عبد الكريم الطبال شاعر متيم باللون الأزرق / محمد بنقدور الوهراني
صفحة 1 من اصل 1
عبد الكريم الطبال شاعر متيم باللون الأزرق / محمد بنقدور الوهراني
عبد الكريم الطبال
شاعر متيم باللون الأزرق
حرت من أين أجيئ إليك، حرت أين يمكنني أن ألتقيك، حرت كيف يمكنني أن أحدثك، بعيدا عن صرامة النقد، وتسييجات المنهج، وجمودية النظريات الشعرية. حقيقة حرت، فلم أجد إلا مدخلا واحدا للتقرب منك أو إليك، هذا المدخل هو أنت، لأنك في آخر المطاف قصيدة تمشي على الأرض.
مدخلي إليك، سيدي، سيكون اللون الأزرق، لأني أحس أنك تحب اللون الأزرق، لأنه لون السكينة والهدوء والتفكير والصداقة، لون يخفف من حدة التوتر والغضب ويهدئ النفس. اللون الأزرق كذلك، هو لون الصدق والإخلاص والوفاء والخلود… لا عجب إذاً إذا اجتمعت هذه المميزات كلها في شخصكم معبرة عنكم وعن قصيدتكم .
عطفا على مقولة قالها أحد الشعراء العرب في حق القصيدة المغربية، هذا الشاعر قال: إن القصيدة المغربية لا تقول شيئا.
ولكن، متى كان القول الشعري مميزا للقصيدة؟ متى كان القول الشعري معبرا عن القصيدة؟ إن القصيدة المغربية في كثير من تمظهراتها الوجودية والإبداعية والفنية، تجاوزت القول بكثير، إنها الآن لا تقول، إنها ترى، نعم إنها ترى.
ولعلكم، سيدي الشاعر، واحد من الشعراء المغاربة الذين يطرحون في طريق الشعر المغربي قصائد رائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. قصيدتكم، سيدي الشاعر، ترى بعين ثالثة هي عين الشاعر الحق، إنها عين ترى غير ما نراه، لأنها عين زرقاء.
ولأنك تحب اللون الأزرق، كان قدرا أن توجد في مدينة شفشاون، أو الجوهرة الزرقاء. أنتم تحبون شفشاون لأنها مدينة دائمة الاحتفال باللون الأزرق، أنت تحبها حد الذوبان فيها، أنت تعشقها، أنت تعتبر نفسك غصنا في شجرتها، أو حصى في جداولها، أو نسمة هواء في بساتينها، أنت جزء منها لا ينفصم عنها، تحملها دائما بين جوانبك في كل ترحال أو سفر.
قلت هذا ذات مناسبة معبرا عن ارتباطك بمدينة شفشاون الزرقاء، قلت كذلك ذات قصيدة محددا ارتباطك بالمدينة جسديا وحسيا:
أنت المكان
أم أنا المكان
أسافر إليك
تسافر إليّ
من غير أن نبرح
باب العتبة
أو نرفع المنديل،
وبين الماء وبهاء الماء
وبين عشب ونداه
وبين صمت الليل وشجاه
وبين همس الصبح وصداه
سنلتقي في واحد
هو المكان.
المكان هو شفشاون، وشفشاون زرقاء لأنك تحب اللون الأزرق.
ولأنك تحب اللون الأزرق كذلك، أنت ترتبط بالماء حد الانصهار، الماء، بحرا مطرا غذيرا رذاذا سلسبيلا…
ولأنك تقول:
جنون البحر
هلوسات الشاعر
ولأنك تقول:
خيال الورد
مثل الماء
لا يشيخ في الخريف
ولأنك تقول:
الرذاذ الذي يبل لك الوجه
لا يستحق الغذير
ولأنك تقول:
ألق الماء
ليس كلاما
لشمس مع الماء
ليس قرطا من الماس
في أذن الماء
لأنك تقول هذا وغيره، اتخد الماء في متنكم كل أشكال الوجود، الوجود الكوني والوجود الشعري.
لفظة الماء كموضوعة أساسية توجد في كل أشعارك، لفظة الماء تزهر فيها كل الكلمات التي تدخل في مجال الماء، بدءا من ديوانكم الأول ( البستان ) مرورا بدواوينكم ( شجرة البياض ) ( القبض على الماء ) ( لوحات مائية ) وصولا إلى ديوانك ( عتبة البحر ).
ولأنك تحب شفشاون، كان رأس الماء فيها هو عرشك الشعري، كان عرش الله على الماء، وكان عرشك الشعري على رأس الماء. لذلك أراك تناجي رأس الماء وتقول له:
جنينا كذرة ضوء
تسلقت ساقك
ثم سلاسل صدرك
حتى ارتقيت،
فتوضأت من ثلجها مرتين
وصليت في صوتها ركعتين
إذا جف حلقي
أنهل من سلسبيل النشيد.
الماء حي بفضل الله، وأنت حي، شعريا، بفضل رأس الماء.
ولأنك تحب اللون الأزرق، زرقة شفشاون وزرقة الماء، كان طبيعيا أن ترتبط بفضاء آخر هو كذلك أزرق، أزرق من نوع آخر، أزرق فسيح رحب عامر مختلف أليف، إنه أزرق الفايسبوك.
قريب، أنت، إلى حد التآخي مع عدد كبير من الأدباء المغاربة والعرب، تتواصل معهم بشكل يومي، أنت حاضر باستمرار، مواكب باستمرار، مواضب باستمرار، قارئ باستمرار…
هل تعلم، أيها الشاعر، أن وجودك في الحائط الأزرق يزيد في زرقته حتى يصبح نيليا تماما كدروب شفشاون والعميق من البحر؟
هل تعلم أن مريديك ينتظرون، كل صباح وكل مساء، ليستظلوا بإحدى شذراتك؟
هل تعلم أن الكثير من كتاب الحائط الأزرق ينتظرون، على أحر من الجمر، تلك البصمة التي توقع بها على نصوصهم؟
هل تعلم أن الكلمتان اللتان تستعملهما في التعليق على نصوص مريديك، وهما ( جميل ) و ( معجب ) هما خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان؟
هل تعلم أن الكثير من عشاقك يعتبرون توقيعك بإحدى الكلمتين وساما يزينون به صدور نصوصهم؟
سيدي الشاعر، أعترف لك بأنك صارم في توزيع كلمتيك على نصوص مريديك، لأني متيقن أنك تستحضر دائما شرطان أساسيان هما، الجودة والجمال.
أعترف لك كذلك بأننا ننتشي بشذراتك التي تهبنا إياها كل صباح وكل مساء، عربون محبة وإخلاص وصدق.
أعترف لك أننا ننتظر شذراتك اليومية بشوق وفرح وامتنان.
شذراتك، أيها الشاعر، زرقاء لأنك تحب اللون الأزرق.
اعتراف أخير، سيدي الشاعر، أنا كذلك أحب اللون الأزرق، لذلك اعذرني إن أنا مزجت روحي بشعرك حتى وجدتني لا أميز بيني وبينك، بين ما أقول وبين ما ترى، عذرك إن أنا اختلط علي الأمر وخلت نفسي أنت، فصعب أن أظل محتفظا باستقلاليتي أمام دهشة شعرك.
سيدي الشاعر، دعني أردد معك:
حبة من عنب الليل
تكفي كل الشعراء
كي يشتغلوا كالشمس
لكن،
لا يدخل أحد
إلا أولو الأمر
من الشعراء.
تحية طيبة وزرقاء أيها الشاعر.
مداخلة ألقيت بمناسبة تكريم الشاعر عبد الكريم الطبال
من طرف الفرع المحلي لاتحاد كتاب المغرب بالقصر الكبير
http://tinyurl.com/ojfjsn9
عبدالله- عدد الرسائل : 1759
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 26/06/2008
مواضيع مماثلة
» البَعيدَة / محمد بنقدور الوهراني
» أسئلة الكتابة الشعرية في الفايسبوك .. محمد بنقدور الوهراني
» لا سماء لديك، ولا وطن / محمد بنقدور الوهراني
» شرفة أطلسية / محمد بنقدور الوهراني
» تراني، أراك/محمد بنقدور الوهراني
» أسئلة الكتابة الشعرية في الفايسبوك .. محمد بنقدور الوهراني
» لا سماء لديك، ولا وطن / محمد بنقدور الوهراني
» شرفة أطلسية / محمد بنقدور الوهراني
» تراني، أراك/محمد بنقدور الوهراني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى