آخر سرقة
صفحة 1 من اصل 1
19082016
آخر سرقة
آخر سرقة ...
التقيا تحت جناحي الشّيطان الذي أنار لهما سبل السّرقة ..تعاهدا على الإخلاص وكتم الأسرار ليفوزا بالأموال ويكمّلا أعدادها ثمّ يتوبا ويعودا لحياة العموم ، تبادلا الأدوار لتخطيط أنواع السّرقات ومواعيدها وأماكنها ..
بوكتاف : الضّربة الأخيرة ، كانت سمينة ...نصف مليون فرنك باردة ، بلا مجهود أو ملاحقة ..
شحيمة : كيف ترى أخاك ؟ ...ها ه ..معلّم ، صيّدنا المسروق ، بعد خروجه من الحانة ..
بوكتاف : ومن أتاك بخبر ماله ؟!
شحيمة : أخوك شمّام ...استنشقت العمليّة طائرة ...فضحه بائع متجوّل بين الحانات ...أعطيته ثمن التّبليغ...سمع فرحته بنصف مليون ، من حيث لا تدري ..
بوكتاف : كم أعطيت للواشي ؟
شحيمة : انس المبلغ ، المهمّ أفادنا ...ليذهب إلى الجحيم ..
بوكتاف : لا ...هوّن عليه ، ربّما سنحتاجه لصفقة أخرى !
شحيمة : لا أظنّ ..
هكذا التزما السّرقة ، جمعهما التّضامن والحيطة والحذر ، تحت المكروه المؤذي... لا يصرفان من المسروقات إلّا القليل كي لا يفضح أمرهما لأنّهما من أرباب البطالة العمياء ، منعا شرب الخمر فوّاحة الأسرار...تدفّق المدفون في الصّدور....توقّع شاربها في الهلاك والأغلاط....
شحيمة : ألديك جديد ؟
بوكتاف : الجديد قيد التّنقيب في عقلي ..
شحيمة : هاتها خدمة كي لا نبرد ..
بوكتاف : اصبر رزقك قادم ، ومضمونة سرقته.. ..
شحيمة : حتّى الحبس مضمون إن وقعنا في قبضة المسروق أو الفضوليّين ..
بوكتاف : يجب أن نحترس ...ونحمي أنفسنا بالكلام القليل ، إيّاك والثرثرة إنها أمّ الإيقاع...بالتقشّف نسلم ، إيّاك والتّبذير مثير الانتباه.....نحن أخوان الشّيطان بلا حمايته...
شحيمة : لم تصف لي التّنقيب !
بوكتاف : أتعرف صديقتي ( .... ) ؟
شحيمة : نعم ...
بوكتاف : أمرتها أن تستحمّ لسبب أو بدونه ، كي تنصت إلى أخبار الثرثارات السّاخنات في الحمّام ، الذّائبة ألسنتهنّ بالغرور....
شحيمة : هل يعني هذا أنّها ستأتيك بما يحرّك نشاطنا ؟
بوكتاف : نعم... في الحمّام تفتخر النّساء برجالهنّّ ويسهبن في تمجيد ما يملكون أو ما سيحصلون عليه آجلا أو عاجلا..
شحيمة : عرفت من أين تورد السّرقة ؟..لست بوكتاف بل بو ثعلب ..
بوكتاف : وأنت ذنبه...
ضحكا إلى درجة القهقهة ..تناولا الشّاي ...تجوّلا ...انتظرا الخبر اليقين من صديقة بوكتاف التي تخضع له طمعا وخوفا ...بعد أيّام ...
شحيمة : لك سمعي وبصري أمّا أنفي يشمّ رائحة أوراق العيش السّليم...
بوكتاف : استعد لآخر سرقة كي نعود إلى العادة البشريّة...
شحيمة : عندك حقّ ، هات ما لديك لنتخلّص من الإعانة المحرّمة...ونغيّر مدينة النّحس ...
بوكتاف : سيوجد الرّجل المرصود سائرا عبر الشّارع ( .... ) وفي جيب سترته أكثر من مليوني فرنك كعنوان الضّربة الأخيرة لنفلت من البوليس ..
شحيمة : مبروكة ترقي الانعتاق إلى عالم العقلاء ..
بوكتاف : لم... لم تسأل عن الطّريقة للحصول على المال ؟!
شحيمة : ربّما سيتأخّر موعد العمليّة !
بوكتاف : هيّء نفسك للغد بعد غروب الشّمس وهراوتنا القصيرة لتهوي على رأس الكنز بضربة تفقده وعيه فقط....
شحيمة : أمرك أخي ..
ناما وروحاهما تطقطق بعدّ الأوراق ومشاهد رحلة النّجاة ...استولت فرحة ليليّة عارمة ...استهوت أطماعهما...تناولا فطورهما بشهيّة ثم عادا لنوم اليقظة ..غادرا الدّار المكوّنة من غرفة ومطبخ ..لتناول طعام الغذاء في أحد المطاعم وبعد قيلولة مطوّلة ومدبلجة بالصوّر الجميلة ، استعدّا على قارعة طريق صاحب الفلوس بعد غروب الشّمس ، ساد ظلام الحماية ...أنارت المدينة أضواءها ...ظهر الرّجل المضمون قادما من نفس الجهة التي وصفتها صديقة بوكتاف ...
شحيمة بصوت خافت : لم تكذب صديقتك !
بوكتاف : هوش ...لقد أتى من حيث جلب المال ..
شحيمة : إذا سهلت ..
بوكتاف : صه ...سأعترض طريقه لتضربه على قفاه ، لا تفلته ..
شحيمة : تحسن الملايين الهدف ..
أوقف الرّجل المندهش منع سيره أمام بوكتاف ...أسقطته الهراوة القصيرة أرضا .... فتّش جيوبه أفرغها بوكتاف من كلّ فلس ، استقام انحنائهما ...فاجأهم رجل يضع نظّارة سوداء على عينيه...وفي يده عكّاز....
بوكتاف : ماذا تريد ؟
شحيمة : ألا ترى ؟ إنّه أعمى !
الأعمى : لا أريد شيئا دعني أمرّ من فضلك...
بصيغة الفرد من كلام الأعمى تيقّن بوكتاف أنّه لا يبصر إلّا الظلام ، فرحا ..
بوكتاف : سامحني ، هيّا ...الطّريق خاليّة...
الأعمى : شكرا ..
تعثر الأعمى حين التطمت رجله بجثّة السّاقط أرضا ، ساعده بوكتاف ...حرّفه ليسلك جهة أخرى ..شكره ثانيّة .. انسحبا من الشّارع ......في دار السّارقين ...
شحيمة : أنت نعم الأخ ، دبّرت آخر صفقة ..والآن ما العمل ؟!
شحيمة : أنت نعم الأخ ، دبّرت آخر صفقة ..والآن ما العمل ؟!
بوكتاف : لنراجع أموالنا ونرتّب سفرنا إلى مدينة ( ...) لنشتري ما يشغّلنا بالحلال... ..
شحيمة : ما أبدع دماغك ! ملّيت السّرقة المحفوفة بالخطر أرهقت الاحتياطات أنفسنا من البوليس وساندها الخوف منهم.... نعيش قهر الضّمير ونتألّم رغم أفراح السّرقات ....
دوّى طرق سريع على الباب ...
بوكتاف : سأخفي المال ! انهض لتفتح الباب ، غالبا ستكون صديقتي لتزيّن اللّيلة المقمرة بالنقود ..
شحيمة بعد إخفاء الفرنكات : حاضر يا وجه السّعد...
فتح الباب ....دفع شحيمة نحو داخل الدّار بعنف ..
بوكتاف : من ؟
شحيمة بصوت خفضه الرّعب : البو ...البوليس ...
وصلت الشرطة قبل لغة شحيمة ..
المفتش : قف ...
مسكا ...قيّدا ..
المفتش : أين المال المسروق ؟
بوكتاف , ببرودة : بماذا تتهموننا ؟
المفتّش : بسرقة رجل في شارع ( ..... )
بوكتاف : ذاك الشّارع لا نعرفه...
شحيمة : ولا أنا...
أمر المفتّش تابعيه للبحث عن المال ، بعد تدقيق ...قدّم الشّرطيّ التحيّة ..
الشرطيّ : لم نعثر على المال ..
المفتّش : وأنت ؟!
الشرطيّ الآخر مع التحيّة : وأنا أيضا لم أجده ..
المفتّش : هيّا إلى مركز الشّرطة ...
داخل مركز الشّرطة ، تركا في غرفة ضيّقة ومتعبة لتفكّ عقدة لسانهما ويفكّرا كمحبوسين في مصيرهما...
لاح غد من عمر السّارقين ، قادهما شرطيّ مكبّلين نحو مكتب المفتّش ..
المفتش : هل تكسّر رأسكما لتعترفا ؟...
بوكتاف : أقسم لك أنّي بريء من التّهمة
المفتّش : لا تحلف يا شيطان ..
شحيمة : وأنا لا ذنب عليّ ..
يضغط على زرّ الجرس ....يدخل الأعمى وراء شرطيّ الحراسة..
المفتّش : أتعرفانه ؟ إنّه شاهد رئيسيّ في قضيتكما ..
بوكتاف : لا نعرفه !
شحيمة : وأنا كذلك ..
المفتّش : انصتا جيّدا ، الرّجل الذي هاجمتماه وسرقتما ماله قتل بضربة همجيّة على قفاه...
بوكتاف : سيّدي المفتّش ، لماذا تتّهمنا بأعمى ؟!
المفتّش : شهد الأعمى ضدّكما ...أكّد أنّه حضر جريمتكما ..
شحيمة : أعمى يرى ، مستحيل
بوكتاف : تحاول سيّدي المفتش أن توقعنا في فخّّ خياليّ...
يوجّه السّؤال للأعمى ...
المفتّش : هل رأيتهما ؟
الأعمى : نعم كخيالين ، أقرّ أنّ هذا الجسد (مشيرا إلى بوكتاف) ساعدني لما دست بقدمي جثة الممدود على الأرض.....
المفتّش : كيف تحقّقت من أمره ؟
الأعمى : صوته .... قارنته بما سمعته يوم الجريمة ..
المفتّش :ما رأيكما ؟
بوكتاف : شهادة الأعمى لا تجوز ...
غضب الأعمى ...خاف أن يضيّع حقّ المسروق ، المقتول ، أزال النظّارة ..
الأعمى : لست أعمى يا لصوص... أنا أرى عشرة على عشرة ..
المفتّش : عجيب أمركما تكذّبان من يبصر ...لماذا تدّعي العمى كما صرّحت لنا ؟! .
الأعمى : لأسرق السذّج...أنا مثلهما لصّ بطريقة أخرى...ستكون هذه فرصة للتّوبة ...
المفتش : طريقة ذكيّة.... اعترفا لتتخلّصا من ذنوبكما كالأعمى ...فمصيبتكما مزدوجة قتل وسرقات....
بوكتاف : أنا سرقت ...لم أقتل ... هوى شحيمة بهراوة قصيرة على الرّجل ..
الأعمى : هل انتهت مهمّتي ؟
المفتّش : نعم ...
الأعمى : تبت ... سأنخرط في المجتمع لأبحث عن عمل ..
المفتّش : غادر المركز ...نظّفت روحك هنا...لا تنس الحضور لتدلي بشهادتك في المحكمة كمبصر..
الأعمى : حاضر سيّدي ...شكرا
المفتّش : وأنتما ستعترفان...أين الأموال المسروقة ؟....حجزكما ضروريّ لتعترفا قبل تقديمكما للمحاكمة...
وأثناء التوجّه إلى المحاكمة
شحيمة : هل سنسترد أموالنا بعد أن نكمّل مدّة حبسنا ؟!
بوكتاف : بالنّسبة لك ستخرج بعد عمر طويل أو ستعدم .... أما أنا سأتمتّع بالمال بعد بضع سنوات ..
شحيمة : اين خبّأته ؟
بوكتاف : ها...ها...إن أخبرتك ستبلّغ البوليس وتضيّعني كما ضعت ..اسمع ، تعرف صديقتي مكان المال ضامنة مشوار حياتي بعد سراحي ..
شحيمة : أسير نحو الهباء ... أودّعك .... هل تثق بالعاهرة ؟!
بوكتاف : نعم ...إنّها حبيبة العمر....
نال كلّ واحد منهما جزاء آخر سرقة ..تمتّع الأعمى بحريّته ...أصبح بائعا متجوّلا إلى أن أعانه عضو بلديّة ليحصل على وظيفة من الدرجات الدّنيا مقابل مجهوداته في حملة انتخابيّة ...فاز شحيمة بالمؤبّد وكان نصيب بوكتاف خمس سنوات قضاها في العدّ والصّبر إلى أن عانق سراحه وعاهرة اختفت......
أوباها حسين- عدد الرسائل : 286
العمر : 81
تاريخ التسجيل : 11/10/2011
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى