كفاية..!
صفحة 1 من اصل 1
كفاية..!
أثارت
سيطرة البرامج التلفزيونية وهيمنتها على حياتنا اليومية، جدلاً واسعاً
أفرز مع الوقت الكثير من وجهات النظر المتضاربة والمتعاكسة بين السلب
والإيجاب. وتركزت الآراء بمجملها حول دور التلفزيون من خلال نوعية ومستوى
البرامج التي يقدمها من النواحي: التربوية، الاجتماعية، السياسية، الفنية،
الأخلاقية إلخ. وظهر لنا بالتواتر والممارسة مدى اصرار أصحاب الأمر في
«البث» الأرضي والفضائي، وفي غالبية المحطات على «فرض» وتعميم رغباتهم
«الشخصية» في نوع الغناء الذي يستسيغون، و«فرض» آخر صرعات الفيديو كليب
الذي على ايقاعاته وضجيجه يرقصون، حتى أصبح المواطن العربي - على أيديهم -
لا يستطيع تناول طعامه أو شرابه، إلاّ وهو «يَتَرَقْوَصْ»! ولا يقوم بمهام
وظيفته إلاّ وهو يهزّ! ولا يحاور ويناقش إلاّ وهو يتخلوَع! والعلكة في
فمه، والحلوق في أذنيه وأنفه وحاجبيه! والوشم يملأ خدّيه وساعديه وقفاه!
ولقد
اكتشف العالم أجمع من خلال مشاهدته محطاتنا الفضائية بأننا شعب تغمره
السعادة، ويعيش ضمن مجتمعات خالية من التعقيد والعقد، ولا يشكو من الأزمات
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... فهو دائماً مُكَلَّل بأزاهير الغبطة
والحبور، وبراعم الفرح والسرور. فالشاشات الفضيّة «تنغل» بحمّى الرقص،
وتحفل بكل أنواع الفوازير والمسابقات المنسوخة حرفياً عن برامج أجنبية
معروفة! وعلى صفحاتها الغرّاء تتهادى شتى طوالع الأبراج، وعجائب طب
الأعشاب، الى جانب أحدث فتاوى الطبخ وطرق «عمل» الكباب! والاستفاضة بشرح
المعاني العميقة للأبعاد الايديولوجية لـ«التبولة» اللبنانية وعلاقتها
البنيوية بتجليات أكلة «الكبسة» العربية، ثم تأثيرها في خفوت بحّة صوت
«هيفاء»! وانعكاس كلمات أغنية «بوس الواوا» على فحوى وجوهر القرارات
الأخيرة لمجلس جامعة الدول العربية!!
وبعد أن عانى العرب طويلاً وطأة
التشرذم والتفتّت والتشتّت والتيه والضياع والانقسام، تقدم التلفزيون، ومن
منطلق «قومي» بحت، وأطلق هذا النمط الجديد من الأغاني بمضامينها الفكرية،
وبأصوات حناجر تَطْفَح بالغنج واللهفة والدلال! ليتشكل من حولها وبفضلها
ذاك الإجماع العربي المنشود!! ويعلو بتأثيرها الحسّ التضامني ويصبح الحلم
حقيقة ساطعة، في تحقيق الوحدة العربية الشاملة من المحيط الى الخليج!
وهكذا،
تَبَيَّنَ أن «الرقص» الغنائي قد حقّق، ما لم تستطع أن تحققه كل الثورات
والانتفاضات العربيَّة، وكل برامج وخطط ونظريات ونضال الأحزاب والحركات...
فيا
أيها القيّمون على التخطيط البرامجي، يا من تملكون مفاتيح ومقاليد الأمور،
وتمسكون بسياسة البث البصري، أود أن أقول لكم «كفاية... كفاية»، فنحن لا
نريد أن نَتَوَحَد حول هذه البرامج، ونحن - وربما للمرة الأولى- لا نريد
هذه الوحدة العربية!!!
د. غازي قهوجي
منصور- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 1943
العمر : 44
Localisation : loin du bled
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى