المدرسة وأحادية الإصلاح البيداغوجي ..أية رهانات ؟
صفحة 1 من اصل 1
المدرسة وأحادية الإصلاح البيداغوجي ..أية رهانات ؟
تعددت الأبحاث و
الدراسات السوسيوتربوية التي اشتغلت على المدرسة، و على الوضع المأزمي
الذي تعيشه، بتعدد الاتجاهات و المواقف البارزة في هذا المجال، و اختيارنا
لهذا الموضوع السوسيوتربوي بالذات جاء كهدف نريد من خلاله توضيح الجدالات
القائمة بين مجموعة من البيداغوجيين و السوسيولوجيين التربويين حول وظائف
المدرسة و الرهانات المعقودة عليها في تحقيق التنمية المستديمة داخل
المجتمعات التي تنتمي إليها، خصوصا ما بين وظيفة معاودة الإنتاج لنفس
علاقات الإنتاج المتجلية كواقع في بنية المجتمع و تراتبيته الاقتصادية و
الثقافية، انطلاقا من الخلفية الأيديولوجية و الفلسفية التي يسلم بها كل
رائد من رواد هذه الاتجاهات، و ما بين وظيفتها الطلائعية الثورية في
مناهضة ما هو سائد كقيم و كسلوكات تنتمي لقانون الغاب و لمبدأ الاصطفاء
التعسفي كما هو قائم كطرح في التوجهات البيداغوجية المؤسساتية.
لقد حاول مجموعة من الباحثين الذين ينتمون لحقل سوسيولوجية التربية بفرنسا
في أواخر الستينات و بداية السبعينات من القرن الماضي [ نذكر على سبيل
المثال لا الحصر: بيار بوديو و بول باسيرون في كتابهما : الورثة؛ بيرنارد
شارلو و مادلين فيجا:» مدرسة للمزاد العلني»، و جورج سنيدر: المدرسة
والسلطة و الصراع الطبقي، و بودلو و ستابليت: المدرسة الرأسمالية
بفرنسا]» أن يبرزوا ضمن أطروحاتهم المركزية، طبيعة المدرسة الرأسمالية في
فرنسا عبر تطورها التاريخي بين وظائفها الأيديولوجية التي يتحكم فيها نمط
الإنتاج الرأسمالي ، و ما بين المغالطات التي سقط فيها بعض الممارسين
البيداغوجيين و المنظرين التربويين من موقع تعاملهم مع المؤسسة المدرسية
كأداة لتغيير المجتمع، وذلك عن طريق المطالبة بالنضال من داخلها، إيمانا
منهم بأنه لكي نغير المجتمع يجب الفعل في الفرد. و الواقع أن رواد هذه
البيداغوجية المؤسساتية [ فريني ? لابرو- مانديل ?لابساد...] انطلقوا في
تحليلاتهم من مبدأ السلطة كظاهرة سيكولوجية و ترابطية قائمة داخل الفضاء
المدرسي و المجسدة كسلوك يومي و علائقي قائم بين الفئات المستهدفة و
الفاعلين التربويين؛ على اعتبار أن السلطة في نظرهم تشكل أساس النظام
الرأسمالي و المدرسة الرأسمالية، لذلك نجدهم يطالبون بالنضال ضدها عبر
ابتكار تقنيات بيداغوجية جديدة من جهة، و تقنيات سيكولوجية مستقلة و ثورية
من جهة أخري، تحاول في امتداداتها الفضائية داخل المؤسسة المدرسية أن تدرب
المتعلمين على التفتح و الانفتاح بواسطة التعبير غير المقيد بتنميطات
بيداغوجية إكراهية، و تسعى في مستواها العام إلى تحرير الأفراد من تجليات
البيداغوجية التقليدية و العمل على انفتاح إمكانياتهم الذاتية و كفاءاتهم
المعرفية و المهارية و العقلانية ضمن عمل تشاركي و جمعي يقصي الاتجاهات
الفردانية و يهيئ للمجتمع الاشتراكي المعول عليه، و هو الرهان الذي حاول كل
من سيلستان فريني ? لابساد ? انري ? مندل و غيرهم أن يعقدوا عليه العزم من
أجل تحرير المجتمع من براثين السلطة القهرية المفروضة داخل المجتمع
الفرنسي و الأوروبي في بداية القرن العشرين.
و هكذا اعتمدت أغلب هذه البيداغوجيات كمذهب و كتوجه أيديولوجي على البعد
السيكولوجي الثوري كاختيار بيداغوجي لتفتيق مواهب الأطفال الذين ينتسبون
للمؤسسة المدرسية، و تهييئهم للتغيير المراهن عليه بالنسبة للمجتمع
الرأسمالي بما يستجيب لانتظاراتهم الأيديولوجية، و لكنهم [ أي رواد هذه
البيداغوجيات] اغفلوا التحليل السياسي الحقيقي لعلاقات الإنتاج و قوى
الإنتاج داخل المجتمعات الرأسمالية في علاقتها بالمؤسسات الأيديولوجية
[المدرسة نموذجا]؛ كما تعاملوا مع السلطة داخل المدرسة العمومية كعلاقة
بين فردانية قائمة داخل جماعة الفصل الدراسي، و ليس كعلاقات طبقية مجسدة في
الصراع الطبقي و في أنماط الاحتكار و الاستغلال التي تفرضها الطبقات
الحاكمة على الأفراد المستضعفين و المغبونين ثقافيا و معرفيا؛ و هو ما
جعلهم يسقطون في التحليلات الميكروسوسيولوجية لمتغير السلطة، واصطبغت وجهة
نظرهم بصبغة تحريفية و خداعية، مختزلين الصراع الطبقي في صراع بين فرداني
متجسد في أقطاب المثلث الديداكتيكي [ المدرس و المتعلم و المعرفة المدرسية]
و في المتن المعرفي و المهاري الموجه تحديدا للفئات المستهدفة في منظومة
التربية و التكوين خصوصا الأطفال غير المتميزين اقتصاديا و ثقافيا.
و بالرغم من المكتسبات التي حققها رواد و منظرو و ممارسو هذه البيداغوجيات
الجديدة على مستوى المماراسات القائمة في صلب المؤسسات التعليمية التعلمية،
و الأدوار الممنوحة لكل مكون من مكونات العملية الديداكتيكية كما هو قائم
كإجراء حاليا في تجربتنا التربوية التكوينية من خلال عقد الرهان على
بيداغوجية الادماج كإطار منهجي و تطبيقي لبيداغوجيا الكفايات، فإن نتائجهم
ظلت محدودة الأفق على المستوى السياسي البراكسيسي.
يبقى أن نتساءل في ظل هذا التقديم:
1. هل الفعل في المدرسة من الداخل ـ اعتمادا بطبيعة الحال على بيداغوجية
الكفايات و غيرها ـ كفيل بتغيير بنيات المجتمع و القضاء على التقسيم
الاجتماعي و الأيديولوجي للعمل؟
2. بما أن المؤسسة المدرسية جهاز أيديولوجي للدولة، فهل تعمل فقط على
معاودة إنتاج نفس علاقات الإنتاج السائدة داخل المجتمع، أم أنها وجه من
أوجه الصراع الأيديولوجي، وبالتالي يمكن إدراجها ضمن الحركة العامة للصراع
الطبقي داخل المجتمعات الرأسمالية؟.
3. و هل يمكن للإطارات المنهجية البيداغوجية المعتمدة في الإصلاحات
التربوية التكوينية كإجراءات تقنية ومنهجية كفيلة بالتقليص من حدة الفوارق
الفردية و الجماعية و السوسيووجدانية الموجودة بين المتعلمين، و بالتالي
ضمان مبدأ التكافؤ في الفرص التعليمية التعلمية بالنسبة للجميع بالرغم من
اختلاف انتماءاتهم الطبقية و السوسيوثقافية.
لقد خلصت بعض الكتابات و الدراسات المهتمة بالموضوع المستهدف في هذه
الورقة إلى المسألة التالية: أن المنطلقات النظرية التي اعتمدها الاتجاه
المؤسساتي البيداغوجي تكتسي نوعا من المنطق الخداعي، إذ اختزلوا مفهوم
السلطة كظاهرة ضمن سياق العلاقات البين فردانية و الجماعية المؤسسة بين
الفاعل التعليمي و المتعلم، و كأن بالمدرسة كمؤسسة محايدة افتراضا لا تعكس
الواقع السياسي القائم و لا تدخل ضمن الأجهزة الأيديولوجية للدولة؛
فعندما نعود للبيداغوجية المؤسساتية التي يعتبر «سيلستان فريني» أحد
روادها، نجد أنها انطلقت في بناء التعلمات لدى المتعلمين من الطريقة
البيداغوجية الطبيعية التي تستلهم مقوماتها من الواقع الاجتماعي و الثقافي،
و من البيئة المحلية المحيطة بالمؤسسة المدرسية؛ و عملت بالتالي على
تحويل القسم إلى مجتمع صغير بلاتجانسه الطبقي و السوسيووجداني و باختلافاته
المعرفية المجسدة في سلوكات المتعلمين، اعتقادا منه بإمكانية التقليص من
حدة هذه الفوارق الطبقية و الثقافية و المعرفية باعتماد سيكولوجية تساهم في
تفجير الطاقات الإبداعية لكل المتعلمين والوقوف على الإمكانيات الذاتية
المتوفرة لديهم، وجعلهم في مستوى تجاوز السلطة المركزية للمدرس بواسطة
المشاركة المستمرة و الدائمة في بناء تعلماتهم الشخصية كما هو الشأن في
نموذج التدريس بواسطة الكفايات و بيداغوجية الادماج كإطار منهجي لها.
لنوضح هذا الأمر:
كما هو معلوم تعتبر السلطة من منظور البيداغوجية المؤسساتية ظاهرة
سيكولوجية و ترابطية، و تشكل هذه المسلمة القاعدة المركزية في البيداغوجيات
التجمعنية، أما المؤسسة ما هي إلا اختزال خداعي: من المجتمع الى تجمع
للأفراد، و من العلاقات الطبقية الى علاقات قائمة بين الأفراد مرتكزة على
بنيات سيكولوجية تميز كل شخصية من الشخصيات المستهدفة في داخل المؤسسة
المدرسية مستهدفة الوقوف عليها و تنقيحها بما ينسجم و الرهانات المنتظرة.
فمقولة تغيير الفرد من أجل تغيير المجتمع تعد الفكرة القاعدية الثانية لهذه
التوجهات البيداغوجية التجمعنية التي تطرح المشكل السياسي للمدرسة كاصطلاح
تنظيمي للعمل البيداغوجي، و للسلطة المؤسساتية الممارسة داخل المدرسة
كفضاء تربوي وتعليمي تعلمي؛ و ذلك من منطلق تغيير سلوكات المتعلمين داخل
الجماعة الصفية، و الفعل في لاشعورهم بواسطة دينامية الجماعة التي تستهدف
تذويب الخلافات السوسيووجدانية و الطبقية تحقيقا للتجانس؛ و هذه الاختيارات
المعتمدة كاستراتيجية عمل لا يمكن المراهنة عليها في تغيير المجتمع و
التحضير بالتالي لقيام مجتمع مناهض للنظام الرأسمالي ولأجهزته
الأيديولوجية؛
نعتقد في ما حاولنا إبرازه في هذه القضية أن الفرد و العلاقات بين الأفراد
لا يشكلان بؤر اهتمام لا بالنسبة للمجتمع، و لا بالنسبة للمدرسة، بالرغم
من الأهمية التي يفترض أن يلعباها في التنظيم البيداغوجي للعلاقات الصفية
داخل المؤسسة التربوية؛ فالمجتمعات الرأسمالية و الأجهزة التي تسخرها
لخدمة مصالحها المركزية لم تؤسس على العلاقات بين الأفراد و لكن تبنى من
خلال العلاقات بين الطبقات الاجتماعية المحكومة لنمط الإنتاج المهيمن؛ إن
السؤال السياسي الحقيقي في تصورنا و الذي يجب ان نطرحه في هذه الورقة، لا
يكمن في ماهية السلطة التربوية بما هي علاقات بين الأفراد، و لكن في نوعية و
طبيعة الهيمنة الرأسمالية و الأشكال التراتبية التي تمأسسها الطبقة
الحاكمة من خلال المناهج و البرامج و القيم المروجة لضمان مصالحها
الأيديولوجية.
فالمشكل السياسي بالنسبة للمدرسة عموما لا يكمن في السلطة التربوية التي
تلعبها القيادة المجسدة في المدير و المفتش والمدرس، و إنما في كيفية تكييف
الجهاز المدرسي مع حاجيات الاقتصاد الرأسمالي. فطرح المشكل السياسي كشكل
من أشكال السلوك البشري القائم داخل جماعة العمل، يعني إخفاء الهيمنة التي
تمارس على المدرسة كاسمنت أيديولوجي، و حجب الحقيقة التالية: أن تغيير
المدرسة يتم عبر الصراع الطبقي و ليس بواسطة تغيير عقلية الأفراد و سلوكهم
النفسي الاجتماعي بواسطة تقنيات بيداغوجية.
لنتمم مناقشة هذه الفكرة:
يقول «برنارد شارلو و مادلين فيجا: [ في كتابهما:مدرسة للمزاد العلني]: «
نحن لا نؤكد عدم جدوى النضال داخل المؤسات المدرسية الرأسمالية، مادام
المجتمع لم يتغير، و لكن وجب علينا معرفة في أي إطار سنناضل؟، أن نناضل هنا
و حاليا يعني النضال ضد المحتويات المدرسية و الطرق البيداغوجية و البنيات
التي تحكم التقسيم الرأسمالي للعمل، و ليس من اجل وهم نقصد به سلطة في
مقابل تفتح وانفتاح يصبو نحو صقل المواهب الكامنة في شخصية المتعلمين؛
فالنضال داخل المدرسة يجب أن يكون شكلا من أشكال النضال الطبقي». انتهت
القولة؛
مفاد هذا القول بان التغييرات والتجديدات التربوية لا يمكن اعتبارها أساس
التغيير السياسي داخل المجتمعات الرأسمالية التي تحتكر وسائل الإنتاج وقوى
الإنتاج؛ و إنما هي إجراءات تقنية وبيداغوجية تفضي إلى التقليص من حدة
الفوارق الفردية الموجودة بين المتعلمين و بشكل نسبي، و لكنها لا تقضي على
الفوارق الطبقية الموجودة بين المتعلمين.
إيمانا منا بان الرهان على الإصلاح البيداغوجي بمعزل عن الإصلاح السياسي لا
يمكن إلا أن يساهم بشكل كبير في إعادة إنتاج تخلفنا التربوي، و بالتالي
تكريس الوضع القائم بين أبناء الطبقات المتميزة وأبناء المغبونين معرفيا و
ثقافيا واقتصاديا.
د. محمد لمباشري *
*أستاذ علوم التربية
الاتحاد الاشتراكي - 29 - 9- 2011
الدراسات السوسيوتربوية التي اشتغلت على المدرسة، و على الوضع المأزمي
الذي تعيشه، بتعدد الاتجاهات و المواقف البارزة في هذا المجال، و اختيارنا
لهذا الموضوع السوسيوتربوي بالذات جاء كهدف نريد من خلاله توضيح الجدالات
القائمة بين مجموعة من البيداغوجيين و السوسيولوجيين التربويين حول وظائف
المدرسة و الرهانات المعقودة عليها في تحقيق التنمية المستديمة داخل
المجتمعات التي تنتمي إليها، خصوصا ما بين وظيفة معاودة الإنتاج لنفس
علاقات الإنتاج المتجلية كواقع في بنية المجتمع و تراتبيته الاقتصادية و
الثقافية، انطلاقا من الخلفية الأيديولوجية و الفلسفية التي يسلم بها كل
رائد من رواد هذه الاتجاهات، و ما بين وظيفتها الطلائعية الثورية في
مناهضة ما هو سائد كقيم و كسلوكات تنتمي لقانون الغاب و لمبدأ الاصطفاء
التعسفي كما هو قائم كطرح في التوجهات البيداغوجية المؤسساتية.
لقد حاول مجموعة من الباحثين الذين ينتمون لحقل سوسيولوجية التربية بفرنسا
في أواخر الستينات و بداية السبعينات من القرن الماضي [ نذكر على سبيل
المثال لا الحصر: بيار بوديو و بول باسيرون في كتابهما : الورثة؛ بيرنارد
شارلو و مادلين فيجا:» مدرسة للمزاد العلني»، و جورج سنيدر: المدرسة
والسلطة و الصراع الطبقي، و بودلو و ستابليت: المدرسة الرأسمالية
بفرنسا]» أن يبرزوا ضمن أطروحاتهم المركزية، طبيعة المدرسة الرأسمالية في
فرنسا عبر تطورها التاريخي بين وظائفها الأيديولوجية التي يتحكم فيها نمط
الإنتاج الرأسمالي ، و ما بين المغالطات التي سقط فيها بعض الممارسين
البيداغوجيين و المنظرين التربويين من موقع تعاملهم مع المؤسسة المدرسية
كأداة لتغيير المجتمع، وذلك عن طريق المطالبة بالنضال من داخلها، إيمانا
منهم بأنه لكي نغير المجتمع يجب الفعل في الفرد. و الواقع أن رواد هذه
البيداغوجية المؤسساتية [ فريني ? لابرو- مانديل ?لابساد...] انطلقوا في
تحليلاتهم من مبدأ السلطة كظاهرة سيكولوجية و ترابطية قائمة داخل الفضاء
المدرسي و المجسدة كسلوك يومي و علائقي قائم بين الفئات المستهدفة و
الفاعلين التربويين؛ على اعتبار أن السلطة في نظرهم تشكل أساس النظام
الرأسمالي و المدرسة الرأسمالية، لذلك نجدهم يطالبون بالنضال ضدها عبر
ابتكار تقنيات بيداغوجية جديدة من جهة، و تقنيات سيكولوجية مستقلة و ثورية
من جهة أخري، تحاول في امتداداتها الفضائية داخل المؤسسة المدرسية أن تدرب
المتعلمين على التفتح و الانفتاح بواسطة التعبير غير المقيد بتنميطات
بيداغوجية إكراهية، و تسعى في مستواها العام إلى تحرير الأفراد من تجليات
البيداغوجية التقليدية و العمل على انفتاح إمكانياتهم الذاتية و كفاءاتهم
المعرفية و المهارية و العقلانية ضمن عمل تشاركي و جمعي يقصي الاتجاهات
الفردانية و يهيئ للمجتمع الاشتراكي المعول عليه، و هو الرهان الذي حاول كل
من سيلستان فريني ? لابساد ? انري ? مندل و غيرهم أن يعقدوا عليه العزم من
أجل تحرير المجتمع من براثين السلطة القهرية المفروضة داخل المجتمع
الفرنسي و الأوروبي في بداية القرن العشرين.
و هكذا اعتمدت أغلب هذه البيداغوجيات كمذهب و كتوجه أيديولوجي على البعد
السيكولوجي الثوري كاختيار بيداغوجي لتفتيق مواهب الأطفال الذين ينتسبون
للمؤسسة المدرسية، و تهييئهم للتغيير المراهن عليه بالنسبة للمجتمع
الرأسمالي بما يستجيب لانتظاراتهم الأيديولوجية، و لكنهم [ أي رواد هذه
البيداغوجيات] اغفلوا التحليل السياسي الحقيقي لعلاقات الإنتاج و قوى
الإنتاج داخل المجتمعات الرأسمالية في علاقتها بالمؤسسات الأيديولوجية
[المدرسة نموذجا]؛ كما تعاملوا مع السلطة داخل المدرسة العمومية كعلاقة
بين فردانية قائمة داخل جماعة الفصل الدراسي، و ليس كعلاقات طبقية مجسدة في
الصراع الطبقي و في أنماط الاحتكار و الاستغلال التي تفرضها الطبقات
الحاكمة على الأفراد المستضعفين و المغبونين ثقافيا و معرفيا؛ و هو ما
جعلهم يسقطون في التحليلات الميكروسوسيولوجية لمتغير السلطة، واصطبغت وجهة
نظرهم بصبغة تحريفية و خداعية، مختزلين الصراع الطبقي في صراع بين فرداني
متجسد في أقطاب المثلث الديداكتيكي [ المدرس و المتعلم و المعرفة المدرسية]
و في المتن المعرفي و المهاري الموجه تحديدا للفئات المستهدفة في منظومة
التربية و التكوين خصوصا الأطفال غير المتميزين اقتصاديا و ثقافيا.
و بالرغم من المكتسبات التي حققها رواد و منظرو و ممارسو هذه البيداغوجيات
الجديدة على مستوى المماراسات القائمة في صلب المؤسسات التعليمية التعلمية،
و الأدوار الممنوحة لكل مكون من مكونات العملية الديداكتيكية كما هو قائم
كإجراء حاليا في تجربتنا التربوية التكوينية من خلال عقد الرهان على
بيداغوجية الادماج كإطار منهجي و تطبيقي لبيداغوجيا الكفايات، فإن نتائجهم
ظلت محدودة الأفق على المستوى السياسي البراكسيسي.
يبقى أن نتساءل في ظل هذا التقديم:
1. هل الفعل في المدرسة من الداخل ـ اعتمادا بطبيعة الحال على بيداغوجية
الكفايات و غيرها ـ كفيل بتغيير بنيات المجتمع و القضاء على التقسيم
الاجتماعي و الأيديولوجي للعمل؟
2. بما أن المؤسسة المدرسية جهاز أيديولوجي للدولة، فهل تعمل فقط على
معاودة إنتاج نفس علاقات الإنتاج السائدة داخل المجتمع، أم أنها وجه من
أوجه الصراع الأيديولوجي، وبالتالي يمكن إدراجها ضمن الحركة العامة للصراع
الطبقي داخل المجتمعات الرأسمالية؟.
3. و هل يمكن للإطارات المنهجية البيداغوجية المعتمدة في الإصلاحات
التربوية التكوينية كإجراءات تقنية ومنهجية كفيلة بالتقليص من حدة الفوارق
الفردية و الجماعية و السوسيووجدانية الموجودة بين المتعلمين، و بالتالي
ضمان مبدأ التكافؤ في الفرص التعليمية التعلمية بالنسبة للجميع بالرغم من
اختلاف انتماءاتهم الطبقية و السوسيوثقافية.
لقد خلصت بعض الكتابات و الدراسات المهتمة بالموضوع المستهدف في هذه
الورقة إلى المسألة التالية: أن المنطلقات النظرية التي اعتمدها الاتجاه
المؤسساتي البيداغوجي تكتسي نوعا من المنطق الخداعي، إذ اختزلوا مفهوم
السلطة كظاهرة ضمن سياق العلاقات البين فردانية و الجماعية المؤسسة بين
الفاعل التعليمي و المتعلم، و كأن بالمدرسة كمؤسسة محايدة افتراضا لا تعكس
الواقع السياسي القائم و لا تدخل ضمن الأجهزة الأيديولوجية للدولة؛
فعندما نعود للبيداغوجية المؤسساتية التي يعتبر «سيلستان فريني» أحد
روادها، نجد أنها انطلقت في بناء التعلمات لدى المتعلمين من الطريقة
البيداغوجية الطبيعية التي تستلهم مقوماتها من الواقع الاجتماعي و الثقافي،
و من البيئة المحلية المحيطة بالمؤسسة المدرسية؛ و عملت بالتالي على
تحويل القسم إلى مجتمع صغير بلاتجانسه الطبقي و السوسيووجداني و باختلافاته
المعرفية المجسدة في سلوكات المتعلمين، اعتقادا منه بإمكانية التقليص من
حدة هذه الفوارق الطبقية و الثقافية و المعرفية باعتماد سيكولوجية تساهم في
تفجير الطاقات الإبداعية لكل المتعلمين والوقوف على الإمكانيات الذاتية
المتوفرة لديهم، وجعلهم في مستوى تجاوز السلطة المركزية للمدرس بواسطة
المشاركة المستمرة و الدائمة في بناء تعلماتهم الشخصية كما هو الشأن في
نموذج التدريس بواسطة الكفايات و بيداغوجية الادماج كإطار منهجي لها.
لنوضح هذا الأمر:
كما هو معلوم تعتبر السلطة من منظور البيداغوجية المؤسساتية ظاهرة
سيكولوجية و ترابطية، و تشكل هذه المسلمة القاعدة المركزية في البيداغوجيات
التجمعنية، أما المؤسسة ما هي إلا اختزال خداعي: من المجتمع الى تجمع
للأفراد، و من العلاقات الطبقية الى علاقات قائمة بين الأفراد مرتكزة على
بنيات سيكولوجية تميز كل شخصية من الشخصيات المستهدفة في داخل المؤسسة
المدرسية مستهدفة الوقوف عليها و تنقيحها بما ينسجم و الرهانات المنتظرة.
فمقولة تغيير الفرد من أجل تغيير المجتمع تعد الفكرة القاعدية الثانية لهذه
التوجهات البيداغوجية التجمعنية التي تطرح المشكل السياسي للمدرسة كاصطلاح
تنظيمي للعمل البيداغوجي، و للسلطة المؤسساتية الممارسة داخل المدرسة
كفضاء تربوي وتعليمي تعلمي؛ و ذلك من منطلق تغيير سلوكات المتعلمين داخل
الجماعة الصفية، و الفعل في لاشعورهم بواسطة دينامية الجماعة التي تستهدف
تذويب الخلافات السوسيووجدانية و الطبقية تحقيقا للتجانس؛ و هذه الاختيارات
المعتمدة كاستراتيجية عمل لا يمكن المراهنة عليها في تغيير المجتمع و
التحضير بالتالي لقيام مجتمع مناهض للنظام الرأسمالي ولأجهزته
الأيديولوجية؛
نعتقد في ما حاولنا إبرازه في هذه القضية أن الفرد و العلاقات بين الأفراد
لا يشكلان بؤر اهتمام لا بالنسبة للمجتمع، و لا بالنسبة للمدرسة، بالرغم
من الأهمية التي يفترض أن يلعباها في التنظيم البيداغوجي للعلاقات الصفية
داخل المؤسسة التربوية؛ فالمجتمعات الرأسمالية و الأجهزة التي تسخرها
لخدمة مصالحها المركزية لم تؤسس على العلاقات بين الأفراد و لكن تبنى من
خلال العلاقات بين الطبقات الاجتماعية المحكومة لنمط الإنتاج المهيمن؛ إن
السؤال السياسي الحقيقي في تصورنا و الذي يجب ان نطرحه في هذه الورقة، لا
يكمن في ماهية السلطة التربوية بما هي علاقات بين الأفراد، و لكن في نوعية و
طبيعة الهيمنة الرأسمالية و الأشكال التراتبية التي تمأسسها الطبقة
الحاكمة من خلال المناهج و البرامج و القيم المروجة لضمان مصالحها
الأيديولوجية.
فالمشكل السياسي بالنسبة للمدرسة عموما لا يكمن في السلطة التربوية التي
تلعبها القيادة المجسدة في المدير و المفتش والمدرس، و إنما في كيفية تكييف
الجهاز المدرسي مع حاجيات الاقتصاد الرأسمالي. فطرح المشكل السياسي كشكل
من أشكال السلوك البشري القائم داخل جماعة العمل، يعني إخفاء الهيمنة التي
تمارس على المدرسة كاسمنت أيديولوجي، و حجب الحقيقة التالية: أن تغيير
المدرسة يتم عبر الصراع الطبقي و ليس بواسطة تغيير عقلية الأفراد و سلوكهم
النفسي الاجتماعي بواسطة تقنيات بيداغوجية.
لنتمم مناقشة هذه الفكرة:
يقول «برنارد شارلو و مادلين فيجا: [ في كتابهما:مدرسة للمزاد العلني]: «
نحن لا نؤكد عدم جدوى النضال داخل المؤسات المدرسية الرأسمالية، مادام
المجتمع لم يتغير، و لكن وجب علينا معرفة في أي إطار سنناضل؟، أن نناضل هنا
و حاليا يعني النضال ضد المحتويات المدرسية و الطرق البيداغوجية و البنيات
التي تحكم التقسيم الرأسمالي للعمل، و ليس من اجل وهم نقصد به سلطة في
مقابل تفتح وانفتاح يصبو نحو صقل المواهب الكامنة في شخصية المتعلمين؛
فالنضال داخل المدرسة يجب أن يكون شكلا من أشكال النضال الطبقي». انتهت
القولة؛
مفاد هذا القول بان التغييرات والتجديدات التربوية لا يمكن اعتبارها أساس
التغيير السياسي داخل المجتمعات الرأسمالية التي تحتكر وسائل الإنتاج وقوى
الإنتاج؛ و إنما هي إجراءات تقنية وبيداغوجية تفضي إلى التقليص من حدة
الفوارق الفردية الموجودة بين المتعلمين و بشكل نسبي، و لكنها لا تقضي على
الفوارق الطبقية الموجودة بين المتعلمين.
إيمانا منا بان الرهان على الإصلاح البيداغوجي بمعزل عن الإصلاح السياسي لا
يمكن إلا أن يساهم بشكل كبير في إعادة إنتاج تخلفنا التربوي، و بالتالي
تكريس الوضع القائم بين أبناء الطبقات المتميزة وأبناء المغبونين معرفيا و
ثقافيا واقتصاديا.
د. محمد لمباشري *
*أستاذ علوم التربية
الاتحاد الاشتراكي - 29 - 9- 2011
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى