رثاء النفس في خسارة عظمى قد نفهم ما رميت إليه، ولو متأخرين : محمد الفوسيوي
صفحة 1 من اصل 1
رثاء النفس في خسارة عظمى قد نفهم ما رميت إليه، ولو متأخرين : محمد الفوسيوي
العلامة والمثقف المغربي العضوي، المفكر والمنظِّر والمؤسِّس الكبير، الموسوعة الواسعة، المناضل الوطني التحرري والديمقراطي والاشتراكي الأصيل... محمد عابد الجابري غادر «دار الفناء» فجر الاثنين 03 ماي 2010. لكن هل فعلا؟.. هل يموت العِظَامُ؟ بل هل مات يوماً العِظَام، أو بالأحرى مَرَّةً في التاريخ، وحتى ما قبل التاريخ؟.. قد يكون قلبه توقَّف... وقد يكون جسده هو الذي استراح حنيناً الى أصله أو بحثاً عن معدنه الأول، التحاماً بالتراب: التراب الذي كانه ووفَّى إلى ما يرمز إليه من بساطة وتواضع وعطاء مستمر، وذلك على امتداد أكثر من 75 سنة، وهي عمره بالتقويم الأرضي. بينما ماذا عن التقويم الآخر... تقويم الروح والفكرة المتوهِّجة بالأنوار أبداً، وتقويم النفس الأمارة دوماً إلا بالخير والفضيلة والبحث عن إسعاد الناس، كل الناس؟ إن الروح في التجربة الجابرية والفكرة فيها هي كل شيء، قولا وفعلا وسلوكاً، تنظيراً وإبداعاً وتأليفاً، حية تُرزق هناك وهنا حيث البحث المتواصل عن رأس الخيط السالك الى النهضة والتقدم واسترجاع الأمة لإشعاعها الحضاري، إلى استرجاع تقاليدها في صيانة السادة والبناء والعلم والعدالة والرقي، وإلى التطلع لحضارة إنسانية بلا طغيان واستغلال وعنف وظلم وظلام. هذه الروح، وهذه العقلانية حياة مستمرة متواصلة، في الكتب والمؤلفات والمصنَّفات والمجلدات والموسوعات والمقالات والمحاضرات والمعاجم، في التراث السياسي والعلمي، وفي التجربة الإنسانية الثرية والكبيرة، مؤسِّساً وقائداً وزارعاً للأفكار والأنوار، صحفياً ومُنظِّراً ومهندساً للطريق وللرؤية الواضحة، أستاذاً للجميع ومعلِّماً للأجيال كباراً وصغاراً، أجيالا حالية ومقبلة أيضاً. فهل أخطأنا هذه الطريق؟.. وأصبحت «رؤيتنا» غامضة مغمَّضة إلى هذا الحد؟.. لم تكن يوماً «عدمياً »ولا «شعبوياً»، ولا قصير النظر أو إرادوياً، بل نفس طويل، حتى تقبل منا هذا السؤال!.. بقيت تقول دائماً، هي مرحلة ضرورية، يتعالق فيها الموضوعي بالذاتي، وتتفاعل في أحشائها ومتناقضاتها عناصر العامل الخارجي والداخلي، وأن الكلمة الأخيرة تبقى دائماً وأبداً، طال الزمان أم قصر، ضَعُفَت النفوس أو بعضها، ظرفياً إن جُلا أو جزءاً، تبقى دائماً وأبداً للشعوب وللعقلانية والعدالة ولحضارة الأنوار المستدامة والحقيقية. لقد تركتنا في حقيقة الأمر بين أيدي أمينة وفي قلب النور والضياء... بين يدي فكر يشع عقلانية وتطلعاً للمستقبل، وإلى السمو الوطني والإنساني واستعادة المغرب لزمام أموره وإشعاعه الحضاري. فهل توقظ فينا غضبة جسدك، عودته الى التراب وإلى استراحته الأبدية، يقظة العقل والضمير، في استئناف الطريق وتجديد الرؤية الواضحة، والقبض على الثابت والمتحول في «المشروع»، ترسيخاً للأول واستعادة للنظر في الثاني... أعطيتَ كل شيء، أعز ما يُطلب في الدنيا والآخرة معاً، أعطيتنا أعظم الأشياء وأجلها، أعطيت ما عجزتْ عنه جماعات ومؤسسات وهيئات. أعطيتَ وأبقيتَ، وما أخذت شيئاً... وهل هناك ما يستحق الأخذ من «دار الفناء»؟... بل هل ذُكِرَ أحدٌ أو سيذكر بغير ما زرع وما غرس؟ زرعك وغرسك وضَّاءٌ وغزير، ولاَّدٌ وخلاَّق، مثمر وكل بذرة فيه متجددة وحبلى بالعطاء والأنوار، وبضياء العقلانية والتطلع إلى نور العدالة المستدامة والعابرة للأجيال.. زمام أموره واستعادة إشعاعه الحضاري... ولأنه أيضاً مشروعه الواضح نحو الرقي والازدهار، بالاعتماد على الذات، إبداعاً وابتكاراً وخلقا لفوائض القيمة المستدامة. فهلاَّ بدأنا؟ هل فعلا مات عابد الجابري؟.. هل يموت العظماء..؟ بل هل يموت الكبار، بل هل مات منهم واحداً يوماً ، في التاريخ وحتى منذ ما قبل التاريخ؟ وداعاً إذن، في المجاز لا في الحقيقة... ونقول ما قاله الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، باكياً كالصُّوفي الصادق فجيعة اغتيال عمر بنجلون: يا زمن... خُذْ كل تيجان الأرض، وأعِدْ لَنَا.... | ||
-الاتحاد الاشتراكي8/5/2010 |
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى