محمد الدريج: بيداغوجيا الإدماج لا يفهمها إلا المُوكَل له بتنزيلها
صفحة 1 من اصل 1
محمد الدريج: بيداغوجيا الإدماج لا يفهمها إلا المُوكَل له بتنزيلها
اتهم محمد الدريج الخبير المغربي في بناء المناهج التعليمية، صاحب
اقتراح بيداغوجيا الإدماج بالتسبب في إهدار الكثير من المال العام، داعيا
إلى جر صاحبها وشركته المكلفة بتنزيل بيداغوجيا الإدماج إلى المحاسبة
والمساءلة القانونية.
وأكد الدريج أن بيداغوجيا الإدماج التي سبق لوزارة التربية الوطنية
اعتمادها ولا تزال؛ تعد شديدة الغرابة، ذلك لأن لا أحدَ بإمكانه فهمها إلا
صاحبها الذي جاء بها إلى المغرب وشركته التي تشرف على تنزيلها في المؤسسات
التعليمية.
وشبه الدريج بيداغوجيا الإدماج في غرابتها بالنظرية النسبية التي لا
يستوعبها بالدقة اللازمة إلا صاحبها أنشتاين وثلاثة آخرين في العالم.
معتبرا أن ذاك هو حال بيداغوجيا الإدماج في المغرب، فظلت حبيسة دائرة
صاحبها وشركته التي نالت الكثير من الأموال مقابل تنزيلها.
وأضاف الدريج متحدثا خلال مداخلة ألقاها بمؤسسة علال الفاسي ضمن سلسلة
جلسات تنظمها المؤسسة في موضوع المدرسة المغربية العمومية الواقع والآفاق
أن صاحب بيداغوجيا الإدماج وشركته وضعت وزارة التربية الوطنية اليوم أمام
مطب حقيقي يصعب الخروج منه دون تداعيات تكون جد خطيرة على مستقبل المدرسة
المغربية.
وقال أن بيداغوجيا الإدماج لم تحظ بتعبئة الهيئات الفاعلة في مجال
التربوية لغرابتها وعدم استيعابها وكذا لأنها لم تلق الترحيب حتى من قبل
الفئات التعليمية المستهدفة. وبالرغم من ذلك كلفت ميزانية الدولة الكثير من
الأموال العمومية مقابل تنزيلها بالإشراف على وضع برامج التكوين المستمر
وإعداد الدلائل والبرامج والكتب المدرسية.
ودعا الدريج صاحب كتاب التدريس الهادف وزارة التربية الوطنية إلى
اعتماد رؤية علمية وأكثر عقلانية في تدبير إشكالية بيداغوجيا الإدماج، لأن
المسألة بحسبه بالغة الخطورة.
وأضاف أن الخروج من هذا المطب يستوجب رؤية
وبعد نظر للخروج منه دون انعكاسات وتداعيات خطيرة على المدرسة المغربية،
ولتفادي أي تداعيات سلبية تترتب عن التخلي الفجائي عنها ونحن في منتصف
الموسم الدراسي. وكذلك للحفاظ على مصداقية المنظومة التعليمية المغربية.
وأشار أن البيداغوجيا التي جيء بها شكلت خطأ استراتيجيا وتربويا وكلفت
الكثير من أموال الدولة، وهو ما يستدعي وضع صاحبها قيد المسالة والمحاسبة.
واعتبر الدكتور محمد الدريج في مداخلته بعنوان تطوير المناهج الدراسية
في المنظومة التعليمية المغربية "المنهاج المندمج للمؤسسة نموذجا" أن الرقي
بمنظومتنا التعليمية يستدعي بالضرورة الخروج من دوامة استيراد النظريات
الخارجية الجاهزة والخبرات الأجنبية، وحتى وإن كان أمر الاستفادة من
النماذج والنظريات الدولية إلا أنه لا يجب أن يكون النقل حرفيا لهذه
النماذج والنظريات التربوية، حتى وإن تكن صالحة في بيئاتها فإن لا تستجيب
بالضرورة لواقع البيئة المغربية.
وأكد أن إصلاحات المناهج المغربية على مسارات الإصلاحات للمسألة
التعليمية لا تنعدو أن تكون عملية استيراد أو بالأحرى تحويل مناهج أجنبية
إلى بيئة مغربية من دون تبييئها، وذاك هو سبب فشلها في تحقيق مرامي عمليات
الإصلاح، ولا سيما إصلاح الجانب البيداغوجي. ذلك أن الاستيراد لا يؤدي
بحسبه إلى الالتحام الحقيقي بمكونات المنظومة التعليمية، بل يترتب عنه رفض
ذلك الجسم لكونه جسم غريب.
وأضاف الدريج أن هناك نوع من الاضطراب في اعتماد بعض المناهج في
إعدادها وتطبيق مضامينها، كاضطراب وزارة التربية الوطنية في إعداد مناهج
بيداغوجيا الأهداف من دون التهيؤ لذلك على مستوى التكوين والتأطير، مما
جعلها تفشل، فاضطر الأمر اللجوء إلى نموذج آخر دون أي تقويم وهو ما أبقى
الاختلالات قائمة.
وعلاوة على ذلك أشار الدريج أن من بين إشكاليات التعليم عدم مواءمة
المناهج، حيث يعتمد وضع منهاج وطني عام وواحد يفرض على جميع المناطق
والجهات في حين أن الطبيعي هو التفكير في إيجاد منهاج متعددة.
وانتقد الدريج المناهج التعليمية المغربية لكونها لا تعكس مبدأي
المساواة وتكافؤ الفرص، بالقول: "إننا لسنا بصدد مدرسة مغربية واحدة وإنما
مدارس متعددة ونظم تربوية عديدة، منها مدارس النخبة ومدارس الفقراء، بل إن
اللا مساواة والتفاوت يكمن حتى داخل المدرسة العمومية الواحدة.
وأشار أن المنهاج التعليمي سيبقى دون المطلوب ما لم يتجاوز نظرته
الأحادية في تدبير وضعياته الجامدة والنمطية، ليفرضها على كل الجهات
المغربية في العيون أو ايفران وفي غيرها من جهات البلاد.
عبـد الفتـاح الفاتحـي
هسبريس
د. محمد الدريج
اقتراح بيداغوجيا الإدماج بالتسبب في إهدار الكثير من المال العام، داعيا
إلى جر صاحبها وشركته المكلفة بتنزيل بيداغوجيا الإدماج إلى المحاسبة
والمساءلة القانونية.
وأكد الدريج أن بيداغوجيا الإدماج التي سبق لوزارة التربية الوطنية
اعتمادها ولا تزال؛ تعد شديدة الغرابة، ذلك لأن لا أحدَ بإمكانه فهمها إلا
صاحبها الذي جاء بها إلى المغرب وشركته التي تشرف على تنزيلها في المؤسسات
التعليمية.
وشبه الدريج بيداغوجيا الإدماج في غرابتها بالنظرية النسبية التي لا
يستوعبها بالدقة اللازمة إلا صاحبها أنشتاين وثلاثة آخرين في العالم.
معتبرا أن ذاك هو حال بيداغوجيا الإدماج في المغرب، فظلت حبيسة دائرة
صاحبها وشركته التي نالت الكثير من الأموال مقابل تنزيلها.
وأضاف الدريج متحدثا خلال مداخلة ألقاها بمؤسسة علال الفاسي ضمن سلسلة
جلسات تنظمها المؤسسة في موضوع المدرسة المغربية العمومية الواقع والآفاق
أن صاحب بيداغوجيا الإدماج وشركته وضعت وزارة التربية الوطنية اليوم أمام
مطب حقيقي يصعب الخروج منه دون تداعيات تكون جد خطيرة على مستقبل المدرسة
المغربية.
وقال أن بيداغوجيا الإدماج لم تحظ بتعبئة الهيئات الفاعلة في مجال
التربوية لغرابتها وعدم استيعابها وكذا لأنها لم تلق الترحيب حتى من قبل
الفئات التعليمية المستهدفة. وبالرغم من ذلك كلفت ميزانية الدولة الكثير من
الأموال العمومية مقابل تنزيلها بالإشراف على وضع برامج التكوين المستمر
وإعداد الدلائل والبرامج والكتب المدرسية.
ودعا الدريج صاحب كتاب التدريس الهادف وزارة التربية الوطنية إلى
اعتماد رؤية علمية وأكثر عقلانية في تدبير إشكالية بيداغوجيا الإدماج، لأن
المسألة بحسبه بالغة الخطورة.
وأضاف أن الخروج من هذا المطب يستوجب رؤية
وبعد نظر للخروج منه دون انعكاسات وتداعيات خطيرة على المدرسة المغربية،
ولتفادي أي تداعيات سلبية تترتب عن التخلي الفجائي عنها ونحن في منتصف
الموسم الدراسي. وكذلك للحفاظ على مصداقية المنظومة التعليمية المغربية.
وأشار أن البيداغوجيا التي جيء بها شكلت خطأ استراتيجيا وتربويا وكلفت
الكثير من أموال الدولة، وهو ما يستدعي وضع صاحبها قيد المسالة والمحاسبة.
واعتبر الدكتور محمد الدريج في مداخلته بعنوان تطوير المناهج الدراسية
في المنظومة التعليمية المغربية "المنهاج المندمج للمؤسسة نموذجا" أن الرقي
بمنظومتنا التعليمية يستدعي بالضرورة الخروج من دوامة استيراد النظريات
الخارجية الجاهزة والخبرات الأجنبية، وحتى وإن كان أمر الاستفادة من
النماذج والنظريات الدولية إلا أنه لا يجب أن يكون النقل حرفيا لهذه
النماذج والنظريات التربوية، حتى وإن تكن صالحة في بيئاتها فإن لا تستجيب
بالضرورة لواقع البيئة المغربية.
وأكد أن إصلاحات المناهج المغربية على مسارات الإصلاحات للمسألة
التعليمية لا تنعدو أن تكون عملية استيراد أو بالأحرى تحويل مناهج أجنبية
إلى بيئة مغربية من دون تبييئها، وذاك هو سبب فشلها في تحقيق مرامي عمليات
الإصلاح، ولا سيما إصلاح الجانب البيداغوجي. ذلك أن الاستيراد لا يؤدي
بحسبه إلى الالتحام الحقيقي بمكونات المنظومة التعليمية، بل يترتب عنه رفض
ذلك الجسم لكونه جسم غريب.
وأضاف الدريج أن هناك نوع من الاضطراب في اعتماد بعض المناهج في
إعدادها وتطبيق مضامينها، كاضطراب وزارة التربية الوطنية في إعداد مناهج
بيداغوجيا الأهداف من دون التهيؤ لذلك على مستوى التكوين والتأطير، مما
جعلها تفشل، فاضطر الأمر اللجوء إلى نموذج آخر دون أي تقويم وهو ما أبقى
الاختلالات قائمة.
وعلاوة على ذلك أشار الدريج أن من بين إشكاليات التعليم عدم مواءمة
المناهج، حيث يعتمد وضع منهاج وطني عام وواحد يفرض على جميع المناطق
والجهات في حين أن الطبيعي هو التفكير في إيجاد منهاج متعددة.
وانتقد الدريج المناهج التعليمية المغربية لكونها لا تعكس مبدأي
المساواة وتكافؤ الفرص، بالقول: "إننا لسنا بصدد مدرسة مغربية واحدة وإنما
مدارس متعددة ونظم تربوية عديدة، منها مدارس النخبة ومدارس الفقراء، بل إن
اللا مساواة والتفاوت يكمن حتى داخل المدرسة العمومية الواحدة.
وأشار أن المنهاج التعليمي سيبقى دون المطلوب ما لم يتجاوز نظرته
الأحادية في تدبير وضعياته الجامدة والنمطية، ليفرضها على كل الجهات
المغربية في العيون أو ايفران وفي غيرها من جهات البلاد.
عبـد الفتـاح الفاتحـي
هسبريس
د. محمد الدريج
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
بيداغوجيا الإدماج في سياق تطوير مناهج التعليم : قراءة نقدية / د محمد الدريج
أولا :تقديم وملاحظات تمهيدية
انطلق
البرنامج الاستعجالي كما هو معلوم (2009-2012) لتجاوز تعثر الميثاق الوطني
للتربية والتكوين وإعطاء نفس جديد لإصلاح التعليم ، وتجاوز اختلالا ته
المسجلة في العديد من الدراسات والتقارير. ومن مشاريع هذا البرنامج ، مشروع
التطوير البيداغوجي ، الذي يهدف إلى استكمال إرساء المقاربة بالكفايات،
وتوفير إطار منهجي لأجرأتها. و تبعا لذلك تم اختيار نموذج بيداغوجيا
الإدماج ،دون غيره من النماذج الكثيرة،كإطار منهجي ،على ما يبدو، لتطبيق
المقاربة بالكفايات في التعليم،وهو في نهاية الأمر عبارة عن قراءة من بين
القراءات الممكنة لهذه المقاربة، والذي لنا عليه جملة من الملاحظات
والانتقادات نبدأ بها كخطوة أولية ، قبل اقتراح وفي دراسات مستقلة ، بعض
البدائل الممكنة أو على الأقل بعض المراجعات ، التي يمكن أن تجنبنا طعم
الفشل المرير الذي تجرعناه من مختلف تجارب الإصلاح البيداغوجي السابقة.
1
- تبنت وزارة التربية الوطنية إذن ،وتحمست بشكل غير مسبوق ، لبيداغوجيا
الإدماج، وجعلت منها نموذجا لتطوير المناهج . وجندت لها عدة من البرامج
والمشاريع والأطر والتدريب والوسائل والدلائل والمذكرات ... لكن ، وبعد
مرور حوالي سنتين على بداية "تطبيق"هذه البيداغوجيا ، جزئيا في المراحل
الأولى وبشكل تجريبي في بعض الأكاديميات، تم"تعميمها" بعد ذلك على المدارس
المغربية والابتدائية منها على وجه الخصوص، حتى دون تقديم وتوظيف نتائج
التقويم الأولي للتجريب وحتى قبل أن يفتح في شانها نقاش وطني ، كان يمكن أن
يساهم بفعالية في معرفة نقاط قوتها وضعفها و مدى مراعاتها لخصوصياتنا ،
قبل بلورتها في صياغتها النهائية ثم تطبيقها.
2-
لكن وفي مقابل ذلك ، فإن أزيد من 85% من المدرسين المستجوبين في استفتاء
وطني للرأي ، سجلوا موقفا سلبيا من بيداغوجيا الإدماج . فهم إما غير
مقتنعين بها (بنسبة 38% (، أو لم يفهموها (بنسبة 11%) ، رغم استفادتهم من
الدورات التدريبية الخماسية أو يطالبون بمراجعتها ( 25%) أو يرفضونها جملة
وتفصيلا ويطالبون بإلغائها ،بنسبة تفوق 52 في المائة.(النسبة هنا باعتماد
عدد الإجابات وليس بعدد المستجوبين ،راجع موقع منتديات دفاتر التربوية www.dafatir.com والذي أشرف على هذا الاستطلاع الوطني / ماي 2011).
ولا
يفوتنا أن نسجل بهذا الخصوص، سابقة خطيرة تتمثل في رفض نقابات تعليمية
وازنة لهذه البيداغوجيا والمطالبة بإلغائها بكل بساطة ،حيث أصدرت المكاتب
الإقليمية لأربع نقابات تعليمية محترمة بسلا ، بيانا تطالب فيه بمقاطعة
بيداغوجيا الإدماج ،وهي (النقابة الوطنية للتعليم CDT والنقابة الوطنية
للتعليم FDT والجامعة الوطنية لموظفي التعليم UNTM والجامعة الوطنية
للتعليم UMT) عقب اجتماعها الاستثنائي في2يونيو 2011، لتدارس مشاكل نساء
ورجال التعليم حول بيداغوجيا الإدماج، طالبت فيه بمقاطعة هذه البيداغوجيا
إثر توصلها بعرائض في الموضوع من الشغيلة التعليمية وبالنظر إلى عدد من
الأسباب الإدارية والتربوية، منها:
-استيراد
بيداغوجيا الإدماج بعد ثبوت فشلها في العديد من البلدان ( ونضيف إلى هذا
استغرابنا لعدم تطبيقها حتى في بلدها الأصلي، بلجيكا).
-غياب رؤية موحدة في الفهم والتنزيل نتيجة لسوء التكوين و التأطير.
- الشرخ التربوي الحاصل بين محتوى الوضعيات من جهة والموارد و التعلمات من جهة أخرى.
-الطابع
التقني المعقد للمذكرة 204 الخاصة بالتقويم ، لاتخاذ قرارات الانتقال من
مستوى إلى آخر وتغليب الجوانب الكمية على الجوانب الكيفية، وعدم ملاءمة و
انسجام المناهج و مقتضيات هذه المذكرة ( التي حملت في نظري نوعا من
التراجع).
-حذف حصص الدعم التربوي الدوري بصفة نهائية .
-الإجهاز على مبدأ تكافؤ الفرص عند تقويم المتعلمين .
وكتعقيب
على هذا البيان ، من المدونة التي نشرت الخبر، ورد ما يلي: "ومعلوم أن هذه
البيداغوجيا قد فرضتها الوزارة من جانب واحد، وخصصت لها أموالا طائلة،
سواء من أجل التكوين أو توفير العدة اللازمة خاصة الكراسات التطبيقية، لكن
إنزالها إلى أرض الواقع يثير مشاكل كثيرة، منها أوراق التفريغ، تعقد
التقويم، صعوبة إدماجها مع نقط المراقبة المستمرة ونقط الامتحانات
الإشهادية وفق معادلة معقدة وطويلة… كما أن جل الوضعيات المقترحة بشكل موحد
على المغرب بأسره لا تساير واقع التلاميذ وأحيانا مستواهم المعرفي
والعمري… بينما كان من اللازم أن تكون بعض المواد الدراسية هي "المدمجة"
فعلا، كمواد التفتح، عبر توفير الوسائل التعليمية وضمان الانتقال إلى وسط
طبيعي للاطلاع والتطبيق…" ( عن عبد الإله عسول ، مدونة سيدي سليمان ،SidiSlimane.com ، يونيو 2011).
3-
فعلا ، يطالب أزيد من25% من المستجوبين في الاستفتاء الوطني المذكور وعدد
كبير ممن قابلناهم شخصيا واستجوبناهم ، بمراجعة بيداغوجيا الإدماج وليس
بالضرورة مقاطعتها. لكن السؤال هو، من سيقوم بهذه المراجعة ؟ وكيف ؟ إننا
نلاحظ وبأسف شديد ، أن كل (جميع) المؤلفين المغاربة الذين نشروا كتبهم حول
هذه البيداغوجيا وهم كثر ومنهم من المهرولين من نشر حولها و لوحده أزيد من
10 كتب في بضع سنوات ، أقول هؤلاء الكتاب لا ينتقدونها ولو بجملة واحدة
وكأنها وحي يوحى . ومعظم اللذين انتقدوها ، هم فقط ممن نشروا مقالات او
دراسات ، تركزت انتقاداتهم على ظروف استيرادها و فرضها كسلعة غربية – غريبة
وتحدثوا ،كما يفعل بيان النقابات السالف الذكر ،عن صعوبات تطبيقها في
المدرسة المغربية ( مشكلات الاكتظاظ ، الأقسام المشتركة ، ضعف التكوين ،
غياب الكتب المدرسية الملائمة لهذه البيداغوجيا ،عدم توزيع الكراسات في
الوقت المناسب ، غياب أجهزة الاستنساخ والحواسب والبرمجيات ، صعوبات ملاءمة
التقويم... ) ولم يمسوا هذه البيداغوجيا في الصميم ،من حيث أسسها
وخلفياتها ومفاهيمها و مسلماتها و عناصرها ونتائجها...إلا لدى القلة
القليلة ،لمن تفطن بالفعل ، إلى أن هذه البيداغوجيا كغيرها من البيداغوجيات
لها ما علمت وعليها ما اكتسبت .
4- إننا وإن كنا سجلنا موقفا مبدئيا ضمن المطالبين بالمراجعة
وليس الإلغاء أو المقاطعة، نؤمن بضرورة التأني في إصدار الأحكام ، فنحن
بحاجة إلى أكثر من استطلاع وأكثر من دراسة تقويمية معمقة وشاملة وبحاجة
قبل هذا وذاك، إلى أن نترك الفرصة الكافية للتطبيق الفعلي وللممارسين في
الميدان ليقولوا كلمتهم . وإن كان الكثير ممن قابلناهم من المدرسين
والمشرفين، يتشكك في ضرورة هذا التأني ، و يقولون إن هذه البيداغوجيا ورغم
فرضها لا تطبق حاليا من قبل المدرسين ، سوى بنسبة تقل عن 15في المائة. ومع
ذلك وقبل استصدار أي حكم ، فضلنا القيام بدراسة للوضعية وقراءة متأنية
وناقدة لهذه البيداغوجيا ، سواء من خلال ما كتبه مؤسسوها أو من انبرى
لشرحها وفرش البساط لها في بلادنا ، نقدم بعض نتائجها من خلال العناوين
التالية :
ثانيا- التعريف ببيداغوجيا الإدماج في خطوطها العريضة
يقتضي مدخل الكفايات في المجال المدرسي وحسب زاوية النظر التي أسست لها مجموعة "لوفان الجديدة"(ببلجيكا) برئاسة كزافيي روجييرس Xavier ROEGIERS وعضوية جان ماري دوكطيل Jean-Marie DE KETELE
وفرانسوا ماري جيرارFrançois-Marie GERARD وغيرهم...والتي سميت ببيداغوجيا
الإدماج ، نقول يقتضي هذا المدخل ، دمج المعلومات (المعرفة) والمهارات
والإجراءات ( معرفة-الفعل) والاتجاهات والقيم (معرفة-الوجود) التي يكتسبها
التلميذ ، وتوظيفها في محيطه الاجتماعي. ولتحقيق ذلك ، فإن المدرس
(والمدرسة بشكل عام ) يختار ويحدد الكفايات التي على كل تلميذ اكتسابها في
نهاية سلك او سنة دراسية ،وفي كل مادة دراسية مثل اللغة والعلوم
والرياضيات ...ثم يحدد بعد ذلك ،ما على التلميذ اكتسابه من معارف وعمليات
(مهارات) واتجاهات وقيم .فتكون الكفايات هي المنطلق وهي في نهاية المطاف ،
الهدف النهائي من التدريس ،أي محصلة العملية التعليمية.
لذلك
فمن الهام جدا بالنسبة للمدرس من وجهة النظر هذه ، أن يبين للتلميذ أوجه
الفائدة من المعلومات التي يتعلمها ومغزاها وأهميتها و تطبيقاتها في
حياته...لغاية جعله أكثر استعدادا وأكثر قابلية للتعلم ولغاية خلق لديه ما
يكفي من المحفزات للاهتمام بموضوع التعلم .لأن القاعدة الذهبية على ما يبدو
في بيداغوجيا الإدماج، هي أنه : "لا أحد يتعلم فقط من أجل التعلم ، ولا
أحد يتعلم لذات التعلم".إن التعلم يتضمن بالضرورة قيمة دافعة ومحفزة عندما
يكون مفيدا للمتعلم في حياته اليومية .
* * *
وهكذا
وفي مدخل الكفايات كما هو معلوم ، يكون من الأساسي إدراج أنشطة ديداكتيكية
تتطلب من التلميذ مواجهة مستمرة لوضعيات بسيطة أو مركبة ، تجبره على البحث
عن الحلول وإيجاد إمكانيات واختيارات وآفاق جديدة أمام المشكلات التي
عادة ما تواجهه في حياته اليومية. وهذه من الحقائق التربوية البديهية و
المعروفة والمعمول بها لدى مختلف المدارس البيداغوجية منذ القدم.
ولتوضيح ما نحن بصدده ، نقدم الأمثلة التالية والتي اقتبسناها من أدبيات بيداغوجيا الإدماج:
فإذا
أردنا في مواد اللغة والآداب ، أن يكون التلميذ قادرا على إنجاز تحليل نص
أدبي ، على سبيل المثال ،فإننا كمدرسين لابد أن نتأكد من كونه :
أولا
: يعرف أنماط التحليل الممكنة ونوع النص المقصود والسياق الاجتماعي
والتاريخي لهذا النص المكتوب وصاحبه وأسلوبه والحقبة التي ينتمي إليها
...ولأجل ذلك لابد أن يكون قد اكتسب جملة أو عدة من المعلومات (المعرفة)
الضرورية .
ثانيا
:أن يكون التلميذ متمكنا من مختلف استراتيجيات التحليل وخطواتها والخطوة
الملائمة لما هو مطلوب منه ...الخ .ولأجل ذلك لابد أن يتمكن من الإجراءات
الضرورية (معرفة- الفعل).
ثالثا
:أن يقيم التلميذ النص ويشعر بلذة في قراءته وتحليله ، و يتماهى مع المؤلف
...ولأجل ذلك عليه ان يستدخل اتجاهات نحو محتويات النص ونحو المؤلف (معرفة
-الوجود).
وإذا
أردنا في مادة الرياضات كذلك ،أن يقدر التلميذ على سبيل المثال ،على حل
وضعية مشكلة أو مسألة ، تتطلب استعمال الجبر ،فإننا كمدرسين علينا أن نتأكد
من أن التلميذ:
أولا:
يعرف العناصر الأساسية في الجبر التي يحتاجها لحل المعادلات من مثل القيام
بالعمليات بأحادي الحدود ومتعددي الحدود ...وخصائصها وقواعد الرموز
...وحتى ينجزها عليه أن يكون قد اكتسب معلومات بتلك العناصر (المعرفة).
ثانيا
: يتمكن من استخدام اللوغاريتمات الضرورية وتوظيف مختلف مراحل وخطوات
الانجاز ...ولأجل ذلك لابد من أن يكون قد اكتسب مهارات عملية إجرائية .
ثالثا
:أن يكون التلميذ منظما وحذرا في إنجازه للعمليات ويختبر مختلف الإجابات
المحصلة و الحلول الممكنة . ولأجل ذلك يجب أن يكون قد تمثل اتجاهات نحو
مختلف المحتويات .
ويتساءل كزافيي روجييرس ، ماذا يعني أن يكون عامل ميكانيكي كفؤا ؟ ويجيب :
- يعني ذلك أن يكون قد اكتسب معلومات في الميكانيكا ويعرف أسماء قطع وأجزاء المحرك وكيفية تركيبها ...(المعرفة).
- أن تكون له معرفة عملية (معرفة- الفعل) ،أي أن يعرف كيف يستعمل أدواته وكيفية تغيير إطار وتبديل الفرامل (الفرانات)...
-
وأن تكون له معرفة- الوجود المهنية ، بما تقتضيه من رضا الزبناء وثقتهم
فيه ،نظرا لبشاشته وحسن طالعه وسرعته في الانجاز وأمانته ...
-
ولكن وأساسا لأنه جرب وصادف مختلف الوضعيات المهنية ويعرف كيفية مواجهتها
من حيث ردود الفعل ، وحل ما تطرحه تلك الوضعيات من مشكلات.
وانطلاقا
من هذه الحقائق والأمثلة تكون الكفاية هي معرفة عملية ، معرفة مطبقة .إن
الكفاية ليست مجرد معرفة لما سننجزه فالمعرفة لا تكفي ،إذ لا بد من معرفة
ما سننجزه وإنجازه بالفعل .إن الكفاية هي أكثر من المعرفة إنها المعرفة لكن
لغاية الفعل والعمل.
كما
أن تقويم الكفايات ينبغي أن يخضع لتعليم يتمحور ليس فقط على معرفة الفعل
ولكن وقبل كل شيء على الفعل ذاته .كما لا تكفي معرفة الخطوات والإجراءات
لمواجهة موقف (وضعية) أو لحل مشكلة ،بل الأساسي أن يقوم التلميذ بالتطبيق
والتنفيذ في ذلك الموقف .فأن أكون كفؤا في مجال ما ، يتضمن أن أطبق على
الوجه المطلوب ،عملا أو مهمة مركبة .
إن بيداغوجيا الإدماج والتي انطلقت منذ نشأتها الأولى كمدخل للتعليم بالكفايات الأساسية ، تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة :
1-
التركيز على الكفايات التي على التلميذ أن يتحكم فيها في نهاية السنة
الدراسية وفي نهاية مرحلة التعليم الإجباري ،أكثر من التركيز على ما ينبغي
للمدرس أن يدرسه وهذا مبدأ من المبادئ الأساسية التي تستند عليها بيداغوجيا
الأهداف والتي ليست بيداغوجيا الإدماج في نظرنا ، سوى امتداد مغلف لها.
2-
إضفاء معنى على التعلمات (وهذا ليس بالأمر الجديد في التربية) بحيث نبين
للتلميذ وجه الفائدة من كل ما يتعلمه في المدرسة.و لأجل ذلك لابد أن
تتجاوز البرامج التعليمية ، لوائح المحتويات.لأنه إذا بقيت المعارف
والمهارات عارية من أي معنى ،فإنها تحدث مللا لدى التلميذ وتضعف حافزيته
نحو التعلم .وعلى العكس من ذلك ، فإن مدخل الكفايات يلزم التلميذ موضعة
وباستمرار، التعلمات في وضعيات ذات مغزى بالنسبة إليه وتوظيف ما تعلمه في
هذه الوضعيات .ولا باس أن نذكر بأن أقطاب البيداغوجيا الحديثة بدءا من روسو
ومرورا بمنتسوري و دكرولي إلى ديوي ثم بعده فريري وغيرهم ، سبقوا إلى
تأكيد هذه المبادئ التي تربط في تربية الأطفال ، بين الفكر والعمل وبين
النجاح و الحافزية التي تتغذى من مدى إضفاء المعاني على كل ما يتعلمه
الإنسان.
3-
الهدف الرئيس الثالث يكمن في تثبيت مكتسبات التلميذ بواسطة مواجهة
الوضعيات وحل ما تتضمنه من مشكلات بفضل إدماج معلوماته وتوظيفها وليس
بواسطة تجميع المعلومات وتكديس الإجراءات(العمليات) دون أن يعرف التلميذ
كيفية استعمالها في حياته اليومية ، وسرعان ما ينساها .وبالنسبة لأنماط
إدماج التعلمات فإن كزافيي روجييرس( الذي ربحت مقاولته صفقة إدخال هذه
البيداغوجيا إلى بلادنا) يعتقد أنه لا المعارف المدرسية ولا القدرات،
كافية لوحدها لتشكيل قاعدة صلبة لعملية الإدماج .إنها المهام والوضعيات
بارتباطها بالمحتويات والقدرات ،هي التي تبني الكفايات .إنها القاعدة
الذهبية التي ينبغي البحث فيها عن الإدماج .
ثالثا : بيداغوجيا الإدماج نموذج مبني على السوسيلوجيا الفرنكفونية.
-
تندرج قراءة كزافيي روجييرس لمدخل الكفايات ، فيما يعرف بالنموذج المبني
على السوسيلوجيا الفرنكفونية والتي تؤكد على أهمية الجانب الاجتماعي في
الكفايات .في مقابل النموذج الانجلوسكسوني وهو نموذج فرداني يركز في تعريفه
للكفايات على الجوانب الفردية الداخلية والمعرفية المستبطنة.
وجد
هذا النموذج الفرداني مجالا خصبا في الأدبيات التربوية الانجلوسكسونية
خلال التسعينات من القرن الماضي ، معززا ببعض النظريات السيكولوجية وخاصة
السيكلوجية الفارقة و توأمها البيداغوجيا الفارقة والتي تنتظم استنادا إلى
العناصر الأساسية الكامنة و راء عدم تجانس المتعلمين داخل القسم ، ومن أهم
هذه العناصر:
الفوارق
المعرفية ( cognitifs ): وترتبط بسيرورات اكتساب المعارف ،و تشمل:
الاشتغال الذهني و غنى العمليات المعرفية التي تتركب أساسا من التمثلات و
الصور الذهنية وأنماط التفكير (مشخص /مجرد,تحليلي/تركيبي ،
استنتاجي/استدلالي...) إستراتيجيات التعلم... درجة تحصيل التعلمات و
تخزينها.
الفوارق
السيكولوجية-الوجدانية ( psychologiques-affectives ) : وترتبط بالمعيش
على مستوى الشخصية (المعيش الخاص بكل متعلم) و تشمل بصفة خاصة :الدافعية –
الإرادة -الانتباه - الإبداعية - الفضول - الطاقة - التوازن - الإيقاعات...
الفوارق
السوسيوثقافية ( Socioculturelles ) : و ترتبط بالسياق الثقافي و
الاقتصادي العام الذي يتحرك داخله المتعلمون و يشمل على الخصوص : القيم
والاتجاهات الضابطة للسلوك، المعتقدات السائدة ، التاريخ الثقافي للأسرة
،الرموز اللغوية المستعملة ،أنماط التنشئة الاجتماعية المتعبة ، الغنى
الثقافي العام و مميزاته....
ومنذ
تسعينيات القرن الماضي ، سيتعرض هذا النموذج الأنجلوسكسوني للعديد من
الانتقادات .على أن أهم ما سيؤاخذ عليه هو تركيزه على الخصوصيات الفردية
والابتعاد بالتالي عن الجوانب الاجتماعية والتاريخية في التعلم واكتساب
الكفايات. فبرز انطلاقا من هذه الانتقادات النموذج الذي يمكن أن تندرج ضمنه
بيداغوجيا الإدماج ،والذي يؤكد على الجوانب الاجتماعية .وهو وإن كان يقبل
تعريف الكفايات الذي يقدمه النموذج الانكلوسكسوني من حيث أنها قدرات فردية
مستدخلة (مستبطنة) وهي في نهاية التحليل تركيبة (كوكطيل) من عناصر متعددة
(معلومات، مهارات ،اتجاهات...) ،إلا أنه يضيف على هذا التعريف عناصر متضمنة
في الانتقادات المشار إليها ، كمحاولة منه لتوضيح وبشكل صريح ،كيف تشتغل
الكفايات ، بمعنى كيف يتم اكتسابها وكيف يتم توظيفها ،بطبيعة الحال وكما هو
معروف ، يتم اكتسابها وتوظيفها من خلال الممارسة والعمل في إطار الوضعيات
ذات الطبيعة الاجتماعية.
فيأتي هذا النموذج ( بيداغوجيا الإدماج ) ، كتركيب لتوجهين :الفردي والاجتماعي .
إذن
نحن أمام تصورين متعارضين ، تصور يتموضع على المستوى الفردي ويعمل على شحذ
الاستعدادات الفردية للتفكير والعمل والتي تكتسب من خلال انجاز مهام في
إطار وضعيات محددة ومشخصة وفي هذه الحالة يستحسن استعمال كلمة قدرة
capacitéللدلالة على تلك الاستعدادات الداخلية التي يتم شحذها وتطويرها.
وتصور ثاني يتموضع اجتماعيا ويتمثل في إكساب التلاميذ الكفاية compétence
على انجاز مهام والقيام بادوار تلائم معايير متوقعة .وهكذا فإذا كانت
القدرات ترتبط بعمليات معينة ومحددة ، فإن الكفايات لها مدلول أكثر اتساعا
حيث يتعلق الأمر بالتحرك في وضعيات مركبة وأكثر تعقيدا.
إن
الكفايات بالنسبة لبيداغوجيا الإدماج عند كزافيي روجييرس والذي يتبنى
النموذج الاجتماعي-البنائي (الفرنكفوني) كما قلنا، لا تعرف باعتبارها
وضعيات محددة ومشخصة، بل تعرف حسب مجموعة أو فئة (عائلة) من الوضعيات
الاجتماعية المهمة بالنسبة للمجتمع . لذا فإنه يعرف الكفاية ،نقلا عن فليب
بيرنو Philippe Perrenoud ، "بأنها الإمكانية التي يكتسبها الفرد لتجنيد
بكيفية باطنية (داخلية) مجموعة مندمجة من الموارد (معلومات، معارف،خطاطات ،
آليات، عادات،قدرات ،مهارات اتجاهات...) لغاية مواجهة وحل فئة من الوضعيات
– المشكلة". وقبله قدم كما هو معروف ، بيرنو (1997) تعريفا قريبا جدا من
هذا المعنى بل وممهدا له،حيث عرف الكفاية بأنها "القدرة على تجنيد مجموعة
من الموارد (معلومات ،قدرات، معارف...) لحل وبنجاح وفعالية ، فئة أو سلسلة
من الوضعيات". وهكذا وحسب هذا التصور ،فإن الكفايات ترتبط بسياقات ثقافية
ومهنية وبشروط اجتماعية (...)كما أن مصطلح الكفاية لا يرادف مصطلح القدرة
أو مصطلح المهارة ، لأن المفهوم الاستكشافي للكفاية لا يقتصر على البعد
المعرفي أو على البعد المهاري في النشاط الإنساني .فإذا كانت القدرة تشير
إلى إمكانية إنجاز بسهولة ودقة ،عمليات عقلية و مهارية محددة، فعلى العكس
من ذلك، فإن الكفاية تشير إلى مجموعة من الأنشطة التي تتضمن قدرا من
التعقيد وتحتوي على مهارات عقلية واتجاهات وأمور أخرى غير معرفية. وبالتالي
فإن للكفاية بنية داخلية تعمل وتنشط بتجنيد استعدادات و قدرات ومهارات
وإجراءات ... للاستجابة للطلب الذي تمليه الوضعيات. لكن ذلك لا يعني أن
الكفايات تشتغل في فراغ اجتماعي ، بل إنها مترابطة وغير مستقلة سياقيا.
رابعا :بيداغوجيا الإدماج نظريات قديمة في حلة جديدة
كما
أسلفنا فإن القاعدة الذهبية التي ينبغي البحث فيها عن الإدماج ،تكمن في
تثبيت مكتسبات التلميذ بواسطة مواجهة الوضعيات المشخصة وحل ما تتضمنه من
مشكلات وليس بواسطة تجميع المعلومات وتكديس الإجراءات(العمليات) دون أن
يعرف التلميذ كيفية توظيفها في حياته اليومية ، وسرعان ما ينساها .
والحقيقة أن هذه القاعدة ليست جديدة ، بل تتقاسمها جميع البيداغوجيات
(تقليدية و حديثة ) . فقد كان أبو حامد الغزالي قديما ، يرى على سبيل
المثال أن الأخلاق الفاضلة لا تولد مع الإنسان،
وإنما يكتسبها عن طريق التربية والتعليم من البيئة التي يعيش فيها،
والتربية الأخلاقية السليمة في نظره تبدأ بتعويد الطفل على فضائل الأخلاق
وممارستها .فالطريق إلى تربية الخلق عند الغزالي هو التخلق أي حمل النفس
على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب ، فمن أراد مثلا أن يحصل لنفسه خلق
الجود فعليه أن يتكلف فعل الجود.
كما
جعل عبد الرحمن ابن خلدون الملكة (القدرة او الكفاية في تعبيرنا الراهن)
جسمانية وعقلية معاً؛ فلم يفرق بين تعليم عقلي وآخر عملي؛ بل ربط القوى
العقلية والجسمانية، وجعلها تتعاون في اكتساب الملكة. أما من الناحية
العملية فقد وضع مبدأين صحيحين، هما مبدأ المباشرة ومبدأ المعاينة. ويعني
بالمباشرة القيام بالفعالية العملية: فمن يريد تعلم فعالية عملية، يجب عليه
أن يباشرها بنفسه، لا أن يكتفي بمعاينة من يقومون بها، أو الإصغاء إلى
كلام من يتحدثون عنها. ولكن المعاينة ضرورية مع ذلك؛ لأنها الطريق إلى
المباشرة. وتعني المعاينة أن يشاهد (يعاين) المتعلم المتمرسين بالفعالية
العملية، وهم يقومون بها و يؤدونها. ولا شك أن من يريد مباشرة فعالية ما،
هو بحاجة إلى معاينتها قبل مباشرتها.
وإذا
أخذنا البيداغوجيا التقدمية في إطار ما يسمى بالتربية الحديثة ،على سبيل
المثال، لدى كل من بستالوتزي ( 1827) و منتسوري (1870) وخاصة لدى جون ديوي
(1915)، فإنها تؤكد على:
ضرورة تزويد التلاميذ باستراتيجيات حل المشكلات وليس بالمعرفة والحفظ..
و يجب ان يشتق المنهاج من اهتمامات التلاميذ وليس من المواضيع الأكاديمية ،
وما يقتضي ذلك من عناية بحاجياتهم العقلية والانفعالية والنفسية الحركية
،و المدرسون الفعالون هم الذين يزودون التلاميذ بخبرات تمكنهم من التعلم عن
طريق العمل .
أما
طرق التدريس التي ينبغي اعتمادها ، انسجاما مع مبادئ هذه التربية الحديثة ،
فتنطلق من أهمية التعليم عن طريق مجموعة من الأنشطة المعدة بشكل منظم ،
والتي تمكن كل تلميذ من المشاركة الايجابية ، التي تساعده في نموه الشخصي
والاجتماعي ، و السماح له بالتجريب . ومن هنا تصبح المدرسة مضطرة لاستخدام
مواقف الحياة الحقيقية في التعليم ولا تتركها إلى الدراسة النظرية-
الأكاديمية ، فتتحول المدرسة إلى معمل اجتماعي يتم فيه التعلم عن طريق
الخبرة بدلا من التعلم الشكلي .
وحاليا
في بلادنا وكدليل على ما نحن بصدده، هناك من يلاحظ أن العديد من الصياغات
المتضمنة للكفايات والواردة في الكراسات و التي تدعي اندراجها ضمن
بيداغوجيا الإدماج، ليست سوى نقل للصياغات التي كانت متداولة قبل تنزيل هذه
البيداغوجيا . وعلى سبيل المثال ، يلاحظ مراد لخصيم "أن صياغة العديد من
الكفايات في دليل الإدماج الصادر عن وزارة التربية الوطنية ، تحتفظ بنفس الصيغ المستعملة في السابق و منها على سبيل المثال:
"في
نهاية المرحلة الرابعة من السنة…وباعتماد أسناد مكتوبة أو مصورة أو وسائط
متعددة،يكون التلميذ قادرا على حل وضعية مشكلة دالة ومركبة، وذالك بتوظيف
بشكل مدمج، مجموعة من الموارد المتعلقة ب…"
ويضيف
مثالا آخر من مجال التقويم،"إذا تفحصنا مواضيع امتحانات نيل الشهادة
الابتدائية المغربية، خلال فترة الستينات و السبعينات من الألفية الماضية،
نجد أنها كانت تتمحور حول ما يلي:
- وضع وانجاز عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة.
- تحويل وحدات القياس.
- الحساب الستيني.
- مسائل ذات دلالة لتقييم إدماج المكتسبات .
وبالرجوع
إلى شكل هذا الامتحان ألإشهادي، يمكننا القول إن المغرب تعامل مع دمج
المكتسبات منذ زمن بعيد ، في ظل إدماج يعتمد على طرائق غير نمطية ،تسمح
للأستاذ بحق التصرف وفق ما تقتضيه المتغيرات ومستوى المتعلمين ، بعيدا كل
البعد على ما تفرضه بيداغوجيا الإدماج من تقنين و ترتيبات تقيد مبادرة
الأستاذ وتجعله يستجيب حرفيا لمتطلباتها".( مراد لخصيم ، تعلم الإدماج: هل
هو مستجد في المناهج المغربية؟ ، عن موقع "وجدة البوابة" يونيو-2011).
وبخصوص
ترسيخ الكفايات من خلال مواجهة الوضعيات والمشكلات ، فهي كما أسلفنا ليست
مسالة جديدة ، فهناك ما يعرف بالتعلم النشط والتعلم بالعمل وأسلوب حل
المشكلات وغيرها...و كلها تؤكد على :
- أن العمل أداة تربوية تساعد في إحداث تفاعل التلميذ مع عناصر البيئة لغرض التعلم وإنماء الشخصية .. .
-يمثل العمل وسيلة تعليمية تقرب المفاهيم وتساعد في إدراك معاني الأشياء.
-وأن التعلم بالعمل أداة فعالة في تفريد التعلم وتنظيمه لمواجهة الفروق الفردية وتعليم الأطفال وفقاً لإمكاناتهم وقدراتهم.
-يعمل التعلم بالعمل على تنشيط القدرات العقلية وتحسين الموهبة الإبداعية لدى الأطفال.
-ربط التعلم بالعمل يثير دافعية المتعلم ويحفزه على التعلم ما دام يشارك يدوياً وفعليا بالنشاطات التي تؤدي إلى التعلم.
ويرى
يوسف قطامي (2002) أن أهمية هذه الأساليب في التعليم تأتي من أنه : " يضع
المتعلم أو الطفل في موقف حقيقي يعمل فيه ذهنه بهدف الوصول إلى حالة اتزان
معرفي . وتعتبر حالة الاتزان المعرفي حالة دافعية يسعى الطفل إلى تحقيقها .
وتتم هذه الحالة عند وصوله إلى حل أو إجابة أو اكتشاف ، وبالتالي فإن
دافعية الطفل تعمل على استمرار نشاطه الذهني وصيانته حتى يصل إلى الهدف وهو
: الفهم أو الحل أو الخلاص من التوتر ، وذلك بإكمال المعرفة الناقصة لديه
فيما يتعلق بالمشكلة ."
وهكذا
كان من الواضح دائما، أن توظيف أسلوب حل المشكلات في التعليم يجعل التعلم
مشوقا وفعالا ؛ لأنه يستدعي الخبرات السابقة لدى المتعلم فيربطها بالخبرات
اللاحقة، إضافة إلى أنه يتم من خلال الممارسة العملية و المشاركة الفعلية.
كما كان معروفا ،أن من أبرز مبررات توظيف أسلوب المشكلات في التعليم ما يلي:
1-
إثارة دافعية الطلبة للتعلم، حيث يولد لديهم الرغبة في التفكير من أجل
التوصل إلى الحل السليم.:"إن أسلوب حل المشكلات يثير دافعية التلاميذ
للتعلم و يمكن توظيفه في تدريس المفاهيم و القدرات التكنولوجية".
2-
تنمية المهارات والقدرات و المعلومات. فإذا أتقن المتعلمون أسلوب حل
المشكلات ، و تدربوا على استخدامه في المدرسة ، فإنهم سيستفيدون منه في
حياتهم العملية للتغلب على المشكلات التي تواجههم. ويدربهم على مهارات
العمل الجماعي فينجزون أعمالهم بروح الفريق ، مما يحدث لديهم تغيرا
اجتماعيا مرغوبا إضافة إلى تزويدهم بمهارات تطبيق النظريات ، ويقودهم الى
الإبداع في العمل.
كما
تستند بيداغوجيا الإدماج على حقائق ونظريات معروفة في علم النفس التربوي
ومنها على سبيل المثال قانون "انتقال أثر التعلم".والمقصود به هو أن يكون
الفرد قادراً نتيجة لما يتعلمه في المدرسة ، على التصرف في مواقف أخرى في
الحياة ذات صلة بمواقف سابقة . بحيث يكون قادراً على الإفادة من معلوماته
ومهاراته واتجاهاته في حياته سواء داخل المدرسة ،عن طريق توظيف التعلم
السابق في اكتساب تعلم جديد أو في حياته بعد المدرسة ، حيث أن التعليم
المدرسي مازال قائماً على الافتراض بأن ما يتم تعلمه داخل القسم يمكن نقله
للاستفادة منه في أمور الحياة اليومية.
على
أن هوس التركيز على تبعية الفكر للعمل و التعلق المفرط بمحراب الوضعيات
(ربما إلى حد التقديس ) قد يشكل مدعاة نقد قاتل لبيداغوجيا الإدماج ،
باعتبارها تنشط في المجال التطبيقي وتلح على الجانب الإجرائي-العملي ،على
حساب الجانب العقلي والمعرفي لدى المتعلم .وكما هو معلوم فقد ثبت بطلان
الفصل بين التفكير والعمل .
لكن
الحقيقة أن هذه البيداغوجيا والمقاربة بالكفايات بشكل عام ، لا تقول
بضرورة وجود تعارض بين تنمية المحتويات المدرسية (والتي تعني أساسا حفظ
المعلومات من طرف التلميذ) وبين اكتساب الكفايات . يقول روجييرس(2010) بهذا
الخصوص :
"المرتكز
الأساسي في أنظمتنا التربوية (ويعني أنظمتنا التربوية التقليدية) هو تأزيم
المواجهة بين تعليم عام ، ينبني أساسا على الاشتغال على المحتويات
المعرفية وما يرتبط بها من قدرات ، تعليم يهدف إلى تزويد التلميذ بقدر كبير
من المعلومات ليصبح "قادرا" و"متمكنا" مستقبلا ، لكنه يبقى ضعيفا من
الناحية العملية و أقل إجرائية .وتعليم محدد ومضبوط وأكثر وظيفية ، يستند
بالأساس على تطوير الكفايات والتي تقوم على جعل التلميذ قادرا على تحويل
المعلومات إلى وضعيات ذات دلالة " .
خامسا : بيداغوجيا الإدماج امتداد لبيداغوجيا الأهداف
من
الانتقادات الأساسية التي نلاحظها على بيداغوجيا الإدماج ، هي عدم قدرتها
على التخلص من بيداغوجيا الأهداف ومن المدرسة السلوكية عموما، ولبيان ذلك
نقدم التوضيحات التالية :
مدخل
الكفايات يندرج أساسا في المدرسة المعرفيةcognitivisme في حين تتأثر
بيداغوجيا الأهداف بالمدرسة السلوكيةbehaviorisme والفرق بين المدرستين
واضح ومعروف .
لكننا
نلاحظ أن بيداغوجيا الإدماج عندما تريد اختيار وصياغة الكفايات ومختلف
الخطوات التي تروم بناءها في شخصية المتعلم ،فإنها تلجأ للاستعانة
ببيداغوجيا الأهداف بالمعنى السلوكي ولبيان ذلك نقدم الحقائق التالية :
كما
هو الأمر بالنسبة للأهداف ، فإننا نقوم بتحديد ماذا ننتظر من التلميذ في
نهاية الحصة أو في نهاية برنامج او في نهاية العملية التعليمية برمتها ،مع
انشغال أساسي يلاحقنا باستمرار هو كيف نصوغ أهدافنا بوضوح وكيف نعبر عنها
بالوجه الصحيح. و يعمد روجييرس إلى الاستنجاد بجدول التخصيص (table de
spécification ) في التقويم والذي يقترحه أصلا بنيامين بلوم Bloom .B
وهومن رواد بيداغوجيا الأهداف في الوقت الذي لا يتوقف فيه روجييرس عن
انتقاد هذه البيداغوجيا .وكما هو معلوم فإن جدول التخصيص، هو أداة عملية
لتحديد:
- الأهداف(القدرات) المراد اكتسابها ونسبة أهميتها.
- أهمية المادة بالنسبة للوحدة الدراسية.
- ييسر عملية التقويم.
- يساعد على تحديد عدد الأسئلة وعدد النقاط (الدرجات) وفق الأهمية النسبية.
- يوجه إلى الجوانب المراد تكوينها لدى المتعلم.
و يتكون جدول التخصيص من مدخلين :
-
مدخل القدرات الضرورية لتنمية الكفاية. ويتضمن الكتاب الأبيض (الجزء 1)
القدرات الضرورية لتنمية مختلف الكفايات المستهدفة سواء ذات الطابع
التواصلي أو المنهجي أو الاستراتيجي ...).
- والثاني مدخل مضامين المادة الدراسية، والتي ستمارس عليها هذه القدرات.
وبما
أن الهدف التعلمي Objectif d’apprentissage حسب روجييرس يتمثل في تطبيق
قدرة ما على محتوى معين، فإن خانات جدول التخصيص تتضمن مختلف الأهداف التي
توجه الممارسات البيداغوجية، وتشكل الموارد الضرورية التي يتم إدماجها في
إطار تنمية الكفاية أو تقويمها.
الهدف
التعلمي هو إذن ممارسة قدرة على محتوى معين، فقدرة الكتابة مثلا وكتابة
رسالة ما كمحتوى (موضوع) للتعلم ، يمكنان من الحصول على الهدف التالي :
كتابة رسالة... كذا. ويوافق هذا التعبير مرقى الهدف الخاص المعتمد في إطار
التدريس بالأهداف. ويبقى من مهمة المدرس العمل على أجرأته، لضبط وتقويم
وتوجيه أنشطته، باعتبار المدرس منشطا ووسيطا.
وفي
بيداغوجيا الإدماج فان الأجرأة تتم على مستوى أنشطة التلاميذ باعتبارهم
فاعلين أساسيين في العملية التعليمة-التعلمية وعلى مستوى ما يقوم به المدرس
من تقويم لمدى نجاحهم في ذلك النشاط بالرجوع إلى المعايير والمؤشرات
الجزئية والقابلة للملاحظة والقياس ( وهذا بالضبط هو تعريف الهدف الإجرائي
في بيداغوجيا الأهداف) . فتنحل الكفايات بجميع أنواعها ومستوياتها في نهاية
المطاف، إلى أهداف إجرائية من خلال انحلالها إلى معايير حصول الأهداف
التعلمية ومؤشراتها.
إننا
في الأسابيع الأولى ( الستة في الطبعة المغربية )التي نكسب فيها التلاميذ
الموارد فإننا نعلمهم بشكل جزئي وتراكمي عن طريق تحقيق أهداف جزئية (
إجرائية ) وتأتي أسابيع الإدماج أو المراجعة أو حصص التطبيق ...( تغيير في
المسميات ليس إلا) لإحداث التركيب والتراكم الضروريين لترسيخ التعلمات
الجزئية وتركيبها وبالتالي لترسيخ الكفاية الأساسية او الهدف النهائي
للإدماج والتي تسمى في بيداغوجيا الأهداف بالغايات او الأهداف العامة.
كذلك
تحافظ بيداغوجيا الإدماج وبشكل أمين ،على التقسيم الثلاثي الكلاسيكي
لشخصية الإنسان الذي يتبناه التدريس بالأهداف ، إلى الجوانب المعرفية
والحس- حركية والوجدانية ، حيث ينص جدول التخصيص على ضرورة تصنيف القدرات
(الأهداف الخاصة )إلى معارف ومهارات ومواقف، تبعا لطبيعة القدرة :
- المعارف(savoirs) : وتتمثل بالنسبة لمادة ما، في ممارسة القدرات المعرفية على موضوع ما للتعلم.
-
المهارات (savoir-faire): وتتمثل في تطبيق قدرة حس – حركية على موضوع
للتعلم. ويتم تطويرها من خلال التمرن على تنمية مراحلها في مواضيع تعلم
مختلفة. وتتمثل أهمية تنويع مواضيع التعلم في تمييز المهارة عن المعرفة.
-
المواقف والاتجاهات(معرفة الوجود أو حسن التواجد - savoir-être): ويمكن
الحصول عليها بتطبيق قدرة سوسيووجدانية على موضوع تعلم، كالإنصات إلى
اقتراحات الأقران، والتعود على تصفح القاموس للبحث عن معنى كلمة...
وهكذا
تفيد جداول التخصيص (أو ما قد يعوضها من شبكات ولوائح التقويم ) في
استخراج مختلف السلوكات المؤشرة الدالة على وجود الكفاية وكذا المضامين
التي تستدعيها ، وأيضا القدرات التي يتم السعي إلى تنميتها وتطويرها من
خلال الكفاية …ويتم الحصول عليه من خلال تقاطع محور المضامين التي تتطلبها
الكفاية ومحور القدرات المراد تطويرها ، بحيث تشكل نقط تلاقي المضامين
والقدرات في المستوى المحدد بالمحورين ، ونعبر عنها بالمؤشرات ويقصد بها
السلوكات الملاحظة و التي يتم التعرف من خلالها على حصول الكفاية أو أحد
مستوياتها وفق المعايير المحددة سلفا.
وهكذا
يبدو لنا كيف تنهل بيداغوجيا الإدماج من بيداغوجيا الأهداف بتوجهها
التجزيئي وطابعها الإجرائي – السلوكي ، عند التعامل عمليا مع مراحل وخطوات
اكتساب الكفايات وعند محاولة قياس وتقويم مدى تحققها لدى التلاميذ.
سادسا : تطبيق بيداغوجيا الإدماج بشكل غير مندمج في المنهاج الدراسي السائد ببلادنا
إن
معالجة أوجه الخلل في النظام التعليمي والرفع من فعاليته ، يقتضي بشكل
أساسي استهداف المنهاج المدرسي في شموليته ،من حيث هندسته التنظيمية و
التدبيرية ونماذجه وطرقه ومقارباته البيداغوجية... لكن وكما يعتقد الكثير
من المشتغلين (نظريا وعمليا) بالموضوع ،" فإن مجرد اعتماد نموذج جديد
(وغالبا بطريقة النقل الميكانيكي) غير كاف بحد ذاته لتحقيق فعالية وجودة
"مدرسة النجاح"،لأن النموذج البيداغوجي هو عنصر واحد من عناصر أخرى، تشكل
نظام التربية والتكوين،كنظام ترتبط متغيراته من خلال علاقات بنيوية ووظيفية
،تتفاعل ويؤثر بعضها في البعض الآخر،ولكل عنصر فعاليته الخاصة، وآثاره في
إنجاح النظام ككل،.بمعنى أن نجاح مقاربة بيداغوجيا الإدماج وتحقيق أهدافها
المنتظرة،يجب أن نوفر لها شروط أخرى وظروف موضوعية ، لها علاقة بنيوية
ووظيفية لضمان نجاحها.. (عن محمد صدوقي بتصرف ، الاتحاد الاشتراكي ،عدد
11-11-2010 ).
ما
لاحظناه يؤيد هذا النقد الهام لتطبيق بيداغوجيا الإدماج في بلادنا ، من
حيث علاقتها بالمنهاج السائد . فلم تواكب زرع هذه البيداغوجيا عملية التهيء
الضرورية للتربة قبل زرع العشبة السحرية .
فمثلا
ما زلنا في الأسابيع الخاصة بالتعلمات ( الأسابيع الستة الأولى ) ندرس وفق
المنهاج السابق-السائد ولا أقول القديم،حيث يعتمد المدرسون على الكتب
المدرسية الموجودة ( للعلم فان الكثيرين يطلقون على الكتب المدرسة كلمة
المقررات ) .قبل ان نركب عليها حصص الإدماج في الأسبوعين المخصصين لذلك
.وكما هو معلوم فان هذه الكتب ليست مجرد نصوص محايدة بل إنها نصوص موجهة
نحو خدمة أهداف و أغراض وفيها معلومات وأفكار وآراء و صور وجداول وبيانات
وتمارين ومسائل ومشكلات ووضعيات وتطبيقات ... لا تواكب بالضرورة مقتضيات
بيداغوجيا الإدماج ولا يكون بإمكان المدرس أن يركب عليها توجيهات الإدماج
الواردة في دلائل الإدماج و شبكات التقويم وجداول التخصيص.
مثال
آخر يؤكد هذه الملاحظات المرتبطة بتطبيق هذه المقاربة دون تهيئ للمنهاج
الملائم ، أوما أسميه بتطبيق بيداغوجيا الإدماج بشكل غير مندمج ، نجده عند
عبد العزيز قريش في دراسته النقدية المتميزة،"قضايا وإشكالات تنزيل
بيداغوجيا الإدماج"، والتي تنطلق من السؤال الجوهري التالي : هل يمكن
الحديث عن بيداغوجيا الإدماج خارج الوضعيات؟ وإلى أي درجة يمكن الاشتغال
على الكفايات خارج الوضعيات؟
ينبه
قريش إلى القطيعة التي تحدث على مستوى التفكير بالنسبة لسيرورة بناء
الكفايات بسبب الانتقال المفاجئ من مرحلة إرساء الموارد( والتي تدوم
6أسابيع ) إلى مرحلة الإدماج ( التي تليها وتدوم أسبوعين ) لقد أثبتت
المعطيات الميدانية في مدارس التجريب وجود انتقال مفاجئ لدى المتعلم( عند
انتقاله من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية ) الأمر الذي يربك تعاطيه
مع الوضعية الإدماجية وينعكس سلبا على أدائه. وذلك ناتج عن وجود سياقين
للتعليم والتعلم (منهاجين أو مقاربتين )مختلفين تمام الاختلاف! سياق إرساء
الموارد ويتم عبر الهدف التعلمي بالمعنى السلوكي ،على اعتباره يشكل ممارسة
قدرة على محتوى. وهو سياق يختلف عن سياق الوضعيات، وبالتالي تقدم الموارد
بالطريقة العادية عمليا في القسم، ولا يتعاطى المتعلم في هذا السياق مع
الوضعيات. وإنما يتعاطى مع مادة مدرسية منفصلة في سياق تعليم تقليدي ( أي
في إطار المنهاج السائد )يرتكز على المحتوى دون القدرة، مما يسبب إرباكا
كبيرا خاصة انه يكون قد تعود لمدة شهر ونصف على التعلم (اكتساب الموارد)
بالطريقة السائدة قبل" النزول" ، وسياق آخر هو سياق الإدماج سواء في شقه
الأول: " تعلم الإدماج " أو في شقه الثاني " تقويم الإدماج " والذي يمتد
أسبوعين و يتطلب عمليات تركيبية معقدة (على الأقل بالنسبة للتلميذ في
الابتدائي )تحتاج إلى توظيف الموارد التي اكتسبها في المرحلة السابقة
(وربما طول حياته السابقة منذ ان كان في بطن أمه)، لمواجهة الوضعيات وحل ما
تتضمنه من مشكلات ، وهو سياق يختلف عن الأول من حيث طبيعة وظيفته
وغايته. فانتقال المتعلم من سياق يتعاطى فيه مع التعلمات خارج إطار
الوضعيات ، إلى سياق يتعاطى فيه مع استثمار تلك التعلمات في الوضعيات يؤثر
سلبا في العملية برمتها. وهو ما أكدته حسب عبد العزيز قريش ،نتائج الأسبوع
الثاني من الإدماج في المرحلة الأولى من السنة الدراسية 2009/2010 في
مدارس التجريب . (عن موقع منتدى الجمعية الوطنية لمديرات و مديري التعليم الابتدائي بالمغرب ، 5 يناير 2011).
ونحن
نعتقد أن طرح هذا الإشكال له ما يبرره ويكمن بالضبط في انعدام الانسجام
والتلاؤم والتكامل بل وانعدام الاندماج بالمفهوم الشمولي ، بين تطبيق
بيداغوجيا الإدماج والمنهاج الموجود أصلا قبل "النزول " . أي هناك وضعيات
تستوجب موارد لم يتم إرساؤها بعد (وضعيات مظلمة سوداء) وهناك موارد لا تجد
ما يلائمها من وضعيات (موارد عمياء) فضلا عن عدم وجود ، كما أسلفنا ،
تلاميذ يسمح لهم نموهم العقلي الطبيعي بتوظيف ما ينبغي أن يكونوا قد
اكتسبوه من موارد لفك ألغاز الكثير من الوضعيات، بسبب ضعف التكوين في علم
نفس النمو لدى واضعي الوضعيات الذين لم ينتبهوا في نظرنا ، إلى القطيعة بين
طريقة تدريس واكتساب التعلمات (الموارد) وطريقة إدماجها و توظيفها في
مواجهة المشكلات خلال فترة الإدماج . إننا إذن كالأعمى الذي يبحث في الليل
داخل غرفة مظلمة عن قبعة سوداء لا وجود لها .
الأمر
الذي نرجو تجاوزه قريبا ،خاصة عندما ستتوفر مقررات وكتب دراسية جديدة
ملائمة (بدل كراسات الإدماج الحالية الحافلة بالأخطاء وبالصور الغريبة
والمنفرة )،قد يتم تحديد وترتيب موادها و ملاءمة أساليبها انطلاقا من
الوضعيات الإدماجية وانطلاقا من انسجام المقررات ككل ( أي انسجام المنهاج
بالمعنى الشمولي وبفهمنا النسقي المتكامل لمصطلح الاندماج ، انظر العنوان
الأخير في هذه الدراسة والذي نقارن فيه بين بيداغوجيا الإدماج والمنهاج
المندمج للمؤسسة)، وجعلها أكثر اندماجا وأكثر استحضارا للفروق الفردية بين
التلاميذ ، ذلك أن الاقتصار على الوضعيات الإدماجية الواردة في دليل
بيداغوجيا الإدماج، من شأنه أن يقحم الفاعلين التربويين في بيداغوجيا
تنميطية اختزالية لا تراعي خصوصيات التلاميذ السيكولوجية (وتيرة وأسلوب
التعلم ...) والثقافية وطبيعة الفوارق الموجودة بينهم، مما يتطلب الحذر من
تعميم الوضعيات على جميع المدارس المغربية (نذكر هنا على سبيل المثال ،
الوضعية المقترحة على التلاميذ-الأطفال في إحدى الكراسات ، حيث يطلب منهم
فيها ، أن يكلموا أباءهم على هواتفهم المحمولة ،ويطلبون منهم أن يحضروا لهم
ساندويشا من أحد المطاعم، قد يكون ماكدونالد، وبطبيعة الحال يمكن أن
نتصور صعوبة إدراك مثل هذه الوضعية "الإشكالية"التعجيزية ، بالنسبة لتلاميذ
البوادي البعيدة والفقيرة والذين تعاني مدارسهم من وضعية التهميش والهشاشة
، دون الحديث عن الأطفال في وضعية صعبة...) .
وفي
هذا السياق ، سياق الخوف من القطيعة بين المراحل (مرحلة تعلم الموارد
ومرحلة إدماجها في وضعيات ) والانتقال المفاجئ للتلميذ من مرحلة إلى أخرى
،يلاحظ مراد لخصيم أن القول بان التلميذ كفؤ في لحظة زمنية معينة ليس له
أية ضمانة فعلية، ذالك أن المتعلم يتعلم إدماج مكتسباته باستمرار و على مدى
مساره الدراسي.كما أن الكفاية تنمو لدى المتعلم عبر الزمان و من خلال
التمرن و التمرس المستمرين. فلا يكفي أن يتمرس المتعلم على وضعية أو
وضعيتين ليصبح كفؤا، حيث أن تجنيد المكتسبات في مادة الرياضيات مثلا، يتم
عبر التعلم المستمر و المتدرج لاستراتيجيات حل المسائل و النمذجة و ترييض
الوضعيات و الاستدلال الرياضي .
"إن
اعتماد بيداغوجيا الإدماج كإطار منهجي لإرساء المقاربة بالكفايات يفرض قبل
كل شيء، تحسين التعلمات الأساسية ( أي ترسيخ الموارد على أسس متينة ، أولا
وقبل كل شيء) و التي بدونها يصبح من العبث دفع المتعلم إلى إدماج ما
يفتقده و فاقد الشيء لا يعطيه.فكان من الأجدر أن يعزز تعلمه الذاتي عن طريق
بناء تعلماته حتى ينتقل تدريجيا إلى ممارسة الإدماج".
إن التدريس بشكل نمطي لمجموعة غير متجانسة من المتعلمين و الذي تكرسه حاليا منهجية تمرير بيداغوجيا الإدماج بمؤسساتنا التعليمية
، يحد من مبادرات الأستاذ من جهة ويحد من تدرج المتعلم في بناء تعلماته من
السهل إلى الصعب و من البسيط إلى المعقد و من المعلوم إلى المجهول، من جهة
ثانية".( مراد لخصيم ،تعلم الإدماج: هل هو مستجد في المناهج المغربية؟،
موقع وجدة البوابة على النت-2011).
والحقيقة
أن هذا الإشكال قد يجد حلا له في التطبيقات والمراجعات الجزئية والمستمرة
منذ الأسبوع الأول من التدريس ، والتي كنا ننجزها في العادة بعد كل حصة او
لربط الدرس السابق باللاحق والتي عادة ما يقوم بها المدرسون باعتماد حدسهم
وحسهم السليم والذي ينبع من احتكاكهم اليومي بتلاميذهم ومعرفتهم بحاجياتهم
وفروقهم في تتبع كل حصة وكل درس ومدى جودة مكتسباتهم. ويمكن إنجاز تلك
التمارين والتطبيقات من خلال وضعيات بسيطة يتدرب التلميذ من خلالها على
الإدماج وبشكل جزئي . لكن وفي هذه الحالة سيواجهنا السؤال التالي: هل
سنكون في هذه التطبيقات الجزئية نستهدف حفظ معارف ومعلومات والتعود على
مهارات (كما في البيداغوجيا التقليدية) ام نستهدف أهدافا خاصة – إجرائية
(كما في بيداغوجيا الأهداف) تتجمع ل
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى