من يبنى التاريخ ؟

لنا القدرة بعدما أرسلنا للحياة وتعلمنا ما لم نعلم ،لنسمي كل شيء حسب المشاهدة والإحساس والأعمال الملموسة بالتجربة والاحتكاك والعلم ، فالجغرافيا مثلا مادة تعين وتساهم فى الحركة البشرية وتساند الإنسان فى وجوده والحفاظ على مكونات وهى جزء لا يتجزأ من المشاريع المهمة فى العيش والمعيشة ..أما التاريخ فهو خارج إطار الماديات والروحيات ولا يندمج مع خصائص الإنسان ولا يغير حكايات الناس فى حيزهم الضيق ..فالتاريخ بلا روح وبلا ضمير لانأسف عليه ولا يتأسف علينا لا يفهم ولا يتفهم وضعيتنا المعقدة ،لن يوصف بالمنطق ولا يقع بالدقة الصالحة والمصلحة ..لو فحصناه سنجده متقلب المزاج ومبنيا على أسس وضعت فى كتلة المواطنين ونشعر أنه لا يعقل ..هذه الأسس تسيطر عليه طواعية دون صدورها من لبه ،توجهه ضد من شاء أو رفض حتى يبدو التاريخ أنه من التوابع مثلنا فيحتاج لعدالة لا يقبلها لأنها ستركنه فى الجمودالمحبوس ..فهناك مادة واحدة وجهت التاريخ ككتلة زمنية تطوق البشرية بصفتها ..فإن كان التاريخ يؤرخنا ويؤرقنا فحتما ستكون فيه تلك المادة تذكيه لنخضع لفرضياته التى لا تنبع منه ..فهذه المادة التى تقومه بمعزل عن الصواب والخطأ ليحشر العباد فى حقبه وهياكله :هي الأذى ..فالأذى يعتمد فى التاريخ ويسر وجوده كسرد لسرابه فتاريخ الحروب وثورات الإيديولوجيات والتطاحنات الدينية وغيرها اعتمدت على الأذى ..أذى ينسخه ويلون ذاته التى لا ترى .
خروج آدم من الجنة أذى واقتتال قابيل وهابيل أذى ..ولكي أثبت قيمة الأذى فى التاريخ نجد الخير والإصلاح لا يغيران التاريخ لأنهما سيطحنان بأذى ينمو حتى يجد قاطفه وهذان الطيبان النادران يجمدان المنافسة والصراع وربما مسحا النغمة التاريخية من الدنيا ..قد نجد دولة متقدمة إلى أبعد الحدود لكنها تحتوى على الأذى المبنج ولا يفيق إلا بالتراكمات ،سبب الدفاع والحماية والمقاومة ونشر السياسة والدين أذى ..وحتى الرسول (ص) ترك مكة بسبب الأذى وحارب الكفار لأنهم اعتدوا عليهوعلى المسلمين ..فتاريخ الأمم الغابرة والحاضرة كانت سيره فيها أذى .
كل حكام العالم والمسيطرون على شعوبهم مهددون بالأذى ..فكلما تجمع المواطنون بسبب الأذى وأهلكهم تمترسوا فى قوة واحدة ليحاربوا من ادعى العدل والبقاء على رؤوسهم ويبدلوا تاريخهم ..ولا ننسى أن الأذى يلف المضرورين المقهورين حول محور يكتنز بالدعم ليؤدي تعليمات سطور التاريخ ويكبح حوافر تاريخ قبله .
فالذى يحلم بالمدينة الفاضله وبالدولة الطاهرة سيحذف التاريخ ويلغيه من تسلسله فى الاستمرار ،فالمعروف والخير لا يغيران قرونا تطحن الآدميين ولو أن الخلق أمروا لنشرهما ..أعتقد إن وفقت أن أغلب مظاهر التاريخ وتقلباته وتبديل مجاريه الزمنية عبر العصور تبنى على الأذى وما الفضيلة والعدالة إلا نشاز وندرة فى مادة قمعية لا تتعامل بهما .
خلاصة القول : إن الأذى الخاص لا يؤثر فى تاريخنا لأنه يضر فردا فردا ولا يحرك إلا الغضب المحلي المحدود فى إطار الحزن والصبر على ما أصابه فى زمن قصير يقلب مع اليوميات ويذوب مع شرق وغروب ولا يرقى للإثارة ..أما الأذى العام الذى يضرب شريحة واسعة من المواطنين يهز حرارة أركان الدماء فيجتمعون ويتضامنون ويلتحمون رغم اختلافهم وتناقض تياراتهم لتهتز الصورة التاريخية فى أحوالهم إلى تغيير يقلبهم إلى تاريخ جديد بني على الأذى؟؟...