بصدد عرض «كفر ناعوم» : وحدها الأسماك الميتة تسبح مع التيار
صفحة 1 من اصل 1
بصدد عرض «كفر ناعوم» : وحدها الأسماك الميتة تسبح مع التيار
لطيفة أحرار
لابدأن يكون عرض كفر ناعوم أوطوـ صراط انعطافا جديدا في مسار المسرح المغربي .فهو يرسخ شكلا خاصا من البناء الفرجوي و يرسي أسس تأويل جديد للعرضالمسرحي و الممثل و النص و المتفرج ، ويقيم علاقة متفردة مع أفق التلقي. ما يشكل عتبة تميز هذا العرض هو أنه لا شيء مجاني فيه، بل هو أكثر من ذلكلا يستعمل إلا ما يفرض ضرورته في بناء العالم الذي يقترحه على المتفرجالذي يخرجه من نطاق الاستهلاك النمطي الذي يقتل الحواس فيجعل العين عاجزةعن رؤية إلا ما سبق لها أن رأته من قبل ، و الأذن غير قادرة عن الإصغاءإلا لما قيل سلفا، و يكون التلقي مجرد تمطيط لشكل أغرقه التكرار فيالابتذال . كما لو كان الزمان مجرد ترديد لصدى لحظة واحدة لا يولد فيها أيجديد و لايحدث أي مختلف. إن الأمر يقتضي في اقتصاد العرض المذكور إعادة صياغة فكرة المتفرج نفسه وتحديد جوهره باعتباره قابلية متجددة للدهشة التي تحدد طبيعة علاقته بمايعرض أمامه على أساس البحث عما يكسر نمطية الأشكال المجترة و يحدث الخلخلةاللازمة . مثلما يعيد صياغة فكرة العرض المسرحي نفسه بتكريسه كبناء جماليللحواس يمكنها من حياة جديدة ، يوقد شعلتها ليخرجها من عماء التحصن وراءما أنجز سلفا من معاني و التعلق بما تم و كان من دلالات ليعيد تواصلها معجدة العالم و مع انسياب الزمن و دهشة الكائن. لذلك فمسرحية «كفر ناعوم» ليست فقط مجرد عرض ينضاف إلى عروض أخرى و لكنهحفر للشرخ الذي بدا ضروريا إحداثه في كيان المسرح المغربي من أجل منحهمستقبلا لن يكون ممكنا مع الاسترسال في التملق لغباء العين و تكاسل ذكاءالمتفرج. و من ثمة فالمؤشر الإيجابي لهذا العمل لا يمكن أن يندرج ضمنمفهوم التراكم، و إنما ينظر إليه من خلال ما يرسيه من انقطاع في نسيجالفرجة المرسّمة في عين المتفرج ووجدانه . أول درس قدمته الفنانة لطيفة أحرار و الكوريغراف المغربي المقيم في باريسخالد بنغريب و الايراني ساشارازيف ، من خلال هذه التجربة هو أن المسرحأصلا اشتغال على الجسد و بالجسد . إن الأمر يبدو كما لو كان تذكيرا بما تمنسيانه تحت نفوذ التقاليد التي تجعل من المستحيل وجود إبداع إلا حيث تعمالثرثرة و يتضخم اللغو و يصبح كل شيء ناطقا رسميا باسم الانطباعات الفجة والميولات المبتذلة، و حيث أن إبداعنا لا يمكن أن ينتزع عطف الجمهور وتعاطفه إلا بمجاملة الغباء و الاجتهاد في مدحه . فالمسرح في صلبه هو تلك الحياة المنفتحة للجسد، التي تدفع إمكانته إلىحدودها القصوى . و في غياب الجسد ليس هناك من مسرح مثلما ليس هناك منوجود. في المستوى الأدنى لهذه الحقيقة نعثر على فكرة تأسيسية بسيطة هي أن الجسدأداة المسرح و حقل انطباقه إلى حد أن « ما نقوله عن الجسد هو مانقوله عنالمسرح « كما أكد جاك ديريدا في تأمله حول آرتو و مسرح القسوة . و ما عملعلى إنجازه عرض «كفر ناعوم» هو إرجاع إلى المسرح ما كان في ملكيته و سرقمنه، أي الجسد. و ذلك ليس له سوى دلالة واحدة هو التأسيس لولادة جديدة تمربالضرورة بنوع من إعادة تربية الأعضاء كما قال آرتو ن و ابتكار أفق جديدللحواس، لأن لا بؤس يصيب الناس أسوأ من تحقير حواسهم و ازدراء رغبتهم والحط من شأن أجسادهم . تذكرنا لطيفة أحرار و فريقها الإبداعي أن العالم بكامله، عالمنا نحن الذينستطيع أن نشير إليه بهذا الإسم، ينفتح مع أجسادنا و يختفي باختفائها. وفي المسرح عندما يسترجع الجسد فالأمر لم يعد متعلقا بالتمثيل و إنمابالحياة نفسها التي توقّّع حضورها كحدث. و من يرفض الجسد يرفض المسرح والحياة معه، ربما يتعلق أكثر باللغة و بأشكال مجزأة من الحكي، لكن، إطلاقالا يتعلق بالمسرح. من يدافع عن قمع الجسد في ظهوره على خشبة المسرح يقمع معه العين أيضا، ويفضل مسرحا بلا مسرح ، بلاحياة. إنه يبحث عن صيغة ميتة للحياة. ما اقترحته لطيفة أحرار في «كفر ناعوم» يمنحنا فرصة للاقتراب من حقيقةأخرى. مفادها أنه حيث تطغى اللغة يتقلص حضور الجسد. إنهما معا حدان غيرمتكاملان . لذلك عملت على تقليص حضور اللغة في العرض ليكون الجسد هو سيدالموقف فيه ، مبدأه و غايته . و بذلك فهي ترسم خط قطيعة أخرى مع ما ترسخكتقاليد للفرجة المسرحية بالمغرب تقوم اساسا على تضخم الكلام و الإكثارمنه حتى يكف العرض عن أن يكون فضاء مشهديا و إنما كلاما يسمع من دون حاجةللعين و لا للبصر. إن الجسد في حضوره الكثيف لا يمكن أن ينيب عنه الكلمةلأنها عاجزة أصلا عن استيعابه، لأن الجسد كما قال نيتشه هو مكان تسجيلالحدث و اللغة مجال تبديده. تشتغل أحرار في عرضها على العوالم القيامية لديوان « رصيف القيامة «لعدنان ياسين . في ذلك قيمة إضافية لهذه المغامرة ، أي أن تجعل ما يفلتأصلا من التصور قابلا للرؤية و اللمس ، أن تمسك بما يتبقى من الضوء فيعبوره السريع ، و أن تجعل من الومضة أبدية . ما ينبغي التذكير به ، هنا هو ، أن الثورة الحقيقية تحدث أولا في الفن قبلأن تجد حقل انطباقها في الوجود . فقد تحررت المرأة و جسدها في لوحات فنانيعصر النهضة قبل أن تتحرر بعد ذلك بقرون طويلة في الحياة و الواقع . تلكحكمة أخرى يجب أن يذكرنا بها هذا العمل الجميل و العميق لإدراك القوةالفعلية لما ينجزه . فعندما ينتصر التكرار ينتصر الموت على فعل الحياة . ووحدها الأسماك الميتة تسبح مع التيار .. | ||
الاتحاد الاشتراكي
20-10-2010
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى