أمريكا.. من القوة العظمى إلى الرجل المريض تنفق على ميزانية الدفاع أكثر من دول العالم مجتمعة بديون داخلية وخارجية
صفحة 1 من اصل 1
أمريكا.. من القوة العظمى إلى الرجل المريض تنفق على ميزانية الدفاع أكثر من دول العالم مجتمعة بديون داخلية وخارجية
عاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما من رحلة آسيويةاستغرقت عشرة أيام، أبعدته قليلا عن الأجواء المشحونة في العاصمة، دون أنتحقق الرحلة أيا من أهدافهاالمعلنة، خاصة بشأن فتح أسواق جديدة أمام الصادرات الأمريكية لتحسين أداء الاقتصاد وتحسين فرص إعادة انتخابه بعد عامين.
في واشنطن بدأ الكونغرس جلسة «البطة العرجاء»، وهو تعبير يطلق علىالكونغرس في أسابيعه الأخيرة قبل وصول الفائزين الجدد في يناير، كما يطلقعلى الرئيس في الأسابيع الأخيرة من حكمه حينما يصبح بدون فاعلية. الواقعأن باراك أوباما وجد نفسه، ربما قبل أي رئيس آخر، بطة عرجاء في النصفالأول من ولايته الأولى وأمامه عامان كاملان لتعزيز فرصه الضئيلة حالياللحصول على ولاية ثانية.
لكن صفة البطة العرجاء يمكن أن تطلق على الناخب الأمريكي أكثر من مؤسساتهلأنه أصبح كالمشتكي من الأرق يحاول الاستراحة على اليمين، ثم ما يبلث أنينقلب على اليسار دون أن يجد الراحة المطلوبة التي قد تساعده على الخلودإلى النوم.
القضايا الخلافية بين اليمين واليسار كما أفرزتها الانتخابات الأخيرةوالتي ستحدد واقع العمل السياسي في أمريكا خلال العامين القادمين تبدوبسيطة في ظاهرها، من جدل حول الميزانية وقلق بشأن الديون الخارجية وتخفيضأو رفع نسب الضرائب، لكنها تخفي أزمة أعمق تواجه أمريكا هذه الأيام كمشروعمجتمعي باهتمامات دولية ومسؤوليات إمبراطورية.
من أبرز القضايا التي تواجه الكونغرس هذه الأيام بتشكيلته القديمة، قبل أنيؤدي «ثوار» حركة الشاي القسم الدستورية مطلع العام القادم، هو ما يتعينفعله بشأن ما يعرف بضرائب جورج بوش وهي تخفيضات هائلة – ساهمت في الأزمةالحالية - سنها جورج بوش لفائدة قبيلته من الأغنياء، ومن المنتظر أن تنتهيصلاحيتها مع مطلع العام الجديد.
الديمقراطيون يجادلون بأن الأوضاع المالية للبلد لا تحتمل تمديد التخفيضخاصة للأغنياء وبالتالي يتعين تقليص صلاحيات التخفيض ليقتصر على الطبقةالمتوسطة، في حين يجادل الجمهوريون بأن «رفع» الضرائب في وقت الأزمةالاقتصادية خطأ كبير سيعمق متاعب أمريكا خاصة المقاولات الصغيرة.
لكن الجمهوريين، وعلى يمينهم حركة الشاي التي رفعت شعار تخفيض الديونوالعجز في الميزانية وتخفيض الضرائب وتقليص حجم الحكومة كأفضل سبيلللخروج من النفق المظلم، لا يطرحون بديلا عن مصدر تلك الأموال التي ستذهبإلى جيوب الأغنياء.
الخلاف السياسي المالي يخفي في الحقيقة صراعا طبقيا بدأت حدته تشتد فيالسنين الأخيرة، ومن المرجح أن يرتفع سعاره في السنين القادمة لأن مشاكلأمريكا مرشحة للاستمرار في المستقبل القريب على الأقل.
انتقال الاقتصاد الأمريكي من المرحلة الصناعية إلى الأفق المعلوماتيوالخدماتي أوجد رابحين وخاسرين قبل فترة طويلة من انفجار أزمة البيوتوالقروض وارتفاع نسب البطالة.
- الدراسات تلو الأخرى أكدت أن النظام الاقتصادي والقانوني الأمريكي برمتهصمم على مر السنين لفائدة نخبة متنفذة تفهم النظام جيدا وتمتص رحيقه حتىآخر قطرة على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
في كتاب بمثابة الإدانة للنظام الطبقي الأمريكي ألفه أستاذان جامعيان منييل وكاليفورنيا بعنوان «الكاسب يحصد كل شيء» تساءل الكاتبان:«كيف يعقل أنيدفع الرئيس المدير العام لشركة مالية في الوول ستريت، يربح الملايير منالدولارات، نسبة من الضرائب أقل مما تدفعه سكرتيرته؟»
قائمة الأربعمائة شخصية الأغنى في أمريكا لم تحو مؤخرا سوى ستة عشر اسماجديدا، على خلاف نسبة الستين أو السبعين في السنوات الأخيرة، مما يؤكد أنأقل من واحد في المائة من الأمريكيين يملكون ربع ثروة البلاد تقريباويوصدون الباب تدريجيا أمام أي مزاحم.
الغريب أن هذا الوضع لم يؤد إلى «انتفاضات اجتماعية» وإن كان ذلك الاحتمالقائما، لأن المواطن الأمريكي العادي صدق لسنين، خاصة أيام الرخاء، أنهالأفضل وأنه يعيش في أحسن بلد في العالم في ظل أفضل نظام سياسي في العالم.
الأمريكي يتعلم منذ نعومة أظافره، تقريبا، عدم التذمر من الفوارق الطبقيةبسبب ما يسمى الحلم الأمريكي، أي أن أمريكا لا تكره أغنياءها، لكنها تساعدفقراءها والدليل على ذلك أن أي شخص مهما واجه من عراقيل يستطيع في أمريكاأن يبدأ من الصفر ويمكن أن يحقق أي شيء.
هذا الاعتداد والثقة بالنفس وبالعدالة الكامنة في طيات النظام نفسه خلقنوعا من الطمأنينة المزيفة لدى فقراء البلاد والذين يزداد عددهم يوميا، فيحين ازداد الأغنياء جشعا واستغلالا للنظام السياسي المفتوح والدعايةالمؤثرة على بيع الوهم للناخبين.
بالنسبة للجمهوريين الذين لا يجدون مشكلة في تبني مصالح ومواقف الأغنياءوالشركات متعددة الجنسيات لا يجدون صعوبة في إقناع بعض الفقراء في التصويتعليهم والاستماتة في الدفاع عن مواقفهم وشعاراتهم حتى وإن كانت في نهايةالمطاف ضدا على مصالحهم الذاتية.
بالاضافة إلى القيم والأخلاق ومناهضة الإجهاض والمثلية الجنسية، تجدشعارات الجمهوريين صدى لدى الناخبين الفقراء الذين تغريهم مسألة خفضالضرائب وتقليص حجم الحكومة حتى «نبعدها عن ظهورنا» حتى وإن كان تقليص حجمالحكومة يعني في جملة ما يعنيه وقف المساعدات المقدمة للفقراء والأحياءالمهمشة وأي قضية لها صلة مما نسميه في المغرب مثلا التنمية البشرية.
كنت في مدينة ديتوريت، مؤخرا، أعد بعض التقارير عن الأزمة الاقتصاديةوأثرها على الانتخابات الأخيرة في مدينة كانت المحرك الفعلي للصناعةالأمريكية أيام جبروتها وأصبحت الآن لا تختلف كثيرا عن أي مدينة مملة منمدن العالم الثالث.
كنت أجري مقابلة مع أحد المواطنين الفقراء البيض، والذي كان عاطلا عنالعمل وأصر خلال المقابلة كلها على كونه سيصوت على الجمهوريين ليعاقبالديموقراطيين على ما فعلوه أو لم يفعلوه، وحينما سألته عما ينتظر منالناحية العملية من الجمهوريين قال: «تمديد التخفيضات الضرائبية لجورج بوش»
أثارني ذلك الرد وتجاهلته لمرتين لكنني لم أستطع تجاهله للمرة الثالثةفسألته: «هل لك أن تشرح لي كيف ستستفيد أنت شخصيا من زيادة عمر التخفيضاتالضريبية إن كنت عاطلا عن العمل أصلا؟» فرد علي بعد أن فكر لبرهة ليستبالقصيرة وهو ينظر في عيني:«إنه سؤال جيد»
على اليسار لا تبدو الأمور أفضل حالا خاصة بعد الحملة الانتخابية الأخيرةحيث أدى تضافر مشاعر الإحباط وخيبة الأمل من عجز اليسار التقدمي–بالمقاييس الأمريكية طبعا- عن إحداث التغييرات الموعودة انتخابيا وبعدإنفاق ذلك اليسار عامين كاملين ورأس مال سياسي على قدر كبير من الأهمية فيقضايا مساعدة البنوك في الأزمة المالية والرضوخ لضغط شركات الأدوية العملاقة في إعداد نظام الرعاية الصحية.
الناخبون اليساريون، المناهضون تقليديا للحروب والمؤيديون لدور فعالللحكومة في التخفيف من معاناة الفقراء ويفضلون توظيف جزء من ميزانيةالدفاع المتضخمة لمحاربة الهشاشة وإصلاح نظام التعليم الآخذ في التدهوروالاستثمار في البنيات التحتية المتآكلة، فقدوا حماسهم بعد انهيار صورةباراك أوباما المخلص.
كل هذه المعطيات ستجعل العامين القادمين جديرين بالتتبع لمظاهر التراجعالسريع لما كان يسمى الحلم الأمريكي، مع تراجع مستوى الخطاب العام داخلياوتراجع دور أمريكا نفسها على الساحة الدولية.
على المستوى الدولي كان ذلك واضحا من جولة أوباما الأسيوية، حيث اقتصر«النجاح» على الأمور الرمزية والشكلية، كإغراء نيودلهي بوعد مقعد في مجلسالأمن الدولي - قد لايتحقق أبدا- مقابل استخدام ورقة هندية ضد خصم صينيمتزايد القوة والنفوذ. لكن الزيارة أخفقت في تخفيض التوتر بين الهندوباكستان اللتين تتعامل معهما واشنطن كضرتين متخاصمتين إلى الأبد في شبهالقارة، كما أن أوباما لم ينجح في عقد اتفاقية التبادل التجاري مع كورياالجنوبية، وأخفق في حمل الصين على إعادة النظر في صرف عملتها.
وأثناء جولته نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين ناتانياهو في الإمعانفي إهانة «زعيم العالم الحر» بالتردد في قبول رشوة ضخمة من الأسلحةوالوعود الدبلوماسية الأمريكية، بما فيها عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينيةإن أعلنت من جانب واحد مقابل تجميد متواضع لثلاثة أشهر فقط في الضفةالغربية.
هذا الاخفاق بالجملة «تحقق» على الرغم من أن أمريكا مازالت تعتبر نفسهاالقوة الوحيدة والضرورية للعالم، وعلى الرغم من مشاعر الارتياح التيأثارها ومازال يثيرها وصول باراك أوباما إلى الحكم، إذ كان يكفيه علىالمسرح الدولي كونه ليس جورج بوش ولكن مع ذلك لايبدو أن ذلك أصبح كافيا.
أمريكا تعاني هذه الأيام من أعراض المرض نفسه الذي يصيب الإمبراطوريات معبداية ترهلها حينما تبدأ في الإنفاق على مسؤوليات غير ضرورية أعطتهالنفسها على المستوى الدولي دون أن تكون آلتها الصناعية والجبائية في مستوىذلك الإنفاق.
أمريكا تنفق حاليا على ميزانيتها الدفاعية أكثر من جميع دول العالممجتمعة، لكنها ميزانية مقترضة بالكامل من الداخل أو الخارج- سندات وقروضمباشرة- وهي وضعية كما يعرف رب كل أسرة «تخرج أكثر مما تدخل» يستحيلاستمرارها دون إعادة النظر في الميزانية نفسها أو في الأدوار التي تنفقعليها تلك الأموال الباهظة.
الخطاب السياسي الداخلي جعل أي حديث عن تخفيض ميزانية الدفاع أقرب إلىالخيانة العظمى لأن الجمهوريين سوقوا ماركتهم التجارية على أنهم حماةالبلد وأي تخفيض يعني تعريض «أمننا للخطر» في حين يخاف الديمقراطيون حتىدرجة التبول في ملابسهم الداخلية من إثارة الموضوع تجنبا لتهمة الرخاوةوعدم الحسم في مجال الأمن القومي.
لكن وراء شعارات الأمن القومي يرقد عمالقة صناعة التسلح أو المركبالصناعي العسكري، حسب تعبير الرئيس الأمريكي الجمهوري دوايت ازينهاور بطلالحرب العالمية الثانية الذي دق ناقوس الخطر قبل أكثر من نصف قرن من هذاالأخطبوط القاتل.
وحينما يواجه الجمهوريون بعبث الإنفاق على أنظمة تسليحية من الخيال العلميفي وقت لا تواجه أمريكا سوى رجال ملثمين يسكنون الحفر والمغارات في العراقوأفغانستان، يبررون ذلك الانفاق بكونه يوفر مناصب الشغل في مقاطعاتهمالمختلفة وتصبح بذلك الصناعات العسكرية جزءا من الضمان الاجتماعي.
لكن تلك الصناعات العسكرية، سواء استخدمت ضد أعداء حقيقيين أو محتملينلأمريكا أو قدمت لإسرائيل «كمساعدات» أو بيعت بعض خرذتها للدول العربيةبعشرات الملايير من الدولارات، تبقى بالإضافة إلى صناعة الطائرات المدنيةآخر قلاع الصناعة الأمريكية التي صنعت مجدها في المقام الأول.
في مدينة ديترويت، وأثناء إعداد تقارير الانتخابات، كنت أقيم في واحد منأفخم فنادق المدينة لكنه كان فندقا شبه فارغ تحكي ضخامته أيام عز قد ولتأو أوشكت على الانتهاء. في أحد مطاعم الفندق وأثناء وجبة الفطور تعطلتآلات تسخين الخبز، وقلت مازحا لنادلة المطعم «كيف يحدث هذا في ديترويتالمدينة –المحرك؟».
هكذا كانت تعرف ديترويت في معظم القرن العشرين، المدينة التي عرفت شوارعهاتحرك أول سيارة في العالم، وبها خلق هنري فورد سيارته الشعبية التي أصبحتفي متناول قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى، آنذاك، قبل أن تنتقل إلى معظمأنحاء العالم.
ديترويت لم تكن تصنع السيارات فحسب بل جميع أنواع المعدات المنزلية منأجهزة تلفزيون وثلاجات وتحولت الآن إلى شبح ممسوخ من ماضيها العريق، حتىإن معظم العرب الذين جاؤوا إليها من اليمن وبلاد الشام والعراق للعمل فيمصانعها المتعددة انتهى بهم المطاف في محطات الوقود ودكاكين الحمصوالفلافل.
في ديتوريت، أيضا، أعدمت قبل حوالي أسبوعين، رسميا، سيارة بونتياك بعد عمرناهز أربعة وثمانين عاما، والتي كانت مفخرة جينيرال موتورز وكانت مضربالمثل في القوة والصلابة وخلدتها أفلام هولييود كرمز للقوة الأمريكية التيلا تقهر.
عام 2008 بيع في العالم مليار ومائتي تليفون محمول لم يصنع واحد منها فيأمريكا، في حين خرج آخر جهاز تلفزيون من المصانع الأمريكية عام 2004، وفي1959 كانت أمريكا تصنع حوالي 28 في المائة من إنتاجها الاقتصادي في حينتراجع ذلك الرقم إلى 11 في المائة فقط عام 2008.
ولم يعد مستغربا أن تسمع في البيوت الأمريكية هذه الأيام أن الآلاتوالسيارات والبضائع لم تعد كما كانت أيام زمان، وأصبحت تتعطل قبل أن تكملعامها الأول في ظاهرة تعودنا عليها في العالم الثالث، لكنها أصبحت الآنظاهرة شبه مألوفة في الخطاب الأمريكي اليومي.
حتى الحروب لم تعد أمريكا تخوضها كما كانت تفعل في السابق، صحيح أنهامازالت تملك ترسانة مخيفة ويمكنها تدمير العالم عدة مرات لكنها تقف حائرةأمام أمثال أيمن الظواهري والملا عمر، بل انتهى أيضا حتى مفعول نظرية«الحرب جيدة للاقتصاد» لأن سبع سنين في الحرب ضد العراق وتسعا أخرى فيأفغانستان لم تزد الاقتصاد الأمريكي إلا انكماشا وتراجعا.
حالة الإحباط العامة أعرب عنها أكثر من تسعة وسبعين في المائة منالأمريكيين الذين استطلعت آراؤهم عشية الانتخابات الأخيرة حينما أعربوا عنالاعتقاد بأن البلاد تسير في الاتجاه الخطأ الأمر الذي يفسر «انقلابهم»على الديمقراطيين وارتماءهم في أحضان الحزب الآخر على الرغم من إدراكهم أنالحزبين معا قد أفلسا على مستوى الأفكار والبدائل.
قد تكون أعمار الدول والإمبراطوريات تختلف في قياسها عن أعمار الأفرادلكن عقدا واحدا من الزمن يبدو فارقا في حياة التجربة الأمريكية على الرغممن كونه لايعني الشيء الكثير في عمر الأمم والحضارات.
قبل أكثر من عقد بقليل كان المحافظون الجدد يبشرون، في بيانهم رقم واحد،بقرب استقبال العالم للقرن الأمريكي الجديد تسود فيه قيم أمريكاالاقتصادية والفكرية بالجزرة أو بقوة السلاح، لكن المفارقة الكبرى أنهم لميدركوا أن الرصاصات الأولى التي ستطلق لنشر الرسالة الجديدة ستدميهم قبلخصومهم.
لكن نخب أمريكا تتصرف في العلن على الأقل وكأن شيئا لم يكن أو وكأن شيئالا يستدعي إعادة نظر شاملة في طريقة تسيير البلاد وشؤونها ومركزها فيالعالم، بما في ذلك نخبة الإعلام التي تركز على التافه من أخبار المشاهيروزيجاتهم وطلاقهم على حساب المصالح القومية الكبرى.
في أوكلاهوما صوت الناخبون على منع القضاة من استخدام الشريعة في قضاياالأحوال الشخصية – رغم أنهم لا يستعينون بها أصلا- وفي ولاية كاليفورنياصوت الناخبون بأقلية ضئيلة ضد مشروع قانون كان سيسمح بالاستخدام الترفيهيللماريخوانا وكأن أمريكا لا تخوض حربين متزامنتين ولا تقترض ثلث ميزانيتهاالسنوية.
لكن بعض الساسة المخضرمين بدؤوا يشعرون بالقلق من الطريق الذي تسكلهأمريكا داخليا وخارجيا، دفعت باثنين منهم مؤخرا لتقديم نصيحة مكتوبةومجانية لباراك أوباما يقترحان عليه الإعلان أنه لن يقدم نفسه لولايةثانية، والتركيز بدلا عن ذلك على التصدي لمشاكل أمريكا الحقيقية دونانشغال بالاعتبارات الانتخابية والسياسوية.
المؤلفان، وهما دوغلاس شوين وباتريك كاديل من الناشطين الديمقراطيين،وعملا في حكومتي كارتر وكلينتون، جادلا في مقال في الواشنطن بوست مؤخرابكون حساسية الظروف التي تعيشها أمريكا وعجزها التجاري ومتاعبها الخارجيةومشاعر الإحباط العامة تحتم اتخاذ قرارات حاسمة لا يمكن أن تتخذ في أجواءانتخابية ومزايدات سياسية.
الكاتبان خلصا إلى أن الانتخابات الماضية كانت استفتاء على شعبية أوباماوالديمقراطيين أسفرت عن تصويت بعدم الثقة فيهما معا، وأن أفضل ما يمكن أنيفعله أوباما حاليا هو أن يعلن أنه رئيس لولاية واحدة ويحاول استعادة بعضمن الزخم الذي أوصله إلى السلطة قبل عامين.
الكاتبان ذكرا باراك اوباما بتصريح أدلى به قبل حوالي عام لمحطة اي بيسي قال فيه إنه يفضل أن يكون رئيسا من ولاية واحدة على أن يكون رئيساضعيفا بولايتين، مؤكدين على أن القرار ليس سهلا لكن انقسام الأمريكيينوالتحديات الجسيمة التي يواجهها البلد تحتم زعامة تاريخية من شاكلة ماتعهد به في الانتخابات الرئاسية قبل عامين.
لكن أوباما، الحيوان السياسي الطموح، قد لا يسمع بتلك النصيحة مما يضمنحملة انتخابية رئاسية هي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة قد تبدأ معمطلع العام القادم بين جمهوريين فرحين بغضب الشارع وديمقراطيين غاضبين علىفقدان الشارع.
المؤشرات في واشنطن وقبل أن يصل المخلصون الجدد لا تبعث على الارتياح، إذأشارت بعض المصادر إلى استعداد البيت الأبيض لتجنيد جيش من المحامينللدفاع عن الرئيس في «تحقيقات الفساد» التي يزعم أن حكومة باراك أوباما قدارتكبتها خلال العامين الماضيين، لكن زعامة الجمهوريين الجدد لم تستطعالإشارة إلى نموذج واحد لتلك الجرائم المزعومة، ويبدو أن أسمى هدف يريدالجمهوريون تحقيقه هو ما أعرب عنه زعيمهم في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل،وهو «جعل الرئيس باراك اوباما رئيسا من ولاية واحدة»
وحسب استطلاع لـ«النيويورك تايمز» فإن نسبة كبيرة من الوجوه الجمهوريةالجديدة لاتؤمن بظاهرة الاحتباس الحراري-لأن كبريات الشركات لايعجبها ذلكالعلم المشاغب- كما أنها تريد تعديل الدستور لحرمان الأطفال المولودين على التراب الأمريكي من الجنسية الأمريكية التلقائية.
أولويات الجمهوريين التي تتعارض مع أولويات الحزب الديمقراطي- وإن كانالقاسم المشترك هو العودة إلى السلطة والبقاء فيها أطول فترة ممكنة لمصرحيق الخزينة- سيعمق أرق الناخب الأمريكي العادي خاصة الفقير منه الذييراقب بلده يتحول أمام عينيه المجردتين وفي الزمن الطبيعي من قوة عظمىإلى رجل مريض.
محمد العلمي
المساء
في واشنطن بدأ الكونغرس جلسة «البطة العرجاء»، وهو تعبير يطلق علىالكونغرس في أسابيعه الأخيرة قبل وصول الفائزين الجدد في يناير، كما يطلقعلى الرئيس في الأسابيع الأخيرة من حكمه حينما يصبح بدون فاعلية. الواقعأن باراك أوباما وجد نفسه، ربما قبل أي رئيس آخر، بطة عرجاء في النصفالأول من ولايته الأولى وأمامه عامان كاملان لتعزيز فرصه الضئيلة حالياللحصول على ولاية ثانية.
لكن صفة البطة العرجاء يمكن أن تطلق على الناخب الأمريكي أكثر من مؤسساتهلأنه أصبح كالمشتكي من الأرق يحاول الاستراحة على اليمين، ثم ما يبلث أنينقلب على اليسار دون أن يجد الراحة المطلوبة التي قد تساعده على الخلودإلى النوم.
القضايا الخلافية بين اليمين واليسار كما أفرزتها الانتخابات الأخيرةوالتي ستحدد واقع العمل السياسي في أمريكا خلال العامين القادمين تبدوبسيطة في ظاهرها، من جدل حول الميزانية وقلق بشأن الديون الخارجية وتخفيضأو رفع نسب الضرائب، لكنها تخفي أزمة أعمق تواجه أمريكا هذه الأيام كمشروعمجتمعي باهتمامات دولية ومسؤوليات إمبراطورية.
من أبرز القضايا التي تواجه الكونغرس هذه الأيام بتشكيلته القديمة، قبل أنيؤدي «ثوار» حركة الشاي القسم الدستورية مطلع العام القادم، هو ما يتعينفعله بشأن ما يعرف بضرائب جورج بوش وهي تخفيضات هائلة – ساهمت في الأزمةالحالية - سنها جورج بوش لفائدة قبيلته من الأغنياء، ومن المنتظر أن تنتهيصلاحيتها مع مطلع العام الجديد.
الديمقراطيون يجادلون بأن الأوضاع المالية للبلد لا تحتمل تمديد التخفيضخاصة للأغنياء وبالتالي يتعين تقليص صلاحيات التخفيض ليقتصر على الطبقةالمتوسطة، في حين يجادل الجمهوريون بأن «رفع» الضرائب في وقت الأزمةالاقتصادية خطأ كبير سيعمق متاعب أمريكا خاصة المقاولات الصغيرة.
لكن الجمهوريين، وعلى يمينهم حركة الشاي التي رفعت شعار تخفيض الديونوالعجز في الميزانية وتخفيض الضرائب وتقليص حجم الحكومة كأفضل سبيلللخروج من النفق المظلم، لا يطرحون بديلا عن مصدر تلك الأموال التي ستذهبإلى جيوب الأغنياء.
الخلاف السياسي المالي يخفي في الحقيقة صراعا طبقيا بدأت حدته تشتد فيالسنين الأخيرة، ومن المرجح أن يرتفع سعاره في السنين القادمة لأن مشاكلأمريكا مرشحة للاستمرار في المستقبل القريب على الأقل.
انتقال الاقتصاد الأمريكي من المرحلة الصناعية إلى الأفق المعلوماتيوالخدماتي أوجد رابحين وخاسرين قبل فترة طويلة من انفجار أزمة البيوتوالقروض وارتفاع نسب البطالة.
- الدراسات تلو الأخرى أكدت أن النظام الاقتصادي والقانوني الأمريكي برمتهصمم على مر السنين لفائدة نخبة متنفذة تفهم النظام جيدا وتمتص رحيقه حتىآخر قطرة على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
في كتاب بمثابة الإدانة للنظام الطبقي الأمريكي ألفه أستاذان جامعيان منييل وكاليفورنيا بعنوان «الكاسب يحصد كل شيء» تساءل الكاتبان:«كيف يعقل أنيدفع الرئيس المدير العام لشركة مالية في الوول ستريت، يربح الملايير منالدولارات، نسبة من الضرائب أقل مما تدفعه سكرتيرته؟»
قائمة الأربعمائة شخصية الأغنى في أمريكا لم تحو مؤخرا سوى ستة عشر اسماجديدا، على خلاف نسبة الستين أو السبعين في السنوات الأخيرة، مما يؤكد أنأقل من واحد في المائة من الأمريكيين يملكون ربع ثروة البلاد تقريباويوصدون الباب تدريجيا أمام أي مزاحم.
الغريب أن هذا الوضع لم يؤد إلى «انتفاضات اجتماعية» وإن كان ذلك الاحتمالقائما، لأن المواطن الأمريكي العادي صدق لسنين، خاصة أيام الرخاء، أنهالأفضل وأنه يعيش في أحسن بلد في العالم في ظل أفضل نظام سياسي في العالم.
الأمريكي يتعلم منذ نعومة أظافره، تقريبا، عدم التذمر من الفوارق الطبقيةبسبب ما يسمى الحلم الأمريكي، أي أن أمريكا لا تكره أغنياءها، لكنها تساعدفقراءها والدليل على ذلك أن أي شخص مهما واجه من عراقيل يستطيع في أمريكاأن يبدأ من الصفر ويمكن أن يحقق أي شيء.
هذا الاعتداد والثقة بالنفس وبالعدالة الكامنة في طيات النظام نفسه خلقنوعا من الطمأنينة المزيفة لدى فقراء البلاد والذين يزداد عددهم يوميا، فيحين ازداد الأغنياء جشعا واستغلالا للنظام السياسي المفتوح والدعايةالمؤثرة على بيع الوهم للناخبين.
بالنسبة للجمهوريين الذين لا يجدون مشكلة في تبني مصالح ومواقف الأغنياءوالشركات متعددة الجنسيات لا يجدون صعوبة في إقناع بعض الفقراء في التصويتعليهم والاستماتة في الدفاع عن مواقفهم وشعاراتهم حتى وإن كانت في نهايةالمطاف ضدا على مصالحهم الذاتية.
بالاضافة إلى القيم والأخلاق ومناهضة الإجهاض والمثلية الجنسية، تجدشعارات الجمهوريين صدى لدى الناخبين الفقراء الذين تغريهم مسألة خفضالضرائب وتقليص حجم الحكومة حتى «نبعدها عن ظهورنا» حتى وإن كان تقليص حجمالحكومة يعني في جملة ما يعنيه وقف المساعدات المقدمة للفقراء والأحياءالمهمشة وأي قضية لها صلة مما نسميه في المغرب مثلا التنمية البشرية.
كنت في مدينة ديتوريت، مؤخرا، أعد بعض التقارير عن الأزمة الاقتصاديةوأثرها على الانتخابات الأخيرة في مدينة كانت المحرك الفعلي للصناعةالأمريكية أيام جبروتها وأصبحت الآن لا تختلف كثيرا عن أي مدينة مملة منمدن العالم الثالث.
كنت أجري مقابلة مع أحد المواطنين الفقراء البيض، والذي كان عاطلا عنالعمل وأصر خلال المقابلة كلها على كونه سيصوت على الجمهوريين ليعاقبالديموقراطيين على ما فعلوه أو لم يفعلوه، وحينما سألته عما ينتظر منالناحية العملية من الجمهوريين قال: «تمديد التخفيضات الضرائبية لجورج بوش»
أثارني ذلك الرد وتجاهلته لمرتين لكنني لم أستطع تجاهله للمرة الثالثةفسألته: «هل لك أن تشرح لي كيف ستستفيد أنت شخصيا من زيادة عمر التخفيضاتالضريبية إن كنت عاطلا عن العمل أصلا؟» فرد علي بعد أن فكر لبرهة ليستبالقصيرة وهو ينظر في عيني:«إنه سؤال جيد»
على اليسار لا تبدو الأمور أفضل حالا خاصة بعد الحملة الانتخابية الأخيرةحيث أدى تضافر مشاعر الإحباط وخيبة الأمل من عجز اليسار التقدمي–بالمقاييس الأمريكية طبعا- عن إحداث التغييرات الموعودة انتخابيا وبعدإنفاق ذلك اليسار عامين كاملين ورأس مال سياسي على قدر كبير من الأهمية فيقضايا مساعدة البنوك في الأزمة المالية والرضوخ لضغط شركات الأدوية العملاقة في إعداد نظام الرعاية الصحية.
الناخبون اليساريون، المناهضون تقليديا للحروب والمؤيديون لدور فعالللحكومة في التخفيف من معاناة الفقراء ويفضلون توظيف جزء من ميزانيةالدفاع المتضخمة لمحاربة الهشاشة وإصلاح نظام التعليم الآخذ في التدهوروالاستثمار في البنيات التحتية المتآكلة، فقدوا حماسهم بعد انهيار صورةباراك أوباما المخلص.
كل هذه المعطيات ستجعل العامين القادمين جديرين بالتتبع لمظاهر التراجعالسريع لما كان يسمى الحلم الأمريكي، مع تراجع مستوى الخطاب العام داخلياوتراجع دور أمريكا نفسها على الساحة الدولية.
على المستوى الدولي كان ذلك واضحا من جولة أوباما الأسيوية، حيث اقتصر«النجاح» على الأمور الرمزية والشكلية، كإغراء نيودلهي بوعد مقعد في مجلسالأمن الدولي - قد لايتحقق أبدا- مقابل استخدام ورقة هندية ضد خصم صينيمتزايد القوة والنفوذ. لكن الزيارة أخفقت في تخفيض التوتر بين الهندوباكستان اللتين تتعامل معهما واشنطن كضرتين متخاصمتين إلى الأبد في شبهالقارة، كما أن أوباما لم ينجح في عقد اتفاقية التبادل التجاري مع كورياالجنوبية، وأخفق في حمل الصين على إعادة النظر في صرف عملتها.
وأثناء جولته نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين ناتانياهو في الإمعانفي إهانة «زعيم العالم الحر» بالتردد في قبول رشوة ضخمة من الأسلحةوالوعود الدبلوماسية الأمريكية، بما فيها عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينيةإن أعلنت من جانب واحد مقابل تجميد متواضع لثلاثة أشهر فقط في الضفةالغربية.
هذا الاخفاق بالجملة «تحقق» على الرغم من أن أمريكا مازالت تعتبر نفسهاالقوة الوحيدة والضرورية للعالم، وعلى الرغم من مشاعر الارتياح التيأثارها ومازال يثيرها وصول باراك أوباما إلى الحكم، إذ كان يكفيه علىالمسرح الدولي كونه ليس جورج بوش ولكن مع ذلك لايبدو أن ذلك أصبح كافيا.
أمريكا تعاني هذه الأيام من أعراض المرض نفسه الذي يصيب الإمبراطوريات معبداية ترهلها حينما تبدأ في الإنفاق على مسؤوليات غير ضرورية أعطتهالنفسها على المستوى الدولي دون أن تكون آلتها الصناعية والجبائية في مستوىذلك الإنفاق.
أمريكا تنفق حاليا على ميزانيتها الدفاعية أكثر من جميع دول العالممجتمعة، لكنها ميزانية مقترضة بالكامل من الداخل أو الخارج- سندات وقروضمباشرة- وهي وضعية كما يعرف رب كل أسرة «تخرج أكثر مما تدخل» يستحيلاستمرارها دون إعادة النظر في الميزانية نفسها أو في الأدوار التي تنفقعليها تلك الأموال الباهظة.
الخطاب السياسي الداخلي جعل أي حديث عن تخفيض ميزانية الدفاع أقرب إلىالخيانة العظمى لأن الجمهوريين سوقوا ماركتهم التجارية على أنهم حماةالبلد وأي تخفيض يعني تعريض «أمننا للخطر» في حين يخاف الديمقراطيون حتىدرجة التبول في ملابسهم الداخلية من إثارة الموضوع تجنبا لتهمة الرخاوةوعدم الحسم في مجال الأمن القومي.
لكن وراء شعارات الأمن القومي يرقد عمالقة صناعة التسلح أو المركبالصناعي العسكري، حسب تعبير الرئيس الأمريكي الجمهوري دوايت ازينهاور بطلالحرب العالمية الثانية الذي دق ناقوس الخطر قبل أكثر من نصف قرن من هذاالأخطبوط القاتل.
وحينما يواجه الجمهوريون بعبث الإنفاق على أنظمة تسليحية من الخيال العلميفي وقت لا تواجه أمريكا سوى رجال ملثمين يسكنون الحفر والمغارات في العراقوأفغانستان، يبررون ذلك الانفاق بكونه يوفر مناصب الشغل في مقاطعاتهمالمختلفة وتصبح بذلك الصناعات العسكرية جزءا من الضمان الاجتماعي.
لكن تلك الصناعات العسكرية، سواء استخدمت ضد أعداء حقيقيين أو محتملينلأمريكا أو قدمت لإسرائيل «كمساعدات» أو بيعت بعض خرذتها للدول العربيةبعشرات الملايير من الدولارات، تبقى بالإضافة إلى صناعة الطائرات المدنيةآخر قلاع الصناعة الأمريكية التي صنعت مجدها في المقام الأول.
في مدينة ديترويت، وأثناء إعداد تقارير الانتخابات، كنت أقيم في واحد منأفخم فنادق المدينة لكنه كان فندقا شبه فارغ تحكي ضخامته أيام عز قد ولتأو أوشكت على الانتهاء. في أحد مطاعم الفندق وأثناء وجبة الفطور تعطلتآلات تسخين الخبز، وقلت مازحا لنادلة المطعم «كيف يحدث هذا في ديترويتالمدينة –المحرك؟».
هكذا كانت تعرف ديترويت في معظم القرن العشرين، المدينة التي عرفت شوارعهاتحرك أول سيارة في العالم، وبها خلق هنري فورد سيارته الشعبية التي أصبحتفي متناول قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى، آنذاك، قبل أن تنتقل إلى معظمأنحاء العالم.
ديترويت لم تكن تصنع السيارات فحسب بل جميع أنواع المعدات المنزلية منأجهزة تلفزيون وثلاجات وتحولت الآن إلى شبح ممسوخ من ماضيها العريق، حتىإن معظم العرب الذين جاؤوا إليها من اليمن وبلاد الشام والعراق للعمل فيمصانعها المتعددة انتهى بهم المطاف في محطات الوقود ودكاكين الحمصوالفلافل.
في ديتوريت، أيضا، أعدمت قبل حوالي أسبوعين، رسميا، سيارة بونتياك بعد عمرناهز أربعة وثمانين عاما، والتي كانت مفخرة جينيرال موتورز وكانت مضربالمثل في القوة والصلابة وخلدتها أفلام هولييود كرمز للقوة الأمريكية التيلا تقهر.
عام 2008 بيع في العالم مليار ومائتي تليفون محمول لم يصنع واحد منها فيأمريكا، في حين خرج آخر جهاز تلفزيون من المصانع الأمريكية عام 2004، وفي1959 كانت أمريكا تصنع حوالي 28 في المائة من إنتاجها الاقتصادي في حينتراجع ذلك الرقم إلى 11 في المائة فقط عام 2008.
ولم يعد مستغربا أن تسمع في البيوت الأمريكية هذه الأيام أن الآلاتوالسيارات والبضائع لم تعد كما كانت أيام زمان، وأصبحت تتعطل قبل أن تكملعامها الأول في ظاهرة تعودنا عليها في العالم الثالث، لكنها أصبحت الآنظاهرة شبه مألوفة في الخطاب الأمريكي اليومي.
حتى الحروب لم تعد أمريكا تخوضها كما كانت تفعل في السابق، صحيح أنهامازالت تملك ترسانة مخيفة ويمكنها تدمير العالم عدة مرات لكنها تقف حائرةأمام أمثال أيمن الظواهري والملا عمر، بل انتهى أيضا حتى مفعول نظرية«الحرب جيدة للاقتصاد» لأن سبع سنين في الحرب ضد العراق وتسعا أخرى فيأفغانستان لم تزد الاقتصاد الأمريكي إلا انكماشا وتراجعا.
حالة الإحباط العامة أعرب عنها أكثر من تسعة وسبعين في المائة منالأمريكيين الذين استطلعت آراؤهم عشية الانتخابات الأخيرة حينما أعربوا عنالاعتقاد بأن البلاد تسير في الاتجاه الخطأ الأمر الذي يفسر «انقلابهم»على الديمقراطيين وارتماءهم في أحضان الحزب الآخر على الرغم من إدراكهم أنالحزبين معا قد أفلسا على مستوى الأفكار والبدائل.
قد تكون أعمار الدول والإمبراطوريات تختلف في قياسها عن أعمار الأفرادلكن عقدا واحدا من الزمن يبدو فارقا في حياة التجربة الأمريكية على الرغممن كونه لايعني الشيء الكثير في عمر الأمم والحضارات.
قبل أكثر من عقد بقليل كان المحافظون الجدد يبشرون، في بيانهم رقم واحد،بقرب استقبال العالم للقرن الأمريكي الجديد تسود فيه قيم أمريكاالاقتصادية والفكرية بالجزرة أو بقوة السلاح، لكن المفارقة الكبرى أنهم لميدركوا أن الرصاصات الأولى التي ستطلق لنشر الرسالة الجديدة ستدميهم قبلخصومهم.
لكن نخب أمريكا تتصرف في العلن على الأقل وكأن شيئا لم يكن أو وكأن شيئالا يستدعي إعادة نظر شاملة في طريقة تسيير البلاد وشؤونها ومركزها فيالعالم، بما في ذلك نخبة الإعلام التي تركز على التافه من أخبار المشاهيروزيجاتهم وطلاقهم على حساب المصالح القومية الكبرى.
في أوكلاهوما صوت الناخبون على منع القضاة من استخدام الشريعة في قضاياالأحوال الشخصية – رغم أنهم لا يستعينون بها أصلا- وفي ولاية كاليفورنياصوت الناخبون بأقلية ضئيلة ضد مشروع قانون كان سيسمح بالاستخدام الترفيهيللماريخوانا وكأن أمريكا لا تخوض حربين متزامنتين ولا تقترض ثلث ميزانيتهاالسنوية.
لكن بعض الساسة المخضرمين بدؤوا يشعرون بالقلق من الطريق الذي تسكلهأمريكا داخليا وخارجيا، دفعت باثنين منهم مؤخرا لتقديم نصيحة مكتوبةومجانية لباراك أوباما يقترحان عليه الإعلان أنه لن يقدم نفسه لولايةثانية، والتركيز بدلا عن ذلك على التصدي لمشاكل أمريكا الحقيقية دونانشغال بالاعتبارات الانتخابية والسياسوية.
المؤلفان، وهما دوغلاس شوين وباتريك كاديل من الناشطين الديمقراطيين،وعملا في حكومتي كارتر وكلينتون، جادلا في مقال في الواشنطن بوست مؤخرابكون حساسية الظروف التي تعيشها أمريكا وعجزها التجاري ومتاعبها الخارجيةومشاعر الإحباط العامة تحتم اتخاذ قرارات حاسمة لا يمكن أن تتخذ في أجواءانتخابية ومزايدات سياسية.
الكاتبان خلصا إلى أن الانتخابات الماضية كانت استفتاء على شعبية أوباماوالديمقراطيين أسفرت عن تصويت بعدم الثقة فيهما معا، وأن أفضل ما يمكن أنيفعله أوباما حاليا هو أن يعلن أنه رئيس لولاية واحدة ويحاول استعادة بعضمن الزخم الذي أوصله إلى السلطة قبل عامين.
الكاتبان ذكرا باراك اوباما بتصريح أدلى به قبل حوالي عام لمحطة اي بيسي قال فيه إنه يفضل أن يكون رئيسا من ولاية واحدة على أن يكون رئيساضعيفا بولايتين، مؤكدين على أن القرار ليس سهلا لكن انقسام الأمريكيينوالتحديات الجسيمة التي يواجهها البلد تحتم زعامة تاريخية من شاكلة ماتعهد به في الانتخابات الرئاسية قبل عامين.
لكن أوباما، الحيوان السياسي الطموح، قد لا يسمع بتلك النصيحة مما يضمنحملة انتخابية رئاسية هي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة قد تبدأ معمطلع العام القادم بين جمهوريين فرحين بغضب الشارع وديمقراطيين غاضبين علىفقدان الشارع.
المؤشرات في واشنطن وقبل أن يصل المخلصون الجدد لا تبعث على الارتياح، إذأشارت بعض المصادر إلى استعداد البيت الأبيض لتجنيد جيش من المحامينللدفاع عن الرئيس في «تحقيقات الفساد» التي يزعم أن حكومة باراك أوباما قدارتكبتها خلال العامين الماضيين، لكن زعامة الجمهوريين الجدد لم تستطعالإشارة إلى نموذج واحد لتلك الجرائم المزعومة، ويبدو أن أسمى هدف يريدالجمهوريون تحقيقه هو ما أعرب عنه زعيمهم في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل،وهو «جعل الرئيس باراك اوباما رئيسا من ولاية واحدة»
وحسب استطلاع لـ«النيويورك تايمز» فإن نسبة كبيرة من الوجوه الجمهوريةالجديدة لاتؤمن بظاهرة الاحتباس الحراري-لأن كبريات الشركات لايعجبها ذلكالعلم المشاغب- كما أنها تريد تعديل الدستور لحرمان الأطفال المولودين على التراب الأمريكي من الجنسية الأمريكية التلقائية.
أولويات الجمهوريين التي تتعارض مع أولويات الحزب الديمقراطي- وإن كانالقاسم المشترك هو العودة إلى السلطة والبقاء فيها أطول فترة ممكنة لمصرحيق الخزينة- سيعمق أرق الناخب الأمريكي العادي خاصة الفقير منه الذييراقب بلده يتحول أمام عينيه المجردتين وفي الزمن الطبيعي من قوة عظمىإلى رجل مريض.
محمد العلمي
المساء
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
مواضيع مماثلة
» سفينة عملاقة تضر بالبيئة أكثر من كل سيارات العالم
» العلماء الأميركيون طوّروا أكثر مادة انزلاقاً في العالم
» أكثر 10 نساء في العالم لعام 2009 يمثلن قمة الأنوثة والجاذبية
» ميزانية محمد علي قبل 178 سنة
» لودوفيك دي كامبو: الإمبراطورية المتداعية
» العلماء الأميركيون طوّروا أكثر مادة انزلاقاً في العالم
» أكثر 10 نساء في العالم لعام 2009 يمثلن قمة الأنوثة والجاذبية
» ميزانية محمد علي قبل 178 سنة
» لودوفيك دي كامبو: الإمبراطورية المتداعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى