سقوط جدار برلين/الوحدة الالمانية..
صفحة 1 من اصل 1
سقوط جدار برلين/الوحدة الالمانية..
سبعة عشر عاما على توحيد ألمانيا
برلين: محمد مسعاد
في الثامن من ماي من سنة 1945 أعلن رسميا عن تحرير ألمانيا من النازية،
فبوصول القوات السوفياتية إلى برلين من جهة الشرق والقوات الأمريكية من
جهة الغرب أحكمت القبضة على النازية التي وجدت نفسها مضطرة لاعلان
انهزامها• ليدخل العالم فترة جديدة بدأت بتقسيم ألمانيا المنهزمة و أوروبا
إلى شطرين واحد شرقي خاصع للاتحاد السوفياتي والآخر غربي تابع للولايات
المتحدة الأمريكية• ومنذ ذلك التاريخ والعالم يعرف ما سمي في التاريخ
السياسي بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغرب• ولقد توج هذا الصراع
بين الطرفين ببناء جدار وسط برلين التي وجدت نفسها منشطرة هي الأخرى بين
نفوذ المعسكرين، وكان زعماء الأحزاب الشيوعية فيما كان يسمى قد اجتمعوا في
موسكو في بداية شهر غشت عام 1961 وقرروا إغلاق الحدود بين شطري ألمانيا،
وهو ما تم بالفعل في الثاني عشر من الشهر نفسه، حيث أصدر رئيس ألمانيا
الشرقية آنذاك، فالتر أولبريشت أوامره بإغلاق الحدود مع غرب ألمانيا
والبدء ببناء الجدار•الذي مثل فيما بعد حدا فاصلا، ليس بين شطري ألمانيا
فحسب، بل وبين المعسكرين، وقد قسم الجدار العاصمة الألمانية برلين إلى
جزأين شرقي وغربي• وتم بناؤه من ألواح أسمنتية بطول 155 كيلومتراً ومتوسط
ارتفاع بلغ 3.60 مترا وشمل أبراجاً للمراقبة• امتدت حياة الجدار لما يقرب
من 30 عاما، إلى أن سقط في 9 من نوفمبر عام 1989 قبيل إعادة توحدي شطري
ألمانيا• واتخذ الألمان من هذا اليوم ذكرى لتخليد هذا الحدث، إذ تؤكد
الجمعية التي يطلق عليها الثالث عشر من غشت أن ضحايا تقسيم الألمانيتين
منذ بداية الاحتلال السوفيتي للطرف الشرقي من ألمانيا عام 1945 وحتى
انهيار جدار برلين في 9 نوفمبر 1989 وصل إلى 1245 شخصا• وقالت الكسندرا
هايلدبراندت مسؤولة الجمعية إن 768 من بين هؤلاء الضحايا لقوا حتفهم بعد
إنشاء جدار برلين، مشيرة إلى أن 40 منهم كانوا من الأطفال واليافعين بينما
بلغ عدد الضحايا من النساء 70 امرأة، وأضافت مسؤولة الجمعية قائلة إن هذا
العدد مع الأسف ليس نهائيا• ومن ناحيته صرح أحد مسؤولي مركز بحوث التاريخ
المعاصر في مدينة بوتسدام القريبة من برلين إنه حوالي 133 شخصا قضوا ضحايا
لنظام ألمانيا الشرقية في الفترة مابين 1961 و 1989، مشيرا إلى أن من بين
هؤلاء أطفال تقل أعمارهم عن 16 عام• ويعتبر يوم التاسع من نوفمبر بمثابة
نقطة تحول في التاريخ الالماني الحديث• ففي هذا اليوم أقدم الالمان على
على هدم جدار برلين الذي كان أكبر شاهد على الصراع بين الشرق بقيادة
المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي الرأسمالي
بزعامة الولايات المتحدة• ولم يمض على انهيار ذلك الشاهد التاريخي إلا أحد
عشر شهرا حتى استعادت ألمانيا وحدتها لتسدل بذلك الستار عن آخر فصل من
فصول الحرب الباردة، تلك الحرب التي تركت آثارها على السياسة الخارجية
الألمانية طيلة العقود الخمس الماضية• ولقد أعلن يوم ثالث أكتوبر سنة 1990
عن توحيد ألمانيا ومنذ ذلك التاريخ وألمانيا تحتفل بتوحيد شطريها الشرقي
والغربي• ولعب المستشار الألماني السابق هلموت كول دورا بارزا في ذالك، إذ
ركز كل جهوده بعد توحيد الألمانيتين على العمل من أجل تحقيق مشروع الوحدة
الأوروبية• وقد أدرك بحنكته السياسية أنها الطريق الوحيد لتجنب حرب أوربية
جديدة• وجاء تأكيده على أن ألمانيا الموحدة جزء من أوروبا الموحدة رداً
على المخاوف التي خلفتها الحرب العالمية الثانية عند جيرانها• ومن هذا
المنطلق شكّل تحسين صورة ألمانيا في الخارج و بناء جسور تعاون مع الدول
المجاورة وخاصة مع فرنسا محور اهتمامه• وهكذا أكمل مع فرانسوا ميتران
المشوار الذي بدأه من قبلهما كونراد أديناور و شارل ديغول• و الجدير
بالذكر أن تعاونهما وضع حجر الأساس للاتحاد الأوروبي، وشكلت إزالة آثار
الحرب نقطة البداية لهذا الاتحاد• وقد تم ذلك من خلال عدد كبير من
المشاريع الثنائية والجماعية• ومن بينها على سبيل المثال مشروع تبادل
الشباب بغية تأهيلهم، ومشروع قوات التدخل السريع الأوروبية ومشروع العملة
الأوروبية المشتركة يورو• وما فتئ يعتبر الاتحاد الأوروبي أن سقوط جدار
برلين في عام 1989 وليس القضاء على ألمانيا النازية هو الذي يمثل النهاية
الحقيقية للدكتاتورية في أوروبا• جرت العادة في تاسع نوفمبر من كل عام أن
تقوم لجنة خاصة بتقديم تقرير سنوي للبرلمان الألماني عن سير وتطور عملية
الوحدة بكافة ابعادها• كما جرت العادة في مثل هذا اليوم أيضا أن يترك
العنان لشخصيات من الولايات الشرقية لكي تتحدث عن تجربتها وعن تصورها
لتطور عملية الوحدة• وفي هذا السياق يقول آرنولد فاتز، السياسي الشرقي من
الحزب المسيحي الديمقراطي:ان هذا الحدث هو بحق أحد أهم الأحداث التي صبغت
تاريخنا الحديث• وبالطبع نحن مدينون بالشكر والعرفان لجهات كثيرة وليس إلى
المواطنين الألمان الشرقيين فحسب• ومن ضمن هذه الجهات أشار فاتز إلى
الرئيس السابق للاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف والى التحركات الشعبية
في بولندا والمجر وغيرها إضافة إلى تضامن ومساندة الألمان الغربيين• وأشار
فاتز إلى التطور الهائل الذي تعيشه الولايات الشرقية بقولهتتمتع مدننا
الآن بوضع اقتصادي مريح، لدينا أنهار نظيفة وهواء نقي، كما أضحينا نملك
شبكة متطورة من الطرق• كل هذا ما كان ليتحقق دون مساعدة ودعم المواطنين في
الشطر الغربي• كلام الألماني الشرقي سابقا فاتز لم يأت من فراغ، فهو يعرف
بالفعل ما تحقق من تطور على صعيد إعادة بناء الشطر الشرقي، حتى أن مدنا أو
أجزاء منها تطورت بشكل واضح على نظيراتها في الشطر الغربي• فالزائر لمدينة
برلين مثلا يجد فرقا بين شرق وغرب المدينة التي كانت على مدى 40 عاما على
خط المواجهة في الحرب الباردة• ففيما تظهر معالم جديدة تخطف الأنظار في
الجزء الشرقي من العاصمة الألمانية، تبدو مناطق كثيرة في الغرب والتي كانت
يوما نموذجا تفتخر به الرأسمالية كئيبة ومهدمة• والضربة الأحدث لغرب
المدينة، كما يسميها السكان المحليون، جاءت افتتاح برلين أكبر محطة
للقطارات في أوروبا في منطقة قريبة من الأرض العازلة بين شطري المدينة
التي كان مقاما عليها سور برلين• وحرم الانجاز محطة حديقة الحيوان في
برلين التي كانت محطة محورية في غرب المدينة من قطارات المسافات البعيدة
التي تمر بها الآن في طريقها للمحطة الجديدة المتألقة التي تبعد أربعة
كيلومترات• يشار إلى ان في السابق كان يمر عبر محطة حديقة الحيوانات 120
ألفا من ركاب قطارات الضواحي يوميا• والآن تبدو المحطة هادئة على نحو
مخيف• وتعليقا على ذلك قال كلاوس دييتر جروهلر، نائب رئيس حي شارلوتنبرج
فيلمرسدورف الغربيلم يعد السياح يأتون الى هنا مما يزيد من معاناة المطاعم
والفنادق في المنطقة• وتابع جروهلر قائلا:انها ضربة أخرى• نريد أن نتأكد
من أن تحسين ظروف الشرق لن يؤدي الى تدمير الغرب• لم تكن محطة القطارات
وحدها التي تأثرت• فمقاطع طويلة من شارع كورفورستندام الذي كان من أرقى
شوارع برلين الغربية عندما كانت تحتلها قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية
بعد الحرب العالمية الثانية تبدو الان مهملة وتنتشر متاجر السلع الرخيصة
ولافتات كتب عليها عبارة للايجار على امتداد المقاهي والمتاجر• ومنذ اعادة
توحيد شطري ألمانيا في عام 1990 شهدت دار الاوبرا الحديثة في برلين
الغربية أوقاتا عصيبة، فيما كافحت ضد منافسة ضارية من دور الاوبرا
المنافسة في شرق برلين• وأغلقت بالفعل مسارح ودور عرض أخرى• ويتعارض تراجع
غرب المدينة بشكل صارخ مع ما يحدث في قلب المدينة التاريخي في شرقها
السابق وهي منطقة كانت أشبه بموقع بناء خلال 15 عاما مضت، حيث تدفقت عليها
مليارات اليورو من الأموال الاتحادية وأموال الولاية والأموال الخاصة•
وشيدت معالم معمارية من بينها محطة القطارات المكونة من خمسة طوابق من
الزجاج والصلب وسينما مستقبلية ومجمع تجاري في ساحة بوتسدام (بوتسدامر
بلاتز) التي كانت أرضا خرابا قبل الوحدة• ويهجر السياح وسط غرب المدينة
ويتوجهون شرقا حيث مبنى البرلمان الذي جرى تجديده بقبته الزجاجية التي
صممها المعماري البريطاني نورمان فوستر وبوابة براندنبرج التي جرى تجديدها
حديثا• ويرغب المهنيون الشبان في العيش في أحياء ميتي وبرينتسلاور بيرج
التي تفتخر بمنازلها التي جرى تجديدها وحياة الليل الصاخبة• بعد سبعة عشر
عاما تعترف حكومة برلين التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الاشتراكي
والحزب الشيوعي السابق بأن غرب المدينة يحتاج الى خطة للاستثمار• من كان
يتوقع ذلك في 09 نوفمبر 1989 • ولن يفاجأ أحد ان طغت دريسدن وليبتزغ في
تطورها وثراءها على مدن غربية مثل كولونيا وهامبورغ• ينقب الكثير من زوار
برلين لرؤية ما تبقى من الجدار ويندهشون من قلة ما يعثرون عليه• تساؤلات
الزوار دفعت السياسيين إلى الاهتمام الجدي بتاريخ الحائط وبمحاولات
توثيقه، وذلك كما ترى جابريلا كامهاوزن المسؤولة في اتحادجدار برلين• ففي
فترة التسعينات قل اهتمام الساسة بالجدار وتداعياته على التاريخ الألماني،
وحلت فترة زمنية ساد فيها النفور من الانشغال بهذا الفصل الدامي من فصول
التاريخ الألماني• وابتعد الجميع عن أي شيء يعكر صفو الفرحة بالوحدة، لذلك
لم يتبقَ من الجدار سوى أجزاء قليلة في برلين، ما عدا ذلك يجد الزائر
علامات في الطريق تشير إلى المكان الذي كان يوجد فيه الجدار سابقا• لكن
ذكرى الجدار لا توجد في الأحجار التي تبقت منه، وإنما في القصص والمصائر
التي ارتبطت به، وهي ذكرى لا تهم الزائر فحسب، بل تهم أبناء المدينة أيضا
من صغار السن الذين لم يشهدوا الجدار ولم يعايشوه• السيدة كامهاوزن تقول
كلما مرت الأعوام كلما ظهرت أسئلة جديدة• الجيل الجديد يثير أسئلة لم تخطر
على عقولنا قبل ذلك• لذلك على الأرجح قررت بلدية مدينة برلين مؤخرا توسيع
وتحديث النصب التذكاري للجدار في شارع بيرناور بمنطقة فيدنج، بعد 46 عاما
من بناء الجدار و18 عاما على سقوطه•
2007/4/10
الاتحاد الاشتراكي
برلين: محمد مسعاد
في الثامن من ماي من سنة 1945 أعلن رسميا عن تحرير ألمانيا من النازية،
فبوصول القوات السوفياتية إلى برلين من جهة الشرق والقوات الأمريكية من
جهة الغرب أحكمت القبضة على النازية التي وجدت نفسها مضطرة لاعلان
انهزامها• ليدخل العالم فترة جديدة بدأت بتقسيم ألمانيا المنهزمة و أوروبا
إلى شطرين واحد شرقي خاصع للاتحاد السوفياتي والآخر غربي تابع للولايات
المتحدة الأمريكية• ومنذ ذلك التاريخ والعالم يعرف ما سمي في التاريخ
السياسي بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغرب• ولقد توج هذا الصراع
بين الطرفين ببناء جدار وسط برلين التي وجدت نفسها منشطرة هي الأخرى بين
نفوذ المعسكرين، وكان زعماء الأحزاب الشيوعية فيما كان يسمى قد اجتمعوا في
موسكو في بداية شهر غشت عام 1961 وقرروا إغلاق الحدود بين شطري ألمانيا،
وهو ما تم بالفعل في الثاني عشر من الشهر نفسه، حيث أصدر رئيس ألمانيا
الشرقية آنذاك، فالتر أولبريشت أوامره بإغلاق الحدود مع غرب ألمانيا
والبدء ببناء الجدار•الذي مثل فيما بعد حدا فاصلا، ليس بين شطري ألمانيا
فحسب، بل وبين المعسكرين، وقد قسم الجدار العاصمة الألمانية برلين إلى
جزأين شرقي وغربي• وتم بناؤه من ألواح أسمنتية بطول 155 كيلومتراً ومتوسط
ارتفاع بلغ 3.60 مترا وشمل أبراجاً للمراقبة• امتدت حياة الجدار لما يقرب
من 30 عاما، إلى أن سقط في 9 من نوفمبر عام 1989 قبيل إعادة توحدي شطري
ألمانيا• واتخذ الألمان من هذا اليوم ذكرى لتخليد هذا الحدث، إذ تؤكد
الجمعية التي يطلق عليها الثالث عشر من غشت أن ضحايا تقسيم الألمانيتين
منذ بداية الاحتلال السوفيتي للطرف الشرقي من ألمانيا عام 1945 وحتى
انهيار جدار برلين في 9 نوفمبر 1989 وصل إلى 1245 شخصا• وقالت الكسندرا
هايلدبراندت مسؤولة الجمعية إن 768 من بين هؤلاء الضحايا لقوا حتفهم بعد
إنشاء جدار برلين، مشيرة إلى أن 40 منهم كانوا من الأطفال واليافعين بينما
بلغ عدد الضحايا من النساء 70 امرأة، وأضافت مسؤولة الجمعية قائلة إن هذا
العدد مع الأسف ليس نهائيا• ومن ناحيته صرح أحد مسؤولي مركز بحوث التاريخ
المعاصر في مدينة بوتسدام القريبة من برلين إنه حوالي 133 شخصا قضوا ضحايا
لنظام ألمانيا الشرقية في الفترة مابين 1961 و 1989، مشيرا إلى أن من بين
هؤلاء أطفال تقل أعمارهم عن 16 عام• ويعتبر يوم التاسع من نوفمبر بمثابة
نقطة تحول في التاريخ الالماني الحديث• ففي هذا اليوم أقدم الالمان على
على هدم جدار برلين الذي كان أكبر شاهد على الصراع بين الشرق بقيادة
المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي الرأسمالي
بزعامة الولايات المتحدة• ولم يمض على انهيار ذلك الشاهد التاريخي إلا أحد
عشر شهرا حتى استعادت ألمانيا وحدتها لتسدل بذلك الستار عن آخر فصل من
فصول الحرب الباردة، تلك الحرب التي تركت آثارها على السياسة الخارجية
الألمانية طيلة العقود الخمس الماضية• ولقد أعلن يوم ثالث أكتوبر سنة 1990
عن توحيد ألمانيا ومنذ ذلك التاريخ وألمانيا تحتفل بتوحيد شطريها الشرقي
والغربي• ولعب المستشار الألماني السابق هلموت كول دورا بارزا في ذالك، إذ
ركز كل جهوده بعد توحيد الألمانيتين على العمل من أجل تحقيق مشروع الوحدة
الأوروبية• وقد أدرك بحنكته السياسية أنها الطريق الوحيد لتجنب حرب أوربية
جديدة• وجاء تأكيده على أن ألمانيا الموحدة جزء من أوروبا الموحدة رداً
على المخاوف التي خلفتها الحرب العالمية الثانية عند جيرانها• ومن هذا
المنطلق شكّل تحسين صورة ألمانيا في الخارج و بناء جسور تعاون مع الدول
المجاورة وخاصة مع فرنسا محور اهتمامه• وهكذا أكمل مع فرانسوا ميتران
المشوار الذي بدأه من قبلهما كونراد أديناور و شارل ديغول• و الجدير
بالذكر أن تعاونهما وضع حجر الأساس للاتحاد الأوروبي، وشكلت إزالة آثار
الحرب نقطة البداية لهذا الاتحاد• وقد تم ذلك من خلال عدد كبير من
المشاريع الثنائية والجماعية• ومن بينها على سبيل المثال مشروع تبادل
الشباب بغية تأهيلهم، ومشروع قوات التدخل السريع الأوروبية ومشروع العملة
الأوروبية المشتركة يورو• وما فتئ يعتبر الاتحاد الأوروبي أن سقوط جدار
برلين في عام 1989 وليس القضاء على ألمانيا النازية هو الذي يمثل النهاية
الحقيقية للدكتاتورية في أوروبا• جرت العادة في تاسع نوفمبر من كل عام أن
تقوم لجنة خاصة بتقديم تقرير سنوي للبرلمان الألماني عن سير وتطور عملية
الوحدة بكافة ابعادها• كما جرت العادة في مثل هذا اليوم أيضا أن يترك
العنان لشخصيات من الولايات الشرقية لكي تتحدث عن تجربتها وعن تصورها
لتطور عملية الوحدة• وفي هذا السياق يقول آرنولد فاتز، السياسي الشرقي من
الحزب المسيحي الديمقراطي:ان هذا الحدث هو بحق أحد أهم الأحداث التي صبغت
تاريخنا الحديث• وبالطبع نحن مدينون بالشكر والعرفان لجهات كثيرة وليس إلى
المواطنين الألمان الشرقيين فحسب• ومن ضمن هذه الجهات أشار فاتز إلى
الرئيس السابق للاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف والى التحركات الشعبية
في بولندا والمجر وغيرها إضافة إلى تضامن ومساندة الألمان الغربيين• وأشار
فاتز إلى التطور الهائل الذي تعيشه الولايات الشرقية بقولهتتمتع مدننا
الآن بوضع اقتصادي مريح، لدينا أنهار نظيفة وهواء نقي، كما أضحينا نملك
شبكة متطورة من الطرق• كل هذا ما كان ليتحقق دون مساعدة ودعم المواطنين في
الشطر الغربي• كلام الألماني الشرقي سابقا فاتز لم يأت من فراغ، فهو يعرف
بالفعل ما تحقق من تطور على صعيد إعادة بناء الشطر الشرقي، حتى أن مدنا أو
أجزاء منها تطورت بشكل واضح على نظيراتها في الشطر الغربي• فالزائر لمدينة
برلين مثلا يجد فرقا بين شرق وغرب المدينة التي كانت على مدى 40 عاما على
خط المواجهة في الحرب الباردة• ففيما تظهر معالم جديدة تخطف الأنظار في
الجزء الشرقي من العاصمة الألمانية، تبدو مناطق كثيرة في الغرب والتي كانت
يوما نموذجا تفتخر به الرأسمالية كئيبة ومهدمة• والضربة الأحدث لغرب
المدينة، كما يسميها السكان المحليون، جاءت افتتاح برلين أكبر محطة
للقطارات في أوروبا في منطقة قريبة من الأرض العازلة بين شطري المدينة
التي كان مقاما عليها سور برلين• وحرم الانجاز محطة حديقة الحيوان في
برلين التي كانت محطة محورية في غرب المدينة من قطارات المسافات البعيدة
التي تمر بها الآن في طريقها للمحطة الجديدة المتألقة التي تبعد أربعة
كيلومترات• يشار إلى ان في السابق كان يمر عبر محطة حديقة الحيوانات 120
ألفا من ركاب قطارات الضواحي يوميا• والآن تبدو المحطة هادئة على نحو
مخيف• وتعليقا على ذلك قال كلاوس دييتر جروهلر، نائب رئيس حي شارلوتنبرج
فيلمرسدورف الغربيلم يعد السياح يأتون الى هنا مما يزيد من معاناة المطاعم
والفنادق في المنطقة• وتابع جروهلر قائلا:انها ضربة أخرى• نريد أن نتأكد
من أن تحسين ظروف الشرق لن يؤدي الى تدمير الغرب• لم تكن محطة القطارات
وحدها التي تأثرت• فمقاطع طويلة من شارع كورفورستندام الذي كان من أرقى
شوارع برلين الغربية عندما كانت تحتلها قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية
بعد الحرب العالمية الثانية تبدو الان مهملة وتنتشر متاجر السلع الرخيصة
ولافتات كتب عليها عبارة للايجار على امتداد المقاهي والمتاجر• ومنذ اعادة
توحيد شطري ألمانيا في عام 1990 شهدت دار الاوبرا الحديثة في برلين
الغربية أوقاتا عصيبة، فيما كافحت ضد منافسة ضارية من دور الاوبرا
المنافسة في شرق برلين• وأغلقت بالفعل مسارح ودور عرض أخرى• ويتعارض تراجع
غرب المدينة بشكل صارخ مع ما يحدث في قلب المدينة التاريخي في شرقها
السابق وهي منطقة كانت أشبه بموقع بناء خلال 15 عاما مضت، حيث تدفقت عليها
مليارات اليورو من الأموال الاتحادية وأموال الولاية والأموال الخاصة•
وشيدت معالم معمارية من بينها محطة القطارات المكونة من خمسة طوابق من
الزجاج والصلب وسينما مستقبلية ومجمع تجاري في ساحة بوتسدام (بوتسدامر
بلاتز) التي كانت أرضا خرابا قبل الوحدة• ويهجر السياح وسط غرب المدينة
ويتوجهون شرقا حيث مبنى البرلمان الذي جرى تجديده بقبته الزجاجية التي
صممها المعماري البريطاني نورمان فوستر وبوابة براندنبرج التي جرى تجديدها
حديثا• ويرغب المهنيون الشبان في العيش في أحياء ميتي وبرينتسلاور بيرج
التي تفتخر بمنازلها التي جرى تجديدها وحياة الليل الصاخبة• بعد سبعة عشر
عاما تعترف حكومة برلين التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الاشتراكي
والحزب الشيوعي السابق بأن غرب المدينة يحتاج الى خطة للاستثمار• من كان
يتوقع ذلك في 09 نوفمبر 1989 • ولن يفاجأ أحد ان طغت دريسدن وليبتزغ في
تطورها وثراءها على مدن غربية مثل كولونيا وهامبورغ• ينقب الكثير من زوار
برلين لرؤية ما تبقى من الجدار ويندهشون من قلة ما يعثرون عليه• تساؤلات
الزوار دفعت السياسيين إلى الاهتمام الجدي بتاريخ الحائط وبمحاولات
توثيقه، وذلك كما ترى جابريلا كامهاوزن المسؤولة في اتحادجدار برلين• ففي
فترة التسعينات قل اهتمام الساسة بالجدار وتداعياته على التاريخ الألماني،
وحلت فترة زمنية ساد فيها النفور من الانشغال بهذا الفصل الدامي من فصول
التاريخ الألماني• وابتعد الجميع عن أي شيء يعكر صفو الفرحة بالوحدة، لذلك
لم يتبقَ من الجدار سوى أجزاء قليلة في برلين، ما عدا ذلك يجد الزائر
علامات في الطريق تشير إلى المكان الذي كان يوجد فيه الجدار سابقا• لكن
ذكرى الجدار لا توجد في الأحجار التي تبقت منه، وإنما في القصص والمصائر
التي ارتبطت به، وهي ذكرى لا تهم الزائر فحسب، بل تهم أبناء المدينة أيضا
من صغار السن الذين لم يشهدوا الجدار ولم يعايشوه• السيدة كامهاوزن تقول
كلما مرت الأعوام كلما ظهرت أسئلة جديدة• الجيل الجديد يثير أسئلة لم تخطر
على عقولنا قبل ذلك• لذلك على الأرجح قررت بلدية مدينة برلين مؤخرا توسيع
وتحديث النصب التذكاري للجدار في شارع بيرناور بمنطقة فيدنج، بعد 46 عاما
من بناء الجدار و18 عاما على سقوطه•
2007/4/10
الاتحاد الاشتراكي
المخلوطي- عدد الرسائل : 376
العمر : 59
Localisation : Salé
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى