الافتراضي والواقعي
صفحة 1 من اصل 1
الافتراضي والواقعي
هل يعرف القرن الواحد والعشرون هيمنة الافتراضي على الواقعي•••؟
" ترجمة وتقديم: ذ• عبد الرحمان العمراني
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: الافتراضي والواقعي
لقد كان من المنتظر أن يعطينا حدث الانتقال إلى القرن الواحد والعشرين احساسا بالغبطة والانشراح، لكن يبدو الآن أن لا أحد يرغب في مغادرة رحاب القرن المنتهي، فعلى الرغم من مآسيه المتعددة، وفر لنا القرن العشرون نوعا من الدفء الشبيه بدفء الاسرة، بوجباتها المألوفة وخلافاتها الاخوية الصغيرة• اما القرن الحالي الذي دخلنا عتبته فإنه يبرز كعالم مجهول، محمل بنزعة عداء، عالم تلفه سلطة الواقع الافتراضي•وخلافا لروح التعطش و التوثب التي طبعت القرن التاسع عشر ازاء التطورات العلمية والتقنية المرافقة للحداثة بدا القرن العشرون المنتهي مرتاحا لما حققه، فقليلة حقا هي القرون التي انتهت بمثل هذا الاحساس بالرضى عما انجز وتحقق، ونتيجة لذلك يتبدى القرن الحالي وهو في بدايته مترفا بأدواته ولعبه التكنولوجية،وشواغله الاخلاقية متراوحا بين البيوتيكنولوجيا ومختبرات الاستنساخ الاصطناعي فيما يظهر الاقتصاد الجديد رمز المستقبل هشاشة واضحة• تزامن الانتقال من القرن التاسع عشر الى القرن العشرين مع ثورتين صناعيتين، هائلتين: ثورة الفحم والحديد من جهة، وثورة البترول و الكهرباء من جهة ثانية، وكان الدخول الى القرن العشرين صاخبا ومدويا، مطبوعا بآليات التراكم، متساوقا بين محركات الاحتراق الضخمة والأحلام الثورية الجميلة، بين حركة الفنانين الطليعيين المناهضين للاوضاع القائمة، و بين المتخصصين في الزوايا المعتمة للاشعور•• كل ذلك تم على رافعة الكهرباء والمياه السيالة بسخاء والسيارة واجهزة الراديو، في تلك الأجواء كون الناس فكرة جميلة عن المستقبل وغمرتهم آمال عريضة ونزوعات أخلاقية عارمة واستقرت في اذهانهم قناعة بصفة اليقين - بأن واقع الاشياء لا يمكنه أن يتطور الا باتجاه الاحسن والاجمل بفضل اسهامات التكنولوجيا وتدخل الادارة الانسانية• ومقارنة بالقرن التاسع عشر، الرومانطيقي، الشاحب والمتهالك، فقد بدا القرن العشرون معافى ومفعما بالحيوية•ان ما يحدث اليوم مع الانتقال الى الالفية الثالثة، يبدو شيئا مختلفا تماما، فالعالم الذي يرسم في الافق يتبدى لنا ضبابيا وتجريديا مملا، عالما افتراضيا اكثر منه واقعيا، عاطلا، اكثر منه مشتغلا، فردانيا اكثر منه اجتماعيا، فبعد دوي الصناعة الثقيلة، هذا هو ذا زمن الصمت المطبق للاعلاميات وبعد الدوران المحلل للمحركات الضخمة، هاهو ذا زمن اشارات التواصل الالكترونية الباردة، وبعد اللهيب الاحمر المتوهج للافران العالية، هاهو ذا زمن اللمعان الخافت والسريع لآلات الليزر• لقد تحول المجال الانتاجي من طبيعة ثقيلة كثيفة الى طبيعة خفيفة سلسة ولزجة، وتميل الأجسام اليوم الى الرقة المتناهية فيما تنحو الاشكال الهندسية عموما الى اعتماد الحد الادنى من الكثافة التعبيرية، اما الرسائل و الإشارات الدالة فيتم نقلها بأقل الكلمات الممكنة، وليس هناك اليو م موضوعات أو مجالات لا تتعرض لغواية وسحر الشفافية، من حسابات وارصدة الاحزاب السياسية الى اندماج المقاولات والشركات العملاقة الى تجارب التكنولوجيا المعملية• ولا يقتصر الامر على هذه المجالات، بل يتعداها ليشمل صيحات الموضة والالعاب والالبسة واجهزة الحاسوب وادوات الطبخ، وحتى المظلات الواقية من المطر، فازاء رأسمالية الاستهلاك التي تزامنت مع عصر "الاينوكس" تنهض اليوم رأسمالية الشفافية التي تؤسس لنفسها اخلاقيات جديدة، حفيفة، سلسة ونابذة للألم والخشونة• ما العمل والسبيل اذن من أجل تمثل هذه الحقيقة الجديدة وغير المشخصة للقرن الواحد والعشرين؟ لا مناص من الاقرار اولا ان الانخراط في زمن القرن الجديد يصطدم برفض الاجسام الذهاب باتجاه الافتراضي والشبحي، ومع ذلك يبقى السؤال مطروحا: أليس الانسياق العارم صوب الافتراضي هو ما يرمز إلى التقدم ويشكل عنوانه؟ وبخصوص مفهوم التقدم ذاته، او ليس من باب المفارقات الكبرى أن مقولة التطور قلما جوبهت بما تجابه به اليوم من تشكيك على نطاق واسع، ومن فتور في الحماسة إزاء مقتضياته ودلالاتها؟ خلال الستينات من القرن الذي ودعناه كانت النظرة الى فكرة التقدم ايجابية، ولازلنا نتذكر - على سبيل المثال - المضمون الاحتفالي للدراسات المستقبيلة التي تفننت في تمجيد مستقبل سيقوم على مزيج من الرفاه والتسلية، لكن ومنذ الازمة البترولية لسنة 1973 وخلاصات منتدى روما club de Rome حول "حدود التطور" فقد غادر التفاؤل المزاج العام ولم يعد يسكن النفوس والقلوب، وبدأ العالم الغربي منذ ذلك الحين يعيش على ايقاع الفكرة القائلة بأن المستقبل قد لا يكون مملكة للسعادة والرخاء، وان هناك احتمالات كبيرة بتمخض نتائج كارثية عن التجديدات التقنية التي افتتن بها الناس في السابق• خلال الستينات كان هناك شغف كبير بتصوير عمليات غزو الفضاء، ووقفت فئات اجتماعية عريضة تنتظر على أحر من الجمر اطلالة المساء الاحتفالي للاشتراكية ذات الوجه الانساني، وطفح على السطح امل كبير في مقدم سلام أشبه ما يكون بسلام حالة الطبيعة الاولى، معطر -عند الحركات الهيبية آنذاك - بعطر الماريغوانا، من كل ذلك لم يتبق شيء يذكر عدا ذلك المفهوم الغامض وغير المجسم، مفهوم الزمن الجديد The new age لقد خبا بريق الخيال العلمي والملابس الحديدية لـ Paco Rapani تبدو مجرد أقنعة بالية لعهد سابق، أما الشيوعية فتبدو ـ في الأكثر ـ كمذهب غرائبي النكهة والمضمون• يبدو كما لو أن التاريخ يرفض السير إلى الأمام، كل الإيديولوجيات المهيّجة والمعبأة غادرت الساحة من بابها الواسع، حيث تعطي هذه الساحة اليوم الانطباع للمتجول في جنباتها بأنها باتت تنبذ التيارات المذهبية ولا تقبل غير الشفافية المطبوعة بافتقار سؤال المعنى والمآل•
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: الافتراضي والواقعي
الإتحاد الإشتراكي |
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى