لغة وأدب/ هل تصلح العامية للتدريس؟ أحميدة العوني
صفحة 1 من اصل 1
لغة وأدب/ هل تصلح العامية للتدريس؟ أحميدة العوني
مازالت دعوات التلهيج تتوالى، ومازالت اللغة العربية الفصحى تتهم صراحة بكونها السبب الرئيس في أزمة التعليم، فهناك من يرى أنّ تعليم المتعلم بغير لغته الأم سبب مباشر في ضعف مستواه وعجزه عن الاندماج في جو المدرسة.
1- أصل الدعوة إلى العامية
حاول الرواد الأوائل للدعوة إلى العامية إقناع الناس بأنّ الاختلاف بين لغة الحديث (العامية) ولغة الكتابة (الفصحى)، هو سبب ضعف المستوى التعليمي في البلاد العربية، باعتبار اللغة العربية الفصحى لغة صعبة، لا تسعف على الإبداع والاختراع. قال ولهلم سبيتا «كيف يمكن في فترة التعليم الابتدائي القصير أن يحصل المرء حتى على نصف معرفة بلغة صعبة جدا كاللغة العربية الفصحى، بينما يعاني الشباب في المدارس الثانوية عذاب دراستها خلال سنوات عدة دون أن يصلوا إلى شيء؛ اللهم إلا نتائج لا ترضي بتاتا؟».
وانطلقت هذه الحركة بتأليف كتب كثيرة تدرس اللهجات العربية، كما دعوا إلى جعل العامية لغة الجرائد والمجلات والإذاعة.
وقد تتبعت الدكتورة نفوسة زكريا سعيد بدايات هذه الحركة، فمن الكتب (1) المؤلفة في العامية: قواعد العربية العامية في مصر. ولهلم سبيتا. 1880م، والعربية المحكية في مصر. لسلدن ولمور. 1901م. ولهجة بغداد العامية. تأليف لويزماسنيون، مؤلف بالفرنسية. طبع بمصر سنة 1912م. ولغة بيروت العامية. تأليف أمانويل ماتسون. مؤلف بالفرنسية سنة 1911م. ولغة مراكش العامية وقواعدها. تأليف Ben Smail مؤلف بالفرنسية وفيه نبذ عربية. 1918م.
2- غرض الدعوة إلى العامية
إنّ الغرض الظاهر من الدعوة إلى العامية، هو تنبيه الأمة العربية إلى سبب التخلف، فهم يرون أن تقدمها لا يتحقق إلا إذا استغنت عن اللغة العربية، وواضح أنّ هذه الدعوة اقترنت بالغزو الغربي للشرق العربي، ومن ثمّ فإنّ الهدف الخفي من الدعوة إلى العامية هو قطع صلة الإنسان المسلم العربي بلغة القرآن الكريم، وما يتصل بها من حضارة وآداب وعلوم، إذ لو تحقق أمل المستشرقين منذ ما يزيد عن قرن لأصبح حال اللغة العربية كحال اللاتينية، لا يعرفها أحد، وقد تبنّى هذه الفكرة كثير من المفكرين العرب فيما بعد، ومازال أصحابها يتذرعون بالأفكار نفسها التي صاغها المستشرقون رواد الدعوة إلى العامية.
3- لماذا لا تصلح العامية للتعليم؟
أ- تعدد اللغات الأم في الوطن الواحد
ما يميز العامية أنها لغة لا تعترف بالقواعد، ومن ثم فهي غير ثابتة في معجمها وأصواتها وتراكيبها، فإن كانت الدارجة في العالم العربي متفرعة عن اللغة العربية، فهذا لا يعني أنّ المتكلم بالعامية العربية ينبغي أن يحترم معجم اللغة العربية الفصحى وصرفها وأصواتها. هكذا فإنّ العامية تتبدل بسرعة من ناحية المعجم خاصة، فيصير لكل جيل لغة، ولكل جهة لغة.
إذا أردنا أن نطبّق هذه الدعوة بعدالة فينبغي أن نعلّم كل متعلّم بما يفهم من عامية عربية، وعندئذ ينبغي أن نخترع له كتابا مكتوبا بلغته الأم، وينبغي أن نترجم له الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض بلغته الأم... وهلم جرّا.
ب- الخسارة الثقافية والاقتصادية
ما الأفضل اقتصاديا وثقافيا، أن نعلّم بلغة مقعدة غنية معجما وصرفا وتركيبا، أو أن نصرف أموالا طائلة، ووقتا كثيرا في تنمية لغة منفلتة متغيرة لا أدب لها ولا علوم؟.. فمن سيقرأ كتابك بالعامية المغربية أو العامية المصرية؟ هل من الأحسن اقتصادا وثقافة وحضارة أن يقرأ كتابَك العراقي والمصري والتونسي والأردني... أو أنْ يقرأه المغربي فقط؟.. إنّ الدعوة إلى العامية هي دعوة إلى التقوقع، وهي دعوة إلى تمزيق أوصال الوحدة الثقافية في العالم العربي، «فلنحذر أن نشجّع الكتابة باللهجات العامية... ويأتي يوم يحتاج فيه المصري إلى أن يترجم إلى لهجته كتب السوريين واللبنانيين والعراقيين، ويحتاج أهل سورية ولبنان والعراق إلى مثل ما يحتاج إليه المصريون من ترجمة الكتب المصرية إلى لهجاتهم كما يترجم الفرنسيون عن الإيطاليين والإسبانيين، وكما يترجم هؤلاء عن الفرنسيين» (2).
ج - فقر العامية
من الأهداف الكبرى للتعليم، تكوين إنسان ذي قيم وأخلاق حميدة، فالتعليم في أي بلد يسعى إلى الرقي بالإنسان في نواحي مختلفة، وهذا ما تحققه اللغة العربية، فهي ليست وسيلة للتواصل فحسب، بل هي حاملة لثقافة وقيم، فهل يمكن للعامية أن تقارن بالفصحى من هذه الناحية؟ أي قيم وأية ثقافة سيتعلمها المتعلم من خلال العامية؟
هل العامية قادرة على حمل مصطلحات المعارف الأدبية والعلمية التي ينبغي أن يدركها المتعلم، هل معجمها وصرفها وتراكيبها قادرة على استيعاب المعاني والأفكار الجديدة؟
خلاصة
يبدو أن لأزمة التعليم في العالم العربي أسبابا حقيقية، من أهمها غياب حافز التعلم والتعليم، والاكتظاظ وكثرة المواد المقررة، وكثرة ساعات التعلم والتدريس، وانتشار ظاهرة الغش، والنجاح المجاني، وغياب العقاب والاختلاط بين الجنسين... وأظن أنه مهما توالت الإصلاحات التي لا تعير لهذه الأمور اهتماما، فإن مآلها الفشل، فمعالجة هذه المشكلات التي تبدو في عين البعيدين عن ميدان التعليم بسيطة ساذجة، هي أساس بناء تعليم قوي، فتوجيه الإصلاح إلى غيرها هو اهتمام بالقشور، أما مسألة لغة التدريس فقد اتضح أن التفريط في اللغة العربية الفصحى هو استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، فالفصحى ليست لغة تواصل فحسب، بل هي لغة دين وأدب وعلم وحضارة ووحدة لابد من العض عليها بالنواجذ.
الهوامش
1- تاريخ الدعوة إلى العامية وأثرها في مصر. لنفوسة زكريا سعيد. ط 1، 1964م، دار نشر الثقافة بالإسكندرية. ص11.
2- دراسات في فقه اللغة، صبحي الصالح، دار العلم للملايين، ط 3، 2009م. ص 360. (هذا قول طه حسين في الدعوة إلى العامية).
--------------------
http://alwaei.gov.kw/Site/Pages/ChildDetails.aspx?PageId=858&Vol=607
1- أصل الدعوة إلى العامية
حاول الرواد الأوائل للدعوة إلى العامية إقناع الناس بأنّ الاختلاف بين لغة الحديث (العامية) ولغة الكتابة (الفصحى)، هو سبب ضعف المستوى التعليمي في البلاد العربية، باعتبار اللغة العربية الفصحى لغة صعبة، لا تسعف على الإبداع والاختراع. قال ولهلم سبيتا «كيف يمكن في فترة التعليم الابتدائي القصير أن يحصل المرء حتى على نصف معرفة بلغة صعبة جدا كاللغة العربية الفصحى، بينما يعاني الشباب في المدارس الثانوية عذاب دراستها خلال سنوات عدة دون أن يصلوا إلى شيء؛ اللهم إلا نتائج لا ترضي بتاتا؟».
وانطلقت هذه الحركة بتأليف كتب كثيرة تدرس اللهجات العربية، كما دعوا إلى جعل العامية لغة الجرائد والمجلات والإذاعة.
وقد تتبعت الدكتورة نفوسة زكريا سعيد بدايات هذه الحركة، فمن الكتب (1) المؤلفة في العامية: قواعد العربية العامية في مصر. ولهلم سبيتا. 1880م، والعربية المحكية في مصر. لسلدن ولمور. 1901م. ولهجة بغداد العامية. تأليف لويزماسنيون، مؤلف بالفرنسية. طبع بمصر سنة 1912م. ولغة بيروت العامية. تأليف أمانويل ماتسون. مؤلف بالفرنسية سنة 1911م. ولغة مراكش العامية وقواعدها. تأليف Ben Smail مؤلف بالفرنسية وفيه نبذ عربية. 1918م.
2- غرض الدعوة إلى العامية
إنّ الغرض الظاهر من الدعوة إلى العامية، هو تنبيه الأمة العربية إلى سبب التخلف، فهم يرون أن تقدمها لا يتحقق إلا إذا استغنت عن اللغة العربية، وواضح أنّ هذه الدعوة اقترنت بالغزو الغربي للشرق العربي، ومن ثمّ فإنّ الهدف الخفي من الدعوة إلى العامية هو قطع صلة الإنسان المسلم العربي بلغة القرآن الكريم، وما يتصل بها من حضارة وآداب وعلوم، إذ لو تحقق أمل المستشرقين منذ ما يزيد عن قرن لأصبح حال اللغة العربية كحال اللاتينية، لا يعرفها أحد، وقد تبنّى هذه الفكرة كثير من المفكرين العرب فيما بعد، ومازال أصحابها يتذرعون بالأفكار نفسها التي صاغها المستشرقون رواد الدعوة إلى العامية.
3- لماذا لا تصلح العامية للتعليم؟
أ- تعدد اللغات الأم في الوطن الواحد
ما يميز العامية أنها لغة لا تعترف بالقواعد، ومن ثم فهي غير ثابتة في معجمها وأصواتها وتراكيبها، فإن كانت الدارجة في العالم العربي متفرعة عن اللغة العربية، فهذا لا يعني أنّ المتكلم بالعامية العربية ينبغي أن يحترم معجم اللغة العربية الفصحى وصرفها وأصواتها. هكذا فإنّ العامية تتبدل بسرعة من ناحية المعجم خاصة، فيصير لكل جيل لغة، ولكل جهة لغة.
إذا أردنا أن نطبّق هذه الدعوة بعدالة فينبغي أن نعلّم كل متعلّم بما يفهم من عامية عربية، وعندئذ ينبغي أن نخترع له كتابا مكتوبا بلغته الأم، وينبغي أن نترجم له الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض بلغته الأم... وهلم جرّا.
ب- الخسارة الثقافية والاقتصادية
ما الأفضل اقتصاديا وثقافيا، أن نعلّم بلغة مقعدة غنية معجما وصرفا وتركيبا، أو أن نصرف أموالا طائلة، ووقتا كثيرا في تنمية لغة منفلتة متغيرة لا أدب لها ولا علوم؟.. فمن سيقرأ كتابك بالعامية المغربية أو العامية المصرية؟ هل من الأحسن اقتصادا وثقافة وحضارة أن يقرأ كتابَك العراقي والمصري والتونسي والأردني... أو أنْ يقرأه المغربي فقط؟.. إنّ الدعوة إلى العامية هي دعوة إلى التقوقع، وهي دعوة إلى تمزيق أوصال الوحدة الثقافية في العالم العربي، «فلنحذر أن نشجّع الكتابة باللهجات العامية... ويأتي يوم يحتاج فيه المصري إلى أن يترجم إلى لهجته كتب السوريين واللبنانيين والعراقيين، ويحتاج أهل سورية ولبنان والعراق إلى مثل ما يحتاج إليه المصريون من ترجمة الكتب المصرية إلى لهجاتهم كما يترجم الفرنسيون عن الإيطاليين والإسبانيين، وكما يترجم هؤلاء عن الفرنسيين» (2).
ج - فقر العامية
من الأهداف الكبرى للتعليم، تكوين إنسان ذي قيم وأخلاق حميدة، فالتعليم في أي بلد يسعى إلى الرقي بالإنسان في نواحي مختلفة، وهذا ما تحققه اللغة العربية، فهي ليست وسيلة للتواصل فحسب، بل هي حاملة لثقافة وقيم، فهل يمكن للعامية أن تقارن بالفصحى من هذه الناحية؟ أي قيم وأية ثقافة سيتعلمها المتعلم من خلال العامية؟
هل العامية قادرة على حمل مصطلحات المعارف الأدبية والعلمية التي ينبغي أن يدركها المتعلم، هل معجمها وصرفها وتراكيبها قادرة على استيعاب المعاني والأفكار الجديدة؟
خلاصة
يبدو أن لأزمة التعليم في العالم العربي أسبابا حقيقية، من أهمها غياب حافز التعلم والتعليم، والاكتظاظ وكثرة المواد المقررة، وكثرة ساعات التعلم والتدريس، وانتشار ظاهرة الغش، والنجاح المجاني، وغياب العقاب والاختلاط بين الجنسين... وأظن أنه مهما توالت الإصلاحات التي لا تعير لهذه الأمور اهتماما، فإن مآلها الفشل، فمعالجة هذه المشكلات التي تبدو في عين البعيدين عن ميدان التعليم بسيطة ساذجة، هي أساس بناء تعليم قوي، فتوجيه الإصلاح إلى غيرها هو اهتمام بالقشور، أما مسألة لغة التدريس فقد اتضح أن التفريط في اللغة العربية الفصحى هو استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، فالفصحى ليست لغة تواصل فحسب، بل هي لغة دين وأدب وعلم وحضارة ووحدة لابد من العض عليها بالنواجذ.
الهوامش
1- تاريخ الدعوة إلى العامية وأثرها في مصر. لنفوسة زكريا سعيد. ط 1، 1964م، دار نشر الثقافة بالإسكندرية. ص11.
2- دراسات في فقه اللغة، صبحي الصالح، دار العلم للملايين، ط 3، 2009م. ص 360. (هذا قول طه حسين في الدعوة إلى العامية).
--------------------
http://alwaei.gov.kw/Site/Pages/ChildDetails.aspx?PageId=858&Vol=607
abdelhamid- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4741
العمر : 67
Localisation : SUD
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى