صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف

صفحة 2 من اصل 2 الصفحة السابقة  1, 2

اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 25-عبد الكريم الخطابي يعلن استقلال دولة الريف

مُساهمة من طرف abdelhamid الخميس 30 يوليو 2009 - 7:11

يقول علال الفاسي إن «القبائل والأفراد الذين كانت عداوتهم مضرب المثل،
والذين كان حقدهم ذائع الصيت قد تصالحوا كي يكرسوا أنفسهم كليا لفكرة
تحرير المغرب (دولة الريف) واسترجاع أراضيه القبلية».
ولم ينجح المجلس الذي استدعي لمحاكمة التفرسيتي في إدانته بالجرم،
فأطلق سراحه، وجدد ولده الثأر ضد عبد الكريم، إذ أطلق النار عليه ذات يوم
بعد الغروب، لكن الرصاصة أخطأت هدفها، وحين استجوبه عبد الكريم أجاب بوهن:
«حسبتك رجلا آخر». ولما تحقق عبد الكريم أنه ليس ثمة برهان على أن الرجل
كان ينوي قتله، فقد أرسله إلى جبهة القتال.

والتفت عبد الكريم إلى تنظيم الدولة القبلية التي أصبح الآن الزعيم
المعترف به عليها، كان سلطانه يعتمد على نفوذه الشخصي وخلقه وحدهما،
فمثلما قبل الشعب البريطاني عام 1940 بتشرشل قائدا له، كذلك قبل الريفيون
بعبد الكريم عام 1921. كان وأخوه الرجلين الوحيدين في الريف المثقفين
بالمعنى الغربي للكلمة، وكانا يعرفان شيئا عن العالم الخارجي، وقد حذرا
شعبهما من خطر العدوان الإسباني، وجاءت الأحداث لتثبت أنهما كانا على
صواب. ولقد أحرزا انتصارات عظيمة، كما أن عددا كبيرا من الريفيين شاهدوا
المدفع المستولى عليه الذي أمر قائد الريف بعرضه في مختلف المناطق. ولقد
تنبأ عبد الكريم بأن الإسبانيين سيطلبون الثأر، ولذا فإن من واجب الريفيين
أن ينظموا حكومة قوية.

وفي يناير 1923، أعلن عبد الكريم استقلال دولة الريف.

نحن، حكومة جمهورية الريف، المؤسسة في يوليوز 1921، نعلن ونشعر الدول
المشتركة في معاهدة ألجيسيراس لعام 1906 بأن المطامح العليا التي أدت إلى
تلك المعاهدة لا يمكن أن تتحقق قط، الأمر الذي أثبته تاريخ الأيام
الماضية، وذلك بسبب الخطيئة البدئية القائلة إن بلادنا، الريف، تشكل جزءا
من مراكش، إن بلادنا تشكل جغرافيا جزءا من إفريقيا، ومع ذلك فهي منفصلة
بصورة واضحة عن الداخل، وبالتالي فقد شكلت عرقا منفصلا عن سائر العروق
الإفريقية التي اختلطت بالأوربيين والفينيقيين قبل مئات السنوات بفعل
الهجرة. كذلك تختلف لغتنا بصورة بينة عن اللغات الأخرى، المراكشية أو
الإفريقية أوسواها. فنحن الريفيين لسنا مراكشيين البتة، كما أن الإنكليز
لا يمكن أن يعتبروا أنفسهم ألمانا. ولعل هذا المزيج العرقي هو الذي يجعلنا
أشبه ما نكون بالإنكليز في إرادتنا المطلقة في الاستقلال وفي رغبتنا في أن
نكون على اتصال مع أمم الأرض جميعا. إننا ندعو بهذا البيان جميع الشعوب من
أية جهة من العالم ومن أية أمة كانت للمجيء إلينا واستكشاف مناطقنا
المجهولة بواسطة العلماء والجيولوجيين والكيميائيين والمهندسين ـ بدوافع
تجارية ومن دون أي قصد حربي.

إننا ندافع عن أراضينا ضد غزو القوات الإسبانية التي تفرض علينا
الحرب متذرعة بمعاهدة ألجيسيراس. إن هذه المعاهدة تعلن استقلال سلطان
مراكش وسيادته وسلامة أراضيه، والاستقلال الاقتصادي من دون أي تفاوت. وإذ
نوافق على المبدأين الأولين فيما يتعلق بأراضي السلطان، فإننا ننادي
بالشيء نفسه من أجل ريفنا الذي لم يدفع قط حتى الآن الضرائب أو الجزيات
لمراكش، كما لم يتلق المعونة أو المخصصات من أجل تطوره. وإننا لراغبون في
إقامة الحرية الاقتصادية دون تفاوت في جمهوريتنا، ولذا فقد سمينا ممثلا
تجاريا من أجل تطوير الثروات الكبيرة لبلادنا بواسطة دعوة أصحاب الأعمال
من جميع الأمم، بحيث يسود «حكم من النظام والسلم والرخاء».

ولقد أشعرنا في يوليوز 1921 سفراء إنكلترا وأمريكا وفرنسا وإيطاليا
في طنجة بأننا نعلن جمهورية الريف، ونحن لا نبرح نخوض بنجاح حربا مشروعة
ضد إسبانيا دفاعا عن استقلالنا، وسوف نثابر على ذلك حتى نحصل على السلام
والحرية والاعتراف باستقلالنا ضمن أراضي جمهوريتنا الكاملة من خط الحدود
مع مراكش حتى البحر الأبيض المتوسط، ومن مولايا حتى المحيط.

وإننا لندعو جميع البلدان إلى إقامة الخدمات القنصلية والدبلوماسية
في مركز حكومتنا الحالي في أجدير، حيث ستمنح لهم جميع التسهيلات، وحيث
سيحظون بكل ترحاب.

التوقيع عبد الكريم


abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 26-معاونو عبد الكريم يسافرون إلى أوروبا لجلب التأييد

مُساهمة من طرف abdelhamid الجمعة 31 يوليو 2009 - 7:03

رفضت الحكومة الإسبانية الطلب الذي قدمه إليها عبد الكريم بخصوص معاملة
الريفيين «كمحاربين» وفقا للقانون الدولي، وأعلن الإسبانيون أن الريفيين
«عصاة» يرفضون أيضا السماح بدخول مساعدات الصليب الأحمر إلى الريف.

وفي 1923، عبر محمد الخطابي وصهراه، بوجبار وأزرقان، عن رغبتهم في
زيارة بريطانيا العظمى وفرنسا بغية الحصول على التأييد من أجل قضية الريف.
ولم يكن عبد الكريم راغبا في ذهابهم، لأنه كان يعتقد بأنه لن تنتج عن هذه
الزيارة أية فائدة، لكنه لم يعترض سبيلهم، وذهب محمد الخطابي وأزرقان إلى
باريس، بينما ذهب بوجبار إلى لندن، عن طريق طنجة، حيث قابل اللورد سيسيل
طالبا مساعدته من أجل عرض قضية الريف أمام عصبة الأمم. وفي باريس، رحب
الاشتراكيون المناهضون للاستعمار بمحمد الخطابي وأزرقان، اللذين كان
استياؤهما عظيما من الوزراء الذين رفضوا مقابلتهما، ولم يحققا شيئا، فقفلا
راجعين إلى الريف، وكان عبد الكريم يأمل طوال الحرب في الحصول على
المساعدة من بريطانيا، معترفا بأن الحكومة الفرنسية مرتبطة بمعاهدتها مع
السلطان على معارضته. وعلى الرغم من معرفته الواسعة بالعالم، فقد أخفق في
إدراك الحقيقة التالية، ألا وهي أن البريطانيين لا يقلون عن ذلك إجراما
بفعل تفاهمهم الضمني مع فرنسا. كان الريفيون وحيدين، وكان لهم من يتعاطف
معهم في العالم، لكنه لم يكن لهم أصدقاء مطلقا.

وتطلب خلق دولة الريف المنظمة سنتين على الأقل من عبد الكريم، ولقد
باشر عمله بإصلاح التنظيم البدائي السائد في قبيلته الخاصة. إن الريفيين
قد حكموا أنفسهم، طوال قرون، بنظام من الديمقراطية أقرب ما يكون إلى
الفوضى، لكن عبد الكريم استعاض عن انعدام المركزية عند البربر بمبدأ
السلطة المشترك بين العالم الإسلامي، وفعل ذلك معتمدا الآلية البربرية
القائمة. فحين كانت الضغائن الدموية تهدد بالانتشار، كانت الجماعيات
الريفية تشكل تحالفات مؤقتة. وسعى عبد الكريم إلى جعل هذه التحالفات دائمة
باستخدام مبدأ العار الطاغي، معلنا أن الجماعيات كلها مهددة بخطر الغزو
الإسباني، وأن الريفيين لا يمكنهم الحفاظ على استقلالهم إلا إذا حققوا
الوحدة وأنه لمن العار أن ترفض الجماعية الواحدة مساعدة الجماعية الأخرى،
بحيث يجب عليها الإبقاء على تحالفاتها وتوسيعها، بحيث تشمل في آخر المطاف
الريف بأسره. ويجب على كل عشيرتين أن تشكلا ليفا، ويجب على كل ليف أن يشكل
تحالفا وقائيا مع الليف الآخر، وهكذا دواليك، حتى تتعهد كل قبيلة بمساعدة
القبائل الأخرى.
ولقد نجح عبد الكريم أخيرا، باستخدام آلية الليف، في تحقيق الوحدة
القبلية، وتبنت القبائل الريفية الثمانية عشرة نظامه، وانضمت قبائل هامشية
عديدة إلى الاتحاد التعاوني، الأمر الذي سبب لعبد الكريم مضايقات كثيرة،
لأنه كان مضطرا إلى تلبية نداء القبائل الجنوبية من أجل المعونة، وهو عامل
جره إلى الحرب ضد فرنسا.

كان اتحاد القبائل الجديد الفضفاض يتطلب «رئيسا للدولة»، وسمى عبد
الكريم نفسه «أمير الريف»، ورفض لقب «السلطان» هذا اللقب الذي كان بعض
أتباعه، وجوزيف كليمس الهارب من الفرقة الأجنبية، يريدون أن يطلقوه عليه،
كما حظر على شعبه الدعو$ له في الجوامع أيام الجمعة.

وفي حين كان الريفيون يقبلون نظريا بسيادة سلطان مراكش وسلطته
الروحية، رفضوا الاعتراف بصلاحية المعاهدات التي انتزع السلاطين حقوقهم
بموجبها.

ولقد أكد لي أبناء عبد الكريم أنه لم يكن يرعى أي طموح لأن يصبح
سلطانا، سواء على الريف أو على مراكش. لقد كان في نيته أن يستقيل حين يحقق
شعبه الاستقلال، لأنه كان يؤمن بأنه يجب أن يكون لجميع المراكشيين الحق في
اختيار حكامهم الخاصين. وكان عبد الكريم يعتقد أن الريفيين سيظهرون أنهم
قادرون على حكم أنفسهم رغما عن الاعتقاد المضاد السائد لدى الفرنسيين
والإسبان.


محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 A2cKoC1KHk

جنود إسبان أثناء معركتهم ضد عبد الكريم
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 27-عبد الكريم يصلح قوانين ملكية الأراضي وتوزيع المياه

مُساهمة من طرف abdelhamid الإثنين 3 أغسطس 2009 - 22:24

عين عبد الكريم أربعة آخرين من أقربائه في مراكز حساسة، فقد عهد بالشؤون الخارجية إلى أحد أصهاره يدعى سيدي محمد أزركان، وبالشؤون الداخلية إلى رجل آخر من أجدير يدعى اليزيد بن حجي، كما أن صهريه عبد السلام ومحمد بوجبار عينا لوزارة المالية ورئاسة أمانة الوزارة.
ولقد حدثني بوجبار عن التنظيم الريفي، موضحا لي أن الأعمال الورقية كانت مقصورة على الحد الأدنى، وكانت الأوامر تنقل، حيث كان ذلك مستطاعا، بواسطة رسل يطلب منهم تكرار التعليمات المعطاة إليهم قبل الانطلاق إلى الوجهات المحددة لهم، وكانت الضرائب، وهي بدعة جديدة في الريف، تجمع من قبل المجالس المحلية التي كانت تسلم المال إلى الدولة ؛ وكانت هذه الرسوم تزداد بفضل الهبات الفضية والذهبية المقدمة من نساء الريف.
وروى لي بوجبار أن عبد الكريم كان راغبا في اتخاذ الدستور البريطاني كمثال لدولته الريفية، وقد أصدر تعليماته إلى وزير الشؤون الخارجية من أجل الحصول على نسخة من هذا الدستور من عملائه في طنجة، ولكم كانت دهشته كبيرة حين علم أنه لا وجود لأي دستور بريطاني مكتوب.
ولقد أدخل عددا من التغييرات الثورية على القانون الريفي، مبدلا العرف الذي حكم أهل الريف أنفسهم به طوال قرون عديدة، بحيث يتطابق مع الشريعة الإسلامية، ومثال ذلك أن القضاة ما كانوا من قبل يملكون حق المقاضاة إلا في القضايا المدنية وحدها، لكن عبد الكريم جعلهم مسؤولين عن القضايا الجنائية بدلا من أعضاء المجالس الذين لم يعرضوا على أية حال عن الاهتمام بقضايا من نمط السرقة والقتل. وألغى عبد الكريم القسم الجماعي الذي كان من قبل أسلوب الإثبات، مستبدلا إياه بالقسم الفردي من جانب المتهم، ففيما مضى، كان يطلب من الرجل المتهم باقتراف جرم ما إن يأتي بعدد من أقاربه ليقسموا معه على القرآن في يوم الجمعة التالي في الجامع المحلي، وذلك في حضور صاحب الشكوى أو موجهي التهمة إلى الرجل. وكان عدد المشاركين في اليمين يختلف وفقا لفداحة الذنب: ستة من أجل السرقة واثنا عشر من أجل القتل. وفي حالة القسم الجماعي بين قبيلتين، كان لابد من توفر خمسين مشاركا في اليمين، وإذا ما أخفق المتهم في تقديم العدد المطلوب من المشاركين في اليمين، أو إذا تعثر وهو يكرر صيغة القسم، فإن القسم «يكسر» إذن، وعندئذ لا بد له أن يدفع الغرامة المطلوبة. ويقول دافيد هارت إن عبد الكريم «قصر القسم على الفرد، قائلا إن المتهم وحده يستطيع أن يقسم، وذلك وفقا لمبادئ القرآن».
وقد يبدو هذا النظام في أعين الغربيين مفتقرا إلى الفعالية، لكنه يجب عليهم أن يتذكروا قبلا أن قداسة القسم هي قداسة بالغة القوة في نظر المسلمين، وأنهم يؤمنون بأن الرجل الذي يقسم قسما كاذبا لا بد أن يقتص الله منه.
وقد أصلح عبد الكريم أيضا القوانين المتعلقة بملكية الأرض وتوزيع المياه، مبسطا القوانين القديمة بما أدخله من دقة أعظم. وقد أصدر قانونا جديدا يستطيع بموجبه أن يصادر الأرض من أصحابها الذين لا يستطيعون زراعتها ويعطيها إلى أناس آخرين. وقد أعطي للجماعيات الآن، بالأحرى من الأفراد، الحق في تحديد استخدام مجاري المياه التي تجتاز أراضيهم.
وحين سألت بوجبار: «هل كان عبد الكريم معترفا به كسيد من قبل جميع أهل الريف؟» أجابني بأنه كان ثمة بعض المنشقين، وبصورة رئيسية من أولئك الذين كانوا يأملون الحصول على ربح أعظم عن طريق التعاون مع الغزاة. ولقد علمت أن الإسبانيين رشوا، طوال فترة الحرب، عددا من الريفيين البارزين لمعارضة عبد الكريم، ويروي هارت أن اثنين منهم اعتقلا ونفذ حكم الإعدام فيهما، وكانت الغيرة هي حافز البعض الآخر، ويستشهد كون في كتابه لحم الثور البري ببقيش، أحد الزعماء الرئيسيين لقبيلة كسينا، الذي وصف عبد الكريم بأنه «قواد الإسبانيين الذي خان شعبه»، وبني ورياغل «منتفخون عنجهية».
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 28- الأسرى الإسبان كانوا أكبر قضية تؤرق عبد الكريم

مُساهمة من طرف abdelhamid الخميس 6 أغسطس 2009 - 13:41

وصف بقيش عبد الكريم، الذي قدم لمقابلته ممتطيا صهوة جواد ثقيل، بالعبارات التالية: «أصبح على الأرض رجلا صغيرا. كان عريضا في جميع أبعاده، في الوركين، والكتفين، وعظام الوجنة، والجبهة، وكان مفرط السمنة من جراء نقص التمرين، طويل الأنف، ماكر العين ـ كان أشبه بتاجر حرير من فاس منه بقائد جيش الريفيين».
وسواء أكان جميع أهل الريف مؤيدين لعبد الكريم أم لا، فإنه لم يكن لدى الإسبانيين سبب حقيقي للشكوى منه بخصوص معاملة أسراهم، الإسبانيين الثمانمائة الذين جلبوا إلى أجدير بعد هزيمة أنوال. كان هؤلاء الرجال، وعدد من النساء، يشكلون أخطر القضايا بالنسبة إلى عبد الكريم عام 1922، وكان في عدادهم الجنرال نافارو وستون ضابطا آخرين، وقد أعيد أربعة عشر رجلا مصابين بجراح خطيرة، في الحال، إلى الحصن الإسباني القائم في مدخل الخليج، ومن هناك أرسلت الثياب إلى بقية الرجال. وأوقف عبد الكريم هذه الإرساليات حين اكتشف أن الإسبانيين يرسلون سرا سكاكين وأمواس حلاقة في الأحذية التي يبعثون بها من الشاطئ. وأسكن الأسرى في أكواخ، وكانوا يطعمون الأطعمة الريفية النموذجية، ويعالجون من قبل «مداوين» ريفيين من أفراد الأسر الوراثية المتخصصة في الطب. ولقد أخبرني أصدقائي الريفيين أن هؤلاء المداوين تعلموا أن يشفوا داء الكلب وأن يلقحوا ضد الجدري قبل باستور بزمن طويل، لكنهم كانوا عاجزين عن شفاء التيفوس والكوليرا، هذين الداءين اللذين أهلكا الأسرى الإسبان.
وفر عدد من الإسبانيين إلى القلعة: مشى ضابطان بكل جرأة في اتجاه الشاطئ، فأنقذهما قارب صغير، وتم إطلاق النار على أسيرين آخرين فقضيا، وناقش عبد الكريم أوضاع الأسرى مع الجنرال نافارو، لكنه لم ينجح في الحصول منه على تعهد بأن الأسرى لن يحاولوا الفرار، إذ أعلن نافارو أن القانون العسكري الإسباني يحظر عليه أن يعطي مثل هذا الوعد، وعلمت أنه كانت تجري مقايضة «مزدوجة»، لأنه حين كان الفارون الإسبان يسبحون إلى الشاطئ لم يكن يطلب منهم سوى تلاوة الشهادة، فيسمح لهم بالإقامة في الجماعيات الراغبة في قبولهم. ولقد كشف البروفسور كون هوية الكثيرين من هؤلاء الرجال الذين خافوا أن تميط آلة القياس التي يحملها اللثام عن أصولهم العرقية.
وكان من حق الأسرى، وفقا للشريعة الإسلامية، أن يحظوا بالعطف على اعتبارهم «ضحايا حرب». ولقد استخدم عبد الكريم الأصحاء منهم في بناء الطرق، ورفض أن يثأر منهم لمعاملة الأسرى الريفيين من قبل الإسبان، هذه المعاملة التي كان الريفيون ينادون بأنها سيئة جدا. ويقول عبد الكريم إنه كان من بواعث الحزن مشاهدة الأسرى الإسبان الذين كانوا «مغمومين، يائسين، خائفين من مصيرهم».
وكانت الفتيات الإسبانيات يطرحن مشكلة مخصوصة، كانت هؤلاء الفتيات يسمين «إيزابيلا» و«لاروبيا» و«سيبريانيا» من قبل مراسلي الصحف، و»ماريا» و«سيبريانيا» من قبل الريفيين، وهكذا فإنه من الصعب تحديد هويتهن أو معرفة بطلات القصص التي كانت تروى عنهن. ولقد وصفت إحداهن بأنها متعهدة في إحدى الكانتينات، ووصفت أخرى بأنها عاملة في مفوضية للشرطة.
ولقد عهد عبد الكريم بالفتاة المدعوة سيبريانيا إلى عناية زوجته الخاصة «من أجل حمايتها»، ولكنه أدرك «أنها ليست في حاجة إلى الحماية». وتقول الأسيرة إنها كانت متزوجة وأما لعدة أولاد حين أخذت أسيرة، ولقد اشتغلت في البيت، وعنيت بالأطفال، وأطلق سراحها في نهاية الحرب، وأعيدت إلى إسبانيا، لكنها رجعت مع زوجها لتعيش في الحسيمة حتى توفيت عام 1950، وحين سمعت سيبريانيا بهرب عبد الكريم عام 1948 كتبت إليه في القاهرة تشكره من أجل المعاملة الطيبة التي لقيتها خلال السنوات الخمس من أسرها.

abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 29-عبد الكريم يطلق سراح الأسرى مقابل فدية

مُساهمة من طرف abdelhamid الخميس 6 أغسطس 2009 - 13:53

لا يأتي عبد الكريم على ذكر الفتاة إيزابيلا التي تحدث إليها بول سكوت مورر في أجدير عام 1924، أخبرته أنها في الثامنة عشر من العمر، وأنها من ملقة، وحين سئلت عما إذا كانت خائفة أجابت: «مم أخاف؟» ولقد أخبرت مورر أنها تلقى معاملة طيبة وأنه ليس لديها ما تشكو منه البتة. ويقول مورر: «كان أهل البلاد يحبون إيزابيلا، فقد كانت ابتساماتها وثرثرتها، المختلفة كليا عن التحفظ المتكتم لدى نسائهم لا تقاوم فيما يبدو». ولاحظ مورر أنه حين كان يطلب من إيزابيلا أن تسافر على ظهر بغل، فإنها ما كانت تستطيع قط أن تمتطيه أو تنزل عن صهوته دون مساعدة أحد الريفيين الشبان الذي كان يرفعها إلى السرج أو ينزلها عنه بأن يمسك بها بقوة من حول وركيها. «وكان سرورها يتعاظم بقدر ما تستطيع أن تشوش أفكار الفتى الذي يساعدها».
وتقول الأسرة إن لاروبيا الشقراء، توفيت قبل أسابيع قليلة من نهاية الحرب، ويوردون كذلك ذكر فتاتين أسيرتين إسبانيتين أخريين، ماريا التي تزوجت من أحد الريفيين ورجعت إلى إسبانيا في نهاية الحرب التي قتل زوجها فيها، وأختها أوريانا، التي عادت كذلك إلى الوطن إسبانيا.
وعرض عبد الكريم افتداء الأسرى لقاء أربعة ملايين بيزو، لكن الجيش الإسباني رفض الاقتراح بهلع، مدعيا الحق في تحريرهم، وبعد مفاوضات طويلة اشتملت على زيارة إلى أجدير قام بها المصرفي الإسباني فرنانديز ألميدا ورئيس تحرير صحيفة ليبرتادوا لويس دي اورتيزا، أعيد 350 أسيرا هم من تبقى من الأسرى الثمانمائة الذين جلبوا إلى أجدير في يناير 1923 لقاء فدية مقدارها 150000 ليرة إسترلينية. وكان قبول الحكومة لشروط عبد الكريم سببا في إثارة الضوضاء في إسبانيا، لأن الجيش زعم أن الحكومة قد مولت، بهذا التصرف، عبد الكريم من أجل مواصلة المقاومة.
واستخدم عبد الكريم قسما من هذا المال ليبتاع من مراكش الفرنسية أسلحة وذخيرة وثلاث شاحنات (شاحنتان من طراز رينو وثالثة من طراز فوردت)، وطائرة حربية عتيقة من طراز بريكه دفع لقاءها ثمنا باهظا بلغ 35000 فرنك (حوالي 2800 ليرة إسترلينية). ولقد حطت الطائرة على قطعة من الأرض المستوية قريبا من أجدير يقودها طيار يدعى بيريه تم الاتفاق معه على تدريب الريفيين على الطيران. ولم تحلق الطائرة قط، إذ قصفها على الأرض الطيارون الإسبان، كما فعلوا بطائرة إسبانية أنزلها الريفيون على الأرض سالمة، وقام عبد الكريم بصفقة أكثر منفعة، حاصلا بفضلها على شبكة ميدان هاتفية كاملة كان يستطيع بواسطتها أن يتصل بمختلف أرجاء الريف. ولقد لاحظ أحد الصحفيين الأمريكيين اللذين زارا أجدير عام 1925 أن صبيا ريفيا في السادسة عشر من عمره كان يشرف على تأمين النداءات الهاتفية.
واستخدم عبد الكريم أيضا اعتماداته بالقطع الأجنبي ليجلب إلى الريف طبيبا فرنسيا ومولدة فرنسية بغرض معالجة أخته المحبوبة التي كانت تعاني مرضا خطيرا في أعقاب ولادة لم تتوفر لها فيها العناية اللازمة. وكان يرافق الطبيب فرنسي آخر يدعى بيير فونتين أصدر عام 1943 كتابا بعنوان الظاهرة الريفية العجيبة نشره له «مكتب الاستعلامات البترولي».
ويعزو فونتين سبب الحرب إلى الاعتقاد الأوربي بأن أراضي الريف: «غنية بالبترول»، ويزعم أن «المخابرات البريطانية» كانت تدعم عبد الكريم. ولقد وصل فونتين، والقابلة الآنسة بونزو، والطبيب الذي لا يسميه، إلى مقر عبد الكريم في آيت قمرة في مارس 1923، وأعطو مسكنا والأسيرة الإسبانية إيزابيلا كوصيفة، وحين أراد الطبيب أن يعالج مريضته «كما تعالج المريضة الأوربية، صادفنا مقاومة عنيفة» على حد تعبير فونتين، لأن الشريعة الإسلامية تحظر على الطبيب أن يشاهدها، كما أعلنت المرأة أنها تفضل الموت على ذلك، لكنه سمح لفونتين بالدخول إلى غرفة العليلة، وهو لا يورد سببا لذلك، ولقد وقف بجانب السرير، وكان يتصل بالهاتف مع الطبيب الذي كان في الغرفة المجاورة. ولقد وصف فونتين الأعراض التي تشكو منها المريضة، وكان الطبيب يخبره بما يجب عليه أن يعمله، وبعد شهر من مثل هذه المعالجة أعلن أن الخطر ارتفع عن المريضة، ويقول فونتين، الذي يبدو أنه كان ملما بالطب، إنه رجع إلى الريف في ماي كي يلقح الريفيين ضد الجدري.
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 30-الجيش الإسباني يشعر بالإذلال نتيجة افتداء الأسرى

مُساهمة من طرف abdelhamid الأحد 9 أغسطس 2009 - 21:32

كان عبد الكريم يحتفظ بعدة بنادق في الكهف، وحالفه الحظ ذات مرة، فأصاب نقطة حساسة ألقت بالطائرة الإسبانية أرضا حيث تهشمت غير بعيد عن الكهف.
ومر الوضع السياسي الإسباني بأزمة شديدة عام 1923، فقد أحس الجيش بالإذلال نتيجة افتداء الأسرى، وراح الثوريون ينادون بأن مراكش أصبحت مقبرة للشباب الإسباني وبئرا لا قرار له للثروة الإسبانية. كانت الحرب تكلف 000000 20 ليرة استرلينية كل عام، ولم يتحقق من جرائها أية فائدة على الإطلاق. كانت القوات الإسبانية حبيسة في تطوان ومليلا، وقد أصبح الشعب متعبا من مراكش، وكان يعجب بعبد الكريم ويصرح بإعجابه. وتمردت فرقة معسكرة في برشلونة، فقتلت ضباطها ؛ وحكم على عريف يدعى خوزيه ساتشيز باروسا بالإعدام من قبل محكمة عسكرية، لكن الحكومة ألغت الحكم. كانت البلاد بأسرها تشارف على الفوضى. ولاح في الأفق خطر أشد رهبة، إذ قدم الجنرال بيكاسو تقريره إلى المجلس النيابي، فوزع على النواب من دون أن يطبع. كان هذا التقرير يكشف النقاب عن مشاركة الملك ألفونسو في كارثة أنوال، ووقف الجيش وحده بين العرش والثورة، إذ وجه ضربته قبل أن تتمكن اللجنة البرلمانية التي عينت لدراسة تقرير بيكاسو من الاجتماع. وانحنى الملك، الذي كان يعرف بكل وضوح جلية الأمر، «أمام القوى الأعلى»، وعلق الدستور.
لقد نظم الانقلاب من قبل الجنرال ميغيل بيمو دي ريفيرا، الذي كان يشغل منصبا لا يتناسب مع رتبته كحاكم عام لكاتالونيا، حيث تم إبعاده بعدما ألقى خطابا غير موفق دافع عن الانسحاب من مراكش. وقدم ريفيرا في 13 شتنبر إلى مدريد، حيث استلم دفة الحكم، وقد كانت له شعبية قوية في الجيش كما كان محبوبا من الجمهور. إن بريمو دي ريفيرا، بطل عدة مآثر شهيرة، في مراكش وفي الفيليبين على حد سواء، قد أصبح جنرالا في سن الثلاثين، وذلك كما يقال بفضل نفوذ عمه، القائد العام لإسبانيا، وقضى ريفيرا شبابه، وهو الأرستقراطي حتى رؤوس أصابعه، في القتال والفحش حسب اعترافه شخصيا. واعترف ذات مرة قائلا: «لو أني كنت أعرف أني سأصل ذات يوم إلى السلطان، لكنت درست أكثر». ورأى بريمو دي ريفيرا في شخصه الند الإسباني لموسوليني، الدكتاتور الإيطالي الذي كان معجبا به إلى درجة كبيرة. ويصف ألبرت كار، في دراسته عن السبيل إلى الدكتاتورية، بريمو دي ريفيرا بأنه «تافه»، «أخرق» و»ميؤوس منه»، بأنه رجل «أكثر لباقة من أن يكون دكتاتورا صالحا». كان يملك اتجاها محموما إلى النزعة الإنسانية والليبرالية، فقرر أنه لن يكون مزيد من التضحية بالرجال أو المال في مراكش. إن كل ما يمكن الاستغناء عنه دون إذلال يجب أن يسلم. وكان الجنرال بيرنجر الضحية الوحيدة للانقلاب، إذ أقيل فانسحب من المسرح كيما يغطي مشاركة الملك في كارثة أنوال. لقد اعتبر بيرنجر مسؤولا بصورة مباشرة عن الكارثة، وذلك بوصفه مفوضا ساميا عام 1921.
في نونبر، في أعقاب تعيينه مديرا (كما سمى نفسه)، قصد بريمو دي ريفيرا مراكش، حيث أخذ على نفسه شخصيا مسؤولية الحملة، وأمر الجيش أن يهجر مواقعه الأمامية وأن ينسحب إلى مواقع جنوبي تطوان ومليلا. وإنه يجب التخلي عن مشروع غزو المنطقة الشمالية، وأثار هذا الأمر حنق قادة الجيش، إذ هو ينكر عليهم الفرصة لغسل عار أنوال من جهة، كما ينكر عليهم من جهة ثانية أي حظ في الانسحاب دون تكبد خسائر مروعة. ويلاحظ كار أن ريفيرا، بعملية جنونية تكاد لا تصدق، قد صرح بخططه علنا. فقد بين، وهو محاصر بمراسلين صحافيين عنيدي المراس ذلقي اللسان، متى وأين سيبدأ الانسحاب، معلنا أسماء الأماكن وتواريخ إخلائها. ولقد صاح المارشال ليوتيي باستنكار حين سمع بذلك: «يا إلهي، إن الجيش ينسحب حين يكون ذلك أمرا لا بد منه، لكنه لا يعلن هذه الحقيقة سلفا للعدو». لقد كان يتراءى أن إعلان دي ريفيرا يرسم نهاية المغامرة الإسبانية في مراكش.

abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 31-وار د برايس يكشف أن كابوس الحملة المراكشية يخيم فوق رؤوس الإسبانيين

مُساهمة من طرف abdelhamid الأحد 9 أغسطس 2009 - 21:40

حمل عام 1924 معه أول لمحة خارجية عن عبد الكريم، إذ زاره وقابله في أبريل وارد برايس، مراسل الصحيفة اللندنية ديلي ميل التي كانت في ذلك الحين الصحيفة الأكثر انتشارا في بريطانيا. ولقد نشرت مقالاته في حصيلة هيرالد النيويوركية أيضا.
ولقد زار وارد برايس، الذي كان منذ تلك الأيام مراسلا خاصا ذائع الصيت، مدريد في طريقه إلى مراكش، فوجد أن شبح كابوس الحملة المراكشية يخيم فوق رؤوس الأمة الإسبانية. ولاحظ الزعيم الليبرالي، الكونت رومانونيس، الذي تقلد مقاليد الحكم أربع مرات، بكل حيطة ما يلي: «إنه لأمر خطير أن تتحول إسبانيا من ملكية دستورية أوربية إلى طغيان شرقي. لكن ذلك يكون مقبولا إذا ما استخدم العسكريون سلطانهم لتسوية مشكلتين قديمتين تعنيانهم بصورة رئيسية: مسؤولية فضائح مراكش وحل حملتنا الباهظة التكاليف هناك».
ووجد برايس أن الأمة الإسبانية بأسرها تكره حتى مجرد اسم مراكش. وكان الجنرال بريمة دي ريفيرا وحكمه الإداري يواجه مشكلتين: أتراهم يجسرون على معاقبة السلطات العليا، العسكرية والمدنية، المسؤولة عن كارثة أنوال؟ وهل يستطيعون أن ينهوا الحرب؟ كانت معاقبة الجنرالات أمرا محفوفا بالمخاطر، لأن الجيش كان منقسما على نفسه بشأن جرمهم. وكان الوزراء المتهمون محميين في القيادة العليا. وحتى إذا ما طبقت العقوبات بخصوص الماضي، فإن مشكلة المستقبل تظل بدون حل. وكان الإسبانيون المثبطو العزيمة يقولون: «حتى إذا استولينا على الريف، فإن البريطانيين والأمريكيين هم الذين سيستغلون موارده».
وكانت ثمة خطتان موضع الاعتبار كما علم برايس. وكانت إحداهما تنص على جعل ريسولي باشا على تطوان، وتزويده بالسلاح والرجال، وإخباره بمواصلة الحرب ضد عبد الكريم. وكانت هناك خطة بريمة دي ريفيرا مقابل الخطة الأولى، ألا وهي الانسحاب من داخل مراكش، والتجمع حول تطوان ومليلا، وتقديم المعونات إلى العرب بدلا من مضايقتهم. بيد أن إخلاء شمالي مراكش يفتح الباب لإمكانية مضاعفات لاحقة، إذ من سيخلف الإسبانيين هناك؟ لسوف يكون الحافز قويا بالنسبة إلى الفرنسيين للمناداة بمسؤولية إخضاع رعايا السلطان الريفيين المتمردين باحتلال أراضيهم. ولسوف يخلق ذلك وضعا خطيرا في حوض البحر الأبيض المتوسط، لأن إيطاليا وبريطانيا ستعارضان امتداد النفوذ الفرنسي على طول سواحل إفريقيا الشمالية.
وسعى برايس إلى المعلومات من الدكتاتور الإسباني، فأخبره بريمو دي ريفيرا بما يلي:
من المؤكد أن المنطقة الإسبانية من مراكش هي أكبر مشاغل الحكومة الإسبانية الحاضرة. فقد كان الوضع هناك خطيرا طيلة اثنتي عشرة سنة، لكنه يتطور بثبات نحو الحل.
إن القوات الإسبانية تحتل عددا من المواقع المنعزلة، وبعض هذه المواقع الجبلية التي تسيطر عليها تعج بالعصاة المسلحين بصورة جيدة، ويتحركون بخفة في أرض يصعب جدا على القوات النظامية أن تسلكها، ويلحقون بها خسائر تفوق نسبة أعدادهم، وذلك بلجوئهم إلى أساليب حرب العصابات.
ولا بد لهذه المواقع الإسبانية أن تزود بالمؤن، وحتى بالماء، من القاعدة، وأن العصاة يقطعون في بعض الأحيان طرق المواصلات الإسبانية، فتضطر القوافل، حين تواجه على هذا الغرار تجمعات العدو، أن تشق طريقها عبر صفوفهم بالقتال.
وهذا ما جرى مؤخرا في تيزي عزة. إن لدينا هناك موقعا في موضع استراتيجي صعب، تدافع عنه حوالي ثلاث سرايا وبطارية من المدفعية. وإن حامية تيزي عزة بكاملها، مع المواقع الإضافية والأجنحة الواقية، تعد حوالي 1500 رجل، وأن الهجوم العربي الأخير على قافلة تتقدم إلى ذلك الموقع قد كلفهم أربعين قتيلا، بينما لم يفقد رتلنا سوى ثمانية رجال في تشتيت العدو وتزويد الموقع.
ولقد أنقصنا مؤخرا قواتنا في مراكش، بغرض الاقتصاد وتوسيع الأراضي المسالمة بمعدل 20000 رجل، لكننا نرسل في الوقت الحاضر الإمدادات، وذلك لأن عمليات التنظيف أصبحت أمرا لا غنى عنه.
محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 TxW41TznXv
جنود إسبان رفقة أحد المبشرين

abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 32-برايس قال: «على إسبانيا إما أن تتقدم وإما أن تخرج من مراكش»

مُساهمة من طرف abdelhamid الثلاثاء 11 أغسطس 2009 - 9:02

قال الجنرال بريمة دي ريفيرا إنه عندما تنجز هذه المهمة، فإنه قد يصبح في
الإمكان حشد القوات الإسبانية في المدن الساحلية والسيطرة على الداخل
بواسطة الطيران، كما فعل الجيش البريطاني في بعض الأقسام من الشرق الأوسط.
ولقد اقترح لهذا الغرض زيادة عدد الطائرات الإسبانية في مراكش من خمسين
إلى مائة وخمسين طائرة. وكان بوانكاريه، رئيس الوزارة الفرنسية، قد اقترح
عملا فرنسيا وإسبانيا مشتركا ضد الريفيين، وهو مشروع لم يكن الدكتاتور
الإسباني راغبا في أخذه بعين الاعتبار حتى تكون إسبانيا قد فقدت معقل
التمرد على خليج الحسيمة.

وحدث برايس قراءه قائلا: «يجب على إسبانيا إما أن تتقدم وإما أن تخرج
من مراكش». وكان يعتقد أن خطة بريمو دي ريفيرا تنطوي على آخر حظ لإسبانيا
في التخلص من تلك الأكمة الشائكة التي تعثرت بها.

وخاطب بريمو دي ريفيرا برايس قائلا، حين سأله الإذن في الذهاب إلى
الريف ومقابلة عبد الكريم: «إنك لا تستطيع أن تعبر خطوطنا». ولما أعيق
برايس عن دخول الريف عن طريق طنجة، قصد الرباط حيث طلب الإذن من الفرنسيين
للدخول من الجنوب. وكان جواب الضابط: «لا بكل تأكيد، وإلا اتهمنا بأننا
نسمح للأشياء الحربية المحظورة بالوصول إلى عبد الكريم. ومهما يكن من شيء،
فإن ثمة خطرا كبيرا على سلامتك، بحيث لا يمكننا أن نأخذ على أنفسنا
مسؤولية السماح لك بالدخول إلى الريف».

ولقد نوه بأن رجال القبائل على طول خط المواقع الفرنسية، هؤلاء الذين
عوقبوا مؤخرا من قبل عبد الكريم لرفضهم تقديم المجندين من الرجال والجزيات
بالمال، لن يكونوا راضين عن أوربي وحيد يتجه إلى رؤية زعيم الريف. وقيل له
بلهجة التأكيد: «سوف يطلقون عليك النار من خلف شجرة كي يسرقوا جوادك». أو
قد يؤخذ أسيرا ويحتفظ به لقاء فدية.

ولما تخلى برايس عن محاولة عبور الحدود بمساعدة الفرنسيين، فقد بحث
عن المنظمة السرية التي سمع أن الحكومة الريفية تحتفظ بها خارج حدودها.

وكانوا جماعة غريبة من الناس، من أصول غامضة وأصحاب تصرفات أشد
غموضا، وقضيت أسبوعا كاملا في مفاوضتهم، وكان لي معهم أحاديث مهموسة
عديدة، وتعيينات سرية، وقصاصات صغيرة مخربشة وغير موقعة، ومواعيد لم تحفظ،
مثل ما يحدث لطالبة في أول علاقة غرامية لها. وقيل لي بادئ الأمر إن هناك
رجلا سيعمل على أن يجتاز بي الحدود الريفية في خفية عن دوريات الحدود
الفرنسية لقاء 3000 فرنك تدفع نقدا، لكنه راح يشك فيما يبدو، بعد يوم أو
يومين، في أن دوري كمراسل صحفي هو خدعة، وأني أريد أن أصل إلى عبد الكريم
كي أبيع مواد حربية مهربة. ولما كان ذلك هو العمل الرئيسي الذي يقوم به
هذا العميل السري، فقد أعرض عن إدخال منافس ممكن إلى الريف.

وانتهت مناقشة أسبوع كامل إلى تأمين ثياب محلية ومترجم لقاء 3500
فرنك. ورفض برايس أن يقبل ثوبا نسائيا عربيا، وهو قناع يفسر عجزه عن النطق
ويمنع الناس من مخاطبته. كان يحسب أنه توصل إلى مظهر رديء بصورة كافية
بإطلاق لحيته التي كانت تشكل، مع بشرته المحروقة بأشعة الشمس، تنكرا
كافيا. ونقل بسيارة إلى بقعة منعزلة في البرية، حيث كان رجلان ينتظران مع
ثلاثة أحصنة، وقد أرخوا القبعات المخروطية لبرانسهم البيضاء بصورة واطئة
جدا فوق رؤوسهم. ورفع السعر المتفق عليه من أجل الدليل، وهو خمسة شلنات
يوميا، إلى ليرة كاملة دفعة واحدة، وهو مبلغ لم يكن لبرايس بد من القبول
به، وانطلقت الجماعة في اتجاه الريف.

وعبروا نهرين كان أحدهما في حالة فيضان ووصلوا إلى أحد الأسواق التي
كانت مكتظة بحوالي خمسمائة من المولدين. وسمع برايس زمجرة محرك، فرفع رأسه
وشاهد طائرة إسبانية تقترب من ناحية الشرق.

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 724186w8s6ep

مجاهدون ريفيون يتعبئون لإحدى المعارك ضد الإحتلال
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 33-برايس يشهد هجوما بالقنابل على منطقة الريف

مُساهمة من طرف abdelhamid الأربعاء 12 أغسطس 2009 - 6:42

انفرط عقد السوق في الحال، وانطلق المولدون نحو أقرب مجرى للمياه. واندفع
رجلاه الخاصان، اللذان قصدا متجرا لشراء بعض السكر، وهتف المترجم منقطع
الأنفاس: «ستسقط قنابل الآن وتعمل تا ـ تا ـ تاراك». وكتب برايس يقول:
«تبعثرنا في اتجاهات مختلفة، وبينما كنت أعدو بجوادي على طول سرير نهر جاف
شاهدت الحفر على جانبه مليئة بالريفيين المستلقين أرضا، وجميعهم فيما يبدو
قد ألفوا روتين الغارات الجوية.

كان برايس على بعد ميل واحد حين سمع انفجار القنبلة المألوف، ثم
أعقبه انفجار آخر. وانطلق مع الرجلين حتى بلغوا وهدا كثيف الأشجار. وهمس
المترجم قائلا: «هذه الغابة مكمن للأشرار. ابقيا قريبا من الأشجار». وصرخ
على حين غرة في هلع، ناطقا بالفرنسية: «يا للأشرار !» وشاهد برايس، عند
منعطف الطريق إلى الأمام منهم، حوالي اثني عشر وجها ملتحيا خلف متراس كانت
تبرز من فوقه مواسير البنادق بصورة منذرة بالسوء. وتبادلوا مع الدليل بعض
الحديث بأصوات مرتفعة، ثم خاطبه المترجم قائلا، والارتياح باد عليه:
«ليسوا أشرارا، بل هم جنود ريفيون، ولقد أوقفونا لأنهم يريدون أن يعرفوا
هويتنا». ويلاحظ برايس أن تلك كانت المرة الوحيدة، طوال زيارته للريف التي
استغرقت عشرة أيام، التي شاهد فيها حركة متوعدة من جانب سكان الريف عابسي
الوجوه.

كانت بلاد الريف التي يدخلها الآن قد استقبلت الأوربيين فيما ندر من
الأحيان، وهذا ما كان برايس يعرفه جيدا. لقد عبر من الأراضي الواطئة
المسالمة، حيث كانت النقليات تتم بسيارات قوة محركها يبلغ أربعين حصانا،
إلى مرتفعات تذكر بأيام روبرت بروس، حيث الجياد والحمير والجمال هي وسائط
السفر الوحيدة، منطقة خالية من الطرقات باستثناء أسرة الأنهار الجافة
ومجاري السيول الجبلية؛ أرض خالية من الشرطة، أو السدود، أو مراكز للبريد
والبرق، ومن الصحف، ومن النور الكهربائي أو الغاز، ومن الأثاث، والملاعق،
والأسرة، والأحذية، والسراويل، ومن الكحول أو الخبز الأبيض، وحتى من التبغ
؛ مكان حيث فنون الحرب، وحيث كل رجل تعلو مرتبته على مرتبة العبد يملك
بندقية ذات خزان وحزاما من الخرطوش، وحيث الأناس الذين يعيشون بالضبط كما
كان ابراهيم يعيش في خيام واطئة، تحيط بهم قطعانهم وماشيتهم، يفهمون مع
ذلك بكل دقة كيف يفكون رشاشا ويجمعونه من جديد، وكيف يستخدمون المدفع.
وأرسل برايس بصره، من قمة أحد الجبال، إلى الجبهة الإسبانية تحت،
فشاهد سلسلة طويلة من المواقع المحصنة، المبنية من الحجر، تكلل كل قمة من
سلسلة الهضاب. وكان خط الاستحكامات يمتد من الشاطئ حتى الحدود الفرنسية.
وكان كل موقع عرضة للرماية المتصلة وللعزل المؤقت من قبل رجال العشائر
الريفية المختبئين بين الصخور في المنحدرات المقابلة.

وانتهى سفر استمر ثلاثة أيام، تصحبه أصداء طلقات البنادق، فوق جبل
يبلغ ارتفاعه 5000 قدم، ووصلنا إلى سرير نهر عريض مفروش بالحصى أعلن
الدليل أنه يؤدي إلى مقر قيادة عبد الكريم، في مكان امتنع برايس عن
تسميته. ولقد كان وارد برايس أول مراقب حيادي يقابل عبد الكريم:

حين انتهى النهار الحار، قدمت سحب ثقيلة تتدافع من ناحية البحر
الأبيض، وما أسرع أن غرقنا في مطر مدرار. وبعد ساعتين من المسير الشاق
المتعرج على طول سرير النهر، سمعت أخيرا أصواتا على جانب الجرف فوقنا،
ولما تلصصت من تحت قلنسوة ثوبي العربي، شاهدت مدفعا جبليا يجر على درب
ضيقة من قبل عشرين أو ثلاثين ريفيا يرتدون أثواب رجال القبائل البنية
القاسية والعادية. وصاح أحدهم، وكان يبدو أنه صاحب سلطة، في دليلي اللذين
يبدوان كغريبين في برنسيهما الأبيضين، وهو زي السهول.


محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 SvxkJnoosJ

المفكر مالك بن نبي بجانب الشيخ عبد الكريم الخطابي رحمة الله عليهما
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 34-وصول «برايس» إلى منطقة الريف يثير الشبهات

مُساهمة من طرف abdelhamid الخميس 13 أغسطس 2009 - 6:59

اعتبارا من ذلك الحين، كنا نوقف دون انقطاع ونستجوب حتى أصبحنا على مرأى
الغرض من سفرتي، ألا وهو بيت آجري من طابق واحد شيد مثله مثل سائر بيوت
الريف، على خطوط استحكامية، وهو ينهض بصورة واضحة على جرف ينعطف النهر
حوله في مجراه.

وكانت سارية للعلم تنتصب عند مدخله، لكن ما كان يسمه على اعتباره مقر
القائد هو خط هاتفي يمتد منه على أعمدة رقيقة عبر الوادي. وسرنا في اتجاه
المنزل على طول درب زلقة عبر دغل من أشجار الصبار، يوقفنا ويستجوبنا في
المطر المنهمر عربي بعد آخر، وجميعهم نحيلون، طوال القامة، جنود يتسلحون
ببنادق الموزر في أيديهم وبالمسدسات الأوتوماتيكية المعلقة في خصورهم.

وعلى الرغم من أني لم أفهم شيئا، فقد أدركت سريعا أن وصولي غير
المتوقع قد أثار الشبهات. وأخيرا، بعد أمر قاطع بالنزول عن دابتي، أخذنا
إلى مدخل باب واطئ يؤدي إلى مكان مدهون باللون الأبيض، خال من النوافذ،
كانت البنادق فيه تتدلى من كلابات في الجدار. وهكذا وجدت نفسي في غرفة حرس
عبد الكريم.
وفي نهاية الأمر، بعد محاولة لاستجوابي بالإسبانية، وقد رددت عليها
بالفرنسية، سجل ضابط الحرس بيانا طويلا عن الغرض من رحلتي وأرسله مع
بطاقتي بوصفي المراسل الخاص للديلي ميل إلى عبد الكريم نفسه.

وسرعان ما ظهر شاب يرتدي ثيابا أغلى ثمنا ويحمل حزاما جميلا لمسدس
مصنوع من جلد قرمزي اللون، وقد قيل لي إنه أحد ضباط أركان السلطان. وكان
يفهم قليلا من الفرنسية، وقال أخيرا بلباقة تامة بواسطة المترجم: لا
تستطيع أن تبقى هنا، لأن الطائرات الإسبانية التي ألقت خمسا وسبعين قنبلة
حول هذا المنزل اليوم وقتلت رجلا واحدا يمكن أن تعود. إن القنبلة الأخيرة
سقطت هناك.

وأشار إلى حفرة دنسة تقع على بعد ثلاث ياردات من الباب الرئيسي،
وكانت الشظايا فيما حولها قد انغرست بالجدار في جميع الاتجاهات. وقال إنه
سيبعث بي إلى منزل أحد القادة حيث يجب أن أبقى حتى يأتي في الغداة ليخبرني
ما إذا كنت أستطيع أن أقابل عبد الكريم.

وهكذا انطلقنا مرة أخرى، برفقة حامية من الحرس المسلحين، في المساء
الذي راق الآن، في رحلة استغرقت ساعتين على طول سرير النهر، ووصلنا بعدما
خيم الظلام بوقت طويل إلى منزل قضيت فيه يومين أنتظر في كفالة قائد ذكي
بني اللحية كانت جميع سلع منزله، حتى المغلاة التي يعد بها الشاي، مسروقة
من الجيش الإسباني.

وكتب وارد برايس رسالة أخذت إلى عبد الكريم، فاقتيد في اليوم التالي إلى حضرة القائد الأعلى.

حوالي منتصف الطريق إلى مقر القيادة، حيث كنت قبلا، استدرنا حول زاوية
حادة في سرير النهر فوقعنا على مشهد يمكن أن يكون مأخوذا من مسرحية مثل
«الإلاهة الخضراء». كانت الشمس تتألق بلمعان عظيم فوق الحجارة الرملية
الحمراء للوهاد المجاورة وفوق الحصى البيضاء لمجرى النهر العريض. وكانت
أدغال خضر شائكة تتدلى فوق مسيل المياه الذي كانت ساقية ضيقة تتدفق بصخب
في منتصفه. وكانت جرادات كبيرة تنطلق في قفزات طويلة من إحدى الصخور
الحارة إلى غيرها. وكان الأفق مغلقا من سائر الجهات بجبال خضراء شديدة
الانحدار، بينما كانت نسور ثابتة الأجنحة تحلق في العالي، على قاع السماء
الزرقاء الصافية، وتحوم دون انقطاع في دوريات لا تتطلب منها جهدا على
الإطلاق.

لكن الأعجب من هذا كله أن رجالا طوال القامة، ثابتي القوام، يرتدون
ثيابا بنية فضفاضة وعمامات زرقاء خفيفة، كانوا يقفون على مسافة خمسين
ياردة من بعضهم البعض في دائرة كبيرة تضم جانبي مجرى النهار، وقد جمدوا
جميعا في وضعية الاستعداد وبنادقهم إلى
جانبهم.

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 7869093
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 35-عبد الكريم يقول «إن قوتنا الأخلاقية تمحو الفارق في السلاح»

مُساهمة من طرف abdelhamid الخميس 13 أغسطس 2009 - 23:20

هؤلاء هم حرس عبد الكريم الخاص، وهم يشكلون قوة منتقاة ومدربة بصورة
مخصوصة تعدادها خمسمائة رجل، جميعهم بطول ستة أقدام ورماة مهرة لا يخطئون.
كانوا يقفون جامدين مثل التماثيل، تتجه أنظارهم جميعا إلى داخل الحلقة، في
مظهر مسرحي لكنه مؤثر، يضفي المهابة على الرجل الأقرب إلى القصر، الضخم
الجسم، المرتدي ثوبا بنيا بسيطا وعمامة خضراء، والذي كان ينتظر عند طاولة
بسيطة أقيمت على الحصى الجاف لمجرى النهر.

كانت الخطوط الإسبانية تمتد على مسافة أقل من ميلين، وقيل لي إن
الأمير يستقبلني هنا حيث يقل خطر إزعاجنا من جانب الطائرات الإسبانية.

كان لعبد الكريم، البالغ الثانية والأربعين، محيا أحمر مليء ولطيف،
قد لوحه الطقس وغطته التجاعيد، بعينين طارفتين ولحية العربي القصيرة
المعهودة. وكانت يداه مليئتين وظريفتين، وصوته خفيفا وسريع النبرات، ولقد
سمعت أن الإسبانيين عزوا إلى زعيم الريف أعمالا تتصف بالقسوة والوحشية،
لكن شيئا في مظهره أو تصرفاته لم يكن يوحي بأي استعداد همجي عنده. كان
الانطباع الذي يعطيه هو بالأحرى انطباع البديهة الحاضرة، وكان في تصرفه
الهادئ، البعيد عن الادعاء والتكلف، الشيء الكثير من الثقة بالذات.

وكان يصحبه شاب أقل تجهما في مظهره من معظم أعراب الريف، وكان يتكلم
بعض الفرنسية وقليلا من الإنكليزية، وأخبرني أن عبد الكريم أرسل في طلبه
من أجدير، على بعد ست ساعات ركوبا، كي يقوم، خاصة، بدور المترجم في
حديثنا.

وكان السؤال العاجل والحائر الذي افتتح عبد الكريم الحديث هو: «كيف
تدبرت أمرك للوصول إلى هنا؟» وأصر على التفاصيل جميعا، ومن ثم خاطبني
المترجم قائلا: «إن الأمير في غاية السرور لرؤيتك، لأنه يعرف أن جيلي ميل
هي كبرى الصحف الإنكليزية، وهذه هي المرة الأولى التي تسنح له الفرصة فيها
لاستقبال مراسل بريطاني».

واستأنف عبد الكريم الحديث عن طريق المترجم بالعربية، لكنه كان يشدد من حين لآخر على إحدى العبارات بأن يكررها بالإسبانية.

وأعلن: « إن عرب الريف الذين اختاروني أميرا عليهم يدافعون عن استقلال
أراضيهم ضد سيطرة أجنبية يحاول فرضها عليهم، وهم لن يرضوا بها قط.

«إننا جميعا سيئو العدة بالمقارنة مع الإسبانيين، لكن قوتنا
الأخلاقية تعدل الفارق في السلاح. ومع ذلك، فإننا لا نريد الحرب، وقد
أبلغت الحكومة الإسبانية قبل سنتين بواسطة الجنرال كاسترو جيرون في مليلا
أنه إذا اعترفت إسبانيا باستقلال الريف، فإننا سنوافق على أن يكون لها
المركز الاقتصادي المفضل في استثمار موارد بلادنا الغنية. ولقد رفضوا هذا
العرض، ومنذ ذلك الحين تحسن وضعنا العسكري وتقوى أكثر فأكثر. «ومهما يكن
من أمر، فإننا لا زلنا على استعداد للتفاهم مع إسبانيا، على أننا لم نطلب
إخلاء البلاد بكاملها، وإذا ما انتهى الأمر، كما نود، إلى تحديد الحدود
الإقليمية بيننا، فسوف يتبين أنه ليس ثمة مصاعب تعترض هذا الاتفاق. بيد أن
هذه الجبال كانت منذ الأزمان المغرقة في القدم ملكية أسلافنا، وسوف ندافع
عنها حتى القطرة الأخيرة من دمائنا.

«وإذا كانت إسبانيا راغبة في حرب دائمة في الريف، فإنه يمكن أن تكون
لها مثل هذه الحرب. إن قرارنا حازم، ولقد اتحدت البلاد تحت حكمي كما لم
تتحد من قبل قط.

«وحتى حين لا تجري أي أعمال حربية خاصة، فإن ما بين 100 و150 جنديا
إسبانيا يقتلون كل أسبوع في هذه الجبهة، في حين أن الجيش الإسباني لا يلحق
بنا سوى أذى ضئيلا جدا، باستثناء قصفه لقرانا من الجو وقتل نسائنا
وأطفالنا.

«ويخيل إلي أن القادة الإسبانيين يفكرون انطلاقا من المصالح الشخصية
أكثر من المصالح القومية. وإني لأتلقى أحيانا رسائل غامضة منهم، بعضها من
ذلك النوع الذي لا أستطيع الوثوق به مطلقا.

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 OjhyJpnu11

جانب من الجنود الذين هلكوا في معركة أنوال أمام عبد الكريم وجنوده
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 36-عبد الكريم يقول إذا ما ضمنا استقلالنا سنفتح البلاد للتعاون الأجنبي

مُساهمة من طرف abdelhamid السبت 15 أغسطس 2009 - 6:35

لقد أرسلوا إلي مؤخرا عميلا مسلحا يدعى تيرجيني، مع رسالة تنص على أنهم
يتهيؤون للقيام «بحركات عسكرية لا تتضمن أي تقدم»، لكن الرسالة أغفلت
التوقيع، بحيث ما كنت أستطيع أن أعيرها أي اهتمام.

إن مصالح العالم بأسره تخدم بتسوية سلمية بيننا، لأنه من الكذب
الادعاء، كما يقول الإسبانيون، إن شعب الريف معاد لجميع الأجانب. وإذا ما
ضمنا استقلالنا، فإننا سنفتح البلاد على مصراعيها للتعاون الأجنبي. إن
لدينا مناجم من النحاس، والرصاص، والفحم، تنتظر الرأسمال الأجنبي من أجل
تطويرها.

«ولسوف نرحب بالمساعدة الأوربية في تحديث أراضينا. ولسوف تتحسن أحوال
جميع الناس إذا ما وقع السلم، وهذا هو السبب في أنني أرسلت عام 1922 إلى
لندن ممثلين أحدهما سيدي بوجبار (وأشار إلى العربي الشاب الذي يترجم لنا)
لأحث وزارة الخارجية البريطانية على إقناع الحكومة الإسبانية بحسنات
التسوية.

«ولقد بقيا هناك خمسة أشهر، لكن اللورد كورزون (وزير خارجية حكومة
المحافظين) لم يستقبلهما، وهكذا لم تؤد مهمتهما إلى أية نتيجة. وإن لديكم
الآن حكومة جديدة (الحكومة العمالية الأولى التي كان رامسي ماكدونالد يشغل
فيها منصبي رئيس الوزارة ووزير الخارجية معا) في إنكلترا ذات مثل عليا
سلمية، وسوف أطلب منك أن تحمل باسمي الاقتراح نفسه إليها. فلتعطنا أوربا
الاستقلال الذي هو حقنا الموروث غير المنازع فيه، وسوف يحل السلام وتتوفر
الفرصة لجميع الناس في الريف. لكن بينما تثابر إسبانيا في محاولاتها
العديمة لإخضاعنا، فإن هذه الحرب العقيمة ستستمر دونما انقطاع».

وسألت عبد الكريم عن نوع الحكم الذي يفكر فيه إذا ما ضمن استقلال الريف فقال:

«إن الدين الإسلامي لا يعترف إلا بشكل واحد من الحكم، ألا وهو حكم
الأمير. إن الحكم في مجالس تمثيلية يناقض المبادئ المحمدية. ومع ذلك، فإن
نظامنا ديمقراطي جدا، لأن الأمير ينتخب بحرية من قبل رؤساء القبائل، ويمكن
خلعه إذا لم يرض الناس وانتخاب أمير آخر يحل مكانه. وكذلك فإن خلفه ينتخب
بالاقتراع بعد وفاته».

وكان سلطان مراكش، وفقا للاتفاق الفرنسي الإسباني، هو بعد سيد الريف
الاسمي، وهو يطالب نفسه بالخلافة على المسلمين الأعراب هناك، فاستفسرت عن
طبيعة العلاقة التي ستقوم بين دولة ريفية مستقلة والسلطان، فقال عبد
الكريم:

«إننا لا نستطيع أن نعترف بسلطان مراكش في حال من الأحوال، إذ إن
الحقيقة هي أنه ليس سلطانا البتة، بل هو باق على اعتباره رئيسا صوريا
مناسبا».

ذلك هو البيان الذي أعطاه أمير الريف عن موقفه في هذه الفرصة الأولى
التي سنحت له منذ زمن طويل للاتصال بالعالم الخارجي على نطاق واسع، وقد
نقلته بقدر طاقتي من الأمانة. إن بلاده هي من تلك المناطق المضطربة
القليلة في العالم، حيث ليس للبريطانيين مصالح، بحيث يمكن عدم الانحياز
بكل سهولة في هذا الموضوع.

وإن في حجته قدرا كبيرا من المنطق. فقد أخفقت إسبانيا طيلة اثني عشر
عاما في جعل «محميتها» صالحة، وإذا هي قاتلت عشرين عاما أخرى، فإنه لن
يكون من المرجح، مع ذلك، أن تتوصل إلى إخضاع تلك الجبال التي تكاد تكون
غير سالكة مطلقا. ومن جهة أخرى، فإن الريفيين لا يستطيعون أن يأملوا في
طرد الإسبانيين من مراكزهم القائمة في السواحل، حيث تستطيع مدافع الأسطول
الإسباني أن تدعم المقاومة.

والنتيجة هي مأزق لا خروج منه، يكلف إسبانيا أرواحا كثيرة، ومالا
كثيرا، وأزمة سياسية مقيمة في الداخل، بينما يبقى داخل الريف في انعزال
بدائي ويعوق مناجمه الغنية عن المشاركة في ثروة العالم.

وإذا ما أمكن الوصول بفضل العمل الدولي إلى تسوية مناسبة تحفظ كرامة
إسبانيا، فإن المنفعة العامة ستتعاظم إذن. «لكن لعل بعض الدول الكبيرة»،
كما قال عبد الكريم في شيء أقرب إلى بعد النظر في ختام حديثنا، «غير عازفة
عن مشاهدة إسبانيا وقد أضعفتها حربها في الريف بصورة مزمنة».
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 37-عبد الكريم يراسل رئيس الوزراء البريطاني

مُساهمة من طرف abdelhamid الإثنين 17 أغسطس 2009 - 6:19

أعطى عبد الكريم وارد برايس رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني ترجمها له
أحد الطلاب العرب، وقد سلمها إلى صاحبها لدى عودته إلى إنكلترا، وكانت تنص
على ما يلي:
إلى وزير الخارجية المحترم في الحكومة البريطانية،

سيادة الوزير المبجل

إن حكومة الريف تبذل في الوقت الحاضر كل جهودها للدفاع عن استقلالها
في الحرب الدائرة رحاها بينها وبين إسبانيا. وإن هذه الدولة الأخيرة لتمزق
في هذه الحملة حقوق الإنسان.

إني أتوجه إليك باسم الإنسانية كي تدعو إسبانيا إلى وضع حد لهذه الحرب الوحشية التي دمرت أرواحا كثيرة حتى الآن.

وأقدم إليك أني الأمير المعترف به لدولة الريف، وأني مستعد لإرسال
السفراء لمناقشة شروط الصلح بشرط ألا تسيء إلى شرف بلادي أو تؤثر في
استقلالها.

وإلا، فإن السيف هو الذي سيقرر هذه القضية، وسوف يكون النصر بين يدي الله، الذي يمنحه لمن يشاء.

محمد بن عبد الكريم

(كان الله في عونه!)

وحين يعلق وارد برايس على هذه الرسالة، فإنه يقارن بين عباراتها
الواضحة المقتضبة والأسلوب البليغ لمعظم المراسلات الشرقية، ويجد أن ذلك
من خصائص تصرفات القائد الريفي الوطني وطرائقه، هذا القائد الذي كان ذهنه
«في مظاهر عديدة حديثا تماما وجيد الاعلام».

وأخبر عبد الكريم وارد برايس أن 120000 من أصل المليون نسمة الخاضعين
لحكمه هم مقاتلون، وهو تقدير سخر منه الإسبانيون، كما تبين لبرايس فيما
بعد، قائلين إنه ليس لدى عبد الكريم سوى 40000 رجل مسلح لم يكن يتوفر منهم
في جبهة القتال في أي وقت أكثر من 3000 رجل، والحقيقة أن ذلك تقرير يلفت
النظر، إذ كانوا هم أنفسهم يتباهون بأن لديهم 60000 جندي عند الطرف الغربي
من المنطقة فقط.

أعطى وارد برايس، في المقالتين اللتين نشرتا في ديلي ميل في 24 و25
(أبريل) 1924، انطباعاته عن الريفيين، قائلا إن مقالتيه يجب أن تدمرا أحد
الأوهام الأكثر رومانطيكية عند الرأي العام البريطاني. ولقد ظل الروائيون
طوال سنوات يحصلون الثروات من وراء هذا الوهم الذي ينتشر إحساسه الزائف
عبر ما يكفي من «بكرات السينما كي يمتد من لندن إلى مراكش». وكان برايس
يقصد خديعة الشيخ، «هذا الشخص القاسي، المتهور، العاشق، العنيف الإغراء،
الأنيق اللباس، الواثق من نفسه، المتصف بالرجولة، الزائف والوهمي كليا،
الذي يختطف فتاة إنكليزية جميلة، متكبرة، ذكية، على جواد أصيل حاملا إياها
إلى خيمة تغص بالبسط الحريرية والأشربة المحلاة، ويكسب هناك حبها المرغم
بجلدها المرة تلو الأخرى بسوط ذي قبضة ذهبية مرصعة».

لقد عاش برايس طوال عشرة أيام بين شيوخ الريف الحقيقيين غير
المفسدين، هؤلاء الذين لا تستطيع حتى الكاتبة الأكثر إثارة أن تعاند في
حقيقتهم. وكان كل رجل يحمل بندقية تتدلى على كتفه وغدارة على وركه. ولقد
جلس على الأرض، يغرف الطعام بيده من نفس الوعاء مع «قائد شاب قتل بالأمس
عدوه وجاء برأسه لإطلاع زوجته عليه». ويقول برايس إنه صادف نساء جميلات في
الريف، «ولم تكن هؤلاء النساء إنكليزيات طبعا، لكنهن كن في أغلب الأحيان
يضاهين الإنكليزيات جمالا ولطفا، لأن هؤلاء البرابرة القاطنين في الريف هم
عرق أبيض وليسوا إفريقيين أصلا».

ولقد وجد برايس أن «مقام الشيخ أغنى مما قرأت في أية رواية عن
الصحراء أو شاهدت في أفضل الأفلام عن البدو. ومع ذلك فإن حب الفتاة
الإنكليزية الوحيدة لآسرها العربي الذي لوحته الشمس، والاستسلام العاطفي
الذي تنتزعه من قلبها المتكبر شخصيته القاسية الرومانطيقية ومحيطه، قد
ازداد استحالة بكل وضوح في كل لحظة».

وإنه لا يمكن إعطاء السبب في كلمة واحدة ألا وهي «البراغيث». فعلى
الرغم من عشرين سنة من المساعي الإسبانية، فقد كانت قوة واحدة تملك الريفي
بصورة فعلية، «البراغيث في كتائب لا حصر لها».

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Ex1eejGtb3

جنود إسبان أمام ثكنة عسكرية
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 38-برايس يشكو من لدغ البراغيت في منطقة الريف

مُساهمة من طرف abdelhamid الثلاثاء 18 أغسطس 2009 - 15:57

إن الحب ولدغ البراغيث لا يمكن بكل بساطة أن يتعايشا. وحين كان برايس
يضطجع ليلا يتلوى على حصيره المجدولة من القش، يدلك يائسا مسحوق الحشرات
في جميع مسام جسده، كان يسمع الشيوخ من حوله يحكون جلودهم. وكتب يقول: «لا
أعتقد رغما عن عيون النسر في وجوههم، ولحاهم السوداء المتموجة، وتصرفاتهم
الحرة على الطبيعة، أن حب أية فتاة إنجليزية يمكن أن يصمد لهذا الاختيار».
وكانت البراغيث تحيا حياة فاتنة في الريف كما علم، إذ لا حظ مرات عديدة
واحدا من رفاقه يبحث بين طيات ثوبه الكبيرة عن عدو مزعج بصورة مخصوصة فإذا
ما عثر عليه أمسكه بأصابع متمرنة «ووضعه بكل حرص دون أن يؤذيه على الأرض
فيما بيننا». كانت عاداتهم تمنعهم من قتل الحيوان دونما سبب. ولقد رأى
برايس رجلا واحدا فقط يغتسل حين كان في الريف، وكان هذا الرجل أسود اللون:
كان الماء شحيحا جدا. ولقد رأى برايس النسوة يأتين به على ظهور الحمير في
جلود مدبوغة من البرك البعيدة والمجاري الهزيلة في الهضاب.

وزار وارد برايس من جديد، في طريق عودته إلى إنجلترا، مدريد حيث
استقبله بريمودي ريفيرا ووزير خارجيته. ولدى مناقشة رسالة عبد الكريم إلى
رئيس الوزارة البريطانية التي يقترحها عبد الكريم أمر محال. « وخاطب
ريمودي ريفيرا برايس قائلا: «إن هذه الرسالة من عبد الكريم تدعو الحكومة
البريطانية إلى تحريض إسبانيا على وضع حد لذلك النزاع المسلح في الريف.
لكن الأمر يتوقف على عبد الكريم، لأنه هو الذي يقوم بالهجوم باستمرار،
ونحن نقاتل كي نرد هجماته فحسب. إننا لا نطلب أفضل من إقامة حمايتنا في
الريف بالوسائط السلمية».

وقال بريمودي ريفيرا: «إن عبد الكريم يدعي أنه «أمير الريف المعترف
به»، ثم عقب على ذلك مستوضحا: «من الذي اعترف به؟ إن الفئة المناصرة له في
الريف هي وحدها التي اعترفت به». وأكد بريمودي ريفيرا أن الاستقلال الذي
يطالب به عبد الكريم لا يملك أي وجود قانوني. لقد كان الريفيون على الدوام
رعايا اسميين لسلطان مراكش الذي أناب سلطته إلى إسبانيا، فوضعهم القانوني
إذن هو وضع العصاة وليس وضع الأمة المستقلة.

واستطرد يقول: «إن إسبانيا تنجز في الريف مهمة دولية. فقد اعترفت
الدول الكبرى بحمايتها على مراكش الشمالية. إن فكرة قيام دولة همجية صغيرة
مستقلة على الساحل الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط فكرة غير واردة. أما
بخصوص «شرف بلاده» الذي يتحدث عبد الكريم عنه، فإن شرف الشعب العربي سوف
يحترم كليا في ظل حمايتنا. إن سكان المنطقة التي نحتلها بصورة فعلية
يتمتعون بالحرية التامة فيما يتعلق بأشخاصهم أو بديانتهم على حد سواء.
إنهم يعاملون كالأوروبيين تماما، وشروط حياتهم أفضل بكثير من شروط حياة
أنصار عبد الكريم».

وصرح بريمودي ريفيرا قائلا: «إذا كان عبد الكريم يطلب الاستقلال،
فإنه يستطيع الحصول عليه تحت حمايتنا». فإذا استسلم فإن إسبانيا ستكون
مستعدة لأن تسند إليه قدرا كبيرا من السلطة المحلية، كما فعلت مع ريسولي.

كان من الواضح، كما حسب وارد بريس، أن بريمودي ريفيرا وعبد الكريم
على طرفي نقيض. كان كل منهما في ذلك الموقف الخطير الذي يوحي بأن قضية
المرء قضية عادلة. كان الإسبانيون يعتقدون أنه لهم الحق الأخلاقي المكتسب
في احتلال وإدارة أية بلاد متخلفة يستطيعون أن يضعوا أيديهم عليها من دون
أن يتعثروا في حرب أوربية.

كانوا يقفون على أسس مواثيق دولية موقعة ومختومة، وكان موقفهم يقسو
بفعل النفور الذي تحس به أمة متكبرة من الاعتراف باخفاقها في قهر خصم تافه
بالمقارنة معها. وبالمقابل، فإن عبد الكريم قد توجه إلى المقاييس الجديدة
في التفكير الأممي التي نشأت منذ نهاية الحرب العظمى، وكان يطالب في شمالي
إفريقيا بتحقيق المثل الأعلى لحق الاختيار فيما يتعلق بالولاء السياسي.
وكان أهل الريف لا يقلون كبرياء عن الإسبانيين، وكانوا لا يقلون عنفوانا
عنهم في مواطئ أقدامهم.
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 396--عبد الكريم يقول سوف نقاتل حتى الرجل الأخير ضدالنير الإسباني

مُساهمة من طرف abdelhamid الخميس 20 أغسطس 2009 - 23:29

يعيد برايس إلى الأذهان ما قاله محمد أخو عبد الكريم: «سوف نقاتل حتى الرجل الأخير
ضد النير الإسباني، تماما كما تفعل إسبانيا لو غزت دولة أخرى أراضيها».
وفي
انتهاء المقابلة مع بريمودي ريفيرا، أطلعه على الصورة الفوتوغرافية التي أخذها لعبد
الكريم، فلاحظ بريمودي ريفيرا: «من المؤكد أنه ازداد سمنة منذ كان في خدمتنا في
مليلا. لقد كان شديد النحول يومذاك».
وأخبر وارد برايس قراءه البريطانيين
والأمريكيين بأن الحرب في الريف يمكن أن تستمر طوال سنوات ـ وكانت تلك هي المرة
الأولى التي يطلع فيها القراء على حقائق صحيحة عن القائد الريفي.
أرسل عملاء
عبد الكريم في طنجة نسخا عن الصحف التي أوردت بيان بريمودي ريفيرا العلني عن خططه
الخاصة بمراكش. إن الجيش سيخلي تافرسيت وتيزي عزة في الشرق وشفشاون في الغرب في
سبتمبر 1914. إن في نية الإسبانيين أن ينسحبوا من داخل منطقتهم وأن يتجمعوا حول
تطوان ومليلا. وكانت الصحف تشير إلى أن الرأي العام في البلاد ساخط من جراء التشويش
والأخطاء المرتكبة في مراكش، فكل رغبته منصبة على أن يرى الحملة منتهية. وكان الرأي
العالمي يميل إلى مصلحة الريفيين فلم يكن البريطانيون والأمريكيون يضمرون أي حب
لإسبانيا. وكانوا مغتبطين بمصابها ساخرين من عجزها عن قهر عرق بدائي صغير. وكانت
مجلة بانش الساخرة تدافع عن الريفيين بكل قواها، هذا إذا كان هؤلاء الريفيون قد
شاهدوا أعدادها قط. وكانت رسومها تمثل الأغنية الشعبية في قالب من الهزل، فتصور
بريمودي ريفيرا يغني: «أجل ليس لدينا أي حظ اليوم».
وأفرحت الأنباء عبد الكريم
وأخاه محمدا. بأن في نية الإسبانيين أن ينسحبوا وأن يتركوا لعبد الكريم السيطرة على
الريف. ولقد كان نفوذه في الريف هائلا منذ الآن. وكان التصريح بالنوايا الإسبانية
سببا في قيادته أكثر فأكثر. ورسم عبد الكريم وأخوه خططهما.
وفي زمن زيارة برايس
في أبريل 1914، كان الريفيون يسيطرون على السلسلة الجبلية الوسطى من الريف. وفي
الشرق في أعقاب انسحاب الريفيين من مليلا، استرجع الإسبانيون الأرض حتى نهر القرط
وتقدموا ما وراءه كي يؤمنوا قريتي تيزي عزة وتافرسيت كنقاط استناد من أجل أي عمل
هجومي مقبل. وفي الغرب كانوا يسيطرون على شفشاون ومناطق غمارة والجبالا حيث التزم
ريسولي بالهدوء لمدة من الزمن. كانت خطوط الإسبانيين إذن، كما كانت حالها عام 1921،
متمادية بصورة خطيرة، وكانوا يسيطرون على الأرض بفضل سلسلة من المواقع المنعزلة
والمبعثرة، المكشوفة حتى درجة بعيدة من جراء افتقارها إلى الماء وحاجتها إلى
التموين المتواصل وكان عدد كبير من هذه المواقع عرضة للهجوم المستمر من جانب الرماة
الريفيين. وكانت القبائل في الغرب، التي تقطن مناطق غمارة والجبالا، ريفية بصورة
جزئية فحسب، وكان لابد لعبد الكريم، كي يكسب هذه المناطق، أن يكسب قبلا تعاون رجال
القبائل معه.
وكان هؤلاء القبليون الجباليون، كما يمكن تسميتهم بصورة مناسبة،
«سريعي الهيجان سلسي القياد» على حد تعبير «د.ب» هارليس، ويمكن أن يتبنوا أية قضية
جديدة وينضووا تحت لواء أي زعيم جديد أو يتخلوا عن كليهما بسهولة محيرة إذا ما طاب
ذلك لهم. ولقد دعموا ريسولي بكل حمية ذات يوم، وهؤلاء هم يتبنون اليوم عبد الكريم
بما لا يقل عن ذلك حماسا.
وكان ريسولي قد حكم هؤلاء الرجال القبليين سنوات
عديدة، تحت السيادة الإسبانية بصورة تزيد أو تنقص. ولقد قطف ثمارا من كل حركة في
اللعب، وهو يلعب دور المتعاون تارة، ودور الثائر تارة أخرى. وفي عام 1924 كانت السن
قد تقدمت به وكانت همته رديئة جدا، فقد كان يشكو داء الجبن، وكان لابد من حمله
حيثما أراد الذهاب.


محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 XcEeoJa9ak

جندي إسباني يقصف الريفيين بالقنابل
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 40-د الكريم يرحب بالقائد الشاب «هريرو»

مُساهمة من طرف abdelhamid الخميس 20 أغسطس 2009 - 23:39

كان على استعداد دائما للقضاء على الضعيف وتأييد القوي، فقد رحب بصعود بريمودي
ريفيرا إلى السلطة في رسالة سمجة، إذ أبرق إلى مدريد يعبر عن «إخلاصه» وصداقته،
ورغبته الصادقة في مساعدة الأمة النبيلة، واعدا بالمحافظة إلى الأبد على السلام
وسلطة إسبانيا وحكومتها، وجيشها الظافر في القسم الخاص به من مراكش، وبدعم سمعة
الحماية في هذه الأيام العصيبة».
وحققت تمنيات ريسولي النتيجة المرغوبة، إذ إن
المدفوعات التي كان يقدمها الإسبانيون إليه والتي كانت متأخرة منذ بعض الوقت، قد
استؤنفت من جديد. وسعى ريسولي كذلك إلى الاستفادة من الخلاف المؤقت في السلطة في
تطوان في أعقاب قيام النظام الجديد، فأرسل قوة غزو إلى ناحية وادي لو، وكانت بإمرة
قائد شاب يدعى أحمد من الغنيمة، فما كان من هريرو الحانق إلا أن هرب إلى الريف.

ورحب عبد الكريم بالقائد الشاب، فقد يحتاج إليه من أجل استنهاض القبائل الغربية
ضد الإسبانيين وضد ريسولي. ولقد كان هريرو، كما وصفه عبد الكريم بالذات «حسن
المنظر، سريع البديهة، ذكيا، شجاعا، جنديا وقائدا». وأعطاه سلاحا ومالا وأرسله إلى
الجبال كي ينظم المقاومة، فريسولي سيفتقر إلى كل تأييد حين ينسحب الإسبان. ولم يكن
لريسولي أي نفع لدى عبد الكريم، فهو خائن، ومتسلط شرير، يجمع بين أسوأ صفات الزعيم
المراكشي، وهو مسؤول عن النجاحات التي حققها الإسبان في الغرب. ويقول عبد الكريم في
مذكراته: «كان ريسولي أنانيا، جشعا لصا لا يهمه إلا شخصه وحده». ولقد عرض عبد
الكريم بإحجام، عام 1921، على ريسولي قيادة المغرب ضد الحكم الإسباني، فرد عليه
ريسولي بالإهانات، وقد جعل منه النصر الذي حققه الريفيون في أنوال حليفا مطلقا
لإسبانيا أخيرا.
وسعى الإسبانيون إلى مساعدة مراكشي بارز آخر ضد عبد الكريم.
فقد عينوا عبد المالك، رغما عن احتجاجات الفرنسيين الذين اتهموه بالخيانة، قائدا
لقوة من الجنود المولدين وأرسلوه إلى مليلا. وخطط مالك للتخلص من عبد الكريم ودعاه
إلى مؤتمر، فذهب عبد الكريم إلى الاجتماع بحماية جماعة من الرجال المسلحين، إذ إنه
ارتاب بأن ثمة خديعة وغدرا. ووجد مالكا يحيط به بعض أصدقائه. وأصغى مالك إلى عرض
عبد الكريم بتسليمه قيادة في الريف ولم يقل شيئا ردا عليه. وحين انتهى عبد الكريم
من كلامه خرج مالك من المكان في صمت. ويعتقد عبد الكريم أن مالكا قد اغتاله
الإسبانيون أنفسهم ولم يقتل في المعركة مع الريفيين كما زعموا. ويصف عبد الكريم في
مذكراته مالكا على اعتباره خائنا، ويتهمه بأنه حرض الإسبانيين على سجنه في مليلا
عام 1925.
وحاول الإسبانيون في ذلك الحين أن يغتالوا عبد الكريم وأرسلوا إلى
الريف عميلا مسلحا ببندقية وقنبلة يدوية ورزمة من السم. وأخبر الرجل عبد الكريم
بمهمته، فجرب السم في كلب نفق في الحال، فكافأ الرجل.
ولما قدر عبد الكريم أن
الحرب تتطور على جبهتين، خارج مليلا وفي منطقة شفشاون- تطوان، ولما أدرك أن
الانسحاب الإسباني سيوفر الفرصة من أجل توجيه ضربة قاضية، فقد أعاد تنظيم جيشه. لن
يسمح الريفيون للإسبانيين بأن ينسحبوا بسلام، بل يجب أن يلقنوا درسا أخيرا، درسا
يؤمن إلى الأبد استقلال الريف. ولم يكن عبد الكريم يطلب ثأرا، وكان مستعدا للقبول
باحتفاظ الإسبانيين مليلا وسبتة. وحين ينسحبون إلى أماكن إقامتهم القديمة، فإنه على
استعداد لأن يصبح صديقا لهم.
احتفظ عبد الكريم بالقيادة العامة لنفسه، وعين
أخاه قائدا للجبهة الغربية، مع هريرو مساعدا له. كان محمد الخطابي في الثانية
والثلاثين، وقد برهن على أنه إداري كفؤ وقائد ممتاز. ولقد كان من المحتم أن يحتجب
محمد في ظل أخيه الأعظم شهرة، ولعله كان يفتقر، كما يقول هو نفسه إلى رؤيا عبد
الكريم وإقدامه. ومهما يكن من شيء، فإن تعاونه القلبي وإخلاصه التام كانا عاملا
عظيم الأهمية في النجاحات الريفية.


محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 ErwMWYDgX6

جنود إسبان وصلوا إلى مليلية استعدادا للحرب
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 41-عبد الكريم يرسم الخطة المفصلة لضرب الانسحاب الإسباني من شفشاون

مُساهمة من طرف abdelhamid الجمعة 21 أغسطس 2009 - 12:02

جاء في خاطري حين تحدثت إلى محمد الخطابي عام 1964 أنه يمكن أن يكون «رئيسا للأركان» مثاليا؛ فقد كان هادئ الطبع؛ عميق التفكير، وأظهر في مناقشاتنا اهتماما مدهشا بشأن التفاصيل الدقيقة. ولقد فهمت من بعض الأشياء التي رواها لي عن الحملة التي قادها شخصيا أنه كان يحاول على الدوام أن يقدر بصورة مسبقة عواقب أعماله. ولقد رسم خطة مفصلة من أجل ضرب الانسحاب الإسباني من شفشاون، ومن المؤكد أن الإسبانيين أسهموا في تحقيق الكارثة التي حلت بهم، وقد أحال محمد الانسحاب إلى هزيمة شنعاء.
وقد عين عبد الكريم قائدا لجبهة مليلا زعيما شابا من عشامان يدعى يعقوبي، وهو شاب برز في معارك وادي أقرموس. وقد أوضح عبد الكريم ليعقوبي أن مهمته هي أن يندفع جنوبا من سيدي إدريس على الساحل إلى تيزي عزة، بينما يندفع حدو أمازون، وهو قائد من بني ورياغل، شمالا من أكنول. فإن الحركتين عندما تتلاقيان على جناحي الإسبانيين، ستقطعان مواصلاتهم مع مليلا، وتجبرانهم على التقهقر من تيزي عزة وتافرسيت. وكان ذلك تحركا يتطلب تنسيقا كبيرا، وقد أشرف عليه عبد الكريم شخصيا بواسطة هاتف الميدان من مقر قيادته في أية قمرة، على بعد ثلاثة عشر ميلا جنوبي أجدير، وأرسل عبد الكريم هرما قياديا آخر بأن ربط بنفسه شابا آخر من بني ورياغل، محمد شيدي، عينه قائدا عاما في الشرق والجنوب الشرقي. وأصدر عبد الكريم تعيينين آخرين. إذ شكل كتيبة منفصلة وضعها تحت قيادة محمد برنوسي، وهورجل متوسط العمر يتحلى بكفاءة ميكانيكية عظيمة، وقد اكتسب خبرة كبيرة في المدفعية في جيش السلطان، كما عين القائد بحوت، وهو ضابط فذ من التابعين الإسبانيين، انظم إلى الريفيين، ضابطا مسؤولا عما يمكن أن نسميه «المخابرات المضادة»، وحين قرر بحوت الانضمام إلى الريفيين كان على رأس فصيل احتياطي من الجنود الإسبان، وقد قادهم القهقرى إلى خطوطهم قبل أن يلتحق بالعدو. ولما كان بمقدوره الاطلاع على الأساليب الاسبانية، فقد خدم هؤلاء الرجال عبد الكريم بكل كفاءة، وكان لهم سهم كبير في الانتصارات الكبرى التي حققها عام 1924.
ولقد حقق عبد الكريم هذا التنظيم المرموق بمساعدة أهل الريف وحلفائهم فقط.
وكان دور جندي الفرقة الأجنبية الألماني السابق، جوزيف كليمس، مقتصرا على رسم الخرائط والتصوير. أما الأشياء الباقية جميعا، فقد أنجزها الريفيون بمهاراتهم الخاصة وحدها. لقد تعلموا سريعا كيف يستعملون ويشغلون المدافع والرشاشات المعقدة، والشاحنات الثلاث، وهاتف الميدان الذي ابتاعه عبد الكريم في الجزائر.
وكانت الطائرة وحدها تتجاوز إمكانياتهم. وإذا كان عبد الكريم قد فكر في خلق قوة جوية، فإني أعتقد أن غرضه المباشر كان أقل طموحا من ذلك. لقد قاسى الريفيون كثيرا من القصف الجوي الإسباني لقراهم، فالمئات من النساء والأطفال قد اختنقوا، واحترقوا، أو لفحوا، بقنابل الغاز السام التي ألقتها الطائرات الإسبانية. ولقد أضعف سلاح الإرهاب معنويات أهل الريف، ولعل عبد الكريم عقد العزم على تقوية هذه المعنويات بشراء القوة الجوية التي كان الكثيرون من رجال القبائل يعتقدون، كما يقول البروفسور كون، أن في مقدورها أن تحلق فوق مليلا، بل تجتاز البحر إلى إسبانيا وتنسف مدريد: «بحيث يعرفون ما تشعر به النساء في الأسواق حين تسقط القنابل وهي تصفر». وقال أحد رجال القبائل محدثا كون: «إذا كان في قدرتنا أن نذبح المسيحيين بأسلحتهم الخاصة، فإننا لن نصادف إذن متاعب كبيرة معهم».
وكائنة ما كانت آمال عبد الكريم في الجو، فقد كان يملك حاليا أسلحة أفضل بكثير مما كان في حوزته عام 1921. إن الفدية التي دفعت لقاء الأسرى الإسبانيين مكنته من شراء البنادق والذخيرة والرشاشات وقطع من المدفعية من الفرنسيين الذين لم يشعروا قط بأي وخز ضمير وهم يجهزون أهل الريف في حربهم ضد الحليف الإسباني.
محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 714211image
جنود إسبان أمام ثكنة عسكرية
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 Empty 42-عبد الكريم كان يعرف مسبقا الخطط الإسبانية الخاصة بالانسحاب

مُساهمة من طرف abdelhamid الجمعة 21 أغسطس 2009 - 23:04

ما كان في وسع الفرنسيين أن يقاوموا فرصة الكسب على حساب الإسبانيين الذين كانوا السباقين إلى السخرية من إخفاقهم في مراكش. وكانت هذه الأسلحة الفرنسية أشد فعالية حتى درجة بعيدة من تلك الأسلحة التي استولى أهل الريف عليها من الإسبانيين أنفسهم. وكانت تضم بنادق من طراز شنيدر، ورشاشات هوتشكيس، والمدفع الفرنسي الشهير من عيار 75 مم. ولقد ابتاع عبد الكريم، فضلا عن هذه الأسلحة الفرنسية، كميات قليلة من الأسلحة من المهربين الدوليين الذين كانوا يجلبون بضاعتهم إلى الساحل الريفي على متن مراكب تجارية ويخوت شراعية
وإن أحد هؤلاء الانتهازيين، النقيب الإنكليزي غاردنر، قد جلب أسلحة ألمانية من هامبورغ في يخته سيلفيا. ويقول الإداري الفرنسي غبرييلي، الذي سنسمع من أخباره في وقت لاحق، أن غاردنر جلب 16000 بندقية من طراز ليبل من هامبورغ وأنزلها إلى الساحل عام 1924 في مكان ما إلى الغرب من خليج الحسيمة. وبالمقابل فإن أقرباء عبد الكريم يقولون إنه لم يتم تهريب أكثر من 400 بندقية. ويبدو أن غاردنر حسب أنه يتعامل مع شعب بدائي جدا، إذ عرض أن يبيع عبد الكريم آلة لإصدار الأوراق المصرفية لقاء كل ما يملكه الريفيون من نقود حقيقية.
كان الجيش الريفي عام 1924 قوة مجهزة بصورة جيدة، شديدة الفاعلية ومنظمة بحيث تخوض حرب المغاوير، وهو التكتيك المجرب الذي أصر عبد الكريم على وجوب الاستمرار فيه. لقد أصدر أوامره بأن على الريفيين أن يستغلوا ميزتهم المخصوصة، ألا وهي قدرتهم على الحركة، ومهارتهم في الرماية، وإمكانيتهم الكبيرة في التخفي التي كانت أراضيهم الجبلية مناسبة لها على أفضل وجه. وأخبر قادته قائلا إنه يجب أن يعاملوا كل جندي ريفي على اعتباره فردا، وأن يوضحوا لجنودهم حقيقة الأمر القائم، وأن يطلعوهم على الوضع على حقيقته، بحيث يفهم الرجال جميعا الاستراتيجية العامة للمعركة. إن القادة يستطيعون بهذه الطريقة أن يحصلوا على أقصى ما يمكن تحصيله من رجالهم الذين لا يبرح الإسبانيون يتفوقون عليهم في العدد كما ذكر عبد الكريم لضباطه. ولقد أكد عبد الكريم أن كل جندي ريفي هو ند لستة إسبانيين، ورفض أية فكرة بشأن التنظيم في كتائب منفصلة، باستثناء ارتداء عمامات مختلفة الألوان لتمييز المشاة الذين يضعون عمامة حمراء، ورجال المدفعية الذين يضعون عمامة سوداء، وحرسه الخاص على الذين يضعون عمامة زرقاء مخضرة. وكان كل جندي يرتدي جلابيته البنية المألوفة المحاكة في بيته، ويحمل طعامه الخاص وذخيرته. ومهما يكن من أمر، فقد قرر عبد الكريم اتخاذ راية ريفية، وهي علم أحمر قان طرزت عليه نجمة بيضاء وهلال أخضر. وكان هذا العلم يخفق فوق مقر قيادته الخاصة وقيادة أخيه. وكان يقول إن خفقان الأعلام في المعركة هو عادة قديمة بليت، وهي تخلق إحساسا خطيرا بالبطولات الشخصية.
ولما كان عبد الكريم عارفا بصورة مسبقة بالخطط الإسبانية الخاصة بالانسحاب، فقد ركز كل اهتمامه على الجبهة الشرقية أولا، تاركا لمحمد أمر الاستعدادات من أجل مضايقة الإسبانيين في الغرب. كانت الجبهة الشرقية أقرب إلى داخل البلاد، وكان الاحتلال الإسباني لتافرسيت وتيزي عزة يطرح تهديدا أعظم من احتلال المنطقة الغربية حيث كانت القوات الإسبانية في وضع سيء، وفي مارس 1924، ضرب الريفيون في إفران وتيزي عزة وتافرسيت وميدار.
ويقول البروفسور كون في «لحم الثور المتوحش» إن الهجوم على تافرسيت تم بقيادة القائد الذي ينتسب إلى بني تادموت، بقيش، وهو الرجل الذي سماه هارت بغيش، ونسبه إلى قبيلة كسييايا.
وسدد بقيش ضربته إلى المدينة قبل الشروق، يقود صفا من الرجال الزاحفين الذين كانت ألوان ثيابهم تمتزج بالصخور التي يختفون بينها، وتقدم الريفيون، وكل واحد منهم يفكر في الجنة التي سيكسبها إذا هو قتل في المعركة ضد الكفار.
محمد بن عبدالكريم الخطابي امير الريف - صفحة 2 4x7a75l2mQ
جنود إسبان يقتحمون قرية ريفية
abdelhamid
abdelhamid
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 2 من اصل 2 الصفحة السابقة  1, 2

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى