قراءة في دلالات مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب
صفحة 1 من اصل 1
قراءة في دلالات مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب
صادقت
المملكة المغربية على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب على
هامش الاجتماع الحكومي ليوم الخميس 26 ماي الاخير والتي تندرج في ملاءمة
البنية التشريعية مع المبادئ الكونية لحماية حقوق الانسان والانسجام مع
دينامية تأصيل تجريم التعذيب في الدستور المغربي المرتقب ، التي تروم ضمان
الحقوق الاساسية مثل الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية وضمان
التناسق بين الوثيقة الدستورية و الممارسة القانونية للدولة.
فالمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب تتفاعل مع
خطاب الملك لتاسع مارس في الشق المتعلق بدسترة توصيات هيئة الانصاف
والمصالحة واعتبار الدستور المرتقب وثيقة الحقوق والحريات ، وتتفاعل مع
وتيرة تحويل السبل والصيغ القانونية التي تضمنتها مقترحات التعديل الدستوري
للاحزاب السياسية و المكونات النقابية والحقوقية القادرة على نقل إشارات
ومضامين التحول الديمقراطي نحو دولة الحق والمؤسسات.
جاء الإعلان عن مصادقة الدولة المغربية عن البروتوكول الاختياري لاتفاقية
مناهضة التعذيب في ظرفية خاصة, حيث يؤكد بعض المعتقلين الإسلاميين
المتابعين في قضايا الإرهاب تعرضهم للتعذيب في معتقل سري بتمارة وهو ما
تنفيه بشدة السلطات الرسمية والتي فتحت نتيجة ذلك أبواب المديرية العامة
لمراقبة التراب الوطني بتمارة لزيارة الوكيل العام لمحكمة الاستئناف
بالرباط والمسؤولين عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذين نفوا جميعا أي
وجود لمعتقل سري بتمارة.
وتجب الإشارة إلى أن هيئة الإنصاف والمصالحة اعتبرت في تقريرها الختامي
أن المصادقة على البروتوكول الاختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب هي إحدى
الضمانات الاساسية لعدم تكرار ماجرى في سياق معالجة ماضي الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الإنسان والتي أثمرت مجموعة من التوصيات في التقرير الختامي
والتي تبقى رهانا حقيقيا لمصالحة المغاربة مع تاريخهم وحفظ الذاكرة وتجاوز
مآسي سنوات الجمر والرصاص ونقل العلاقة التي تجمع بين الدولة والمواطن من
مجال السيادة المطلقة إلى مجال تقنين المسؤولية القانونية للدولة، بتقييد
حرية تصرف المؤسسات مع المواطنين من أجل تطبيق المعايير الدولية لحقوق
الإنسان كضوابط قانونية تحكم سلوك الدولة في إطار تعاملها مع مواطنيها.
إن مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري تروم وضع نظام وقائي من خلال
القيام بزيارات لمراكز الاعتقال والاحتجاز بشكل منتظم من طرف هيئات دولية
ووطنية، وذلك من أجل الدفع بالدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع جميع
أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو
المهينة.
-1 الالتزامات المتعلقة بانضمام المغرب إلى البروتكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب
يلزم البروتوكول الاختياري الدولة المغربية بعد المصادقة، على احترام
مجموعة من المعايير الدولية المنصوص عليها في المواد 12 إلى 15 من
البروتوكول الاختياري والتي تندرج في سياق احترام الإجراءات والمساطر
الموكولة للجنة الفرعية:
ا- تسهيل الزيارات
لأماكن الاعتقال أو الاحتجاز
تلتزم الدولة المغربية باستقبال اللجنة فوق أراضيها، وتضمن إجراءات تسهيل
زيارة أماكن الاحتجاز وفق مقتضيات المادة 4 من البروتوكول، وذلك من منطلق
احترام اختيار اللجنة بكل حرية للأماكن التي ترغب في زيارتها، بما فيها
مراكز الاعتقال أو الاحتجاز (المادة 14 الفقرة 1).
وبناءا على ذلك، لا يمكن للدولة المغربية أن ترفض تقديم التسهيلات الضرورية
لزيارات اللجنة لمراكز الاعتقال وأماكن الاحتجاز، سوى في حالة واحدة، إذا
كانت الأماكن تندرج في إطار المجال المحفوظ للدولة كالدفاع الوطني.
ب- تسهيل تنظيم اللقاءات مع المعتقلين
تلتزم الدولة بتقديم التسهيلات الضرورية للجنة، لعقد اللقاءات التي تعزم
تنظيمها مع جميع الأشخاص المتواجدين داخل السجون أو مراكز الاعتقال بشكل
مباشر وبدون حضور أي طرف آخر، سوى في حالة إذا ما استدعت الضرورة وجود
مترجم عند الحاجة، كما تلتزم الدولة تلبية طلب اللجنة بإحضار أي شخص يمكن
أن يقدم معلومات أو إفادات تندرج في سياق موضوع الزيارة.
ج- تقديم المعلومات والإفادات
تلتزم الدولة بإعطاء اللجنة الفرعية جميع المعلومات المتعلقة وضعية
الأشخاص المحرومين من حريتهم داخل السجون ومراكز الاعتقال، والتي تهم معرفة
أعدادهم وبأماكن اعتقالهم أو احتجازهم وملفاتهم الطبية، وغير ذلك من
الإفادات التي تعتبر ضرورية من أجل دراسة وتقييم أوضاعهم داخل السجون
والمعتقلات.
د- حماية الشهود
تلتزم الدولة المغربية وفق مقتضيات المادة 15 من البروتوكول الاختياري،
بضمان حماية الشهود من أجل تقديم المعلومات أو الإفادات التي تعتبر ضرورية
للجنة من أجل دراسة وتقييم الأوضاع داخل السجون والمعتقلات.
ومن جانب آخر، تقدم اللجنة الفرعية تقريرا سنويا إلى لجنة مناهضة التعذيب
حول المهام التي أنجزتها وفق مقتضيات المادة 16 الفقرة 3 من البروتوكول
الاختياري من جهة أولى، وأيضا تقدم اللجنة في نفس التقرير حصيلة إعمال
مقتضيات الاتفاقية الدولية والخروقات المرتكبة من طرف الدول الأعضاء
والتوصيات المتعلقة بالإجراءات والآليات الوطنية لمنع التعذيب وفق مقتضيات
المادتين 12 و14 من البروتوكول الإضافي.
-2 آليات الوقاية في البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب
جاء اعتماد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من
ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة في ديسمبر
2002، في سياق برنامج عمل فيينا في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان لعام
1993، حيث أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على أهمية البروتوكول
الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة
القاسية أو اللإنسانية أو المهينة في إحدى توصياتها بتاريخ 8 يناير 2002.
ويتبين أن البروتوكول الإختياري يسعى إلى الانتقال من مرحلة «المناهضة»
التي جاءت في مقتضيات الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب إلى مرحلة
«الوقاية»، وذلك بتكريس آليات وقائية تتجسد في الزيارات الميدانية لأماكن
الاعتقال والاحتجاز أو أي مركز آخر، قد يتواجد فيها أشخاص محرومون من
حرياتهم، وتقديم تقارير عن ظروف الاعتقال بها وشهادات المعتقلين عن
المعاملة بداخلها.
ويتناول البروتوكول الاختياري الاختصاصات والمهام الموكولة للجنة الفرعية في المادة 10 والتي تتجلى فيما يلي:
- ضمان المساعدة الفنية والقانونية للدول الأطراف بشأن وضع وإعمال الآليات
الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية
أو اللانسانية أو المهينة.
- توفير التدريب وتعزيز القدرات الوطنية من أجل إعمال الآليات الوطنية لضمان حماية الأشخاص المحرومين من حرياتهم.
- التعاون مع هيئة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية
وبخاصة ذات الصلة بقضايا مناهضة للتعذيب والوقاية منه، وذلك في سبيل تعزيز
حماية الأشخاص من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو
اللإنسانية أو المهينة.
ويمكن اعتبار هذه المحطة الهامة في تاريخ حقوق الانسان بالمغرب المتعلقة
بالمصادقة على البروتوكول الاختياري هي مناسبة للتفكير في إحداث آلية وطنية
لمناهضة التعذيب تروم الانخراط في دينامية نشر الوعي الحمائي في مجال
التعذيب لدى المكلفين بانفاذ القانون لرقابة مدى الامتثال للضمانات
المنصوص عليها في البروتوكول الاختياري والتي تهم أقسام الشرطة، ومراكز
قوات الأمن، واماكن الاعتقال في فترة الحراسة النظرية ، والسجون، ومراكز
الأحداث، ومناطق العبور بالمطارات ، ومراكز طالبي اللجوء، ومؤسسات العلاج
النفسي.
3- التدابير والاجراءات
المتعلقة بمنع التعذيب
تتضمن الاتفاقية الدولية المتعلقة بمناهضة التعذيب التي سبق للمملكة
المغربية المصادقة عليها، مجموعة من التدابيرالتي تروم اتخاذ إجراءات
إدارية و قضائية لمنع أعمال التعذيب.
فالمادة 2 تلزم الدول الاطراف باتخاذ التدابير التشريعية أو الإدارية
أو القضائية الفعالة، أو أي إجراءات أخرى تستهدف منع التعذيب داخل أي إقليم
خاضع لولايتها القضائية.
فالإجراءات الواجب اتخاذها في سياق المادة 2 الفقرة 1 من الاتفاقية هي
إجراءات تتعلق بالأساس بالضمانات التي تلزم الأطراف بتوفيرها في سياق حماية
الحق في السلامة البدنية، ومن أبرز الأمثلة عليها: تحريم الحبس الانفرادي
وحق المحتجزين بالاتصال بمحام وحق المعتقلين في الاتصال بطبيب وبالحصول على
خدماته الطبية، والتزام الدول بحفظ سجلات خاصة بالسجون ومراكز الاحتجاز
والحق في المحاكمة.
ومن المبادئ الأساسية التي جاءت بها الاتفاقية في المادة 3، مبدأ عدم طرد
أي شخص أو تسليمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت أسباب حقيقية تدعو إلى
الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.
أما المادة 4 فتقوم بتكريس واجب الدولة الطرف في الاتفاقية المتعلق بالقيام
بإصلاح تشريعي لتجريم «جميع أعمال التعذيب»، وكذلك تجريم أي «محاولة
لممارسة التعذيب» والقيام بأي عمل آخر «يشكل مشاركة في التعذيب».
وألزمت المادة 5 كل دولة طرف أن تتخذ ما يلزم من الإجراءات لإقامة ولايتها القضائية على جميع أعمال التعذيب في الحالات التالية:
- عند ارتكاب هذه الجرائم في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية ؛
- عندما يكون مرتكب الجريمة من مواطني تلك الدولة؛
- عندما يكون الضحية من مواطني الدولة.
هذا في حين أن المادة 6 قد ألزمت كل دولة تقوم باحتجاز شخص ما، أن تخطر على
الفور الدول المشار إليها في الفقرة أ من المادة 5، باحتجاز هذا الشخص
وبالظروف التي تبرر اعتقاله، وعلى الدولة المعنية التي تجري التحقيق الأولي
أن ترفع بسرعة ما توصلت إليه من نتائج إلى الدول المذكورة مع الإفصاح، عما
إذا كان في نيتها ممارسة ولايتها القضائية.
ويتبين أن المواد 4 و5 و 6 من اتفاقية مناهضة التعذيب قد حددت التزام الدول
الأطراف في أمرين أساسيين، أولا الالتزام بإدراج التعذيب في قوانينها
الجنائية الوطنية وثانيا الالتزام بالمعاقبة عليها بعقوبات تتناسب مع
خطورتها.
كما تؤكد المواد 7 و8 و9 إلى الإجراءات التي يجب اتخاذها أثناء معاقبة
الجاني وكذلك الإجراءات المتعلقة بتسليم المجرمين. ويتبين أن هذه المواد
الثلاث تلزم الدول الأطراف باتخاذ مجموعة من الإجراءات لمناهضة الإفلات من
العقاب، حيث أن الدول ملزمة بإحالة أي شخص مشتبه فيه إلى سلطاتها القضائية
من أجل محاكمته أو القيام بتسليمه إلى دولة أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار
توفر ضمانات المحاكمة العادلة وأيضا تقديم المساعدة القضائية المتعلقة بجمع
الأدلة في سياق مناهضة الإفلات من العقاب.
لقد ركزت اتفاقية مناهضة التعذيب في مادتها 10 على أهمية التعليم
والإعلام وبرامج التكوين والتدريب للموظفين الذين يعملون في مجال إنفاذ
القانون، كشكل من أشكال الوقاية من التعذيب. وحسب الفقرة الأولى من هذه
المادة يجب على كل دولة طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب، أن تدرج حظر
التعذيب في برامج تدريب الموظفين العموميين أو غيرهم ممن تكون لهم علاقة
باحتجاز أي فرد معرض لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن أو
باستجواب هذا الفرد ومعاملته.
كما يجب بمقتضى الفقرة الثانية إدراج حظر التعذيب في القوانين والتعليمات
التي يتم إصدارها في ما يخص واجبات ووظائف الأشخاص الذين جاء ذكرهم في
الفقرة الأولى، وألزمت اتفاقية مناهضة التعذيب كل دولة طرف فيها بإنصاف كل
ضحية يتعرض لأعمال التعذيب وبحقه العادل «في تعويض مناسب بما في ذلك إعادة
تأهيله على أكمل وجه ممكن».
إضافة إلى ذلك، إن المادة 11 تنص على قواعد الاستجواب ومعاملة المحرومين من
حريتهم، حيث تلتزم الدول الأطراف بوضع قواعد الاستجواب، وتعليماته
وأساليبه وممارساته، وكذلك الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الأشخاص الذين
يتعرضون لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن في أي إقليم يخضع
لولايتها القضائية، وذلك بقصد منع حدوث أي حالات تعذيب.
إن نطاق تطبيق المادة 11 يهم تحديد قواعد الحرمان من الحرية والضمانات
المتعلقة باحتجاز ومعاملة الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من إشكال التوقيف
أو الاعتقال أو السجن وذلك بشكل يلزم الموظفون الذين ينتمون إلى سلطات
إنفاذ القانون باحترام هذه القواعد والضمانات من أجل تفادي ارتكاب الأفعال
التي تندرج في جريمة التعذيب وذلك في جميع مراحل الاستجواب والتحقيق
والاحتجاز.
إن المادة 11 ترمي إلى إلزام الدول الأطراف بإعمال إجراءات المراقبة
وزيارة أماكن الاعتقال والاحتجاز بشكل مستمر وغير معلن عنها كتدبير وقائي
لمنع التعذيب وجميع ضروب المعاملة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة.
كما تهدف المادة 12 إلى قيام السلطات المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما
وجدت أسبابا معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب
في الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية.
إن المادة 12 تدعو الدول الأطراف بأن تقوم بإجراءات التحقيق التلقائي دون
انتظار تقديم الشكاوى من الضحايا كلما ثبت لها وقوع أعمال تندرج في جريمة
التعذيب وتقصي الحقائق بالاعتماد على شهادات الشهود والاستماع إلى الضحايا
وإجراء فحوصات طبية وإجراء تحقيقات سريعة ونزيهة تقوم مع استجواب جميع
الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية في ارتكاب عمل من أعمال التعذيب من أجل
الوصول إلى الحقيقة وعدم حماية الموظف الرسمي في حالة ارتكابه أو علمه أو
إعطاء أوامره بارتكاب جريمة التعذيب، أما بالنسبة للمادتين 13 و 14 فهما
يتعلقان بحقوق الضحايا في حالة التعرض لجريمة التعذيب.
فالمادة 13 تضمن لأي فرد يدعي بأنه قد تعرض للتعذيب الحق في أن يرفع شكوى
إلى سلطاتها المختصة وفي أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة
وبنزاهة، وينبغي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من
كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأي أدلة تقدم.
وتتخذ الدول الأطراف ملزمة بمقتضى المادة 13 التدابير والإجراءات الضرورية
التي تمكن ضحايا التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو
المهينة من ممارسة حقهم في التظلم دون خوف من أي تهديد أو ترهيب من أي جهة
كيفما كانت أو التعرض لعمل ثأري أو انتقامي بسبب ذلك، قد يمارس على الضحية
أو أحد أفراد أسرته.
وفي هذا الإطار، تتحمل الدول مسؤولية الحماية الجسدية للضحايا والشهود وكل
من يتوفر على أدلة تثبت ذلك، وتلتزم بإجراء تحقيق سريع ونزيه وتقصي الحقائق
من أجل الوصول إلى كشف الحقيقة وتقديم المشتبه فيهم إلى القضاء للمتابعة
الجنائية.
أما المادة 14 فهي تتعلق بحق الضحايا في الإنصاف والتعويض العادل:
أ- تضمن كل دولة طرف في نظامها القانوني، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال
التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل
إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفي حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من
أعمال التعذيب، يكون للأشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض.
ب- ليس في هذه المادة ما يمس أي حق للمعتدى عليه أو لغيره من الأشخاص فيما قد يوجد من تعويض بمقتضى القانون الوطني.
ويبدو أن الحق في الإنصاف والتعويض العادل كما جاء في المادة 14 له بعدين
أساسيين يتعلقان برد الاعتبار بواسطة القضاء وجبر الضرر المادي والمعنوي.
فالبعد الأول يتجلى في إلزام الدول الأطراف بتحريك الدعوى العمومية
أمام القضاء ومتابعة المشتبه فيهم بالاستماع إلى الضحايا والشهود وجمع أدلة
الإثبات وضمان المحاكمة العادلة من أجل إنصاف الضحايا بشكل يدعم العدالة
الاجتماعية ومناهضة الإفلات من العقاب.
والبعد الثاني يتجسد في ضمان الدول الأطراف لتعويض عادل ومناسب
للضحايا وجبر الأضرار المادية والمعنوية وإعادة تأهيل الضحايا من أجل إعادة
اندماجهم في المجتمع.
وفي حالة وفاة الضحية، تؤكد المادة 14 في فقرتها الأولى على أن لورثة
المجني عليه في حالة وفاته بسبب التعذيب الحق في الحصول على تعويض بشرط أن
يكون هؤلاء الورثة ممن كان يعولهم الضحية قبل وفاته.
وفي جانب آخر، تناولت الاتفاقية في المادة 15 مبدأ عدم الاستشهاد بالأقوال
المدلى بها نتيجة التعذيب، حيث تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال
يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان
ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال.
إن المادة 15 تلزم الدول الأطراف بعدم استخدام أقوال ضحية التعذيب كأدلة في
أي إجراء من الإجراءات الجنائية وعدم الاعتراف بصحة الأقوال التي أخذت من
الشخص نتيجة التعرض للتعذيب كدليل ضده لأن ذلك يتنافى مع روح العدالة
الجنائية.
فاستخدام التعذيب في التحقيق الجنائي يشكل مساسا لشروط وضمانات ما قبل
المحاكمة العادلة لأنه يهدف إلى الحصول على الأقوال والاستشهاد بها في
محاضر الشرطة القضائية ضد المتهمين.
ولذلك فمبدأ مقبولية الأدلة الناتجة عن ممارسة التعذيب له أثر وقائي حيث
ينصرف إلى عدم وجود الجدوى من إخضاع المتهم لجميع أشكال التعذيب مادامت
الأقوال المتحصل نتيجة المعاملة القاسية والإيذاء الجسدي والنفسي لا تأخذ
بعين الاعتبار كأدلة ضد المشتبه فيه أثناء المحاكمة.
أما المادة 16 فهي تعرف المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة:
1- تتعهد كل دولة طرف بأن تمنع، في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية حدوث
أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو
المهينة التي لا تصل إلى حد التعذيب كما حددته المادة 1، عندما يرتكب موظف
عمومي أو شخص آخر يتصرف بصفة رسمية هذه الأعمال أو يحرض على ارتكابها، أو
عندما تتم بموافقته أو بسكوته عليها، وتنطبق بوجه خاص الالتزامات الواردة
في المواد 10 و 11 و 12 و13، وذلك بالاستعاضة عن الإشارة إلى التعذيب
بالإشارة إلى غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو
المهينة.
2- لا تخل أحكام هذه الاتفاقية بأحكام أي صك دولي آخر أو قانون وطني يحظر
المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة أو يتصل بتسليم
المجرمين أو طردهم.
ويتبين أن المادة 16 تحدد عناصر تعريف المعاملة أو العقوبة القاسية أو
اللإنسانية في إحداث ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا أو التحريض أو
الموافقة عليه أو السكوت عنه، من قبل موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بهذه
الصفة، ويمكن أن يتحقق السلوك المفضي للمعاملة أو العقوبة القاسية أو
اللإنسانية بشكل إيجابي (القيام بعمل) أو سلبي (الامتناع عن القيام بعمل)،
ولا يشترط في هذه الحالة توافر قصد خاص ولا أن يكون الضحية تحت سيطرة
الجاني مباشرة أو محتجزا فهذا الوضع هو الذي يميز التعذيب بصفة خاصة.
فالمعاملة القاسية أو اللإنسانية تتجلى في الاستخدام التعسفي للقوة من قبل
الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون من أجل تحقير الضحية ومساس كرامته
الإنسانية وإهانته ولكنها لا تصل إلى درجة العنف الذي يهدف إلى الإيذاء
الجسدي والنفسي والعقلي.
الدكتور يوسف البحيري
* استاذ القانون الدولي
بكلية الحقوق بمراكش
المملكة المغربية على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب على
هامش الاجتماع الحكومي ليوم الخميس 26 ماي الاخير والتي تندرج في ملاءمة
البنية التشريعية مع المبادئ الكونية لحماية حقوق الانسان والانسجام مع
دينامية تأصيل تجريم التعذيب في الدستور المغربي المرتقب ، التي تروم ضمان
الحقوق الاساسية مثل الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية وضمان
التناسق بين الوثيقة الدستورية و الممارسة القانونية للدولة.
فالمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب تتفاعل مع
خطاب الملك لتاسع مارس في الشق المتعلق بدسترة توصيات هيئة الانصاف
والمصالحة واعتبار الدستور المرتقب وثيقة الحقوق والحريات ، وتتفاعل مع
وتيرة تحويل السبل والصيغ القانونية التي تضمنتها مقترحات التعديل الدستوري
للاحزاب السياسية و المكونات النقابية والحقوقية القادرة على نقل إشارات
ومضامين التحول الديمقراطي نحو دولة الحق والمؤسسات.
جاء الإعلان عن مصادقة الدولة المغربية عن البروتوكول الاختياري لاتفاقية
مناهضة التعذيب في ظرفية خاصة, حيث يؤكد بعض المعتقلين الإسلاميين
المتابعين في قضايا الإرهاب تعرضهم للتعذيب في معتقل سري بتمارة وهو ما
تنفيه بشدة السلطات الرسمية والتي فتحت نتيجة ذلك أبواب المديرية العامة
لمراقبة التراب الوطني بتمارة لزيارة الوكيل العام لمحكمة الاستئناف
بالرباط والمسؤولين عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذين نفوا جميعا أي
وجود لمعتقل سري بتمارة.
وتجب الإشارة إلى أن هيئة الإنصاف والمصالحة اعتبرت في تقريرها الختامي
أن المصادقة على البروتوكول الاختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب هي إحدى
الضمانات الاساسية لعدم تكرار ماجرى في سياق معالجة ماضي الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الإنسان والتي أثمرت مجموعة من التوصيات في التقرير الختامي
والتي تبقى رهانا حقيقيا لمصالحة المغاربة مع تاريخهم وحفظ الذاكرة وتجاوز
مآسي سنوات الجمر والرصاص ونقل العلاقة التي تجمع بين الدولة والمواطن من
مجال السيادة المطلقة إلى مجال تقنين المسؤولية القانونية للدولة، بتقييد
حرية تصرف المؤسسات مع المواطنين من أجل تطبيق المعايير الدولية لحقوق
الإنسان كضوابط قانونية تحكم سلوك الدولة في إطار تعاملها مع مواطنيها.
إن مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري تروم وضع نظام وقائي من خلال
القيام بزيارات لمراكز الاعتقال والاحتجاز بشكل منتظم من طرف هيئات دولية
ووطنية، وذلك من أجل الدفع بالدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع جميع
أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو
المهينة.
-1 الالتزامات المتعلقة بانضمام المغرب إلى البروتكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب
يلزم البروتوكول الاختياري الدولة المغربية بعد المصادقة، على احترام
مجموعة من المعايير الدولية المنصوص عليها في المواد 12 إلى 15 من
البروتوكول الاختياري والتي تندرج في سياق احترام الإجراءات والمساطر
الموكولة للجنة الفرعية:
ا- تسهيل الزيارات
لأماكن الاعتقال أو الاحتجاز
تلتزم الدولة المغربية باستقبال اللجنة فوق أراضيها، وتضمن إجراءات تسهيل
زيارة أماكن الاحتجاز وفق مقتضيات المادة 4 من البروتوكول، وذلك من منطلق
احترام اختيار اللجنة بكل حرية للأماكن التي ترغب في زيارتها، بما فيها
مراكز الاعتقال أو الاحتجاز (المادة 14 الفقرة 1).
وبناءا على ذلك، لا يمكن للدولة المغربية أن ترفض تقديم التسهيلات الضرورية
لزيارات اللجنة لمراكز الاعتقال وأماكن الاحتجاز، سوى في حالة واحدة، إذا
كانت الأماكن تندرج في إطار المجال المحفوظ للدولة كالدفاع الوطني.
ب- تسهيل تنظيم اللقاءات مع المعتقلين
تلتزم الدولة بتقديم التسهيلات الضرورية للجنة، لعقد اللقاءات التي تعزم
تنظيمها مع جميع الأشخاص المتواجدين داخل السجون أو مراكز الاعتقال بشكل
مباشر وبدون حضور أي طرف آخر، سوى في حالة إذا ما استدعت الضرورة وجود
مترجم عند الحاجة، كما تلتزم الدولة تلبية طلب اللجنة بإحضار أي شخص يمكن
أن يقدم معلومات أو إفادات تندرج في سياق موضوع الزيارة.
ج- تقديم المعلومات والإفادات
تلتزم الدولة بإعطاء اللجنة الفرعية جميع المعلومات المتعلقة وضعية
الأشخاص المحرومين من حريتهم داخل السجون ومراكز الاعتقال، والتي تهم معرفة
أعدادهم وبأماكن اعتقالهم أو احتجازهم وملفاتهم الطبية، وغير ذلك من
الإفادات التي تعتبر ضرورية من أجل دراسة وتقييم أوضاعهم داخل السجون
والمعتقلات.
د- حماية الشهود
تلتزم الدولة المغربية وفق مقتضيات المادة 15 من البروتوكول الاختياري،
بضمان حماية الشهود من أجل تقديم المعلومات أو الإفادات التي تعتبر ضرورية
للجنة من أجل دراسة وتقييم الأوضاع داخل السجون والمعتقلات.
ومن جانب آخر، تقدم اللجنة الفرعية تقريرا سنويا إلى لجنة مناهضة التعذيب
حول المهام التي أنجزتها وفق مقتضيات المادة 16 الفقرة 3 من البروتوكول
الاختياري من جهة أولى، وأيضا تقدم اللجنة في نفس التقرير حصيلة إعمال
مقتضيات الاتفاقية الدولية والخروقات المرتكبة من طرف الدول الأعضاء
والتوصيات المتعلقة بالإجراءات والآليات الوطنية لمنع التعذيب وفق مقتضيات
المادتين 12 و14 من البروتوكول الإضافي.
-2 آليات الوقاية في البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب
جاء اعتماد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من
ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة في ديسمبر
2002، في سياق برنامج عمل فيينا في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان لعام
1993، حيث أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على أهمية البروتوكول
الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة
القاسية أو اللإنسانية أو المهينة في إحدى توصياتها بتاريخ 8 يناير 2002.
ويتبين أن البروتوكول الإختياري يسعى إلى الانتقال من مرحلة «المناهضة»
التي جاءت في مقتضيات الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب إلى مرحلة
«الوقاية»، وذلك بتكريس آليات وقائية تتجسد في الزيارات الميدانية لأماكن
الاعتقال والاحتجاز أو أي مركز آخر، قد يتواجد فيها أشخاص محرومون من
حرياتهم، وتقديم تقارير عن ظروف الاعتقال بها وشهادات المعتقلين عن
المعاملة بداخلها.
ويتناول البروتوكول الاختياري الاختصاصات والمهام الموكولة للجنة الفرعية في المادة 10 والتي تتجلى فيما يلي:
- ضمان المساعدة الفنية والقانونية للدول الأطراف بشأن وضع وإعمال الآليات
الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية
أو اللانسانية أو المهينة.
- توفير التدريب وتعزيز القدرات الوطنية من أجل إعمال الآليات الوطنية لضمان حماية الأشخاص المحرومين من حرياتهم.
- التعاون مع هيئة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية
وبخاصة ذات الصلة بقضايا مناهضة للتعذيب والوقاية منه، وذلك في سبيل تعزيز
حماية الأشخاص من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو
اللإنسانية أو المهينة.
ويمكن اعتبار هذه المحطة الهامة في تاريخ حقوق الانسان بالمغرب المتعلقة
بالمصادقة على البروتوكول الاختياري هي مناسبة للتفكير في إحداث آلية وطنية
لمناهضة التعذيب تروم الانخراط في دينامية نشر الوعي الحمائي في مجال
التعذيب لدى المكلفين بانفاذ القانون لرقابة مدى الامتثال للضمانات
المنصوص عليها في البروتوكول الاختياري والتي تهم أقسام الشرطة، ومراكز
قوات الأمن، واماكن الاعتقال في فترة الحراسة النظرية ، والسجون، ومراكز
الأحداث، ومناطق العبور بالمطارات ، ومراكز طالبي اللجوء، ومؤسسات العلاج
النفسي.
3- التدابير والاجراءات
المتعلقة بمنع التعذيب
تتضمن الاتفاقية الدولية المتعلقة بمناهضة التعذيب التي سبق للمملكة
المغربية المصادقة عليها، مجموعة من التدابيرالتي تروم اتخاذ إجراءات
إدارية و قضائية لمنع أعمال التعذيب.
فالمادة 2 تلزم الدول الاطراف باتخاذ التدابير التشريعية أو الإدارية
أو القضائية الفعالة، أو أي إجراءات أخرى تستهدف منع التعذيب داخل أي إقليم
خاضع لولايتها القضائية.
فالإجراءات الواجب اتخاذها في سياق المادة 2 الفقرة 1 من الاتفاقية هي
إجراءات تتعلق بالأساس بالضمانات التي تلزم الأطراف بتوفيرها في سياق حماية
الحق في السلامة البدنية، ومن أبرز الأمثلة عليها: تحريم الحبس الانفرادي
وحق المحتجزين بالاتصال بمحام وحق المعتقلين في الاتصال بطبيب وبالحصول على
خدماته الطبية، والتزام الدول بحفظ سجلات خاصة بالسجون ومراكز الاحتجاز
والحق في المحاكمة.
ومن المبادئ الأساسية التي جاءت بها الاتفاقية في المادة 3، مبدأ عدم طرد
أي شخص أو تسليمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت أسباب حقيقية تدعو إلى
الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.
أما المادة 4 فتقوم بتكريس واجب الدولة الطرف في الاتفاقية المتعلق بالقيام
بإصلاح تشريعي لتجريم «جميع أعمال التعذيب»، وكذلك تجريم أي «محاولة
لممارسة التعذيب» والقيام بأي عمل آخر «يشكل مشاركة في التعذيب».
وألزمت المادة 5 كل دولة طرف أن تتخذ ما يلزم من الإجراءات لإقامة ولايتها القضائية على جميع أعمال التعذيب في الحالات التالية:
- عند ارتكاب هذه الجرائم في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية ؛
- عندما يكون مرتكب الجريمة من مواطني تلك الدولة؛
- عندما يكون الضحية من مواطني الدولة.
هذا في حين أن المادة 6 قد ألزمت كل دولة تقوم باحتجاز شخص ما، أن تخطر على
الفور الدول المشار إليها في الفقرة أ من المادة 5، باحتجاز هذا الشخص
وبالظروف التي تبرر اعتقاله، وعلى الدولة المعنية التي تجري التحقيق الأولي
أن ترفع بسرعة ما توصلت إليه من نتائج إلى الدول المذكورة مع الإفصاح، عما
إذا كان في نيتها ممارسة ولايتها القضائية.
ويتبين أن المواد 4 و5 و 6 من اتفاقية مناهضة التعذيب قد حددت التزام الدول
الأطراف في أمرين أساسيين، أولا الالتزام بإدراج التعذيب في قوانينها
الجنائية الوطنية وثانيا الالتزام بالمعاقبة عليها بعقوبات تتناسب مع
خطورتها.
كما تؤكد المواد 7 و8 و9 إلى الإجراءات التي يجب اتخاذها أثناء معاقبة
الجاني وكذلك الإجراءات المتعلقة بتسليم المجرمين. ويتبين أن هذه المواد
الثلاث تلزم الدول الأطراف باتخاذ مجموعة من الإجراءات لمناهضة الإفلات من
العقاب، حيث أن الدول ملزمة بإحالة أي شخص مشتبه فيه إلى سلطاتها القضائية
من أجل محاكمته أو القيام بتسليمه إلى دولة أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار
توفر ضمانات المحاكمة العادلة وأيضا تقديم المساعدة القضائية المتعلقة بجمع
الأدلة في سياق مناهضة الإفلات من العقاب.
لقد ركزت اتفاقية مناهضة التعذيب في مادتها 10 على أهمية التعليم
والإعلام وبرامج التكوين والتدريب للموظفين الذين يعملون في مجال إنفاذ
القانون، كشكل من أشكال الوقاية من التعذيب. وحسب الفقرة الأولى من هذه
المادة يجب على كل دولة طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب، أن تدرج حظر
التعذيب في برامج تدريب الموظفين العموميين أو غيرهم ممن تكون لهم علاقة
باحتجاز أي فرد معرض لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن أو
باستجواب هذا الفرد ومعاملته.
كما يجب بمقتضى الفقرة الثانية إدراج حظر التعذيب في القوانين والتعليمات
التي يتم إصدارها في ما يخص واجبات ووظائف الأشخاص الذين جاء ذكرهم في
الفقرة الأولى، وألزمت اتفاقية مناهضة التعذيب كل دولة طرف فيها بإنصاف كل
ضحية يتعرض لأعمال التعذيب وبحقه العادل «في تعويض مناسب بما في ذلك إعادة
تأهيله على أكمل وجه ممكن».
إضافة إلى ذلك، إن المادة 11 تنص على قواعد الاستجواب ومعاملة المحرومين من
حريتهم، حيث تلتزم الدول الأطراف بوضع قواعد الاستجواب، وتعليماته
وأساليبه وممارساته، وكذلك الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الأشخاص الذين
يتعرضون لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن في أي إقليم يخضع
لولايتها القضائية، وذلك بقصد منع حدوث أي حالات تعذيب.
إن نطاق تطبيق المادة 11 يهم تحديد قواعد الحرمان من الحرية والضمانات
المتعلقة باحتجاز ومعاملة الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من إشكال التوقيف
أو الاعتقال أو السجن وذلك بشكل يلزم الموظفون الذين ينتمون إلى سلطات
إنفاذ القانون باحترام هذه القواعد والضمانات من أجل تفادي ارتكاب الأفعال
التي تندرج في جريمة التعذيب وذلك في جميع مراحل الاستجواب والتحقيق
والاحتجاز.
إن المادة 11 ترمي إلى إلزام الدول الأطراف بإعمال إجراءات المراقبة
وزيارة أماكن الاعتقال والاحتجاز بشكل مستمر وغير معلن عنها كتدبير وقائي
لمنع التعذيب وجميع ضروب المعاملة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة.
كما تهدف المادة 12 إلى قيام السلطات المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما
وجدت أسبابا معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب
في الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية.
إن المادة 12 تدعو الدول الأطراف بأن تقوم بإجراءات التحقيق التلقائي دون
انتظار تقديم الشكاوى من الضحايا كلما ثبت لها وقوع أعمال تندرج في جريمة
التعذيب وتقصي الحقائق بالاعتماد على شهادات الشهود والاستماع إلى الضحايا
وإجراء فحوصات طبية وإجراء تحقيقات سريعة ونزيهة تقوم مع استجواب جميع
الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية في ارتكاب عمل من أعمال التعذيب من أجل
الوصول إلى الحقيقة وعدم حماية الموظف الرسمي في حالة ارتكابه أو علمه أو
إعطاء أوامره بارتكاب جريمة التعذيب، أما بالنسبة للمادتين 13 و 14 فهما
يتعلقان بحقوق الضحايا في حالة التعرض لجريمة التعذيب.
فالمادة 13 تضمن لأي فرد يدعي بأنه قد تعرض للتعذيب الحق في أن يرفع شكوى
إلى سلطاتها المختصة وفي أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة
وبنزاهة، وينبغي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من
كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأي أدلة تقدم.
وتتخذ الدول الأطراف ملزمة بمقتضى المادة 13 التدابير والإجراءات الضرورية
التي تمكن ضحايا التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو
المهينة من ممارسة حقهم في التظلم دون خوف من أي تهديد أو ترهيب من أي جهة
كيفما كانت أو التعرض لعمل ثأري أو انتقامي بسبب ذلك، قد يمارس على الضحية
أو أحد أفراد أسرته.
وفي هذا الإطار، تتحمل الدول مسؤولية الحماية الجسدية للضحايا والشهود وكل
من يتوفر على أدلة تثبت ذلك، وتلتزم بإجراء تحقيق سريع ونزيه وتقصي الحقائق
من أجل الوصول إلى كشف الحقيقة وتقديم المشتبه فيهم إلى القضاء للمتابعة
الجنائية.
أما المادة 14 فهي تتعلق بحق الضحايا في الإنصاف والتعويض العادل:
أ- تضمن كل دولة طرف في نظامها القانوني، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال
التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل
إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفي حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من
أعمال التعذيب، يكون للأشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض.
ب- ليس في هذه المادة ما يمس أي حق للمعتدى عليه أو لغيره من الأشخاص فيما قد يوجد من تعويض بمقتضى القانون الوطني.
ويبدو أن الحق في الإنصاف والتعويض العادل كما جاء في المادة 14 له بعدين
أساسيين يتعلقان برد الاعتبار بواسطة القضاء وجبر الضرر المادي والمعنوي.
فالبعد الأول يتجلى في إلزام الدول الأطراف بتحريك الدعوى العمومية
أمام القضاء ومتابعة المشتبه فيهم بالاستماع إلى الضحايا والشهود وجمع أدلة
الإثبات وضمان المحاكمة العادلة من أجل إنصاف الضحايا بشكل يدعم العدالة
الاجتماعية ومناهضة الإفلات من العقاب.
والبعد الثاني يتجسد في ضمان الدول الأطراف لتعويض عادل ومناسب
للضحايا وجبر الأضرار المادية والمعنوية وإعادة تأهيل الضحايا من أجل إعادة
اندماجهم في المجتمع.
وفي حالة وفاة الضحية، تؤكد المادة 14 في فقرتها الأولى على أن لورثة
المجني عليه في حالة وفاته بسبب التعذيب الحق في الحصول على تعويض بشرط أن
يكون هؤلاء الورثة ممن كان يعولهم الضحية قبل وفاته.
وفي جانب آخر، تناولت الاتفاقية في المادة 15 مبدأ عدم الاستشهاد بالأقوال
المدلى بها نتيجة التعذيب، حيث تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال
يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان
ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال.
إن المادة 15 تلزم الدول الأطراف بعدم استخدام أقوال ضحية التعذيب كأدلة في
أي إجراء من الإجراءات الجنائية وعدم الاعتراف بصحة الأقوال التي أخذت من
الشخص نتيجة التعرض للتعذيب كدليل ضده لأن ذلك يتنافى مع روح العدالة
الجنائية.
فاستخدام التعذيب في التحقيق الجنائي يشكل مساسا لشروط وضمانات ما قبل
المحاكمة العادلة لأنه يهدف إلى الحصول على الأقوال والاستشهاد بها في
محاضر الشرطة القضائية ضد المتهمين.
ولذلك فمبدأ مقبولية الأدلة الناتجة عن ممارسة التعذيب له أثر وقائي حيث
ينصرف إلى عدم وجود الجدوى من إخضاع المتهم لجميع أشكال التعذيب مادامت
الأقوال المتحصل نتيجة المعاملة القاسية والإيذاء الجسدي والنفسي لا تأخذ
بعين الاعتبار كأدلة ضد المشتبه فيه أثناء المحاكمة.
أما المادة 16 فهي تعرف المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة:
1- تتعهد كل دولة طرف بأن تمنع، في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية حدوث
أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو
المهينة التي لا تصل إلى حد التعذيب كما حددته المادة 1، عندما يرتكب موظف
عمومي أو شخص آخر يتصرف بصفة رسمية هذه الأعمال أو يحرض على ارتكابها، أو
عندما تتم بموافقته أو بسكوته عليها، وتنطبق بوجه خاص الالتزامات الواردة
في المواد 10 و 11 و 12 و13، وذلك بالاستعاضة عن الإشارة إلى التعذيب
بالإشارة إلى غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو
المهينة.
2- لا تخل أحكام هذه الاتفاقية بأحكام أي صك دولي آخر أو قانون وطني يحظر
المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة أو يتصل بتسليم
المجرمين أو طردهم.
ويتبين أن المادة 16 تحدد عناصر تعريف المعاملة أو العقوبة القاسية أو
اللإنسانية في إحداث ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا أو التحريض أو
الموافقة عليه أو السكوت عنه، من قبل موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بهذه
الصفة، ويمكن أن يتحقق السلوك المفضي للمعاملة أو العقوبة القاسية أو
اللإنسانية بشكل إيجابي (القيام بعمل) أو سلبي (الامتناع عن القيام بعمل)،
ولا يشترط في هذه الحالة توافر قصد خاص ولا أن يكون الضحية تحت سيطرة
الجاني مباشرة أو محتجزا فهذا الوضع هو الذي يميز التعذيب بصفة خاصة.
فالمعاملة القاسية أو اللإنسانية تتجلى في الاستخدام التعسفي للقوة من قبل
الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون من أجل تحقير الضحية ومساس كرامته
الإنسانية وإهانته ولكنها لا تصل إلى درجة العنف الذي يهدف إلى الإيذاء
الجسدي والنفسي والعقلي.
الدكتور يوسف البحيري
* استاذ القانون الدولي
بكلية الحقوق بمراكش
3/6/2011
الاتحاد الاشتراكي
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 64
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى