صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أحمد بوزفور.. عناقات العاشق العظيم/سعيد منتسب

اذهب الى الأسفل

أحمد بوزفور.. عناقات العاشق العظيم/سعيد منتسب Empty أحمد بوزفور.. عناقات العاشق العظيم/سعيد منتسب

مُساهمة من طرف said السبت 8 نوفمبر 2008 - 16:35


الزهرة تتدلى حين تُثقلها السماء بالندى. وكذلك القصة لن تتفتح وتتجنح وتبني الأعشاش مثل طائر إلا إذا نُقعت في مزيج من الخطو والالتفات.
ولذلك، فإن أحمد بوزفور (القاص والقارئ) دائمُ الوقوف أمام قصصه ليردد ويصلي:
«لا تبكي ولا تخافي يا أغلى حبيبة. الليل يأتي وأنت تمررين يدك بخفة فوق جبيني. وأشعر أن شيئا خالدا يحترق وأنت تهتاجين وتنزفين. وأشعر أن شيئا خالدا ينهمر وأنا لا أنحنى إلا لك. أقدم لك الماء والدم وزيت القلب».
إنه لمن الصعب حقا التمييز بين بوزفور القاص وبوزفور الناقد (وأنا أفضل هنا أن أنعته بالقارئ)، فهما يتعايشان في جمجمة واحدة، لا يدحر أحدهما الآخر، ولا يستبعده ولا يجبره على نكس الرأس أو إفساح المجال أو الانكماش أو الموت.
معا يمارسان عناقات العاشق العظيم.
إنهما «دوستي» القصة، لا خطو بدون رؤية. ولا رؤية بدون خطو.
إننا لا نجد في قصص بوزفور ذلك الحيوان القزم واليائس الذي يمد يده إلى السماء ليمسك بغيمة أو ملاك ليستحم أو يتخلد. لا نجد الحكاء الذي يعول على أحمر الشفاه وكحلِ العيون ونعومة الصوت ليثير الانتباه إلى مساري «التحسين والانحطاط» (بتعبير كلود بريمون) أو إلى «لحظة الذروة» أو انفلاق الصبح تحت أغصان «زعموا» أو«يحكى أن» أو «حدثنا» أو «رأيت في ما يرى النائم».
إن بوزفور (كما أزعم) كالممثل في المسرح الصيني مسلح بالأصوات والأقنعة والموسيقى (القراءة). إنه يقول للقصة (وهي لا تسمع): «إعطني يدك، آه يا ابنة ألمي، وقوديني أنا الأعمى». وتقول له (وهو لا يسمع): «أجيء من عالم أنقى، وحنيني إليك لا شفاء منه ولا فكاك».
إن القصة، كما يقدمها بوزفور في جميع كتاباته (قصةً وتعليقا وقراءة)، لا تخطو في العالم مفتوحة العينين وهي لا ترى شيئا أو.. وهي مسربلة بالحجب والستائر والأكفان. إنها بلاد وعباد وفرح وألم وتأمل وألحان وكفاح وانذهال ونبع مفاجئ في دَغَل كثيف الأغصان وضربة وحش كاسر على قفص طائر مغرد..
إنها شيطانة هائلة تبتسم بلؤم وتضحك وتغني للحب والحياة، وإضافة إلى ذلك كله تقف في كامل تبرجها أمام المرآة. أما إذا ادلهمت السماء، فهي كأي متسكع أبدي، أو كأي كفرس جريحة على أبواب الصحراء..
إنها ذلك الاستغراق الطويل بين «حليب» الغراب و«تجاعيد» الققنس. إنها عمق التفكير الذي تحس به الأرواح التواقة إلى عالم آخر أجمل من التأرجح بين «زهرة» العمر وصرخة «آخر العمر» (أفكر هنا في قصة العازفة الزرقاء).
هل يمكن حقا التمييز بين بوزفور القاص وبوزفور القارئ؟
لا أدعوكم لركوب «الزرافة المشتعلة». فهي- على اضطرامها واهتياجها- ليست إلا ظلا وابتسامة واستراحة. إنها القناع الذي يسقط عن القناع. إنها اللمعة المخبأة في العينين. أما العينان نفسهما، فلا يمكن تقييدهما بوثاق، ولا يمكن تنويمهما بقرص أو وسادة أو بخاخة مخدر. إنهما ليس مجرد دليل. إنهما مثل الجرس المعلق في صدر الريح، في الليل يبكي بهدوء من أجل النهار الذي يموت. وهذا ما نعثر عليه في المجاميع الأربع التي أصدرها أحمد بوزفور.
«وأنا أعمى، وأبحث عنهم في ليل قلبي.. في ليل قلبي أب يبكي ويبحث عن أطفاله».
ولا أدعوكم لمطاردة «تأبط شعرا»، هذا الشاعر البدوي الذي أدرك مبكرا أن قلبه يحمل جسورا محطمة وبلادا خرساء وأناشيد يأكلها السرطان من عينيها..
هكذا هو القاص يبحث في ذروة عماه/ قلقه عن أطفاله/ قصصه بأدوات القارئ الذي تتسع عيونه تذمرا وركضا وانحناء.
إنه ينشر المجسات والمشارط (وهذا ليس على سبيل الحصر) في قصة «صدر حديثا» التي تحمل بعدا نقديا واضحا لا نحتاج معه إلى أي طقطقة عظام أو توبيخ أو تقريظ. إنها قصة في قبر مغلق بإحكام. لا تخضع لسلطة الزمن، ولا لسلطة التلقي. إنها تبني تجربة كتابة أساسها حلم ولعبتها الفنية خدعة لتقويض كل المتعارضات. فالمؤلف- في هذه القصة المتبرجة والعارية- يحلم بكتابة رواية كبيرة بحجم رواية «الإخوة كرامازوف». وحين يتسرب الملل إليه يحلم بكتابة «قصيدة شعر». ولم يصعب تسلق مدارج القصيدة يحلم بكتابة «الجملة الكومبيوتر». ولم يعجز يكتفي بكلمات وحروف: «أنا.. أنا.. أ..أ..أ» إلى أن تغيب الكتابة كليا».. ولا تبقى سوى تلك الجرة المدهشة التي نسميها الموت.
وإذا انتقلنا إلى قصة «نانا»، واستغرقنا في وحداتها الأربع، لا بد أن يحاصرنا سؤال دقيق:
هل يتعين على القاص أن يقرأ قصصه.. وانتهى الأمر؟ وهل يقرأها بـ«العسل» أم بـ«العين الزركا» أم بـ«فعولن مفاعيلن» أم ينادم التنين.. وانتهى الأمر؟
هل يكسر الجرة التي تحتوي على رماد الميت، وليس العسل.. وانتهى الأمر؟
إن قصة «نانا» تخبرنا ببساطة عن مفهمة الكتابة: «لقد كنت أتحدث- ربما- عن علاقتي بالكتابة. ولذلك أرجو أن يعيد القارئ- على ضوء هذه الملاحظة- قراءة النص السابق من جديد»..
إن أحمد بوزفور، في كل قصصه (حتى التي لم يكتبها بعد) مقتنع بـأنه «ما دام لا يستطيع البكاء، فقد يبدأ بالضحك.. وما دام لا يستطيع الحكي، فقد يبدأ بالقراءة». والحكي والقراءة معا هما قدما القصة البوزفورية و«لوحها المحفوظ». وإلا لما صنع منها «باليرينة» و«عازفة بيانو»، وإلا لما حولها بوخزة ساحر إلى نقطة سوداء في جبل أقرع ينمو ويتقدم ويقرأ الطالع.. وإلا لما قدمت قصصه وعيا عاليا ودقيقا باللغة. فهي لغة- كما تحضر في قصة «مدخل عن العطش»- غير مملوكة، وهي لغة موروثة ومثقلة بأصوات وأعراف وشياطين مالحة تحيط بها وتعلو وتصطخب وتشخر وتطلب الارتواء.
إنه أحمد بوزفور حين يكون على انفراد مع «زهرة الكتابة» لا ينتظر الوحي، لا من ملاك ولا من شيطان. إنه غير مؤمن بالنزول بالدرجة التي يؤمن بها بالفأس وبالصعود. ولذلك، فإنه يفكر ويحلم، ويحلم ويفكر. أي سر يحمله الغراب؟ وماذا تقول الغيوم للطائر أو الجبل؟ ولماذا تنهمل الدموع من البرتقال؟ ولماذا يعوي الهواء؟ ولماذا تتحطم الحلازين؟ وهل تكتب الأمواج رسائل الحب؟ ولماذا تحشرج الكمنجات؟
وهكذا...
إنه القاص الذي يقيم في أرض من التشابك والالتباس وتمزيق الستائر، ولن تراه أبدا معصوب الجبين أو ملطّخا بغيوم داكنة. ولن تراه، كما دأب المزيفون، يزفر ويئن كحصان مريض. ولن تراه إلا قمرا مكتملا في سماء زرقاء..
إنه مهموم حتى الركب والأخماص بتاريخ القصة وجغرافيتها وأركيولوجيتها. ينتقل بخفة غزالة بين الأزمنة والكواكب. أليس هو صاحب «تأبط شعرا» الذي أحسن التنقل في مدن كازنتزاكيس وبورخيس وإدغار ألان بو وإيطالو كالفينو ومونتيروسو وخوليو كورتزار وعبد الفتاح كيليطو وزكريا تامر ويوسف إدريس.. إلخ؟
أليس هو الخيميائي الذي يُقطِّر التجارب وينثر عطرها في الهواء لتسحر وتسلب وتقتل أحيانا؟
فانظروا إلى العنكبوت ينسج شبكته طوال الليل، وحين تقع الفريسة، يقول:
«القصة بار المحطة».
«القصة قطة بدون ذيل».
«القصة مغارة فريواطو».
«القصة سوق صور».
«القصة حق شهرزاد».
«القصة نمنمة».
«القصة وطن وبلاد وعباد»
«القصة فرح يتهجى الحزن»..

2008/7/11
said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى