من طرف المخلوطي الأربعاء 6 فبراير 2008 - 22:40
إعادة الحياة لأقدم زاوية موسيقى كناوة بالصويرة عبد العالي خلاد
وأخيرا، آن لزاوية سيدنا بلال، أقدم زاوية للتراث الكناوي بالصويرة أن تستعيد بهاءها وبريقها المفقود، بعد سنين طويلة من الإهمال دفع بها إلى حدود الانهيار• والفضل في هذا الانبعاث الجديد لهده الذاكرة الثقافية التي تؤرخ لتاريخ الثقافة الكناوية بالمغرب، يعود إلى جمعية دار الكناوي التي تأسست سنة 2005، وحددت رهانها الأساسي في ترميم زاوية سيدنا بلال، من خلال تعبئة مجموعة من الارادات الحسنة، والغيورين الحقيقيين على هذا التراث الأصيل، حيث تمكنت في ظرف سنتين، وفي ظل موارد مالية جد محدودة أن تعيد بناء أسس الزاوية وكذا طابقها السفلي، في حين لازال الطابق الأول الذي سيحتضن متحفا للثقافة الكناوية ومكتبة متعددة الوسائط في طور الإنجاز• كانت زاوية سيدنا بلال أول الأمر مجرد مكان لتجمع العبيد لممارسة بعض الطقوس الخاصة بهم والتي تشكل موسيقى كناوة محورها، إلى جانب الجدبة ،الرقص الإفريقي الطابع، وهي الزاوية الوحيدة لهذه الطائفة بالمغرب ، رغم تواجد كناوة بمراكش ومكناس وأكادير. وقد باتت موقعا تنظم فيه حياة السود القادمين من السودان على فترات زمنية متفرقة، مشكلة بذلك الإطار الشرعي الرئيسي المنظم لكناوة. فالعازف على الكنبري كان يحصل على لقب معلم داخل الزاوية بعد أن يجري اختباراً على أيدي كبار المعلمين. كما أن أدوات العزف، التي تكتسي طابعاً مقدسا، يتم الاحتفاظ بها داخل الزاوية إلى جانب الأدوات المستعملة خلال ممارسة الطقوس كالألبسة الفاقعة الألوان التي تغطى بها رؤوس المشاركين في الجدبة حسب طبيعة الملوكخلال ليلة كناوة• لعبت زاوية سيدنا بلال بالإضافة إلى مساهمتها في التربية الدينية للصغار، دوراً كبيراً في تقوية الروابط بين أفراد الطائفة الكناوية رغم اندماجهم الكامل في المجتمع المحلى المسلم، إذ كان أول مكان لتجمع العبيد قبل تأسيس الزاوية يدعى سيدي بوريشة، وهو عبارة عن شرخ كبير في الواجهة البحرية لسور المدينة، حوله السود الكناويون في مرحلة ما ولسبب ما، إلى مكان مقدس كانوا يزورونه للتبرك، قبل أن يقوم أحد السكان بالتبرع بقطعة أرض مجاورة لفائدتهم• فتمت إحاطتها بسور ليتم بعد ذلك بناء باقي مرافق الزاوية على مراحل• و تضم زاوية سيدنا بلال مسجداً كان إلى وقت قريب تقام فيه الصلاة ويقرأ فيه الحزب كل مساء وكتاباً قرآنيا كان يتلقى فيه الأطفال التعليم الأولي• يعد تراث كناوة أحد أهم مكونات الموروث الثقافي لمدينة الصويرة• كما أن موسيقى كناوة والطقوس التي تصاحبها هي ما تبقى من ذاكرة جماعية لشعب طبعت تجارة الرق فصول حياته بالألم• وقد أسس السود المستجلبون إلى الصويرة بعد أن اجتثوا من جذورهم بجنوب الصحراء الإفريقية الكبرى نواة التراث الكناوي، فكانت إيقاعاتهم الأصلية وطقوسهم الخاصة أداة لمواساة النفس وتصعيد مشاعر الألم والحنين إلى الوطن، كما شكلت متسعا لاستنبات حيز للهوية المستلبة• فأهازيج كناوة وقصائدهم المبهمة المليئة بالشجى هي أقرب إلى الندبة منها إلى الغناء،اذ تردد على إيقاع الهجهوج والقراقب وكذا الطبل. كما برهنت الموسيقى الكناوية على قدرتها على التأثير والتأثر بأشكال التراث الشعبي الأصلي، من أمازيغي وحمدوشي وعيساوي• تشكل الموسيقى داخل منظومة كناوة الثقافية مجرد وسيلة لتوفير الشروط المواتية لجعل الجسد يتحرر من قيود الوعي ليسبح في فضاء ما وراء الطبيعة الممتد• فالمعلم الكناوي ليس مجرد عازف محنك يقود فرقة عازفين حريصين على نيل إعجاب الجمهور• بل قطب الرحى في نسق عجيب ظلت فيه الموسيقى علاجاً للنفس وتطهيرا لها من آثار الزمن، عبر الاستعانة بمخلوقات حاضرة غائبة ذات قدرات خارقة يتم التواصل معها عن طريق العزف والجدبة والبخور والألوان• كما أن العزف موزع على شكل قطع كل منها موجه إلى ملك معين ويدعى الحفل الذي يقام للعزف والرقص الليلة• حيث أن الطقوس تمارس بشكل إجباري خلال الليل لكن التحضير لليلة يتم قبل العصر وفي جو تسوده والقدسية، حيث يتم احترام المكان واحترام الحاضرين من الملوك والناس ويتم تجنب الاختلاط بين الرجال والنساء • والملك هو الكائن الخفي الذي يتم استحضاره من خلال العزف الدقيق والمركز حسب قواعد متوارثة عن المعلمين عبر الأجيال• حيث لامجال للخطإ الذي قد يؤدي ثمنه أحد الممارسين للجدبة، والذي قد لا يستفيق من حالة الغيبوبة التي يدخلها عندما يبلغ العزف والجدبة أوجهما• جولة بسيطة في بعض ملامح التراث الكناوي كفيلة بجعل المتتبع للضجيج المحدث حول الموسيقى الكناوية، يستهجن التعامل السطحي والفلكلوري مع ثقافة تؤثثها الروح وتاريخ من الألم • وهو الشيء الذي دفع كذلك بجمعية دار الكناوي إلى العمل على إعادة الاعتبار إلى جميع مكونات التراث الشعبي الصويري الغني والمتنوع، حيث هنالك التراث العيساوي نسبة إلى الشيخ محمد بنعيسى، الذي عاش بمدينة مكناس وبها كان يبث تربية صوفية إلى أن توفي سنة 1526، ولقد احتفظت الذاكرة الشعبية بصورة عن هذه الشخصية كرجل صالح وأستاذ روحي• والتصق به لقب الشيخ الكامل إلى اليوم، لما كان يربي عليه مريديه من عمق روحي عن طريق العناية الخاصة بالذكر وتلاوة القرآن وسرد الأمداح والصلوات على رسول الله. تؤدى الأناشيد والألحان عند عيساوة بالاعتماد على الدقات بواسطة آلات التعريجة، الطاسة، البندير، الطبلة، الدف، وأبواق النفير، وعبر أداء جماعي ولحن انفرادي• ويشتهر شعبيا عن هذا النسيج الموسيقي أن له وقعا خاصا على المستمعين، الذين قد يحدث عند بعضهم انفعال خاص، وأن له مؤهلات استشفائية لبعض الحالات النفسية والعصبية، وتتم إقامة حفلة عيساوة في المناسبات الدينية كالمواسم وعيد المولد النبوي وعشية الجمعة بعد صلاة العصر أو في مناسبات اجتماعية كالعقيقة وحفل الزواج أو الختان وتبقى أعظم مناسبة لطائفة عيساوة هي مناسبة الاحتفال بذكرى الشيخ المؤسس• ثم هنالك التراث الحمدوشي نسبة إلى الولي الصالح سيدي علي بن حمدوش الذي عاش في القرن 17 م، في عهد السلطان المولى إسماعيل• وتوجد زاويته ومدفنه ببني راشد في جبال زرهون قرب مكناس، حيث يعتبر احمادشة مجموعة صوفية شعبية• وهم يعرفون بالخصوص بممارساتهم لأناشيد ورقصات الحضرة• وهي ذات طابع عجيب مثلها في ذلك مثل رقصات اكناوة وعيساوة وجيلالة• وتقود هذه الرقصات المشاركين في اللحظات الساخنة للحضرة إلى ضرب من التنويم المغناطيسي• مما يدفع بالملاحظين إلى اعتبارها أحيانا علاجا نفسيا تقليديا• كما تراهن جمعية دار الكناوي على إعادة الروح إلى ظاهرة الحضارات، وهي فرقة نسائية بامتياز، تقود إيقاعاتها وأهازيجها إلى أجواء من التوحد مع الروح يبلغ مداه عند مرحلة الجدبة •
2008/5/2 |
|
| |
الإتحاد الإشتراكي |