سلا / مصطفى الشليح
صفحة 1 من اصل 1
سلا / مصطفى الشليح
ليسَ الشِّعرُ واجِبًا يَومِيًّا في قَصيدةِ سلا، وما كَانَ جُلُّ شُعراءِ المغربِ آبهًا به شَأنًا يَومِيًّا، وإنْ في " تِلميذيَّاتِ" المُختارِ السُّوسيِّ، بلْ ولا كَانَ يَنشدُه إلا إذا سَنحَ أمرٌ أوْ أذِنتْ مُناسبةٌ أو استَدعتْه غايةٌ أوْ أهَلَّتْ به فُسحَةُ استِرواح رَوَّجَتْ لها إخوانياتٌ قيلتْ في الذي يُشبِه الارتجالَ، وإنْ كُنَّا نَرتابُ أنَّ الشَّاعرَ المَغربيَّ لزمَه هذا الاقتِدارُ في الشِّعر الذي لا يُؤتاه إلا المُقيمُون فيه وإلا مُتخذوه شَأنًا تَعبيريًّا في المَعيش اليَوميِّ، وإلا رائضُوه مِراسًا واخْتِلاسًا منْ أويْقَاتِ النَّار في حَديثِها إلى الماءِ.
وسلا رَقراقٌ إلا أنَّ به حُبسَةَ أسْوارٍ تحجُبُ الرَّائيَّ إليه من السُّقوط إلى الشَّمسِ رحيلا في الكَلام. لَعلَّه رَقراقٌ بجلبَابٍ منْ زَبدِ، أوْ لَعلَّه شَيخٌ تَعَمَّمَ مَوجَه فانفَرطتْ سُبحتُه حبَّاتٍ من زَبدٍ يَشربها ذاكَ الرَّملُ الذي يحَدِّقُ في الأسوار سَاحبًا عينيه إلى صَومعةِ المَسجدِ الأعظم مُتَرقِّبًا إشَاراتٍ عنْ طَرائِق صَوغ الكَلام.
هلْ أكتبُ شعرًا ؟ ولم لا والرَّقراقُ أقعدَه الطِّينُ في الأسوار حِقَبًا عن الثَّرثَرةِ إلى الغَيم بمنأى عن المُؤسَّسَةِ وإلزامَاتها التي تُؤخَذُ كَرهًا ؟
ثَرثَرةُ الشَّاعرِ رَقراقٌ، هُنا وهُناكَ، لَكِنَّ الشَّاعرَ، في سلا، كَانَ مُنضبطًا ذا زنَةٍ لغَويَّةٍ تتأبَّى على هَذيَان مَنْ يُوقفُ اللَّيلَ ليَخرجَ، كَمَا القمرُ العَالي، إلى الماءِ يَتفقَّدُ ظلا له لمَّا يؤبْ، بعدُ، إلى ضَلالِه الشِّعريِّ، ويَعقدْ للنَّجْم تاجًا من المعنى ليفرَّ به إلى السَّماءِ سائلا بَقيَّةً منْ كَلام تَسلَّلتْ، بَغتةً، منْ مُعجَمِه، الباحثِ عن مُعجَمِه، والمقالُ لمَّا يَبلُغْ مَقطعَه. مَطلَعُه في يدِه يَشرئِبُّ إلى فَضاءِ الهَشَاشَةِ والرَّهَافَةِ.
لمْ تَكنْ قَصيدةُ سلا ذاتَ هَشَاشَةٍ. كَانَ المتنُ منهَا ذا جَسَاوَةٍ تَشَرَّبَه الغَرضُ إذا يُفرَغُ فيه ويحوطُه من الجُعودَةِ ما صَرفَ سَباطةً قالَ بها حازمٌ القَرطاجنيُّ قديمًا.
تَغريضُ القَصيدَةِ تَسِمُه المؤسَّسَةُ. مَأسَسَةُ القَول الشِّعريِّ انهيارُ شِعريتِه وابتدَاءُ تَرميم الجُملةِ زنةً حَتىَّ تَنتهي نظمًا. تِلكَ الهَشَاشَةُ المومأ، إليها أعلاه، ماءُ الذَّاتِ في انسرابِه، رَفرَفةً، في جَسدِ النَّصِّ منْ حَيثُ ينتفي الدَّالُّ الوافدُ ليَختفِي الدَّالُّ الرَّاصدُ في انعطَافةِ مِرآةٍ يَدخُلُ الشَّاعرُ مِرآتها ليتَحوَّلَ إلى لُغَةٍ تَكتُبُ يَديه بعلوم آلةٍ تُنْتِجُ بَلاغةً جَديدةً، في عُنفوانها، لا تَدينُ، في تخلُّقِها، إلا إلى احتمَال بناءِ تَركيبٍ مختلفٍ يَكونُ إيقاعُ الذَّاتِ اختلافًا به إلى القَصيدَةِ واجبًا يوميًّا وشأنًا شِعريًّا أبدِيًّا. وما كَانتْ قَصيدَةُ سلا هَشَّةً حَدَّ الدَّهْشَةِ.
وسلا رَقراقٌ إلا أنَّ به حُبسَةَ أسْوارٍ تحجُبُ الرَّائيَّ إليه من السُّقوط إلى الشَّمسِ رحيلا في الكَلام. لَعلَّه رَقراقٌ بجلبَابٍ منْ زَبدِ، أوْ لَعلَّه شَيخٌ تَعَمَّمَ مَوجَه فانفَرطتْ سُبحتُه حبَّاتٍ من زَبدٍ يَشربها ذاكَ الرَّملُ الذي يحَدِّقُ في الأسوار سَاحبًا عينيه إلى صَومعةِ المَسجدِ الأعظم مُتَرقِّبًا إشَاراتٍ عنْ طَرائِق صَوغ الكَلام.
هلْ أكتبُ شعرًا ؟ ولم لا والرَّقراقُ أقعدَه الطِّينُ في الأسوار حِقَبًا عن الثَّرثَرةِ إلى الغَيم بمنأى عن المُؤسَّسَةِ وإلزامَاتها التي تُؤخَذُ كَرهًا ؟
ثَرثَرةُ الشَّاعرِ رَقراقٌ، هُنا وهُناكَ، لَكِنَّ الشَّاعرَ، في سلا، كَانَ مُنضبطًا ذا زنَةٍ لغَويَّةٍ تتأبَّى على هَذيَان مَنْ يُوقفُ اللَّيلَ ليَخرجَ، كَمَا القمرُ العَالي، إلى الماءِ يَتفقَّدُ ظلا له لمَّا يؤبْ، بعدُ، إلى ضَلالِه الشِّعريِّ، ويَعقدْ للنَّجْم تاجًا من المعنى ليفرَّ به إلى السَّماءِ سائلا بَقيَّةً منْ كَلام تَسلَّلتْ، بَغتةً، منْ مُعجَمِه، الباحثِ عن مُعجَمِه، والمقالُ لمَّا يَبلُغْ مَقطعَه. مَطلَعُه في يدِه يَشرئِبُّ إلى فَضاءِ الهَشَاشَةِ والرَّهَافَةِ.
لمْ تَكنْ قَصيدةُ سلا ذاتَ هَشَاشَةٍ. كَانَ المتنُ منهَا ذا جَسَاوَةٍ تَشَرَّبَه الغَرضُ إذا يُفرَغُ فيه ويحوطُه من الجُعودَةِ ما صَرفَ سَباطةً قالَ بها حازمٌ القَرطاجنيُّ قديمًا.
تَغريضُ القَصيدَةِ تَسِمُه المؤسَّسَةُ. مَأسَسَةُ القَول الشِّعريِّ انهيارُ شِعريتِه وابتدَاءُ تَرميم الجُملةِ زنةً حَتىَّ تَنتهي نظمًا. تِلكَ الهَشَاشَةُ المومأ، إليها أعلاه، ماءُ الذَّاتِ في انسرابِه، رَفرَفةً، في جَسدِ النَّصِّ منْ حَيثُ ينتفي الدَّالُّ الوافدُ ليَختفِي الدَّالُّ الرَّاصدُ في انعطَافةِ مِرآةٍ يَدخُلُ الشَّاعرُ مِرآتها ليتَحوَّلَ إلى لُغَةٍ تَكتُبُ يَديه بعلوم آلةٍ تُنْتِجُ بَلاغةً جَديدةً، في عُنفوانها، لا تَدينُ، في تخلُّقِها، إلا إلى احتمَال بناءِ تَركيبٍ مختلفٍ يَكونُ إيقاعُ الذَّاتِ اختلافًا به إلى القَصيدَةِ واجبًا يوميًّا وشأنًا شِعريًّا أبدِيًّا. وما كَانتْ قَصيدَةُ سلا هَشَّةً حَدَّ الدَّهْشَةِ.
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
رد: سلا / مصطفى الشليح
هلْ كان المغربُ شاعرًا ؟
ليسَ الشِّعرُ واجِبًا يَومِيًّا في قَصيدةِ سلا، وما كَانَ جُلُّ شُعراءِ المغربِ آبهًا به شَأنًا يَومِيًّا، وإنْ في " تِلميذيَّاتِ" المُختارِ السُّوسيِّ، بلْ ولا كَانَ يَنشدُه إلا إذا سَنحَ أمرٌ أوْ أذِنتْ مُناسبةٌ أو استَدعتْه غايةٌ أوْ أهَلَّتْ به فُسحَةُ استِرواح رَوَّجَتْ لها إخوانياتٌ قيلتْ في الذي يُشبِه الارتجالَ، وإنْ كُنَّا نَرتابُ أنَّ الشَّاعرَ المَغربيَّ لزمَه هذا الاقتِدارُ في الشِّعر الذي لا يُؤتاه إلا المُقيمُون فيه وإلا مُتخذوه شَأنًا تَعبيريًّا في المَعيش اليَوميِّ، وإلا رائضُوه مِراسًا واخْتِلاسًا منْ أويْقَاتِ النَّار في حَديثِها إلى الماءِ.
وسلا رَقراقٌ إلا أنَّ به حُبسَةَ أسْوارٍ تحجُبُ الرَّائيَّ إليه من السُّقوط إلى الشَّمسِ رحيلا في الكَلام. لَعلَّه رَقراقٌ بجلبَابٍ منْ زَبدِ، أوْ لَعلَّه شَيخٌ تَعَمَّمَ مَوجَه فانفَرطتْ سُبحتُه حبَّاتٍ من زَبدٍ يَشربها ذاكَ الرَّملُ الذي يحَدِّقُ في الأسوار سَاحبًا عينيه إلى صَومعةِ المَسجدِ الأعظم مُتَرقِّبًا إشَاراتٍ عنْ طَرائِق صَوغ الكَلام.
هلْ أكتبُ شعرًا ؟ ولم لا والرَّقراقُ أقعدَه الطِّينُ في الأسوار حِقَبًا عن الثَّرثَرةِ إلى الغَيم بمنأى عن المُؤسَّسَةِ وإلزامَاتها التي تُؤخَذُ كَرهًا ؟ ثَرثَرةُ الشَّاعرِ رَقراقٌ، هُنا وهُناكَ، لَكِنَّ الشَّاعرَ، في سلا، كَانَ مُنضبطًا ذا زنَةٍ لغَويَّةٍ تتأبَّى على هَذيَان مَنْ يُوقفُ اللَّيلَ ليَخرجَ، كَمَا القمرُ العَالي، إلى الماءِ يَتفقَّدُ ظلا له لمَّا يؤبْ، بعدُ، إلى ضَلالِه الشِّعريِّ، ويَعقدْ للنَّجْم تاجًا من المعنى ليفرَّ به إلى السَّماءِ سائلا بَقيَّةً منْ كَلام تَسلَّلتْ، بَغتةً، منْ مُعجَمِه، الباحثِ عن مُعجَمِه، والمقالُ لمَّا يَبلُغْ مَقطعَه. مَطلَعُه في يدِه يَشرئِبُّ إلى فَضاءِ الهَشَاشَةِ والرَّهَافَةِ.
لمْ تَكنْ قَصيدةُ سلا ذاتَ هَشَاشَةٍ. كَانَ المتنُ منهَا ذا جَسَاوَةٍ تَشَرَّبَه الغَرضُ إذا يُفرَغُ فيه ويحوطُه من الجُعودَةِ ما صَرفَ سَباطةً قالَ بها حازمٌ القَرطاجنيُّ قديمًا. تَغريضُ القَصيدَةِ تَسِمُه المؤسَّسَةُ. مَأسَسَةُ القَول الشِّعريِّ انهيارُ شِعريتِه وابتدَاءُ تَرميم الجُملةِ زنةً حَتىَّ تَنتهي نظمًا. تِلكَ الهَشَاشَةُ المومأ، إليها أعلاه، ماءُ الذَّاتِ في انسرابِه، رَفرَفةً، في جَسدِ النَّصِّ منْ حَيثُ ينتفي الدَّالُّ الوافدُ ليَختفِي الدَّالُّ الرَّاصدُ في انعطَافةِ مِرآةٍ يَدخُلُ الشَّاعرُ مِرآتها ليتَحوَّلَ إلى لُغَةٍ تَكتُبُ يَديه بعلوم آلةٍ تُنْتِجُ بَلاغةً جَديدةً، في عُنفوانها، لا تَدينُ، في تخلُّقِها، إلا إلى احتمَال بناءِ تَركيبٍ مختلفٍ يَكونُ إيقاعُ الذَّاتِ اختلافًا به إلى القَصيدَةِ واجبًا يوميًّا وشأنًا شِعريًّا أبدِيًّا. وما كَانتْ قَصيدَةُ سلا هَشَّةً حَدَّ الدَّهْشَةِ.
كَيفَ للقَصيدَةِ رَهافتُها وقَدْ حُدِّدَ لها إطارٌ، وقَدْ وُجِدَ له مَسارٌ، وقَدْ عُقِدَ لها أفقٌ وهمَّتْ به طرقٌ ؟ رَهافةُ القَصيدَةِ منْ هَيبتِها. هَلْ كَانتِ القَصيدَةُ مَهيبةً في سلا ؟ وهَلْ كَانَ الشَّاعِرُ شَاعِرًا في المغربِ بِعامَّةٍ ؟ مَنْ كَانَ يَلتفِتُ إلى الشِّعر ؟ ولمنْ كَانَ هذا الشِّعرُ يَسيرُ إذا اقترفَ زنةً وتَقفيةً ؟ وإذا سارَ كَيفَ تَلقِّيه منْ قِبلِ الخَاصَّةِ قبلَ العَامَّةِ ؟
يَكشِفُ الاقترابُ من "نَقدِ الشِّعرِ" في الثَّلاثينيَّاتِ عنْ شَكلِ التلقِّي الذي إذا نأى عنْ مُلاحقَةٍ لُغَويَّةٍ انتهَى في مُراقَبةٍ أخْلاقيَّةٍ للمَقولِ الشِّعريِّ. مجلَّتا "المغرب" و"رسالة المغرب" واجِهتَان لذلكَ التلقِّي، والإعلامُ الثَّقافيُّ، في سلا، يمكنُ اتخاذُه نموذجًا؛ علمًا أنَّ الاحتفالَ بنَقدِ القَصيدَةِ كَانَ، مُتابعًا لها، في مَوسمِيتِّها المُتلفِّعةِ بالغَرضيَّةِ المنَاسبَتيَّةِ.
هَلِ المُناسبةُ إرباكٌ للقَولِ الشِّعريِّ ؟ يَذهَبُ بَعضُ البَاحثين إلى إمْكَانيَةِ ذلكَ. لسنَا ذاهِبينَ، مَعه، إلى تَعقُّبِ تِلكَ الإمْكَانيَةِ لتَفسيرِ تَلكُّؤ القَصيدَةِ عن الانتهَاءِ شِعرًا. يَتَّصِلُ الأمرُ بما يلي: مَنْ كَانَ يَقولُ الشِّعرَ وقتئذٍ ؟
لمْ نسألْ: مَنْ كَانَ يَكتُبُ الشِّعرَ لحظتئذٍ ؟ كَانَ ما يَردُ نظمًا مَبنيًّا على الشَّفهيِّ ومؤسَّسًا على الخطْبيِّ / الخطابيِّ، ولذلكَ طابَ له الثَّواء في مَسكَن الآخَر الشِّعريِّ، ولَذَّ له الاكتفاءُ بما لا يُسألُ عنه، وإذا سُئِلَ كَانَ ابتدَارُه قولا: مَا كَانَ آباؤنا في ضِلَّةٍ يَعمهون إذا همْ قَائلونَ شِعرًا. كَانَ يحسبُ المقولَ شعرًا، ولا لومَ ولا تثريبَ فما انتهَى إليه، طيًّا ونشرًا، خلدَ به إلى استِحضَار بنيَةٍ تَناظُريةٍ، تَعدِلُ عن الخطِّيِّ إلى الدَّوريِّ، وتَبذلُ شَكلا إذا أنشِدَ كَانَ به طقسٌ احتفَاليٌّ يُقرِّبُه من المُقدَّسِ فيقرُّ به إذا كانتِ المُناسبةُ دينيَّةً وإنْ وطنيَّةً فلا فَصلَ لأنها مَوصولةٌ بالدِّينيِّ حُسنَ تخلُّصٍ في السُّلطانياتِ. شَكلٌ مَبذولٌ ذو صِفَةٍ مُحددَّةٍ مُسبقًا والشَّاعِرُ الحقُّ، في العُرفِ الثَّقافيِّ وقتئذٍ، مَنْ يحسُنُ وقفةً لتفريع الصِّفَةِ إلى أخيَّاتٍ لها في المنسُوج ثوبًا نظميًا.
هلْ قَصيدَةُ سلا ذاتُ قَرابَةٍ بالشِّعرِ المَغربيِّ أوْ أنها منه مَائزةٌ عنه ؟ سُؤالٌ يُفضِي الابتدارُ به إلى تَذْكِرَةٍ بالمُؤلَّفَاتِ ذاتِ الصِّبغَةِ الإقليميةِ التي تُوثِّقُ للكِتابةِ في مَركَزٍ ثَقافيٍّ مُعيَّنٍ، من طنجةَ وتطوانَ إلى سلا والرِّباطِ ففاس ومكناس فالصويرةِ ومرَّاكشَ فسوسٍ والصَّحراءِ، إنْ جمعًا لها أوْ تَرجمةً لأدَبائِها وعُلمائِها. كَانَ وعيُ واضِعي تلكَ المُؤلَّفَاتِ ذا حِسٍّ وطنيٍّ شموليٍّ، فلمْ يُلمعْ إلى ميزةٍ تخُصُّ مركَزًا دونَ مركَزٍ، ولمْ يَدفعْ نزوعٌ إلى المُفاضلةِ شَحذَ مُنافراتٍ بين عُدوتَين وأنَّى ذلكَ والتَّواصلُ كَانَ يمدُّ حَبلَ تَوادُدٍ وتَزاوُرٍ عِلميين بينَ محتلِفِ مَآرز الثَّقافةِ في المغربِ، وكَانتِ المُراسَلاتُ، بأدَبيتِها الخاصَّةِ، سَفيرًا بَينَ الأدبَاءِ إذا اتَّسعَتِ المسَافةُ ونَأى كُلٌّ عنْ كُلٍّ إلى حين؛ بما يحيلُ على وجُوبِ نظرٍ في تلكَ المُراسَلاتِ لأنها شَكلٌ ثَقافيٌّ يَضبِطُ اشتِغالَ الكِتابةِ في زَمنٍ افتقرَ إلى ما يُسعِفُ في صِلةٍ، ولأنَّها تأتي بما لا يَكشِفُ عنه النَّصُّ مُستَقِلا عنها إضاءةً خَلفيَةً لما قَبلَ النَّصِّ ولما بَعدَه.
لا تُدركُ فَاعليةُ النَّصِّ خارجَ سيرتِه الذَّاتيةِ، وقدْ تهمَّمَتْ مَناهجُ بافتراضِ اكتِفَاءٍ به بنيةً مغلقةً ردحًا من الوقتِ، ثمَّ عُدِلَ عنها إلى افتِحَاصٍ نصيٍّ لا يَستثني شيئًا يُخوِّلُ كِتابةً قِرائيةً ثانيةً للنَّصِّ في المُعاصَر المنهَجيِّ.
• المعرفة / المؤسسة / السلطة في الثقافة المغربية بسلا. ص: 426 – 428 ( 2012 )
مصطفى الشليح
ليسَ الشِّعرُ واجِبًا يَومِيًّا في قَصيدةِ سلا، وما كَانَ جُلُّ شُعراءِ المغربِ آبهًا به شَأنًا يَومِيًّا، وإنْ في " تِلميذيَّاتِ" المُختارِ السُّوسيِّ، بلْ ولا كَانَ يَنشدُه إلا إذا سَنحَ أمرٌ أوْ أذِنتْ مُناسبةٌ أو استَدعتْه غايةٌ أوْ أهَلَّتْ به فُسحَةُ استِرواح رَوَّجَتْ لها إخوانياتٌ قيلتْ في الذي يُشبِه الارتجالَ، وإنْ كُنَّا نَرتابُ أنَّ الشَّاعرَ المَغربيَّ لزمَه هذا الاقتِدارُ في الشِّعر الذي لا يُؤتاه إلا المُقيمُون فيه وإلا مُتخذوه شَأنًا تَعبيريًّا في المَعيش اليَوميِّ، وإلا رائضُوه مِراسًا واخْتِلاسًا منْ أويْقَاتِ النَّار في حَديثِها إلى الماءِ.
وسلا رَقراقٌ إلا أنَّ به حُبسَةَ أسْوارٍ تحجُبُ الرَّائيَّ إليه من السُّقوط إلى الشَّمسِ رحيلا في الكَلام. لَعلَّه رَقراقٌ بجلبَابٍ منْ زَبدِ، أوْ لَعلَّه شَيخٌ تَعَمَّمَ مَوجَه فانفَرطتْ سُبحتُه حبَّاتٍ من زَبدٍ يَشربها ذاكَ الرَّملُ الذي يحَدِّقُ في الأسوار سَاحبًا عينيه إلى صَومعةِ المَسجدِ الأعظم مُتَرقِّبًا إشَاراتٍ عنْ طَرائِق صَوغ الكَلام.
هلْ أكتبُ شعرًا ؟ ولم لا والرَّقراقُ أقعدَه الطِّينُ في الأسوار حِقَبًا عن الثَّرثَرةِ إلى الغَيم بمنأى عن المُؤسَّسَةِ وإلزامَاتها التي تُؤخَذُ كَرهًا ؟ ثَرثَرةُ الشَّاعرِ رَقراقٌ، هُنا وهُناكَ، لَكِنَّ الشَّاعرَ، في سلا، كَانَ مُنضبطًا ذا زنَةٍ لغَويَّةٍ تتأبَّى على هَذيَان مَنْ يُوقفُ اللَّيلَ ليَخرجَ، كَمَا القمرُ العَالي، إلى الماءِ يَتفقَّدُ ظلا له لمَّا يؤبْ، بعدُ، إلى ضَلالِه الشِّعريِّ، ويَعقدْ للنَّجْم تاجًا من المعنى ليفرَّ به إلى السَّماءِ سائلا بَقيَّةً منْ كَلام تَسلَّلتْ، بَغتةً، منْ مُعجَمِه، الباحثِ عن مُعجَمِه، والمقالُ لمَّا يَبلُغْ مَقطعَه. مَطلَعُه في يدِه يَشرئِبُّ إلى فَضاءِ الهَشَاشَةِ والرَّهَافَةِ.
لمْ تَكنْ قَصيدةُ سلا ذاتَ هَشَاشَةٍ. كَانَ المتنُ منهَا ذا جَسَاوَةٍ تَشَرَّبَه الغَرضُ إذا يُفرَغُ فيه ويحوطُه من الجُعودَةِ ما صَرفَ سَباطةً قالَ بها حازمٌ القَرطاجنيُّ قديمًا. تَغريضُ القَصيدَةِ تَسِمُه المؤسَّسَةُ. مَأسَسَةُ القَول الشِّعريِّ انهيارُ شِعريتِه وابتدَاءُ تَرميم الجُملةِ زنةً حَتىَّ تَنتهي نظمًا. تِلكَ الهَشَاشَةُ المومأ، إليها أعلاه، ماءُ الذَّاتِ في انسرابِه، رَفرَفةً، في جَسدِ النَّصِّ منْ حَيثُ ينتفي الدَّالُّ الوافدُ ليَختفِي الدَّالُّ الرَّاصدُ في انعطَافةِ مِرآةٍ يَدخُلُ الشَّاعرُ مِرآتها ليتَحوَّلَ إلى لُغَةٍ تَكتُبُ يَديه بعلوم آلةٍ تُنْتِجُ بَلاغةً جَديدةً، في عُنفوانها، لا تَدينُ، في تخلُّقِها، إلا إلى احتمَال بناءِ تَركيبٍ مختلفٍ يَكونُ إيقاعُ الذَّاتِ اختلافًا به إلى القَصيدَةِ واجبًا يوميًّا وشأنًا شِعريًّا أبدِيًّا. وما كَانتْ قَصيدَةُ سلا هَشَّةً حَدَّ الدَّهْشَةِ.
كَيفَ للقَصيدَةِ رَهافتُها وقَدْ حُدِّدَ لها إطارٌ، وقَدْ وُجِدَ له مَسارٌ، وقَدْ عُقِدَ لها أفقٌ وهمَّتْ به طرقٌ ؟ رَهافةُ القَصيدَةِ منْ هَيبتِها. هَلْ كَانتِ القَصيدَةُ مَهيبةً في سلا ؟ وهَلْ كَانَ الشَّاعِرُ شَاعِرًا في المغربِ بِعامَّةٍ ؟ مَنْ كَانَ يَلتفِتُ إلى الشِّعر ؟ ولمنْ كَانَ هذا الشِّعرُ يَسيرُ إذا اقترفَ زنةً وتَقفيةً ؟ وإذا سارَ كَيفَ تَلقِّيه منْ قِبلِ الخَاصَّةِ قبلَ العَامَّةِ ؟
يَكشِفُ الاقترابُ من "نَقدِ الشِّعرِ" في الثَّلاثينيَّاتِ عنْ شَكلِ التلقِّي الذي إذا نأى عنْ مُلاحقَةٍ لُغَويَّةٍ انتهَى في مُراقَبةٍ أخْلاقيَّةٍ للمَقولِ الشِّعريِّ. مجلَّتا "المغرب" و"رسالة المغرب" واجِهتَان لذلكَ التلقِّي، والإعلامُ الثَّقافيُّ، في سلا، يمكنُ اتخاذُه نموذجًا؛ علمًا أنَّ الاحتفالَ بنَقدِ القَصيدَةِ كَانَ، مُتابعًا لها، في مَوسمِيتِّها المُتلفِّعةِ بالغَرضيَّةِ المنَاسبَتيَّةِ.
هَلِ المُناسبةُ إرباكٌ للقَولِ الشِّعريِّ ؟ يَذهَبُ بَعضُ البَاحثين إلى إمْكَانيَةِ ذلكَ. لسنَا ذاهِبينَ، مَعه، إلى تَعقُّبِ تِلكَ الإمْكَانيَةِ لتَفسيرِ تَلكُّؤ القَصيدَةِ عن الانتهَاءِ شِعرًا. يَتَّصِلُ الأمرُ بما يلي: مَنْ كَانَ يَقولُ الشِّعرَ وقتئذٍ ؟
لمْ نسألْ: مَنْ كَانَ يَكتُبُ الشِّعرَ لحظتئذٍ ؟ كَانَ ما يَردُ نظمًا مَبنيًّا على الشَّفهيِّ ومؤسَّسًا على الخطْبيِّ / الخطابيِّ، ولذلكَ طابَ له الثَّواء في مَسكَن الآخَر الشِّعريِّ، ولَذَّ له الاكتفاءُ بما لا يُسألُ عنه، وإذا سُئِلَ كَانَ ابتدَارُه قولا: مَا كَانَ آباؤنا في ضِلَّةٍ يَعمهون إذا همْ قَائلونَ شِعرًا. كَانَ يحسبُ المقولَ شعرًا، ولا لومَ ولا تثريبَ فما انتهَى إليه، طيًّا ونشرًا، خلدَ به إلى استِحضَار بنيَةٍ تَناظُريةٍ، تَعدِلُ عن الخطِّيِّ إلى الدَّوريِّ، وتَبذلُ شَكلا إذا أنشِدَ كَانَ به طقسٌ احتفَاليٌّ يُقرِّبُه من المُقدَّسِ فيقرُّ به إذا كانتِ المُناسبةُ دينيَّةً وإنْ وطنيَّةً فلا فَصلَ لأنها مَوصولةٌ بالدِّينيِّ حُسنَ تخلُّصٍ في السُّلطانياتِ. شَكلٌ مَبذولٌ ذو صِفَةٍ مُحددَّةٍ مُسبقًا والشَّاعِرُ الحقُّ، في العُرفِ الثَّقافيِّ وقتئذٍ، مَنْ يحسُنُ وقفةً لتفريع الصِّفَةِ إلى أخيَّاتٍ لها في المنسُوج ثوبًا نظميًا.
هلْ قَصيدَةُ سلا ذاتُ قَرابَةٍ بالشِّعرِ المَغربيِّ أوْ أنها منه مَائزةٌ عنه ؟ سُؤالٌ يُفضِي الابتدارُ به إلى تَذْكِرَةٍ بالمُؤلَّفَاتِ ذاتِ الصِّبغَةِ الإقليميةِ التي تُوثِّقُ للكِتابةِ في مَركَزٍ ثَقافيٍّ مُعيَّنٍ، من طنجةَ وتطوانَ إلى سلا والرِّباطِ ففاس ومكناس فالصويرةِ ومرَّاكشَ فسوسٍ والصَّحراءِ، إنْ جمعًا لها أوْ تَرجمةً لأدَبائِها وعُلمائِها. كَانَ وعيُ واضِعي تلكَ المُؤلَّفَاتِ ذا حِسٍّ وطنيٍّ شموليٍّ، فلمْ يُلمعْ إلى ميزةٍ تخُصُّ مركَزًا دونَ مركَزٍ، ولمْ يَدفعْ نزوعٌ إلى المُفاضلةِ شَحذَ مُنافراتٍ بين عُدوتَين وأنَّى ذلكَ والتَّواصلُ كَانَ يمدُّ حَبلَ تَوادُدٍ وتَزاوُرٍ عِلميين بينَ محتلِفِ مَآرز الثَّقافةِ في المغربِ، وكَانتِ المُراسَلاتُ، بأدَبيتِها الخاصَّةِ، سَفيرًا بَينَ الأدبَاءِ إذا اتَّسعَتِ المسَافةُ ونَأى كُلٌّ عنْ كُلٍّ إلى حين؛ بما يحيلُ على وجُوبِ نظرٍ في تلكَ المُراسَلاتِ لأنها شَكلٌ ثَقافيٌّ يَضبِطُ اشتِغالَ الكِتابةِ في زَمنٍ افتقرَ إلى ما يُسعِفُ في صِلةٍ، ولأنَّها تأتي بما لا يَكشِفُ عنه النَّصُّ مُستَقِلا عنها إضاءةً خَلفيَةً لما قَبلَ النَّصِّ ولما بَعدَه.
لا تُدركُ فَاعليةُ النَّصِّ خارجَ سيرتِه الذَّاتيةِ، وقدْ تهمَّمَتْ مَناهجُ بافتراضِ اكتِفَاءٍ به بنيةً مغلقةً ردحًا من الوقتِ، ثمَّ عُدِلَ عنها إلى افتِحَاصٍ نصيٍّ لا يَستثني شيئًا يُخوِّلُ كِتابةً قِرائيةً ثانيةً للنَّصِّ في المُعاصَر المنهَجيِّ.
• المعرفة / المؤسسة / السلطة في الثقافة المغربية بسلا. ص: 426 – 428 ( 2012 )
مصطفى الشليح
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 54
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى