ياك غير الملح
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ياك غير الملح
بما أن الدولة والحكومة فشلتا في التقليص من نسبالفقر والأمية والتضخم وعجز الميزان التجاري، فإننا نتمنى أن تفكرا معا فيتقليص نسبة استهلاك المغاربة لملح الطعام.
ربما تبدو هذه الدعوى للبعض سخيفة أو مثيرة للسخرية، لكنني أستطيع أن أؤكد لكم أن حياة الملايين من المغاربة تتوقف على هذا التحدي.
إن الخطر الحقيقي الذي يستنزف جيوب وأعمار المغاربة اليوم هو الإفراط في استهلاك ملح الطعام.
فالملح الذي نأكله يوميا يتحمل مسؤولية مباشرة في وصول أعداد المصابينبأمراض ارتفاع الضغط الدموي إلى حوالي ثلاثين في المائة من المغاربة.بمعنى أن عشرة ملايين مغربي مصابون بارتفاع الضغط الدموي ومهددون بالإصابةبأمراض القلب والشرايين.
ولهذا السبب بالضبط، فالسبب الأول للوفاة في المغرب ليس هو السيدا التيتقام من أجلها التظاهرات و«التيليطون» لجمع الأموال، ولا حتى حوادث السيرالتي تقوم حول مدونتها كل هذه القيامة، وإنما هو أمراض القلب والشرايينالتي يتسبب فيها الإفراط في استهلاك الملح.
ورغم أن منظمة الصحة العالمية حددت نسبة استهلاك الملح في خمسة غرامات فياليوم، فإن وزارة الصحة المغربية ليست لديها أدنى فكرة عن نسب الملحالمرتفعة التي تستعملها شركات إنتاج المواد الغذائية الاستهلاكية، والتيتتجاوز نسبة خمسة غرامات التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية.
وفي السابق، كان استهلاك المغاربة للصوديوم، المسؤول عن رفع ضغط الدم، فيالملح لا يتعدى 2 غرامات، أما اليوم فنسبة استهلاكه تتجاوز 10 غرامات، أيخمس مرات أكثر من المسموح به.
وبالنسبة إلى المغاربة الذين يكتشفون إصابتهم بمرض ارتفاع ضغط الدمويتبعون حمية غذائية خالية من الملح، فإن الأغلبية الساحقة من هؤلاءالمرضى يكتشفون أن حالتهم تزداد سوءا رغم توقفهم عن استعمال ملح الطعام فيوجباتهم. والسر وراء تفاقم مرضهم هو أن 75 في المائة من الطعام الذييستهلكونه معد بمواد استهلاكية تحتوي على نسب عالية من الملح. بمعنى أنالملح الذي يوفرونه على شراينهم والموجود في 25 في المائة من الأكلالطبيعي الذي يعدونه في بيوتهم، يسترجعون أضعافه في 75 في المائة منالمواد الغذائية التي يشترونها من الأسواق. «اللي حرثو الجمل دكو».
إن التفسير الحقيقي للإحصائيات المخيفة التي نقرؤها كل يوم حول عشرةملايين مغربي مصاب بالضغط الدموي وأمراض القلب والشرايين، وحول ملايينالمصابين بأمراض الكلى والجهاز الهضمي والسمنة والضعف الجنسي المرتبطبارتفاع الضغط وغيرها من الأمراض العضوية والنفسية المزمنة والقاتلة، يوجدداخل علبة الملح الذي لا يخلو منه بيت مغربي.
فثقافتنا الغذائية مبنية على «التملاح»، وليس هناك طبق يخلو من الملح.والمصيبة أن الملح الذي يستهلكه المغاربة يحتوي على نسبة عالية منالصوديوم الذي يعتبره الأطباء بمثابة المسدس كاتم الصوت الذي يغتال القلوبغدرا. وهي المادة القاتلة التي يفرض الاتحاد الأوربي ووزارة الصحةالأمريكية على صانعي المواد الغذائية احترام نسبها بدقة تحت طائلة سحب تلكالمواد من السوق. وبالفعل، فقد أدى التحكم في نسبة الصوديوم في ملح الطعامإلى خفض نسبة الإصابة بالضغط الدموي المؤدي إلى الإصابة بأمراض القلبوالشرايين. وبالتالي انخفضت كلفة العلاج ووفرت حكومات هذه الدول ميزانياتكانت تصرفها فيما قبل بسبب الإفراط في تناول الملح.
عندنا في المغرب، ليس هناك للأسف وعي بخطورة هذه المادة على الصحة العامةولا على الموازنة العامة. ولذلك فمنتجو المواد الغذائية المعلبة والمعدةللاستهلاك، يأخذون راحتهم في «تملاح» منتوجاتهم الاستهلاكية. والثمن فيالأخير يؤديه المستهلكون الذين يهلكونهم وينتهي الملايين منهم مصابينبالضغط الدموي وأمراض القلب وتصلب الشرايين والذبحة الصدرية. وبما أنالصحة في المغرب قطاع عمومي، فإن ثمن هذا الإفراط في استهلاك الملح تؤديهخزينة الدولة التي تتحمل مصاريف الإنفاق على المستشفيات العمومية. هذا،طبعا، دون أن نتحدث عن التأثير السيئ للإفراط في تناول الملح على السلوكاليومي للمغاربة في البيت وأماكن العمل والأماكن العمومية، وخصوصا علىالطرقات. فمن خلال استعمال المغاربة للطريق، نكتشف المرض المزمن الذينعاني منه جميعا بدرجات متفاوتة، هذا المرض هو الضغط. وطبيعي أن تصابالمجتمعات بالضغط، لكن عندنا في المغرب وصل الضغط إلى مستوى الجرعةالقاتلة. والدليل أن نرى كيف يستميت كل سائق سيارة في تجاوز السائق الذييوجد أمامه أو بجانبه، وكيف يستطيع أن يسترخص في ذلك حياته أحيانا، دونالحديث عن حياة الآخرين طبعا، لكي يقف في الأخير أمام الضوء الأحمر. هذاإذا توقف عنده أصلا.
وإذا أراد الواحد منا أن يدرك الحد الذي وصلت إليه أعصاب المغاربة، فيكفيأن يأخذ سيارته وينزل إلى الشارع لكي يقيس بنفسه درجة حرارة هذا الجسدالمغربي المريض بنقص حاد للهدوء.
واستعمال الطريق يكشف أيضا عن الوجه العدواني للمواطن المشبعة شرايينهبالصوديوم. فبمجرد ما تتوقف سيارة أحدهم بسبب عطب أو لمجرد أنه تاه وحاولالتوقف للسؤال عن عنوان يقصده، تنهال عليه أبواق السيارات بالزعيق، وتتسربإلى أذنيه شتائم وكلمات ساقطة، أحيانا من مواطنين بربطات عنق وبذلات مكويةبعناية من أولئك الذين قال فيهم الله تعالى: «وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهموإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة».
وكم من مشادة كلامية بدأت بشتائم يطلقها أحد السائقين نحو سائق آخر فتتطور بخروج أحدهما من سيارته وتنتهي بخروجهما «الطريق» معا.
ولعل أكبر المصابين بالضغط هم سائقو سيارات الأجرة، وأنا أتحدى أي واحدمنكم أن يشتغل سائق طاكسي ليوم واحد في الدار البيضاء دون أن ينهي يومهمصابا بانهيار عصبي.
ورحلة بسيطة عبر سيارة أجرة تكشف لك عن القدرة الفائقة للمغربي علىالاستخفاف بغيره من السائقين والمشاة واحتقارهم. فكل سائق يعتبر نفسهالوحيد الذي يفهم في الطريق وفنون السياقة، وكل الآخرين مجرد رعاة أجلافباعوا عجلا أو اثنين واشتروا جواز مرور ومعه سيارة ونزلوا إلى الطرقاتليسيروا فيها كما يسير الفلاح في الحرث وراء محراثه الخشبي.
أما عندما تكون سائقة السيارة امرأة، فهنا تظهر بجلاء مكانة المرأةالحقيقية في لاوعي الرجل المغربي. فهي، أولا، سبب الازدحام الذي تعرفهحركة السير، وسبب الحوادث التي تقع في الطرقات، مع أن الإحصائيات تدل علىأن النساء هن الأقل عرضة لحوادث السير. وهناك نوع من المغاربة بمجرد ماتقع أبصاره على امرأة وراء مقود سيارة حتى يذهب خياله المريض إلى أنهاحصلت عليها بطريقة غير شريفة. ويستنتج بسهولة بالغة أن السيارات في المغربأصبحت تسوقها النساء فقط، بينما الرجال لا يجدون حتى دراجة هوائيةيسوقونها. مع أن الإحصائيات تؤكد، مرة أخرى، أن النساء مستعملات الطريقلسن سوى أقلية صغيرة مقارنة بالرجال. وهذا السلوك يعكس العداء الخفي بينالرجل المغربي والمرأة المغربية والحروب الطاحنة التي تدور في الخفاء بينالحدود الإقليمية لكل واحد منهما، والتي لم يزدها دخول مدونة الأسرة حيزالتطبيق إلا اشتعالا. فقد فهمت طبقة من الرجال أن المدونة ليست سوى اقتصاصمن مياههم الإقليمية لصالح المرأة، وانتصار لها ضد الرجل.
وتفسير كل هذه السلوكيات المنحرفة، بصرف النظر عن تدني مستوى التربية، هوارتفاع الضغط الدموي الناتج عن الاستهلاك المفرط للملح. فعندما يرتفعالضغط، يبدأ الإنسان في البحث عن أي شيء لكي يخلق حوله مشكلة لكي يصرفضغطه المحتقن. والضحايا المحببون لتصريف الضغط يكونون غالبا هم المرأة أوالأولاد أو الجيران.
وهذه القيم والسلوكيات والعقد، التي نطورها يوميا بسبب الضغط، تنعكس علىالصورة التي نعطيها كشعب للسياح والزوار الأجانب الذين يأتون إلى المغرب.وبقدر ما كنا نعطي عن أنفسنا في السابق صورة ذلك الشعب الودود المضيافوالمتسامح، أصبح الآخر يرى فينا شعبا عصبيا وعدوانيا سريع الاشتعال.فأصبحت شوارع المدن التاريخية ساحات للقتال بواسطة السيوف والخناجر وشفراتالحلاقة بين العصابات المتناحرة بسبب لفافة تبغ أو عود ثقاب. وأصبحت طرقاتالمملكة حلبات ملاكمة بين السائقين المتعاركين بسبب من له الأسبقية فيالمرور أولا. وهذا، طبعا، ستكون له نتائج كارثية على مستقبل السياحةالمغربية، لأن السائح عندما يختار المجيء إلى بلد معين فلكي ينعم بالأمانوالأمن، لا لكي يتفرج على معارك داحس والغبراء أينما ذهب.
أدخل أول صيدلية في حيك واسأل صاحبها عن الدواء الذي يطلبه المغاربةبكثرة، سيقول لك إن الجميع يطلب أدوية للجهاز العصبي والمهدئات والضغطالدموي. ولو أردنا أن نكون صريحين حول نسبة إصابة المغاربة بالضغط لقلناإن تسعين في المائة من المغاربة مصابون به.
لذلك نرى هذا الإقبال المرضي على الانتحار بشتى الوسائل، على الطرقات بسببالتهور في السياقة، وفي الأسواق بسبب التفاهات، وداخل الأسر بسبب غيابالرحمة والمودة، وأمام أبواب المستشفيات بسبب غياب العناية، وداخل الباراتالتي يشرب فيها المغاربة من الكحول 131 مليون لتر سنويا لكي ينسوا الضغطالاجتماعي والمهني، إلى الحد الذي أصبحت معه الروح في المغرب أرخص من بصلة.
الحل الوحيد للخروج من هذه الدوامة بسيط وغير مكلف.
يجب أن تضع وزارة الصحة برنامجا إجباريا لخفض نسبة الصوديوم في ملح الطعامالذي تستعمله شركات المنتجات الغذائية بالمغرب. وكل طعام لا يحترم النسبةالمقررة ينبغي أن يتم سحبه من الأسواق ومعاقبة الشركة التي تنتجه. كما يجبعلى الإعلام العمومي أن يخوض حملة إعلامية دائمة لشرح مخاطر الإفراط فيتناول الملح على القلب والشرايين والكلى والنشاط الجنسي، وأيضا لتوعيةالأمهات وربات البيوت بضرورة القطع مع عادة «غير حفن ولوح» التي تعودنعليها في مطابخهن.
وإذا استطاعت الدولة والحكومة أن تتحكما في نسبة استهلاك الملح المسببللضغط، فإنها حتما ستستطيع التحكم في نسبة حوادث السير ووتيرة النزاعاتالعنيفة والجرائم والارتفاع المهول في قضايا الطلاق والإقبال الكارثي علىاستهلاك الكحول والمخدرات وجميع الوسائل التي يلجأ إليها المغاربة«المفقوصين» للتخفيف من ضغطهم.
«جربو، ما خسرتو والو. ياك غير الملح».
رشيد نينيالمساء
ربما تبدو هذه الدعوى للبعض سخيفة أو مثيرة للسخرية، لكنني أستطيع أن أؤكد لكم أن حياة الملايين من المغاربة تتوقف على هذا التحدي.
إن الخطر الحقيقي الذي يستنزف جيوب وأعمار المغاربة اليوم هو الإفراط في استهلاك ملح الطعام.
فالملح الذي نأكله يوميا يتحمل مسؤولية مباشرة في وصول أعداد المصابينبأمراض ارتفاع الضغط الدموي إلى حوالي ثلاثين في المائة من المغاربة.بمعنى أن عشرة ملايين مغربي مصابون بارتفاع الضغط الدموي ومهددون بالإصابةبأمراض القلب والشرايين.
ولهذا السبب بالضبط، فالسبب الأول للوفاة في المغرب ليس هو السيدا التيتقام من أجلها التظاهرات و«التيليطون» لجمع الأموال، ولا حتى حوادث السيرالتي تقوم حول مدونتها كل هذه القيامة، وإنما هو أمراض القلب والشرايينالتي يتسبب فيها الإفراط في استهلاك الملح.
ورغم أن منظمة الصحة العالمية حددت نسبة استهلاك الملح في خمسة غرامات فياليوم، فإن وزارة الصحة المغربية ليست لديها أدنى فكرة عن نسب الملحالمرتفعة التي تستعملها شركات إنتاج المواد الغذائية الاستهلاكية، والتيتتجاوز نسبة خمسة غرامات التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية.
وفي السابق، كان استهلاك المغاربة للصوديوم، المسؤول عن رفع ضغط الدم، فيالملح لا يتعدى 2 غرامات، أما اليوم فنسبة استهلاكه تتجاوز 10 غرامات، أيخمس مرات أكثر من المسموح به.
وبالنسبة إلى المغاربة الذين يكتشفون إصابتهم بمرض ارتفاع ضغط الدمويتبعون حمية غذائية خالية من الملح، فإن الأغلبية الساحقة من هؤلاءالمرضى يكتشفون أن حالتهم تزداد سوءا رغم توقفهم عن استعمال ملح الطعام فيوجباتهم. والسر وراء تفاقم مرضهم هو أن 75 في المائة من الطعام الذييستهلكونه معد بمواد استهلاكية تحتوي على نسب عالية من الملح. بمعنى أنالملح الذي يوفرونه على شراينهم والموجود في 25 في المائة من الأكلالطبيعي الذي يعدونه في بيوتهم، يسترجعون أضعافه في 75 في المائة منالمواد الغذائية التي يشترونها من الأسواق. «اللي حرثو الجمل دكو».
إن التفسير الحقيقي للإحصائيات المخيفة التي نقرؤها كل يوم حول عشرةملايين مغربي مصاب بالضغط الدموي وأمراض القلب والشرايين، وحول ملايينالمصابين بأمراض الكلى والجهاز الهضمي والسمنة والضعف الجنسي المرتبطبارتفاع الضغط وغيرها من الأمراض العضوية والنفسية المزمنة والقاتلة، يوجدداخل علبة الملح الذي لا يخلو منه بيت مغربي.
فثقافتنا الغذائية مبنية على «التملاح»، وليس هناك طبق يخلو من الملح.والمصيبة أن الملح الذي يستهلكه المغاربة يحتوي على نسبة عالية منالصوديوم الذي يعتبره الأطباء بمثابة المسدس كاتم الصوت الذي يغتال القلوبغدرا. وهي المادة القاتلة التي يفرض الاتحاد الأوربي ووزارة الصحةالأمريكية على صانعي المواد الغذائية احترام نسبها بدقة تحت طائلة سحب تلكالمواد من السوق. وبالفعل، فقد أدى التحكم في نسبة الصوديوم في ملح الطعامإلى خفض نسبة الإصابة بالضغط الدموي المؤدي إلى الإصابة بأمراض القلبوالشرايين. وبالتالي انخفضت كلفة العلاج ووفرت حكومات هذه الدول ميزانياتكانت تصرفها فيما قبل بسبب الإفراط في تناول الملح.
عندنا في المغرب، ليس هناك للأسف وعي بخطورة هذه المادة على الصحة العامةولا على الموازنة العامة. ولذلك فمنتجو المواد الغذائية المعلبة والمعدةللاستهلاك، يأخذون راحتهم في «تملاح» منتوجاتهم الاستهلاكية. والثمن فيالأخير يؤديه المستهلكون الذين يهلكونهم وينتهي الملايين منهم مصابينبالضغط الدموي وأمراض القلب وتصلب الشرايين والذبحة الصدرية. وبما أنالصحة في المغرب قطاع عمومي، فإن ثمن هذا الإفراط في استهلاك الملح تؤديهخزينة الدولة التي تتحمل مصاريف الإنفاق على المستشفيات العمومية. هذا،طبعا، دون أن نتحدث عن التأثير السيئ للإفراط في تناول الملح على السلوكاليومي للمغاربة في البيت وأماكن العمل والأماكن العمومية، وخصوصا علىالطرقات. فمن خلال استعمال المغاربة للطريق، نكتشف المرض المزمن الذينعاني منه جميعا بدرجات متفاوتة، هذا المرض هو الضغط. وطبيعي أن تصابالمجتمعات بالضغط، لكن عندنا في المغرب وصل الضغط إلى مستوى الجرعةالقاتلة. والدليل أن نرى كيف يستميت كل سائق سيارة في تجاوز السائق الذييوجد أمامه أو بجانبه، وكيف يستطيع أن يسترخص في ذلك حياته أحيانا، دونالحديث عن حياة الآخرين طبعا، لكي يقف في الأخير أمام الضوء الأحمر. هذاإذا توقف عنده أصلا.
وإذا أراد الواحد منا أن يدرك الحد الذي وصلت إليه أعصاب المغاربة، فيكفيأن يأخذ سيارته وينزل إلى الشارع لكي يقيس بنفسه درجة حرارة هذا الجسدالمغربي المريض بنقص حاد للهدوء.
واستعمال الطريق يكشف أيضا عن الوجه العدواني للمواطن المشبعة شرايينهبالصوديوم. فبمجرد ما تتوقف سيارة أحدهم بسبب عطب أو لمجرد أنه تاه وحاولالتوقف للسؤال عن عنوان يقصده، تنهال عليه أبواق السيارات بالزعيق، وتتسربإلى أذنيه شتائم وكلمات ساقطة، أحيانا من مواطنين بربطات عنق وبذلات مكويةبعناية من أولئك الذين قال فيهم الله تعالى: «وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهموإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة».
وكم من مشادة كلامية بدأت بشتائم يطلقها أحد السائقين نحو سائق آخر فتتطور بخروج أحدهما من سيارته وتنتهي بخروجهما «الطريق» معا.
ولعل أكبر المصابين بالضغط هم سائقو سيارات الأجرة، وأنا أتحدى أي واحدمنكم أن يشتغل سائق طاكسي ليوم واحد في الدار البيضاء دون أن ينهي يومهمصابا بانهيار عصبي.
ورحلة بسيطة عبر سيارة أجرة تكشف لك عن القدرة الفائقة للمغربي علىالاستخفاف بغيره من السائقين والمشاة واحتقارهم. فكل سائق يعتبر نفسهالوحيد الذي يفهم في الطريق وفنون السياقة، وكل الآخرين مجرد رعاة أجلافباعوا عجلا أو اثنين واشتروا جواز مرور ومعه سيارة ونزلوا إلى الطرقاتليسيروا فيها كما يسير الفلاح في الحرث وراء محراثه الخشبي.
أما عندما تكون سائقة السيارة امرأة، فهنا تظهر بجلاء مكانة المرأةالحقيقية في لاوعي الرجل المغربي. فهي، أولا، سبب الازدحام الذي تعرفهحركة السير، وسبب الحوادث التي تقع في الطرقات، مع أن الإحصائيات تدل علىأن النساء هن الأقل عرضة لحوادث السير. وهناك نوع من المغاربة بمجرد ماتقع أبصاره على امرأة وراء مقود سيارة حتى يذهب خياله المريض إلى أنهاحصلت عليها بطريقة غير شريفة. ويستنتج بسهولة بالغة أن السيارات في المغربأصبحت تسوقها النساء فقط، بينما الرجال لا يجدون حتى دراجة هوائيةيسوقونها. مع أن الإحصائيات تؤكد، مرة أخرى، أن النساء مستعملات الطريقلسن سوى أقلية صغيرة مقارنة بالرجال. وهذا السلوك يعكس العداء الخفي بينالرجل المغربي والمرأة المغربية والحروب الطاحنة التي تدور في الخفاء بينالحدود الإقليمية لكل واحد منهما، والتي لم يزدها دخول مدونة الأسرة حيزالتطبيق إلا اشتعالا. فقد فهمت طبقة من الرجال أن المدونة ليست سوى اقتصاصمن مياههم الإقليمية لصالح المرأة، وانتصار لها ضد الرجل.
وتفسير كل هذه السلوكيات المنحرفة، بصرف النظر عن تدني مستوى التربية، هوارتفاع الضغط الدموي الناتج عن الاستهلاك المفرط للملح. فعندما يرتفعالضغط، يبدأ الإنسان في البحث عن أي شيء لكي يخلق حوله مشكلة لكي يصرفضغطه المحتقن. والضحايا المحببون لتصريف الضغط يكونون غالبا هم المرأة أوالأولاد أو الجيران.
وهذه القيم والسلوكيات والعقد، التي نطورها يوميا بسبب الضغط، تنعكس علىالصورة التي نعطيها كشعب للسياح والزوار الأجانب الذين يأتون إلى المغرب.وبقدر ما كنا نعطي عن أنفسنا في السابق صورة ذلك الشعب الودود المضيافوالمتسامح، أصبح الآخر يرى فينا شعبا عصبيا وعدوانيا سريع الاشتعال.فأصبحت شوارع المدن التاريخية ساحات للقتال بواسطة السيوف والخناجر وشفراتالحلاقة بين العصابات المتناحرة بسبب لفافة تبغ أو عود ثقاب. وأصبحت طرقاتالمملكة حلبات ملاكمة بين السائقين المتعاركين بسبب من له الأسبقية فيالمرور أولا. وهذا، طبعا، ستكون له نتائج كارثية على مستقبل السياحةالمغربية، لأن السائح عندما يختار المجيء إلى بلد معين فلكي ينعم بالأمانوالأمن، لا لكي يتفرج على معارك داحس والغبراء أينما ذهب.
أدخل أول صيدلية في حيك واسأل صاحبها عن الدواء الذي يطلبه المغاربةبكثرة، سيقول لك إن الجميع يطلب أدوية للجهاز العصبي والمهدئات والضغطالدموي. ولو أردنا أن نكون صريحين حول نسبة إصابة المغاربة بالضغط لقلناإن تسعين في المائة من المغاربة مصابون به.
لذلك نرى هذا الإقبال المرضي على الانتحار بشتى الوسائل، على الطرقات بسببالتهور في السياقة، وفي الأسواق بسبب التفاهات، وداخل الأسر بسبب غيابالرحمة والمودة، وأمام أبواب المستشفيات بسبب غياب العناية، وداخل الباراتالتي يشرب فيها المغاربة من الكحول 131 مليون لتر سنويا لكي ينسوا الضغطالاجتماعي والمهني، إلى الحد الذي أصبحت معه الروح في المغرب أرخص من بصلة.
الحل الوحيد للخروج من هذه الدوامة بسيط وغير مكلف.
يجب أن تضع وزارة الصحة برنامجا إجباريا لخفض نسبة الصوديوم في ملح الطعامالذي تستعمله شركات المنتجات الغذائية بالمغرب. وكل طعام لا يحترم النسبةالمقررة ينبغي أن يتم سحبه من الأسواق ومعاقبة الشركة التي تنتجه. كما يجبعلى الإعلام العمومي أن يخوض حملة إعلامية دائمة لشرح مخاطر الإفراط فيتناول الملح على القلب والشرايين والكلى والنشاط الجنسي، وأيضا لتوعيةالأمهات وربات البيوت بضرورة القطع مع عادة «غير حفن ولوح» التي تعودنعليها في مطابخهن.
وإذا استطاعت الدولة والحكومة أن تتحكما في نسبة استهلاك الملح المسببللضغط، فإنها حتما ستستطيع التحكم في نسبة حوادث السير ووتيرة النزاعاتالعنيفة والجرائم والارتفاع المهول في قضايا الطلاق والإقبال الكارثي علىاستهلاك الكحول والمخدرات وجميع الوسائل التي يلجأ إليها المغاربة«المفقوصين» للتخفيف من ضغطهم.
«جربو، ما خسرتو والو. ياك غير الملح».
رشيد نينيالمساء
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
رد: ياك غير الملح
ياك يا رشيد باغينا ناكلوا المسوس؟ تعددت الاسباب والموت واحد.
rotba- عدد الرسائل : 1121
العمر : 34
Emploi : Active
تاريخ التسجيل : 16/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى