هبل قديم: في القطار
صفحة 1 من اصل 1
هبل قديم: في القطار
أخذني القطارُ ليلا من وجدة. وصلتُ الدارَ البيضاء مع صياح الديك الذي وضعه بوزفور فوق سطح بيته الذي يتوسط ساحة محمد الخامس. فاحتضنني كرسيٌّ يتوسط مقهى فرنسا. هذه المقهى هي مكاني المفضلُ المناسبُ حيث أنتظر فيه طلوع الضجيج؛ لأَسْرَحَ في شوارع المدينة التي لا تَرى بها أحدا. ولكن ضجيجَ الناس يملأ أذنيَّ. هذه المرة الأخُ وساط عبد القادر هو من حَدَّدَ لي موعدا بهذه المقهى؛ لأنه يعلم أنها المكان المألوف لدي. طبعا جئتُ قبل الموعد الذي ضربه. أخذتُ فطوري المعتاد. ثم فتحتُ الجريدة. ذهبتُ رأسا إلى الكلمات المسهمة، فوجدت أن السهمَ الأول يشير إلى قول عبد الله التالي:
"مَا إِنْ عَلِمْنَا وَافِيــــــــاً مِـنَ الْبَشَرْ
مِنْ أَهْلِ أَمْصَارٍ وَلاَ مِنْ أَهْلِ بَرْ ".
وكانت الكلمة المقصودة هي قوله "بَرْ"، السهم فيه أربعُ مربعات، و "بَرْ" كلمة من حرفين. أخذت هاتفي، ورَكَّبْتُ رقم عبد الملك بن قُريب الذي يسكن بعكراش، على بعد شبرين من مسجد الحسن الثاني، فرد علي أحد أبنائه قائلا: "أبونا سافر إلى بركان؛ ليشاهد مباراة بين الرجاء والنهضة البركانية". فعلمتُ أني لن أفلح في حل عمود السهم الأول. وأنا أفكر في الأمر دخل المقهى رجلٌ قريب من الخمسين، أخذ له مكانا قريبا مني. اِتَّضح أنه زبون مألوف، إذ ما إن جلس حتى أتاه النادل بقهوة سوداء، وبجريدة. أخذ جرعة، ثم فتح الجريدة، وذهب رأسا إلى الكلمات المسهمة. لمحته يفكر في العمود الذي كنتُ حاصلا فيه، لكنه بسرعة ملأه. أرسلت عينيَّ إلى الصفحة، فإذا به يكتب "الوَبَر". فقمتُ إليه، وقلتُ له بعد التحية: "أشعر أني رأيتك من قبل". رفع عينيه نحوي، ثم بادرني بالتحية، وقال: "أهلا بك يا سي محمد"، قلت له: "أتعرفني؟" أجاب: "طبعا.. كنا التقينا بمهرجان الشاون عام 1986 وكان عمري آنداك 26 سنة ". قلت: "أنت المتنبي إذن ؟ "فقال: "نعم"، فقلت له: "جابَك الله. بهذه المدينة رجلان يزعمان أنهما يعرفان الرجازَ واحدا واحدا، وأن أي راجز لم يستطع أن يُخرص بودلير صاحبي"، ضحك المتبي، ثم قال: "حضوري معك سيعصمك منهم". ثم تابعنا معا فك طلاسم الكلمات المسهمه، كلمةً كلمة، وحين انتهينا من ملء الشبكة، طلع منها رجل حليق ينادي: "شبيك لبيك ما تريده بين يديك"، فقلت للمتنبي: "أسامعٌ ما سمعتُ". قال: "نعم.. هو بوزفور، كان مُكَبَّلاً بجوف هذه الكلمات، وحَلُّها أَخْرَجَهُ مِنها. ثم أنشد بوزفور أمام المتنبي قوله :
لَهْفِي عَلَــــــى النَّهْضَةِ فِي رُتْبَتِهَا الأَخِيرَهْ
قَدْ ضَعُفَتْ؛ لأَكْلِهَا الحُمُّصَ وَالْحَرِيـــــــرَه
لَوْ أَكَلَتْ بَسْطِيلَــــــةً أَوْ أَكَلَــــتْ مَضِيرَه
"لَوْ" أَبَداً مَا جَعَلَتْ لُقَيْمَــــــــــةً كَـــــــبِيرَه
فبكى المتنبي وقال: "أحقا هي الرتبة الأخيرة يأ أحمد؟" ثم اختفى. وبقيت وحدي أنتظر وساطا؛ لأسأله عن شكل هذه الرائية، هل هي أرجوزة أم هل هي قصيدة؟ مرت ساعة، مرت ساعتان، مر عام، مر عامان، مر قرن مر قرنان وما جاء وساط..
محمد علي الرباوي
"مَا إِنْ عَلِمْنَا وَافِيــــــــاً مِـنَ الْبَشَرْ
مِنْ أَهْلِ أَمْصَارٍ وَلاَ مِنْ أَهْلِ بَرْ ".
وكانت الكلمة المقصودة هي قوله "بَرْ"، السهم فيه أربعُ مربعات، و "بَرْ" كلمة من حرفين. أخذت هاتفي، ورَكَّبْتُ رقم عبد الملك بن قُريب الذي يسكن بعكراش، على بعد شبرين من مسجد الحسن الثاني، فرد علي أحد أبنائه قائلا: "أبونا سافر إلى بركان؛ ليشاهد مباراة بين الرجاء والنهضة البركانية". فعلمتُ أني لن أفلح في حل عمود السهم الأول. وأنا أفكر في الأمر دخل المقهى رجلٌ قريب من الخمسين، أخذ له مكانا قريبا مني. اِتَّضح أنه زبون مألوف، إذ ما إن جلس حتى أتاه النادل بقهوة سوداء، وبجريدة. أخذ جرعة، ثم فتح الجريدة، وذهب رأسا إلى الكلمات المسهمة. لمحته يفكر في العمود الذي كنتُ حاصلا فيه، لكنه بسرعة ملأه. أرسلت عينيَّ إلى الصفحة، فإذا به يكتب "الوَبَر". فقمتُ إليه، وقلتُ له بعد التحية: "أشعر أني رأيتك من قبل". رفع عينيه نحوي، ثم بادرني بالتحية، وقال: "أهلا بك يا سي محمد"، قلت له: "أتعرفني؟" أجاب: "طبعا.. كنا التقينا بمهرجان الشاون عام 1986 وكان عمري آنداك 26 سنة ". قلت: "أنت المتنبي إذن ؟ "فقال: "نعم"، فقلت له: "جابَك الله. بهذه المدينة رجلان يزعمان أنهما يعرفان الرجازَ واحدا واحدا، وأن أي راجز لم يستطع أن يُخرص بودلير صاحبي"، ضحك المتبي، ثم قال: "حضوري معك سيعصمك منهم". ثم تابعنا معا فك طلاسم الكلمات المسهمه، كلمةً كلمة، وحين انتهينا من ملء الشبكة، طلع منها رجل حليق ينادي: "شبيك لبيك ما تريده بين يديك"، فقلت للمتنبي: "أسامعٌ ما سمعتُ". قال: "نعم.. هو بوزفور، كان مُكَبَّلاً بجوف هذه الكلمات، وحَلُّها أَخْرَجَهُ مِنها. ثم أنشد بوزفور أمام المتنبي قوله :
لَهْفِي عَلَــــــى النَّهْضَةِ فِي رُتْبَتِهَا الأَخِيرَهْ
قَدْ ضَعُفَتْ؛ لأَكْلِهَا الحُمُّصَ وَالْحَرِيـــــــرَه
لَوْ أَكَلَتْ بَسْطِيلَــــــةً أَوْ أَكَلَــــتْ مَضِيرَه
"لَوْ" أَبَداً مَا جَعَلَتْ لُقَيْمَــــــــــةً كَـــــــبِيرَه
فبكى المتنبي وقال: "أحقا هي الرتبة الأخيرة يأ أحمد؟" ثم اختفى. وبقيت وحدي أنتظر وساطا؛ لأسأله عن شكل هذه الرائية، هل هي أرجوزة أم هل هي قصيدة؟ مرت ساعة، مرت ساعتان، مر عام، مر عامان، مر قرن مر قرنان وما جاء وساط..
محمد علي الرباوي
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
مواضيع مماثلة
» علاج قديم للتجاعيد...
» عبدالهادي بلخياط
» نص قديم.. سيدي أحمد أوموسى في كهف الغول
» اغاني الفنان الموسيقار عبد الوهاب الدكالي
» انتبه :لديك حساب قديم في بنك لا تستعمله !
» عبدالهادي بلخياط
» نص قديم.. سيدي أحمد أوموسى في كهف الغول
» اغاني الفنان الموسيقار عبد الوهاب الدكالي
» انتبه :لديك حساب قديم في بنك لا تستعمله !
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى