صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نص للذكـــرى.. اليد الرائية /عبد الرحيم المودن

اذهب الى الأسفل

نص للذكـــرى.. اليد الرائية /عبد الرحيم المودن Empty نص للذكـــرى.. اليد الرائية /عبد الرحيم المودن

مُساهمة من طرف عبدالله الإثنين 25 أغسطس 2014 - 19:21

كانت الستينيات (من القرن الماضي) عقد المفارقة بامتياز: مأسسة
الإستبداد السياسي والإجتماعي والاقتصادي. وبالمقابل أحلام تطاول الجبال.
تلك هي مدرستك الأولى ..أحلام تنهار، وتحل محلها أحلام جنينية كما هي
أمواج البحر التى لاتمل من العودة إلى الشاطئ حتفها الأخيرالذي لافكاك منه.
كنت ترى، في هذه الأثناء، بيدك قبل عينيك، وأنت تتأبط صحفك الأولى التي
ستحمل وشم تلك المرحلة .. تخطيطات مباشرة لمظاهر العسف وألوانه، بقلم
الرصاص، أو بأصبع الفحم الذى واظبت على اقتنائه، بقروشك القليلة، من مكتبة
«لابلياد» التي لم يبق منها إلا الإسم.
كان الفن رسالة، قبل أن يكون ترفا. والرسم لم يكن ممارسة عابثة، بل كان
ممارسة مسؤولة يتكامل فيها اللون بالمعرفة .فبجانب كبار الرسامين، وجد
الفلاسفة والأدباء ورواد الموسيقى، خاصة الكلاسيكية منها.. لم تلتحق
بمدرسة للفنون، أو التشكيل، بل التحقت بمدرسة الحياة ديدنك : اليد
الرائية. فاليد أداة للقتل، وأداة للخلق.. في ذكراك الثانية عشرة، ستقف،
قليلا، عند البدايات، بدايات اليد التي « تعشق قبل العين أحيانا».
اليد ترى قبل العين. تلك لازمتك الشهيرة. وسواء تعلق الأمر باليد العاقلة
عند«كانط»، أوبالأذن المبصرة عند «بشار بن برد»، أو بالموسيقى المرئية
عند «سترافنسكي».. سواء كان هذا أو ذاك، فإنك سرت على هدي ما رأته
يدك قبل عينيك، بدءا باختيارك لخشب حامل اللوحات وإطاراتها، مرورا بنوعية
القماش، وزاوية النظر، وطبيعة الضوء...في هذه المرحلة، أيضا، أبصرت،
بيديك، طين النهر المقدس، ونحت منه رؤوس كبار الفلاسفة اليونان- سقراط
خاصة- ورؤوسا أخرى صلعاء بعيون منطفئة. لاأذكر أصحابها، وإن كان أحدها
يشبه رأس جارنا بائع الفحم الذي كان يحرص على حلق رأسه- كل أسبوع-بآلته
البدائية- المكونة من قطعة قصب في طول الكف، بعد أن غرس في مقدمتها نصف
شفرة الحلاقة. كانت رأسه الحليقة أشبه برأس كاهن فرعوني يستعد للصلاة.
كانت الأم - رحمها االله- وهي تقترب من مرسمك بسطح المنزل، بالقرب من «بيت
الصابون» تبسمل، عدة مرات، وهي ترنو إلى الرؤوس الملساء دون أن تغادرها
الابتسامة الخفيفة التى تزداد اتساعا بعد أن قدمت إليها كرة من الطين
الأسود سرعان ما تحولت إلى كانون كان أشبه بمبخرة تداولتها أيدي الجارات
بإعجاب وحسد أيضا..
ورثت عن الأم - رحمها الله - أصابعها التي توزعت بين اللين والصلابة..كانت
أصابعها الحانية تصنع من « اللاشيء » أشياء كثيرة. وكذلك أنت..
الريشات الأولى، أقلام الرصاص، المجلات المصورة، إطارات الصور السليمة، أو
المكسرة، علب الألوان المعدنية المستعملة. .. و قد لايعرف الكثيرون أن
لوحات معرضك الأول- بدار الفكر- مدينة لصباغة السيارات قبل أن تدين
للأنابيب الأنيقة التى يستعملها الرسامون في لوحاتهم.. كل هذه الأشياء
كانت يدك الرائية تلتقطها من « مزبلة ماريكان» أحيانا، أو من «جوطية
السكة» التى كانت مدرسة ثانية مفتوحة تربت عليها أذواقنا. ونحن نتحسس خشب
الشوك الأملس، بأنفاس مكتومة، للدواليب والمكاتب والكنبات والأباجورات...خشب كلما ازداد عتاقة ازداد جمالا، واسترسل في نفث رائحة طيبة
مازال يحتفظ بها أنفي، ودولاب جدتي- رحمها الله- إلى الآن. وحواشى
اللوحات. وصور نجوم السينما..وآلات غريبة واقفة ومنبطحة، وقمصان بألوان
زاهية، وبنطال الدجين الذي لايبلى ولايحول.. والمجلات المصورة التي لاعد
لها ولاحصر... ونقف أمام المرايا الصقيلة ونبحث عن الذي يجب أن يكون،
فمرايا منازلنا البئيسة، بإطارها البلاستيكي المرقط بفضلات الذباب في معظم
الأحيان، لاتعكس إلا ماهو كائن.
يدك كانت ترى كل هذه الأشياء، ثم تبدأ التخطيطات الأولى في الانثيال من
بين أصابعك..وعند شجرتك المفضلة، شجرة البلاتان المحاذية للقنطرة الصغيرة،
ترنو إلى النهر وفضائه الذي يتحول إلى منتزه للأفراد والعائلات وسط الخضرة
الطافحة، وتتابع فلك الصيادين، وهم يعرضون سمك البوري في سلال الخوص
المغطاة بأعشاب النهر.. كان « رونوار» يحضر في هذه الأثناء من خلال لوحاته
الشهيرة عن المنتزهات، أو أيام الآحاد.. أما القنطرة العتيدة التي تربط
بين الضفتين، فكانت تربض، من بعيد، في دعة واطمئنان كما أوحت لك بها قنطرة
«فان جوخ» الشهيرة.
ولم يمنعك النهر الأثير من متابعة الإنسان. كان الوجه، عادة، هو أكبر
التحديات بالنسبة إليك. قد يسهل رسم الجسد كما عكسته العديد من رسوماتك
وتخطيطاتك بالأبيض والأسود، لكن السؤال الذي كنت تكرره، كل وقت وحين،
هو التالي: كيف يعكس الوجه، في اللوحة، لغة الجسد الداخلية والخارجية، كيف
تصب كل أعضاء الجسد في الوجه؟.. كانت لوحة دفن الرضيع المحمول من قبل
الأب، ووراءه الأم المكلومة، خاضعة لسيطرة وجه الأب الذي وضعت فيه كل
أحاسيس معاناة الفقد والخوف والغضب الاستسلام..ملامح مشدودة توحي
بالاقتراب من البكاء، ولكنها، في الوقت ذاته، تتماسك وتزداد صلابة إلى
الحد الذي تحول فيه الوجه إلى قطعة من صخر أصم. أما لوحات العازف (
بالأحمر) ولوحة العازف ( بالأزرق) فإن حركة الأصابع العازفة لايمكن
تفسيرها إلا بملامح الوجه المنتشية الدالة على مدي ماوصل إليه العازف في
عزفه..فتكسيرة الجبيبن، وزم الشفتين في (العازف بالأحمر) تدل على البدايات
الأولى للعازف وهو يضبط الإيقاع المطلوب. أما اللوحة الثانية (العازف
بالأزرق) فالعازف في مرحلة «السلطنة» كما دلت عليها جبهته المنبسطة،
وبسمته المائلة، يمينا، ورأسه المندلقة إلى الوراء.. الوجه مرآة الداخل
والخارج.. ولذلك كانت لوحتك عن الأم- رحمها الله- آخرما شف عنه وجهها
الهادئ في رقدتها الأخيرة.كان وجهها البتولي يرين عليه بياض شفيف شع في
جنبات المكان. لم نكن نملك صورة للأم- رحمها الله- فكانت لوحتك صورتها
الأولى والأخيرة. كانت يدك هى التي رأت كل شيء.
عبدالله
عبدالله

ذكر عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى