حول حجب جائزة الشعر بالمغرب !
صفحة 1 من اصل 1
أحمد عصيد : من أساء إلى الشعر وإلى جائزة الشعر؟
أحمد عصيد : من أساء إلى الشعر وإلى جائزة الشعر؟
تملكني الاستغراب مما نشرته بعض المنابر الصحفية حول قرار حجب جائزة الشعر لهذه السنة، والذي قدمت بشأنه معطيات مقلوبة تماما ومخالفة لواقع الحال، ورغم احترامي لآراء بعض الأدباء الذين عبروا عن عدم استساغتهم لقرار اللجنة، إلا أنني أودّ بصفتي كنت رئيسا للجنة الشعر أن أدلي بالمعطيات التالية، التي أعتبرها ضرورية لفهم ما جرى تحديدا:
المعطى الأول الذي ينبغي التأكيد عليه هو أنّ أول معيار تمّ وضعه من طرف اللجنة عند بدء أشغالها (والتي كانت تتكون إضافة إلى كاتب هذه السطور من السادة ياسين عدنان ، مبارك وساط، إدريس بلامين وحسن مخافي) أول معيار هو معيار "الشعر ولا شيء غير الشعر"، ما يعني أن الجائزة لا تعطى للأسماء اللامعة ولا للمسار الأدبي، بل للنصّ الشعري بتجرد وموضوعية، وبدون مجاملة لأحد أو تفضيل أو تمييز إيجابي يعتمد أسبابا خارج الشعر.
والمعطى الثاني الذي ينبغي التأكيد عليه كذلك هو أنّ عملية تسريب النقاشات الداخلية للجنة والتي أفسدت كل شيء قد تمت من طرف أحد أعضائها (السيد حسن مخافي)، الذي لم يتحلّ بالمسؤولية فنقل مناقشات اللجنة ومداولاتها السرية إلى أحد الشعراء المتبارين من أجل الجائزة، أو إلى دار النشر التي قامت بترشيحه، مما أدى بهذا المبدع إلى سحب ديوانه معتقدا أن النقاش داخل اللجنة يسير في اتجاه عدم منحه الجائزة، معتبرا ذلك ربما "إهانة" له، بينما الحقيقة أن الديوان المعني كان ضمن الدواوين الثلاثة الأخيرة المرشحة للفوز، وما تم تسريبه كان عبارة عن انتقادات وجهت لديوان الشاعر المذكور من بعض أعضاء اللجنة، وهي انتقادات وجهت لباقي الدواوين المتبارية.
والمعطى الثالث أن هذا العضو اللامسؤول الذي سرّب مداولات اللجنة قد اقترف خطأ آخر لا يغتفر وهو إخبار مبدعين آخرين بما يجري، مما حذا ببعضهم إلى الاتصال بأعضاء اللجنة من أجل الضغط عليهم لإعطاء الجائزة للشاعر المذكور معتبرين عدم فوزه "سابقة" ، كما لو أن من مبادئ الجائزة أو ثوابتها منح الجائزة للمشاهير عوض منحها للشعر، ومستعملين الترهيب عبر الادعاء بوجود "شاعرة توزع الأموال لكي تفوز"، وهو ما يعني أنه في حالة ما إذا لم تعط الجائزة للشاعر المذكور فإن أعضاء اللجنة "مرتشون"، وهذا غاية الغلط الذي يصل إلى حدّ المسّ بكرامة هؤلاء الأعضاء ومصداقيتهم، وهو ما حذا بي إلى التفكير في الاستقالة من اللجنة، فأخبرت بذلك الصديق ياسين عدنان الذي رفض معتبرا أن ما يجري ينبغي الردّ عليه بقوة من داخل اللجنة، كما أخبرت به السيد مدير الكتاب حسن الوزاني عندما اتصل بي ليخبرني بأن أحد الشعراء المترشحين للجائزة قد سحب ديوانه.
المعطى الرابع الذي ينبغي توضيحه هو أن العضو الذي سرب مداولات اللجنة قد حاول الضغط عليّ شخصيا وبشكل مباشر داخل الوزارة بعد خروجنا من الاجتماع الثاني للجنة، حيث قال لي بالحرف ": إذا لم نعط الجائزة للشاعر محمد بنطلحة فسنتعرض لهجومات من الجميع لأنه لا أحد سيقبل بذلك"، وهو الكلام الذي رغم أنه أزعجني رددت عليه بالقول: " بصفتي رئيسا للجنة سأتولى الدفاع عن قرارنا أمام الرأي العام الثقافي الوطني وتوضيح مسوغات اختيارنا للديوان الفائز، فلا خوف من أي هجوم كيفما كان".
المعطى الخامس هو أن العضو المذكور قد قام منذ انتهاء أشغال اللجنة وإلى اليوم بحملة تضليل كبيرة في أوساط الكتاب والمبدعين لا يقبل بها أي من أعضاء اللجنة، محاولا خلق الالتباس للتغطية على خطئه، بل إنه إمعانا في مراكمة الأخطاء دعا وزارة الثقافة عبر الصحافة إلى عدم تعيين "غرباء عن الشعر" في لجنة الشعر، كما لو أن ما حدث يعود إلى عدم كفاءة أعضاء اللجنة، والحقيقة أنه بسلوكه إنما يعبر عن أنه الغريب الوحيد عن الشعر في اللجنة، لأنه جاء إليها بنية وأهداف غير قراءة الشعر وتقييمه، ولأنه العضو الوحيد داخل اللجنة الذي ليس شاعرا.
المعطى السادس أنّ الدواوين المتبارية في النهاية كانت جيدة وتستحق الفوز بالجائزة ومنها ديوان "ألهو بهذا العمر" للشاعرة وداد بنموسى وديوان "وصايا.. لا تلزم أحدا" للشاعر مصطفى الشليح، وديوان "أخسر السماء وأربح الأرض" للشاعر محمد بنطلحة، كما كانت هناك أسماء مبدعة نالت إعجاب اللجنة مثل عائشة البصري.
أن السبب الذي جعل أعضاء اللجنة يقتنعون بضرورة حجب الجائزة، رغم ما سببه لهم ذلك من ألم وانزعاج بالغين، هو اقتناعهم المبدئي بضرورة فتح نقاش شجاع وجريء حول سلوكات بعض الكتاب والأدباء وحول عقلية آن الأوان لإدانتها والقطع معها، وهي عقلية المحاباة والمجاملة والكولسة والدسّ والمكيدة التي تجعل الشعر آخر اهتماماتها.
أن وزارة الثقافة ليست مسؤولة عن أخطاء الكتاب والأدباء، وأن ما حدث من سحب شاعر لديوانه بعد بدء أشغال اللجنة، والذي هو سلوك غير مسبوق، قد تم بسبب تسريب تفاصيل مداولات اللجنة مع وجود فراغ قانوني دعت اللجنة في تقريرها النهائي إلى تداركه بالتنصيص في قانون الجائزة على عدم السماح لأي مترشح بسحب عمله بعد انطلاق أشغال اللجان، وعلى ألا يقبل ترشح أي عمل لم يتقدم صاحبه بطلب مكتوب وموقع من طرفه شخصيا.
أنه إذا كان هناك من أساء إلى الشعر وإلى جائزة الشعر وإلى اللجنة وإلى الوزارة وإلى السيد محمد بنطلحة فهو من قام بخرق القانون وبتسريب مداولات اللجنة واعتماد التحيز السافر عوض الحياد الموضوعي.
ختاما أشير أنه في حالة ما إذا شكك أي طرف في هذه المعطيات، فإنني بصفتي عضوا في اللجنة المعنية ومنسقا واكب أشغالها من البداية حتى النهاية سأدعو جميع الأعضاء إلى المواجهة أمام الرأي العام الوطني وأمام الصحافة من أجل الكشف عن كل المعطيات والتفاصيل بدون تحفظ خدمة للحقيقة وردعا للسلوكات اللاقانونية واللاأخلاقية.
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
مخافي: حجب جائزة الشعر انتصار للقصيدة المغربية ضد الإسفاف
قرأت ما عممه السيد أحمد عصيد على بعض وسائل الإعلام، تحت عنوان "من أساء إلى الشعر وإلى جائزة الشعر؟". ولم أكن لأرد على هذا الرجل الذي يقتات ثقافيا على ما يثيره بين الحين والآخر من قضايا سجالية لا تخدم الثقافة المغربية في شيء، لولا أنه ذكرني بالاسم، وجعل مني بين عشية وضحاها عضوا استثنائيا داخل لجنة الشعر يمتلك حق توجيه عملها، في حين أنني لم أكن سوى واحد من خمسة أعضاء.
قد يكون لي رأي خاص، أسوة بباقي الأعضاء، ولكنني في جميع الأحوال لا أمتلك إمكانية استمالة الآخرين كي يتبنوا هذا الرأي بمن فيهم السيد عصيد، ولا أرضى ذلك لنفسي. والحال أن قرار حجب الجائزة قد اتخذ بالإجماع.
ولكن صاحب "التوضيح" الذي يبدو أنه ألف أن يفكر بمنطق نظرية المؤامرة أبى إلا أن يشيطن عمل لجنة الشعر الذي كلف الزملاء من أعضائها ساعات طوالا من الجهد والوقت كي يبرر فيما يبدو عجزه عن الوفاء بوعد قد يكون قطعه على نفسه تجاه جهة ما.
يزعم السيد عصيد أن ما دفع الشاعر محمد بنطلحة إلى سحب ترشيح ديوانه يعود لعمل مدبر، يتمثل في أنني سربت مداولات اللجنة إلى الشاعر أو الناشر.
وللتذكير فإن عملية السحب تمت في وقت اختارت فيه اللجنة بالإجماع ديوان بنطلحة ضمن ثلاثة أعمال كان من المفروض أن تبت فيها. مما يعني أن سبب السحب كان يعود لدوافع أخرى غير ما ذهب إليه التوضيح المزعوم.
ولماذا لا يكون السيد عصيد الذي لم يرشح الشاعر بنطلحة لنيل الجائزة في أية مرحلة من مراحل الانتقاء هو من أشاع أن حظه في الفوز ضئيل مما حدا بالناشر إلى سحب ترشيحه، وبهذا يتخلص عصيد من حاجز كان يقف دون الوصول إلى هدفه المبيت. ومن كانت له مصلحة في أن يسحب الشاعر بنطلحة عمله، هل هو من يدافع عن أحقيته في نيل الجائزة أم من لم يرشح عمله على الإطلاق؟
شيطنة عمل لجنة الشعر لم تقتصر على الزعم بوجود تسريب لمداولات اللجنة، بل طالت أشخاصا آخرين قال السيد عصيد إنهم مارسوا عليه ضغوطا كي يمنح الجائزة لبنطلحة، واصفا ذلك بأنه ابتزاز.
وعصيد هنا يسوق نفسه باعتباره صاحب القرار في إسناد الجائزة لهذا الشاعر أو ذاك في حين أن الأمر موكول بالتساوي لكل أعضاء اللجنة. وبغض النظر عن تضخم الذات الذي يعبر عنه الرجل، فإن العبرة ليست في أن فلانا قد اتصل بعلان لصالح مرشحة أو مرشح، بل العبرة في الأخذ بهذا الاتصال من عدمه.
ولكن عصيد الذي يعتقد أنه يمتلك الحل والعقد داخل اللجنة توهم أنه وحده من تلقى اتصالات هاتفية. ولا أذيع سرا إن قلت إني شخصيا تلقيت اتصالات هاتفية من أشخاص يحتلون مكانة في الواجهة الثقافية لصالح عمل غير عمل محمد بنطلحة، ولكني لم أعر اهتماما لهذه الاتصالات التي اعتبرها "عادية" في مثل هذه المواقف.
من أجل هذا تحفظت داخل اللجنة عن استعمال كلمات "التسريب" و"الضغط" و"الابتزاز". وقلت للزملاء أعضاء اللجنة إننا عندما نتكلم عن التسريب ينبغي أن نعي ما نقول، لأن ذلك يجب أن يتبع بتحديد المسؤول عن التسريب المفترض، وأن تتخذ اللجنة موقفا جماعيا ممن سرب إن وجد،
وكان على صاحب التوضيح آنذاك أن يشير إلي بالبنان، وعندها نتكاشف داخل اللجنة وندين من سرب مداولاتها، إن كان هناك من سرب فعلا. وما زلت عند رأيي الذي عبرت عنه داخل اللجنة، ومفاده أن ناشر عمل الأستاذ محمد بنطلحة عمد إلى سحب الديوان من الترشيح لأسباب وصفها بأنها موضوعية، وقد لا ترتبط بالضرورة بعمل لجنة الشعر ولا بتقويمها للعمل.
ولكن السيد عصيد الذي عجز عن إقناع أعضاء اللجنة بالعمل الشعري الذي كان منذورا للدفاع عنه، راح يبحث عن مشجب يعلق عليه فشله في الوفاء "بالتزاماته" تارة بالقول إن مداولات اللجنة قد تم تسريبها وتارة أخرى بالزعم بأنه تعرض لضغوط من جهة ما.
إن هذا يثير تساؤلات كبيرة عن معايير تشكيل لجن جائزة المغرب وجائزة الشعر بالخصوص، ذلك أن هذه اللجنة قد تم انتقاء أعضائها وفق معرفتهم باللغات التي كتبت بها الأعمال المرشحة. وقد اختير عصيد لهذه اللجنة لأن من الأعمال المرشحة ما هو مكتوب باللغة الأمازيغية.
ومن المفارقات في حياة السيد عصيد الثقافية أنه لم يرشح في أية مرحلة من مراحل مداولات اللجنة عملا مكتوبا بالأمازيغية.
ولا غرابة في ذلك لأنه التحق باللجنة كي ينتصر لعمل محدد مسبقا. ولكنه لم يعرف كيف يدافع عنه لقلة خبرته بالشعر العربي، فاختار الهروب إلى الأمام، كي يعطي دروسا للمثقف المغربي في الأخلاق هو نفسه في أمس الحاجة إليها.
والآن وقد أصبحت مداولات اللجنة في ملك كل من يرغب في الاطلاع عليها، فإني مصر على ما أعلنته أمام الزملاء الذين أكن لهم احتراما وتقديرا كبيرين، وفحواه أن حجب الجائزة لهذه السنة هو انتصار للشعر المغربي ضد الإسفاف والتمييع.
كما أعلن باعتزاز كبير أنني دافعت باستماتة وبموضوعية في نفس الوقت عن عمل الشاعر المغربي الكبير محمد بنطلحة، ليس لأن هذا الشاعر الفذ ساهم في صياغة المشهد الشعري المغربي على مدى أربعين عاما فقط، وليس لأن أعماله تدرس في أكبر الجامعات العربية والمغربية فحسب، ولكن أيضا وأساسا لأن ديوان "أخسر السماء وأربح الأرض" عمل يختزل هذه التجربة الشعرية الغنية ويضيف إليها. من أجل هذا فإنه لو قيض للعمل أن ينال الجائزة لكان ذلك تشريفا لجائزة المغرب للكتاب قبل أن يكون تشريفا لهذا الشاعر الكبير الذي لم يسع أبدا لأية جائزة.
وختاما فإني أبدي عجبي من أن السيد عصيد ذكرني في "مكتوبه" بالاسم، وكال لي تهما جزافية تفتقر إلى أي دليل، الشيء الذي يجعل ما جاء في "توضيحه" يقع تحت طائلة القانون، وهو حق أحتفظ به لنفسي عند الضرورة.
قد يكون لي رأي خاص، أسوة بباقي الأعضاء، ولكنني في جميع الأحوال لا أمتلك إمكانية استمالة الآخرين كي يتبنوا هذا الرأي بمن فيهم السيد عصيد، ولا أرضى ذلك لنفسي. والحال أن قرار حجب الجائزة قد اتخذ بالإجماع.
ولكن صاحب "التوضيح" الذي يبدو أنه ألف أن يفكر بمنطق نظرية المؤامرة أبى إلا أن يشيطن عمل لجنة الشعر الذي كلف الزملاء من أعضائها ساعات طوالا من الجهد والوقت كي يبرر فيما يبدو عجزه عن الوفاء بوعد قد يكون قطعه على نفسه تجاه جهة ما.
يزعم السيد عصيد أن ما دفع الشاعر محمد بنطلحة إلى سحب ترشيح ديوانه يعود لعمل مدبر، يتمثل في أنني سربت مداولات اللجنة إلى الشاعر أو الناشر.
وللتذكير فإن عملية السحب تمت في وقت اختارت فيه اللجنة بالإجماع ديوان بنطلحة ضمن ثلاثة أعمال كان من المفروض أن تبت فيها. مما يعني أن سبب السحب كان يعود لدوافع أخرى غير ما ذهب إليه التوضيح المزعوم.
ولماذا لا يكون السيد عصيد الذي لم يرشح الشاعر بنطلحة لنيل الجائزة في أية مرحلة من مراحل الانتقاء هو من أشاع أن حظه في الفوز ضئيل مما حدا بالناشر إلى سحب ترشيحه، وبهذا يتخلص عصيد من حاجز كان يقف دون الوصول إلى هدفه المبيت. ومن كانت له مصلحة في أن يسحب الشاعر بنطلحة عمله، هل هو من يدافع عن أحقيته في نيل الجائزة أم من لم يرشح عمله على الإطلاق؟
شيطنة عمل لجنة الشعر لم تقتصر على الزعم بوجود تسريب لمداولات اللجنة، بل طالت أشخاصا آخرين قال السيد عصيد إنهم مارسوا عليه ضغوطا كي يمنح الجائزة لبنطلحة، واصفا ذلك بأنه ابتزاز.
وعصيد هنا يسوق نفسه باعتباره صاحب القرار في إسناد الجائزة لهذا الشاعر أو ذاك في حين أن الأمر موكول بالتساوي لكل أعضاء اللجنة. وبغض النظر عن تضخم الذات الذي يعبر عنه الرجل، فإن العبرة ليست في أن فلانا قد اتصل بعلان لصالح مرشحة أو مرشح، بل العبرة في الأخذ بهذا الاتصال من عدمه.
ولكن عصيد الذي يعتقد أنه يمتلك الحل والعقد داخل اللجنة توهم أنه وحده من تلقى اتصالات هاتفية. ولا أذيع سرا إن قلت إني شخصيا تلقيت اتصالات هاتفية من أشخاص يحتلون مكانة في الواجهة الثقافية لصالح عمل غير عمل محمد بنطلحة، ولكني لم أعر اهتماما لهذه الاتصالات التي اعتبرها "عادية" في مثل هذه المواقف.
من أجل هذا تحفظت داخل اللجنة عن استعمال كلمات "التسريب" و"الضغط" و"الابتزاز". وقلت للزملاء أعضاء اللجنة إننا عندما نتكلم عن التسريب ينبغي أن نعي ما نقول، لأن ذلك يجب أن يتبع بتحديد المسؤول عن التسريب المفترض، وأن تتخذ اللجنة موقفا جماعيا ممن سرب إن وجد،
وكان على صاحب التوضيح آنذاك أن يشير إلي بالبنان، وعندها نتكاشف داخل اللجنة وندين من سرب مداولاتها، إن كان هناك من سرب فعلا. وما زلت عند رأيي الذي عبرت عنه داخل اللجنة، ومفاده أن ناشر عمل الأستاذ محمد بنطلحة عمد إلى سحب الديوان من الترشيح لأسباب وصفها بأنها موضوعية، وقد لا ترتبط بالضرورة بعمل لجنة الشعر ولا بتقويمها للعمل.
ولكن السيد عصيد الذي عجز عن إقناع أعضاء اللجنة بالعمل الشعري الذي كان منذورا للدفاع عنه، راح يبحث عن مشجب يعلق عليه فشله في الوفاء "بالتزاماته" تارة بالقول إن مداولات اللجنة قد تم تسريبها وتارة أخرى بالزعم بأنه تعرض لضغوط من جهة ما.
إن هذا يثير تساؤلات كبيرة عن معايير تشكيل لجن جائزة المغرب وجائزة الشعر بالخصوص، ذلك أن هذه اللجنة قد تم انتقاء أعضائها وفق معرفتهم باللغات التي كتبت بها الأعمال المرشحة. وقد اختير عصيد لهذه اللجنة لأن من الأعمال المرشحة ما هو مكتوب باللغة الأمازيغية.
ومن المفارقات في حياة السيد عصيد الثقافية أنه لم يرشح في أية مرحلة من مراحل مداولات اللجنة عملا مكتوبا بالأمازيغية.
ولا غرابة في ذلك لأنه التحق باللجنة كي ينتصر لعمل محدد مسبقا. ولكنه لم يعرف كيف يدافع عنه لقلة خبرته بالشعر العربي، فاختار الهروب إلى الأمام، كي يعطي دروسا للمثقف المغربي في الأخلاق هو نفسه في أمس الحاجة إليها.
والآن وقد أصبحت مداولات اللجنة في ملك كل من يرغب في الاطلاع عليها، فإني مصر على ما أعلنته أمام الزملاء الذين أكن لهم احتراما وتقديرا كبيرين، وفحواه أن حجب الجائزة لهذه السنة هو انتصار للشعر المغربي ضد الإسفاف والتمييع.
كما أعلن باعتزاز كبير أنني دافعت باستماتة وبموضوعية في نفس الوقت عن عمل الشاعر المغربي الكبير محمد بنطلحة، ليس لأن هذا الشاعر الفذ ساهم في صياغة المشهد الشعري المغربي على مدى أربعين عاما فقط، وليس لأن أعماله تدرس في أكبر الجامعات العربية والمغربية فحسب، ولكن أيضا وأساسا لأن ديوان "أخسر السماء وأربح الأرض" عمل يختزل هذه التجربة الشعرية الغنية ويضيف إليها. من أجل هذا فإنه لو قيض للعمل أن ينال الجائزة لكان ذلك تشريفا لجائزة المغرب للكتاب قبل أن يكون تشريفا لهذا الشاعر الكبير الذي لم يسع أبدا لأية جائزة.
وختاما فإني أبدي عجبي من أن السيد عصيد ذكرني في "مكتوبه" بالاسم، وكال لي تهما جزافية تفتقر إلى أي دليل، الشيء الذي يجعل ما جاء في "توضيحه" يقع تحت طائلة القانون، وهو حق أحتفظ به لنفسي عند الضرورة.
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
( قل هاتوا برهانكم إن كنتمْ صادقين ) سورة البقرة. الآية 111
أورد السيد حسن مخافي، الذي لن نناقشه في " الإسفاف " إلا بعد نشر " تقريره "، وإلا بعد درسه النقدي لديوان المرشح الذي آثره، درسا لا قدرة له عليه، وإنْ على مقتطف أول من ذلك العمل، أنّ اتصالات تمت به لفائدة ترشيح آخر.
نسأل أولا: منْ سرٌَبَ أسماء أعضاء اللجنة ؟ هما جهتان: مسؤولو الوزارة أو عضو من اللجنة.
ونسأل ثانيا: من الأشخاص الذين " يحتلون مكانة في الواجهة الثقافية " اتصلوا به لفائدة ترشيح ثان ؟
مصطفى الشليح
نسأل أولا: منْ سرٌَبَ أسماء أعضاء اللجنة ؟ هما جهتان: مسؤولو الوزارة أو عضو من اللجنة.
ونسأل ثانيا: من الأشخاص الذين " يحتلون مكانة في الواجهة الثقافية " اتصلوا به لفائدة ترشيح ثان ؟
مصطفى الشليح
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
الإسفاف في " لسان العرب "
سَفِفْتُ السَّويقَ والدَّواءَ ونحوهما، بالكسر، أَسَفُّه سَفّاً واسْتَفَفْتُه: قَمِحْتُه إذا أَخذته غير ملتوت، وكل دَواء يؤخذ غير معجون فهو سَفُوفٌ، بفتح السين، مثل سَفُوفِ حبّ الرُّمان ونحوه، والاسم
السُّفّةُ والسَّفُوفُ. واقْتماحُ كل شيء يابس سَفٌّ؛ والسَّفوفُ: اسم لما
يُسْتَفُّ.
وقال أَبو زيد: سَفِفْتُ الماءَ أَسَفُّه سَفّاً وسَفِتُّه أَسْفَتُه سَفْتاً إذا أَكثرت منه وأَنت في ذلك لا تَرْوَى.
والسُّفَّةُ: القُمْحةُ. والسَّفَّةُ: فِعْل مرة. الجوهري: سُفّة من السويق، بالضم، أَي حَبّة منه وقُبْضةٌ. وفي حديث أَبي ذر: قالت له امرأَة:
ما في بيتك سُفَّةٌ ولا هِفّةٌ؛ السُّفَّة ما يُسَفُّ من الخُوص كالزَّبيل ونحوه أَي يُنْسَجُ، قال: ويحتمل أَن يكون من السَّفُوفِ أَي ما يسْتَفُّ.
وأَسَفَّ الجُرْحَ الدّواءَ: حَشاه به، وأَسَفَّ الوَشْمَ بالنَّؤُورِ: حشاهُ، وأَسَفَّه إياه كذلك؛ قال مليح:
أَو كالـْوشُومِ أَسَفَّتْها يَمانـِيةٌ
من حَضْرَمَوْتَ نُؤُوراً، وهو مَـمْزوجُ
وفي الحديث: أُتي برجل فقيل إنه سرق فكأَنما أُسِفَّ وجْهُ رسولِ اللّه،صلى اللّه عليه وسلم، أَي تغيّر وجْهُه واكْمَدَّ كأَنما ذُرَّ عليه شيء غيّره، من قولهم أَسْفَفْتُ الوَشْم وهو أَن يُغْرَزَ الجلدُ بإبرة ثم تُحْشى الـمَغارِزُ كُحْلاً. الجوهري: وأُسِفَّ وجهُه النَّؤُورَ أَي ذُرّ عليه؛ قال ضابئ بن الحرث البُرْجُمِي يصف ثوراً:
شَديدُ بَريقِ الحاجِبَيْنِ كأَنما
أُسِفَّ صَلى نارٍ، فأَصْبَحَ أَكْحَلا
وقال لبيد:
أَو رَجْعُ واشِمة أُسِفَّ نَؤُورُها
كِفَفاً تَعَرَّضَ، فَوْقَهُنَّ، وِشامُها
وفي الحديث: أَن رجلاً شكا إليه جِيرانَه مع إحْسانِه إليهم فقال: إن كان كذلك فكأَنما تُسِفُّهم المَلُّ؛ المَلِّ: الرَّمادُ الحارُّ، أَي تَجعل وجُوههم كلوْن الرماد، وقيل: هو من سَفِفْتُ الدواء أَسَفُّه
وأَسْفَفْتُه غيري، وفي حديث آخر: سَفُّ المَلّةِ خير من ذلك.
والسَّفُوفُ: سَوادُ اللَّثةِ.
وسَفَفْتُ الخُوصَ أَسُفُّه، بالضم سَفّاً وأَسْفَفْتُه إسْفافاً أَي نسجته بعضَه في بعض، وكلُّ شيء ينسج بالأَصابع فهو الإسْفاف. قال أَبو منصور: سَفَفْتُ الخوص، بغير أَلف، معروفة صحيحة؛ ومنه قيل لتصدير الرَّحْل سَفِيف لأَنه مُعْتَرِض كسَفِيف الخوص. والسُّفّة ما سُفَّ من الخوص وجعل مقدار الزَّبيل والجُلَّةِ. أَبو عبيد: رَمَلْتُ الحَصِير وأَرْمَلْتُه وسَفَفْتُه وأَسْفَفْتُه معناه كله نسجته. وفي حديث إبراهيم النخعي: أَنه كره أَن يُوصلَ الشعر، وقال لا بأْس بالسُّفّة؛ السُّفّة: شيء من القَرامل تَضَعُه المرأَة على رأْسها وفي شعرها ليطول، وأَصله من سَفِّ الخوص
ونسْجِه. وسَفِيفَةٌ من خوص: نَسِيجةٌ من خوص. والسفِيفة: الدَّوْخَلَّةُ
من الخوص قبل أَن تُرْمَل أَي تنسج. والسُّفّةُ العَرَقةُ من الخوص
المُسَفّ. اليزيدي: أَسْفَفْتُ الخوص إسْفافاً قارَبْتُ بعضه من بعض، وكلُّه منا الإلصاق والقُرب، وكذلك من غير الخوص؛ وأَنشد:
بَرَداً تُسَفُّ لِثاتُه بالإثْمِدِ
(* هذا الشطر للنابغة وهو في ديوانه:
تجلو بقادمتي حمامةِ أيكةٍ * برداً أُسِفّ لِثاته بالإثمدِ)
وأَحْسَنُ اللِّثاتِ الحُمُّ. والسَّفِيفَةُ: بِطانٌ عَريضٌ يُشَدُّ به
الرَّحْلُ. والسَّفِيفُ: حِزامُ الرَّحْل والهَوْدَج. والسَّفائفُ ما عَرُضَ من الأَغْراضِ، وقيل: هي جميعها.
وأَسَفَّ الطائِرُ والسَّحابةُ وغيرُهما: دَنا من الأَرض؛ قال أَوْس بن حَجَر أَو عبيد بن الأَبرص يصف سحاباً قد تَدلى حتى قَرُب من الأَرض: دانٍ مُسِفٍّ، فَوَيْقَ الأَرضِ هَيْدَبُه،
يكادُ يَدْفَعُه من قامَ بالرَّاحِ
وأَسَفَّ الفَحلُ: أَمال رأْسَه للعَضِيضِ. وأَسَفَّ إلى مَداقِّ الأُمور وأَلائمها: دَنا. وفي الصحاح: أَسَفَّ الرجلُ أَي تَتَبَّعَ مَداقَّ الأُمور، ومنه قيل للَّئيم العَطِيّةِ مُسَفْسِفٌ، وفي نسخة مُسَفِّف؛
وأَنشد ابن بري:
وسامِ جَسِيماتِ الأَُمور، ولا تكنْ
مُسِفّاً، إلى ما دَقَّ منهنَّ، دانِيا
وفي حديث عليّ، عليه السلام: لكني أَسْفَفْتُ إذ أَسَفُّوا؛ أَسَفَّ الطائر إذا دنا من الأَرض في طيرانه. وأَسفّ الرَّجل الأَمر إذا قاربه.
وأَسفَّ: أَحدّ النظر، زاد الفارسي: وصوّب إلى الأَرض. وروي عن الشعبي: أَنه كره أَن يُسِفَّ الرجلُ النظر إلى أُمّه أَو ابنته أَو أُخته أَي يُحِدَّ
النظر إليهن ويُديمه. قال أَبو عبيد: الإسْفاف شِدَّة النظر وحِدّته؛ وكلُّ شيء لَزِمَ شيئاً ولَصِقَ به، فهو مُسِفٌّ، وأَنشد بيت عبيد. والطائر
يُسِفُّ إذا طار على وجه الأَرض.
وسَفِيفُ أُذُنَي الذئب: حِدَّتُهما؛ ومنه قول أَبي العارم في صفة الذئب: فرأَيت سَفِيفَ أُذُنيه، ولم يفسره.
ابن الأَعرابي: والسُّفُّ والسِّفُّ من الحيات الشجاع. شمر وغيره: السّفُّ الحية؛ قال الهذلي:
جَمِيلَ المُحَيّا ماجداً وابن ماجِدٍ
وسُِفّاً ، إذا ما صَرَّحَ المَوْتُ أَفْرعا
والسُّفُّ والسِّفُّ: حَيَّةٌ تطير في الهواء؛ وأَنشد الليث:
وحتى لَو انَّ السُِّفَّ ذا الرِّيشِ عَضَّني،
لـمَا ضَرَّني منْ فيه نابٌ ولا ثَعْرُ
قال: الثَّعْرُ السم. قال ابن سيده: وربما خُصَّ به الأَرْقَمُ؛ وقال الدَّاخِلُ بن حرامٍ الهُذَلي:
لَعَمْرِي لقد أَعْلَمْت خِرْقاً مُبرَّأً
وسُفّاً، إذا ما صَرَّحَ المَوْتُ أَرْوَعا
أَراد: ورجلاً مثل سفٍّ إذا ما صرَّح الموتُ.
والمُسَفْسِفةُ والسَّفْسافةُ: الرِّيح التي تجري فُوَيْقَ الأَرض؛ قال الشاعر:
وسَفْسَفَتْ مُلاَّحَ هَيْفٍ ذابِلا
أَي طَيّرَتْه على وجه الأَرض. والسَّفْسافُ: ما دَقَّ من التراب.
والمُسَفْسِفَةُ: الرِّيحُ التي تُثِيرُه. والسَّفْسافُ: التراب الهابي؛ قال كثيِّر:
وهاج بِسَفْسافِ التراب عَقِيمها
والسَّفْسَفَةُ: انْتِخالُ الدَّقِيق بالمُنخُل ونحوه؛ قال رؤبة:
إذا مَساحِيجُ الرِّياحِ السُّفَّنِ
سَفْسَفْنَ في أَرْجاء خاوٍ مُزْمِنِ
وسَفْسافُ الشِّعْر: رَدِيئُه. وشِعْر سَفْسافٌ: رَدِيء. وسَفْسافُ الأَخْلاقِ: رَديئُها. وفي الحديث: إِن اللّه تبارك وتعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ ويُبْغِضُ سَفْسافَها؛ أَرادَ مداقَّ الأُمورِ ومَلائمَها، شبهت بما دَقَّ من سَفْساف التراب؛ وقال لبيد:
وإذا دَفَنْتَ أَباكَ، فاجْـ
ـعَلْ فَوْقَه خَشَباً وطِينَا
لِيَقِينَ وَجْه الأَمْرٍ سَفْـ
سافَ التُّرابِ، ولنْ يَقِينا
والسَّفْسافُ: الرَّدِيء من كل شيءٍ، والأَمرُ الحقِير وكلُ عَمَل دُونَ الإحْكام سَفْساف، وقد سَفْسَف عَمَله. زفي حديث آخر: إنَّ اللّه رَضِيَ
لكم مَكارِمَ الأَخْلاقِ وكره لكم سَفْسافَها؛ السفساف: الأَمرُ الحَقِير والرَّديء من كل شيء، وهو ضدّ المعالي والمَكارِم، وأَصله ما يطير من
غبار الدَّقيق إذا نُخِلَ والترابِ إذا أُثير. وفي حديث فاطمةَ بنت قَيس:
إني أَخافُ عليكِ سَفاسِفَه؛ قال ابن الأَثير: هكذا أَخرجه أَبو موسى في
السين والفاء ولم يفسره، وقال: ذكره العسكري بالفاء والقاف، ولم يورده أَيضاً في السين والقاف، قال: والمشهور المحفوظ في حديث فاطمة إنما هو: إني أخاف عليك قَسْقاسَتَه، بقافين قبل السينين، وهي العصا؛ قال: فأَما سَفاسِفُه وسَقاسِقُه بالفاء والقاف فلا أَعرفه إلا أَن يكون من قولهم لطرائق السيف سَفاسِقُه، بفاء بعدها قاف، وهي التي يقال لها الفِرِنْدُ، فارسية معرَّبة. والمُسَفْسِفُ: اللئيمُ الطبيعةِ.
والسَّفْسَفُ: ضرب من النبات.
والسَّفِيفُ: اسم من أَسماء إبليس، وفي نسخة: السَّفْسَفُ من أَسماء
إبليس.
وسَفْ تَفْعَلُ، ساكنة الفاء، أَي سوف تَفْعَلُ؛ قال ابن سيده: حكاه ثعلب.
السُّفّةُ والسَّفُوفُ. واقْتماحُ كل شيء يابس سَفٌّ؛ والسَّفوفُ: اسم لما
يُسْتَفُّ.
وقال أَبو زيد: سَفِفْتُ الماءَ أَسَفُّه سَفّاً وسَفِتُّه أَسْفَتُه سَفْتاً إذا أَكثرت منه وأَنت في ذلك لا تَرْوَى.
والسُّفَّةُ: القُمْحةُ. والسَّفَّةُ: فِعْل مرة. الجوهري: سُفّة من السويق، بالضم، أَي حَبّة منه وقُبْضةٌ. وفي حديث أَبي ذر: قالت له امرأَة:
ما في بيتك سُفَّةٌ ولا هِفّةٌ؛ السُّفَّة ما يُسَفُّ من الخُوص كالزَّبيل ونحوه أَي يُنْسَجُ، قال: ويحتمل أَن يكون من السَّفُوفِ أَي ما يسْتَفُّ.
وأَسَفَّ الجُرْحَ الدّواءَ: حَشاه به، وأَسَفَّ الوَشْمَ بالنَّؤُورِ: حشاهُ، وأَسَفَّه إياه كذلك؛ قال مليح:
أَو كالـْوشُومِ أَسَفَّتْها يَمانـِيةٌ
من حَضْرَمَوْتَ نُؤُوراً، وهو مَـمْزوجُ
وفي الحديث: أُتي برجل فقيل إنه سرق فكأَنما أُسِفَّ وجْهُ رسولِ اللّه،صلى اللّه عليه وسلم، أَي تغيّر وجْهُه واكْمَدَّ كأَنما ذُرَّ عليه شيء غيّره، من قولهم أَسْفَفْتُ الوَشْم وهو أَن يُغْرَزَ الجلدُ بإبرة ثم تُحْشى الـمَغارِزُ كُحْلاً. الجوهري: وأُسِفَّ وجهُه النَّؤُورَ أَي ذُرّ عليه؛ قال ضابئ بن الحرث البُرْجُمِي يصف ثوراً:
شَديدُ بَريقِ الحاجِبَيْنِ كأَنما
أُسِفَّ صَلى نارٍ، فأَصْبَحَ أَكْحَلا
وقال لبيد:
أَو رَجْعُ واشِمة أُسِفَّ نَؤُورُها
كِفَفاً تَعَرَّضَ، فَوْقَهُنَّ، وِشامُها
وفي الحديث: أَن رجلاً شكا إليه جِيرانَه مع إحْسانِه إليهم فقال: إن كان كذلك فكأَنما تُسِفُّهم المَلُّ؛ المَلِّ: الرَّمادُ الحارُّ، أَي تَجعل وجُوههم كلوْن الرماد، وقيل: هو من سَفِفْتُ الدواء أَسَفُّه
وأَسْفَفْتُه غيري، وفي حديث آخر: سَفُّ المَلّةِ خير من ذلك.
والسَّفُوفُ: سَوادُ اللَّثةِ.
وسَفَفْتُ الخُوصَ أَسُفُّه، بالضم سَفّاً وأَسْفَفْتُه إسْفافاً أَي نسجته بعضَه في بعض، وكلُّ شيء ينسج بالأَصابع فهو الإسْفاف. قال أَبو منصور: سَفَفْتُ الخوص، بغير أَلف، معروفة صحيحة؛ ومنه قيل لتصدير الرَّحْل سَفِيف لأَنه مُعْتَرِض كسَفِيف الخوص. والسُّفّة ما سُفَّ من الخوص وجعل مقدار الزَّبيل والجُلَّةِ. أَبو عبيد: رَمَلْتُ الحَصِير وأَرْمَلْتُه وسَفَفْتُه وأَسْفَفْتُه معناه كله نسجته. وفي حديث إبراهيم النخعي: أَنه كره أَن يُوصلَ الشعر، وقال لا بأْس بالسُّفّة؛ السُّفّة: شيء من القَرامل تَضَعُه المرأَة على رأْسها وفي شعرها ليطول، وأَصله من سَفِّ الخوص
ونسْجِه. وسَفِيفَةٌ من خوص: نَسِيجةٌ من خوص. والسفِيفة: الدَّوْخَلَّةُ
من الخوص قبل أَن تُرْمَل أَي تنسج. والسُّفّةُ العَرَقةُ من الخوص
المُسَفّ. اليزيدي: أَسْفَفْتُ الخوص إسْفافاً قارَبْتُ بعضه من بعض، وكلُّه منا الإلصاق والقُرب، وكذلك من غير الخوص؛ وأَنشد:
بَرَداً تُسَفُّ لِثاتُه بالإثْمِدِ
(* هذا الشطر للنابغة وهو في ديوانه:
تجلو بقادمتي حمامةِ أيكةٍ * برداً أُسِفّ لِثاته بالإثمدِ)
وأَحْسَنُ اللِّثاتِ الحُمُّ. والسَّفِيفَةُ: بِطانٌ عَريضٌ يُشَدُّ به
الرَّحْلُ. والسَّفِيفُ: حِزامُ الرَّحْل والهَوْدَج. والسَّفائفُ ما عَرُضَ من الأَغْراضِ، وقيل: هي جميعها.
وأَسَفَّ الطائِرُ والسَّحابةُ وغيرُهما: دَنا من الأَرض؛ قال أَوْس بن حَجَر أَو عبيد بن الأَبرص يصف سحاباً قد تَدلى حتى قَرُب من الأَرض: دانٍ مُسِفٍّ، فَوَيْقَ الأَرضِ هَيْدَبُه،
يكادُ يَدْفَعُه من قامَ بالرَّاحِ
وأَسَفَّ الفَحلُ: أَمال رأْسَه للعَضِيضِ. وأَسَفَّ إلى مَداقِّ الأُمور وأَلائمها: دَنا. وفي الصحاح: أَسَفَّ الرجلُ أَي تَتَبَّعَ مَداقَّ الأُمور، ومنه قيل للَّئيم العَطِيّةِ مُسَفْسِفٌ، وفي نسخة مُسَفِّف؛
وأَنشد ابن بري:
وسامِ جَسِيماتِ الأَُمور، ولا تكنْ
مُسِفّاً، إلى ما دَقَّ منهنَّ، دانِيا
وفي حديث عليّ، عليه السلام: لكني أَسْفَفْتُ إذ أَسَفُّوا؛ أَسَفَّ الطائر إذا دنا من الأَرض في طيرانه. وأَسفّ الرَّجل الأَمر إذا قاربه.
وأَسفَّ: أَحدّ النظر، زاد الفارسي: وصوّب إلى الأَرض. وروي عن الشعبي: أَنه كره أَن يُسِفَّ الرجلُ النظر إلى أُمّه أَو ابنته أَو أُخته أَي يُحِدَّ
النظر إليهن ويُديمه. قال أَبو عبيد: الإسْفاف شِدَّة النظر وحِدّته؛ وكلُّ شيء لَزِمَ شيئاً ولَصِقَ به، فهو مُسِفٌّ، وأَنشد بيت عبيد. والطائر
يُسِفُّ إذا طار على وجه الأَرض.
وسَفِيفُ أُذُنَي الذئب: حِدَّتُهما؛ ومنه قول أَبي العارم في صفة الذئب: فرأَيت سَفِيفَ أُذُنيه، ولم يفسره.
ابن الأَعرابي: والسُّفُّ والسِّفُّ من الحيات الشجاع. شمر وغيره: السّفُّ الحية؛ قال الهذلي:
جَمِيلَ المُحَيّا ماجداً وابن ماجِدٍ
وسُِفّاً ، إذا ما صَرَّحَ المَوْتُ أَفْرعا
والسُّفُّ والسِّفُّ: حَيَّةٌ تطير في الهواء؛ وأَنشد الليث:
وحتى لَو انَّ السُِّفَّ ذا الرِّيشِ عَضَّني،
لـمَا ضَرَّني منْ فيه نابٌ ولا ثَعْرُ
قال: الثَّعْرُ السم. قال ابن سيده: وربما خُصَّ به الأَرْقَمُ؛ وقال الدَّاخِلُ بن حرامٍ الهُذَلي:
لَعَمْرِي لقد أَعْلَمْت خِرْقاً مُبرَّأً
وسُفّاً، إذا ما صَرَّحَ المَوْتُ أَرْوَعا
أَراد: ورجلاً مثل سفٍّ إذا ما صرَّح الموتُ.
والمُسَفْسِفةُ والسَّفْسافةُ: الرِّيح التي تجري فُوَيْقَ الأَرض؛ قال الشاعر:
وسَفْسَفَتْ مُلاَّحَ هَيْفٍ ذابِلا
أَي طَيّرَتْه على وجه الأَرض. والسَّفْسافُ: ما دَقَّ من التراب.
والمُسَفْسِفَةُ: الرِّيحُ التي تُثِيرُه. والسَّفْسافُ: التراب الهابي؛ قال كثيِّر:
وهاج بِسَفْسافِ التراب عَقِيمها
والسَّفْسَفَةُ: انْتِخالُ الدَّقِيق بالمُنخُل ونحوه؛ قال رؤبة:
إذا مَساحِيجُ الرِّياحِ السُّفَّنِ
سَفْسَفْنَ في أَرْجاء خاوٍ مُزْمِنِ
وسَفْسافُ الشِّعْر: رَدِيئُه. وشِعْر سَفْسافٌ: رَدِيء. وسَفْسافُ الأَخْلاقِ: رَديئُها. وفي الحديث: إِن اللّه تبارك وتعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ ويُبْغِضُ سَفْسافَها؛ أَرادَ مداقَّ الأُمورِ ومَلائمَها، شبهت بما دَقَّ من سَفْساف التراب؛ وقال لبيد:
وإذا دَفَنْتَ أَباكَ، فاجْـ
ـعَلْ فَوْقَه خَشَباً وطِينَا
لِيَقِينَ وَجْه الأَمْرٍ سَفْـ
سافَ التُّرابِ، ولنْ يَقِينا
والسَّفْسافُ: الرَّدِيء من كل شيءٍ، والأَمرُ الحقِير وكلُ عَمَل دُونَ الإحْكام سَفْساف، وقد سَفْسَف عَمَله. زفي حديث آخر: إنَّ اللّه رَضِيَ
لكم مَكارِمَ الأَخْلاقِ وكره لكم سَفْسافَها؛ السفساف: الأَمرُ الحَقِير والرَّديء من كل شيء، وهو ضدّ المعالي والمَكارِم، وأَصله ما يطير من
غبار الدَّقيق إذا نُخِلَ والترابِ إذا أُثير. وفي حديث فاطمةَ بنت قَيس:
إني أَخافُ عليكِ سَفاسِفَه؛ قال ابن الأَثير: هكذا أَخرجه أَبو موسى في
السين والفاء ولم يفسره، وقال: ذكره العسكري بالفاء والقاف، ولم يورده أَيضاً في السين والقاف، قال: والمشهور المحفوظ في حديث فاطمة إنما هو: إني أخاف عليك قَسْقاسَتَه، بقافين قبل السينين، وهي العصا؛ قال: فأَما سَفاسِفُه وسَقاسِقُه بالفاء والقاف فلا أَعرفه إلا أَن يكون من قولهم لطرائق السيف سَفاسِقُه، بفاء بعدها قاف، وهي التي يقال لها الفِرِنْدُ، فارسية معرَّبة. والمُسَفْسِفُ: اللئيمُ الطبيعةِ.
والسَّفْسَفُ: ضرب من النبات.
والسَّفِيفُ: اسم من أَسماء إبليس، وفي نسخة: السَّفْسَفُ من أَسماء
إبليس.
وسَفْ تَفْعَلُ، ساكنة الفاء، أَي سوف تَفْعَلُ؛ قال ابن سيده: حكاه ثعلب.
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
عدنان: جائزة المغرب للشعر .. السحب والحجب وما بينهما
أسوأ ما يمكن أن يقوم به شاعر هو أن يدعو إلى حجب جائزة شعرية مُعيدًا قيمتها المادية إلى الدولة عوض أن يستفيد منها أشباهُه الشعراء. ومع ذلك فقد جرى الحجب. وَوجدتُ نفسي أنحاز إليه رفقة زملائي في لجنة الشعر لجائزة المغرب للكتاب برسم سنة 2015، ليس تنقيصًا من قيمة القصيدة المغربية ولا تبخيسًا للدواوين المشاركة، لكن رغبة في الاحتجاج على فساد استشرى بما يكفي ليُطلَّ بعنقه دون خجل أو احتراز من داخل لجنة مسؤولة مُعرِّضًا مجهود أعضائها للتّتفيه وأشغالها للإرباك.
لذلك تصوَّرْنا أنّ تجاوُز ما وقع في لجنة الشعر هذه الدورة، والاستمرار في اللعبة كأنَّ شيئًا لم يحدث، يُورّطنا في التواطؤ مع فساد يسهل انتقاده من الخارج فيما المطلوب اليوم محاصرَتُه من الداخل وفضحُه بكل الأساليب، وهذا ما حاولناه.
كان قرار الحجب صعبًا، لكنّنا برّرناه في تقرير وضعناه بين يدي وزارة الثقافة. كنّا نتمنّى لو عرف التقرير طريقه إلى النشر ليُشكّل إطارًا للنقاش، لكن هذا لم يحصل. صبّ أصدقاؤنا الشعراء جام غضبهم على الوزارة والجائزة ولجنة الشعر، فالتمستُ لهم الأعذار. شخصيًّا فضلتُ التريّث في التّوضيح. فما دمنا نحتجُّ على تسريبٍ غادِرٍ طال مداولاتنا ونحن نشتغل، سيكون من المعيب الرّد على الخطأ بآخر من جنسه. لكنّ عدم نشر التقرير أوحى لمن ورّطنا في هذا المستنقع بأن المجال متاحٌ أمامه للمزيد من عجن الطّمي وخلط الأوراق. هكذا صرتُ أطالع باندهاش في الصحافة الوطنية تصريحات عجيبة لهذا العنصر - الأستاذ حسن مخافي (لكي لا أسمّيه) - مرّة ينتقد وزارة الثقافة لأنها عيّنت داخل لجنتنا "غرباء عن الشعر"، ومرّة يزعم أن معيار "الاحتكام للشعر وللشعر وحده" كان من اقتراحه شخصيًّا، ومرة أخرى يشرح أن "مؤامرة على جائزة الشعر" داخل اللجنة انكشفت له - يا لَنباهته - منذ اللقاء الأول. والحمد لله الذي هدى وزارة الثقافة إلى تعيينه عضوًا داخل لجنة الشعر هذه السنة ليكشف المؤامرات ويذود عن حوض الشعر المغربي. هذرٌ كثيرٌ أصابني بالذهول. فالرجل الذي تصوَّرْتُه في موقفِ حرَجٍ وضعفٍ، لا يرجو سوى السّتر بعد الفضيحة، بدا كمن شرب حليب السباع وألهمَهُ شيطانُه الهجومَ وسيلةً للدفاع.
لأجل ذلك، يجب أن نحكي الحكاية من البداية.
هذه أول تجربة شخصيّة لي في لجنة تحكيم جائزة المغرب للكتاب. رغم أنه سبق لي أن كنت محكّما في جوائز عربية ليس آخرها الدورة الأخيرة للمشروعات الأدبية لمؤسسة المورد الثقافي، بل وكنت محكّما في مهرجان سينمائي قارّي مع أنني لست ممثلا ولا مخرجا. وبقدر ما استأنست بهذا العمل بقدر ما أتهيّبُ ما زلتُ من جسامته. إذ بالأمس فقط اعتذرتُ عن لجنة تحكيم جائزة عربية للمقال الصحفي بسبب ضيق الوقت الذي قد يمنعني من الاضطلاع بالمهمة بالجدّية اللازمة. هكذا أعتبر نفسي عمومًا متمرّسًا بما يكفي بهذا التمرين: ممارسة الاختلاف داخل اللجنة وبناء الحجج للدفاع عن اختياراتك أمام زملائك والنقاش الذي قد يحتدّ مع بعض الأعضاء قبل أن يُطوى البساط بما فيه لينضبط الجميع لاختيارات اللجنة النهائية بما فيها تلك التي كان يعارضها في المداولات.
وحينما قبلتُ المشاركة في جائزة المغرب للكتاب هذه الدورة كانت الرّغبة تحذوني في اكتشاف سير الأمور داخلها، وأيضًا في الانتصار للقصيدة المغربية من خلال مهمّةٍ أقدّر محاذيرها. أردتُ أيضًا أن أساهم في ترجمة قناعاتي النظرية حول الجائزة التي انتقدتُها غير ما مرّة في بعض محطّاتها السابقة. لذا من الصعب عليّ القبول بكلام من عيار: "عادي"، "هذه أشياء تحدث بشكل اعتيادي ولا يجب أن توقف مسار العمل"، إلخ. ولذلك أيضًا كنتُ مع قرار الحجب الذي تبلور لاحقًا. كنتُ أفضّلُ حجبًا يُثير النّقع على الخلود لصمت متواطئ يزيد البركة إيسانًا. أفضّلُ حجبًا يفضح ويُعرّي على تتويج ملفّق "يلمُّ الموضوع" ونحمي به سمعتنا وسمعة الجائزة. حجبٌ اعتبرناه احتجاجيًّا ونريد أن يكون له ما بعده.
ثمّ، لنكن واضحين قليلًا، إن لجنةً فشلت في أن تحمي مداولاتها لم تعد مؤهلة برأيي للحكم على تجارب الشعراء وتقييمها. هناك ميثاق أخلاقي تمّ هتكُه على نحوٍ سافر. صحيحٌ أن الريح باغتتنا من كوة واحدة، لكنها كانت كافية لتخلط كل الأوراق وتفسد المنهجية وتنقلنا بشكل مؤسف من نقاش الشعر والجماليات إلى درَكٍ لا يليق لا بالشعر ولا بالشعراء. قد نقدّر أن ثمّة من يملكون من القوة والحزم ما يجعلهم يتجاوزون هذه الاختلالات ويلتفُّون عليها. لكننا نحن رفضنا الاستمرار. فضلنا أن نُحرج الجميع ونحتجّ على وضع لا يشرّف أحدًا لكي نتيح للنقاش الجادّ أن يبدأ. وإليكم القصة من أولها.
ونحن في الكولوار باتجاه قاعة الاجتماع - اجتماعنا الأول - دنا مني حسن مخافي باسمًا متودِّدًا ليهمس في أذني: "أعتقدُ أننا أسعد لجان هذه السنة حظًّا، فمُهمّتُنا في غاية اليُسر." ظننتُه يقصد عدد الكتب. فأمامنا 31 ديوانا فقط فيما لجنة السرد مثلا مطالبة بقراءة 67 عملا سرديا. لكن الرجل استرسل بوضوح أكبر: "قصدي أن محمد بنطلحة مرشّح هذه السنة. وهذا أمر ممتاز، إذ سيشرّفنا كلجنة أن نتوِّج هذا الاسم، كما سيشرّف الجائزة أن ينالها بنطلحة". لا أنكر أن الخبر أسعدني. فبنطلحة من شعرائي المفضلين، ومجرّد الدّراية بصدور ديوان جديد له مبعث سعادة لي كقارئ للشعر وكصديق لتجربة الرّجل. لكن مع ذلك، لا ينبغي أن نُصادر على المطلوب. والمطلوب هو القراءة. القراءة أولًا وقبل كلّ شيء. أمامنا 31 ديوانًا مرشّحًا على قدم المساواة وعلينا أن نضمن لهذه الدواوين التي استُئمِنْنا عليها حقّها في التنافس الحرّ الشريف. على الأقل عبر قراءتها. لذا ما إن حاول مخافي مع بداية الاجتماع جسّ نبضنا الجماعي ملمِّحا إلى أهمية أن تستأنس اللجنة بمسار الشاعر وقيمة مُنجَزِه وهي تتداول في الأعمال المقترحة، حتى تبادَرت إلى ذهني جنايات عديدة ارتُكِبت في حق الأدب المغربي فقط لأن مثل هذا الخطاب المُناوِر والمدلّس وجد من يُزكّيه ويتبنّاه حتى كرّسته العديد من اللجان السابقة عقيدةً ومنهاجا.
هنا تدخّلتُ بصرامة مطالبًا بتحديد معايير واضحة لعملنا. وقد وافقني أعضاء اللجنة مشكورين وسايَرَنا مخافي مضطرًّا. هكذا اتّفقنا على أن يتمّ الاحتكام إلى النّص وإبداعيته بغضّ النظر عن بريق الاسم وأهمية المسار، وأن تتقفّى اللجنة الضوء الشعري خارج اعتبارات الكمّ وشكل الكتاب وجمالية الطباعة. ولأن الدواوين المُقترَحة علينا كانت بالعربية والأمازيغية والدّارجة والفرنسية والانجليزية، فقد تعاقدنا على ألا يتقوقع المحكّمون داخل لغاتهم، وعلى أن تكون الجائزة للشعر لا للغة الكتابة. وفي هذا الإطار جاءنا أحمد عصيد إلى الاجتماع الثاني مقترحا خمسة أعمال شعرية بالعربية مؤكّدا بنزاهة أنّه لم يجد في الدواوين الأمازيغية المشاركة واحدا في مستوى الأعمال العربية التي اختارها. لهذا استغربت وأنا أقرأ مخافي يدلِّسُ قائلا بأن "اختيار عصيد في اللجنة جاء لكونه يتقن اللغة الأمازيغية" بل وتأسَّف مخافي غاية الأسف لأن عصيد "لم يرشِّح أيّ عمل بالأمازيغية". استغربتُ فعلا. فإمّا أنّ الرّجل يريد استغفالنا بتلفيقه، أو أنه يريد أن يستعدي على عصيد شعراء الأمازيغية بإظهاره أمامهم بمظهر من خان مِلّته، وإمّا أنه لم يفهم أصلا فلسفة عمل اللجنة ولا استوعب مدى النضج والتعالي الكبيرين الذين استجاب بهما أعضاؤها للمعايير التي اتّفقنا عليها.
بين الاجتماع الأول والاجتماع الثاني، فزتُ شخصيا بسياحة مذهلة في حدائق الشعر المغربي. غنًى في الأصوات وتنوّعٌ في الحساسيات مُدهش. محمد بنطلحة كالعادة كان متألقا. ديوانه الفاتن (أخسر السماء وأربح الأرض) دليلٌ قاطعٌ على أن الشعر المغربي يحتل مكانه البارز في ساحة الشعر العربي. أحببت (أرض الكنغر) لعبد القادر الجموسي و(لا أشرك بالعزلة أحدًا) لمحمد ميلود غرافي. وداد بنموسى كانت (خفقة قلب) هذه الدورة فنالت تعاطف اللجنة بالتوتر الوجودي الذي طبع ديوانها الأخير، أما عائشة البصري فاستثمرت تجربة المرض في ديوانها بشفافية عالية. يونس الحيول كان صوتا مفاجئا. فالرجل مروّضٌ محترفٌ للندم. خالد بودريف أسعدنا بديوان يعود بقارئه إلى الشطرية والتفعيلة لكن بلغة مشرقة جميلة ورشاقة لا يستطيعها إلا الشعراء المطبوعون. مصطفى الشليح أفحَمنا بوصاياه وبفخامة لغته أيضًا. (الوصايا) أول ديوان أقرأه له أنا الذي تلقّيتُه دائمًا من خلال العلم الثقافي. لست أدري لماذا أحسستُ وأنا أقرأه أنني عثرتُ فيه على ندٍّ للرّاحل محمد الطوبي.
أحمد لمسيَّح في (قتلتني القصيدة) يواصل مساره الشعري بثبات. فالرجل صار معنيّا بالكتابة كأفق وليس برصف الكلام الفطري الموزون والمرصّع الذي كانَهُ الزجل قبل أن يبعث الله في المغاربة لمسيّح ومراد القادري. ومَن أيضًا؟ نبيل منصر بلُغَته الثرية وتجربته المنحازة بشكل تامّ إلى قصيدة النثر. ثم حسن مكوار الشاعر المغربي الكبير الذي أصدرت له جامعة محمد الخامس ديوانا شعريا ضخما من جزأين باللغة الانجليزية في 700 صفحة تقريبا يضمّ الأعمال الشعرية التي كتبها ما بين 1969 و2013. أعرف أن وزارة الثقافة اختارتني لعضوية اللجنة أيضا لأنني ابن الأدب الإنجليزي. لهذا وجدت مسؤوليتي مضاعفةً واللجنة تستأمنني على ديوان حسن مكوار بالذات. من قال إن الشعر المغربي ليس بخير؟ وكم كنتُ أتمنّى لو تعزّزت اللائحة بدواوين أخرى جميلة صدرت في 2014 لكنّ أصحابها لم يتوصّلوا بنسخ من دواوينهم إلا بعد أن انقضى موعد الترشّح للجائزة. أفكّر مثلا في ديوانين جميلين صدرا عن بيت الشعر (لا لزوم لك) لِسُكينة حبيب الله و(أمواج في اليابسة) لمصطفى ملح لم أطّلع عليهما إلّا لاحقًا. وأحبّ أن أضيفهما لمنتخباتي التي تضمّ ما أتصوّره شخصيًّا أجمل إنتاجات الشعر المغربي لهذا العام.
المتن متنوّع، وحساسيات أعضاء اللجنة متباينة. لكن نحن هنا للتداول والنقاش. وهذا التمرين لا يخلو من متعة لمن انخرط فيه لوَجْه الشعر. تبادلتُ بالباب - ونحن في الطريق إلى عقد اجتماعنا الثاني - دردشةً قصيرةً مع أحمد عصيد اشتكى فيها من الفجاجة التي حاول بها حسن مخافي إقناعه بأن الجائزة يجب أن تذهب لبنطلحة وإلا فسنتعرّض للهجوم من كل حدب وصوب. قلت له ضاحكا: "إذا سمعْتَني خلال الجلسة أدافع عن بنطلحة، فلا تعتقد أنّني أفعل خوفًا من تهديدات مخافي". استهجنّا أن يكون بيننا من يعتقد نفسه أذكى من الجميع. يستفرد هكذا - بصلفٍ وقلة ذوق - بنا واحدًا واحدًا ويحاول الاستحواذ على عقولنا وتوجيه قرارنا بشكل غبي. فَأغبى شيء على الإطلاق هو أن لا تحترم ذكاء الآخرين، بل وتتوهّم أنّك أذكى من الجميع. لكننا فضّلنا تجاوز الأمر. طوينا الصفحة وانخرطنا مباشرة في نقاش حرّ مفتوح، لكن جدّيٍّ ومسؤول، انتخبنا على إثره ثلاثة دواوين: (أخسر السماء، وأربح الأرض) لمحمد بنطلحة، (ألهو بهذا العمر) لوداد بنموسى، و(وصايا.. لا تُلزِم أحدًا) لمصطفى الشليح.
هنا لا بد من الإشارة لنقطتين: الأولى، أن ديوان وداد بنموسى كان الوحيد الذي اختاره أعضاء اللجنة الخمسة ضمن لائحتهم القصيرة. وهو ما يفسّر أن اللغط الذي أثير فيما بعد انطلق من هذا التفصيل بالذات. فالاتصالات التي تلقّاها رئيس اللجنة نبّهَتْه الى أنّ الساحة الشعرية تتوقّع تتويج بنطلحة والكلّ - مَن هو هذا الكلّ المزعوم؟ - يتحدّث عن "شاعرة توزّع الأموال لكي تفوز" وأن فوز هذه الشاعرة سيجعل اللجنة تبدو بمظهر اللجنة "المرتشية". هكذا - ودرءًا لشبهة الارتشاء - سيكون من الأسلم للجنة غضُّ الطّرف عن هذه الشاعرة وديوانها.
النقطة الثانية هي أن ثلاثة شعراء من خمسة اقترحوا محمد بنطلحة - كنتُ أحدَهم - لكن أثناء المداولات كان ديوان بنطلحة الأقوى حضورًا في النقاش. تحدّث الشاعر مبارك وساط عن "الجملة الشعرية البنطلحية" مؤكّدا افتتانه بها لكنه أضاف انطباعا نقديا حول خشيته أحيانًا من طغيان تلك الوصفة العجيبة المُتقنة التي "يصنع" بها بنطلحة قصيدته على روح الشاعر، وهو ما انطلق منه أحمد عصيد - ابن الشعرية الأمازيغية الشفوية - ليبوح بأنه إذا كان عليه أن يختار بين الصنعة والشعر العفوي فهو سيميل بالتأكيد إلى لغة الشعر العفوية.
نقاشٌ عاديٌّ جدًّا، وطبيعيٌّ أيضًا. بل إنّ المداولات ما استُحدِثت أصلا إلا لتحتضن مثل هذا النقاش. لكن حينما وصَلَنا، ونحن نستعد للذهاب إلى لقائنا الثالث الحاسم، إيميل من وزارة الثقافة يتضمّن رسالةً من رئيس الجمعية التي طبعت ديوان بنطلحة في فاس يلتمس فيها - لاعتبارات موضوعية (؟) - سحْب الديوان، أُسقِط في أيدينا. وحينما اتّصل الشاعر مبارك وساط بحسن مخافي هاتفيا يسأله عما إذا كان له علمٌ بأسباب هذا السحب، أجابه مخافي غاضبا: "أنت يا وساط تتحمّل مسؤولية في هذا السحب. فبنطلحة يرفض أن يُهان".
لكن من "أهان" بنطلحة؟ هذا السؤال واجهتُ به شخصيًّا حسن مخافي خلال اجتماع اللجنة ولم يُعقِّب. لكن الجواب الغاضب لمخافي على استفسار وسّاط كان بالنسبة لنا دليل إدانة لا غبار عليه. صار السيناريو واضحًا. الرجل نقل مداولاتنا لبنطلحة. نقل له ملاحظة وساط وتعقيب عصيد. بطريقته الخاصة. بأسلوبه الذي صرنا جميعا نشكّ في نزاهته. ولأن بنطلحة شاعر مرهف بالغ الحساسية فقد حصل ما حصل.
لنكن واضحين. لقد كان أداء الأستاذ حسن مخافي داخل اللجنة مثار استهجان. جميع أعضاء اللجنة استهجنوا أسلوبه في الانفراد بهم كلٌّ على حدة ليُقنعهم بضرورة أن تؤول الجائزة إلى بنطلحة. حُجج الرجل فاسدة ومنطقُه غير سليم. والمؤكّد أنه نجح في التشويش على بنطلحة داخل لجنة تضم شاعرَيْن يحبّانه وآخرَيْن يحترمانه حتى ولو لم يكونا من أصدقاء تجربته. يقول المثل إن الجاهل يفعل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوّه. وأضيفُ أن الصديق الفاسد أخطر على المرء من خصمٍ نزيه. لهذا أشعر بالأسف لأن ديوانًا من أجمل ما أنتجه الشعر المغربي خلال العقد الأخير لم يتوَّج بجائزة المغرب للكتاب فقط لأن شخصًا غير مسؤول أبى إلا أن يزُجّ بصاحبه في مواقف عاش مترفّعًا عنها على الدوام.
وأخشى أنَّ ناشر بنطلحة بدوره قد ساهم في الإساءة للرجل وهو يفاجئ الوزارة بسحب الديوان ونحن في أوج المداولات. والطريف ما طفا على السطح مؤخّرًا من حديث عن جائزة عالمية للشعر يقدّمها الناشر ذاتُه في فاس فاز بها محمد بنطلحة. فهل السبب "الموضوعي" للسحب الذي تحدثت عنه رسالة الناشر هو أن هذا الأخير نذر جائزته العالمية لبنطلحة وخشي أن تشوّش عليها جائزة المغرب المحلية البسيطة؟ لست أدري؟ لكن على وزارة الثقافة أن تتابع الموضوع. صحيحٌ أننا لم نتعرّض لأيّ توجيه من طرف الوزارة. بل حتى تقريرُنا الذي حاولنا تركه في عهدتهم في ظرف مغلق بغاية تسليمه للمنسّق العام للجان الجائزة محمد الصغير جنجار رفضوا استلامه. هذا حيادٌ محمود. لكن الحياد سيصير سلبيًّا ما لم تُتابِع الوزارة الموضوع مع الناشر الذي تلاعب بنا جميعًا بسحبه ديوان محمد بنطلحة ونحن في غمرة المداولات، ومع عضو اللجنة الذي أشعل الحرائق داخل اللجنة وإذا به في الوقت الذي كنتُ أعتذر فيه لأصدقائي الصحافيين عن التعليق وكشف ملابسات ما حدث منتظرًا أن تُبادر الوزارة إلى نشر تقريرنا ليوجِّه النقاش الوجهة الصحيحة، كان هو يثرثر في كلّ نادٍ ويوزِّع التصريحات والتهم والمغالطات في الصحافة بكرم مشبوه من ذلك النوع الذي يتقنُه محترفو خلط الأوراق. فأحمد عصيد مثلا - حسب مخافي - "هو الذي طلب الرئاسة" حيث "اقترح نفسه فوافق عليه الأعضاء"، في حين أن الشاعرين مبارك وساط وإدريس بلامين يذكران دون شك أنّني من ورّط عصيد في الرئاسة فوافق. لا أقدّم هذه الشهادة دفاعًا عن عصيد، ولكنني بكلّ صدق ما زلت عاجزًا عن استيعاب الجسارة التي يكذب بها حسن مخافي علينا ونحن بعدُ أحياء.
ومع ذلك، يبقى قرار الحجب مؤسفًا. بل صرت يومًا بعد يومٍ أقتنع بأننا ربما أخطأنا في اتّخاذه. لكن أريدُ فقط التأكيد على أن هشاشة الشعراء ساعتَها غلبَت. وإلّا، فلو وجد أخونا مخافي "بروفايلات" من عياره داخل اللجنة لحَسم أمر الجائزة منذ اليوم الأول. وهو ما رفضناه. وعموما هذه الجائزة لم تبدأ اليوم. كلّنا يعرف أنها كانت في زمن سابق تُفصِّل اللجان على مقاس الفائز المُصطفى سلفًا بشكل مسبق. كما أنّها مُنِحت أحيانا لكتّابٍ كبارٍ أنجزوا كتبًا صغيرةً في دور نشر سرّية لا توزِّع كتبها مما يمنع القارئ الفطن من اختبار قرارات هذه اللجان حينما يحاول ذلك. وكلنا يعرف كيف كان المريدُون يتقرّبون بها من شيوخهم، والطلبةُ من أساتذتهم. أحيانا كان أمرها يُحسَم منذ أول اجتماع حتى أن بعض أعضائها لم يكونوا يضيعون وقتهم في قراءة الكتب الصادرة. ولماذا يقرأون وهم يعرفون مسبقا أن الجائزة من نصيب الكاتب الفلاني بغضّ النظر عن قيمة كتابه؟ لذا فإن طرح حسن مخافي في بداية اجتماعنا الأول فكرة اعتبار مسار الشاعر وقيمته كمعيار كان - في رأيي - خرقًا سافرًا لمبدأ الجائزة الواضح منذ العنوان. فالجائزة تُمنح للكِتاب وليس للكاتب. لكتابٍ بعينه وليس لاسمٍ من الأسماء. وهناك جوائز تُمنح للشاعر على مساره كاملا مثل جائزة أركانة. كما يمكن إحداث جائزة تقديرية تمنحها الدولة سنويا للأدباء المغاربة تقديرًا لمسارهم وعن مجموع أعمالهم... لكن جائزة المغرب للكِتاب، يجب أن تبقى وفية لاسمها: جائزةً للكِتاب. للكِتاب وحده.
الحجب نقمةٌ ما في ذلك شكّ. أما النّعمة التي في طيِّها فهي ما نرجوه من تحصين للجائزة في المستقبل. نريد لمخافي ومن على شاكلته من محترفي الكوْلسَة أن يحسبوا لمناوراتهم ألف حساب. فالمزاج العام يرفض هذه السلوكات. ولَأَنْ نقلب الطاولة كما فعَلْنا أفضلُ بكثير من أن نَشْعَب ما لا يُشْعَب ونقدّم للشعر المغربي جائزة ملفّقة من بقايا زجاج مكسور.
ياسين عدنان
الاثنين 09 مارس 2015
هيسبريس
http://www.hespress.com/art-et-culture/257463.html
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى