تحديد رواتب الحكام.. رؤية شرعية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تحديد رواتب الحكام.. رؤية شرعية
يقوم التصور الإسلامي لرواتب الحكام باعتبار أن الحاكم مثل أفراد شعبه
ورعيته، ولا يوجد مسوغ شرعي ولا عقلي يميزه عن غيره، بل إن العقل يقضي بأنه
لا يحق له أن يأكل ويشرب، إلا إذا اطمأن إلى أن شعبه قد أكل وشرب وشبع!
قُدّمت
لعمر بن الخطاب يوما حلوى، فوجد لها مذاقاً شهياً، فسأل مقدمها: ما هذا؟
فقال: حلوى يصنعها أهل اذربيجان، وقد أرسلني بها اليك عتبة بن فرقد، وكان
واليا على اذربيجان، فقال للرسول: أكل المسلمين هناك يطعمون ذلك؟ فقال له:
بل هو طعام الخاصة، فقال عمر للرجل: اين بعيرك؟ خذ جملك هذا وارجع به الى
عتبة، وقل له: عمر يقول لك: اتق الله، واشبع المسلمين مما تشبع منه! وفي
عام الرمادة أمر يوماً بنحر جزور، وتوزيع لحمه على اهل المدينة، وعند
الغداء، وجد عمر امامه سنام الجزور وكبده، وهما أطيب ما فيه فقال: من أين
هذا؟ قيل: من الجزور الذي ذُبح اليوم، قال: «بخٍ بخٍ بئس الوالي أنا إن
طعمت طيبها، وتركت للناس كراديسها»، ثم نادى خادمه أسلم، وقال له: ارفع هذا
وائتني بخبز وزيت، وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ اذا استعمل عاملا
أشهد عليه رهطا من الأنصار، ألا يركب برذونا، ولا يأكل نقيا ولا يلبس
رقيقاً! ودرءا للمحاباة المتوقع منحها للحاكم فإنه يمنع من مزاولة التجارة،
وقد عمّم عمر هذا الحظر إلى اهل بيته، كما يقول الدكتور عماد الدين مصطفى
مدرس الفقه وأصوله في جامعة الأزهر، فقد خرج عمر يوماً إلى السوق فرأى
إبلاً سماناً تمتاز عن بقية الإبل بنوها وامتلائها فسأل: إبل من هذه؟
قالوا: إبل عبدالله بن عمر، فانتفض أمير المؤمين كأنما رأى قيامته وقال:
عبدالله بن عمر؟ بخ بخ يا ابن المؤمنين؟ أرسل في طلبه وأقبل عبدالله يسعى ،
وحين وقف بين يدي والده قال له: ما هذه الإبل يا عبدالله؟ فأجاب: «إنها
إبل هزيلة اشتريتها بمالي وبعثت بها إلى المرعى أتاجر فيها»، قال عمر في
تهكم لاذع: «ويقول الناس حين يرونها، ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا
إبل ابن أمير المؤمنين! وهكذا تسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمين»!
ثم صاح به: «يا عبدالله بن عمر، خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الإبل،
واجعل الربح في بيت مال المسلمين».
حد الكفاية
ويعتبر حد الكفاية
المعيار الأساسي لتحديد راتب الحاكم. فقد ورد أن أباً بكر رضي الله تعالى
عنه لما تولى الخلافة، كان تاجراً، فترك التجارة، وجعل لنفسه راتباً من بيت
المال مقابل تفرغه لمصلحة المسلمين، تقول عائشة رضي الله عنها: «لما
استخلف أبوبكر قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي، وشغلت
بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال واحترف للمسلمين فيه».
يقول الإمام الغزالي في الإحياء: «أشار الصحابة على أبي بكر رضي الله تعالى
عنه بترك التجارة لما ولي الخلافة، إذ كان ذلك يشغله عن المصالح، وكان
يأخذ كفايته من مال المصالح، ورأى ذلك أولى». وبين أبوعبيد المقدار الذي
كان يأخذه أبوبكر رضي الله تعالى عنه لكفايته، فقال: «ونظر أبوبكر في أمره،
فقال: والله لا تصلح أمور المسلمين بالتجارة، وما يصلحهم إلا التفرغ لهم،
والنظر في شأنهم، ولا بد لعيالي مما يصلحهم، فترك التجارة، واستنفق من مال
المسلمين ما يصحله ويصلح عياله يوماً بيوم، ويحج ويعتمر، وكان الذي فرضوا
له في كل سنة ستة آلاف درهم». وعلى النهج سار عمر بن الخطاب، فلما ولي
الخلافة، قال: «إن أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إن استغنيت
عنه استعففت، وان افتقرت أكلت بالمعروف». وقال عمر: «ألا أخبركم بما أستحل
من مال الله؟ حلتين، حلة الشتاء والقيظ، وما أحج عليه وأعتمر من الظهر،
وقوت أهلي كرجل من قريش، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم فإذا أخذ الحاكم شيئاً
فوق مقدار كفايته أو ما حدد له، فهو غلول»، قال صلى الله عليه وسلم: «من
كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فان لم يكن له خادم فليكتسب خادم، فان لم يكن
له مسكن فليكتسب مسكناً: قال أبو بكر أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق».
من أين لك هذا؟
ظهر
الثراء على عامل لعمر بن الخطاب اسمه الحارث بن كعب بن وهب، فسأله عمر عن
مصدر ثرائه فأجاب: «خرجت بنفقة معني فاتجرت بها»: فقال عمر: «أما والله ما
بعثناكم لتتجروا وأخذ منه ما حصل عليه من ربح»، وقد كان عمر يحصي أموال
العمال والولاة قبل الولاية ليحاسبهم على ما زاده بعد الولاية، مما لا يدخل
في عداد الزيادة المعقولة، ومن تعلل منهم بالتجارة لم يقبل منه دعواه وكان
يقول لهم: «إنما بعثناكم ولاة ولم نبعثكم تجاراً»! وكان عمر بن الخطاب
يصادر كل هدية تهدى إلى أولاده، إذا شك في أنها أهديت بسبب جاه الإمارة،
فقد أخرج ابن عساكر في تاريخه أنه قدم بريد ملك الروم إلى عمر بن الخطاب،
فلما علمت امرأة عمر بمقدم البريد، استقرضت ديناراً فاشترت به عطراً،
وجعلته في قوارير، وبعثت به مع البريد إلى امرأة ملك الروم، فلما أتاها
فزعتهن وملأتهن جواهر، وقالت: «اذهب به إلى امرأة عمر بن الخطاب»، فلما
أتاها فزعتهن على البساط، فدخل عمر بن الخطاب، فقال: «ما هذا»؟ فاخبرته
الخبر، فأخذ عمر الجوهر فباعه، ودفع إلى امرأته ديناراً، وجعل ما بقي من
ذلك في بيت مال المسلمين .
موسى الأسود
ورعيته، ولا يوجد مسوغ شرعي ولا عقلي يميزه عن غيره، بل إن العقل يقضي بأنه
لا يحق له أن يأكل ويشرب، إلا إذا اطمأن إلى أن شعبه قد أكل وشرب وشبع!
قُدّمت
لعمر بن الخطاب يوما حلوى، فوجد لها مذاقاً شهياً، فسأل مقدمها: ما هذا؟
فقال: حلوى يصنعها أهل اذربيجان، وقد أرسلني بها اليك عتبة بن فرقد، وكان
واليا على اذربيجان، فقال للرسول: أكل المسلمين هناك يطعمون ذلك؟ فقال له:
بل هو طعام الخاصة، فقال عمر للرجل: اين بعيرك؟ خذ جملك هذا وارجع به الى
عتبة، وقل له: عمر يقول لك: اتق الله، واشبع المسلمين مما تشبع منه! وفي
عام الرمادة أمر يوماً بنحر جزور، وتوزيع لحمه على اهل المدينة، وعند
الغداء، وجد عمر امامه سنام الجزور وكبده، وهما أطيب ما فيه فقال: من أين
هذا؟ قيل: من الجزور الذي ذُبح اليوم، قال: «بخٍ بخٍ بئس الوالي أنا إن
طعمت طيبها، وتركت للناس كراديسها»، ثم نادى خادمه أسلم، وقال له: ارفع هذا
وائتني بخبز وزيت، وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ اذا استعمل عاملا
أشهد عليه رهطا من الأنصار، ألا يركب برذونا، ولا يأكل نقيا ولا يلبس
رقيقاً! ودرءا للمحاباة المتوقع منحها للحاكم فإنه يمنع من مزاولة التجارة،
وقد عمّم عمر هذا الحظر إلى اهل بيته، كما يقول الدكتور عماد الدين مصطفى
مدرس الفقه وأصوله في جامعة الأزهر، فقد خرج عمر يوماً إلى السوق فرأى
إبلاً سماناً تمتاز عن بقية الإبل بنوها وامتلائها فسأل: إبل من هذه؟
قالوا: إبل عبدالله بن عمر، فانتفض أمير المؤمين كأنما رأى قيامته وقال:
عبدالله بن عمر؟ بخ بخ يا ابن المؤمنين؟ أرسل في طلبه وأقبل عبدالله يسعى ،
وحين وقف بين يدي والده قال له: ما هذه الإبل يا عبدالله؟ فأجاب: «إنها
إبل هزيلة اشتريتها بمالي وبعثت بها إلى المرعى أتاجر فيها»، قال عمر في
تهكم لاذع: «ويقول الناس حين يرونها، ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا
إبل ابن أمير المؤمنين! وهكذا تسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمين»!
ثم صاح به: «يا عبدالله بن عمر، خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الإبل،
واجعل الربح في بيت مال المسلمين».
حد الكفاية
ويعتبر حد الكفاية
المعيار الأساسي لتحديد راتب الحاكم. فقد ورد أن أباً بكر رضي الله تعالى
عنه لما تولى الخلافة، كان تاجراً، فترك التجارة، وجعل لنفسه راتباً من بيت
المال مقابل تفرغه لمصلحة المسلمين، تقول عائشة رضي الله عنها: «لما
استخلف أبوبكر قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي، وشغلت
بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال واحترف للمسلمين فيه».
يقول الإمام الغزالي في الإحياء: «أشار الصحابة على أبي بكر رضي الله تعالى
عنه بترك التجارة لما ولي الخلافة، إذ كان ذلك يشغله عن المصالح، وكان
يأخذ كفايته من مال المصالح، ورأى ذلك أولى». وبين أبوعبيد المقدار الذي
كان يأخذه أبوبكر رضي الله تعالى عنه لكفايته، فقال: «ونظر أبوبكر في أمره،
فقال: والله لا تصلح أمور المسلمين بالتجارة، وما يصلحهم إلا التفرغ لهم،
والنظر في شأنهم، ولا بد لعيالي مما يصلحهم، فترك التجارة، واستنفق من مال
المسلمين ما يصحله ويصلح عياله يوماً بيوم، ويحج ويعتمر، وكان الذي فرضوا
له في كل سنة ستة آلاف درهم». وعلى النهج سار عمر بن الخطاب، فلما ولي
الخلافة، قال: «إن أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إن استغنيت
عنه استعففت، وان افتقرت أكلت بالمعروف». وقال عمر: «ألا أخبركم بما أستحل
من مال الله؟ حلتين، حلة الشتاء والقيظ، وما أحج عليه وأعتمر من الظهر،
وقوت أهلي كرجل من قريش، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم فإذا أخذ الحاكم شيئاً
فوق مقدار كفايته أو ما حدد له، فهو غلول»، قال صلى الله عليه وسلم: «من
كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فان لم يكن له خادم فليكتسب خادم، فان لم يكن
له مسكن فليكتسب مسكناً: قال أبو بكر أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق».
من أين لك هذا؟
ظهر
الثراء على عامل لعمر بن الخطاب اسمه الحارث بن كعب بن وهب، فسأله عمر عن
مصدر ثرائه فأجاب: «خرجت بنفقة معني فاتجرت بها»: فقال عمر: «أما والله ما
بعثناكم لتتجروا وأخذ منه ما حصل عليه من ربح»، وقد كان عمر يحصي أموال
العمال والولاة قبل الولاية ليحاسبهم على ما زاده بعد الولاية، مما لا يدخل
في عداد الزيادة المعقولة، ومن تعلل منهم بالتجارة لم يقبل منه دعواه وكان
يقول لهم: «إنما بعثناكم ولاة ولم نبعثكم تجاراً»! وكان عمر بن الخطاب
يصادر كل هدية تهدى إلى أولاده، إذا شك في أنها أهديت بسبب جاه الإمارة،
فقد أخرج ابن عساكر في تاريخه أنه قدم بريد ملك الروم إلى عمر بن الخطاب،
فلما علمت امرأة عمر بمقدم البريد، استقرضت ديناراً فاشترت به عطراً،
وجعلته في قوارير، وبعثت به مع البريد إلى امرأة ملك الروم، فلما أتاها
فزعتهن وملأتهن جواهر، وقالت: «اذهب به إلى امرأة عمر بن الخطاب»، فلما
أتاها فزعتهن على البساط، فدخل عمر بن الخطاب، فقال: «ما هذا»؟ فاخبرته
الخبر، فأخذ عمر الجوهر فباعه، ودفع إلى امرأته ديناراً، وجعل ما بقي من
ذلك في بيت مال المسلمين .
موسى الأسود
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: تحديد رواتب الحكام.. رؤية شرعية
جزاك الله خيرا ..معلومات قيمة ومفيدة نرجو من الله تعالى ان يثبت اقدامنا ويهدينا لاتباع خطى سيدنا وحبيبنا واصحابه الكرام...
elhouayad- عدد الرسائل : 6
العمر : 66
تاريخ التسجيل : 22/06/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى