البيت في القصيدة الحرة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
البيت في القصيدة الحرة
(1)
10/6/2011-
أ- يردد العروضيون ما يلي: الوزن أهم عنصر يميز الشعر عن النثر. ونحن،
في هذا المبحث، نستعير منهم هذه العبارة الصحيحة مع تحوير لا يؤثر في
معناها، فنقول: البيت هو أهم عنصر يميز الشعر عن النثر. ذلك بأن النثر
يتألف من أسطر، والسطر قد يطول وقد يقصر، بحسب طبيعة الصحيفة التي تحتضنه؛
لهذا، فإن العين قادرة على التعرف عليه.
أما البيت، فله، على
الصفحة، شكل محدد تدركه العين. فإذا اتخذ شكلا مخالفا، كانت الأذن قادرة
على التعرف عليه. فإذن، البيت يدرك بالعين وبالأذن. والبيت في الشعر العربي
عرف تطورا من حيث شكله؛ فهو في سجع الكهان، والأراجيز، مكون من شطر واحد.
ومن علاماته، انتهاؤه بقافية. وهو في القصيدة، مكون من شطرين متساويين، ومن
بحر واحد، وينتهي بقافية، والشطران قد يكتبان منفصلين أو متصلين. لكن، مع
ظهور الموشح، اعتبرت مجموعة من الأشطار بيتا عند مؤرخي الأدب ودارسي
الموشحات. ونحن في هذه الدراسة اعتبرنا البيتَ جزءا واحدا مكونا من شطر
كالأرجوزة وسجع الكهان، ومن علاماته أيضا، انتهاؤه بقافية. والعامل المشترك
بين البيت في الأشكال الشعرية المذكورة هو:
- الاستقلال العروضي: أي إن البيت لا يحتاج، لإتمام دورته الوزنية، إلى بيت سابق أو بيت لاحق.
- أن يكون من بحر واحد.
- أن ينتهي بقافية يجد رويها صدى في النص الشعري الذي ينتمي إليه هذا البيت.
لكن
مع ظهور القصيدة الحرة، ظهرت صعوبة في تحديد البيت، خاصة وأن القصيدة
الحرة تُكتب كما يُكتب الشعر الغربي المترجم إلى العربية، ويُكتب كما تُكتب
قصيدة النثر. يضاف إلى هذا أن الشعراء ما عادوا يوزعون أبياتهم على الورق
وَفقا لأوزانها. لكل هذا، ظهر من يتحدث عن الشطر، وعن السطر الشعري، وعن
الجملة الشعرية، وعن الدَّوْرة، وعن البيت دون أن يتفقوا على اسم واحد.
اختارت
نازك الملائكة، من خلال كتابها "قضايا الشعر المعاصر"، مصطلح الشطر.
وكأنها بهذا المصطلح تربط القصيدة الحرة بالأرجوزة. ولعل هذا ما جعلها تفرض
طولا معينا لهذا الشطر. بحيث كانت تريده أن يبقى مرتبطا بالشَّطْر في
الرجز أو بطول البيت في القصيدة.
لكن الدكتور عز الدين إسماعيل آثر
مصطلح السطر أولا، ثم مصطلح الجملة الشعرية ثانيا، معلنا رفضه صراحة مصطلح
البيت. يقول: »كان للبيت الشعري التقليدي شكل ثابت، لأنه يتبع نظاما ثابتا
(...) ألا يحدث كثيرا أن يبدأ أحدنا بالبيت التقليدي، فما يكاد ينتهي من
صورة حتى يُتم له شخص آخر عَجُزَه؟ إننا نستطيع، على أقل تقدير، أن نتصور
عجزه. ولا سبب لهذا، إلا أننا نعرف من مصدر البيت النظام الذي يتحتم أن
يتبعه كل بيت. وهو نظام لا يمتلكه الشاعر وحده صاحب البيت. وإنما هو نظام
نمتلكه جميعا (...) وفي الإطار الجديد للقصيدة، لم يعد للبيت التقليدي وجود
أو لنقل إنه لم يعد للنظام التقليدي للبيت تحكم، بعد أن كسر هذا
الإطارَ(1) المسمطُ، وترك مفتوحا لاحتمالات كثيرة أغنى لأشكال مختلفة من
النظام، لا نعرف على وجه التحديد أي شكل منها سيأخذ البيت. ومن هنا، لم نعد
نسمي البيت بيتا، بل صرنا نسميه "سطرا" من الشعر(2) ولهذا، يرى عز الدين
إسماعيل أن أشكال التجديد والتطور في موسيقا شعرنا المعاصر عرفت ثلاث
مراحل:
- مرحلة البيت الشعري ذي الشطرين المتوازيين عروضيا الذي ينتهي بقافية مطردة في الأبيات الأخرى،
- مرحلة السطر الشعري، وهي مرحلة ما يسمى بشعر التفعيلة،
- ثم أخيرا مرحلة الجملة الشعرية(3).
ويبدو مما تقدم أن الدارس قد أهمل طورا قد يكون سابقا القصيدةَ، أو متزامنا معها من خلال الأراجيز خاصة.
وقد رد على الباحث باحثٌ آخر ردا نراه مقنعا، ونعني به قول الدكتور
محمد حماسة عبداللطيف التالي: »والتسمية بالسطر الشعري تسمية غير دقيقة
(...) لأنها لا تخص الشعر الحر. فالبيت في الشعر القديم سطر شعري أيضا وليس
هناك مسوغ لأن يسمى أحدهما بيتا أو يسمى الآخر سطرا شعريا«(4). ثم يضيف
قائلا: »إن التسمية بالسطر غير دقيقة؛ لأن السطر وحدة كتابية، فقد تطلق على
ما يشغل سطرا في النثر أو الشعر. والقصيدة الحرة قد يشغل كل جزء منها سطرا
أو بعض سطر، فلا يكون السطر في حالة نقصانه معبرا عما يشغله من الشعر
تعبيرا دقيقا، فهو ليس وحدة شعرية في هذه الحال«(5).
ونضيف إلى هذا
الاعتراض ما يلي: كيف نحدد السطر حين يتخذ الشعر في الكتابة شكل النثر؟ وقد
انتبه الدكتور عز الدين إسماعيل إلى شيء قريب من هذا، فاستحدث مصطلح
الجملة الشعرية. فما الجملة الشعرية؟
يقول الدكتور عزالدين إسماعيل:
»إذا كان الشطر الشعري بنية موسيقية تشغل من حيث الحيز سطرا من القصيدة
يصل امتداده الزمني في بعض الأحيان، وفي أقصى الحالات، إلى تسع (...). فإن
الجملة الشعرية بنية موسيقية أكبر من السطر وإن ظلت محتفظة بكل خصائصه.
فالجملة تشغل أكثر من سطر، وقد تمتد أحيانا إلى »خمسة أسطر أو أكثر(6)
(...) الجملة الشعرية نَفَسٌ واحد ممتد يشغل أكثر من سطر...« (7).
لم يحدد الباحث شكل هذ الأسطر التي تُكوِّن الجملة الشعرية. أهي أسطر
متساوية الطول، بحيث توحي بصريا بأنها سطر من نص نثري. ولكن، من خلال
النماذج التي قدمها الباحث، ومن خلال معرفتنا للمرحلة التي ظهر فيها
كتابُه، يتبين أن الجملة الشعرية عنده هي أسطر متفاوتة الطول تجمع بينها
فكرة واحدة، وقد تنتهي الأسطر مع ذلك، إما بقافية، وإما بعلل أخرى. وهذا
مخالف لمصطلح التدوير.
يقول بدر شاكر السياب:
وَكُلُّ شَبَابِهَا كَانَ انْتِظَاراً لِي عَلَى شَطٍّ يُهَوِّمُ فَوْقَهُ الْقَمَرُ
وَتَنْعَسُ فِي حِمَاهَا الطَّيْرُ رَشَّ نُعَاسَهَا الْمَطَرُ
فَنَبَّهَهَا فَطَارَتْ تَمْلأ ُالآفَاقَ بِالأَصْدَاءِ نَاعِسَةً
تَؤُجُّ النُّورَ مُرْتَعِشاً قَوَادِمُهَا وَتَخْفِقُ فِي خَوَافِيهَا
ظِلاَلُ اللَّيْلِ. أَيْنَ أَصِيلُنَا الصَّيْفِيُّ فِي جِيكُورْ؟(8)
يقول
عزالدين إسماعيل معلقا على هذه الأبيات: »السطر الأول قائم موسيقيا بذاته.
وقد أوردناه هنا لكي يتضح السياق المعنوي فحسب. أما الأسطر الأربعة
التالية، فجملة واحدة متصلة تتكون من خمس عشرة تفعيلة إذا نحن توقفنا عند
كلمة "الليل" في السطر الأخير، ومن ثماني عشرة تفعيلة إذا نحن امتددنا إلى
نهاية السطر. والواقع أننا لا نستطيع إلا أن نمتد بالقراءة إلى نهاية السطر
(...) وليس في وسعنا أن نتمثل في هذه الجملة كل سطر على أنه وحدة موسيقية
يمكن التوقف عند نهايتها. بل نجد هذه السطور تتدفق فتلتحم نهاياتها
ببداياتها التحاما قويا«(9).
إذن، فالمهم في الجملة الشعرية هو الاتصال
المعنوي لا العروضي؛ لأن هذا الأخير هو الذي يعطي القصيدة ظاهرة التدوير.
وبهذا، فالجملة الشعرية ليست من خصائص القصيدة الحرة. ففي الموشح، قد يكون
التدوير كله جملة شعرية. كما أننا قد نجد هذه الجملة في الأرجوزة، وحتى في
القصيدة. فحين يقول امرؤ القيس:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ
فَتُوضِحَ فَالْمِقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
ألا
يشكل هذان البيتان جملة شعرية تبدأ بمخاطبة الشاعر صاحبيه، وبذكر الأماكن
التي لها علاقة وجدانية بذات الشاعر. على أن المثال الذي قدمه الباحث غير
مقنع، إذ يمكن أن يكون أكثر من جملة، فالبيت/ السطر الثاني الذي ينتهي بـ
"المطر" يمكن أن يكون جملة شعرية مستقلة مرتبطة بجملة شعرية موالية بأداة
العطف.
ومع ذلك لم يَرُق مصطلح الجملة الشعرية الدكتور السعيد الورقي،
إذ فضل مصطلح الدَّوْرَة النغمية. وهي عنده البيت الطويل الموزع على عدة
أسطر. فإذ اتسعت هذه الدورة سماها الموجة(10). وهي قريبة من مصطلح الجملة
الاستغراقية التي عرفها المجاطي بقوله: »هي الجملة التي تستغرق القصيدة
كلها إيقاعيا، فلا يبقى ثمة مجال لمساهمة أي من السطر الشعري، ولا الجملتين
القصيرة والطويلة«(11). على أن ثمة فرقا بين مصطلح عز الدين إسماعيل، وما
اقترحه غيره. فأساس الجملة الشعرية الاتصال المعنوي. أما أساس الدورة
النغمية، أو الموجة، أو الجملة الاستغرافية، فهو الاتصال العروضي. لكن ثمة
من فضل مصطلح البيت. يقول الدكتور محمد حماسة عبداللطيف: »في القصيدة
الحرة، نجد أنها مكونة من "مجموعات من التفعيلات"، كل منها تنتهي بقافية،
كما أن القصيدة القديمة كذلك. ولكن مجموعة التفعيلات(12) في القصيدة
القديمة متساوية تماما، وهي ليست كذلك في القصيدة الحرة. نحن نسمي هذه
المجموعة المتساوية من التفعيلات في القصيدة القديمة بيتا، ولا أجد غضاضة
في تسمية نظيرتها في القصيدة الحرة بيتا كذلك برغم عدم دقة التسمية. فالبيت
في القصيدة الحرة هو مجموعة التفعيلات التي تنتهي بقافية أيا كان عدد
التفعيلات، وأيا كان نوع القافية، وسواء أكتب على سطر واحد أم على عدة
أسطر«(13). لكن لماذا اعتبر الباحث التسمية غير دقيقة؟ يقول: »لأن البيت
مصطلح محدد الدلالة في الشعر القديم، وهو يُعد وحدة القصيدة. ولذلك تساوى
جميع الأبيات في القصيدة. وكل بيت مكون من شطرين في الوزن التام، وفي
المجزوء. وللبيت عروض وضرب لهما مواصفات خاصة. ومن خلال تنوعهما يتنوع
إيقاع البحر الواحد، وتتعدد صوره. وكل بيت ينتهي بقافية موحدة مع جميع
أبيات القصيدة في القصائد ذات القافية الموحدة، أو تتفق مع أبيات المجموعة،
سواء أكانت ثنائية أم ثلاثية، أم رباعية في القصائد التي تنوع في القافية
في العصر الحديث. وكل هذه الخصائص والسمات لا تتوافر في مقابل البيت في
الشعر الحر. ولذلك قلت: إن هذه التسمية غير دقيقة«(14).
هذا الكلام لا
يعير أي اهتمام للتطور الذي يلحق الفنون. فالبيت في الأرجوزة مختلف عن
البيت في القصيدة، فلما تطور شكل البيت ظهر مع تطوره شكل شعري جديد. وهذا
واضح في الموشحات، وفي القصيدة الحرة. وفي الشعر الغربي، وخاصة الفرنسي،
يُتحدث مثلا عن L?alexandrin، وهو نظم قديم عندهم، وما يزال حاضرا، لكنهم
يميزون بين L?alexandrin classique وبين L?alexandrin romantique وبين
l?alexandrin libéré وبين L?alexandrin désarticulé وL?alexandrin
symboliste(15). وكل هذه الأشكال لها عدد ثابت من المقاطع، لكن بنية كل شكل
تختلف عن بنيات باقي الأشكال. فالأول يقوم على le tétramètre: 3-3-3-3. أي
على أربعة أجزاء. ويقوم الثاني على Le trimètre: 4-4-4. أي على ثلاثة
أجزاء. إلخ. فإذن، يمكن في الشعر العربي الحديثُ عن البيت في سجع الكهان،
والبيت في الأرجوزة، والبيت في القصيدة، والبيت في الموشح، والبيت في
المسمط، والبيت في الأشكال الشعرية المستحدثة في العصر الحديث.
إننا
نفضل مصطلح البيت مادام الشعر خاضعا للوزن، لأن باقي المصطلحات مستمدة من
حقول غير الشعر: فالسطر من النثر، والجملة من علم اللغة، والدورة، أو
الموجة، من حقل آخر. أما "الشطر" المستعمل من قبل نازك، فهو وحده المرتبط
بحقل الشعر. ولكنه مع ذلك لا يصلح في القصيدة الحرة، لأن فيه معنى الجزء
المأخوذ من البيت.
ب- إن التعرف على البيت في القصيدة أمر سهل؛ لأن له
شكلا خطيا واضحا، وشكلا صوتيا يسهل على الأذن، حتى وإن كانت غير مدربة،
التعرفُ عليه؛ لأن هذا البيت، إلى جانب بنيته الزمانية، يشتمل على علامات
أخرى، أبرزها القافية، والوقفة في العروضة. لكن البيت في القصيدة الحرة،
صار التعرف عليه أمرا محفوفا بصعوبات، لعدة أسباب أبرزها:
- أن الشاعر صار يوزع أبياته على عدة أسطر توزيعا غير خاضع للوزن،
- تخلي الشاعر في كثير من الأحيان عن القافية بجميع أشكالها.
وقد
حاول الأستاذ مصطفى حركات حل هذه الصعوبة بالتمييز بين البيت الخطي،
والبيت الصوتي. يقول: »إن هناك نوعين من الأبيات. البيت المكتوب والبيت
المنطوق. وهاتان الوحدتان مندمجتان في الشعر العمودي. ولكنهما منفصلتان في
الشعر الحر. وانفصالهما أدى إلى فقدان جزء من هويتهما. فتسبب ذلك في صعوبة
تعريفهما.. وكل الضعف في الأبحاث الخاصة بأوازن الشعر الحر ناتجة في رأينا
عن هذه الصعوبة في تحديد البيت«(16). وملاحظة الباحث الأخيرة صحيحة. فهذه
نازك الملائكة التي لم يكن البيت واضحا في ذهنها، نراها، وهي تتحدث عن
رفضها جمع الشاعر بين تشكيلتين في النص الواحد، تقدم نموذجا من شعر خليل
حاوي على الرجز، وهو التالي:
دَارِي الَّتِي أَبْحَرْتِ غَرَّبْتِ مَعِي (مستعلن)
وَكُنْتِ خَيْرَ دَارْ (فعولْ)
فِي دَوْخَةِ الْبِحَارْ (فعولْ) (17)
فِي غُرْبَتِي وَغُرْفَتِي (متفعلن)
يَنْمُو عَلَى عَتْبَتِهَا الْغُبَارْ (فعولْ) (18)
فهذا النص تعتبره نازك مؤلفا من خمسة أبيات على النظام القافوي التالي:
أ ب ب ج ب. وواضح من هذا أن بهذا النص بيتين جاءا مرسلين علما أن جيل
الرواد بالمشرق، وخاصة خليل حاوي، حافظ على القافية. ففي ديوان خليل حاوي،
لا نجد إلا أبياتا قليلة لا يتعدى عددها عدد أصابع اليد الواحدة، جاءت
مرسلة. والحق أن هذا النص مكون من ثلاثة أبيات على النظام القافوي التالي: أ
أ أ، وبأضرب موحدة الشكل (فعولْ)، وخليل حاوي، كجل الرواد، يحترم وحدة
الضرب في قصائده الحرة. لقد عدت نازك أبيات هذا الشاعر خارجة عن الذوق
العربي، لكونها جمعت بين ضربين هما: مستفعلن وفعولْ. ومرد هذه الملاحظة أن
الباحثة لم يكن مفهوم البيت واضحا في ذهنها.
ويقدم الأستاذ علي يونس لصلاح عبدالصبور:
يَا رَبَّنَا الْعَظِيمَ يَا مُعَذِّبِي ضربه: متفعلن
يَا نَاسِجَ الأَحْلاَمِ فِي الْعُيُونْ ضربه: فعولْ
يَا زَارِعَ الْيَقِينِ وَالظُنُونْ ضربه: فعولْ
اِخْتَرْتَ لِي لَشَدَّ مَا أَوْجَعْتَنِي ضربه: مستفعلن
أَلَمْ أُخَلِّصْ بَعْدُ أَمْ تُرَى نَسِيَتنِي ضربه: فعو
اَلْوَيْلُ لِي نَسِيتَنِي ضربه: متفعلن
نَسِيتَنِي ضربه: متفعلن
نسيتَنِي ضربه: متفعلن(19)
والملاحظ
أن السطر الرابع مكتوب في الطبعة الرابعة من الديوان الصادر عن دار العودة
سنة 1989، وفي مجموعة "أحلام الفارس القديم" الصادرة عن دار الآداب في
طبعتها الثانية في يناير 1969 على الشكل التالي:
اِخْتَرْتَ لِي
لَشَدَّ مَا أَوْجَعْتَنِي
والسطر الخامس مكتوب في الديوان نفسه على الشكل التالي:
أَلَمْ أُخَلِّصْ بَعْدُ
أَم تُرَى نَسِيتَنِي
فلماذا
جمع بين السطرين، وجعلهما بيتا/ سطرا واحدا؟ ولماذا لم يقم بالعمل نفسه مع
السطر الأول والثاني؟ كل هذا يدل على أن الباحث لم ينجح في تحديد البيت في
القصيدة الحرة.
ويقول الدكتور كمال خير بك، وهو يتحدث عن يوسف الخال:
»إن عملية النظم تبدو أكثر مرونة في قصائد الشاعر المكتوبة في أبيات مرسلة
(...) ما يشهد عليه هذا المقطع: (20)
وَأَدَرْنَا وُجُوهَنَا.. كَانَتِ الشمَّسُ
غبُاَراً عَلَى السَّنَابِكِ، وَالأُفْقُ
شِرَاعا مُحَطَّماً، كَانَ تَمُّوزُ
جِرَاحاً عَلَى الْعُيُونِ وَعِيسَى
سُورَةً فِي الْكتَابِ
وَاهاً لِدُنْيَا
مِنْ بَخُورٍ، مِنْ خَمْرَةٍ، مِنْ رُخَامٍ
تَخْتَفِي تَخْتَفِي عَلَى وَهْجِِ دُنْيَا
مِنْ نَخِيلٍ بُرُوقُهَا وَهِجِيرٍ
وَحُرُوفٍ مَحْفُورَةٍ فِي السَّمَاءِ(21).
لقد عد الباحث هذه الأسطر أبياتا تُكَوِّن مقطعا. والحق أنها كلُّها
بيت واحد من بحر الخفيف. ومصدر "الخطإ" أن الباحث لم يُوفق في تقديم مفهوم
واضح للبيت في القصيدة الحرة. فما البيت الخطي؟. وما البيت الصوتي؟ سنقتصر
أولا على تقديم ما اقترحه في هذا الأستاذ مصطفى حركات. يقول عن البيت الخطي
بأنه "وحدة تخضع لعدد من القواعد رعاها الشعراء"(22) دون أ، يبوحوا بها أو
يَهتم بها المنظرون:
أ. البيت الخطي ذو شطر واحد،
ب. البيت الخطي يبتدئ ببداية كلمة، وينتهي بنهاية كلمة،
ج. كل علة ممنوعة خارج نطاق نهاية البيت،
د. كل وقف ممنوع خارج نطاق نهاية البيت،
هـ. عدد التفاعيل في البيت ليست له دلالة Pertinence؛ أي: يمكن أن يكون في البيت تفعيلة أو اثنتان أو مائة،
و. لا ينتهي البيت حتما بنهاية تفعيلة. ولا يبتدئ حتما ببدايتها،
ز. إذا انتهى البيت بجزء من تفعيلة فإن البيت الذي يتلوه يبتدئ بما تبقى من التفعيلة،
(...) وتصنيف الأبيات الخطية إلى أصناف متعددة،
- فهناك ما ينتهي بنهاية تفعيلة دون أن يحمل علامة خاصة،
- وهناك ما ينتهي بنهاية تفعيلة وعلامة خاصة: قافية، وقف، علة،
- وهناك ما ينتهي بجزء من تفعيلة، ويسمى بالمدور،
- وكل بيت انتهى بنهاية تفعيلة يسمى صحيح النهاية. وكل بيت ابتدئ ببداية تفعيلة يسمى صحيح البداية(23).
كل
هذه الأوصاف التي قدمها الباحث تجعلنا نقول إن البيت الخطي عند حركات هو
تقريبا نفسه السطر الشعري عند عزالدين إسماعيل. والفرق بينهما أن السطر عند
من ينادي به هو وحدة صوتية. أما البيت الخطي فهو مثلا حين ينتهي بجزء من
تفعيلة تمتد إلى البيت المجاوز لا يعد وحدة صوتية، وإنما هو مستوى من
امستويات العروض(24).
أما البيت الصوتي، فهو كل وحدة تنتهي بإحدى العلامات:
أ. علة التفعيلة الأخيرة
ب. القافية.
ج. الوقف(...)
قاعدة:
يشترط في البيت الصوتي أن ينتهي بنهاية كلمة ونهاية تفعيلة. وهذه القاعدة
تمكننا من تعريف البيت الصوتي تعريفا ضيقا(25). والتعريف الضيق للبيت
الصوتي هو كل وحدة تنتهي بنهاية كلمة، ونهاية تفعيلة. مثال:
قَدْ قُلْتُمُ الظَّلاَمَ
فَاسْتَحْلَنَ لَيْلاً كَالِحاً
وَقُلْتُمُ السِّجْنَ
فَصِرْنَ أَجْنِحَهْ
مُكَسَّرَهْ
وَقُلْتُمُ الطَّاعَةَ
فَاسْتَحْلَنَ صَمْتاً وَسكُونْ
(...) فبالمعنى الواسع، تجزأ هذه الفقرة إلى أبيات ثلاثة:
- قَدْ قُلْتُمُ الظَّلاَمَ فَاسْتَحْلَنَ لَيْلاً كَالِحاً وَقُلْتُمُ السِّجْنَ فَصِرْنَ أَجْنِحَهْ.
- مُكَسَّرَهْ
- وَقُلْتُمُ الطَّاعَةَ فَاسْتَحْلَنَ صَمْتاً وَسُكُونْ.
تنتهي كلها بالوقف.
أما بالمغنى الضيق، فإن الفقرة تجزأ إلى أربعة أبيات:
- قَدْ قُلْتُمُ الظَّلاَمَ فَاسْتَحْلَنَ لَيْلاً كَالِحَا
- وَقُلْتُمُ السِّجْنَ فَصِرْنَ أَجْنِحَهْ
- مُكَسَّرَهْ
- وَقُلْتُمُ الطَّاعَةَ فَاسْتَحْلَنَ صَمْتاً وَسُكُونْ
تنتهي بنهاية كلمة ونهاية تفعيلة«(26).
الحق أن الفقرة الشعرية المستشهد بها تشتمل على أربعة أبيات سواء
بالمعنى الواسع أو بالمعنى الضيق. والباحث جعلها تارة أربعة أبيات، وتارة
أخرى ثلاثة.
والسبب أنه يطبق، على قافية القصيدة الحرة، قواعد علم
القافية في تراثنا. وكان ينبغي أن نعلم أن هذه القصيدة الحرة التي حطمت
بنية البيت، كما قدمه تراثنا الشعري، لابد أن تحطم كذلك كثيرا من قوانين
القافية فـ "كالحة" أرادها الشاعر في الفقرة السابقة قافية تتجاوب مع كلمة
"أجنحة". ومثل هذا كثير في الشعر المعاصر. يقول أحمد المجاطي:
سَحَائِبٌ مِنْ نَشْوَةِ الْغُبَارِ
فِي السَّاحَهْ
تَصْفَعُ وَجْهَ الْغَيْمِ
أَوْ تَصُوغُ أَشْبَاحَا
مِنْ خَبَبٍ بَطِيءْ
وَالْخَيْلُ تَعْلُكُ الْمَدَى تَدُكُّ أَلْوَاحَهْ(27)
فقد جعل: الساحة، أشباحا، الواحه كلمات ذات روي واحد. ويقول عبدالمعطي حجازي:
-أَخْتَارُ وَجْهَهَا الْبَرِيءَ هَلْ يَشِي بِخَوْفِهَا؟
أَمْ يَا تُرَى يَنْطِقُ بِاعْتِرَافِهَا(28)
-كُنْتُ أَمْشِي وَرَاءَ دَمِي
فَأَرَى مُدُناً تَتَلأْلأُ مِثْلَ الْبَرَاعِمِ(29)
فالشاعر
يجمع بين القافية المؤسسة وغير المؤسسة. على أن هذه الظاهرة تعرف انتشارا
كبيرا في الشعر العربي الحديث الذي أنجزه شعراء الحركة الوطنية بالمغرب.
ونحن نرى أن المغربي، بعمله هذا، يكون منسجما مع ظاهرة أخرى تعم شعره وهي
اختلاس الحركات. وبهذا، فالقافية المؤسسة عنده، حين تأتي في سياق القوافي
غير المؤسسة، ينطقها نطقا عاميا، فلا يظهر صوت الفتحة الطويلة.
ونظن أن
هذه الملاحظة لم تكن حاضرة في ذهن الباحث وهو يقدم مثاله السابق. ونفضل ألا
نتحدث عن البيت الخطي، والبيت الصوتي. لأن هذا التقسيم لا يحل المشكل.
لهذا، نفضل أن نتحدث عن البيت باعتباره كتلة إيقاعية تلتقطها الأذن قبل
العين.
مراجع
(1) الشعر العربي المعاصر. د. عز الدين إسماعيل. ص: 82.
(2) ن.م. ص: 83.
(3) ن.م. ص: 79.
(4) الجملة في الشعر العربي. د. محمد حماسة عبداللطيف. مكتبة الخانجي. القاهرة. ط1: 1410/1990. ص :161.
(5) ن.م. ص: 160.
(6) الشعر العربي المعاصر. ص: 108.
(7) الشعر العربي المعاصر. ص: 110.
(8) ن.م. ص: 111. وانظر شناشيل ابنة الجلبي. ص: 40.
(9) الشعر العربي المعاصر. ص: 111.
(10) لغة الشعر العربي. ص: 205 وما بعدها.
(11) البنية الإيقاعية الجديدة للشعر العربي. أحمد المعداوي. مجلة الوحدة. ع82/83. ص: 72.
(12) الجملة في الشعر العربي. ص: 165.
(13) ن.م. ص: 166.
(14) ن.م. ص: 162.
(15) Dictionnaire de poétique et de rhétorique. P. 43, 49, 51, 55.
(16) كتاب العروض. حركات. ص: 14 وما بعدها.
(17) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 77.
(18) ن.م. ص: 78.
(19) النقد الأدبي وقضايا الشكل. علي يونس. ص: 44.
(20) حركة الحداثة ،ص :279
(21) حركة الحداثة. ص: 279. والنص من ديوانه. ص: 227.
(22) كتاب العروض. حركات. ص: 100.
(23) ن.م. ص: 101.
(24) قواعد الشعر لحركات. ص: 167.
(25) كتاب العروض لحركات. ص: 98.
(26) ن.م .ص: 94.
(27) الفروسية. المجاطي. منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. ط1: 1987. ص: 25.
(28) لم يبق إلا الاعتراف. حجازي. دار العرودة. ط: 1973. ص: 19.
(29) مرثية العمر الجميلز حجازي. دار العودة. بيروت. ط: 1973. ص: 91.
(1) الشعر العربي المعاصر. د. عز الدين إسماعيل. ص: 82.
(2) ن.م. ص: 83.
(3) ن.م. ص: 79.
(4) الجملة في الشعر العربي. د. محمد حماسة عبداللطيف. مكتبة الخانجي. القاهرة. ط1: 1410/1990. ص :161.
(5) ن.م. ص: 160.
(6) الشعر العربي المعاصر. ص: 108.
(7) الشعر العربي المعاصر. ص: 110.
(8) ن.م. ص: 111. وانظر شناشيل ابنة الجلبي. ص: 40.
(9) الشعر العربي المعاصر. ص: 111.
(10) لغة الشعر العربي. ص: 205 وما بعدها.
(11) البنية الإيقاعية الجديدة للشعر العربي. أحمد المعداوي. مجلة الوحدة. ع82/83. ص: 72.
(12) الجملة في الشعر العربي. ص: 165.
(13) ن.م. ص: 166.
(14) ن.م. ص: 162.
(15) Dictionnaire de poétique et de rhétorique. P. 43, 49, 51, 55.
(16) كتاب العروض. حركات. ص: 14 وما بعدها.
(17) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 77.
(18) ن.م. ص: 78.
(19) النقد الأدبي وقضايا الشكل. علي يونس. ص: 44.
(20) حركة الحداثة ،ص :279
(21) حركة الحداثة. ص: 279. والنص من ديوانه. ص: 227.
(22) كتاب العروض. حركات. ص: 100.
(23) ن.م. ص: 101.
(24) قواعد الشعر لحركات. ص: 167.
(25) كتاب العروض لحركات. ص: 98.
(26) ن.م .ص: 94.
(27) الفروسية. المجاطي. منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. ط1: 1987. ص: 25.
(28) لم يبق إلا الاعتراف. حجازي. دار العرودة. ط: 1973. ص: 19.
(29) مرثية العمر الجميلز حجازي. دار العودة. بيروت. ط: 1973. ص: 91.
العلم الثقافيفي هذا المبحث، نستعير منهم هذه العبارة الصحيحة مع تحوير لا يؤثر في
معناها، فنقول: البيت هو أهم عنصر يميز الشعر عن النثر. ذلك بأن النثر
يتألف من أسطر، والسطر قد يطول وقد يقصر، بحسب طبيعة الصحيفة التي تحتضنه؛
لهذا، فإن العين قادرة على التعرف عليه.
أما البيت، فله، على
الصفحة، شكل محدد تدركه العين. فإذا اتخذ شكلا مخالفا، كانت الأذن قادرة
على التعرف عليه. فإذن، البيت يدرك بالعين وبالأذن. والبيت في الشعر العربي
عرف تطورا من حيث شكله؛ فهو في سجع الكهان، والأراجيز، مكون من شطر واحد.
ومن علاماته، انتهاؤه بقافية. وهو في القصيدة، مكون من شطرين متساويين، ومن
بحر واحد، وينتهي بقافية، والشطران قد يكتبان منفصلين أو متصلين. لكن، مع
ظهور الموشح، اعتبرت مجموعة من الأشطار بيتا عند مؤرخي الأدب ودارسي
الموشحات. ونحن في هذه الدراسة اعتبرنا البيتَ جزءا واحدا مكونا من شطر
كالأرجوزة وسجع الكهان، ومن علاماته أيضا، انتهاؤه بقافية. والعامل المشترك
بين البيت في الأشكال الشعرية المذكورة هو:
- الاستقلال العروضي: أي إن البيت لا يحتاج، لإتمام دورته الوزنية، إلى بيت سابق أو بيت لاحق.
- أن يكون من بحر واحد.
- أن ينتهي بقافية يجد رويها صدى في النص الشعري الذي ينتمي إليه هذا البيت.
لكن
مع ظهور القصيدة الحرة، ظهرت صعوبة في تحديد البيت، خاصة وأن القصيدة
الحرة تُكتب كما يُكتب الشعر الغربي المترجم إلى العربية، ويُكتب كما تُكتب
قصيدة النثر. يضاف إلى هذا أن الشعراء ما عادوا يوزعون أبياتهم على الورق
وَفقا لأوزانها. لكل هذا، ظهر من يتحدث عن الشطر، وعن السطر الشعري، وعن
الجملة الشعرية، وعن الدَّوْرة، وعن البيت دون أن يتفقوا على اسم واحد.
اختارت
نازك الملائكة، من خلال كتابها "قضايا الشعر المعاصر"، مصطلح الشطر.
وكأنها بهذا المصطلح تربط القصيدة الحرة بالأرجوزة. ولعل هذا ما جعلها تفرض
طولا معينا لهذا الشطر. بحيث كانت تريده أن يبقى مرتبطا بالشَّطْر في
الرجز أو بطول البيت في القصيدة.
لكن الدكتور عز الدين إسماعيل آثر
مصطلح السطر أولا، ثم مصطلح الجملة الشعرية ثانيا، معلنا رفضه صراحة مصطلح
البيت. يقول: »كان للبيت الشعري التقليدي شكل ثابت، لأنه يتبع نظاما ثابتا
(...) ألا يحدث كثيرا أن يبدأ أحدنا بالبيت التقليدي، فما يكاد ينتهي من
صورة حتى يُتم له شخص آخر عَجُزَه؟ إننا نستطيع، على أقل تقدير، أن نتصور
عجزه. ولا سبب لهذا، إلا أننا نعرف من مصدر البيت النظام الذي يتحتم أن
يتبعه كل بيت. وهو نظام لا يمتلكه الشاعر وحده صاحب البيت. وإنما هو نظام
نمتلكه جميعا (...) وفي الإطار الجديد للقصيدة، لم يعد للبيت التقليدي وجود
أو لنقل إنه لم يعد للنظام التقليدي للبيت تحكم، بعد أن كسر هذا
الإطارَ(1) المسمطُ، وترك مفتوحا لاحتمالات كثيرة أغنى لأشكال مختلفة من
النظام، لا نعرف على وجه التحديد أي شكل منها سيأخذ البيت. ومن هنا، لم نعد
نسمي البيت بيتا، بل صرنا نسميه "سطرا" من الشعر(2) ولهذا، يرى عز الدين
إسماعيل أن أشكال التجديد والتطور في موسيقا شعرنا المعاصر عرفت ثلاث
مراحل:
- مرحلة البيت الشعري ذي الشطرين المتوازيين عروضيا الذي ينتهي بقافية مطردة في الأبيات الأخرى،
- مرحلة السطر الشعري، وهي مرحلة ما يسمى بشعر التفعيلة،
- ثم أخيرا مرحلة الجملة الشعرية(3).
ويبدو مما تقدم أن الدارس قد أهمل طورا قد يكون سابقا القصيدةَ، أو متزامنا معها من خلال الأراجيز خاصة.
وقد رد على الباحث باحثٌ آخر ردا نراه مقنعا، ونعني به قول الدكتور
محمد حماسة عبداللطيف التالي: »والتسمية بالسطر الشعري تسمية غير دقيقة
(...) لأنها لا تخص الشعر الحر. فالبيت في الشعر القديم سطر شعري أيضا وليس
هناك مسوغ لأن يسمى أحدهما بيتا أو يسمى الآخر سطرا شعريا«(4). ثم يضيف
قائلا: »إن التسمية بالسطر غير دقيقة؛ لأن السطر وحدة كتابية، فقد تطلق على
ما يشغل سطرا في النثر أو الشعر. والقصيدة الحرة قد يشغل كل جزء منها سطرا
أو بعض سطر، فلا يكون السطر في حالة نقصانه معبرا عما يشغله من الشعر
تعبيرا دقيقا، فهو ليس وحدة شعرية في هذه الحال«(5).
ونضيف إلى هذا
الاعتراض ما يلي: كيف نحدد السطر حين يتخذ الشعر في الكتابة شكل النثر؟ وقد
انتبه الدكتور عز الدين إسماعيل إلى شيء قريب من هذا، فاستحدث مصطلح
الجملة الشعرية. فما الجملة الشعرية؟
يقول الدكتور عزالدين إسماعيل:
»إذا كان الشطر الشعري بنية موسيقية تشغل من حيث الحيز سطرا من القصيدة
يصل امتداده الزمني في بعض الأحيان، وفي أقصى الحالات، إلى تسع (...). فإن
الجملة الشعرية بنية موسيقية أكبر من السطر وإن ظلت محتفظة بكل خصائصه.
فالجملة تشغل أكثر من سطر، وقد تمتد أحيانا إلى »خمسة أسطر أو أكثر(6)
(...) الجملة الشعرية نَفَسٌ واحد ممتد يشغل أكثر من سطر...« (7).
لم يحدد الباحث شكل هذ الأسطر التي تُكوِّن الجملة الشعرية. أهي أسطر
متساوية الطول، بحيث توحي بصريا بأنها سطر من نص نثري. ولكن، من خلال
النماذج التي قدمها الباحث، ومن خلال معرفتنا للمرحلة التي ظهر فيها
كتابُه، يتبين أن الجملة الشعرية عنده هي أسطر متفاوتة الطول تجمع بينها
فكرة واحدة، وقد تنتهي الأسطر مع ذلك، إما بقافية، وإما بعلل أخرى. وهذا
مخالف لمصطلح التدوير.
يقول بدر شاكر السياب:
وَكُلُّ شَبَابِهَا كَانَ انْتِظَاراً لِي عَلَى شَطٍّ يُهَوِّمُ فَوْقَهُ الْقَمَرُ
وَتَنْعَسُ فِي حِمَاهَا الطَّيْرُ رَشَّ نُعَاسَهَا الْمَطَرُ
فَنَبَّهَهَا فَطَارَتْ تَمْلأ ُالآفَاقَ بِالأَصْدَاءِ نَاعِسَةً
تَؤُجُّ النُّورَ مُرْتَعِشاً قَوَادِمُهَا وَتَخْفِقُ فِي خَوَافِيهَا
ظِلاَلُ اللَّيْلِ. أَيْنَ أَصِيلُنَا الصَّيْفِيُّ فِي جِيكُورْ؟(8)
يقول
عزالدين إسماعيل معلقا على هذه الأبيات: »السطر الأول قائم موسيقيا بذاته.
وقد أوردناه هنا لكي يتضح السياق المعنوي فحسب. أما الأسطر الأربعة
التالية، فجملة واحدة متصلة تتكون من خمس عشرة تفعيلة إذا نحن توقفنا عند
كلمة "الليل" في السطر الأخير، ومن ثماني عشرة تفعيلة إذا نحن امتددنا إلى
نهاية السطر. والواقع أننا لا نستطيع إلا أن نمتد بالقراءة إلى نهاية السطر
(...) وليس في وسعنا أن نتمثل في هذه الجملة كل سطر على أنه وحدة موسيقية
يمكن التوقف عند نهايتها. بل نجد هذه السطور تتدفق فتلتحم نهاياتها
ببداياتها التحاما قويا«(9).
إذن، فالمهم في الجملة الشعرية هو الاتصال
المعنوي لا العروضي؛ لأن هذا الأخير هو الذي يعطي القصيدة ظاهرة التدوير.
وبهذا، فالجملة الشعرية ليست من خصائص القصيدة الحرة. ففي الموشح، قد يكون
التدوير كله جملة شعرية. كما أننا قد نجد هذه الجملة في الأرجوزة، وحتى في
القصيدة. فحين يقول امرؤ القيس:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ
فَتُوضِحَ فَالْمِقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
ألا
يشكل هذان البيتان جملة شعرية تبدأ بمخاطبة الشاعر صاحبيه، وبذكر الأماكن
التي لها علاقة وجدانية بذات الشاعر. على أن المثال الذي قدمه الباحث غير
مقنع، إذ يمكن أن يكون أكثر من جملة، فالبيت/ السطر الثاني الذي ينتهي بـ
"المطر" يمكن أن يكون جملة شعرية مستقلة مرتبطة بجملة شعرية موالية بأداة
العطف.
ومع ذلك لم يَرُق مصطلح الجملة الشعرية الدكتور السعيد الورقي،
إذ فضل مصطلح الدَّوْرَة النغمية. وهي عنده البيت الطويل الموزع على عدة
أسطر. فإذ اتسعت هذه الدورة سماها الموجة(10). وهي قريبة من مصطلح الجملة
الاستغراقية التي عرفها المجاطي بقوله: »هي الجملة التي تستغرق القصيدة
كلها إيقاعيا، فلا يبقى ثمة مجال لمساهمة أي من السطر الشعري، ولا الجملتين
القصيرة والطويلة«(11). على أن ثمة فرقا بين مصطلح عز الدين إسماعيل، وما
اقترحه غيره. فأساس الجملة الشعرية الاتصال المعنوي. أما أساس الدورة
النغمية، أو الموجة، أو الجملة الاستغرافية، فهو الاتصال العروضي. لكن ثمة
من فضل مصطلح البيت. يقول الدكتور محمد حماسة عبداللطيف: »في القصيدة
الحرة، نجد أنها مكونة من "مجموعات من التفعيلات"، كل منها تنتهي بقافية،
كما أن القصيدة القديمة كذلك. ولكن مجموعة التفعيلات(12) في القصيدة
القديمة متساوية تماما، وهي ليست كذلك في القصيدة الحرة. نحن نسمي هذه
المجموعة المتساوية من التفعيلات في القصيدة القديمة بيتا، ولا أجد غضاضة
في تسمية نظيرتها في القصيدة الحرة بيتا كذلك برغم عدم دقة التسمية. فالبيت
في القصيدة الحرة هو مجموعة التفعيلات التي تنتهي بقافية أيا كان عدد
التفعيلات، وأيا كان نوع القافية، وسواء أكتب على سطر واحد أم على عدة
أسطر«(13). لكن لماذا اعتبر الباحث التسمية غير دقيقة؟ يقول: »لأن البيت
مصطلح محدد الدلالة في الشعر القديم، وهو يُعد وحدة القصيدة. ولذلك تساوى
جميع الأبيات في القصيدة. وكل بيت مكون من شطرين في الوزن التام، وفي
المجزوء. وللبيت عروض وضرب لهما مواصفات خاصة. ومن خلال تنوعهما يتنوع
إيقاع البحر الواحد، وتتعدد صوره. وكل بيت ينتهي بقافية موحدة مع جميع
أبيات القصيدة في القصائد ذات القافية الموحدة، أو تتفق مع أبيات المجموعة،
سواء أكانت ثنائية أم ثلاثية، أم رباعية في القصائد التي تنوع في القافية
في العصر الحديث. وكل هذه الخصائص والسمات لا تتوافر في مقابل البيت في
الشعر الحر. ولذلك قلت: إن هذه التسمية غير دقيقة«(14).
هذا الكلام لا
يعير أي اهتمام للتطور الذي يلحق الفنون. فالبيت في الأرجوزة مختلف عن
البيت في القصيدة، فلما تطور شكل البيت ظهر مع تطوره شكل شعري جديد. وهذا
واضح في الموشحات، وفي القصيدة الحرة. وفي الشعر الغربي، وخاصة الفرنسي،
يُتحدث مثلا عن L?alexandrin، وهو نظم قديم عندهم، وما يزال حاضرا، لكنهم
يميزون بين L?alexandrin classique وبين L?alexandrin romantique وبين
l?alexandrin libéré وبين L?alexandrin désarticulé وL?alexandrin
symboliste(15). وكل هذه الأشكال لها عدد ثابت من المقاطع، لكن بنية كل شكل
تختلف عن بنيات باقي الأشكال. فالأول يقوم على le tétramètre: 3-3-3-3. أي
على أربعة أجزاء. ويقوم الثاني على Le trimètre: 4-4-4. أي على ثلاثة
أجزاء. إلخ. فإذن، يمكن في الشعر العربي الحديثُ عن البيت في سجع الكهان،
والبيت في الأرجوزة، والبيت في القصيدة، والبيت في الموشح، والبيت في
المسمط، والبيت في الأشكال الشعرية المستحدثة في العصر الحديث.
إننا
نفضل مصطلح البيت مادام الشعر خاضعا للوزن، لأن باقي المصطلحات مستمدة من
حقول غير الشعر: فالسطر من النثر، والجملة من علم اللغة، والدورة، أو
الموجة، من حقل آخر. أما "الشطر" المستعمل من قبل نازك، فهو وحده المرتبط
بحقل الشعر. ولكنه مع ذلك لا يصلح في القصيدة الحرة، لأن فيه معنى الجزء
المأخوذ من البيت.
ب- إن التعرف على البيت في القصيدة أمر سهل؛ لأن له
شكلا خطيا واضحا، وشكلا صوتيا يسهل على الأذن، حتى وإن كانت غير مدربة،
التعرفُ عليه؛ لأن هذا البيت، إلى جانب بنيته الزمانية، يشتمل على علامات
أخرى، أبرزها القافية، والوقفة في العروضة. لكن البيت في القصيدة الحرة،
صار التعرف عليه أمرا محفوفا بصعوبات، لعدة أسباب أبرزها:
- أن الشاعر صار يوزع أبياته على عدة أسطر توزيعا غير خاضع للوزن،
- تخلي الشاعر في كثير من الأحيان عن القافية بجميع أشكالها.
وقد
حاول الأستاذ مصطفى حركات حل هذه الصعوبة بالتمييز بين البيت الخطي،
والبيت الصوتي. يقول: »إن هناك نوعين من الأبيات. البيت المكتوب والبيت
المنطوق. وهاتان الوحدتان مندمجتان في الشعر العمودي. ولكنهما منفصلتان في
الشعر الحر. وانفصالهما أدى إلى فقدان جزء من هويتهما. فتسبب ذلك في صعوبة
تعريفهما.. وكل الضعف في الأبحاث الخاصة بأوازن الشعر الحر ناتجة في رأينا
عن هذه الصعوبة في تحديد البيت«(16). وملاحظة الباحث الأخيرة صحيحة. فهذه
نازك الملائكة التي لم يكن البيت واضحا في ذهنها، نراها، وهي تتحدث عن
رفضها جمع الشاعر بين تشكيلتين في النص الواحد، تقدم نموذجا من شعر خليل
حاوي على الرجز، وهو التالي:
دَارِي الَّتِي أَبْحَرْتِ غَرَّبْتِ مَعِي (مستعلن)
وَكُنْتِ خَيْرَ دَارْ (فعولْ)
فِي دَوْخَةِ الْبِحَارْ (فعولْ) (17)
فِي غُرْبَتِي وَغُرْفَتِي (متفعلن)
يَنْمُو عَلَى عَتْبَتِهَا الْغُبَارْ (فعولْ) (18)
فهذا النص تعتبره نازك مؤلفا من خمسة أبيات على النظام القافوي التالي:
أ ب ب ج ب. وواضح من هذا أن بهذا النص بيتين جاءا مرسلين علما أن جيل
الرواد بالمشرق، وخاصة خليل حاوي، حافظ على القافية. ففي ديوان خليل حاوي،
لا نجد إلا أبياتا قليلة لا يتعدى عددها عدد أصابع اليد الواحدة، جاءت
مرسلة. والحق أن هذا النص مكون من ثلاثة أبيات على النظام القافوي التالي: أ
أ أ، وبأضرب موحدة الشكل (فعولْ)، وخليل حاوي، كجل الرواد، يحترم وحدة
الضرب في قصائده الحرة. لقد عدت نازك أبيات هذا الشاعر خارجة عن الذوق
العربي، لكونها جمعت بين ضربين هما: مستفعلن وفعولْ. ومرد هذه الملاحظة أن
الباحثة لم يكن مفهوم البيت واضحا في ذهنها.
ويقدم الأستاذ علي يونس لصلاح عبدالصبور:
يَا رَبَّنَا الْعَظِيمَ يَا مُعَذِّبِي ضربه: متفعلن
يَا نَاسِجَ الأَحْلاَمِ فِي الْعُيُونْ ضربه: فعولْ
يَا زَارِعَ الْيَقِينِ وَالظُنُونْ ضربه: فعولْ
اِخْتَرْتَ لِي لَشَدَّ مَا أَوْجَعْتَنِي ضربه: مستفعلن
أَلَمْ أُخَلِّصْ بَعْدُ أَمْ تُرَى نَسِيَتنِي ضربه: فعو
اَلْوَيْلُ لِي نَسِيتَنِي ضربه: متفعلن
نَسِيتَنِي ضربه: متفعلن
نسيتَنِي ضربه: متفعلن(19)
والملاحظ
أن السطر الرابع مكتوب في الطبعة الرابعة من الديوان الصادر عن دار العودة
سنة 1989، وفي مجموعة "أحلام الفارس القديم" الصادرة عن دار الآداب في
طبعتها الثانية في يناير 1969 على الشكل التالي:
اِخْتَرْتَ لِي
لَشَدَّ مَا أَوْجَعْتَنِي
والسطر الخامس مكتوب في الديوان نفسه على الشكل التالي:
أَلَمْ أُخَلِّصْ بَعْدُ
أَم تُرَى نَسِيتَنِي
فلماذا
جمع بين السطرين، وجعلهما بيتا/ سطرا واحدا؟ ولماذا لم يقم بالعمل نفسه مع
السطر الأول والثاني؟ كل هذا يدل على أن الباحث لم ينجح في تحديد البيت في
القصيدة الحرة.
ويقول الدكتور كمال خير بك، وهو يتحدث عن يوسف الخال:
»إن عملية النظم تبدو أكثر مرونة في قصائد الشاعر المكتوبة في أبيات مرسلة
(...) ما يشهد عليه هذا المقطع: (20)
وَأَدَرْنَا وُجُوهَنَا.. كَانَتِ الشمَّسُ
غبُاَراً عَلَى السَّنَابِكِ، وَالأُفْقُ
شِرَاعا مُحَطَّماً، كَانَ تَمُّوزُ
جِرَاحاً عَلَى الْعُيُونِ وَعِيسَى
سُورَةً فِي الْكتَابِ
وَاهاً لِدُنْيَا
مِنْ بَخُورٍ، مِنْ خَمْرَةٍ، مِنْ رُخَامٍ
تَخْتَفِي تَخْتَفِي عَلَى وَهْجِِ دُنْيَا
مِنْ نَخِيلٍ بُرُوقُهَا وَهِجِيرٍ
وَحُرُوفٍ مَحْفُورَةٍ فِي السَّمَاءِ(21).
لقد عد الباحث هذه الأسطر أبياتا تُكَوِّن مقطعا. والحق أنها كلُّها
بيت واحد من بحر الخفيف. ومصدر "الخطإ" أن الباحث لم يُوفق في تقديم مفهوم
واضح للبيت في القصيدة الحرة. فما البيت الخطي؟. وما البيت الصوتي؟ سنقتصر
أولا على تقديم ما اقترحه في هذا الأستاذ مصطفى حركات. يقول عن البيت الخطي
بأنه "وحدة تخضع لعدد من القواعد رعاها الشعراء"(22) دون أ، يبوحوا بها أو
يَهتم بها المنظرون:
أ. البيت الخطي ذو شطر واحد،
ب. البيت الخطي يبتدئ ببداية كلمة، وينتهي بنهاية كلمة،
ج. كل علة ممنوعة خارج نطاق نهاية البيت،
د. كل وقف ممنوع خارج نطاق نهاية البيت،
هـ. عدد التفاعيل في البيت ليست له دلالة Pertinence؛ أي: يمكن أن يكون في البيت تفعيلة أو اثنتان أو مائة،
و. لا ينتهي البيت حتما بنهاية تفعيلة. ولا يبتدئ حتما ببدايتها،
ز. إذا انتهى البيت بجزء من تفعيلة فإن البيت الذي يتلوه يبتدئ بما تبقى من التفعيلة،
(...) وتصنيف الأبيات الخطية إلى أصناف متعددة،
- فهناك ما ينتهي بنهاية تفعيلة دون أن يحمل علامة خاصة،
- وهناك ما ينتهي بنهاية تفعيلة وعلامة خاصة: قافية، وقف، علة،
- وهناك ما ينتهي بجزء من تفعيلة، ويسمى بالمدور،
- وكل بيت انتهى بنهاية تفعيلة يسمى صحيح النهاية. وكل بيت ابتدئ ببداية تفعيلة يسمى صحيح البداية(23).
كل
هذه الأوصاف التي قدمها الباحث تجعلنا نقول إن البيت الخطي عند حركات هو
تقريبا نفسه السطر الشعري عند عزالدين إسماعيل. والفرق بينهما أن السطر عند
من ينادي به هو وحدة صوتية. أما البيت الخطي فهو مثلا حين ينتهي بجزء من
تفعيلة تمتد إلى البيت المجاوز لا يعد وحدة صوتية، وإنما هو مستوى من
امستويات العروض(24).
أما البيت الصوتي، فهو كل وحدة تنتهي بإحدى العلامات:
أ. علة التفعيلة الأخيرة
ب. القافية.
ج. الوقف(...)
قاعدة:
يشترط في البيت الصوتي أن ينتهي بنهاية كلمة ونهاية تفعيلة. وهذه القاعدة
تمكننا من تعريف البيت الصوتي تعريفا ضيقا(25). والتعريف الضيق للبيت
الصوتي هو كل وحدة تنتهي بنهاية كلمة، ونهاية تفعيلة. مثال:
قَدْ قُلْتُمُ الظَّلاَمَ
فَاسْتَحْلَنَ لَيْلاً كَالِحاً
وَقُلْتُمُ السِّجْنَ
فَصِرْنَ أَجْنِحَهْ
مُكَسَّرَهْ
وَقُلْتُمُ الطَّاعَةَ
فَاسْتَحْلَنَ صَمْتاً وَسكُونْ
(...) فبالمعنى الواسع، تجزأ هذه الفقرة إلى أبيات ثلاثة:
- قَدْ قُلْتُمُ الظَّلاَمَ فَاسْتَحْلَنَ لَيْلاً كَالِحاً وَقُلْتُمُ السِّجْنَ فَصِرْنَ أَجْنِحَهْ.
- مُكَسَّرَهْ
- وَقُلْتُمُ الطَّاعَةَ فَاسْتَحْلَنَ صَمْتاً وَسُكُونْ.
تنتهي كلها بالوقف.
أما بالمغنى الضيق، فإن الفقرة تجزأ إلى أربعة أبيات:
- قَدْ قُلْتُمُ الظَّلاَمَ فَاسْتَحْلَنَ لَيْلاً كَالِحَا
- وَقُلْتُمُ السِّجْنَ فَصِرْنَ أَجْنِحَهْ
- مُكَسَّرَهْ
- وَقُلْتُمُ الطَّاعَةَ فَاسْتَحْلَنَ صَمْتاً وَسُكُونْ
تنتهي بنهاية كلمة ونهاية تفعيلة«(26).
الحق أن الفقرة الشعرية المستشهد بها تشتمل على أربعة أبيات سواء
بالمعنى الواسع أو بالمعنى الضيق. والباحث جعلها تارة أربعة أبيات، وتارة
أخرى ثلاثة.
والسبب أنه يطبق، على قافية القصيدة الحرة، قواعد علم
القافية في تراثنا. وكان ينبغي أن نعلم أن هذه القصيدة الحرة التي حطمت
بنية البيت، كما قدمه تراثنا الشعري، لابد أن تحطم كذلك كثيرا من قوانين
القافية فـ "كالحة" أرادها الشاعر في الفقرة السابقة قافية تتجاوب مع كلمة
"أجنحة". ومثل هذا كثير في الشعر المعاصر. يقول أحمد المجاطي:
سَحَائِبٌ مِنْ نَشْوَةِ الْغُبَارِ
فِي السَّاحَهْ
تَصْفَعُ وَجْهَ الْغَيْمِ
أَوْ تَصُوغُ أَشْبَاحَا
مِنْ خَبَبٍ بَطِيءْ
وَالْخَيْلُ تَعْلُكُ الْمَدَى تَدُكُّ أَلْوَاحَهْ(27)
فقد جعل: الساحة، أشباحا، الواحه كلمات ذات روي واحد. ويقول عبدالمعطي حجازي:
-أَخْتَارُ وَجْهَهَا الْبَرِيءَ هَلْ يَشِي بِخَوْفِهَا؟
أَمْ يَا تُرَى يَنْطِقُ بِاعْتِرَافِهَا(28)
-كُنْتُ أَمْشِي وَرَاءَ دَمِي
فَأَرَى مُدُناً تَتَلأْلأُ مِثْلَ الْبَرَاعِمِ(29)
فالشاعر
يجمع بين القافية المؤسسة وغير المؤسسة. على أن هذه الظاهرة تعرف انتشارا
كبيرا في الشعر العربي الحديث الذي أنجزه شعراء الحركة الوطنية بالمغرب.
ونحن نرى أن المغربي، بعمله هذا، يكون منسجما مع ظاهرة أخرى تعم شعره وهي
اختلاس الحركات. وبهذا، فالقافية المؤسسة عنده، حين تأتي في سياق القوافي
غير المؤسسة، ينطقها نطقا عاميا، فلا يظهر صوت الفتحة الطويلة.
ونظن أن
هذه الملاحظة لم تكن حاضرة في ذهن الباحث وهو يقدم مثاله السابق. ونفضل ألا
نتحدث عن البيت الخطي، والبيت الصوتي. لأن هذا التقسيم لا يحل المشكل.
لهذا، نفضل أن نتحدث عن البيت باعتباره كتلة إيقاعية تلتقطها الأذن قبل
العين.
مراجع
(1) الشعر العربي المعاصر. د. عز الدين إسماعيل. ص: 82.
(2) ن.م. ص: 83.
(3) ن.م. ص: 79.
(4) الجملة في الشعر العربي. د. محمد حماسة عبداللطيف. مكتبة الخانجي. القاهرة. ط1: 1410/1990. ص :161.
(5) ن.م. ص: 160.
(6) الشعر العربي المعاصر. ص: 108.
(7) الشعر العربي المعاصر. ص: 110.
(8) ن.م. ص: 111. وانظر شناشيل ابنة الجلبي. ص: 40.
(9) الشعر العربي المعاصر. ص: 111.
(10) لغة الشعر العربي. ص: 205 وما بعدها.
(11) البنية الإيقاعية الجديدة للشعر العربي. أحمد المعداوي. مجلة الوحدة. ع82/83. ص: 72.
(12) الجملة في الشعر العربي. ص: 165.
(13) ن.م. ص: 166.
(14) ن.م. ص: 162.
(15) Dictionnaire de poétique et de rhétorique. P. 43, 49, 51, 55.
(16) كتاب العروض. حركات. ص: 14 وما بعدها.
(17) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 77.
(18) ن.م. ص: 78.
(19) النقد الأدبي وقضايا الشكل. علي يونس. ص: 44.
(20) حركة الحداثة ،ص :279
(21) حركة الحداثة. ص: 279. والنص من ديوانه. ص: 227.
(22) كتاب العروض. حركات. ص: 100.
(23) ن.م. ص: 101.
(24) قواعد الشعر لحركات. ص: 167.
(25) كتاب العروض لحركات. ص: 98.
(26) ن.م .ص: 94.
(27) الفروسية. المجاطي. منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. ط1: 1987. ص: 25.
(28) لم يبق إلا الاعتراف. حجازي. دار العرودة. ط: 1973. ص: 19.
(29) مرثية العمر الجميلز حجازي. دار العودة. بيروت. ط: 1973. ص: 91.
(1) الشعر العربي المعاصر. د. عز الدين إسماعيل. ص: 82.
(2) ن.م. ص: 83.
(3) ن.م. ص: 79.
(4) الجملة في الشعر العربي. د. محمد حماسة عبداللطيف. مكتبة الخانجي. القاهرة. ط1: 1410/1990. ص :161.
(5) ن.م. ص: 160.
(6) الشعر العربي المعاصر. ص: 108.
(7) الشعر العربي المعاصر. ص: 110.
(8) ن.م. ص: 111. وانظر شناشيل ابنة الجلبي. ص: 40.
(9) الشعر العربي المعاصر. ص: 111.
(10) لغة الشعر العربي. ص: 205 وما بعدها.
(11) البنية الإيقاعية الجديدة للشعر العربي. أحمد المعداوي. مجلة الوحدة. ع82/83. ص: 72.
(12) الجملة في الشعر العربي. ص: 165.
(13) ن.م. ص: 166.
(14) ن.م. ص: 162.
(15) Dictionnaire de poétique et de rhétorique. P. 43, 49, 51, 55.
(16) كتاب العروض. حركات. ص: 14 وما بعدها.
(17) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 77.
(18) ن.م. ص: 78.
(19) النقد الأدبي وقضايا الشكل. علي يونس. ص: 44.
(20) حركة الحداثة ،ص :279
(21) حركة الحداثة. ص: 279. والنص من ديوانه. ص: 227.
(22) كتاب العروض. حركات. ص: 100.
(23) ن.م. ص: 101.
(24) قواعد الشعر لحركات. ص: 167.
(25) كتاب العروض لحركات. ص: 98.
(26) ن.م .ص: 94.
(27) الفروسية. المجاطي. منشورات المجلس القومي للثقافة العربية. ط1: 1987. ص: 25.
(28) لم يبق إلا الاعتراف. حجازي. دار العرودة. ط: 1973. ص: 19.
(29) مرثية العمر الجميلز حجازي. دار العودة. بيروت. ط: 1973. ص: 91.
10/6/2011-
محمد علي الرباوي |
izarine- عدد الرسائل : 1855
العمر : 65
Localisation : khémissat
Emploi : travail
تاريخ التسجيل : 03/08/2006
رد: البيت في القصيدة الحرة
(2)
وللبيت،
عدة علامات استقيناها مما أنجزه الشعراء، ويجوز أن تكون هناك علامات أخرى
لم نذكرها، لأننا لم نعثر عليها في المتن الكبير الذي جعلناه مادة لهذه
الدراسة. وهذه العلامات تظهر في تفعيلته الأولى والأخيرة.
1-لابد أن يبتدئ البيت بتفعيلة تامة، أو مخرومة شريطة ألا يعالج هذا الخرم بربط البيت ببيت سابق.
2-أما التفعيلة الأخيرة، فلها ثلاث حالات:
أ.أن يلحق بها الترفيل أو التذييل أو التسبيغ أو أي زيادة،
ب.أن يلحق بها الحذف، أو القطف أو القصر أو القطع أو الحذذ أو الصلم أو الوقف أو البتر أو أي نقص،
ويشترط ألا تزول هذه العلل [أ-ب] بربط البيت بالبيت الموالي.
ج.أن تكون تامة. وفي هذه الحالة لابد للبيت من علامات أخرى، وهي:
- أن ينتهي البيت بقافية لرويها صدى في البيت التالي، أو في أحد الأبيات السابقة، أو في البيت الموالي، أو في أحد الأبيات الموالية،
- أن يوقف على الضرب بالسكون وجوبا،
- وجوب إشباع حركة الضرب،
- أن يكون الجزء الأول من البيت الموالي مخروما خرما لا يجبر،
- أن يكون البيت الموالي من بحر آخر. وأن هذا البحر يبقى حاضرا حتى وإن ربطت بين البيتين،
- أن يكون هذا البيت إما نهاية فقرة أو نهاية القصيدة.
والبيت،
بعد كل هذا، قد يكون من تفعيلة واحدة تامة أو ناقصة أو مذيلة أو مرفلة.
وقد يكون من تفعيلتين أو أكثر. وقد يكتب على سطر واحد، أو على عدة أسطر.
وهذه نماذج توضيحية:
يقول المجاطي:
كَانَ حِينَ يَزُورُ الْمَدِينَةَ
يَطْرُقُ بَابِي
أُعِدُّ لَهُ قَهْوَةَ الْعَصْرِ
يَكْتُمُ سَعْلَتَهُ
أَتَسَوَّرُ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ
قَامَتَهُ الْمَارِدَهْ(1)
ويقول الخمار الكنوني:
خُطَى امْرَأَةٍ يُعَرْبِدُ نَقْرُهَا الْوَثَنِيُّ
بَعْدَ النَّفْيِ يَرْتَفِعُ
وَصَوْتُ سَفَائِنِ الْمِينَاءِ
تُفْرِغُ قَمْحَهَا - مِنْ يَدِهَا الْعُلْيَا؟-(2)
ويقول:
إِذْ صَارَ النَّاسُ بِطَاقَاتٍ، أَرْقَاماً وَصفُوفاً
وَقْتَ اجْتَاَح الْجُذَرِيُّ الأَوْجُهَ وَالأَنْفُسْ(3)
ويقول:
إِنَّهُ زَمَنٌ أَطْفَأَتْهُ السَّرِيرَهْ
فَأَطْفَأَهَا وَاسْتَحَالَ رَمَاداً وَمَا أَشْعَلَتْهُ الْعَشِيرَهْ(4)
ويقول الفيتوري:
غَضَبِي يَا مَوْلاَتِي
لَوْ أَقْدِرُ كُنْتُ مَلأْتُ حَدِيقَتَنَا الْجَرْدَاءْ
بِالزَّنْبَقِ وَالدِّفْلَي
وَكُنْتُ غَسَلْتُ كَآبَاتِ الْفُقَرَاءْ(5)
النموذج
الأول مكون من ستة أسطر. فهل كل سطر بيت؟ لنطبق القواعد التي سقناها
للتعرف على البيت في القصيدة الحرة. وبهذا، نقول إن السطر الأول يمكن عده
بيتا. لماذا؟ لأنه من بحر المتدارك، أوله تفعيلة سالمة، وآخره تفعيلة بها
علة الترفيل. يضاف إلى هذا أن البيت الموالي أوله تفعيلة مخرومة وهو من
المتقارب. لكن هذا الخرم، وهذا البحر الجديد يمكن التخلص منهما بربط السطر
الأول بالسطر الثاني. وبهذا، يصبح السطر الأول والثاني بيتا واحدا من بحر
واحد. لكن هذا البيت الجديد ينتهي بتفعيلة مرفلة. إذن، فهو بيت مستقل، خاصة
وأن ما يليه من بحر جديد هو المتقارب. فهل يمكن الربط بينهما؟ إن هذا
الربط سيجعل المتقارب يختفي، ولهذا، فالربط واجب، لأن الأصل في الشعر
العربي أن يكون من بحر واحد. وبهذا، يصير السطر الأول والثاني، والثالث
بيتا واحدا ينتهي بكلمة "العصر" التي يجب أن نقف عليها بالسكون، وهذا
الوجوب من علامات البيت. لكن السطر الموالي يحتاج إلى كلمة "العصر" ليزول
ما به من خرم. وهكذا، يصير السطر الأول والثاني والثالث والرابع بيتا واحدا
منتهيا بتفعيلة تامة. لكن قافيته لا تجد لها صدى، لا في ما سبق، ولا في ما
يلحق. فلهذا، لابد من ربط البيت بما يليه. وهكذا، يصبح ما قاله الشاعر في
ستة أسطر بيتا وحدا.
النموذج الثاني: من الوافر. فالسطر الأول يمكن عده
بيتا، لكونه يبتدئ بتفعيلة تامة، وينتهي بتفعيلة تامة. وتمام التفعيلة
الأخيرة يقتضي شرطا آخر، وهو هنا خرم البيت الموالي. لكن هذا الخرم يمكن
التخلص منه بالربط بين السطرين وجعلهما معا بيتا واحدا ينتهي بتفعيلة تامة
كذلك. لكنها معززة بأحد شروطها، وهو هنا ضرورة إشباع حركة العين، لأن من
شروط الضرب أن ينتهي بساكن.
السطر الثالث يمكن ان يكون بيتا، لأن
تفعيلته الأولى سالمة، والأخيرة معتلة بالزيادة، لكن يمكن ربطه بالسطر
الرابع، ليزول ما بهذا السطر من خرم. وبهذا، يكون النموذج الثاني مؤلفا من
بيتين موزعين على أربعة أسطر.
النموذج الثالث: يتألف من سطرين.
الأول، يبتدئ بتفعيلة تامة، وينتهي بتفعيلة تامة كذلك، ولكنها تفتقر إلى
أحد شروطها؛ لهذا، يُربط هذا السطر بالسطر الموالي ليكونا معا بيتا واحدا
ينتهي بكلمة "الأنفس" التي يجب أن نقف عليها بالسكون، لأن الضرب لا ينتهي
بمتحرك، وإذا أشبعنا الحركة، صار الضرب من (فاعلن). وهذا غير مقبول في
الخبب.
النموذج الرابع: القافية هنا عامل مساعد على تحديد البيت. لكن
الأحسن أن نفترض أنها غير موجودة، فيكون السطر الأول، وجوبا، بيتا، لأنه من
بَحْر المتدارك، والثاني من المتقارب، وأن الربط بينهما يُبقي على هذين
البحرين. فإذن، هذا النموذج، سواء اعتبرنا القافية أو لم نعتبرها يتألف من
بيتين.
النموذج الخامس: يتكون من ثلاثة أبيات موزعة على أربعة أسطر.
السطر الأول والثاني بيت واحد ينتهي بضربٍ لقافيته صدى في بيت لاحق. السطر
الثالث ينتهي بتفعيلة تامة. وبما أن أحد شروط هذا التمام حاضر، فإن هذا
السطر بيت.
ج* لكن لماذا وجب تحديد البيت؟
إن لهذا العمل أهمية كبرى.
ذلك بأن البيت في القصيدة الحرة لم يعد يكتب وَفْق وزنه. ولم يعد يهتم
بالقوافي باعتبارها أبرز علامات البيت. يضاف إلى هذا أن القصيدة الحرة صارت
توزع، بصريا، توزيعا يوحي بأنها حرة. لهذا، وجب تحديد البيت، لنستطيع
التعرف على شكل النص الشعري. وللتوضيح نقدم النماذج التالية:
يقول أدونيس:
حَوْلِي عَلَى وَجْهِ الضُّحَى، صَدَأٌ
يَغْفُو كَحِرْبَاءٍ عَلَى بَابِي
وَيَدُورُ مَسْعُوراً، وَيَكْمُنُ لِي
فِي شَكْلِ أَظْفَارٍ وَأَنْيابِ
أَرْنُو لَهُ بِغَدِي وَأَغْسِلُهُ
بِدَمِي وَأَعْصَابِي(6)
يقول المعداوي:
هَذِهِ الدَّقِيقَةُ بَيْنَ أَسْرَابِ الرِّفَاقِ
أُنْشُودَةٌ زَهْرَاءُ تَرْقُصُ فِي انْطِلاَقِ
وَيُرَى بِالدَّرْبِ الْمُسَالِمِ لِلْحَيَاةِ خَيَالُ سَاقِ
عَبَثَتْ أَصَابِعُهُ الْحِسَانُ بِكُلِّ كُوبٍ فِي الرِّوَاقِ
مَا أَنْتَ بِالشُّحْرُورِ غَيْرُ صَدىً لأَحْلاَمِ الطُّفُولَهْ
اَلضَّيْعَةُ الْخَضْرَاءُ وَالنَّغَمُ الْمُرَفْرِفُ فِي أَصَائِلِهَا الْجَمِيلَهْ
وَالرِّيحُ تَقْتَلِعُ الْجُذُورَ عَلَى انْتِفَاضَاتِ الْخَمِيلَهْ
هَذِي الْمَعَانِي وَغَيْرُهَا جَعَلَتْكَ تَحْيَا لِلْبُطُولَهْ(7)
ويقول الفيتوري:
قُلْهَا. لاَ تَجْبُنْ.. لاَ تَجْبُنْ
قُلْهَا فِي وَجْهِ الْبَشَرِيهْ..
أَنَا زِنْجِي..
وَأَبِي زِنْجِيُّ الْجَدِّ
وَأُمِّي زِنْجِيهْ..
أَنَا أَسْوَدْ،
أَسْوَدُ لَكِنِّي حُرٌّ أَمْتَلِكُ الْحُرِّيه
أَرْضِي إِفْرِيقِيه..
عَاشَتْ أَرْضِي..
عَاشَتْ إِفْرِيقِيه ! (8)
قبل
أن نعلق على هذه النماذج، نود أن نلفت النظر إلى أن من القصائد الحرة ما
جاء مرسلا، ومنه ما جاء بقواف منوعة، ومنه ما جاء على وحدة الروي كبعض
قصائد البياتي(9)، وحجازي(10)(...)، وحين تحضر القافية، فإنها قد تضلل
الباحث الذي يريد تحديد البيت. لننظر الآن إلى النماذج السابقة:
النموذج
الأول: مكتوب، بصريا، كما تكتب القصيدة. ويعزز هذا أن النص يقوم على وحدة
الروي. لكن حين نعرض الأبيات على السمع، يتضح أن لكل بيت مدى زمنيا خاصا.
وهذا يسمح بأن نحكم على النموذج بأنه قصيدة حرة موزونة تفعيليا على الشكل
التالي: 3-3-3-3-3-2. فلو جاء البيت الأخير بثلاثة أجزاء، لما كنا أمام
قصيدة حرة.
النموذج الثاني مكتوب، بصريا، كالشعر المقطوعي الذي يشبه
بناؤه بناء القصيدة؛ إذ لكل دَوْرٍ قافيته الموحدة الروي. ولكن الأبيات هنا
غير متساوية في مداها الزمني. وبهذا، فنحن أمام قصيدة حرة.
أما النموذج الثالث، فهو النموذج المشكل المرتبط أكثر بموضوعنا. فهل هو قصيدة؟ أم هل هو قصيدة حرة؟
إنه
نص مكون من عشرة أسطر. السطر الأول والثاني يشكلان بيتا واحدا. السطر
الثالث والرابع، يمكن اعتبارهما بيتا واحدا بقافية لرويها صدى في أحد
الأبيات الموالية. السطر الخامس، بيت مستقل؛ لأن آخره ينتهي بروي هو صدى
لروي سابق ولروي لاحق، وفي الوقت ذاته نقول إن هذا البيت لا يمكن ربطه
بغيره عروضيا. السطر السادس بيت مستقل عروضيا كذلك؛ لأنه ينتهي بقافية
لرويها صدى في البيت الرابع. السطر السابع بيت مستقل عروضيا ينتهي بقافية.
وكذلك الأمر بالنسبة للسطر الثامن. أما السطران التاسع والعاشر، فهما معا
بيت واحد مستقل عروضيا مذيل بقافية. إذن، بهذا الوصف، فنحن أمام نص من سبعة
أبيات موزعة حسب عدد تفاعيل كل بيت على الشكل التالي: 9-5-3 [مخروم]
2-7-3-3. وهذا يعني أن النص يقوم على وحدة التفعيلة؛ أي: إننا أمام مقطع من
قصيدة حرة. والحق أن النص قصيدة من أربعة أبيات، بحيث نربط السطر الأول
والثاني، فنحصل على البيت الأول؛ ونربط السطر الثالث بالرابع وبالخامس،
فنحصل على البيت الثاني. السطر السادس والسطر السابع يشكلان البيت الثالث؛
وباقي الأسطر تقدم البيت الرابع. أما الكلمتان [الجد] و [الأسود]، فهما
قافيتان داخليتان.
قد يتساءل القارئ: لماذا نتعب أنفسنا في البحث عن
الشكل العروضي للنص الشعري، مادام جوهره لا يتغير، سواء أصنفناه ضمن
القصيدة أم ضمن القصيدة الحرة؟
إن هذا التساؤل وجيه. لكن نقول مع
ذلك إن أدوات تحليل القصيدة لابد أن تكون مختلفة عن أدوات تحليل القصيدة
الحرة. يضاف إلى هذا أن بعض الباحثين في الشعر، وفي إيقاعه خاصة، عندما لا
ينطلقون من تحديد الشكل العروضي للنص، يخطئون في نتائج أبحاثهم. فقد ذكر
الأستاذ محمد بنيس أن مجموعة من الشعراء يكتبون قصائدهم بالشكل التقليدي،
ثم يفتتون الأبيات بصريا ومكانيا بطريقة تخدع القارئ. وذكر منهم بنسالم
الدمناتي، ومحمد السرغيني، ومحمد الميموني. وقدم نماذج شعرية لهم يثبت من
خلالها صحة كلامه. أولا كيف علم الباحث أن نصوص هؤلاء الشعراء تمثل القصيدة
التراثية؟ الجواب: إنه وضع في ذهنه مفهوم البيت. وفي ضوء هذا المفهوم، أخذ
يفحص قصائدهم، فاكتشف أنها خاضعة لخصائص القصيدة العربية، ولكن حين فحصنا
نحن النماذج التي استشهد بها، وجدنا فعلا أن نموذجي الدمناتي والسرغيني
ينتميان إلى القصيدة. أما نموذج الميموني، فقد أخطأ الباحث في وصفه. إذ
الصواب، أنه قصيدة حرة. وهو كالآتي:
سَتَأْتِي
فَهَذِهِ عُصْفُورَةُ الصُّبْحِ
تُعْلِنُ أَنْ حَانَ مَوْعِدُهُ
وَهَذَا الشَّذَى
الْمُتَدَفِّقُ عَبْرَ الطَّرِيقِ
رَسُولُ الْهَوَى
هِي تُوفِدُهُ
فَمَوْعِدُهَا مَوْعِدُ الشَّمْسِ
كُلَّ صَبَاحٍ تُجَدِّدُهُ
حَتَّى وَإِنْ حَاصَرَتْهَا الشِّبَاكُ
عَلَى الدَّرْبِ تُوصِدُهُ
كَمَا تَخْرُجُ الأُقْحُوَانَةُ
بَيْنَ رُكَامٍ مِنَ الصَّخْرِ
تُبْعِدُهُ
فَفَاتِنَتِي تَحْفَظُ الْوَعْدَ
كَالصُّبْحِ.. كُلَّ مَسَاءٍ لَهُ غَدُهُ
إن
هذه الأبيات جاءت ضمن قصيدة حرة تحمل عنوان "كل مساء له غده"(11). وتشتمل
على مقطعين: الأول على بحر الطويل، والثاني على بحر المتقارب. الأول قصيدة،
والثاني قصيدة حرة. ومنه، أخذ هذا المقطع الذي يتألف من ستة أبيات موحدة
الروي، لكنها، على مستوى كَمِّ التفاعيل، موزعة على الشكل التالي:
8-9-7-7-8-8. وبهذا، فنحن أمام شعر التفعيلة. وإن ما أوهم بنيس بأن هذا
النص قصيدة تقليدية حفاظه على وحدة الروي، ووجوده ضمن أبيات من الطويل !
وحين نقوم بالعمل نفسه مع "الكوليرا" لنازك الملائكة، نكتشف أنها ليست
قصيدة حرة وإنما هي شعر دَوْري. وقد سبقنا إلى هذه الملاحظة أكثر من دارس.
مراجع
(1) الفروسية. ص: 45.
(2) رماد هسبريس. الخمار الكنوني. دار توبقال. البيضاء. ط1: 1987. ص: 13-14.
(3) ن.م. ص: 48.
(4) ن.م. ص: 57.
(5) ديوان الفيتوري. دار العودة. ط3: 1979. 1/469.
(6) أوراق في الريح. أدونيس. دار العودة. بيروت.. ط.3: 1971. ص: 10.
(7) ديوان المعداوي. دار الكتاب. الدار البيضاء. ص: 45.
(8) ديوان الفيتوري: 1/80 وما بعدها.
(9)
انظر قصائده: إلى القتيل رقم 8 (نونية) 1/453- برلين في الفجر
(ميمية)459- إلى هانسن كروتسبرغ (همزية): 1/461 ? إلى العامل بيتر بابرتز
(همزية): 1/465إلخ، والظاهرة كثيرة في شعره.
(10) انظر قصائده على سبيل
المثال في مجموعته كائنات مملكة الليل التالية: -بطاله (همزية). ص: 17-
ثلج (فائية). ص: 27- ثلاث أغنيات للحرب 1-الحديد والجسد (رائية). ص: 31. 2-
علم القنطرة شرق (ميمية). ص: 33 إلخ.
(11) آخر أعوام العقم. دار النشر. البيضاء.. ص: 75.
-العلم الثقافي13/7/2011عدة علامات استقيناها مما أنجزه الشعراء، ويجوز أن تكون هناك علامات أخرى
لم نذكرها، لأننا لم نعثر عليها في المتن الكبير الذي جعلناه مادة لهذه
الدراسة. وهذه العلامات تظهر في تفعيلته الأولى والأخيرة.
1-لابد أن يبتدئ البيت بتفعيلة تامة، أو مخرومة شريطة ألا يعالج هذا الخرم بربط البيت ببيت سابق.
2-أما التفعيلة الأخيرة، فلها ثلاث حالات:
أ.أن يلحق بها الترفيل أو التذييل أو التسبيغ أو أي زيادة،
ب.أن يلحق بها الحذف، أو القطف أو القصر أو القطع أو الحذذ أو الصلم أو الوقف أو البتر أو أي نقص،
ويشترط ألا تزول هذه العلل [أ-ب] بربط البيت بالبيت الموالي.
ج.أن تكون تامة. وفي هذه الحالة لابد للبيت من علامات أخرى، وهي:
- أن ينتهي البيت بقافية لرويها صدى في البيت التالي، أو في أحد الأبيات السابقة، أو في البيت الموالي، أو في أحد الأبيات الموالية،
- أن يوقف على الضرب بالسكون وجوبا،
- وجوب إشباع حركة الضرب،
- أن يكون الجزء الأول من البيت الموالي مخروما خرما لا يجبر،
- أن يكون البيت الموالي من بحر آخر. وأن هذا البحر يبقى حاضرا حتى وإن ربطت بين البيتين،
- أن يكون هذا البيت إما نهاية فقرة أو نهاية القصيدة.
والبيت،
بعد كل هذا، قد يكون من تفعيلة واحدة تامة أو ناقصة أو مذيلة أو مرفلة.
وقد يكون من تفعيلتين أو أكثر. وقد يكتب على سطر واحد، أو على عدة أسطر.
وهذه نماذج توضيحية:
يقول المجاطي:
كَانَ حِينَ يَزُورُ الْمَدِينَةَ
يَطْرُقُ بَابِي
أُعِدُّ لَهُ قَهْوَةَ الْعَصْرِ
يَكْتُمُ سَعْلَتَهُ
أَتَسَوَّرُ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ
قَامَتَهُ الْمَارِدَهْ(1)
ويقول الخمار الكنوني:
خُطَى امْرَأَةٍ يُعَرْبِدُ نَقْرُهَا الْوَثَنِيُّ
بَعْدَ النَّفْيِ يَرْتَفِعُ
وَصَوْتُ سَفَائِنِ الْمِينَاءِ
تُفْرِغُ قَمْحَهَا - مِنْ يَدِهَا الْعُلْيَا؟-(2)
ويقول:
إِذْ صَارَ النَّاسُ بِطَاقَاتٍ، أَرْقَاماً وَصفُوفاً
وَقْتَ اجْتَاَح الْجُذَرِيُّ الأَوْجُهَ وَالأَنْفُسْ(3)
ويقول:
إِنَّهُ زَمَنٌ أَطْفَأَتْهُ السَّرِيرَهْ
فَأَطْفَأَهَا وَاسْتَحَالَ رَمَاداً وَمَا أَشْعَلَتْهُ الْعَشِيرَهْ(4)
ويقول الفيتوري:
غَضَبِي يَا مَوْلاَتِي
لَوْ أَقْدِرُ كُنْتُ مَلأْتُ حَدِيقَتَنَا الْجَرْدَاءْ
بِالزَّنْبَقِ وَالدِّفْلَي
وَكُنْتُ غَسَلْتُ كَآبَاتِ الْفُقَرَاءْ(5)
النموذج
الأول مكون من ستة أسطر. فهل كل سطر بيت؟ لنطبق القواعد التي سقناها
للتعرف على البيت في القصيدة الحرة. وبهذا، نقول إن السطر الأول يمكن عده
بيتا. لماذا؟ لأنه من بحر المتدارك، أوله تفعيلة سالمة، وآخره تفعيلة بها
علة الترفيل. يضاف إلى هذا أن البيت الموالي أوله تفعيلة مخرومة وهو من
المتقارب. لكن هذا الخرم، وهذا البحر الجديد يمكن التخلص منهما بربط السطر
الأول بالسطر الثاني. وبهذا، يصبح السطر الأول والثاني بيتا واحدا من بحر
واحد. لكن هذا البيت الجديد ينتهي بتفعيلة مرفلة. إذن، فهو بيت مستقل، خاصة
وأن ما يليه من بحر جديد هو المتقارب. فهل يمكن الربط بينهما؟ إن هذا
الربط سيجعل المتقارب يختفي، ولهذا، فالربط واجب، لأن الأصل في الشعر
العربي أن يكون من بحر واحد. وبهذا، يصير السطر الأول والثاني، والثالث
بيتا واحدا ينتهي بكلمة "العصر" التي يجب أن نقف عليها بالسكون، وهذا
الوجوب من علامات البيت. لكن السطر الموالي يحتاج إلى كلمة "العصر" ليزول
ما به من خرم. وهكذا، يصير السطر الأول والثاني والثالث والرابع بيتا واحدا
منتهيا بتفعيلة تامة. لكن قافيته لا تجد لها صدى، لا في ما سبق، ولا في ما
يلحق. فلهذا، لابد من ربط البيت بما يليه. وهكذا، يصبح ما قاله الشاعر في
ستة أسطر بيتا وحدا.
النموذج الثاني: من الوافر. فالسطر الأول يمكن عده
بيتا، لكونه يبتدئ بتفعيلة تامة، وينتهي بتفعيلة تامة. وتمام التفعيلة
الأخيرة يقتضي شرطا آخر، وهو هنا خرم البيت الموالي. لكن هذا الخرم يمكن
التخلص منه بالربط بين السطرين وجعلهما معا بيتا واحدا ينتهي بتفعيلة تامة
كذلك. لكنها معززة بأحد شروطها، وهو هنا ضرورة إشباع حركة العين، لأن من
شروط الضرب أن ينتهي بساكن.
السطر الثالث يمكن ان يكون بيتا، لأن
تفعيلته الأولى سالمة، والأخيرة معتلة بالزيادة، لكن يمكن ربطه بالسطر
الرابع، ليزول ما بهذا السطر من خرم. وبهذا، يكون النموذج الثاني مؤلفا من
بيتين موزعين على أربعة أسطر.
النموذج الثالث: يتألف من سطرين.
الأول، يبتدئ بتفعيلة تامة، وينتهي بتفعيلة تامة كذلك، ولكنها تفتقر إلى
أحد شروطها؛ لهذا، يُربط هذا السطر بالسطر الموالي ليكونا معا بيتا واحدا
ينتهي بكلمة "الأنفس" التي يجب أن نقف عليها بالسكون، لأن الضرب لا ينتهي
بمتحرك، وإذا أشبعنا الحركة، صار الضرب من (فاعلن). وهذا غير مقبول في
الخبب.
النموذج الرابع: القافية هنا عامل مساعد على تحديد البيت. لكن
الأحسن أن نفترض أنها غير موجودة، فيكون السطر الأول، وجوبا، بيتا، لأنه من
بَحْر المتدارك، والثاني من المتقارب، وأن الربط بينهما يُبقي على هذين
البحرين. فإذن، هذا النموذج، سواء اعتبرنا القافية أو لم نعتبرها يتألف من
بيتين.
النموذج الخامس: يتكون من ثلاثة أبيات موزعة على أربعة أسطر.
السطر الأول والثاني بيت واحد ينتهي بضربٍ لقافيته صدى في بيت لاحق. السطر
الثالث ينتهي بتفعيلة تامة. وبما أن أحد شروط هذا التمام حاضر، فإن هذا
السطر بيت.
ج* لكن لماذا وجب تحديد البيت؟
إن لهذا العمل أهمية كبرى.
ذلك بأن البيت في القصيدة الحرة لم يعد يكتب وَفْق وزنه. ولم يعد يهتم
بالقوافي باعتبارها أبرز علامات البيت. يضاف إلى هذا أن القصيدة الحرة صارت
توزع، بصريا، توزيعا يوحي بأنها حرة. لهذا، وجب تحديد البيت، لنستطيع
التعرف على شكل النص الشعري. وللتوضيح نقدم النماذج التالية:
يقول أدونيس:
حَوْلِي عَلَى وَجْهِ الضُّحَى، صَدَأٌ
يَغْفُو كَحِرْبَاءٍ عَلَى بَابِي
وَيَدُورُ مَسْعُوراً، وَيَكْمُنُ لِي
فِي شَكْلِ أَظْفَارٍ وَأَنْيابِ
أَرْنُو لَهُ بِغَدِي وَأَغْسِلُهُ
بِدَمِي وَأَعْصَابِي(6)
يقول المعداوي:
هَذِهِ الدَّقِيقَةُ بَيْنَ أَسْرَابِ الرِّفَاقِ
أُنْشُودَةٌ زَهْرَاءُ تَرْقُصُ فِي انْطِلاَقِ
وَيُرَى بِالدَّرْبِ الْمُسَالِمِ لِلْحَيَاةِ خَيَالُ سَاقِ
عَبَثَتْ أَصَابِعُهُ الْحِسَانُ بِكُلِّ كُوبٍ فِي الرِّوَاقِ
مَا أَنْتَ بِالشُّحْرُورِ غَيْرُ صَدىً لأَحْلاَمِ الطُّفُولَهْ
اَلضَّيْعَةُ الْخَضْرَاءُ وَالنَّغَمُ الْمُرَفْرِفُ فِي أَصَائِلِهَا الْجَمِيلَهْ
وَالرِّيحُ تَقْتَلِعُ الْجُذُورَ عَلَى انْتِفَاضَاتِ الْخَمِيلَهْ
هَذِي الْمَعَانِي وَغَيْرُهَا جَعَلَتْكَ تَحْيَا لِلْبُطُولَهْ(7)
ويقول الفيتوري:
قُلْهَا. لاَ تَجْبُنْ.. لاَ تَجْبُنْ
قُلْهَا فِي وَجْهِ الْبَشَرِيهْ..
أَنَا زِنْجِي..
وَأَبِي زِنْجِيُّ الْجَدِّ
وَأُمِّي زِنْجِيهْ..
أَنَا أَسْوَدْ،
أَسْوَدُ لَكِنِّي حُرٌّ أَمْتَلِكُ الْحُرِّيه
أَرْضِي إِفْرِيقِيه..
عَاشَتْ أَرْضِي..
عَاشَتْ إِفْرِيقِيه ! (8)
قبل
أن نعلق على هذه النماذج، نود أن نلفت النظر إلى أن من القصائد الحرة ما
جاء مرسلا، ومنه ما جاء بقواف منوعة، ومنه ما جاء على وحدة الروي كبعض
قصائد البياتي(9)، وحجازي(10)(...)، وحين تحضر القافية، فإنها قد تضلل
الباحث الذي يريد تحديد البيت. لننظر الآن إلى النماذج السابقة:
النموذج
الأول: مكتوب، بصريا، كما تكتب القصيدة. ويعزز هذا أن النص يقوم على وحدة
الروي. لكن حين نعرض الأبيات على السمع، يتضح أن لكل بيت مدى زمنيا خاصا.
وهذا يسمح بأن نحكم على النموذج بأنه قصيدة حرة موزونة تفعيليا على الشكل
التالي: 3-3-3-3-3-2. فلو جاء البيت الأخير بثلاثة أجزاء، لما كنا أمام
قصيدة حرة.
النموذج الثاني مكتوب، بصريا، كالشعر المقطوعي الذي يشبه
بناؤه بناء القصيدة؛ إذ لكل دَوْرٍ قافيته الموحدة الروي. ولكن الأبيات هنا
غير متساوية في مداها الزمني. وبهذا، فنحن أمام قصيدة حرة.
أما النموذج الثالث، فهو النموذج المشكل المرتبط أكثر بموضوعنا. فهل هو قصيدة؟ أم هل هو قصيدة حرة؟
إنه
نص مكون من عشرة أسطر. السطر الأول والثاني يشكلان بيتا واحدا. السطر
الثالث والرابع، يمكن اعتبارهما بيتا واحدا بقافية لرويها صدى في أحد
الأبيات الموالية. السطر الخامس، بيت مستقل؛ لأن آخره ينتهي بروي هو صدى
لروي سابق ولروي لاحق، وفي الوقت ذاته نقول إن هذا البيت لا يمكن ربطه
بغيره عروضيا. السطر السادس بيت مستقل عروضيا كذلك؛ لأنه ينتهي بقافية
لرويها صدى في البيت الرابع. السطر السابع بيت مستقل عروضيا ينتهي بقافية.
وكذلك الأمر بالنسبة للسطر الثامن. أما السطران التاسع والعاشر، فهما معا
بيت واحد مستقل عروضيا مذيل بقافية. إذن، بهذا الوصف، فنحن أمام نص من سبعة
أبيات موزعة حسب عدد تفاعيل كل بيت على الشكل التالي: 9-5-3 [مخروم]
2-7-3-3. وهذا يعني أن النص يقوم على وحدة التفعيلة؛ أي: إننا أمام مقطع من
قصيدة حرة. والحق أن النص قصيدة من أربعة أبيات، بحيث نربط السطر الأول
والثاني، فنحصل على البيت الأول؛ ونربط السطر الثالث بالرابع وبالخامس،
فنحصل على البيت الثاني. السطر السادس والسطر السابع يشكلان البيت الثالث؛
وباقي الأسطر تقدم البيت الرابع. أما الكلمتان [الجد] و [الأسود]، فهما
قافيتان داخليتان.
قد يتساءل القارئ: لماذا نتعب أنفسنا في البحث عن
الشكل العروضي للنص الشعري، مادام جوهره لا يتغير، سواء أصنفناه ضمن
القصيدة أم ضمن القصيدة الحرة؟
إن هذا التساؤل وجيه. لكن نقول مع
ذلك إن أدوات تحليل القصيدة لابد أن تكون مختلفة عن أدوات تحليل القصيدة
الحرة. يضاف إلى هذا أن بعض الباحثين في الشعر، وفي إيقاعه خاصة، عندما لا
ينطلقون من تحديد الشكل العروضي للنص، يخطئون في نتائج أبحاثهم. فقد ذكر
الأستاذ محمد بنيس أن مجموعة من الشعراء يكتبون قصائدهم بالشكل التقليدي،
ثم يفتتون الأبيات بصريا ومكانيا بطريقة تخدع القارئ. وذكر منهم بنسالم
الدمناتي، ومحمد السرغيني، ومحمد الميموني. وقدم نماذج شعرية لهم يثبت من
خلالها صحة كلامه. أولا كيف علم الباحث أن نصوص هؤلاء الشعراء تمثل القصيدة
التراثية؟ الجواب: إنه وضع في ذهنه مفهوم البيت. وفي ضوء هذا المفهوم، أخذ
يفحص قصائدهم، فاكتشف أنها خاضعة لخصائص القصيدة العربية، ولكن حين فحصنا
نحن النماذج التي استشهد بها، وجدنا فعلا أن نموذجي الدمناتي والسرغيني
ينتميان إلى القصيدة. أما نموذج الميموني، فقد أخطأ الباحث في وصفه. إذ
الصواب، أنه قصيدة حرة. وهو كالآتي:
سَتَأْتِي
فَهَذِهِ عُصْفُورَةُ الصُّبْحِ
تُعْلِنُ أَنْ حَانَ مَوْعِدُهُ
وَهَذَا الشَّذَى
الْمُتَدَفِّقُ عَبْرَ الطَّرِيقِ
رَسُولُ الْهَوَى
هِي تُوفِدُهُ
فَمَوْعِدُهَا مَوْعِدُ الشَّمْسِ
كُلَّ صَبَاحٍ تُجَدِّدُهُ
حَتَّى وَإِنْ حَاصَرَتْهَا الشِّبَاكُ
عَلَى الدَّرْبِ تُوصِدُهُ
كَمَا تَخْرُجُ الأُقْحُوَانَةُ
بَيْنَ رُكَامٍ مِنَ الصَّخْرِ
تُبْعِدُهُ
فَفَاتِنَتِي تَحْفَظُ الْوَعْدَ
كَالصُّبْحِ.. كُلَّ مَسَاءٍ لَهُ غَدُهُ
إن
هذه الأبيات جاءت ضمن قصيدة حرة تحمل عنوان "كل مساء له غده"(11). وتشتمل
على مقطعين: الأول على بحر الطويل، والثاني على بحر المتقارب. الأول قصيدة،
والثاني قصيدة حرة. ومنه، أخذ هذا المقطع الذي يتألف من ستة أبيات موحدة
الروي، لكنها، على مستوى كَمِّ التفاعيل، موزعة على الشكل التالي:
8-9-7-7-8-8. وبهذا، فنحن أمام شعر التفعيلة. وإن ما أوهم بنيس بأن هذا
النص قصيدة تقليدية حفاظه على وحدة الروي، ووجوده ضمن أبيات من الطويل !
وحين نقوم بالعمل نفسه مع "الكوليرا" لنازك الملائكة، نكتشف أنها ليست
قصيدة حرة وإنما هي شعر دَوْري. وقد سبقنا إلى هذه الملاحظة أكثر من دارس.
مراجع
(1) الفروسية. ص: 45.
(2) رماد هسبريس. الخمار الكنوني. دار توبقال. البيضاء. ط1: 1987. ص: 13-14.
(3) ن.م. ص: 48.
(4) ن.م. ص: 57.
(5) ديوان الفيتوري. دار العودة. ط3: 1979. 1/469.
(6) أوراق في الريح. أدونيس. دار العودة. بيروت.. ط.3: 1971. ص: 10.
(7) ديوان المعداوي. دار الكتاب. الدار البيضاء. ص: 45.
(8) ديوان الفيتوري: 1/80 وما بعدها.
(9)
انظر قصائده: إلى القتيل رقم 8 (نونية) 1/453- برلين في الفجر
(ميمية)459- إلى هانسن كروتسبرغ (همزية): 1/461 ? إلى العامل بيتر بابرتز
(همزية): 1/465إلخ، والظاهرة كثيرة في شعره.
(10) انظر قصائده على سبيل
المثال في مجموعته كائنات مملكة الليل التالية: -بطاله (همزية). ص: 17-
ثلج (فائية). ص: 27- ثلاث أغنيات للحرب 1-الحديد والجسد (رائية). ص: 31. 2-
علم القنطرة شرق (ميمية). ص: 33 إلخ.
(11) آخر أعوام العقم. دار النشر. البيضاء.. ص: 75.
محمد علي الرباوي |
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: البيت في القصيدة الحرة
(3)
ّ* أعتذر للاخ ايزارن ان كنت تدخلت في موضوع كان هو قد شرع في نقله الى المنتدى.
إن
البيت لا تخطئه الأذن كيفما كان شكله. لكن الشاعر المعاصر المتأثر ببعض
نماذج الشعر العربي المنجز في عصر الدول المتعاقبة، صار يخاطب أيضا حاسة
البصر؛ فلهذا صار الشاعر يوزع بيته على سطر واحد إذا كان قصيرا، أو على عدة
أسطر إذا كان طويلا. وقد يغطي في بعض الحالات كلَّ النص. وفي هذه الحالة
قد يوزع البيت على أسطر، إما متساوية، وإما غير متساوية. وقد يُكتب النص
بأسطر متصلة، فينخدع القارئ، إذ يظن أنه أمام نص نثري. وقد تكتب مجموعة من
الأبيات في سطر واحد(1). لكن هل توزيع البيت على أسطر يتم اعتباطا، أو أن
ثمة غاية؟ والحق أننا، بعد استقراء المتن المدروس، تأكد لنا أن هذا التوزيع
مرتبط بغاية جمالية بالأساس. فلنقرأ النماذج التالية للتمثيل:
يقول عبدالمعطي حجازي:
أَعْبُرُ أَرْضَ الشَّارِعِ الْمَزْحُومِ لاَ تُوقفنِي الْعَلاَمَهْ
أُثِيرُ حَيْثُمَا ذَهَبْتُ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ
وَأَكْرَهُ السَّآمَهْ(2)
وتقول نازك الملائكة:
»أَلَسْتَ تَرَى«
»خُذْهُمَا !«
ثُمَّ سَادَ السُّكُونُ الْعَمِيقْ
وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَبَحٍ فِي الطَّرِيقْ(3)
ويقول حجازي:
ثُمَّ بَكَتْ.. وَابْتَسَمَتْ
وَكَانَ نُورُ الْقَمَرِ الْغَارِبِ يَمْلأُ الزُّجَاجْ(4)
ويقول صلاح عبد الصبور:
وَالشَّمْعَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي وَجَدْتُهَا بِجَيْبِ مِعْطَفِي
أَشْعَلْتُهَا لَكُمْ...
لَكِنَّهَا قَدِيمَةٌ مَعْرُوفَةٌ لَهِيبُهَا دُمُوعْ(5)
ويقول الخمار الكنوني:
دَمْعاً (هَلْ كَانَ شِتَاءُ الْعَامِ دَفِيئاً؟
أَوْ كَانَ النَّبْتُ الطَّالِعُ فِي الأَجْدَاثِ أَلِيما(6)
ويقول الأمراني:
لَكِنَّ لِي فِي كُلِّ عَامٍ رِحْلَةً وَتَشَرُّداً
وَكَأَنَّنِي جَوَّابُ أَوْدِيَةٍ وَآفَاقٍ
وَلِي فِي كُلِّ عَامٍ غُرْبَةٌ
مُتَأَبِّطاً سَيْفِي(7)
هذه النماذج، يمكن أن تتخذ تشكيلا آخر. فلماذا فتت أبياتها على أكثر من
سطر رغم أن بعض النقاد يرفضون هذا التفتيت. تقول نازك: »الأصل في الشعر أن
يكتب بحسب وزنه وتفعيلاته. فيقف الكاتب عند نهاية الشطر العروضي. وهذا
القانون يسري على الشعر في العالم كله(8)، فحيثما وُجد الشعر كان وزنه هو
الذي يتحكم في كتابته. إننا لا نقف بحسب مقتضيات المعاني، وإنما نقف حيث
يبيح لنا العروض«(9). ومجمل هذا الكلام صحيح. لكن المسرح الشعري لم يلتزم
بهذا القانون، والشاعرة نفسها لم تلتزم به؛ فجل أشعارها المكتوبة على
الخفيف، وزعتها توزيعا حرا، ولم تقتصر على الخفيف. فالنموذج الثاني يؤكد
أنها لم تلتزم به حتى في شعر التفعيلة. ومع ذلك، فملاحظتها تبقى، إلى حد
ما، صحيحة. إن البيت، كيفما كان الشكل الذي يتخذه على الورق، يبقى بيتا
مسموعا. والمسموع يتحكم العروض في تشكيله في السمع. على كل، إن هذه النماذج
اتخذت ما اتخذته من شكل للأسباب التالية:
يتألف النموذج الأول من
بيتين بقافية موحدة. للبيت الأول ضرب مخبون مقطوع. وللبيت الثاني ضرب مرفل.
ولجعله مخبونا مقطوعا كالبيت الأول، فضل الشاعر توزيعه على سطرين، كلاهما
من إيقاع الرجز. السطر الأول ينتهي بـ «فعْلن» بإشباع حرف الضاد. والسطر
الثاني ينتهي بضرب على وزن «فعولن»، وهي صورة ضرب البيت الأول. من هنا،
نقول: إن تفتيت البيت خدم وحدة الضرب لتحقيق انسجام إيقاعي.
النموذج
الثاني عبارة عن بيتين. وزعت نازك البيت الأول على ثلاثة أسطر. لماذا؟ إن
النص الذي منه هذا النموذج من شعر التفعيلة، مبني بناء دراميا، وأكثره يقوم
على أسلوب القص. والسطران الأولان من النموذج يمثلان كلام الحارس. أما
السطر الثالث، فمن كلام الراوية؛ أي الشاعرة. ففي كلام الحارس، أسلوبان:
أسلوب استنكاري، وأسلوب الأمر. ولهذا، فصلت الشاعرة بين الأسلوبين، حيث
يمثل السطر الأول الأسلوب الأول، والسطر الثاني الأسلوب الثاني.
النموذج الثالث يمثل بيتا واحدا ينتهي بروي الجيم. لكن الشاعر وزعه على
سطرين. والسطر الأول، كان بالإمكان أن يوزع أيضا على سطرين، فيصبح النموذج:
ثُمَّ بَكَتْ..
وَابْتَسَمَتْ
وَكَانَ نُورُ الْقَمَرِ الْغَارِبِ يَمْلأُ الزُّجَاجْ
وهذا التشكيل لا يؤثر في العروض، ولكنه يجعل النموذج ثلاثة أبيات.
البيتان الأولان روي واحد، ولروي البيت الثالث صدى في النص الذي اقتبسنا
منه هذا النموذج. ولكن نغمة التفاؤل الغالبة على هذا النموذج الشعري أوحت
إلى الشاعر بإخفاء القافية، وجعل السطرين سطرا واحدا حتى تصبح «بكيت» حشوا،
و»ابتسمت» ضربا. وبهذا، تبقى نغمة التفاؤل بارزة. وقد عزز بروزَها السطرُ
الموالي.
النموذج الرابع يتألف من ثلاثة أسطر، يمكن اعبتارها بيتا واحدا
ينتهي بروي العين. لكن الملاحظ، خاصة في السطر الثاني، أن الشاعر قد أنهاه
بثلاث نقط باعتبارها علامة على ما للضرب من حذف، وهذه العلامة تفرض وقفة
عندها. فلو ربط الشاعر هذا السطر بما يليه، فإن علة ستظهر حشو البيت على
الشكل التالي:
- أَشْعَلْتُهَا| لَكُمْ..| لَـكِنَّهَا| قَدِيمَةٌ| مَعْرُوفَةٌ| لَهِيبُهَا | دُمُوعْ|
= مستفعلن|متف|مستفعلن |متفعلن|مستفعلن | متفعلن |فعول|
فالجزء الثاني من هذا البيت، به علة النقص. والعلة لا تلحق الأجزاء إلا
في العروض أو الضرب. والشاعر يدرك هذا، ولكي يتخلص من هذا «العيب» فَضَّل
توزيع البيت على الشكل الذي يجعل «مُتَفْ»/ «لَكُمْ» تبدو وكأنها ضرب
البيت.
النموذج الخامس يقدم سطرين يمكن اعتبارهما بيتا واحدا على الخبب. والجمع بينهما في بيت واحد يؤدي إلى ظهور علة غريبة في البحر.
إن
اعتبار كل سطر بيتا واحدا يجعل النص يقوم على «فعِلن» أو «فعْلن». أما
جعلهما في بيت واحد متصل، فإن «فاعلُ» ستدخل حشوه. فلعل الشاعر لا يرتاح
لهذه العلة، رغم أنها صارت مألوفة في شعر التفعيلة كما سنرى في الفصل
الموالي. ولهذا، فضل التخلص منها بتوزيع بيته على سطرين.
النموذج السادس
يتكون من أربعة أسطر. وكان بالإمكان أن يكتب كما يكتب النثر. أي أن يجمع
بينها في أسطر متصلة. صحيح، ليس ثمة فرق بين الكتابتين على مستوى المعنى،
ولا على مستوى العروض. لكن الفرق يتجلى فيما يأتي:
من المعروف أن
للقافية دورا أساسيا في القصيدة العربية. ذلك، لأنها تطلق مجازا على
القصيدة. ولأهميتها، تسمى القصيدة باسم روي قافيتها؛ كأن نقول مثلا: لامية
امرئ القيس، أو ميمية عنترة (...) وتعود أهميتها إلى ارتباطها بالضرب، إذ
هو - مع العروضة- مفتاح القصيدة.. والشاعر حسن الأمراني، بموهبته، يدرك
أهمية القافية، وأهمية الضرب؛ لهذا أراد أن يوهمنا بأن الكلمات التالية:
«تشردا»، «آفاق»، و»غربة» هي قواف يتحتم، ونحن نقرأ النص، أن نتوقف عندها.
والتوقف عند الكلمة أثناء القراءة أو الإنشاد يعطيها أهمية يبرزها للمستمع.
وبهذا الإيهام، جعلنا الشاعر ندرك حجم مأساة هذا الشعب المشرد، الذي يجوب
الآفاق عله يجد ملجأ يأويه(10).
إذن فتوزيع البيت على عدة أسطر ليس
عملا اعتباطيا، كما وضحنا من خلال تحليلنا للنماذج السابقة. لكن يحدث أن
ينشر الشاعر نصا، فيوزعه توزيعا معينا. وحين يعيد نشره، يعيد توزيعه توزيعا
جديدا مخالفا للتوزيع الأول. وهذا شيء طبيعي كالإنشاد الذي تتغير نغماته
تبعا للحالة النفسية والثقافية والاجتماعية التي يكون عليها المنشد.
ولكن،
بعد كل هذا، نجد بعض الدارسين يعالجون موضوع البيت في القصيدة الحرة
معالجة معيارية لا تثبت أمام النقد، لأنهم لا يدركون، أو لا يريدون أن
يدركوا أن البيت قد يتخذ أكثر من تشكيل إذا تعددت طبعاته.
لقد درس محمد بنيس البيت في المتن الشعري المعاصر بالمغرب، ونقلا عن جون كوهن، أعطى البيتَ ثلاثةَ قوانين مرتبطة بالوقفة؛ وهي:
- الوقفة الدلالية والنظمية والعروضية،
- الوقفة العروضية فقط،
- الوقفة المحدودة ببياض.
وهذه المصطلحات، كما لاحظ بحق الأستاذ أحمد المجاطي(11)، مستعارة من
عروض الشعر الفرنسي ولها ما يقابلها في تراثنا النقدي والعروضي، فالقانون
الأول يقابله البيت القائم بذاته، وهو ما يفضله النقد العربي القديم.
القانون الثاني يقابله التضمين أو التدوير النحوي أو التركيبي كما سماه
المجاطي. والقانون الثالث هو التدوير العروضي(12).
والحق أن القانون
الثالث لا محل له من الإعراب، لأنه لا يصدق على البيت، كما وصفناه في هذا
البحث، وإنما يصدق على ما سماه حركات بالبيت الخطي، أو السطر الشعري كما
يريد عزالدين إسماعيل. وهذا يدل على أن الباحث لا يميز بين البيت والسطر.
والغريب أنه بنى على هذه القوانين الثلاثة نتائج ! فالقانون الأول ?وهو
قانون صحيح- فيه مصالحة مع المفهوم السائد، أي: مصالحة مع القديم
التقليدي(13)، ويأتي في درجة جمالية أفضل القانونُ الثاني ?وهو قانون له
وجود فعلي- إذ يعتبره الباحث «أرقى» وأكثرَ تخلصا من النفس التقليدي
السائد(14). أما القانون الثالث ?وليس له في الواقع وجود- فهو الأهم، لأنه
«في نظره» أكثر هذه البنيات الجزئية الثلاث تقدما وارتباطا بمحاورة النص
الشعري التقليدي(15). ويرتبط بهذا حديثه عن التفعيلة الأخيرة في البيت، إذ
جعل لها قانونين: التفعيلة التامة والتفعيلة الناقصة. فالقانون الأول مرتبط
بالقانونين الأول والثاني للبيت(16). ويقصد بالتامة أن تكون جميع تفاعيل
البيت، وخاصة الأخيرة منها بغير حاجة إلى جزء آخر لتتميم الإيقاع الناقص في
آخر البيت(17). أما القانون الثاني، فيرتبط عضويا بالقانون الثالث من
قوانين البيت الشعري(18) وهذا القانون، في نظره، «أصعب» ! من قانون
التفعيلة الأول، لأن الشاعر يحاور التراث من زاوية أكثر تقدما ! (19) .مع
العلم أن هذا القانون لا وجود له في الشعر العربي، لأن البيت الذي ينتهي
بهذه التفعيلة لا يكون بيتا إذا كان إتمام النقص يتم بربط السطر بالسطر
الموالي كما مر بنا.
الغريب في كل ما طرحه الأستاذ بنيس هو هذه
النغمة المعيارية: فالقوانين الشعرية ليست على مستوى واحد، فيها ما هو سهل،
وفيها ما هو صعب ! فيها ما هو تقليدي، وفيها ما هو تعبير عن روح الحداثة.
وينسى الباحث أن الشاعر يوزع أبياته توزيعا جديدا كلما أعاد نشرها، وينتِج
عن هذا أن قانونا قد يكون حاضرا في توزيع ما سرعان ما يختفي ليحل محله
قانون آخر. فكيف نحكم على النص؟
لقد مثل الباحث للقانون الأول من قانون البيت بهذا النموذج للشاعر أحمد المجاطي:
أَسْكُنُ فِي قَرَارَةِ الْكَأْسِ، أُحِيلُ شَبَحِي مَرَايَا
أَرْقُصُ فِي مَمْلَكَةِ الْعَرَايَا
أَعْشَقُ كُلَّ هَاجِسٍ غُفْلٍ وَكُلَّ نَزْوَةٍ أَمِيرَهْ
أُبْحِرُ فِي الْهُنَيْهَةِ الْفَقِيرهْ
أُصَالِحُ الْكَائِنَ وَالْمُمْكِنَ وَالْمُحَالْ
أَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ الرَّفْضِ وَمِنْ دَائِرَةِ السُّؤَالْ
أُرَاقِبُ الأَمْطَارْ
تَجِفُّ فِي الطَّوِيَّةِ الإِمَارَهْ
تُسْعِفُنِي الْكَأْسُ وَلاَ تُسْعِفُنِي الْعِبَارَهْ(20)
لكن المجاطي، حين نشر ديوانه، كتب هذا المقطع على الشكل التالي:
أَسْكُنُ فِي قَرَارَةِ الْكَأْسِ
أُحِيلُ شَبَحِي
مَرَايَا
أَرْقُصُ فِي مَمْلَكَةِ الْعَرَايَا
أَعْشَقُ كُلَّ هَاجِسٍ غُفْلٍ
وَكُلَّ نَزْوَةٍ
أَمِيرَهْ
أُبْحِرُ فِي الْهُنَيْهَةِ الْفَقِيرَهْ
أُصَالِحُ الْكَائِنَ
وَالْمُمْكِنَ
وَالْمُحَالْ
أَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ
الرَّفْضِ
وَمِنْ دَائِرَةِ السُّؤَالْ
أُرَاقِبُ الأَمْطَارْ
تَجِفُّ فِي الطَّوِيَّةِ
الإِمَارَهْ(21)
إذن، فأبيات هذا النص، في دراسة بنيس، خاضعة للقانون الأول. لكن أكثرها
في الديوان خاضع للقانون الثالث «المتطور» و»الأرقى». والحق ?وهذا ما لم
يدركه الباحث- أن البيت في الديوان هو البيت نفسه في الدراسة، إلا أن
تشكيله وقع فيه تغيير لمقتضيات فنية جديدة عاشها الشاعر، وهو يقدم عمله
للطبع.
إن ما وقع فيه الباحث من وهم راجع ?بكل بساطة- إلى فهمه الخاطئ
للبيت. ثم لماذا نفضل قانونا على آخر؟ إن الشاعر، حين يكون أمام تجربة ذات
طابع غنائي وجداني، لا يجد أمامه إلا القانون الأول من قوانين البيت لأنه
الأصلح. وحين يجد نفسه أمام تجربة درامية أو أمام عمل يتطلب القص، فإن
القانون الثاني هو الأنسب. وقد مر بنا أن صاحب العمدة قد أشار إلى شيء من
هذا عند حديثه عن البيت المدمج.
البيت في الأرجوزة، إما أنه مؤلف من جزء
واحد، أو من جزأَين، أو من ثلاثة أجزاء. وهذا أقصى ما يصل إليه البيت في
الأرجوزة. أما في القصيدة، فالبيت التام يتألف من ستة أجزاء، والمجزوء من
أربعة أجزاء. لكن، إذا كان البيت على أحد بحري الدائرة الخامسة، فإنه يتألف
من ثمانية أجزاء إذا كان تاما، ومن ستة إجزاء إذا كان مجزوءا، ويلحق بهذه
الدائرة الطويل والبسيط. أما البيت في الموشح، فيكون إما موحدا، أو مثنى،
أو مشطورا، أو مجزوءا.
وفي القصيدة الحرة، حاولت نازك ربط البيت من حيث
عددُ أجزائه بالبيت في تراثنا الشعري فهي تريد أن يكون البيت في هذا الشكل
الجديد إما موحدا، أو منهوكا، أو مجزوءا، أو مشطورَ المجزوءِ، أو مشطورَ
التام. وهذا ما يفسر رفضها البيت المكون من خمسة أجزاء. تقول: »إن الشعر
العربي في مختلف عصوره لم يعرف الشطر ذا التفعيلات الخمس. وإنما كان الشطر
يتألف إما من تفعيلتين كما في الهزج، والمجتث، والمضارع، أو من ثلاث كما في
الرجز، والرمل، والكامل، أو من أربع، كما في الطويل، والبسيط، والمتقارب،
والخبب. وعند هذا، وقف الشاعر. فلم نقرأ له أشطرا ذات خمس تفعيلات
إطلاقا(22). وهذا يعني أن الشطر في شعر التفعيلة لا يحتمل خمسة أجزاء، مع
العلم أن الشاعرة، على مستوى الإنجاز، كتبت أبياتا خماسية الأجزاء.
وسبب
رفضها البيتَ الخماسي [وينتِج عن هذا رفضها البيت السباعي والتساعي] هو ما
تتمتع به من ذوق مستمد من حبها القصيدةَ العربية، التي سن قوانينها الشاعر
الجاهلي، وهي قوانين أملاها ارتباط الشعر بالغناء، لأن الغناء يفضل
الأبيات القصيرة. أما اليوم، حيث إن الشعر، وخاصة القصيدة الحرة ما عاد
يغري أهل الغناء لاهتمامه بالقارئ، فلا بأس أن يطول هذا البيت. وتقول نازك
مرة أخرى: »هل يستسيغ سمع الشاعر أن يورد أكثر من ست تفعيلات أو ثمان في
الشطر الواحد. الجواب على هذا قد ثبت لي بالتجربة الطويلة، وقراءة مئات من
قصائد الشعراء أن ذلك غير سائغ ولا مقبول، لأن الغنائية في تفعيلات الشعر
تفقد حدتها، وتأثيرها حين تتراكم تفعيلات متواصلة لا وقفة عروضية بينها.
فضلا عن أن تواتر التفعيلات الكثيرة مستحيل لأنه يتعارض مع التنفس عند
الإلقاء، لا بل يتعب حتى من يقرأه قراءة صامتة بما يحدث من الرتابة«(23).
من
حق نازك أن تقول ما قالته، ومن حق الشاعر أن يعطي إحساسَه حقَّ اختيار
المدى الزمني المناسب للبيت. لهذا، نقول إن واقع البيت في القصيدة الحرة،
إما أن يكون من جزء واحد، أو من أكثر، حيث قد يغطي نصا شعريا كاملا. وفي
هذه الحالة، تصعب قراءته في نفس واحد. وهذا لم يغب عن الشاعر؛ فالتجأ،
كالشاعر القديم، إلى التقسيم، وهو أنواع مر بنا وصفها. لهذا، سنقتصر في هذا
المقام على الوقوف على أحد أشكاله، وهو الترصيع الذي يكون في القصيدة
الحرة إما داخليا، وإما خارجيا:
1-وَرُبَّمَا تَجَسَّدَتْ قَرْطَاجَةٌ
دَقَائِقُ الْغُبَارِ فِيهَا لَهَبٌ
والطِفْلُ فِيهَا حَطَبٌ ذَبِيحَةُ الْمَصِيرِ(24)
2-لاَ تَسْخرِي مِنْ منْظَرِي أَيَّتُهَا الْهِرَّة(25)
3-مِنْ سَهَرٍ أَهْدَابُنَا مَبْلُولَةٌ
مِنْ سَهَرٍ أَنْغَامُنَا مَقْتُولَةٌ
وَالسَّهَرُ الْوَسْنَانُ فِي عُيُونِنَا فَتَرْ
وَانْهَمَرَ الْمَطَرْ(26)
4-وَانْكَسَرَتْ مِنْ حَوْلِنَا الرُّبَى
وَانْتَثَرَتْ أَقْمَارُنَا
أَعْمَارُنَا
أَشْعَارُنَا
وَاللَّوْنُ فِي خُدُودِنَا خَبَا(27)
5-وَسَاكِنِيهَا مِنْ أَغَانِيهَا وَمِنْ شَكَاتِهَا
نُحِسُّ كَيْفَ يَسْحَقُ الزَّمَانُ إِذْ يَدُور(28)
6-بَلَى !
وَقَدْ لَجَّتْ بِنَا النَّشْوَةُ حَتَّى رُؤْيَةِ الْمَوْتِ
وَقَدْ لَجَّتْ بِنَا حَتَّى ازْدِرَاءِ الْمَوْتِ
هَا أَنْتِ انْتَشَيْتِ
وَتَخَضَّبْتِ بِأَسْمَاءِ الْمَطَرْ
ثُمَّ خَرَجْتِ لِلتَّتَرْ(29)
7-أَتُوهُ فِي الصَّحَارَى
حَتَّى أَرَى يَنْبُوعا
أُصْبِحُ فِيهِ قَطْرَةً
أَوْ بُرْعُماً مَقْطُوعَا
أَعْبُرُ فِيهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَا
وَالصَّيْفَ وَالرَّبِيعَا
أَدْخُلُ فِيهِ دَارَا
أَخْرُجُ مِنْ نَافُورَةٍ فِي صَحْنِهَا
تَأْخُذُنِي صَبِيَّةٌ فِي حِضْنِهَا
تَمْسَحُ عَنِّي الْعَارَا(30)
8-مَا الَّذِي قَالَتِ الْبِئْرُ لِلرِّيحِ
وَالنَّارُ لِلشِّيحِ
وَالنَّاقَةُ الْمُسْتَحِمَّةُ فِي قَعْرِ الْغَوْرِ لِلسِّنْدِيَان(31)
9-فِي سَنَوَاتِ الْعُقْمِ وَالْمَجَاعَهْ
بَارَكَنِي
عَانَقَنِي
كَلَّمَنِي
وَمَدَّ لِي ذِرَاعَهْ
وَقَالَ لِي:
اَلْفُقَرَاءُ أَلْبَسُوكَ تَاجَهُمْ
وَقَاطِعُو الطَّرِيقْ
وَالْبُرْصُ وَالْعُمْيَانُ وَالرَّقِيقْ(32)
بهذه النماذج، ترصيع داخلي، وترصيع خارجي. وفي الوقت ذاته، تثير بعضُ
هذه النماذج، خاصة تلك التي تشتمل على الترصيع الخارجي، مشكلةَ تحديد
البيت، وهذه مناسبة لمعالجته في هذا المقام.
إن الترصيع هنا يقوم على وجود القافية.
فالنموذج
الأول يتألف من بيت موزع على ثلاثة أسطر، مجموع أجزائها عشرة. وهذا عدد
كبير. لكن الشاعر أحدث محطتين للاستراحة: الأولى عند كلمة «لهب»، وهي آخر
السطر. والثانية عند كلمة «حطب»، وهي في حشو البيت. وهذا ترصيع داخلي، أو
نصف داخلي. كان بإمكان الشاعر أن يكتب نصه على الشكل التالي:
وَرُبَّمَا تَجَسَّدَتْ قَرْطَاجَةٌ دَقَائِقُ الْغُبَارِ فِيهَا لَهَبٌ
وَالطِّفْلُ فِيهَا حَطَبٌ
ذَبِيحَةُ الْمَصِير
لكنه، لو اختار هذا التشكيل، فإنه سيكون من المفروض اعتبار السطر الأول
والثاني بيتين بروي الباء. وفي هذه الحالة، سنكون أمام ضربين تامين
مختلفين عن ضرب البيت الثالث وأضرب باقي النص، حيث التزم فيها الشاعر القطع
مع الخبن. فلهذا، أخفى الترصيع، وهذا الإخفاء يجعلنا نقرأ/ لَهَبٌ/ و/
حَطَبٌ/ بالتنوين، وهذه القراءة أجمل من قراءة إشباع حركة الباء، لما يحدثه
التنوين من رنين جميل.
النموذج الثاني هو عبارة عن بيت قصير مؤلف
من أربعة أجزاء، وموزع على سطر واحد، يشتمل على ترصيع داخلي، وكان بإمكان
الشاعر أن يجعل كل قسيم بيتا، لكن هذا سيؤدي إلى وجود ضربين متساويين
يقابلان ضربا منتهيا بتفعيلة ناقصة؛ لهذا، آثر الشاعر الترصيع الداخلي.
النموذج الثالث هو عبارة عن بيتين موزعين على أربعة أسطر. يشتمل البيت
الأول على عشرة أجزاء، وهذا الطول جعل الشاعرة ترصعه ترصيعا خارجيا. ويوحي
القسيمان الأولان بأنهما بيتان مستقلان. وكان بالإمكان اعتبارهما كذلك.
ولكن الشاعرة من أكثر الشعراء العرب حرصا على التزام وحدة الضرب؛ وهو هنا
[فَعُو]. فإذا اعتبرنا القسيمين بيتين، صرنا أمام ضرب جديد يُحدث بالنسبة
لنازك، ولأذنها نشازا. ولهذا، وضعت التنوين آخر كل سجعة حتى لا نقف عليها
بالسكون، وهو أمر جائز.
النموذج الرابع: البيت الثاني فيه موزع على
أربعة أسطر. وهو مشتمل على ترصيع خارجي: /أقمارنا/ أعمارنا/ أشعارنا/. وكل
قسيم يمكن اعتباره بيتا. إذ تصبح هذه الأقسمة موحدة الروي. لكن، مرة أخرى،
سنكون أمام ضرب مخالف لأضرب النص الشعري الذي اقتبسنا منه هذا النموذج.
النموذج
الخامس: هو بيت من ثمانية أجزاء موزع على سطرين، ويشتمل على ترصيع داخلي
لكنه، هنا، يكسر العروض. وهذا يخالف الترصيع الذي مر بنا في النماذج
السابقة.
وَسَاكِنِيهَا = مفاعلاتن
مِنْ أَغَانِيهَا = فاعلالاتن
ولعل هذا ما جعل الشاعر يفضل جعله ترصيعا داخليا.
النموذج
السادس: بيتان موزعان على ستة أسطر. البيت الأول من اثني عشر جزءا. وهذا
الطول فرض على الشاعر استعمال الترصيع الخارجي، وهو ترصيع غير عروضي، لكنه
أحدث نغما جديدا. فالنص من الرجز، ليس في أضربه علة. لكن الأقسمة الثلاثة
جاءت على إيقاع مخالف. فالقسيم الأول على الهزج، والثاني على الهزج
المخروم، والثالث هزج أو وزن من أوزان الوافر المخروم.
النموذج السابع:
يتألف من سبعة أبيات على النظام القافوي التالي: أ ب ب أ ب أ أ. ولهذه
الأبيات ضرب موحد مصاب بعلة القطع، واعتبرنا البيت الأخير مرصعا ترصيعا
خارجيا، لأن كل قسيم منه ينتهي بضرب صحيح. وهذا مخالف لنسق أضرب هذه
القصيدة الحرة.
النموذج الثامن: هو عبارة عن بيت واحد موزع على ثلاثة
أسطر. ويشتمل على اثني عشر جزءا. هذا الطول فرض أن يكون هذا البيت مرصعا
ترصيعا خارجيا يوحي كل قسيم فيه بأنه بيت مستقل. فالقسيم الأول ينتهي بـ
«فعْلن». والقسيم الثاني يصبح من المتقارب المخروم المنتهي بتفعيلة مبتورة،
والثالث من المتقارب المخروم. وبهذا تتعدد أضرب النص الذي حافظ فيه الشاعر
على وحدة البحر ووحدة الضرب. وهذا يفرض علينا اعتبار القسيمين جزءا من
البيت.
النموذج الأخير: يشتمل على أربعة أبيات موزعة على تسعة أسطر،
ونظامها القافوي على الشكل التالي: أ أ ب ب. لكن البيت الثاني اشتمل على
خمسة أجزاء، وعلى ترصيع خارجي، وكل أقسمته موحدة الروي، وعدُّها أبياتا
يجعل أضربها تخالف أضرب القصيدة.
وبهذا يكون الترصيع عنصرا نغميا يثري
إيقاع البيت الشعري حين يطول. لكن هناك تقسيمات لا تظهر فيها القافية أو
السجع، تلحق كذلك الأبيات الطويلة، نمثل لها بالنموذجين التاليين: الخطوط
المائلة من وضعنا.
- (...) فَلَعَلَّ قَصِيدَةَ هَجْوٍٍٍ/ تَقْذِفُ
إِسْرَائِيلَ إِلَى الْبَحْرِ../ لَعَلَّ الشِّيخَاتِ الْمُتَّشِحَاتِ
بِمَا لَذَّ وَطَابَ مِنَ الذَّهَبِ اللاَّمِعِ/ يَهْدِمْنَ
بِرَقْصَتِهِنَّ عَلَى الْجَفْنَةِِ مَبْنَى الْكْنِسِيتْ/ وَأَقُولُ
لَكُمْ/ غَنَّيْتُ/ وَأَعْرِفُ أَنَّ هَزَائِمَنَا/ تَبْدَأُ مِنْ كُلِّ
زُقَاقٍ فِي الْوَطَنِِ الْعَرَبِي/ وَهَذَا جَسَدِي (...)(33).
- جَاءَ
هَذَا الدَّغَلُ الْمَوْبُوءُ/ فِيه نُكْهَةُ التُّفَّاحِ/ فِيهِ حَسَكُ
الأَغْلاَلِ/ فِيهِ رِئَةُ الْخَلْخَالِ/ فِيهِ كِبْرِيَاءُ التَّاجِ/
فِيهِ بَعَرُ الآرَامِ/ فِيهِ النَّفَسُ المَصْهُورُ/ فِِيهِ
الأَصْغَرَانِ/ فِيهِ أَوْرَاقُ الصُّحُف(34).
لم يضع الشاعر في النص
الأول محطات ثابتة للوقف. ولكن على القارئ أن يختار المكان الذي يراه
صالحا. أما النص الثاني، فقد فرض علينا الشاعر المكان الذي ينبغي أن نقف
عنده. وذلك باعتماده على ظاهرة التكرار. ويتمثل هنا في تكرار شبه الجملة
[فيه] لدرجة أن النص يمكن أن يُوزع على عدة أسطر، كل سطر تتصدره [فيه].
وهذا إثراء للإيقاع في هذا النص.
هوامش
(1) انظر على سبيل المثال ديوان مرثية المصلوبين لعنيبة الحمري، خاصة الصفحات: 5-6-7-8-9-13-14-15-16- إلخ.
(2) مرثية العمر الجميل. ص: 5.
(3) قرارة الموجة. ص: 199.
(4) لم يبق الاعتراف.
(5) أحلام الفارس القديم.
(6) رماد هسبريس. ص: 45.
(7) الزمان الجديد.
(8) قضايا الشعر المعاصر نازك. ص: 137.
(9) ن.م. ص: 138.
(10) أوراق مهربة من زمن الحصار. دراسة تحليلية. محمد علي الرباوي. م. المشكاة. ع. 15-16- جمادى1. 1413/ يوليو-دجنبر 1992.
(11) البنية الإيقاعية. أحمد المعداوي. مجلة الوحدة. ص: 55.
(12) نفسه.
(13) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب. ص: 53.
(14) ن.م. ص: 55.
(15) ن.م. ص: 60.
(16) ن.م. ص: 81.
(17) ن.م. ص: 81.
(18) ن.م. ص: 81.
(19) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب ، ص :83
(20) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب. ص: 83.
(21) السقوط. المجاطي. ص: 63 وما بعدها.
(22) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 101.
(23) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 99.
(24) أوراق في الريح. ص: 83.
(25) لم يبق إلا الاعتراف. ص: 52.
(26) للصلاة والثورة. دار العلم للملايين. بيروت. ص: 56.
(27) ن.م. ص: 55.
(28) المعبد الغريق. السياب. دار العلم للملايين. بيروت. ط2: 1968. ص: 46.
(29) كائنات مملكة الليل. دار الآداب. بيروت. ط1: 1978. ص: 38.
(30) مرثية للعمر الجميل. دار العودة، بيروت. ط1973. ص: 42 وما بعدها.
(31) كائنات مملكة الليل. ص: 90.
(32) ديوان البياتي. دار العودة. بيروت. ط. 3: ْ2/153.
(33) أياد كانت تسرق القمر. راجع. دار النشرة المغربية. البيضاء. ط: 1988. ص: 24.
(34) ويكون إحراق أسمائه الآتية: السرغيني. منشورات عيون. البيضاء. ط: 1987 .ص: 19.
18/9/2011-العلم الثقافيالبيت لا تخطئه الأذن كيفما كان شكله. لكن الشاعر المعاصر المتأثر ببعض
نماذج الشعر العربي المنجز في عصر الدول المتعاقبة، صار يخاطب أيضا حاسة
البصر؛ فلهذا صار الشاعر يوزع بيته على سطر واحد إذا كان قصيرا، أو على عدة
أسطر إذا كان طويلا. وقد يغطي في بعض الحالات كلَّ النص. وفي هذه الحالة
قد يوزع البيت على أسطر، إما متساوية، وإما غير متساوية. وقد يُكتب النص
بأسطر متصلة، فينخدع القارئ، إذ يظن أنه أمام نص نثري. وقد تكتب مجموعة من
الأبيات في سطر واحد(1). لكن هل توزيع البيت على أسطر يتم اعتباطا، أو أن
ثمة غاية؟ والحق أننا، بعد استقراء المتن المدروس، تأكد لنا أن هذا التوزيع
مرتبط بغاية جمالية بالأساس. فلنقرأ النماذج التالية للتمثيل:
يقول عبدالمعطي حجازي:
أَعْبُرُ أَرْضَ الشَّارِعِ الْمَزْحُومِ لاَ تُوقفنِي الْعَلاَمَهْ
أُثِيرُ حَيْثُمَا ذَهَبْتُ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ
وَأَكْرَهُ السَّآمَهْ(2)
وتقول نازك الملائكة:
»أَلَسْتَ تَرَى«
»خُذْهُمَا !«
ثُمَّ سَادَ السُّكُونُ الْعَمِيقْ
وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَبَحٍ فِي الطَّرِيقْ(3)
ويقول حجازي:
ثُمَّ بَكَتْ.. وَابْتَسَمَتْ
وَكَانَ نُورُ الْقَمَرِ الْغَارِبِ يَمْلأُ الزُّجَاجْ(4)
ويقول صلاح عبد الصبور:
وَالشَّمْعَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي وَجَدْتُهَا بِجَيْبِ مِعْطَفِي
أَشْعَلْتُهَا لَكُمْ...
لَكِنَّهَا قَدِيمَةٌ مَعْرُوفَةٌ لَهِيبُهَا دُمُوعْ(5)
ويقول الخمار الكنوني:
دَمْعاً (هَلْ كَانَ شِتَاءُ الْعَامِ دَفِيئاً؟
أَوْ كَانَ النَّبْتُ الطَّالِعُ فِي الأَجْدَاثِ أَلِيما(6)
ويقول الأمراني:
لَكِنَّ لِي فِي كُلِّ عَامٍ رِحْلَةً وَتَشَرُّداً
وَكَأَنَّنِي جَوَّابُ أَوْدِيَةٍ وَآفَاقٍ
وَلِي فِي كُلِّ عَامٍ غُرْبَةٌ
مُتَأَبِّطاً سَيْفِي(7)
هذه النماذج، يمكن أن تتخذ تشكيلا آخر. فلماذا فتت أبياتها على أكثر من
سطر رغم أن بعض النقاد يرفضون هذا التفتيت. تقول نازك: »الأصل في الشعر أن
يكتب بحسب وزنه وتفعيلاته. فيقف الكاتب عند نهاية الشطر العروضي. وهذا
القانون يسري على الشعر في العالم كله(8)، فحيثما وُجد الشعر كان وزنه هو
الذي يتحكم في كتابته. إننا لا نقف بحسب مقتضيات المعاني، وإنما نقف حيث
يبيح لنا العروض«(9). ومجمل هذا الكلام صحيح. لكن المسرح الشعري لم يلتزم
بهذا القانون، والشاعرة نفسها لم تلتزم به؛ فجل أشعارها المكتوبة على
الخفيف، وزعتها توزيعا حرا، ولم تقتصر على الخفيف. فالنموذج الثاني يؤكد
أنها لم تلتزم به حتى في شعر التفعيلة. ومع ذلك، فملاحظتها تبقى، إلى حد
ما، صحيحة. إن البيت، كيفما كان الشكل الذي يتخذه على الورق، يبقى بيتا
مسموعا. والمسموع يتحكم العروض في تشكيله في السمع. على كل، إن هذه النماذج
اتخذت ما اتخذته من شكل للأسباب التالية:
يتألف النموذج الأول من
بيتين بقافية موحدة. للبيت الأول ضرب مخبون مقطوع. وللبيت الثاني ضرب مرفل.
ولجعله مخبونا مقطوعا كالبيت الأول، فضل الشاعر توزيعه على سطرين، كلاهما
من إيقاع الرجز. السطر الأول ينتهي بـ «فعْلن» بإشباع حرف الضاد. والسطر
الثاني ينتهي بضرب على وزن «فعولن»، وهي صورة ضرب البيت الأول. من هنا،
نقول: إن تفتيت البيت خدم وحدة الضرب لتحقيق انسجام إيقاعي.
النموذج
الثاني عبارة عن بيتين. وزعت نازك البيت الأول على ثلاثة أسطر. لماذا؟ إن
النص الذي منه هذا النموذج من شعر التفعيلة، مبني بناء دراميا، وأكثره يقوم
على أسلوب القص. والسطران الأولان من النموذج يمثلان كلام الحارس. أما
السطر الثالث، فمن كلام الراوية؛ أي الشاعرة. ففي كلام الحارس، أسلوبان:
أسلوب استنكاري، وأسلوب الأمر. ولهذا، فصلت الشاعرة بين الأسلوبين، حيث
يمثل السطر الأول الأسلوب الأول، والسطر الثاني الأسلوب الثاني.
النموذج الثالث يمثل بيتا واحدا ينتهي بروي الجيم. لكن الشاعر وزعه على
سطرين. والسطر الأول، كان بالإمكان أن يوزع أيضا على سطرين، فيصبح النموذج:
ثُمَّ بَكَتْ..
وَابْتَسَمَتْ
وَكَانَ نُورُ الْقَمَرِ الْغَارِبِ يَمْلأُ الزُّجَاجْ
وهذا التشكيل لا يؤثر في العروض، ولكنه يجعل النموذج ثلاثة أبيات.
البيتان الأولان روي واحد، ولروي البيت الثالث صدى في النص الذي اقتبسنا
منه هذا النموذج. ولكن نغمة التفاؤل الغالبة على هذا النموذج الشعري أوحت
إلى الشاعر بإخفاء القافية، وجعل السطرين سطرا واحدا حتى تصبح «بكيت» حشوا،
و»ابتسمت» ضربا. وبهذا، تبقى نغمة التفاؤل بارزة. وقد عزز بروزَها السطرُ
الموالي.
النموذج الرابع يتألف من ثلاثة أسطر، يمكن اعبتارها بيتا واحدا
ينتهي بروي العين. لكن الملاحظ، خاصة في السطر الثاني، أن الشاعر قد أنهاه
بثلاث نقط باعتبارها علامة على ما للضرب من حذف، وهذه العلامة تفرض وقفة
عندها. فلو ربط الشاعر هذا السطر بما يليه، فإن علة ستظهر حشو البيت على
الشكل التالي:
- أَشْعَلْتُهَا| لَكُمْ..| لَـكِنَّهَا| قَدِيمَةٌ| مَعْرُوفَةٌ| لَهِيبُهَا | دُمُوعْ|
= مستفعلن|متف|مستفعلن |متفعلن|مستفعلن | متفعلن |فعول|
فالجزء الثاني من هذا البيت، به علة النقص. والعلة لا تلحق الأجزاء إلا
في العروض أو الضرب. والشاعر يدرك هذا، ولكي يتخلص من هذا «العيب» فَضَّل
توزيع البيت على الشكل الذي يجعل «مُتَفْ»/ «لَكُمْ» تبدو وكأنها ضرب
البيت.
النموذج الخامس يقدم سطرين يمكن اعتبارهما بيتا واحدا على الخبب. والجمع بينهما في بيت واحد يؤدي إلى ظهور علة غريبة في البحر.
إن
اعتبار كل سطر بيتا واحدا يجعل النص يقوم على «فعِلن» أو «فعْلن». أما
جعلهما في بيت واحد متصل، فإن «فاعلُ» ستدخل حشوه. فلعل الشاعر لا يرتاح
لهذه العلة، رغم أنها صارت مألوفة في شعر التفعيلة كما سنرى في الفصل
الموالي. ولهذا، فضل التخلص منها بتوزيع بيته على سطرين.
النموذج السادس
يتكون من أربعة أسطر. وكان بالإمكان أن يكتب كما يكتب النثر. أي أن يجمع
بينها في أسطر متصلة. صحيح، ليس ثمة فرق بين الكتابتين على مستوى المعنى،
ولا على مستوى العروض. لكن الفرق يتجلى فيما يأتي:
من المعروف أن
للقافية دورا أساسيا في القصيدة العربية. ذلك، لأنها تطلق مجازا على
القصيدة. ولأهميتها، تسمى القصيدة باسم روي قافيتها؛ كأن نقول مثلا: لامية
امرئ القيس، أو ميمية عنترة (...) وتعود أهميتها إلى ارتباطها بالضرب، إذ
هو - مع العروضة- مفتاح القصيدة.. والشاعر حسن الأمراني، بموهبته، يدرك
أهمية القافية، وأهمية الضرب؛ لهذا أراد أن يوهمنا بأن الكلمات التالية:
«تشردا»، «آفاق»، و»غربة» هي قواف يتحتم، ونحن نقرأ النص، أن نتوقف عندها.
والتوقف عند الكلمة أثناء القراءة أو الإنشاد يعطيها أهمية يبرزها للمستمع.
وبهذا الإيهام، جعلنا الشاعر ندرك حجم مأساة هذا الشعب المشرد، الذي يجوب
الآفاق عله يجد ملجأ يأويه(10).
إذن فتوزيع البيت على عدة أسطر ليس
عملا اعتباطيا، كما وضحنا من خلال تحليلنا للنماذج السابقة. لكن يحدث أن
ينشر الشاعر نصا، فيوزعه توزيعا معينا. وحين يعيد نشره، يعيد توزيعه توزيعا
جديدا مخالفا للتوزيع الأول. وهذا شيء طبيعي كالإنشاد الذي تتغير نغماته
تبعا للحالة النفسية والثقافية والاجتماعية التي يكون عليها المنشد.
ولكن،
بعد كل هذا، نجد بعض الدارسين يعالجون موضوع البيت في القصيدة الحرة
معالجة معيارية لا تثبت أمام النقد، لأنهم لا يدركون، أو لا يريدون أن
يدركوا أن البيت قد يتخذ أكثر من تشكيل إذا تعددت طبعاته.
لقد درس محمد بنيس البيت في المتن الشعري المعاصر بالمغرب، ونقلا عن جون كوهن، أعطى البيتَ ثلاثةَ قوانين مرتبطة بالوقفة؛ وهي:
- الوقفة الدلالية والنظمية والعروضية،
- الوقفة العروضية فقط،
- الوقفة المحدودة ببياض.
وهذه المصطلحات، كما لاحظ بحق الأستاذ أحمد المجاطي(11)، مستعارة من
عروض الشعر الفرنسي ولها ما يقابلها في تراثنا النقدي والعروضي، فالقانون
الأول يقابله البيت القائم بذاته، وهو ما يفضله النقد العربي القديم.
القانون الثاني يقابله التضمين أو التدوير النحوي أو التركيبي كما سماه
المجاطي. والقانون الثالث هو التدوير العروضي(12).
والحق أن القانون
الثالث لا محل له من الإعراب، لأنه لا يصدق على البيت، كما وصفناه في هذا
البحث، وإنما يصدق على ما سماه حركات بالبيت الخطي، أو السطر الشعري كما
يريد عزالدين إسماعيل. وهذا يدل على أن الباحث لا يميز بين البيت والسطر.
والغريب أنه بنى على هذه القوانين الثلاثة نتائج ! فالقانون الأول ?وهو
قانون صحيح- فيه مصالحة مع المفهوم السائد، أي: مصالحة مع القديم
التقليدي(13)، ويأتي في درجة جمالية أفضل القانونُ الثاني ?وهو قانون له
وجود فعلي- إذ يعتبره الباحث «أرقى» وأكثرَ تخلصا من النفس التقليدي
السائد(14). أما القانون الثالث ?وليس له في الواقع وجود- فهو الأهم، لأنه
«في نظره» أكثر هذه البنيات الجزئية الثلاث تقدما وارتباطا بمحاورة النص
الشعري التقليدي(15). ويرتبط بهذا حديثه عن التفعيلة الأخيرة في البيت، إذ
جعل لها قانونين: التفعيلة التامة والتفعيلة الناقصة. فالقانون الأول مرتبط
بالقانونين الأول والثاني للبيت(16). ويقصد بالتامة أن تكون جميع تفاعيل
البيت، وخاصة الأخيرة منها بغير حاجة إلى جزء آخر لتتميم الإيقاع الناقص في
آخر البيت(17). أما القانون الثاني، فيرتبط عضويا بالقانون الثالث من
قوانين البيت الشعري(18) وهذا القانون، في نظره، «أصعب» ! من قانون
التفعيلة الأول، لأن الشاعر يحاور التراث من زاوية أكثر تقدما ! (19) .مع
العلم أن هذا القانون لا وجود له في الشعر العربي، لأن البيت الذي ينتهي
بهذه التفعيلة لا يكون بيتا إذا كان إتمام النقص يتم بربط السطر بالسطر
الموالي كما مر بنا.
الغريب في كل ما طرحه الأستاذ بنيس هو هذه
النغمة المعيارية: فالقوانين الشعرية ليست على مستوى واحد، فيها ما هو سهل،
وفيها ما هو صعب ! فيها ما هو تقليدي، وفيها ما هو تعبير عن روح الحداثة.
وينسى الباحث أن الشاعر يوزع أبياته توزيعا جديدا كلما أعاد نشرها، وينتِج
عن هذا أن قانونا قد يكون حاضرا في توزيع ما سرعان ما يختفي ليحل محله
قانون آخر. فكيف نحكم على النص؟
لقد مثل الباحث للقانون الأول من قانون البيت بهذا النموذج للشاعر أحمد المجاطي:
أَسْكُنُ فِي قَرَارَةِ الْكَأْسِ، أُحِيلُ شَبَحِي مَرَايَا
أَرْقُصُ فِي مَمْلَكَةِ الْعَرَايَا
أَعْشَقُ كُلَّ هَاجِسٍ غُفْلٍ وَكُلَّ نَزْوَةٍ أَمِيرَهْ
أُبْحِرُ فِي الْهُنَيْهَةِ الْفَقِيرهْ
أُصَالِحُ الْكَائِنَ وَالْمُمْكِنَ وَالْمُحَالْ
أَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ الرَّفْضِ وَمِنْ دَائِرَةِ السُّؤَالْ
أُرَاقِبُ الأَمْطَارْ
تَجِفُّ فِي الطَّوِيَّةِ الإِمَارَهْ
تُسْعِفُنِي الْكَأْسُ وَلاَ تُسْعِفُنِي الْعِبَارَهْ(20)
لكن المجاطي، حين نشر ديوانه، كتب هذا المقطع على الشكل التالي:
أَسْكُنُ فِي قَرَارَةِ الْكَأْسِ
أُحِيلُ شَبَحِي
مَرَايَا
أَرْقُصُ فِي مَمْلَكَةِ الْعَرَايَا
أَعْشَقُ كُلَّ هَاجِسٍ غُفْلٍ
وَكُلَّ نَزْوَةٍ
أَمِيرَهْ
أُبْحِرُ فِي الْهُنَيْهَةِ الْفَقِيرَهْ
أُصَالِحُ الْكَائِنَ
وَالْمُمْكِنَ
وَالْمُحَالْ
أَخْرُجُ مِنْ دَائِرَةِ
الرَّفْضِ
وَمِنْ دَائِرَةِ السُّؤَالْ
أُرَاقِبُ الأَمْطَارْ
تَجِفُّ فِي الطَّوِيَّةِ
الإِمَارَهْ(21)
إذن، فأبيات هذا النص، في دراسة بنيس، خاضعة للقانون الأول. لكن أكثرها
في الديوان خاضع للقانون الثالث «المتطور» و»الأرقى». والحق ?وهذا ما لم
يدركه الباحث- أن البيت في الديوان هو البيت نفسه في الدراسة، إلا أن
تشكيله وقع فيه تغيير لمقتضيات فنية جديدة عاشها الشاعر، وهو يقدم عمله
للطبع.
إن ما وقع فيه الباحث من وهم راجع ?بكل بساطة- إلى فهمه الخاطئ
للبيت. ثم لماذا نفضل قانونا على آخر؟ إن الشاعر، حين يكون أمام تجربة ذات
طابع غنائي وجداني، لا يجد أمامه إلا القانون الأول من قوانين البيت لأنه
الأصلح. وحين يجد نفسه أمام تجربة درامية أو أمام عمل يتطلب القص، فإن
القانون الثاني هو الأنسب. وقد مر بنا أن صاحب العمدة قد أشار إلى شيء من
هذا عند حديثه عن البيت المدمج.
البيت في الأرجوزة، إما أنه مؤلف من جزء
واحد، أو من جزأَين، أو من ثلاثة أجزاء. وهذا أقصى ما يصل إليه البيت في
الأرجوزة. أما في القصيدة، فالبيت التام يتألف من ستة أجزاء، والمجزوء من
أربعة أجزاء. لكن، إذا كان البيت على أحد بحري الدائرة الخامسة، فإنه يتألف
من ثمانية أجزاء إذا كان تاما، ومن ستة إجزاء إذا كان مجزوءا، ويلحق بهذه
الدائرة الطويل والبسيط. أما البيت في الموشح، فيكون إما موحدا، أو مثنى،
أو مشطورا، أو مجزوءا.
وفي القصيدة الحرة، حاولت نازك ربط البيت من حيث
عددُ أجزائه بالبيت في تراثنا الشعري فهي تريد أن يكون البيت في هذا الشكل
الجديد إما موحدا، أو منهوكا، أو مجزوءا، أو مشطورَ المجزوءِ، أو مشطورَ
التام. وهذا ما يفسر رفضها البيت المكون من خمسة أجزاء. تقول: »إن الشعر
العربي في مختلف عصوره لم يعرف الشطر ذا التفعيلات الخمس. وإنما كان الشطر
يتألف إما من تفعيلتين كما في الهزج، والمجتث، والمضارع، أو من ثلاث كما في
الرجز، والرمل، والكامل، أو من أربع، كما في الطويل، والبسيط، والمتقارب،
والخبب. وعند هذا، وقف الشاعر. فلم نقرأ له أشطرا ذات خمس تفعيلات
إطلاقا(22). وهذا يعني أن الشطر في شعر التفعيلة لا يحتمل خمسة أجزاء، مع
العلم أن الشاعرة، على مستوى الإنجاز، كتبت أبياتا خماسية الأجزاء.
وسبب
رفضها البيتَ الخماسي [وينتِج عن هذا رفضها البيت السباعي والتساعي] هو ما
تتمتع به من ذوق مستمد من حبها القصيدةَ العربية، التي سن قوانينها الشاعر
الجاهلي، وهي قوانين أملاها ارتباط الشعر بالغناء، لأن الغناء يفضل
الأبيات القصيرة. أما اليوم، حيث إن الشعر، وخاصة القصيدة الحرة ما عاد
يغري أهل الغناء لاهتمامه بالقارئ، فلا بأس أن يطول هذا البيت. وتقول نازك
مرة أخرى: »هل يستسيغ سمع الشاعر أن يورد أكثر من ست تفعيلات أو ثمان في
الشطر الواحد. الجواب على هذا قد ثبت لي بالتجربة الطويلة، وقراءة مئات من
قصائد الشعراء أن ذلك غير سائغ ولا مقبول، لأن الغنائية في تفعيلات الشعر
تفقد حدتها، وتأثيرها حين تتراكم تفعيلات متواصلة لا وقفة عروضية بينها.
فضلا عن أن تواتر التفعيلات الكثيرة مستحيل لأنه يتعارض مع التنفس عند
الإلقاء، لا بل يتعب حتى من يقرأه قراءة صامتة بما يحدث من الرتابة«(23).
من
حق نازك أن تقول ما قالته، ومن حق الشاعر أن يعطي إحساسَه حقَّ اختيار
المدى الزمني المناسب للبيت. لهذا، نقول إن واقع البيت في القصيدة الحرة،
إما أن يكون من جزء واحد، أو من أكثر، حيث قد يغطي نصا شعريا كاملا. وفي
هذه الحالة، تصعب قراءته في نفس واحد. وهذا لم يغب عن الشاعر؛ فالتجأ،
كالشاعر القديم، إلى التقسيم، وهو أنواع مر بنا وصفها. لهذا، سنقتصر في هذا
المقام على الوقوف على أحد أشكاله، وهو الترصيع الذي يكون في القصيدة
الحرة إما داخليا، وإما خارجيا:
1-وَرُبَّمَا تَجَسَّدَتْ قَرْطَاجَةٌ
دَقَائِقُ الْغُبَارِ فِيهَا لَهَبٌ
والطِفْلُ فِيهَا حَطَبٌ ذَبِيحَةُ الْمَصِيرِ(24)
2-لاَ تَسْخرِي مِنْ منْظَرِي أَيَّتُهَا الْهِرَّة(25)
3-مِنْ سَهَرٍ أَهْدَابُنَا مَبْلُولَةٌ
مِنْ سَهَرٍ أَنْغَامُنَا مَقْتُولَةٌ
وَالسَّهَرُ الْوَسْنَانُ فِي عُيُونِنَا فَتَرْ
وَانْهَمَرَ الْمَطَرْ(26)
4-وَانْكَسَرَتْ مِنْ حَوْلِنَا الرُّبَى
وَانْتَثَرَتْ أَقْمَارُنَا
أَعْمَارُنَا
أَشْعَارُنَا
وَاللَّوْنُ فِي خُدُودِنَا خَبَا(27)
5-وَسَاكِنِيهَا مِنْ أَغَانِيهَا وَمِنْ شَكَاتِهَا
نُحِسُّ كَيْفَ يَسْحَقُ الزَّمَانُ إِذْ يَدُور(28)
6-بَلَى !
وَقَدْ لَجَّتْ بِنَا النَّشْوَةُ حَتَّى رُؤْيَةِ الْمَوْتِ
وَقَدْ لَجَّتْ بِنَا حَتَّى ازْدِرَاءِ الْمَوْتِ
هَا أَنْتِ انْتَشَيْتِ
وَتَخَضَّبْتِ بِأَسْمَاءِ الْمَطَرْ
ثُمَّ خَرَجْتِ لِلتَّتَرْ(29)
7-أَتُوهُ فِي الصَّحَارَى
حَتَّى أَرَى يَنْبُوعا
أُصْبِحُ فِيهِ قَطْرَةً
أَوْ بُرْعُماً مَقْطُوعَا
أَعْبُرُ فِيهِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَا
وَالصَّيْفَ وَالرَّبِيعَا
أَدْخُلُ فِيهِ دَارَا
أَخْرُجُ مِنْ نَافُورَةٍ فِي صَحْنِهَا
تَأْخُذُنِي صَبِيَّةٌ فِي حِضْنِهَا
تَمْسَحُ عَنِّي الْعَارَا(30)
8-مَا الَّذِي قَالَتِ الْبِئْرُ لِلرِّيحِ
وَالنَّارُ لِلشِّيحِ
وَالنَّاقَةُ الْمُسْتَحِمَّةُ فِي قَعْرِ الْغَوْرِ لِلسِّنْدِيَان(31)
9-فِي سَنَوَاتِ الْعُقْمِ وَالْمَجَاعَهْ
بَارَكَنِي
عَانَقَنِي
كَلَّمَنِي
وَمَدَّ لِي ذِرَاعَهْ
وَقَالَ لِي:
اَلْفُقَرَاءُ أَلْبَسُوكَ تَاجَهُمْ
وَقَاطِعُو الطَّرِيقْ
وَالْبُرْصُ وَالْعُمْيَانُ وَالرَّقِيقْ(32)
بهذه النماذج، ترصيع داخلي، وترصيع خارجي. وفي الوقت ذاته، تثير بعضُ
هذه النماذج، خاصة تلك التي تشتمل على الترصيع الخارجي، مشكلةَ تحديد
البيت، وهذه مناسبة لمعالجته في هذا المقام.
إن الترصيع هنا يقوم على وجود القافية.
فالنموذج
الأول يتألف من بيت موزع على ثلاثة أسطر، مجموع أجزائها عشرة. وهذا عدد
كبير. لكن الشاعر أحدث محطتين للاستراحة: الأولى عند كلمة «لهب»، وهي آخر
السطر. والثانية عند كلمة «حطب»، وهي في حشو البيت. وهذا ترصيع داخلي، أو
نصف داخلي. كان بإمكان الشاعر أن يكتب نصه على الشكل التالي:
وَرُبَّمَا تَجَسَّدَتْ قَرْطَاجَةٌ دَقَائِقُ الْغُبَارِ فِيهَا لَهَبٌ
وَالطِّفْلُ فِيهَا حَطَبٌ
ذَبِيحَةُ الْمَصِير
لكنه، لو اختار هذا التشكيل، فإنه سيكون من المفروض اعتبار السطر الأول
والثاني بيتين بروي الباء. وفي هذه الحالة، سنكون أمام ضربين تامين
مختلفين عن ضرب البيت الثالث وأضرب باقي النص، حيث التزم فيها الشاعر القطع
مع الخبن. فلهذا، أخفى الترصيع، وهذا الإخفاء يجعلنا نقرأ/ لَهَبٌ/ و/
حَطَبٌ/ بالتنوين، وهذه القراءة أجمل من قراءة إشباع حركة الباء، لما يحدثه
التنوين من رنين جميل.
النموذج الثاني هو عبارة عن بيت قصير مؤلف
من أربعة أجزاء، وموزع على سطر واحد، يشتمل على ترصيع داخلي، وكان بإمكان
الشاعر أن يجعل كل قسيم بيتا، لكن هذا سيؤدي إلى وجود ضربين متساويين
يقابلان ضربا منتهيا بتفعيلة ناقصة؛ لهذا، آثر الشاعر الترصيع الداخلي.
النموذج الثالث هو عبارة عن بيتين موزعين على أربعة أسطر. يشتمل البيت
الأول على عشرة أجزاء، وهذا الطول جعل الشاعرة ترصعه ترصيعا خارجيا. ويوحي
القسيمان الأولان بأنهما بيتان مستقلان. وكان بالإمكان اعتبارهما كذلك.
ولكن الشاعرة من أكثر الشعراء العرب حرصا على التزام وحدة الضرب؛ وهو هنا
[فَعُو]. فإذا اعتبرنا القسيمين بيتين، صرنا أمام ضرب جديد يُحدث بالنسبة
لنازك، ولأذنها نشازا. ولهذا، وضعت التنوين آخر كل سجعة حتى لا نقف عليها
بالسكون، وهو أمر جائز.
النموذج الرابع: البيت الثاني فيه موزع على
أربعة أسطر. وهو مشتمل على ترصيع خارجي: /أقمارنا/ أعمارنا/ أشعارنا/. وكل
قسيم يمكن اعتباره بيتا. إذ تصبح هذه الأقسمة موحدة الروي. لكن، مرة أخرى،
سنكون أمام ضرب مخالف لأضرب النص الشعري الذي اقتبسنا منه هذا النموذج.
النموذج
الخامس: هو بيت من ثمانية أجزاء موزع على سطرين، ويشتمل على ترصيع داخلي
لكنه، هنا، يكسر العروض. وهذا يخالف الترصيع الذي مر بنا في النماذج
السابقة.
وَسَاكِنِيهَا = مفاعلاتن
مِنْ أَغَانِيهَا = فاعلالاتن
ولعل هذا ما جعل الشاعر يفضل جعله ترصيعا داخليا.
النموذج
السادس: بيتان موزعان على ستة أسطر. البيت الأول من اثني عشر جزءا. وهذا
الطول فرض على الشاعر استعمال الترصيع الخارجي، وهو ترصيع غير عروضي، لكنه
أحدث نغما جديدا. فالنص من الرجز، ليس في أضربه علة. لكن الأقسمة الثلاثة
جاءت على إيقاع مخالف. فالقسيم الأول على الهزج، والثاني على الهزج
المخروم، والثالث هزج أو وزن من أوزان الوافر المخروم.
النموذج السابع:
يتألف من سبعة أبيات على النظام القافوي التالي: أ ب ب أ ب أ أ. ولهذه
الأبيات ضرب موحد مصاب بعلة القطع، واعتبرنا البيت الأخير مرصعا ترصيعا
خارجيا، لأن كل قسيم منه ينتهي بضرب صحيح. وهذا مخالف لنسق أضرب هذه
القصيدة الحرة.
النموذج الثامن: هو عبارة عن بيت واحد موزع على ثلاثة
أسطر. ويشتمل على اثني عشر جزءا. هذا الطول فرض أن يكون هذا البيت مرصعا
ترصيعا خارجيا يوحي كل قسيم فيه بأنه بيت مستقل. فالقسيم الأول ينتهي بـ
«فعْلن». والقسيم الثاني يصبح من المتقارب المخروم المنتهي بتفعيلة مبتورة،
والثالث من المتقارب المخروم. وبهذا تتعدد أضرب النص الذي حافظ فيه الشاعر
على وحدة البحر ووحدة الضرب. وهذا يفرض علينا اعتبار القسيمين جزءا من
البيت.
النموذج الأخير: يشتمل على أربعة أبيات موزعة على تسعة أسطر،
ونظامها القافوي على الشكل التالي: أ أ ب ب. لكن البيت الثاني اشتمل على
خمسة أجزاء، وعلى ترصيع خارجي، وكل أقسمته موحدة الروي، وعدُّها أبياتا
يجعل أضربها تخالف أضرب القصيدة.
وبهذا يكون الترصيع عنصرا نغميا يثري
إيقاع البيت الشعري حين يطول. لكن هناك تقسيمات لا تظهر فيها القافية أو
السجع، تلحق كذلك الأبيات الطويلة، نمثل لها بالنموذجين التاليين: الخطوط
المائلة من وضعنا.
- (...) فَلَعَلَّ قَصِيدَةَ هَجْوٍٍٍ/ تَقْذِفُ
إِسْرَائِيلَ إِلَى الْبَحْرِ../ لَعَلَّ الشِّيخَاتِ الْمُتَّشِحَاتِ
بِمَا لَذَّ وَطَابَ مِنَ الذَّهَبِ اللاَّمِعِ/ يَهْدِمْنَ
بِرَقْصَتِهِنَّ عَلَى الْجَفْنَةِِ مَبْنَى الْكْنِسِيتْ/ وَأَقُولُ
لَكُمْ/ غَنَّيْتُ/ وَأَعْرِفُ أَنَّ هَزَائِمَنَا/ تَبْدَأُ مِنْ كُلِّ
زُقَاقٍ فِي الْوَطَنِِ الْعَرَبِي/ وَهَذَا جَسَدِي (...)(33).
- جَاءَ
هَذَا الدَّغَلُ الْمَوْبُوءُ/ فِيه نُكْهَةُ التُّفَّاحِ/ فِيهِ حَسَكُ
الأَغْلاَلِ/ فِيهِ رِئَةُ الْخَلْخَالِ/ فِيهِ كِبْرِيَاءُ التَّاجِ/
فِيهِ بَعَرُ الآرَامِ/ فِيهِ النَّفَسُ المَصْهُورُ/ فِِيهِ
الأَصْغَرَانِ/ فِيهِ أَوْرَاقُ الصُّحُف(34).
لم يضع الشاعر في النص
الأول محطات ثابتة للوقف. ولكن على القارئ أن يختار المكان الذي يراه
صالحا. أما النص الثاني، فقد فرض علينا الشاعر المكان الذي ينبغي أن نقف
عنده. وذلك باعتماده على ظاهرة التكرار. ويتمثل هنا في تكرار شبه الجملة
[فيه] لدرجة أن النص يمكن أن يُوزع على عدة أسطر، كل سطر تتصدره [فيه].
وهذا إثراء للإيقاع في هذا النص.
هوامش
(1) انظر على سبيل المثال ديوان مرثية المصلوبين لعنيبة الحمري، خاصة الصفحات: 5-6-7-8-9-13-14-15-16- إلخ.
(2) مرثية العمر الجميل. ص: 5.
(3) قرارة الموجة. ص: 199.
(4) لم يبق الاعتراف.
(5) أحلام الفارس القديم.
(6) رماد هسبريس. ص: 45.
(7) الزمان الجديد.
(8) قضايا الشعر المعاصر نازك. ص: 137.
(9) ن.م. ص: 138.
(10) أوراق مهربة من زمن الحصار. دراسة تحليلية. محمد علي الرباوي. م. المشكاة. ع. 15-16- جمادى1. 1413/ يوليو-دجنبر 1992.
(11) البنية الإيقاعية. أحمد المعداوي. مجلة الوحدة. ص: 55.
(12) نفسه.
(13) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب. ص: 53.
(14) ن.م. ص: 55.
(15) ن.م. ص: 60.
(16) ن.م. ص: 81.
(17) ن.م. ص: 81.
(18) ن.م. ص: 81.
(19) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب ، ص :83
(20) ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب. ص: 83.
(21) السقوط. المجاطي. ص: 63 وما بعدها.
(22) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 101.
(23) قضايا الشعر المعاصر. نازك. ص: 99.
(24) أوراق في الريح. ص: 83.
(25) لم يبق إلا الاعتراف. ص: 52.
(26) للصلاة والثورة. دار العلم للملايين. بيروت. ص: 56.
(27) ن.م. ص: 55.
(28) المعبد الغريق. السياب. دار العلم للملايين. بيروت. ط2: 1968. ص: 46.
(29) كائنات مملكة الليل. دار الآداب. بيروت. ط1: 1978. ص: 38.
(30) مرثية للعمر الجميل. دار العودة، بيروت. ط1973. ص: 42 وما بعدها.
(31) كائنات مملكة الليل. ص: 90.
(32) ديوان البياتي. دار العودة. بيروت. ط. 3: ْ2/153.
(33) أياد كانت تسرق القمر. راجع. دار النشرة المغربية. البيضاء. ط: 1988. ص: 24.
(34) ويكون إحراق أسمائه الآتية: السرغيني. منشورات عيون. البيضاء. ط: 1987 .ص: 19.
محمد علي الرباوي |
ّ* أعتذر للاخ ايزارن ان كنت تدخلت في موضوع كان هو قد شرع في نقله الى المنتدى.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى