البغل....وفن الغراب..!

ولد البغل فى منطقة بدوية وبين حيوانات أليفة ..كبر طبيعيا بطبعة بهيمية جسما وصوتا وتعاملا ..سمع كالعادة حكايات كثيرة تصف الوحوش والطيور ..استغرب من أنها لم تتغير ولم تجرؤ على استبدال موروثاتها الفطرية المفروضة ..نفس مواء القطط ونباح الكلاب وعواء الذئاب وزئير الأسود وثغاء الخرفان ونهيق الحمير وخوار الأبقار وزقزقة الطيور ولقلقتها ..لا ثائر ينشد تحولا يعتقه من الروتين البكماوي ..ولا مغامر شجاع يحول هذه الحيوانات البريئة البرية من مكتسبات طويلة الأمد إلى تطور ينعش الأرواح المكبوتة فى قمقم الحياة أو على الأقل يمكنها من صفات جديدة تمسح الإرث القديم .
اختلى البغل فى انفراد كئيب كلم نفسه المألوفة ؛غضب عليها وعلى شكلها المكتوب بين البشر والحجر ..عزم كل العزم ليرقى وينآى عن الآخرين لترتفع قيمته بين حزنه عليهم وشوقه للتغيير .
قرر البغل أن يجعل من صوته مصدر رقيه وفنا يبهر أترابه ..فن يسمع ويفهم بدل أصوات لا تعبر إلا عن المعيشة الضيقة ..ابتعد عن الأعين المتخلفة ..بدأ يتدرب فى خلوته ..ردد ما حسبه غناءا وفنا فاتنا ..انتفخت الأوداج وضغط على الشدقين بدندنة غليظة أوتارها المتعصبة ..غنى ..كرر ريتمه الغبي ارتعشت حنجرته بنبرات خشنة والأخشن مع الترديد ..فرح بصوته المبتكر من عقلية ساذجة ..أخفى تمارينه عن الحساد والوشاة خوفا من السخرية اللاذعة والمكسرة لكل ابتكار ..وهكذا انضبطت مواعيد التدريب والفخر بصوت يثلج صدر البغل المغرور .
وفجأة وقعت عليه عينا غراب فى صدفة ملعونة ..سمع طربه
الغراب : ها..ها..أنت غبي !
البغل يقطع أغنيته : لماذا ؟
الغراب : كيف سمحت لنفسك كي تغنى دون حضور السامعين لتقييم فنك ؟
البغل :أردت المفاجأة وأرجوك أن تكتم أمرى
الغراب :رائع ..فنك فى بئر
البغل : أشك فى صدقك
الغراب : لك وعد منى ..لن أفضح ابتكارك السجي ..وموعدنا الحفل العظيم
البغل : هل تظن أني سأستفيد من فنى ؟
الغراب : نعم ..أنت روعة فى التجديد
البغل : أرجوك لا تسخر منى ..ولا تلاعب شعورى الرهيف
الغراب : أؤكد لك أنك فنان كجدى الغراب الذى فقد الجبنة بالغناء
البغل : أنا لن أفقد الحبنة
الغراب : ستنجح ..لكن بشرط
البغل ما هو ؟
الغراب : لا يحلو الغناء بدون توابله
البغل :ما هي من أجل نجاحى ؟
الغراب : هي موضة اليوم ..الرقص ..عليك أن ترقص لتثير لواعج الجمهور العطشان
البغل : كيف أرقص ببدن مكتنز لحما ؟
الغراب : أرقص بحركات بسيطة
البغل : سأحاول ..إنها فكرة تزين فنى
الغراب :مع السلامة <وفى نفسه >بغل غبي
&&&&&&&&&&&&&&&&&&
فى اليوم الموعود.
الغراب : يا جمهورنا الطيب ..أقدم لكم فناننا البغل المبدع فى أغنية ورقصة
يظهر البغل بمشية مختلفة وكأنه يمسك القمة بذيله
البغل : شكرا للجمهور الكريم
تعالت التصفيقات والهتافات التى تتمنى التغيير ..غنى البغل ورقص كالبرميل ..ارتفعت السخرية ..أوه..أوه..أوووه
الغراب : أنت بليد وعقلك عقل عصفور ..ارحل قبل أن ينكل بك
هرب البغل ونجا من الانتقام ..لعن الغراب ..حلف أن لا يكرر ما فاق حدود الدنيا ..قرر العودة إلى البادية لينعم بأفضال سيده ..وفى طريقه هطلت الأمطار ..ابتسم وفرح بعام فلاحي خصب ..اختبأ تحت شجرة فى مكان يجهله ..وفى وحدته وسكون المنطقة تناسى نتيجة غبائه فانقلب باطنه الغبي ..استرد لذة الغناء بدل أن يجتر العلف أو الذكريات ..فضح نفسه ..رأى ذئبا حسبه سراب خوف ..لكن أنياب وعواء الذئب الخافت أيقظاه فى رعب فتذكر لعنة الغناء والجبنة التى ضاعت من منقار جد الغراب اللعين ..تيقن الآن أنه جبنة للذئب ..
ومن حسن حظه ظهر الغراب الذى هاجم الذئب
الغراب : ساعدنى لتنجو من هذا المفترس
تدخل البغل بالركل والرفس ..ففر الذئب
البغل : أشكرك ..ولو أنك سخرت منى
الغراب : ألم تتعلم أني من الطيور المنبوذة كالحدأة والبومة إلخ؟..وسوادى يدل على سواد سريرتى لكنى ندمت ولا أعرف السبب
البغل : تعلمت <البس اللى يواتيك >و <لا تعلق فين تفلق>