الآفاق المستقبلية للحوار بين الـمسلمين والغرب
صفحة 1 من اصل 1
الآفاق المستقبلية للحوار بين الـمسلمين والغرب
تصحيح صورة الاسلام في الغرب ضرورة حضارية
إن كل من يدرس الاسلام ورسالته الخالدة بصدق وإخلاص، يجده متفقا مع الفطرة البشرية السليمة، مستجيبا لتطلعات الناس، قائما على منهج رباني صحيح، يشمل كل جوانب الحياة في بساطة ويسر، ومن هنا كانت نظرة المسلمين إلى الكون قائمة على التعاون والتكافل، وليس على الصراع والنزاع أو البقاء للأقوى كما هي عند الآخرين. إن الصورة التي صنعها الغرب للاسلام والمسلمين انطلاقا من هزيمته في الحروب الصليبية، تقوم على أن الاسلام دين البطش والقوة والسيف، وأنه دين الرجال دون النساء، وأنه يحارب العلم والمدنية، وجاء الاستشراق والاستعمار ليعمق الهوة بين الحضارتين، وليزيد الصورة تشويها واضطرابا في أعين الغرب وهنا تكمن حقيقة دور المسلمين اليوم في تغيير هذه الصورة المشوهة، بتصحيح تلك المفاهيم الخاطئة عن الاسلام، التي دفعت الغرب إلى الصراع مع العالم الاسلامي، وإعلان الحرب عليه، باعتباره عدوا لذوذا، مما دفع المفكر الاسباني غويتسلو للقول: بأننا خاضعون لغسل دماغ كامل ضد العرب والمسلمين (1) إن وسيلتنا لتصحيح صورة الاسلام في الغرب، لابد أن تستهدف تبيين الحقائق، وتوضيح المفاهيم الخاطئة، وكشف حجب الحقد والضعينة التي سجعتها الكنيسة والاستعمار والاستشراق، لتكون العلاقة بيننا وبينهم علاقة صراع وتدافع وعداء، كما ذهب إلى ذلك «صامويل هينتيغتون» قبل أن يعود إلى الصواب في بداية هذه السنة بالاعتراف بخطئه والرجوع إلى الحقيقة. (2) تصحيح الأغاليط. وسأقتصر هنا على مثلين اثنين من القضايا التي وقع الغرب في أغاليطها، وهما: القدس، والمرأة: 1ـ قضية القدس: لقد أثرت نظرية (صراع الحضارات) التي قامت على مفهوم خاطئ، في تصور كثير من القضايا ذات الحساسية، كقضية القدس، إذ أننا نجد الغرب لا يفهم أهميتها بالنسبة للمسلمين، باعتبارها قضية دينية وثقافية مرتبطة بالشعور وليس بالمصالح، ومن ثم الخطأ في ترك إسرائيل تهدم بيوت الفلسطينيين، وتبني المستوطنات في هذه المدينة المقدسة، تحديا لمشاعر المسلمين، وخرقا لمعاهدة السلام الدولية الأمر الذي ظهر في إجماع الأمة الاسلامية كلها، على التشبث بالقدس، والانتصار لقضيتها، بالرغم من أن أغلب الدول الاسلامية ليست لها مصالح فيها، ومع ذلك يعتبرونها قضية دينية وثقافية أي سياسة بالغة الأهمية، وجوهر الخلاف بيننا وبين الغرب. 2 ـ حرية المرأة في الاسلام إن حرية المرأة تتحقق بمعرفة طبيعتها، والحفاظ على تلك الطبيعة، وقد اعترف الاسلام بكامل حقوقها وواجباتها كشقيقها الرجل، كما روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم): إنما النساء شقائق الرجال» (3) وإن سعادتها تتحقق بالعناية بدورها في الحياة كطرف أساسي في المجتمع إلى جانب الرجل، وقيامها بمسؤولياتها لاستقامة حياتها، أي أن الحرية تكمن في الخضوع والطاعة لرب العالمين، ولنضرب لذلك مثلا يتضح فيه الأمر، وهو الزي الاسلامي للمرأة، فقد اختلف الناس كثيرا حول هذا الأمر في الغرب، باعتباره لا يناسب العصر، ويجعلها أسيرته كما قالوا(4). إن هذا المفهوم الغربي الخاطئ جاء من عدم معرفتهم للاسلام، وسوء فهمهم لحقائقه وتعاليمه، واعتقادهم بأن العالم كله ينبغي أن يسير بسيرتهم، وأن لا حضارة إلا حضارتهم، غير أن التيار الأساسي القائم اليوم في الغرب، وخاصة الذين دخلوا الاسلام من أبنائه، يثبتون عكس ذلك، فكثير من نساء الغرب اللائي أكرمهن الله بنور الاسلام، يرتدين اللباس الاسلامي، معتبرينه الزي الحق الذي يناسب طبيعة المرأة، ويحفظ كرامتها، ويحقق طمأنينتها وسعادتها، لأنه يقيها من أي شكل من أشكال المساس بكرامتها، ويحميها من استغلال جسدها وسيلة للدعاية، والعرض الرخيص، ولا يشكل إهانة للمرأة، أو عبودية لها، أو قيدا على حريتها، كما أن كثيرات منهن وجدن أن بقاءهن في البيت للقيام بشؤون الأسرة وتربية الأولاد، ليس حكما بالسجن، كما كان الاعتقاد سائدا في الغرب، بل هو واجب سام يحقق التربية الصحيحة ل للأبناء وحسن رعايتهم. 3 ـ دور الاعلام في تبصير الناس بحقيقة الإسلام لاينكر أحد اليوم الدور البارز للاعلام في العالم كله، ومدى تأثيره علي توجيه الأحداث، بسبب التسارع لتكنولوجي ، والتقدم العلمي الذي جعل العالم كله قرية صغيرة، تقاربت أنحاؤها، وفتحت أبوابها. ومعلوم أن الفهم الخاطئ للاسلام وقيمه في الغرب، تعكسه بصورة متحاملة مختلف وسائل الإعلام، التي كان لها الدور البارز في تشويه هذه الصورة، والايحاء بأنه «طاعون العصر» و «عدو الغرب». ولذلك يكون من آكد الواجبات على المسلمين، استغلال وسائل الإعلام كلها، وبشتى الوسائل والمخططات، لتصحيح صورتنا، وتبديد الشكوك والأوهام الخاطئة، خاصة وأن قضية فلسطين والثورة الإيرانية، سعرت الحرب الإعلامية ضدنا، واستغلت أحداثها لزيادة العداء للاسلام، كما أكد ذلك المفكر إدوارد (5) وكما أكد ذلك الكاتب الاسباني «خوان غويتسلو» إننا خاضعون لغسل دماغ كامل ضد العرب والمسلمين» (6). ويعتبر توجيه النشاط الاسلامي بطريقة صحيحة، بالاستفادة من وسائل الاعلام الحديثة في نشر الدعوة ورد الشبهات، وتوضيح المفاهيم واجبا إسلاميا مقدسا، ينبغي أن تتضافر الجهود للقيام به، بتسخير سائر وسائل الاعلام لذلك، لما لها من أهمية في عالم اليوم، ومد الجسور بيننا وبين المؤسسات الاعلامية في الغرب من أجل الوصول الى هذا الهدف الكبير، وهو تصحيح صورة الإسلام، وإنني لأكتفي بمثل قريب وقع أخيرا في أمريكا، إذ قام الاعلام الأمريكي بأفضل تغطية ممتازة لموسم الحج في هذه السنة عبر برنامج AIGHILIVÉمحطة ABCN، وكان البرنامج دعوة كريمة للاسلام، وإظهاراً لمنسك من أعظم مناسكه، حقق آثارا طيبة في الشعب الأمريكي كما اعترفت بذلك وسائل الإعلام الأمريكية نفسها. (7). شهادات معاصرة بسماحة الاسلام وصلاحيته لهداية البشرية اليوم أخذ نور الاسلام وإشعاعه الايماني الباهر، يفتح العقول، ويغزو القلوب، لافي أوربا وحدها، ــ ولا في آسيا وإفريقيا، بل عم نوره أرجاء العالم وأنحاءه جميعا، وأخذ الساسة والمفكرون، والعلماء والدارسون، يتأكدون أنه النبع الذي تفجرت منه المعارف الانسانية المعاصرة، وأنه أساس الحضارة الغربية الحاضرة، وأن دعوته تستهدف وحدة البشرية وخيرها ورفاهيتها، دون اعتبارات اللون والجنس، واللغة والمكان، وتستقطب ظاهرة الاقبال الكبير على اعتناق الاسلام والدخول فيه طواعية، أغلب الشرائح المكونة للمجتمعات البشرية، إذ يلاحظ، في فرنسا وحدها أنه اعتنف الاسلام أكثر من مائة الف فرنسي، بمبادرات ذاتية، وكان دافعهم الأساسي قوته الذاتية، واستجابته للفطرة الانسانية، خاصة بعد انهيار الشيوعية، وانحسار المبادئ المادية والاشتراكية، إذ وجدوا في الاسلام إنقاذا لهم من الضياع، وأن فيه استقامة الحياة، وطمأنينة الضمير، وطهارة السلوك، فأقبلوا على دين الله بقلوب متفتحة، وعقول واعية، فحسن إسلامهم، وأصبحوا القدوة لأسرهم ولغيرهم، في اعتناق الاسلام، وسأقتصر هنا على ثلاث شهادات، لثلاثة من المشاهير في العالم كله، تدليلا على قوة الاسلام الذاتية، وصلاحه لكل زمان ومكان، وأنه البديل الوحيد لكل هذه الاديولوجيات والنظريات التي وضعت العالم في متاهات المادية والضلال. 1 ـ شهادة الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة البريطانية من خصال الإسلام البارزة، تأثيره في النفوس، وإشعاعه على القلوب، بفعل استجابته للفطرة الإنسانية، الى حد أن يقدم الاسلام رجل متميز في الغرب ـ وهو غير مسلم ـ على أنه البديل والمعين على حفظ التوازن الحضاري، ويدعو إلى استلهامه لمقاومة المادية الغربية، واعتبار التراث الاسلامي مثالا على كيفية اندماج الروحانية مع العصرية. ولقد عبر الأمير تشارلز عن إعجابه بالاسلام، وتعاطفه معه، في محاضرة ألقاها في جامعة أكسفورد سنة 1993، لقيت أصداء كبيرة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في انجلترا، ثم عاد أخيرا لتجديد تقديره للاسلام ـ عن قناعة ثابتة ـ وفتح نوافذ الحوار بن الغرب والاسلام. وقد جاءت دعوة الأمير في اجتماع خاص عقده في قاعة المؤتمرات بوزارة الخارجية البريطانية في ويلتون بارك وسط حشد من الأكاديميين، والزعماء الدينيين، ورجال الأعمال، والعاملين في المؤسسات البريطانية، وأحب أن أورد هنا بعض الأفكار الرئيسية التي جاءت في محاضرة الأمير تدعو إلى التقارب مع المسلمين، والاقبال على مبادئ الاسلام، وقيمه السامية، وإلى بناء صرح التفاهم والتقدير المتبادل بين الاسلام والغرب، ومما جاء فيها: اختلاف التوازن في الحضارة الغربية، وضرورة الاستفادة من التراث الاسلامي لتصحيح النظرة الكلية للكون والإنسان. إن المادية المعاصرة أحدثت خللا مروعا في حياة الفرد والمجتمع، لأنها مادية فقدت عنصرالتوازن الضروري لحياة سوية متناسقة متكاملة، ولقد بدأنا نحن أبناء العالم الغربي، نشعر بأننا قد فقدنا الاحساس الكلي بالكون والبيئة، وبمسؤولياتنا الشاملة إزاء الخلق، ويمكن لنا نحن أبناء الغرب من أجل إعادة اكتشاف الفهم الأصيل لوجودنا ومهمتنا، أن نلتمس العون على ذلك من التراث الاسلامي المشبع بالنظرة الكلية الأصلية، إلى الكون والإنسان، كما يمكن لنا الاستفادة من هذا التراث في تحسين نظرتنا نحو الأفضل في الخلافة العلمية للانسان: كما عبر فيها عن انفصال العلم عن الدين وأثره السيء على الحياة الغربية. لقد شهدت القرون الثلاثة الأخيرة ـ في الغرب ـ انقساما خطيرا في طريقة رؤيتنا للعالم المحيط بنا، فقد حاول العلم بسط احتكاره، وسطوته المستبدة، على طريقة تفكيرنا وفهمنا للعالم، وانفصل العلم عن الدين، إن العلم أدى خدمة جليلة بتبيانه لنا، أن العالم أكثر تعقيدا مما نظن. بيد أن العالم في شكله المادي الأحادي الحديث، قد عجز عن تفسير كل شيء، ولا شك أن انفصال العلم والتكنولوجيا عن القيم والموازين الأخلاقية قد بلغ حدا مروعا مفزعا. ويقول عن حاجة الحضارة الغربية أن تتعلم من الاسلام: «إن الثقافة الاسلامية، جاهدت للحفاظ على الرؤية الصحيحة المتكاملة للعالم، وعلى نحو افتقدناه نحن خلال الأجيال السابقة في الغرب، وهناك الكثير مما يمكن لنا أن نتعلمه من رؤية العالم الاسلامي في هذا المضمار، وهناك طرق شتى لبناء صرح الفهم والتقدير المتبادل، ولعلنا نستطيع على سبيل المثال، أن نبدأ بزيادة عدد المعلمين المسلمين في المدارس البريطانية، إننا نحتاج إلى أن يعلمنا معلمون مسلمون، كيف نتعلم بقلوبا كما نتعلم بعقولنا، وإن اقتراب بداية الألفية الثالثة، قد يكون الحافز المثالي الذي يحفزنا إلى استكشاف هذه الصلات وتنشيطها. وآمل ألا تفوت الفرصة السانحة التي تتيح لنا اكتشاف الجانب الروحي في رؤيتنا لوجودنا كله. إن رسالة الاسلام مهمة للغرب، فهي أكثر تكاملا وتوحيدا للعالم (8). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هوامش: 1) ـ أنظر مجلة الرائد «ألمانيا» العدد: 132 ـ ص 36 ـ يناير 1991. 2) ـ قام صمويل هنتينغتون بنشر مقاله الشهير (صراع الحضارات) في صيف عام 1993 بمجلة شؤون خارجية، والحديث عن التهديد الإسلامي للغرب ثم عاد وصحح نظريته في بداية سنة 1998. 3) ـ حديث شريف رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي وأبو داود في سننيهما عن عائشة رضي الله عنها ـ المسند 6/256 ـ مختصر شرح الجامع الصغير للمناوي 1/176 ـ. 4) مجلة العالم - لندن - العدد: 309 ص 28 يناير 1996 . 5) ـ تغطية الإسلام إدوارد سعيد ـ ترجمة سميرة نعيم ـ بيروت 1983 ـ ص 10. 6) ـ أنظر مجلة الرائد (ألمانيا) العدد: 132 يناير 1991 ـ ص: 36. 7) ـ جريدة عكاظ السعودية ـ العدد: 11216 السنة 39 ـ 2/5/1997 ص: 8. 8) انظر نص المحاضرة في جريدة «الشرق الأوسط» العدد 6598 ـ ص: 9 بتاريخ: 21/12/1996. للدكتور يوسف الكتاني -العلم18/3/2011 |
sabil- عدد الرسائل : 584
العمر : 46
Localisation : Errachidiya
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى