صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين Echo de Zouakine
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجو منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا ...اذا لم تكن قد تسجلت بعد نتشرف بدعوتك للتسجيل في المنتدى.
صدى الزواقين Echo de Zouakine
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لسـان الطائـر

اذهب الى الأسفل

لسـان الطائـر  Empty لسـان الطائـر

مُساهمة من طرف said الأحد 30 أكتوبر 2011 - 14:01

اعتادت
ريحانة أن تنصت لزوجها السي الكبير دون أن تقاطعه. تنتظر طويلا في بعض
الأحيان لتقول كلمة قصيرة فلا تجد فرصة. غالبا حينما ينهي كلامه تكون هي قد
تعبت فتهرب إلى فراشها قبل أن يلتقط أنفاسه و يستأنف الحديث من جديد.لا
شيء يثيرها فيه أكثر مما يحكي لها عن الطيور حتى أنه يبدو لها (كما قالت
مرات عديدة) أنه عاش في غابة وعاشر كل أصناف الطير وتعلم لغاتها، لكنها لم
تدر لماذا سكت حينما حط على الجدار الأمامي للبيت طائران صغيران ملونان
واستغرقا يتحدثان، ويحركان جناحيهما المرصعين بخفة ورشاقة. هل عاد إليه
الخوف أم سمع شيئا لم يرضه وخشي أن يخبرها؟
تملكتها الحيرة وجعلت
تتأمل وجهه من غير أن تقول كلمة. هل نسي لغة الطير؟ من غير الممكن أن يكون
نسيها خلال أسبوع واحد. هل خاف على ابنه وقد تعافى الآن واستعاد عافيته؟ إن
مرضه حقا كان شديدا إلى حد أنه كان كلما عاد من العمل مساء سألها قبل أن
يدخل ليرى إن كان مازال على قيد الحياة، فترد بالإيجاب ويرفع رأسه نحو
السماء طالبا من الله أن يشفيه من علته عاجلا.
لاحظت ريحانة أنه
قلق وعرفت أنه يتخوف من مجيء البوم قرب داره. نصحته كثيرا بأن ينسى هذا
الطائر الذميم، لكنها كانت كمن يدق الماء في المهراز. حكى لها (كما تذكر)
أنه جاء ذات ليلة وكان أخوه على فراش المرض. حط على شجرة الصفصاف الباسقة
القريبة من الباب وظل صامتا إلى أن التحق به رفيقه (أو رفيقته)، رآهما تحت
ضوء القمر مثل كرتين سوداوين. تحدثا قليلا ثم طارا و اختفيا بسرعة في
الظلام. قال بامتعاض شديد إنه سيء وقبيح الصوت ، يقيم بالأماكن الخالية
المقفرة، ولا يظهر إلا أثناء الليل، نعيقه نذير شؤم ولا ينطق بشيء سوى
الموت والخراب. أصابها الرعب آنذاك حينما أخبرها أنه لم يخطئ ما سمع إذ لقي
أخوه حتفه بعد أيام. سألته و هي تتطلع إلى معرفة السر:
- كيف عرفت أنهما كانا يتحدثان عن أخيك؟
أجاب بدون مواربة :
- والله أنا نفسي لا أعرف ولا أصدق، لكن الأكيد هو أن بعض الناس، وهم قليلون، يفهمون لسان الطير، ربما لكثرة معاشرتهم للطيور.
- هذا أمر غريب وأنا لم أسمع به من قبل سوى في الخرافات والأحاجي التي كانت تحكى لنا ونحن صغار.
-
المهم يا ريحانة أن هذا لا يتاح لكل الناس، أنا أحب الطيور وأفهم لغتها،
إنها تتكلم بحرية ولا تحاسب نفسها على ما تقول، لو أننا كنا مثلها لكنا
سعداء.
توقف هنا ولم يحدثها عما وقع بعد ذلك. لكنها الآن وهي ترى
معه الطائرين الصغيرين الملونين على رأس الشجرة رغبت في سؤاله. لم تندفع
وظلت تقاوم رغبتها لحظات طويلة. كان كل شيء باديا في عينيها. لاشك أنه عرف
ما يقولان. إنه يهتم بالطيور، واهتمامه بها يفوق اهتمامه ببيته، لكنه لا
يضعها في أقفاص، فهو يمسكها أحيانا فيداعبها ويطعمها ثم يتركها لتسيح في
السماء. بدا في لحظة ما متوترا كمن حاصرته نيران حارقة من كل جهة، فلم
تتردد ريحانة وسألته عما به. رد عليها بصوت مهموس :
- أنا إنسان ضعيف لا أسمن ولا أغني من جوع.
اهتزت من الخوف و تساءلت:
- ماذا بك يا رجل؟
- حقا أنا ضعيف ولا أستطيع أن أقول كل شيء.
- ماذا سمعت؟
-
هذا الطائر الجميل عرف أنني فهمت كلامه ، لذلك حذرني من أن أحكيه لغيري،
وهذا حدث لأناس آخرين غيري، ذلك أنني إن حكيته إما أن أصاب أنا بأذى أو
يصاب به من أخبره، أو نصاب به معا.
مالت برأسها و قالت هازئة:
- هذا كلام خرافات. أنا سمعته من قبل، أخبرني ولن يحدث لنا ما يضرنا.
الأذى لا يمكن أن يأتي من هذا الكائن الناعم الذي يبدو من بعيد مثل
طائر نقار الخشب الذي يقال إن له لسانا طويلا يسعفه على التقاط الطعام، كما
يسعفه على إبلاغ الكلام لمن يشاء دونما صعوبة. لم يكن لدى ريحانة أي
ارتياب، ومع ذلك خاطبت السي الكبير بلهجة جادة :
- أراك مضطربا، هل سمعت منه سوءا؟
ثم حركت حاجبيها وقالت :
- لاشك أن الطائر الذي يوجد على اليسار هو الذي أزعجك.
- تماما. الطائر الذي يغلب عليه اللون الأصفر.
- إنه كثير الحركة، وصفرته داكنة جدا، لهذا يكاد يكون مثل البوم، وربما يكون مثله أيضا في السوء.
- كلا ، إنه ناعم و مرصع كما ترين.
- كل الطيور تبدو ناعمة، لكن فيها من يفتك ويسفك الدماء مثل النسر، والغراب الذي لا يحتمل النظر إليه أحد، أليس كذلك؟
رفع رأسه قائلا :
- أنا آسف لمن لا يفهم الطيور، وأبو العلاء كان حزينا جدا حينما سمع صوت حمامة ولم يفهمه فقال :
أبكت تلكم الحمامة أم غنت
على فرع غصنها المياد
ثم أضاف بعد صمت قصير :
- دعينا الآن من هذا الكلام، واعلمي أنني لا أمزح عندما أخبرتك أن الأذى سيصيبنا إذا كشفت عما سمعت.
ردت عليه بشجاعة قلما تتاح لها :
- وليكن، لا بأس من الأذى إذا كان من أجل أن نعرف.
بدت ريحانة وقد تحدت حاجز التردد والخوف، وأصرت على أن تعرف ولو كان
الثمن صحتها. فكر السي الكبير طويلا ولم يجد بدا من أن يجهر بالحقيقة. دنا
من وجهها وقال :
- لا تقلقي، لا تنزعجي، اطمئني واريحي بالك، الطائر الأصفر الناعم قال خيرا.
رأى جسدها ينتفض وهي تتساءل :
- ماذا قال ؟ أسرع..
أمسك بيدها ورد بهدوء :
-
إنسي طائر البوم الملعون، الطائر الجميل اللين قال إن ابنك سيكون من أكبر
أثرياء البلد، سيمتلك ثروة هائلة ، و ذلك لأنه سيدير شركة كبرى تقوم
ببيع الأعضاء البشرية في كل أنحاء العالم.
تساءلت و يداها ترتعشان:
- ماذا؟
- كما تسمعين.. هذا الأمر لم يعد يخفى على أحد.
توقع السي الكبير أن تصرخ زوجته من الابتهاج و يغمر صوتها كل أحياء
المدينة، لكنها ابتأست وانقبض وجهها و لاح على محياها الاستياء و هي تقول:

- غير معقول.. ألم تخبرني أن ابننا سيكون فقيها يعلم الصبيان حروف
الهجاء ويحكي لهم عن أسرار الناس والحياة ، و أنه بذلك سيحوز رضا الله
والعباد؟ و أنت تذكر كم سعدت بهذا الخبر.
- عليك أن تسعدي الآن أيضا بما سمعت مني.
- هل تسخر مني ؟
- أبدا.. هذه هي الحقيقة.
لم يخطئ، فكما نقل على لسان الطائر الناعم الذي يشبه تماما نقار
الخشب، صارت لابنهما ثروة هائلة جمعها في بضعة شهور لا يستطيع أن يجمعها و
لو أمضى كل العمر في تعليم الصبيان. لم يصب ريحانة أذى، وخالت ما حدث حلما
أو خرافة ، لهذا استرسلت تسأل بلا خوف، لكن السي الكبير كف عن الكلام
وبدا كأن لسانه شل بالكامل، فلا شك أنه خشي أن يصيبه الأذى إن هو رد عن
سؤال أو كشف عما تبقى لديه من أسرار.
28/10/2011- العلم الثقافي

لسـان الطائـر  Info%5C221028201132010PM2
محمد غرناط


said
said
مشرف (ة)
مشرف (ة)

ذكر عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى