مطاع ثم أمين

يقول الله تعالي في محكم تنزيله واصفاً أمين الوحي جبريل عليه السلام: "مطاع ثم أمين" التكوير 21"
أي مطاع في الملأ الأعلي أمين أي: ذو أمانة عظيمة. فهو أمين وحي اللهتعالي وموصله بأمانة وصدق إلي أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام من غيرتغيير وتحريف.
فقد كان السفير بين الله وبين أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلامالذي ينزل عليهم بالوحي فيه الأخبار الصادقة والشرائع العادلة. وقد نقلالإمام ابن قيم الجوزية عن بعض السلف أن منزلته من ربه منزله الحاجب منالملك.
وعلي علو مقام الأمين جبريل عليه السلام كان يقول بدور الياوروالمرافق للنبي صلي الله عليه وسلم في رحلة المعراج رحلة التجليات الإلهيةوالفيوضات الربانية. فجبريل عليه السلام سيد الملائكة وأفضلهم فحسب. بينماسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم سيد مخلوقات الله أجمعين وأفضلهم عليالإطلاق.
ومقام سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لا يدانيه مقام عند الله تعالي. لأنه صاحب المقام المحمود والدرجة العالية الرفيعة.
وعند أهل الكتاب يسمي جبريل عليه السلام بالناموس لأنه أمين الله تعالي علي أسراره الموحاة الي أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام.
وفي حديث المبعث أن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وصفت أمر النبيصلي الله عليه وسلم لورقة بن نوفل وهو ابن عمها - وكان علي اطلاع ومعرفةيعلم أهل الكتاب - فقال: إن كان ما تقولين حقاً فإنه ليأتيه الناموس الذيكان يأتي موسي عليه السلام. وفي رواية إنه ليأتيه الناموس الأكبر.
يقول صاحب معجم لسان العرب: الناموس: صاحب سر الملك أو الرجل الذييطلعه علي سره وباطن أمره ويخصه بما يستره عن غيره. وقيل الناموس صاحب سرالخير. والجاسوس صاحب سر الشر.
وصاحب معجم لسان العرب هو الأديب الإمام اللغوي الحجة القاضي جمالالدين أبو الفضل. محمد بن مكرم بن علي بن أحمد الانصاري الرويفعي الإفريقيالمصري. المعروف بابن منظور.
وقد ولد بمصر سنة "630" هجرية. ويعد من أهم وأشهر أعماله وأكبرها.والذي طير اسمه في الآفاق كتابه: لسان العرب الذي جمع فيه أمهات كتب اللغةوهي:
** تهذيب اللغة للأزهري "282 - 370" هجرية
** المحكم لابن سيده "398 - 458" هجرية
** الصحاح للجوهري "332 - 400" هجرية
** حواشي ابن بري "499 - 582" هجرية
** النهاية في غريب الحديث لعز الدين ابن الأثير "555 - 630" هجرية.
وفي منهجه في معجمه نهج ابن منظور نهج الإمام الجوهري في الصحاح. وذلكباعتماد الترتيب الهجائي للحروف. بانياً أبوابه علي الحرف الأخيرة منالكلمة. وأول ابوابه ما ينتهي بالهمزة.
وصاحب "الصحاح" الإمام اللغوي أبو نصر الجوهري. إسماعيل بن حماد أولمن حاول الطيران ومات في سبيله بعد الموسوعي عباس بن فرناس "194 - 274"هجرية. الذي كان عالماً موسوعياً علي قدر كبير من العلم في الفيزياءوالكيمياء والطب والصيدلة والرياضيات وعلم الفلك. وقد قام بمحاولتينللطيران الأولي فشلت ولكنه نجا منها والثانية نجحت ولكنه لم يكن موفقاًبالهبوط بسبب سرعة الطيران مما أدي الي حدوث إصابات بالغة في جسده. ولكنهلم يمت من تلك المحاولة. أصله من فاراب - تقع حالياً ضمن أراضي جمهوريةقازاخستان - دخل العراق صغيراً. وسافر الي الحجاز طلباً للعلم فطافالبادية. وعاد الي خراسان. ثم أقام في نيسابور. وضع جناحين من خشب وربطهمابحبل. وصعد الي سطح مسجد البلدة ونادي في الناس. لقد صنعت ما لم أسبق إليهوسأطير الساعة. فازدحم أهل نيسابور ينظرون اليه. فتأبط الجناحين ونهض بهمافخانه اختراعه. فسقط الي الأرض قتيلاً.
كان من أئمة اللغة والنحو المشهورين. وأحد أعاجيب الزمان ذكاء وفطنةوعلماً وقد اشتهر أيضا بخطه البديع الذي يذكر عادة مع خط ابن مقلة "278 -338" هجرية.
والصحاح واسمه بالكامل: "تاج اللغة وصحاح العربية" وسماه كذلك لأنهأودعه ما صح عنده من اللغة وتعني الصحة لديه. التزام الصواب في النقل.وتحري الضبط في التدوين.
وجاء من بعده ابن منظور بعد حوالي ثلاثة قرون ليضع لسان العرب علي نسقه. حيث كانت وفاة ابن منظور سنة "711" هجرية.
وبمعاودة الحديث عن ورقة بن نوفل وما قاله غالبية المؤرخين إنه كانعلي الملة النصرانية نحن نري أن ورقة بن نوفل كان يتبع الملة الحنيفية ولميكن نصرانياً كما يزعمون. ونحن نقول: إن كان علي ملة أهل الكتاب فهو الياليهودية أقرب فقد قال لأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها : إن كانما تقولين حقاً فإنه ليأتيه الناموس الذي كان يأتي موسي عليه السلام. فلوكان علي دين النصرانية لكان الأجدر به أن يقول: إن كان ما تقولين حقاًفإنه ليأتيه الناموس الذي كان يأتي عيسي عليه السلام بل كان علي الملةالحنيفية. وهو أول من آمن بالرسالة المحمدية قبل البعثة النبوية. ولكنه لايسمي صحابياً لأنه لم تثبت له صحبة لرسول الله صلي الله عليه وسلم بعدبعثته حيث مات في تلك الأثناء بينما كان خليفة رسول الله صلي الله عليهوسلم الصديق أبو بكر رضي الله عنه أول من آمن بالرسالة المحمدية بعدالبعثة النبوية والله أعلم.
ويؤيد ما ذهبنا اليه الباحث الدكتور عويد بن عياد المطرفي. ولديبقرية الواضح بوادي الصفراء من أعمال المدينة المنورة - "توفي بمكةالمكرمة سنة 2008" في كتابه "ورقة بن نوفل في بطنان الجنة" وهو صادر عنرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
كما أورد الطيالسي في مسنده وهو أبو داود سليمان بن داود ابن الجارونالطيالسي "133 - 204" هجرية. وأبو داود الطيالسي غير أبي داود سليمان بنالأشعث السجستاني صاحب السنن "202 - 275" هجرية.
أن ورقة بن نوفل خرج يوماً يلتمس الدين ومعه زيد بن عمرو ابن نفيلحتي انتهيا الي راهب بالموصل فسألهما من أين أتيا وماذا يريدان فقال زيد:من بيت إبراهيم أتينا نلتمس الدين. فقال الراهب لزيد: ارجع فإنه يوشك أنيظهر الذي تطلب في أرضك.
وذكر ابن قيم الجوزية في زاد المعاد.. وأسلم القس ورقة ابن نوفل.وتمني أن يكون جذعاً - صغير السن - إذ يخرج أهل قريش رسول الله صلي اللهعليه وسلم من مكة.
وفي سنن الإمام الترمذي أن رسول الله صلي الله عليم وسلم رآه في هيئة حسنة.
وفي مسند الإمام أبي يعلي وهو: أحمد بن علي بن المثني الموصلي "210 -307" هجرية أنه لما سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ورقة قال: أبصرتهفي بطنان الجنة عليه سندس.
وفي مصنف الإمام ابن أبي شيبة وهو: عبدالله بن محمد بن إبراهيم بنعثمان الكوفي "159 - 235" هجرية أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:رأيت القس في الجنة عليه ثياب خضر.
وكلمة "قس" التي وردت في وصف ورقة بن نوفل لا تعني أنه نصراني لأن"قس" بفتح القاف وكسرها كما في معاجم اللغة تعني: تتبع الشئ وطلبه. والجمعقسس أي: العقلاء والله أعلم.

فؤاد الدقس - كاتب سوري