلق لشبح الخصاص و
أنه يمنحها السند و يخلصها من كلام الناس .
أخرجه من تداعياته صوت أم
كلثوم وهي تغني ودارت الأيام. وكاميليا تحب أم كلثوم .سمعها تردد معها ‘’ما
اقدرش على بعد حبيبي أنا لي مين إلا حبيبي’’.. فأحس بوخزة في القلب. لقد
انتهت من أشغال المطبخ و عوض أن تأتي إليه لتؤنس وحشته ذهبت إلى أم
كلثوم.
ظل يسمعها تردد الأغنية مع أم كلثوم ساهما لا يدري ما هي الخطوة المقبلة التي تنتظره.
ورن جرس الهاتف.

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:19

(9)

استيقظ مروان من نومه باسما. تغمره سعادة لا يعرف مصدرها. القاعدة أن
يستيقظ برأس ثقيلة من طول السهر داخل الجريدة راكضا خلف المقال المركزي
لليوم الموالي. اليوم استثناء . يشعر بانسجام تام توقعه حواسه .و في داخله
طاقة .التفاؤل يغمره والبهجة والطمأنينة . داعب طفليه .قبل زوجته وتناول
فطوره بشهية نادرة. وتذكر أن عليه أن يقابل النقابيين في موضوع شراء حصص
الشركة. لم يجد رغبة في ذلك .يريد أن يكون هذا اليوم له.لا لأحد سواه.
سيعتذر لهم إذن. كيف سيبرر عدم وفائه بالوعد اليوم. لا حاجة إلى تبرير
سيعتذر وكفى.
واعتذر وكفى.
أحب أن يخلو إلى نفسه . أن يمشي طويلا
ويفكر في أي شيء أو لا يفكر. لعله أحب أن يفكر في هذه السعادة الغريبة التي
سيتلذذ بها و وجد نفسه يلج أحد المقاهي .جلس وحيدا.لم يكن يرغب في شيء.
حتى الجريدة تركها تربض في جيب سترته وطلب قهوة. ظلت تتتابع على بصره وجوه
مرت به .كانت الذاكرة تشتغل دون ترتيب .دون احترام للتسلسل الزمني .كان
الجو باردا رطبا . رذاذ صغير يداعب ربيع المدينة و تمنى لو يراها .هكذا
صدفة. لكن كيف تفلت من قبضة مصطفى العصوي .كلما فكر في مصطفى العصوي تتضخم
الرغبة في رؤيتها.شعر به طفلا مظلوما يعاقبه الحب والزمن وتعاقبه حياته و
مهنته و زوجته و طفلاه .تعاقبه كاميليا . ها هي السعادة تعيش تحولا . شعر
بالوحدة والضياع. أحيانا كان يتمنى أن يستيقظ ويلاحظ أن تفكيره فيها فقد
حدته ويضع يده على الجرح ولا يتألم . وأحيانا يرفض هذه الحالة. مادامت تعيش
في قفص .مادامت في حاجة إليه .إلى حبه فلا بد أن يمعن في التفكير فيها .
في مثل هذا اليوم قبل كذا سنة التقاها. هكذا :
بدأ المطر خفيفا ثم بدأ
يشتد ورآها. كانت تبحث عن سيارة أجرة و في ذراعها طفلها و لم تكن تحمل
مظلة .كل سيارات الأجرة التي كانت تمر من أمامها تتجاهل إشارتها. اقترب
منها بسيارته و فتح الباب. ترددت .قال :
- اصعدي .ستمرضين أنت والطفل .
تردد ثانية وعند ما أمعن في العرض قبلت .
- لاشك أنك ذاهبة به إلى المدرسة
أومأت برأسها أن نعم .
- دليني إذن على المدرسة .
بتردد ووجل .. وحياء
- آسفة. أزعجتك.
ضحك.
- أنت لم تزعجيني . أنا الذي أزعجت نفسي .
أمام المدرسة توقف. لم يتوقف المطر . مد يده إلى المظلة التي كانت على المقعد الخلفي للسيارة.
- خذي . رافقيه إلى باب المدرسة ثم عودي سأعود بك من حيث أتيت .لا يمكن أن تعودي بمفردك تحت زخات المطر .
حاولت أن ترفض ولم ينصت إليها.
- احتفظي بالمظلة ألح فوافقت .
- احتفظي بها ستغنيك عن الذهاب إلى الطبيب .
شكرته. وهبطت من السيارة فتابع طريقه .
وفي
اليوم الموالي وجد نفسه يقف بسيارته في الرصيف المقابل لباب المدرسة ويحدق
في الأمهات بحثا عنها. وإذا به يسمع طرقا خفيفا على زجاج نافذة السيارة.
ورآها تضحك و في يدها المظلة.
- كأني حدست وجودك هنا هذا الصباح .
دعاها
إلى صعود السيارة فلم تمانع . لم يكن الجو ماطرا. في مقهى’’ المغرب’’ جلسا
. كان يحتسي قهوته و ينظر إلى مياه البحر ثم يرفع بين الفينة والأخرى بصره
إلى السماء الصافية. على مبعدة منها رأى عاشقين يتناجيان ورأى شابة و
كهلا يتحدثان بهدوء ثم التفت نحوها و قال :
- فرصة سعيدة حقا.
كان
وجهها متألقا بالصبا. تتحدث في الفن والحياة وبين الفينة والأخرى تلقي
بدعابة تجعله يضحك دون تحفظ . بدورها ترتشف من قهوتها دون أن تكترث
بنظراته الملحة.
وصل بهما منعطف الحديث إلى حياتها.
- لا أحد يعترف بكفاحي من أجل طفلي . لا أحد يقر بأني أجاهد لأكون نفسي . كل ما يريدون هو أن أتزوج . إنهم يعيشون في العصر الحجري .
ثم صمتت للحظة قبل أن تضيف :
- أنا أعرفك . أرى صورتك في الصحافة و أقرأ أحيانا ما تكتب رغم أني لا أفهم دائما ما تقول .
ثم رأته يحدق في الفنجان فأقلعت عن القول . مدت بصرها إلى البحر . أحبت اللحظة.
سمع
رنين جرس الهاتف. كانت هي .تريد أن تراه .لم يتردد في القبول . نهض من
المقهى وركض نحو سيارته . صافحت أنفه نسمات الربيع . عليلة كانت . رأى
الناس كل واحد منهم يلتف داخل مشاكله الصغيرة .كان في حاجة إلى لحظة راحة
وراحته لها اسم. يعلم أنها ستمتطي السيارة و سيلفان المدينة ويتحدثان دون
توقف. ويعرف أنها تغتنم كل فرصة لتلتصق به و تطبع على شفتيه قبلة وجلة .
رآها
واقفة تنتظر بكامل بهائها . أقبلت نحوه . أخذت مكانها إلى جانبه وانطلقا
وبدأ الحديث .لا بد من الكلام عن العصوي .تمزقه كلماتها لأن خياله لا يتوقف
عن رسم مشاهد من وحي قولها .
- خشن. غليظ. تهتز الأرض تحته وهو يمشي .
أشمئز منه . لا أطيقه لاسيما عندما يختال بعضلاته و ماله و دهائه . وأنت
تعلم أني أحلم برجل رقيق المشاعر ساهم النظرات مثلك .
ضحك :
- حاذري . سألبس فروة الأسد أيتها النمرة .
ردت معاتبة :
- لا تحاول . أرجوك ستفقد سحرك .
تلاقت يداهما.تماسكت الأصابع .تشبث كل واحد منهما بالآخر والتفت نحوها وتبادلا نظرة حافلة بأكثر من الحب .
قصت عليه قصة نانا التي وعدتها بأن تنقب في حياة زوجها .
كان
يشعر بسعادة في جلوسها إلى جواره .يسعده أن يرى أساريرها في راحة و زوال
الألم في حضوره . يحب أن يرى شفتيها ترتعشان في خبث لذيذ .قص عليها قصة
الحصص والنقابة.
و مع ذلك اعتراه شعور أن هذا اللقاء معها والذي جاء بعد
مكالمة جاءت لحظة كان يستعيد لحظات لقائهما الأول . لحظة هاربة من زمن
عنيد . أحس بأن الحب قوة قادرة على أن تربط بين عالمين متنافرين حتى. عبر
توالي الأسباب والنتائج . نعم. تربط بين خريف اسمه هو و ربيع اسمه هي .
هل
كان سيحبها لو لم يدرك ذات صباح أنها مختلفة و أنهما التقيا صدفة لغرض ما
.يتذكر أنه دون علامات بينة أحس أنه سيصاب بشيء ما. في البدء رآها كغيرها
.لم يدم ذلك طويلا .فجأة رآه يميل إليها و ينفي تصورا سابقا أن لا شيء
بيتهما سيقع . وجد نفسه يحب وجهها . يحب جسدها. طريقة مشيها .طريقة كلامها .
ضحكتها ثم تفكيرها.
في المساء . وجد نفسه يفكر في كيفية تخليصها من
شريكه . لقد أصغى إلى شكواها٫ ذهبت هي إليه وظلت الشكوى تؤرقه .بعد مدة قد
يجد نفسه داخل عراك يود أن يخرج منه منتصرا. هو الذي لم يرفع يده قط على
أحد .و طفق ينظر في الفراغ . عقد ذراعيه تحت رأسه و أغمض عينيه و حدث نفسه و
كأنه يوجه النصح لها .
مروان .لا تسأل إن كنت ستنجح أم لا. ما يهم هو
ما ستقوم به من أجلها والبقية ستأتي وحدها. ثمة قوة تقدر و تقرر .تطلع إلى
نفسه بعينين خبا بريقهما و همس . فلتذهب حصص الشركة إلى الجحيم . كيف
أتمتع بما سماه العصوي الجنة.. و أنا أعي وجود الجحيم وقلبي يكتوي بناره.
و كأن بابا انفتح أمامه. ابتسم.
وغاص في نوم عميق.

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:22

(10)

ما يهم شلوميت من روش ها سنة هو الاحتفال يومين كاملين. هاتفت نانا و
دعتها إلى بيتها .قالت لها تعالي نحتفل بخلق الإنسان. ضحكت نانا وسألتها
لكنهما يومان مخصصان للعبادة والذكر فهل ستصلين ؟
- ستأكلين معي التفاح
والعسل .وحين يراجع الناس ما قاموا به خلال السنة المنصرمة من خير وشر
سأراجع أنا ما قام به من كلفتهم بإعداد ملف كامل عن مصطفى العصوي زوج
صديقتك كاميليا. و سيكون من بين المدعوين عبد المرشد المستجدي.
نانا تسمع بعبد المرشد المستجدي و تعرف أنه من الأعيان .
أضافت شلوميت:
- سأكلفه بمراجعة ملف العصوي و ملء ما قد يكون فيه من ثغرات. إنه يدين لي بأكثر من ذلك.
يحب
السخينة التي أعدها له لاسيما في رمضان . ويموت في اليافعات الفاتنات
اللائي يزرنني من أجله و يزروني هو من أجلهن. أقول لك هذا لأني أعلم أنك
كتومة . وعندما نسمع نفير قرن الكبش داعيا إلى التوبة سيكون مصطفى العصوي
بين يديك عاريا من ورقة التوت حتى .
هكذا تكلمت شلوميت وأخذت من نانا
وعدا بالحضور لاحتفال رأس السنة . مفتونة هي بنانا .يكفي أن تحدق فيها
لتشعر بنشوة نبيذ تعشقه حتى الجنون. غادرت بيتها لتتمشى قليلا و تتمتع
بالشمس وهي ترسل أشعتها من سماء صافية هذا اليوم. مشت بلا هدف . انشرح
صدرها وهي تفكر في عبد المرشد المستجدي . ضغطت على اسمه في الهاتف . اتكأت
على جذع شجرة وانتظرت أن يرد . جاء صوته مرحبا –
- هل تقبل أن تغمس التفاح معي في العسل بمناسبة روش هاسنة
هنأها ووعدها بالحضور .
- قد أحتاج إليك في خدمة بسيطة
وألقت ضحكة دسمة . رد أن طلباتها أوامر و أضاف سائلا عن مصدر الخدمة . في حالة الإمكان ستكون هديته لها بالمناسبة.
-
أريد أن أعرف كل شيء عن شخص اسمه مصطفى العصوي . لقد طلبت معلومات عنه من
بعض الأصدقاء .لكن يدك أطول. وسأحصل منك على ما استعصى على الآخرين .
سألها ثانية عن الاسم و سجله .
- سجل أيضا رقم تعريفه تسهيلا للبحث .
رد أنه سيأتيها بالخبر اليقين . و إذا كان مذنبا ليبدأ الآن أيام التكفير العشرة .
ألقت ضحكة ذكية .
- أنت مذهل .
حشرت
الهاتف داخل حقيبتها و تساءلت عن افتتانها بنانا و عن جبروت هذه اللوعة .
كأنها مشدودة إليها بسلاسل . أصبحت نتيجة التحريات أهم لديها من النفخ في
الشفار . هذا المخلوق الهادئ الجميل الطري الحافل بالطفولة والحرية , كيف
استطاع أن يتغلغل في كيانها بمجرد لمسة . إنها تشعر باختلافها .رأتها مرة
تبتسم ابتسامة لم تدرك فحواها فسألتها:
- لم تبتسمين؟
حدجتها بنظرة
لا تقدر على رد سهامها و حكت لها قصة الرجل الذي نادى سلطان مرسية
بالأندلس ولم يجبه السلطان. فقال له رد علي . كلمني فإن الله خالق الدنيا
والدين كلم موسى .رد السلطان عندما تكون أنت موسى سأكلمك فأجاب الرجل
وحتى تكون أنت الله . فتوقف السلطان و سأل الرجل عن حاجته فقضاها له دون
تحفظ أو نقاش.
ضحكت شلوميت ساعتها دون أن تدرك ما تقصد إليه صديقتها وابتسمت نانا..
- إنها حكاية لطيفة فعلا.
مدهشة
هذه القطعة الآدمية الشهية .تحب وجهها. طريقة كلامها التي لا تفهم منه
شيئا . شفتيها . تحب أن تكون قربها . معها. مجرد فكرة الابتعاد عنها تنخرها
في القلب .تريد أن تعرف عنها كل شيء. أن تدمنها حتى .
لقد أضحت أفيونها . تصيبها بالخدر . عطرها الذي يحدث فيها نوعا من الدوار .نسيمها الذي يدغدغها . هذه المرأة تسكرها.
و
في الليلة الموعودة أدركت بحدسها اللا يخطئ أن عبد المرشد يختلس النظر إلى
نانا ويتتبع حركاتها بنوع من الاهتمام لم تعهده فيه من قبل .فاقتربت منه و
همست له :
- اسمها فاطمة الزهراء. تلقب بنانا. امرأة من طينة أخرى .
أطلق
ضحكة عالية و مد لها حقيبة كانت موضوعة على ركبتيه وقال لها إن هذه
الحقيبة تحوي ملف مصطفى العصوي بكامله منذ طفولته إلى زواج مزعوم.
أثارتها
عبارة الزواج المزعوم .لاحظ اندهاشها و أضاف أن من يهمه الأمر يستطيع أن
يزج به في السجن هو و مجموعة من الموظفين المحترمين.. وظل طيلة الوقت لا
يرفع بصره عن نانا. كان يتصور أنه يأكل منها لا من الأطباق المصطفة قربه .
ما أثاره أكثر أنها تنظر إليه و كأنه غير موجود وعندما ترد على أحد ما
يكون ذلك همسا لا يكاد يسمع .لاحظ وجودها بدون صوت وحضورها المثير دون أن
تبذل جهدا لذلك .. و أحيانا كانت تبدو له عبناها شاردتين . وأحس أنه يقرأ
فيهما قلقا مبهما.
ثم رأى شلوميث تلتصق بها وتحادثها همسا و رآها تصغي باهتمام زائد. كانت لحظته تلك اشتهاء لنانا ونفورا من شلوميت.
قالت شلوميت :
-
إنها مطلقة ودون أطفال .تقرأ كثيرا. تحب الحرية حتى في عواطفها .تؤمن بأن
الحياة هي هنا والآن .وتقول إن سحرها –أي الحياة- أن تعيش دون أن تعرف ما
سيحدث لك غدا .
ورآها تمد المحفظة لنانا ونانا تبتسم و تتكلم .وجد نفسه بدوره يبتسم ويقول أشياء تفلت منه..
-
تحب النباتات والزهور.لا تحب لحم الحيوانات. تموت في الخضر. ولا تكره
أحدا. من الصعب أن تعرف أنها تحب .أقصد الحب بالمعنى الذي يروج في ذهن
أشخاص من طينتك و أنت تعلم أنك مزهو بنفسك وتختال بشعر صدرك .
ضحك عبد
المرشد ورد أنه يختال أكثر بالخدمات المستحيلة التي يسديها لأصدقائه و أنها
ستعرف ذلك أكثر إذا اطلعت على الملف الذي أحضره لها هدية بمناسبة روش
هاسنة.
في الخارج كانت السماء مرقشة بالنجوم وكان الهواء راكدا. والجو
تشوبه حرارة في غير وقتها .شيء واحد يدور في ذهنه. تلك السعادة الغامرة
التي شعر بها وهو يجلس إلى جوار نانا ومحاولته الحديث إليها .رتب جملا
كثيرة في ذهنه. إلا أنها كانت تتلاشى بمجرد إلقائه نظرة عليها .وخشي على
نفسه من الشوق. كم يرفض أن ينام على شوق ويغتاظ من أن يصحو على شوق أيضا.
لم يتعود ذلك . إنه كائن لا يشتاق .
عادت إليه صورتها وهي تمد له يدها
مودعة. شعر من جديد بدفئها يغمره كحقنة لذيذة من تلك التي تجعل الدنيا
أمامه حضنا حلوا ناعما في بيت شلوميت .
قالت له شلوميت مرة:
- في
بيتي ينتفي العيب والحرام .لا وجود عندي لخرافة الأخلاق التي ينسجها أمثالك
للآخرين . أنت بشر . أنا بشر. أنت تتحرق إلى لمسة و قبلة و أشياء أخرى
مثلي تماما.فلا تتأجج غيرة .ما يحق لك يحق لغيرك . و أنت تعلم أن الحياة
أجمل من النظرة التناسلية التي ينتشي بها الرجال ويفرضونها على المرأة لم
يرد عليها ساعتها .كان يؤمن بجل ما تقول مع تحفظات بسيطة. عاد إلى بيته
مصمما على أن يعرف كل شيء عن نانا أو فاطمة الزهراء.
عاد إلى بيته مختلفا.
أصبح يخيفه.

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:23

(11)

تحت الرشاش والماء يهطل على عبد المرشد المستجدي لم ينجح دفء الماء في
تخليصه من صورة نانا . كان متعبا و فريسة لإثارة لا توصف . أدرك أنه لم
يفهم ما يحدث له .
لف نفسه داخل فوطة و توجه نحو الشرفة يراقب شمس
البيضاء. أدى خدمة لشلوميت دون أن يسألها لماذا تنقب في حياة مصطفى العصوي
.ما سر اهتمامها به ؟و ما سر اهتمامه هو بنانا ؟ كان هدوؤها يرسم حولها
هالة خاصة .الاحترام والإعجاب والحب حتى. كل ذلك كان يشع من عيون الضيوف.
حتى
وهي تغادر بيت صديقتها سار خلفها دون قصد و رآها توقع خطوا كنشيد أبي
القاسم الشابي . أحس بوخز في القلب .رآها تصافح أحدهم فتسمر في مكانه و
تمنى في لحظة لو محا هذا الأحدهم من الوجود هنا و الآن . ثم وجد نفسه يسخر
من نفسه وأحس بتعب مفاجئ.
لكم يخجل من نفسه ,يخجل من نفسه ثم يتساءل
من يكون هذا الذي يحادثها و يضاحكها وتبدو مرتاحة له .حاول أن يتابع طريقه
خلفها . إنه لا يعرف هذه المرأة . يعرف فقط أنها تشرفت بمعرفته و ابتسمت
له عندما قدمته شلوميت لها . شيء في داخله قال له إن نانا تحتاج إلى حماية
شخص من عياره هو.
عياره ؟
لقد ابتسمت له كما ابتسمت لغيره .لم يثرها
موقعه الاجتماعي و لا اسمه الرنان .لم تتهافت عليه مع المتهافتين .حتى
إنها لم تلتفت نحوه و لو مرة و لم تجد عليه بنظرة .
أحس برجفة جديدة
عندما رأى يدها توضع على جبين ذالك الشخص و تصورها تتشبث به وترتمي بين
أحضانه أمام الملأ وتدع رأسها يربض على صدره . تصور يد الرجل تمسك بيدها
في لطف ورقة ثم تمتد إلى الخد فالعنق .
سرت في بدنه قشعريرة و لف
الفوطة حوله أكثر ثم غادر الشرفة إلى الصالون و شرع يرتدي ثيابه ويحاول أن
يلجم غريزته . تلك كانت شهوة حقيقية . كأنه لأول مرة يحسها عارية وغامضة
وعصية على الإرضاء.
لا كشلوميت .
شلوميت كما يعرفها لم تشتك قط من
علاقة لها مع رجل. لديه اعتقاد راسخ بأنها ليست عاشقة . و لربما لم تكن في
يوم عاشقة. حكت له أنها عندما كانت مراهقة كانت تغطي جدران غرفتها بصور
النجوم الذين كانت تعشقهم تباعا و اعترفت له بأنها أحبت عربيا حتى . عشقت
عمر الشريف حتى النخاع .
و عندما تجاوزت سن المراهقة أصبحت تقع بيسر
شديد في غرام رجال تتابعوا على هواها . كانت تعشق بجنون رغم خجلها إلا أنها
في أول سوء تفاهم أو أول خصام تمزق الصور والرسائل وتنسى.
أحبت
أساتذتها في الجامعة .دخلت معهم في علاقات حرصت ألا يعرفها أحد . و كانت
تميل إلى الرجال الناضجين والذين لهم سمعتهم في الوسط الطلابي . لم يكن
عصيا عليها اقتناص من تريد و كانت تضعف أمام المتزوجين بنفس السهولة التي
تعرض بها عن العزاب و الأصغر سنا.
كان يكفي أن تعشق شلوميت رجلا حتى
يصبح بدوره ذا جاذبية جديدة و يصبح ذا هالة يصعب التكهن بمصدرها . كانت
كل علاقاتها تصل بها إلى نقطة النهاية .
دخلت في علاقات مع زعماء أحزاب
ووزراء و أعيان من العيار الثقيل ثم ما تلبث هذه العلاقات الساخنة أن
تتحول إلى لقاءات عابرة في فنادق وأحاديث مقتضبة أمام فنجان قهوة أو كأس
أي شيء.
كل صديقاتها تزوجن و ظلت هي تبحث عن عيوب كل رجل تدخل معه في علاقة و ما إن ما تعثر على العيوب حتى تتراجع .
و مع ذلك كان لديها اعتقاد أن الرجال يتخلون عنها لأتفه الأسباب .
كانت
تبحث عن العاشق الكامل وكانت تردد لعبد المرشد المستجدي أن الرجال الذين
يلاحقونها إما متزوجون أو عازفون عن الزواج وتذكرت في معرض حديث لها معه
ليلة رأس السنة - أي البارحة -قول نانا لها إنها تعمد إلى اختيار
المتزوجين أو العازفين عن الزواج . و عندما تعثر علي ما تراه مثالب في أي
عشيق تبادر إلى الاستغناء عنه مخافة أن يستغني عنها هو قبلها .
قالت لها
نانا أيضا إن المشكل الحقيقي يكمن في علاقتها مع نفسها لا مع الرجال.
قالت لها إن الخوف وتصوراتها هما مصدر آلامها .لم تفهم شلوميت آنذاك و ظلت
تردد لا لنانا و حسب بل له أيضا أن عشاقها يأتون ثم يغادرون وهذا ليس
ذنبها . أنت سجينة تناقضاتك ياشلوميت . تطلبين المزيد دائما و تسعين في
ذات الوقت إلى أن يكون الرد على طلبك غير متاح . ثم سألتها .احكي لي عن
والدك . حكت لها أنه كان طموحا ونجح في حياته و راكم المال وأحبه حتى
النخاع إلا أنه كان فظا غليظ القلب وكانت تحلم بأن تجعل منه إنسانا رقيق
المشاعر . وترى نانا أن أول حب في حياة شلوميت هو والدها . لذا كانت تسعى
سعيا إلى كل ناضج طموح حقق طموحه وتعشقه حتى الثمالة .
يذكر عبد المرشد
المستجدي اعترافها له بشعورها بأهميتها عند ما أثارت اهتمامه هو . ويذكر
حديثها عن وحدتها القاتلة رغم الكم الهائل من المعارف الذين تحفل بهم
حياتها . كما يذكر افتتانها بنانا.ونانا تردد أن عليها أولا أن تتعلم كيف
تحب نفسها . عليها أن تحب كيانها. أحبي الطفلة التي كانت تخشى والدها و
تحبه في آن واحد .قومي بجولة داخلك ياشلوميت فثمة تجدين الحل . هكذا كانت
تتكلم نانا ولأنها تتكلم هكذا وجد نفسه يفكر فيها بكل شرايينه .ماذا
حدث لك أيها الرجل القوي النافذ .
ها أنت رغم جلالك صرت تخجل من حياتك .رغم قوتك رأيت نفسك جبانا . حياتك منظمة رصينة تتقوقع داخلها ولا تجرؤ على تهديم جسورها .
فجأة وجد نفسه يفكر في الأخلاق والمبادئ.
و
هو يرسم لنفسه صورة رجل الأخلاق والمبادئ و يعرضها على الملأ. يقول له أي
حياة هذه يا رجل ؟ افعل.لا تفعل . قل. لا تقل لعل هذه السيدة التي تدعى
نانا أسعد وأقوى مني .
لعلها تعيش حياة خالية من التعاليم الأخلاقية .
داعب
ظهره شريط الشمس الدافئ . أغمض عينيه و حاول أن يواصل تداعياته . فرك
عينيه . صافحت أنفه نسمة الصباح ووجد نفسه من جديد يستعيد حكايات شلوميت و
تناقضاتها. في لحظات توهجها تردد أنها تشتهي أن تخرج للشارع عارية تماما
لتقول لكل من عشقها . انظروا هاهي شلوميت نشوانة تتفرج على بلادتكم يا
رجال الأخلاق .ترفض عيبكم وحرامكم وعرضكم وشرفكم وتضحك عليكم ملء شدقيها و
تعيش حياتها كما تحب وتشتهي وتقول لكم إن نظرتكم التناسلية التي تتقوقعون
داخلها أصبحت متجاوزة . وأنا أرفضكم كلكم . أفلتت منه ضحكة شبه هستيرية
وهو يستعيد هذه اللحظات.
عاد إلى الصالون وارتدى ملابسه . وبدل أن ينادي
السائق آثر أن يقود سيارته بنفسه هذه المرة . و هو داخل السيارة فتح زجاج
النافذة و ترك الهواء يدغدغ خياشيمه وشرع يحدق في الناس . كل واحد ملفوف
داخل دنياه الصغيرة . و هو بدوره الآن داخل عالم جديد عليه له ملامح أنثى
من صنف لم يره من قبل .كان في حاجة إلى لحظة سكون . لحظة لا يفكر خلالها في
شيء.
لكنه لا يعرف إلى أين يتوجه .فهل يتجه إلى بيت شلوميت ؟
أخبرها أنه آت إليها و جاءه صوتها مرحبا على عادته . ابتسم للهاتف في يده .
كانت بمفردها بالبيت .بدت له حيوانا لم تهذبه الثقافة ولا احتفال رأس السنة . أقبلت نحوه وقبلته على وجنتيه و همست له :
- لا شك أن السهرة شحذت غرائزك .
لم يحر جوابا .
-
لماذا تبدو مسكينا و أنت في عز جبروتك ؟ أراك تعيسا .بريئا حافلا بالأسى.
أراك طفلا شقيا يتيما .لماذا أنت مشتت هكذا؟ قلق دع قلبك يفضي بما يتفاعل
داخله .قل . ما الذي يبلبل هذا الفكر السياسي القوي ؟
احتفظ بالصمت ثم قرر أن يبوح لها بأ، صديقتها لم تبرح خياله منذ أن رآها . أطلقت ضحكة عالية :
-
ألم أقل لك إن المرأة تصنع الرجال ؟ يكفي أن تشير إلى أي رجل ليتبعها .
تريد أن تفوز بنانا يا صاحب المعالي .ثمة طريق وحيد لا ثاني له . اجعلها
تحبك .
لعق شفتيه و سألها كيف يتسنى له ذلك .
ردت :
- هذه المرة طلبك يفوق قدراتي . عليك أن تخرج من القمقم بمفردك .
تنهد عبد المرشد المستجدي و ابتسمت شلوميت

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:24

(12)

- سأطلقك يا مصطفى .الحرية أجمل شيء في الوجود. سأخرج من عذابي ومن معاناتي . طفح الكيل. سأخرج من حياتك طوعا أو كرها . أنت شيطان .
- هذا شذوذ يا كاميليا .
- ليكن شذوذا .أنا أحلم بغيرك . أحلم برجل رقيق المشاعر. أنت مضحك حين ترتدي فروة أسد.
ضحك مصطفى العصوي .
- لا تكوني سافلة .و اعلمي أن المرأة التي تثير حنقي لم تخلق بعد.
أفلتت منها ضحكة رأته غاضبا يخفي غضبه خلف ضحكته تلك
- أنت قذر. لا تعيش إلا من خلال نظر تناسلية وحساب في البنك.
أحست ببركان يكاد يقذف بالحمم من داخله . أحست بالنار تتأجج في صدره . في هذه اللحظة رن جرس الباب.
كانت
نانا. رأى مصطفى العصوي الصديقتين تتعانقان فنهض . صافح نانا و خرج .كان
مجيء نانا نسمة . قالت بسمتها – تبدو عيناك مسكينتين و أنت تعاشرينه . رغم
ابتسامتك فأنت تعيسة . الأسى يغلف نظراتك .تمنت أن تبكي بحرقة على صدر
صديقتها. فتحت نانا حقيبتها و أخرجت ملفا و ناولتها إياه . همست :
- هنا
خلاصك .تستطيعين أن تخرجي من مللك و قرفك منذ الآن . الرجل متزوج من غيرك
أولا . ولم يكتب كتابه عليك ثانيا . لا يوجد عقد زواج بينكما .استغل
سذاجتك ورغبة والدك في منحك وضعية اجتماعية ترضي من يعتبرون المطلقة
نشازا في الأسرة وتآمر عليك مع كاتب العدل مقابل دريهمات يعتقد أنها تفتح
له كل السبل.
أحست كاميليا بالدوار و رأت أنها امرأة منكسرة . وها كبرياؤها يتلقى طعنة .
أحاطتها
نانا بذراعيها وهمست لها .. الآن انتهى كل شيء . سقط القناع عن القناع .
كرامتك إن جرحت سيلتئم الجرح.أنوثتك إن أهينت ستستعيد عنفوانها .سترينه
دليلا .اقرئي الملف بهدوء. وسترين أن ورقة التوت سقطت عنه تماما وانكشفت
سوءته.إنه نصاب يرى الدنيا نصبا في نصب . انتهت أسطورة مصطفى العصوي .
قالت كاميليا :
- كنت دائما أرتاح إليك .كنت دائما أشعر أن الخلاص منك سيرشح. ثم ارتمت في حضنها وبكت بمرارة .
عادت نانا تهمس في أذن صديقتها :
-
إذا علم بما في الملف الذي بين يديك سيفرغ من اعتداده بنفسه . سيغزوه رعب
لم يتصوره قط. سيحاول أن ينتزعه منك بالقوة إذا اقتضى الحال .
ما بين يديك مجرد نسخة من الملف . الملف الأصلي بحوزتي حفاظا عليك . ما علينا . الآن عليك أن تجدي طريقك بنفسك . أنقذيك منك حتى .
نهضت
كاميليا و فتحت الدولاب وأخرجت فستانا أسود ووضعت على كتفيها وشاحا أحمر .
مروان يحبها عندما ترتدي الأسود ويعشقها حتى الجنون و هي ترتدي الأحمر ثم
طبعت قبلة على جبين نانا و وحملت حقيبتها السوداء أيضا .
سنخرج الآن . سنذهب إلى مكان هادئ و سأقرأ الملف و أقرر قرارا ثانيا .
مدت نانا يدها إلى شعرها الذي أخفى جزءا من وجهها. أزاحته قليلا و اختلجت أهدابها ففهمت كاميليا سؤال الأهداب و ردت:
- القرار الأول هو أني لن أعود إلى هذا البيت أبدا . ومن على المكتب أخذت قلما وورقة و كتبت :
- عزيزي مصطفى .انكشفت لعبتك و بدت سوءتك.
ثم التفتت نحو نانا و أضافت:
- لا أريد أن أتصور سحنته و هو يقرأ هذه الورقة . هيا بنا .
لم تسألها نانا عن بقية أشيائها . شيء في داخلها أنبأها أن صديقتها ترفض كل ما يذكرها به.
اقترحت نانا أن تذهبا إلى بيتها ولم تمانع كاميليا .
بيت نانا غرفة نوم وصالون صغير و مطبخ وحمام وشرفة تطل على حديقة بأصص من الأزهار والنباتات الخضراء.
الصالون منظم. القطع فيه رصفت بعناية .قرب التلفاز كتاب مفتوح حدست أنه مصحف.
جلست هي بينما ذهبت نانا لتعد كوب شاي .
كانت
الشمس تميل إلى المغيب والشفق بعيدا يأخذ إليه وهج النهار . اعتراها إحساس
عميق غامض وهي تنظر في عيني نانا رأتهما أكثر اتساعا .لا شيء يستحق أن
يهتم به في هذه الدنيا .
راجت ببالها هذه الفكرة و كأن نانا سمعت هسيسها فردت باسمة
- ومع ذلك فكاميليا تهتم و تقلق . أليس كذلك؟
- صحيح
تأرجحت
على شفتيها ابتسامة و مدت يدها إلى الملف تفتحه انشدت منذ الوهلة إلى ما
تقرأ كما لو لأن حبالا خفية أحكمت حولها وعقلتها و تركتها تتوكل . ووجدت
نفسها تدخل في دنيا غير دنياها . دلفت عالما لم يكن يخطر ببالها قط . شرعت
تلتهم الصفحات الواحدة تلو الأخرى حتى أنها لم تعد تعي شيئا عن صديقتها
الجالسة قربها. ولم تمد يدها إلى كوب الشاي الموضوع أمامها.
أمام شريط
كانت .اعتراها حماس يقول هامسا أنت كنت تعيشين مع عدو لم تكوني ترينه . و
أنت على أهبة مباغتة ما . لمعركة طارئة. كل سطر يقول لها إنها عاشت حياة
مزورة ونامت على سرير مزور . وكل فقرة تقول لها اخترعي حياة جديدة و أنقذي
أيامك الحقيقية التي فقدت ألقها . لعل حب مروان يكنس ما خلفه مصطفى
العصوي من دمار .لعل مروان ينقذها من محاولة الاغتيال التي كانت تعيشها
بمباركة الوالد والأهل والدين والمجتمع.
كل ذلك و نانا تتأمل غيابها و
تقرأ ندمها وتحدس حنقها على نفسها لأنها ارتكبت يوم ضعفت أمام الأهل
وقالت نعم إثما في حق نفسها . رأتها تضع يدها على جرح طازج وتعترف بأنها
بددت أيامها معه كما كان يبدد سجائره بتركها تتآكل بفعل النار. واستمراره
في حكايات عن بطولاته التي لا يؤمن بها غيره.
رفعت كاميليا بصرها إلى
نانا و رأت عينيها كعيني طفل يراها لأول مرة ويندهش . رأت فيهما سماء.
بحرا.أشجارا .رأت فيهما الله. وأحست بنسمة باردة تداعب صدغيها . كأنها
بدورها تراها لأول مرة. كم تدين لها بهذه اللحظة التي تعيشها و تعيش هي
داخلها عودة إلى الطفولة . نظرة جديدة للعالم بعينين فيهما من العذرية
الكثير.

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:26

(13)

استيقظ مروان . فرك عينيه . شعر بانبساط. و هو يرتدي ثيابه مد يده إلى
الهاتف .رسالة هاتفية من كاميليا تقول ‘’ حبيبي. لقد سقط القناع وافتضح
أمره .’’ كان يعرف أنها تقصد زوجها لكنه لم يفهم أي قناع سقط و أي أمر
افتضح. وفي المقهى رآها وابتسامتها. كانت مقطوعة فيفالدي تؤثث اللحظة وجاء
صوتها المبلل.
- أهلا بك. أعرف عاداتك.
شع من عينيها بريق غامض . ووجد نفسه يحدق دون أن يدري في صدرها النافر .تطلع إلى الشعر الكستنائي وعادت إليه جلسة الفندق. قالت:
- أتذكرني؟
حرك رأسه بالإيجاب
-
تبدو لي عاشقا متينا تماما كما رأيتك في الفندق. عندما تفكر فيها تنسى كل
شيء .تنسى زوجتك وأطفالك وبيتك و أهلك و يومك وغدك أصاب دماغه خدر ووجد
نفسه يتابع الصوت اللزج و يتلذذ بإيقاعه.
- ما سأقوله ليس درسا. أنت أستاذي .مجرد اقتراح أعي أنك تعيه لكنه قد يغيب عنك و أنت قلق مشتت موزع الخواطر مبلبل الفكر.
في لحظة بدت له عيناها طينيتين و ديتين ورأى على شفتيها المكتنزتين مشروع قبلة . أضافت :
-
أنت تريد أن تحقق نتيجة ولديك هدف . والوصول إليه يتطلب إستراتيجية
.العفوية والتفكير التلقائي لا يفيدان.كلنا نريد أن نحب أن يحبنا الآخرون.
أن نفلح في ما نفعل . ماذا يجب علينا أن نفعل إذن؟ أن نحدد الطريق الذي
نسلكه إلى ذلك .إستراتيجيته كما يقول الساسة. إذا عرفت أي سبيل ستسلك و
إذا حددت الطريقة إلى ستتبناها في سلوك هذا الطريق ستخرج من التردد
والحيرة. ويكفي الخروج من التردد لتطل على القرار كالوصفة التي تهتدي بها
لإعداد أكلة ما. الوصفة إستراتيجية والأكلة هي الهدف. الوصفة تتضمن قائمة
المواد التي نحتاج إليها و طريقة الاستعمال وفق نظام وترتيب معينين.جهازك
العصبي لا يختلف عن أي جهاز آخر. و ما تحصل عليه من نتائج مصدره كيف
توظف طاقاتك و جهازك العصبي في الاقتصاد كما في الحب . هناك من يملك موارد
ذهنية أكبر . لكن من يحسن توظيف موارده يدرك مبتغاه بسرعة أكبر و في وقت
أقل .. الكيف أستاذي الجليل .. الكيف
قاطعها مبتسما:
- لا شك أنك مولعة بالبرمجة العصبية اللغوية.
توقفت عن القول و بادر :
- حدثيني عنك
- ربما أطلعتك على حياتي كاملة في يوم من الأيام. الآن....
تأرجحت على شفتيها ابتسامة مترددة و تابعت:
- سأقول لك شيئا عني . يمكنك أن توقفني إذا أزعجتك .لن أغضب منك.لم يجب مروان و ظل ينتظر ما ستسفر عنه اللحظة .
-
لا أحب حياتي . لا أطيق إيقاع العمل والتنقل والنوم رغم الأجر الذي يقولون
عنه محترما. أسعى إلى العثور عن المجهول ولن أحل المعادلة إلا بلقائه .
هل تتصور أن السؤال الأبدي الذي لا يتوقف عن دغدغة كياني هو ماذا سيحدث لي
عندما أموت.. هل تعرف شخصا واحدا يستطيع الرد على هذا السؤال ؟ أرجوك
أوقفني إذا أزعجتك .
- لا عليك .تابعي .
- كلما أمعنت في التفكير
والقراءة لا أجد غير احتمالين اثنين لا ثالث لهما . إما أن ينتهي كل شيء
عند فناء الجسد وإما أن هناك شيئا يستمر بعد الجسد. فإذا كان فناء الجسد
هو النهاية الفعلية ما جدوى الحياة ؟ ما جدوى أن تركض خلف المتعة و تفادي
الألم؟ ما جدوى أن تجمع مالا حطاما لتتمتع حتى النهاية؟ ما جدوى أن تعيش في
عالم كل ما فيه مجاني . العنف مجاني . والجور فيه مجاني أيضا؟
لكن إذا
كان هناك استمرار لشيء ما يصبح الأمر مختلفا .ربما أصبح هناك معنى ما . لا
أحب فكرة باسكال الذي قال حتى لو لم يكن هناك إله فمن الأفضل أن نؤمن به ,
لن نخسر شيئا بل سنكافأ إذا ما كان فعلا موجودا . أراها فكرة مفتعلة
تستهين بذكاء الله . وشرعت أبحث عن مرفأ علني أجدني فيه . وجدته في الحب.
الحب رفيق الألم . أن نحب بالمعنى العريض .كل الناس أولا. لا يوجد شخص أفضل
من آخر . لا شيخ ومريد .لا يوجد أستاذ وتلميذ كلنا أساتذة و كلنا تلاميذ .
لكل واحد منا رسالة .لكل واحد منا شيء يبلغه للآخرين . وبالتالي يتعلم
الأستاذ من التلميذ مثلما يتعلم التلميذ من الأستاذ و مثلما يتعلم الشيخ
من المريد. بدأت أعيد قراءة النصوص المقدسة واعتقدت أني فهمتها ثم اكتشفت
أن اعتقادي يظل مجرد اعتقاد . أنا كالبلهاء التي ترى الأصبع فقط عندما
يشير الحكيم إلى القمر . بدأت أشعر أني أعيش مع كائنات غريبة تحيط بي و
تدغدغني حتى .
لو حكيت ما سمعت الآن لغيرك لاعتقدني مجنونة . أما أنت أحس أني أعيك .
تلاقت نظراهما .شيء ما شده إليها . أخرجته هذه المرأة من عمله و طعامه و ثرثرة أصدقائه فهمس:
- كم أنت ظمأى.
ردت بنفس الهمس:
- من منا ليس ظمآن؟ و ماذا تريد أن تعرف عني أيضا؟
إنها تأوي إليه ولها رغبة في الإفضاء . فهل يقص عليها حكاية كاميليا . هل يفشي مكنونه ؟ تغاضى عن البوح و اكتفى بالجواب .
- لقد عرفتك بما فيه الكفاية . أسقطت الحاجز الذي كان يفصل بيننا جدار انهار.
ضحكت
- جدار برلين ؟
-
كنت أقرا زاويتك في الجريدة و أقول في نفسي . في حياة هذا الرجل امرأة
تمنحه اليقين. امرأة تدخل الله إلى غرفته .فهل تعي هي ما تفعله فيه. ثم
أقول في نفسي . هذه هي الأذن التي ستصغي إليك .هذه هي العين التي ستراك في
عالم مصاب بقصر النظر .. الآن أستطيع أن أبتسم فكم صرخت وبكيت و في كل
مرة يعجز قلبي على الانفتاح .و رأيتك صدفة في الفندق . أنذكر ؟
حرك رأسه موافقا
- ثم قلت لا يمكن أن تكون صدفة
وفي
الشارع كان يحمل مشاعره واللحظة التي قضاها مع هذه المرأة الكستنائية
الشعر. دخل بها مكتبه. وإذا بالهاتف يحمل إليه صوت مصطفى العصوي يحدثه عن
الصفقة و عن العمال وعن المال الوفير الذي ينتظره.
ظل ينصت إليه دون أن
يفتح فمه بكلمة . يريد أن يعيش كما يشتهي. أن يكسب على طريقته عبر العمل
الذي هو به مقتنع. لم يخلق لهذه الأشياء . والآخر يسرد عليه أشياء لا
يعيها . وجد نفسه يسأل نفسه هل يعرف حقا لأي شيء خلق ؟ هل يعرف حقا ما
يريد؟ ودون أن يعي أغلق السماعة و الآخر لما يكمل حديثه بعد.
ترى أين
هي الآن؟ و ماذا تعني برسالتها الهاتفية سقط القناع عن أي قناع تتحدث؟ مد
يده إلى الهاتف و ركب رقمها. ظل هاتفها يرن. ولا جواب.

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:27

(14)

- اسمع يا عبد المرشد .لا أخفي عليك أني أعشق نانا.
قالتها و نظرت إليه بعينين انطفأت منهما الشراسة القديمة . لم يندهش . تناول كوب الشاي من يدها .رشف منه . أردفت هي :
- لم أقرأ المفاجأة على سحنتك .
ضحك
و رد أنه رجل دولة و أن ميزة رجل الدولة الأولى أنه يحسن الانتظار .
وينتظر اللامتوقع . لاشيء يفاجئ رجل دولة. ضحك من جديد و أضاف أن تعلق
امرأة بامرأة أمر ممكن ويحدث في كل آن .لا يفاجئ هذا العشق أحدا إذا كان
هذا الأحد واسع الأفق.
كان شعرها مبتلا فعقفته إلى فوق.
عبر لها عن عشقه القديم لها ملفوفة في فوطة بعد خروجها من الحمام .كان يراها مثيرة بشكل مثير .
ألقت عليه نظرة عتاب لا تخلو من محاولة إثارة .
- فقط ؟
حرك
رأسه نافيا و قال إن ما كان يثيره فيها أيضا هو ذكاؤها وسعة خيالها
وثقافتها العصية على التصديق . سريعة الإدراك .قادرة على استنباط الخبر
وطرحه طريا على البساط .وتحب أن تخدم من تحب دون طمع حتى.
- آه منك يا
رجل الدولة القادر على تلقي الأخبار السيئة . أنا أعي أنك تتلقاها ببرود ثم
بعد ذلك تدرسها بتجرد و ترتبها . كنت دائما تردد أن ترتيب المعلومات
كتسيير البشر .لا يهم العدد بقدر ما يهم النظام . أتريد خبرا سيئا آخر ؟
عاد يبتسم بهدوء راجيا إياها بأن تكف .فخبر عشقها لنانا يضاهي عشرات الأخبار السيئة .
أزاحت الفوطة قليلا و كشفت عن جسدها المندى بالماء .عاث بعينيه في جسمها دون أن يبدو عليه أثر لأدنى رغبة . رمقته بخبث و قالت:
- واضح أن نانا ستغير قسمات خرائطك.
لم يرد على ملاحظتها و رشف من كوب الشاي الذي كان في يده :
-
أنت الذي قلت لي مرة إن امرأة جميلة تستطيع أنتغير جدول أعمال رجل مهم و
يمكنها أن تجعله ينسى موعدا مهما و ينسى حتى بيته في جلسة حميمية معها .
رد
أنه يتحدث عن النساء اللائي توظفهن الاستعلامات العامة لمصلحة البلاد .
كثيرات منهن استطعن بنظرة و ببسمة وبقبلة خفيفة تأجيل قرار حاسم .استخدامهن
كان لتأجيل القرار بالضبط . وبصوت خافت كأنه يسر لها ردد أن السياسة فن
مراقصة الزمن وأن لا أحد يراقص أحسن من امرأة جميلة . ثم صرح لها أنه
يرتاح لشيء ما في شخصية صديقتها .يراه غير طبيعي .. يرتاح للإحساس الهادئ
الذي يغمرها .لصمتها البليغ الذي يتوهج داخلها هكذا يراها .و باح لها بأن
ما شعر به بعد ربع ساعة من رِؤيتها كان مفاجئا و حاسما . لم يكن يؤمن أن
ذلك يحدث في غير الروايات وكان يفترض أن الكتاب يبالغون وهم يصفون النظرة
والابتسامة و السلام .ورآه هو المحنك في أمور الدنيا يخوض تجربة صادقة .ثم
سألها هل تتصوره يتحرق شوقا إليها .
و تنهد فاستغربت.وشاغبته.
- إذن أنت الآن مقتنع بعدم وجود تعليل للوقوع في شراك الحب ولا يمكن لك أن تعرف لماذا وقعت الآن ؟
قاطعها
قائلا إن جمالها ليس فائقا .انجذابه إليها يتجاوز الجسد. ما أذهله قليلا
هو عدم صدور أي علامة منها تشي باهتمامها به و لو من بعيد
.اتزانها.هدوءها .تصرفها اللطيف الملفوف داخل نوع من عدم الاكتراث و كأنها
تطفو فوق اللحظات التي كانت تجمعهم . تضحك بسهولة .تبتسم وهي ترد على تحية
أو تعليق داخل دائرة اللياقة .
اقتربت منه و أمسكت يده بلطف ورقة ثم
سحبتها دون أن تعلق . ألقى عليها نظرة خاصة و بصوت موقع أقر أنهما مصابان
بلوثة واحدة .ثم اقترح أن يغيرا موضوع الحديث .وسألها عم فعلت أو ما ستفعل
بملف مصطفى العصوي .
- إنها كتومة .قليلة الإفضاء . لا تدع أحدا يدخل غرفتها الخاصة .
فضحك مضيفا أن عندها ملفا يمكن أن يخرب ما بقي من أيام مصطفى العصوي .
رمقته بخبث .
- لم لا تتدخل أنت و تخرب ما بقي من أيامه ؟ذ
نظر
إليها في عطف و رآها مسكينة تسعى إلى إرضاء محبوبتها باتخاذ مبادرات لم
تطلب منها قبل أن يجيب أن البلد حافل بأمثاله و أن فتح ملف ضده نموذج
يتكرر في كل إدارة و مؤسسة و قد تعب من مثل هذه الأمور . تعب و جاءت
صديقتها لتزيد من تعبه وشرع يشكو من خطواته التي تزداد بطئا و بقدرته
المتناقصة باستمرار على تحمل ازدحام الشوارع حتى وهو في المقعد الخلفي
لسيارته . أصبح يطلب من السائق أن يأخذه خارج المدار الحضري بحثا عن هواء
تلح في طلبه رئتاه .أصبح يرقب خطوات العالم و يراها بدورها بطيئة كخطواته.
قال في نفسه ليعش ما تبقى من حياته كما يحلو له وليدركه الموت متى شاء.
و إذا به يراها ويجد نفسه في منعطف . ربت على ركبتيها قائلا إنهما معا في خندق واحد و إن لهما مشروعا واحدا .
- يالك من داهية ..
اقترح عليها أن يسعيا معا إلى رضاها و أن يقضيا معا منها وطرهما.
غمزته :
- أيها العلامة .. آه لو سمعتك جدران القرويين ..
أعاد
إليها الغمزة و أضاف لا القرويين و حسب بل قاعات المحاضرات في الكليات
واستوديوهات التلفزة والأحاديث عن الحق والقانون ثم هز كتفيه مرددا
أنها كانت لحظات من ماض تلاشى عاشها شخص غيره هو الآن . هو الآن ما تراه
هي لا ما كان .
مدت يدها إلى زجاجة كانت موضوعة على مائدة واطئة
أمامهما ساعدها و أحضر كأسين وابتسم .. و دعاها إلى التلعثم في القول
طالبا منها عينين خاليتين من أي تعبير . دعاها إلى نسيان ما يعرف.
و أضافت هي :
- لا ما تعرف فقط بل و من تعرف أيضا.
أجابها موافقا إلا هي –نانا – فاطمة الزهراء .
و
فكر هو الذي تقدم في السن دون متاعب و زحف إلى الشهرة والجاه عبر المناصب
التي تولاها تباعا ها هو الآن مشغول برمته بامرأة لا يعرف عنها شيئا تزج
به دون أن تعلم في تجربة تكاد تكون صادقة .
مدت له الكأس فأعادته إلى اللحظة قائلة :
- خذ . إنها الشمس معبأة في كأس من تلك التي تحب .
جرع
الكأس مرة واحدة وأعاد لها الكأس من جديد .فملأته.حملق في الفراغ كمن
يطارد ذبابة وهمية و طلب منها أن تهيئ له لقاء مع نانا على انفراد.

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:28

(15)

تخيلها داخل فستانها الأسود والوشاح الأحمر على كتفيها يلقي بظلاله على
جسمها الصغير . شهية كتفاحة. أسرع الخطو .فجأة وجد نفسه يشتهيها الآن . ما
إن ولج غرفة النوم حتى رأى على السرير ظرفا . فتحه بلهفة و قرأ وفهم .
رآه لأول مرة وحيدا. غريبا. حزينا. حدق في المرآة .كانت عيناه يكسوهما غشاء شفاف من الدموع.
ماذا حدث لك أيها الرجل القوي ؟ مصطفى العصوي لا يبكي من أجل امرأة .
فانتفض.
خرج قاصدا بيت والدها .. والدها نصيره الأول والدائم .
كانت
الشمس تميل إلى المغيب .الألوان تتداول قدوم المساء ووهج النهار يختفي في
اشتهاء. كيف لرجل ناجح متحذلق على شاكلة مصطفى العصوي متكلف السلوك حسب
ما يقتضيه الظرف ينظر إلى العالم بتعال أن يتأثر لغياب امرأة لا تجربة لها
في الحياة. كيف له أن يعيش اللحظة ألما محرقا لا يحتمل .
سيعيدها إلى البيت طوعا أو كرها ثم يتصل بإستر لضبط أمور لا تزال عالقة.
انعطف
يمينا . أثارت انتباهه لأول مرة عمارة في طور التشييد. تأملها . كم تمنى
أن يشيد مثلها . رفع عينيه ليرى نصب الصقالة. يسمونها الواقية تحمل
عاملين وهم يباشران عملهما عاليا .. رأى العاملين ينزلان منها و يدخلان
إحدى الطبقات . في رفة رمش رأى الواقية تزحف نحوه هبوطا وتقع عند قدميه.
أحس بشيء يصطدم بوجهه كأنها صفعة ريح.. تابع سيره دون أن يعي ما حدث . و
في لحظة وجد نفسه يتوقف ثانية وعاد إليه مشهد الواقية و هي تتهاوى أمامه
بكل ثقلها .
في لحظة كانت كل مخططاته و أحلامه ستتبخر .
و كانت
الهيمنة على كاميليا والتخلص من مروان والحديث مع إستر في قضايا تذر
الكثير ستنهار لمجرد مناوشة عارضة من واقية ورشة بناء متهالكة .
عندما طرق باب إستر رأت شخصا غير مصطفى العصوي الذي تعرف. طلب منها كأس ماء .جرعه دفعة واحدة.
سألت نفسها ما الذي جعل مصطفى فريسة لظمأ مفاجئ.
سألته . أجاب أن كل شيء على ما يرام .
كذب.
حتى
إنه لم يصافحها وارتمى كتلة واحدة على أريكة الصالون . ظلت تحدق فيه دون
أن تنبس بكلمة . أزاحت خصلة من شعرها كانت قد سقطت على جبينها. ورفع بصره
إليها يتأمل أهدابها الطويلة تختلج في حدة . كانت تفكر.
تقولها .. لا تقولها ؟
لم يكن يفكر . كان فارغا فقررت أن تبادر بالقول:
- استطعت أن أعرف من كان وراء النبش في حياتك
لم يصدر عنه أي رد فعل .
لا ليس هذا هو مصطفى العصوي الذي أعرف . كانت تنتظر انتفاضته .
اقتربت منه و جلست إلى جواره . لاحظته يلتقط أنفاسه كمن ركض مسافة طويلة . نهضت لتعد له كأسا من تلك التي يحب.
من النافذة رأى الشمس تميل إلى المغيب. رأى وهج النهار يتلاشى و أحس بخدر جديد عليه .
ملأت الكأس و مدتها له .لم يتناولها بل ظل صامتا ينظر في عينيها العميقتين و في شعرها المنسدل على كتفيها.
نظرت إليه بدورها و رأى عينيها تزدادان اتساعا .غمره إحساس غامض.
- ما بك يا مصطفى ؟
و أخيرا قرر أن يرد .
- لست أدري . أنا في حاجة إلى لحظات أجالسني فيها و أغوص عميقا في ذاتي .
أعادت السؤال .
- ما بك ؟
ونظرت في وجهه برقة .
- لست أدري قلت لك .. سأذهب إلى مكان ما . إلى الجبل أو إلى شاطئ البحر .و أحادث نفسي .
لم تفهم.
- منذ متى أصبحت شاعرا تركض إلى نفسك تحادثها في فضاء شاعري ؟ هل تعلم أنهم سيأتون غدا ؟
- ................
- أنت تعلم أنهم لا يمزحون ..
- ....................
- استقبلهم . خذ البضاعة .مررها كالعادة ثم اذهب إلى أين تشاء متى تشاء وجالس نفسك كما يحلو لك .
- ........................
- اخرج من صمتك .كنت أعتقد أنك تتلهف على معرفة من نبش في حياتك .
- ............................
- أين نظرتك المشتعلة ؟ أين ثقتك الزائدة في النفس ؟ مالي أراك شخصا غير الذي عرفته ؟
تأرجحت على شفتيه ابتسامة واهية . وفتح فاه ليتكلم .
-
لست أدري ما وقع لي يا إستر . في داخلي فوضى . وجدتني فجأة في حاجة إلى
ترتيب الأمور داخلي . فجأة أجدني أفقد تلهفي القديم على أن أكون الفائز
دوما .
شعرت بأغوار عميقة خلف عينين لم تكونا عميقتين قط. ورأت أمامها رجلا يصرخ صامتا .يستغيث . لكن ..
-
أنت تعاني من شيء ما .لعلك تعيش آلاما أنت وحدك تعرفها لكنك ملزم باحترام
عقد وقعته مع الجماعة . و أنت تعرف أن العقد يربطك بهم مدى الحياة . ولن
ينتهي العقد إلا بانتهاء حياتك . إخلافك للموعد سيثير خللا في المنظومة
.والمنظومة لا تختل . إنك تركض إلى حتفك .
لم يرد . صبت له كأسا أخرى جرعها دفعة واحدة .
ها
هي ترى هذا الرجل الذي لا يوقف مسيرته نحو أهدافه شيء ينقلب إلى رجل حائر
حالم و إلى روح تتألم و تتعذب .. هل يعني ذلك أن حياة جديدة تطل عليه و
تجذبه نحوها ؟ هل يعني ذلك أنه في طور التحول إلى شخص آخر ؟
في طريق
العودة إلى بيته فضل المشي .لم يكن يسير .كان يحلق .حتى قطرات المطر
القليلة التي بللت المساء لم تحثه على الركض ولا على الاحتماء بسقف ما .
خضع لإشارة ضوئية لأحد المطاعم الصينية فدخل.طلب وجبة حافلة بالتوابل
وزجاجة من الويسكي شربها حتى الثمالة .
وفي الصباح وجد نفسه منكفئا على
نفسه في الصالون ببذلته وربطة العنق وحذائه أيضا . لم يدر كيف عاد إلى
بيته ولا متى نام .. وفي الرأس ألم فظيع. تذكر أنه في ثيابه كان يشرب لترا
من اللبن بعد ليلة سكر ليستعيد عافيته.
ابتسم. أعجبته الفكرة. وهو يفرغ اللبن في جوفه تذكر قولا سمعه ذات صباح :
-
إياك أن تتصور أنك تستطيع أن تفلت من عقدتك . أو أنك قادر على الاختفاء
إلى الأبد .نحن نعثر عليك و لو عدت إلى بطن أمك . نحن لا نمزح .احتضاننا لك
جنتك . والجحيم ينطلق نحوك من أول محاولة منك لممازحتنا.
وجم. شحب.أحس
بتعب مفاجئ. شيء ما شطره نصفين. اعتراه خوف كذلك الذي يساوره عند ركوب
الطائرة .ثم فرغ من التعب والخوف والتفكير . ونهض إلى الستارة وجدبها و
تمدد لا يفكر في شيء.

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:30

(16)

- كنت دائما أقول إن فيك شيئا متوحشا.
كاميليا غجرية قامة وسحنة . غريبا
كان لقاؤها بمروان بعد اكتشاف حقيقة مصطفى العصوي قدمت له نانا .فتحت
نانا ذراعيها و احتضنته صامتة باسمة.
أشارت كاميليا إلى نانا :
- إنها خلاصي .
واسترسلت
في الحديث عنها و كأنها تسعى إلى محو حكايتها مع الزوج المزعوم من جدول
الجلسة . كانت تريد أن تنسى حتى أمومتها في تلك اللحظة . تتلذذ بحريتها و
ترفض التفكير في الآتي.
و ضعت نانا أمام كل واحد صحنا من الورق المقوى و
منديلا ورقيا. داخل قميص أسود وسروال دجين بدت دمية متحركة .برشاقة ملأت
الصحون وبرشاقة ملأت الأكواب وفي هذه اللحظة ظلا هما يتبادلان النظرات .
كان
سعيدا .عاشقا.شاعرا حتى. آه لو يسعفه القلم و يكتب رواية. حدق في أظافر
نانا . لم يكن عليها طلاء . أحب تلك الأظافر الناعمة و لمح كاميليا ترمق
قراءته لأظافر نانا.
تنفس بعمق.تنفس رائحة امرأة سكنته و اختفت عنه وعادت إليه وتذكر قولا سمعه من صديق قديم :
-
لا يحق لمن لا يشعران بالسعادة مع بعضهما البعض أن يعيشا تحت سقف واحد.
حدقت فيه نانا و كأنها تعاتبه عن الفكرة التي راجت في ذهنه .
أحس بنوع من الخجل . لكن تفكيره لم يتوقف :
- إنها سادية من طرف ومازوشية من الطرف الآخر أو منهما معا .
تابعت نانا عتابها الصامت .
ارتبك فنهضت و توجهت إلى الحمام .سمع اصطفاق باب الحمام و دون أن يعي تلقف كاميليا في حضنه . وقال :
-
أنا مسكون بك .لست أدري إلى أي مدى .و أصغى لعله يسمع باب الحمام ينفتح .
لا يريد أن تجده نانا في ذاك الوضع .ابتسم لكاميليا . و في تلك اللحظة سمع
صوت الرشاش .
- نانا تتغلغل في الأفكار حتى .
متعة أن تراه .نسيت ما عانته . أن تشعر بوجوده معها ثانية جعلها ترشف من اللحظة أقصى ما تسمح به .
- قولي شيئا .
- ....
- لم أشعر بي في سلام تام مع نفسي مثل الآن . أحب حياتي و أحسدني عليها .
ضحكت .
- أدعوكما إلى العشاء في أي مطعم تشاءان .
كان صوت نانا من الخلف .
- ليكن المطعم بسيطا في حي شعبي
التفت إليها و لم يستطع أن ينتزع عينيه عنها . تابعت ضاحكة:
- لا داعي للشكر . أنا التي أشكرك .
استجاب مستكينا راضيا .. آسرة هذه المرأة .
ضحكت. هل ضحكتها صدى لما دار في خلده ؟
-
هل فهمت الآن إلى أي درجة الله طيب ؟ هل أدركت كم يحبك ؟ أشفق عليك و
أعادها إليك . كاميليا امرأة من فصيلة النسور. بأول خفقة جناح تحلق عالية
.و ها قد وجدت خلاصها .
في الخارج كان النسيم يهب ريحا . على يمينه نانا
وعلى يساره كاميليا . كان البحر يتنهد .ونانا تبتسم و كاميليا لا تصدق
أنها بمعيته . وكان الهواء رطبا مالحا . أشار إلى المطعم أمامهم .
- هناك .
حط
شحرور على شجرة . تطلع إليهم . رأى مروان أن نانا دخلت في حوار مع الطائر
ورأى الندى عالقا بجناحيه ويوشك أن يغرد داخل المطعم .كان رجل وامرأة
مسنان يتحادثان بهدوء. كم هو جميل هذا المشهد.
وسمع نانا تقول لصديقتها :
- انظري إليه . إن قلبه يجاهد لكي يتحمل جمال اللحظة. الجمال لا يرحم .
ابتسمت كاميليا ولم ترد . من فرط انتشائها باللحظة لم تستطع أن تقول شيئا .
وضع خادم عجوز ثلاثة صحون من الحساء . أشعل شمعة في قلب المائدة . وضع ملعقة أمام كل صحن . وقال:
- مرحبا .
-
كل ما كان لدي في غيابك هو الوقت . كان طويلا وكنت أهفو إلى أن أتخلص
منه.كنت في مهجتي .في سواد عيني لكنك لم تكوني معي . كنت أقضي الوقت آملا
أن ألقاك. كنت أعيش على وهم العثور عليك .كنت سكني .طعامي. شرابي .راحتي.
كنت أخاطبك في لحظات وحدتي و صمتي.
قال ذلك .. وترك نانا تتدخل .
- مروان. أنت الآن تعيش لحظة ناعمة .لطيفة. مليئة بالتوق. كثيفة.حسية
تابعت ولكنه لم يعد يسمع كلاما بقدر ما كان يسمع نغما .
وعند عودتهم إلى بيت نانا حدد مروان ميعادا مع كاميليا يتحدثان فيه عن إجراءات الآتي من أيامهما و ودعهما.
في هذه اللحظة انبعث من الظلام شخص .
- معذرة سيدتي . أنت فاطمة الزهراء ؟
- نعم
- تفضلي
و مد لها ظرفا قائلا :
- من سيدي عبد المرشد المستجدي .
تبادلت نظرة متسائلة مع كاميليا .ولى الساعي ظهره شطر الشارع و رغبت كاميليا في أن تسأل :
- من هو عبد المرشد المستجدي ؟
لكنها
أحجمت . اعتبرت الأمر تدخلا في خصوصيات صديقتها بينما أحست نانا بدغدغة
السؤال و أجابت أنه أحد معارف شلوميت ويبدو أنه ينظم حفلا في بيته .الناس
من هذه الفصيلة لا يتوقفون عن تنظيم الحفلات .
أما مروان فقد أحس برغبة
مفاجئة في العمل .فذهب إلى مكتبه و ظل يشتغل إلى وقت متأخر من الليل ثم
ذهب إلى بيته مرهقا . تمدد على فراشه مفتوح العينين في الظلام يستعيد
الأمسية و سحرها و الشحرور والخادم العجوز
ثم أغمض عينيه .

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:32

(17)

لكنها كانت الزائرة الوحيدة لبيت عبد المرشد وخادمات ورجل و مكتبة وخمر.
كالطريدة عندما تقع في الفخ . هل تهرب؟ لكي تهرب عليها أن تركض و أن تكون
سريعة حتى تستطيع الإفلات من المعتدي.
المعتدي رجل دولة مثقف.
سألها من هي؟؟
وطال
انتظار الرد. كرر السؤال واقترب منها و في يده كأس. تناولت الكأس ووضعته
جانبا فارتبك الرجل قليلا. جاءه صوتها. لعله صوتها. كانت شفتاها مطبقتين و
مع ذلك تناهى إلى سمعها قولها :
قادمة إلى الحياة من لا مكان .عبرت
مسالك كثيرة ووجدتني كمن خرج من غرفة و دخل إلى أخرى مختلفة. تماما. النور
فيها غير النور الذي تؤديه الفواتير كل شهر. فضاؤها فيه صفاء غير صفاء
الإنشاد في التمارين المدرسية .للناس من حولي معنى آخر.والكلام فيها حافل
بمعان جديدة علي.لم أعد أرغب في الكلام و كلما أصغيت وجدت أن الصمت أبلغ من
القول وأن اللاقول أجدى .إذا كنت سأتكلم مجانا فلأصمت . الصمت أجمل ما في
الكون .أتعلم أن لكل شيء في هذا العالم علاقة بكل شيء . ليس صدفة أني
عرفتك و ليس صدفة أنك دعوتني إلى بيتك. وليس صدفة أنك تحدثت عني في غيابي
مع شلوميت. ثمة علاقة مغرقة في القدم وجديدة .علاقة لا يدركها الحس و لا
تطالها المعرفة.
اسمك له علاقة بمنصبك . بمقر إقامتك .بي . بهذه
اللحظة بالدعوة إلى فعل ليس سوانا . وله علاقة بالآتي من أيامك من أيامي من
أيام الكون.
كلنا واحد.
سمع طرقا خفيفا على الباب . التفت ليرى
شلوميت تصافح الفضاء بابتسامة عريضة . بادرها قائلا إن صديقتها كائن جاء من
عالم آخر.. إنها تتكلم كلاما عصيا على الفهم من لدن شخص مارس السياسة.
فأجابت:
- صديقتي صامتة .انظر إليها .يبدو أن صمتها طال
إلا أنه عقب أنه مع ذلك سمعها تتكلم وأن خطابها كان يقتحمه من كل حدب و صوب . إنها كائن مفرد.
ثم تنهد وأضاف متحسرا على جهله لعلم الحروف.
- علم الحروف اختصاصنا نحن.
فضحك و أردف أنه يود لو كان يهوديا
- لا شك أنك يهودي دون أن تعلم . عد إلى شجرة العائلة وسترى .لعل ذلك يفسر التعاطف الذي يجمعنا..
مط شفتيه و ردد لو أن ما يجمعهما يجمع فلسطين وإسرائيل لتوقف هذا النزيف المجاني ثم التفت إلى نانا
وطلب رأيها .. فتدخلت شلوميت قائلة :
- أنا أعرف رأي فاطمة الزهراء في الموضوع ؟
فألح في معرفة رأيها متعللا بكونه غامض و ساحر في ذات الآن.
فتولت شلوميت الرد :
- تقول إن الحرب الدائرة في تلك المنطقة يغذيها الجميع . والسلم سيكون ضيفا ثقيلا عليها.
اتسعت حدقتاه و سأل فأجابت شلوميت ثانية نيابة عن نانا:
-
إسرائيل توجد محاطة من كل جانب بالعرب والبحر والعرب حتى أولئك الذين
يعيشون داخل إسرائيل تتزايد أعدادهم بشكل يرعب الساسة بينما اليهود قليلو
التكاثر وهذا تهديد شبه مباشر للإسرائيليين. وحالة الحرب تخلق تكاثفا
قويا بين يهود العالم و بالتالي تتدفق الأموال على إسرائيل دون توقف . إذا
جاء السلم يتوقف التدفق وتصاب خزينة الدولة بشح لا تحلم به إضافة إلى أن
ضحايا الحرب من اليهود قليلون.
قاطعها وماذا عن العرب؟
- العرب شعب
قبائل .والقبائل مصدر نزاع لا يتوقف منذ ما قبل داحس والغبراء . وجود عدو
مشترك يوحد بينهم ويلهيهم عن التقاتل لذا فاليهود يرفضون السلم والعرب
يرفضون السلم ولن تتوقف رحى الصراعات إذ كلما بدت بادرة سلم ما رافقتها
عمليات تنسفها في المهد
قالت ذلك وضحكت . ثم قالت ثانية:
- هذا ما باحت به فاطمة الزهراء المدعوة نانا ما رأيك أيها السياسي المحنك؟
أجاب
أنها تقرأ كثيرا وألقى عليها نظرة خاطفة أحس بعدها بدوار . تمنى لو
أحاطها بذراعيه .نظرة خاطفة غرسها في عينيها و رأى امرأة جريئة حافلة
بالتحدي فبدت له شلوميت امرأة منكسرة دون أن يدري لماذا.
لم يتظاهر بأن
له رأيا في الموضوع رغم أن رغبته في التحديق قي عيني نانا استبدت يه .بدت
له لغزا و أدهشه أكثر ذاك القدر الهائل من الميتافيزيقا التي تغلف
نظرتها.
وأراد أن يفاتحها في شيء ما .فعنت له حكاية مصطفى العصوي و
كاميليا وكأنه اسر لها أن صديقتها تتوفر على كل المعلومات عن زوجها
وأن التوفر على معلومات عن الخصم بداية النصر
تدخلت شلوميت من جديد . لاحظ أنها تسعى إلى الحيلولة دون أي حوار مباشر بينهما:
- نانا تلبي الطلبات دون تدخل في مآلها .
أجابها
بصمت مبين . ولم تجب نانا . و فكر أنها محترفة صمت فنهض إلى جهاز المسجل
و أطلق العنان لأغنية ‘’ثورة الشك «» لأم كلثوم وأخذ زجاجة نبيذ قائلا
إنها الشمس معبأة داخل القنينة و قرب من نانا صحنا من الكافيار ودعاها إلى
تناوله مشيدا بلذته مشبها إياها بالقبلات
شربوا في صمت يرافقهم صوت أم
كلثوم . كأن النغم لف الرجل في موجة من الحزن .همس لنفسه - أف- في
نهاية الأمر لا يوجد شيء يستحق أن نهتم به . كل شيء إلى زوال . الماضي
.الحاضر. المستقبل. ثم عاتب نفسه هامسا لها أنه مع ذلك فهو يتمتع
بأشياء أهمها اللحظة هذه الأنثى الغامضة أمامه . وتأرجحت على شفتيه
ابتسامة لا هوية لها.
ورآه على مقربة من نانا أمام عالم أليف يمشي فيه دون تعب .رآه يأوي إليها كما إلى ظل شجرة.
فكر في أن يقترح عليها .عليهما جولة في مكان ما .فكر في صخرة تتحطم عليها صلابة الموقف. لهث تفكيره.
سخيفا رأى نفسه. ولم يعرف ماذا يريد لنفسه بنفسه؟

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:33

(18)

أغلق مصطفى العصوي دفاتره .أغلق النافذة. أغلق الباب. نزل السلم .الطرق إلى
بيت إستر أخذه من شارع إلى شارع عبر مشية متراخية .خيالات تفضي به إلى
خيالات . استولى عليه شعور بأن الحياة لم تعد تريده .لا يدري هل هو نادم
على ما فعل . كان يكفي لحادث عارض خارج عن توقعاته أن يقذف باقتناعه بكل
ما يفعل إلى نوع من الندم .
لم يعد مقتنعا بشيء.
استقبلته إستر بابتسامة عريضة .قرأت الدوار الذي يعيشه و حاولت طمأنته
-
لا تخش شيئا .لك أصدقاء في كل الدوائر.لا يوجد شخص واحد لا أفضال لك عليه .
من اليسير جدا أن تنجز عقد زواج يحمل التاريخ الذي تريده أنت . أنت أدرى
بهذه الأمور .كاميليا قضية ثانوية . والصفقات الأهم تسير على ما يرام.
لم الانزعاج إذن ؟
لم أعد أجسر على الوقوف أمام المرآة لأراني .أصبحت لا أطيقني .
استغربت إستر .
- كل هذا من أجل امرأة عدت إلى البيت ولم تجدها؟؟؟
لم تفهم ولن تفهم . عقلها حافل بالحسابات والصفقات والأرقام والوساطات . لن تفهم أن الرجة التي يعيشها مصدرها داخله.
- لن تفهمي يا إستر.
استغربت أكثر .
- كيف لن أفهم يا رجل و أنا مديرة أعمالك كلها والراعية الأولى لصفقاتك المشبوهة منها قبل الشرعية . إيراداتك أعرف نبعها ومصبها
كرر
- هذه المرة الأمر يختلف .ولن تفهمي
أطلقت ضحكة عالية و تمادت في عرض قدراتها عليه . و في لحظة وجد نفسه يضيق درعا بثرثرتها و نهض دون أن ينبس بكلمة وغادر بيتها .
لا بد أن أحمل آثامي كلها .
عاد إلى بيته . أغلق النوافذ والأبواب وتمدد على السرير صامتا . لم يكن يسمع غير أنفاسه . أحس بالدموع تنساب هادئة من عينيه.
لم يبك في حياته قط.
إحساس عنيف بالحزن .
أجهش بالبكاء .انتحب.تمادى في الانتحاب .
هل تغفر له كاميليا أوزاره ؟ هل إذا سعى إلى رضاها سيجعلها تحبه كما تحب الزوجة زوجها ؟
أسئلة ضمن أخرى راودت انتحابه.
أعدك أن أعرف كيف أعاملك و أن أكفر عن كل ما ارتكبته من خطايا في حقك . كل شروطك سأنفذها .بحذافيرها .
وبين
انتحاب وآخر تعود إليه صورتها. صورته وهو يمنح شاهد العدل إكرامية تسيل
اللعاب . عادت إليه صورة شاهد العدل و هو يقول له – لا عليك لن تعرف
أبدا.والأمر بين يديك إذا شئت أن تتزوجها شرعا وتسوي الوضع . إشارة واحدة
منك تكفي . أنا وجهاز القضاء في خدمتك. صورته و هو يضحك شامتا.
عادت
إليه صورة كاميليا وهي تقول له . لقد بللت جسدي بالعار. ولن أغفر لك . لقد
سرقت حقيقتي . نهبتها.جعلتني كائنا دون رائحة ولن أغفر لك . أيامي معك جرح
لا يندمل .
عادت إليه صورته ضاحكا منها .كان قويا .
كان يؤمن بأن
ماله والزمن سيجعلان كاميليا تركع تحت قدميه .كم مرة تقيأت اشمئزازا منه .
كان يتلذذ وحده كالحيوان ويعود إليه قولها أصبحت أحتقر جسدي بسببك . اشمئز
منه ـرفضه . أكثر من مرة قالت له . أنوثتي هي وجودي فأفقدتنيها أنت .
أفقدتني روحي ولا شيء يعوض الروح .
هذا القلق الذي يساوره.. كيف يتخلص
منه ؟ هذا اليأس من كل شيء الذي يعتريه الآن .. كيف يهرب منه . نهض إلى
علبة الأدوية و أخرج قرصا منوما .يريد أن يقتل السوسة التي تنخر نومه . كان
ينشد الخلاص من نفسه بأي ثمن .
جاءه رنين الهاتف ثم صوت محمد يحادثه
عن مشروعه مع مروان. أنصت إليه ثم أنهى المكالمة . تعجب محمد من رد فعل
مصطفى العصوي .. كيف لهذا الذي كان يتهافت على عقد الصفقة مع مروان يصبح
متهاونا دون سبب بين . وقرر أن يتوقف عن التوسط في القضية فمروان راشد و
العصوي أرشد .
اهدأ يا محمد ..
كان يحتسي قهوة المساء . نهض وأدى
ثمن الفنجان ثم غادر المقهى نحو كشك الجرائد . اقتنى جريدة وعاد أدراجه
إلى البيت.سيمنح نفسه إجازة و يخرج من هذه الشرنقة التي زج به داخلها شيء
اسمه الصداقة .على الصفحة الأولى صورة لمروان.ابتسم للصورة .. يا هذا
الرجل الذي يحشد الكلمات ويقذف بالقصائد أحيانا والقصص أخرى. ويتطلع إلى
أن لا يثقل نفسه بشيء بأن لا يملك شيئا وبأن يسير إلى الله عبر ممر يعبق
بالزهور . شعر بالبرد وتلفف بمعطفه و أسرع نحو بيته . كان قد قرر أن يخرج
في اليوم الموالي إلى نزهة في ضواحي المدينة وحيدا. مروان يقول له دائما
..إذا أردت أن تتنزه في الضاحية فافعل ذلك وحيدا . لأن الأصدقاء بصخبهم
وضحكاتهم و تفاهاتهم حتى يقتلون قدسية الصمت
الآن يدرك أن مروان على حق..
كلما خرج إلى نزهة مع أصدقائه كانوا يضحكون دون سبب. لم يدر كيف وجد نفسه يدخل في هذه التداعيات . هل أصابته لوثة مروان؟
في
البيت أفرد الصفحة الأولى و شرع يقرأ مقال صديقه أسفل الصفحة . خواطر عن
الحياة. عن هذا العالم الصاخب دوما و عن حكامه الذين يعيشون داخل رقعة من
الشطرنج يحاول الذكي أن يخضع الأذكى .. و أدرج قصة رئيس الدولة الذي كان
يبعث بأعوانه إلى المطار لتلقي جريدة مختصة في الأبراج تصدر في الخارج .
هذا الذي يخضع أمة بجنوده وترسانته وأعوانه يخضع لقارئة أبراج أجنبية .
وعبرها يرى غده و لربما على ضوئها يصدر قرارات تتحكم في مصير بلد .
كان المقال ساخرا بمرارة .
أحس
أن صديقه يعيش مخاضا ما. لعله عبر ما كتب ينزل بالسوط على نفسه ساعيا
إلى تحويله إلى جرح كبير لاسيما عندما قرر في نهاية المقال أن الإنسان
لا يشقى بعقله دائما .ولا بقلبه دائما و أنه دائم الحيرة بينهما فكيف إذن
يستطيع أن يقرر من معه الحق القلب أم العقل في هذا الخضم و في قلب هذا
العالم المخيف نختبر قدراتنا على الاحتمال .
رأى الجريدة أمامه حزمة من الأعصاب .
وضعها جانبا .
و غفا.

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:34

(19)

يوم غير عاد . المطر يتزحلق على واجهة المقهى و هي أمامه .
لا يصدق أنها معه الآن .
كانا صامتين يحدقان في شيخ يضع على رأسه قبعة من القش ويسير ببطء فرضته
عليه السنون . أمام المقهى جسر . المطر يلف المدينة .يلف الجسر.يلف الشيخ
الذي لا يزال يعبر بخطاه الوئيدة.يلف صمتهما.
لا تصدق أنها معه الآن.
تمنت
أن تخرج إلى الشارع تحت المطر و تدع النسيم يتلاعب بشعرها و يرقص قلبها
وتموت من الغبطة و هي تلمس يده . طبعا لا بد أن يكون معها . أن تراه يبتسم
من الدهشة و من السعادة و يهمس لها أنت نمرتي المجنونة
تمنت أن يقبلها
على أنفها . أكثر من مرة همس لها أنه يشتهي أن يقبلها على أنفها الدقيق .
تمنت أن يجدب إليه شعرها تحت المطر و أن تحوم أصابعه فوق أجفانها و أن
يقترب بشفتيه على مهل تحت المطر و أن يضع شفتيه المبللتين على أنفها
الدقيق.
ستكون منذ اليوم معه يوما ويوما و يوما . ستستعد للقائه في كل
لحظة و ستشتري الثياب والعطور لتراه في كل لحظة وحين . ستكشف خفاياه
وأسرار أنوثتها . ستحلم على صدره الذي سيسعها و تسافر فيه معه .
من قلب
التداعيات انتزعتها امرأة تجلس غير بعيد منهما . كانت تحدق في مروان بشكل
أثارها .انقطع المطر. رأته يرتشف قهوته غير آبه بما حوله .رأته يضيع في
اللحظة . انزعجت من تحديق المرأة فيه.تجاهلتها مرة و مرة و مرة . وعندما
أرهقها التجاهل أشارت كاميليا إلى المرأة وقالت :
- تلك المرأة.
- من ؟
- تلك المرأة هناك .. كأني بها تعرفك .
التفت
نحو المرأة . كانت تنظر إليه وتبتسم . ليست الملامح غريبة عليه . نهضت من
مكانها . هزيلة .تغطي رأسها بمنديل يخفي شعرا كان ذات يوم كستنائيا .
افتر ثغرها عن ابتسامة واسعة هذه المرة فرأى أن الفم كاد يكون فارغا من
الأسنان .
أقبلت نحوهما . كان لا يزال يحاول أن يتذكر هذا الكائن النحيل الغير غريب عليه وجهت الحديث إلى كاميليا :
- ياه .. أنت إذن التي تركته يؤثث وحدته بالبحث عنك .
المقهى فضاء بألوان مختلفة و في الجو موسيقى ناعمة .

ثم إلى مروان :
- بحثك أدى إلى نتيجة يا أستاذ. ها قد عثر الأمير على فردة حذاء حبيبته المسحورة الساحرة نبرة الصوت يعرفها أيضا .
- أنا سعيدة الآن . كنت دائما أبحث عن الحزن الذي يغلف عينيك
ابتسمت كاميليا فقالت المرأة :
- ابتسامتك تغسل هموم القلب .
ثم لمروان :
- قلبك لم يخطئ الاختيار يا أستاذ مروان . إن في الدنيا لحظات سعيدة بالرغم من كل شيء.
وكأنها أدركت فجأة أن مروان لم يعرفها . تنهدت.
- واضح أنك لم تتعرف علي
ارتبك مروان وهمهم معتذرا .فطمأنته.
-
لا عليك . لا يمكنك أن تتعرف علي . أنا لم أعد أعرفني. لقد كنت قبل شهور
حلما و أمامك الآن كابوس . هل تذكر امرأة كستنائية الشعر معجبة بكتاباتك.
كانت مليئة باللحم . و كانت ترقص متنقلة من مكان إلى مكان . تضع خاتما
ثمينا في كل أصبع من أصابعها .
عادت إليه صورتها :
- أنت ؟
همست :
- نعم .. أنا
همهم بكلمات غير مسموعة .بينما مالت هي على كاميليا وهمست لها بصوت واهن :
-
لا أعرف اسمك أيتها الجميلة لكن دعيني أقل لك- بيعي كل الرجال الذي تعرفين
بربطات العنق و الأقمصة البيضاء والخصلات المتراقصة فوق الجباه .. بيعي
عالم الرجال بأصابعه الصفراء الهزيلة .بيعي الدنيا بذراعي هذا المروان
الصاعد إليك من بطن الاشتهاء .
ثم نحو مروان :
- تريد أن تعرف ما حدث لي ؟ كيف اختفت نظارتي بهذه السرعة المذهلة أليس كذلك ؟
مد يده إلى يدها و رفعها إلى شفتيه .تركته يفعل :
- تكلمنا كثيرا. أتذكر ؟ تكلمت أنا كثيرا أما أنت فمصنوع من صمت . تكلمت كثيرا . ولم أقل شيئا .
حلمت كثيرا يا عزيزي .
دعاها إلى الجلوس وفضلت أن تظل واقفة .
-
عزيزي . عرفت المرض قبل أن أعي بوجودي .ركضت .جررت قدمي .لهثت خلف رجل
رأيته في منامي يمتطي عربة ذهبية تجرها خيول عربية أصيلة لم تخلق لجر
العربات . و في الحقيقة كان يقيم احتفالا كل مساء .ولم يكن يعرف مني غير
ما تلمسه يداه . غير الرائحة التي أتركها بجسده . لم نتحدث قط . أغراني
بريقه وأعطتني العشرة صورة دقيقة عنه . رجل متهتك يبالغ في المرح. ويبالغ
في اللامبالاة .
أنا نتيجة منطقية لتهتكه و مرحه الزائد عن الحد ولا مبالاته و في لحظات غضبي كان يردد بخيلاء :

- لا يمكن لأي رجل أن يأخذك مني .لا لأني أحبك ولكن لأني لا يؤخذ مني شيء.
كنت دائما أهفو إلى من أفضي بقصتي هذه . لن تقرأها بتفاصيلها فأجمل القصص ما يلفها الغموض و تحيط بها دائما علامات الاستفهام .
و
في يوم رأيت رجلا آخر جعلني أدرك أن الشمس مستديرة وفاتنة و دافئة و
كريمة توزع النور في كل مكان يكون فيه . كان أقل تهتكا و أقل مرحا و أقل
لامبالاة. ووجدتني أزحف نحوه وأتمادى في الزحف إليه إلى أن اختفى فجأة
وجعلني غيابه أفهم كيف يحتاج الإنسان إلى إنسان آخر يتحدث إليه عن أحلامه
وأوهامه حتى . كيف تحتاج امرأة مهما كانت قوتها إلى رجل تلقي بتعبها إليه
. و تشتهي السفر فيه و إليه و عندما اختفى هو ضحك الآخر .
ونصحني بأن أزور الطبيب .
لن أنهي الحكاية ..
توقفت هكذا عن الحديث كشهرزاد عند ما يدركها الصباح . و دون أن تودعهما أطرقت قليلا و غادرت في صمت .
همست كاميليا :
- أريد أن أخرج من هنا .
izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

«أورام موروثة»  : محمد صوف Empty رد: «أورام موروثة» : محمد صوف

مُساهمة من طرف izarine الخميس 9 أغسطس 2012 - 13:37

(20)

اجتمعوا حول المدفأة .كانوا ثلاثة.عبد المرشد زنانا و شلوميت . ألقت شلوميت
كعادتها مزحة .تبغي زرع المرح في الجلسة .أثارت موضوع مصطفى العصوي .
-
رأيته كعابر سبيل رفيقته عصاه. نبت ذقنه ويسير بخطى وئيدة . يقف ليتبادل
كلمات مع من يلتقي بهم و يتابع طريقه .قلت في نفسي حاولي يا شلوميت أن
تعرفي إلى أين يولي وجهه . الرجل يمم نحو المسجد و في الباب خلع حذاءه و
دخل .قلت سأنتظر خروجه من الصلاة و سأعترض سبيله و سأحييه و سأسعى إلى
معرفة ما جرى له . نعم ...
بدت على وجه عبد المرشد سيماء القنوط.لم يكن
يرغب في الخوض في موضوع كذاك. لكنه قرأ الاهتمام في عيني نانا وعينا نانا
أصبحتا دليله إلى لحظة فرح . كانت نظرتها و ابتسامتها تكفيان لأن تجعلا
منه يقطف من السعادة باقة لا تدوم
تابعت شلوميت :
- طال انتظاري ..و
أنا على وشك التخلي عن المهمة التي كلفت نفسي بها رأيته يحشر قدميه في
فردتي حذائه رابط الجأش كأني به فقد تعاليه وتحفظه وازدراءه للآخرين .لم
يرني .كان يسير مطأطئا يلقي السلام بين الفينة والأخرى على من يصادفهم في
طريقه .. ياه .. هذا الرجل الذي سافر عبر حياته في طريق موحش ينأى بنفسه عن
رفقائه ويختار طريق الله.
ماذا حدث ؟
فجأة رفع بصره والتقت نظراتنا
.لمعت عيناه بشيء مجهول ورغم ذلك قرأت بهاء كاذبا خبا. ورأيت شخصا يسير
نحو مصير مجهول . اقترب مني وقال بصوت خفيض :
السلام عليكم
لم يصافحني .
بدا لي في حاجة إلى البوح واقترحت عليه أن نجلس في مقهى قريب فرفض .اقترحت عليه سيارتي فوافق .
كانت نانا تتابع حديث شلوميت
وكان عبد المرشد يتابع انتباه نانا .
وكانت شلوميت توالي قولها كأن لا أحد يصغي إليها أو كأن حديثها يستوعبهما معا . و يستوعبها معهما . أضافت تقص ما قاله لها العصوي .
- حتى اليوم لم أعمل شيئا إيجابيا في حياتي .كنت أعمى. لا. لم أكن أعمى .كنت أعي ما أفعل و كنت أعتبر المكر والمخاتلة ذكاء.
فيض من العواطف انبعث من قلب الظلام. ماذا حدث لك يا مصطفى ؟
رجة مفاجئة – قال – و إذا بطموحاتي مجرد سخافات لا معنى لها . وإذا بي وحيد غريب حتى مع نفسي . لم أعد أعرفني .
وقص
علي قصة الموت الذي كاد أن يدركه وكيف أنه أفلت بأعجوبة من عاهة مدى
الحياة على الأقل . وقاية عمال الورش كادت أن تسحق هامته . فاستيقظ من
غفوة دامت عمرا كاملا .
انتبه عبد المرشد إلى تأهب نانا للكلام . انتظر بلهفة ما ستقول . ابتسامة باهتة ارتسمت على شفتيه . قالت بصوت خفيض :
- داشيل هاميت .
لا يمكن لشخص كعبد المرشد أن يجهل من هو داشيل هاميت لكنه مع ذلك لم يفهم العلاقة بين حديث شلوميت و هذا الكاتب .
ضحكت شلوميت و سألت صديقتها :
- بأي لغة تتكلمين ؟
اكتفت نانا بالابتسام وطالبت صديقتها بمتابعة الحكاية .
خلاصة القول أنه يعيش حالة ندم لا تتوقف حتى الصلاة لم تعط المفعول المنتظر .
قاطعتها نانا :
- لأنه لم يصل بعد. لا زال ماضيه يلفه
لم تفهم شلوميت قول صديقتها .فهم عبد المرشد و رأى العالم في عينيها .لا شك أنها جرثومة الحب أيها الشيخ انطلقت في قلبك العجوز.
تابعت شلوميت
-
قص علي قصة شريك له ساعده أيام الشدة و سعى إلى التخلص منه . قص علي قصة
متاجرته في المحظور تحت غطاء المصنع . قص أشياء نعرفها من التحريات التي
ساعدتنا أنت يا عبد المرشد على تحقيقها .
قص علي قصة المرأة الشابة التي لوثها و مارس عليها عنجهية يقول إنها الجهل المطبق بالذات .
تدخلت نانا :
- لا يعرف نفسه من صحبته شهوته .
اتسعت حدقتا عبد المرشد .هذه المرأة تذهله . وبدأ يرى فيها متصوفة بطريقة ما :
تابعت شلوميت .
قال :كنت أعتقد أن النساء يعبدن الكبرياء والروح المتعالية والقوة والبطش .
أكثر من مرة هيئ لي أني أسمع نحيبه . أقر بأنه اغتصب كاميليا اغتصابا
.استفاد من وضعها و اعترف بتجاهله لحزنها و كآبتها كلما أطل عليها . كان
يقرأ البهجة في عينيها عندما كان يغادر البيت ويحس بفرحتها و هو بعيد
عنها ولم يكن يبالي
ومنذ أن نجا من الحادثة والأرض به تميد . وفي
أذنيه صوت مروع كأنه نفخة الصور. ووجد نفسه يعرض عن كل شيء.لم يعد يهمه
شيء . حتى عملاؤه الذين إذا تغاضى عن تنفيذ أوامرهم قتلوه تناساهم .وسلم
بأمره . و مع ذلك لا يزال يتعذب ولا تزال السكينة عنه بعيدة .
قال إن ألفاظه لا تسعفه في تصوير هول ما يعانيه .يريد أن يجد الطريق إلى الله .
تدخلت نانا من جديد :
- عليه إذن أن يترك نفسه .
لم تفهم شلوميت وأضافت نانا:
-عليه أن يضع جسرا يوصله إلى نفسه قبل ذلك .
عقبت شلوميت :
- كفاك تفلسفا .
خرج عبد المرشد من صمته و قال إنه سيتكلم بوضوح اشتراكي وتساءل هل يستطيع هذا الرجل أن يبدأ من الصفر؟
ردت
شلوميت أنها عندما اقترحت عليه استغناءه عن كل ما يملك ابتغاء راحة نفسه
صمت . لم يحر جوابا . وفتح باب السيارة وخرج دون تحية وداع .
ساد الصمت للحظة ثم سألت شلوميت صديقها عبد المرشد :
- ما رأيك ؟
بدا لها راضخا للموقف .انتظرت أن يفتح فمه و كأنها سمعته يردد هل رأيه يفيد..
فتح
علبة سجائر وانتقى واحدة و وضعها بين شفتيه ثم أحس بنظرات نانا تتوقف
عليه فاحمر وجهه كمراهق عاشق. أزال السيجارة من فمه ليسترد رباطة جأشه .
بينما ابتسمت نانا في عذوبة . فاح منها عبير عطر لطيف عندما همست لشلوميت:
هل تناول الشاي يا شلوميت ؟-

izarine
izarine

ذكر عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى