من طرف said السبت 9 فبراير 2008 - 21:27
15 سنة على اختطاف فاطمة الزهراء •• كتاب الجرح والنسيان
نجاة بطل
اختطفت فاطمة الزهراء وعمرها ثلاث سنوات• ومنذ اختفائها سنة 1993 إلى الآن، عاشت أسرتها غذابا فظيعا لجهلها مصير ابنتها• وبعد مضي 15 سنة، نعود لفتح ملف فاطمة الزهراء لنتيح لأمها صفية فرصة جديدة للبحث عن ابنتها••• فلربما استيقظ ضمير المخْتَطِفة أو من يعرف شيئا عن المخطوفة لجمع شمل الأسرة تحركه معاناة هذه الأخيرة التي تشتت بسبب فقدان فاطمة الزهراء• نجاة بطل تقول الأم صفية التي هدها الفراق وهي ترى قرينات ابنتها ينمين ويتفتحن كالبراعم بعد مضي 15 سنة••• فابنتها الآن في عمر الزهور عروس في ربيعها الثاني في 18 عشرة• تقول الأم صفية: أكيد أنها جميلة جدا! فهي بيضاء البشرة واسعة العينين حلوة الابتسامة مشرقة الوجه وبشوشة• وتعيد الحكي عن يوم فقدان فاطمة الزهراء: كان اليوم يوم أربعاء، وبالضبط يوم 1993/02/3 على الساعة الخامسة مساء بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، أخذت إيمان (13 سنة) أختها فاطمة الزهراء (3 سنوات) وخرجتا أمام باب المنزل لتلعبا• وبعد قليل عادت إيمان، الأخت الكبرى لفاطمة الزهراء، لتنزل على أمها بالخبر / الصاعقة! أخبرت أمها وهي تتلعثم أنها ذهبت إلى الدكان رفقة أختها الصغيرة لتشتري بعض الحلويات وعندما التفتت لم تجد فاطمة الزهراء بجانبها• سألت أطفال الحي، فأخبروها أن امرأة ملثمة قدمت لها بعض الحلويات وأخذتها من يدها واختفتا بسرعة البرق• عمت حالة استنفار العائلة الصغيرة المكونة من 6 أفراد: زوجين وثلاث بنات (13، 7 و3 سنوات، ضمنهن فاطمة الزهراء المفقودة) وطفل 10 سنوات• لم ترد الأم أن تصدق ابنتها• وقالت إن الصغيرة تاهت في الزنقة وسوف يجدونها• كانت تطمئن أبناءها الوجلين والملهوفين على أختهم المحبوبة• لكن، تقول الأم: كنت، في الحقيقة، أحاول أن أطمئن نفسي• بحثت العائلة عن الصغيرة لساعات ولم تجد لها أثرا• استغربت الأم، لأن فاطمة الزهراء لا تبتعد عن عتبة البيت• لم تصدق أنها اختطفت! توجهت إلى ولاية الأمن تخبرهم بضياع ابنتها بعد اختفائها بحوالي ساعتين، تقول: قصدت كل مراكز الشرطة بالدار البيضاء• وفي مركز الشرطة بباب مراكش اتصلوا بالإذاعة وأذاعوا خبر اختفائها في المذياع وهناك علمت، لأول مرة، من شرطة المركز أن المتسولين يختطفون الأطفال ويشغلونهم في التسول• لم أرد تصديق أن تكون ابنتي عند متسولة• ومنذ ذلك الحين بدأت أشك في المتسولات وكل من رأيت معها طفلا أسأله هل هو ولدها أم لا••• وكلما رأيت طفلة رفقة متسولة إلا قصدتها وفتشت الطفلة• تضيف صفية: تلك الليلة ـ تقصد يوم اختطاف طفلتها ـ كانت صعبة جدا علي، لم أنم• كنت أجري كالمجنونة من مراكز الشرطة إلى المقاطعات فالمستشفيات••• أي مكان قيل لي إن صغيرتي يمكن أن تكون فيه أذهب إليه• لأول مرة نفترق عن بعضنا• لا أدري كيف ستكون حالتها• أكيد أنها تبكي لفراقي••• ربما ضربوها لتسكت• تنهدت صفية ثم أكملت حديثها: كانت تلك الليلة جحيما لا يوصف ولا يطاق، نار مشتعلة في داخلي وعقلي لم يستطع تصديق الحدث، فلم أجد غير الشارع مأوى لي: أجري من مكان إلى آخر، أسأل هنا وهناك: وكلما رأيت طفلة في طريقي حسبتها فاطمة الزهراء: طلع علي الصباح وأنا منهكة القوى، وبدأت الأسئلة: أسئلة العائلة، أسئلة الجيران والكل لا يستطيع تصديق ذلك• أهملت بيتي وأولادي الثلاثة فلم أعد أفكر في شيء إلا البحث عن فاطمة الزهراء• مرت السنين وأنا على هذه الحالة حتى انهارت قواي• في اليوم الثاني من اختفاء الصغيرة، توجهت الأم صفية إلى إذاعة FM التي أذاعت الخبر في الراديو، قصدت إذاعة وجدة كذلك، ونشرت خبر ضياعها في الجرائد، تؤكد صفية، قصدت الجرائد كلها تقريبا: الاتحاد الاشتراكي 4 مرات، لوماتان، لوبنيون، العلم ومجلة سيدتي• وبدأت ترد علي أخبار تفرحني بقدر ما تفزعني، أحيانا تكون مبالغا فيها• فكل من علم بخبر طفلة أو شك في أمرها أو تشابهت له مع ابنتي يبلغني عبر رسائل مضمونة، فليس لي هاتف آنذاك• كانت هذه الرسائل تحمل أخبارا عن ابنتي تقول إنها في هذه الدار أو تلك• وغالبا ما تكون المعلومات متطابقة تماما مع صفات ابنتي خصوصا أن برجليها علامة مميزة، فأصبعا رجليها معا الكبير والذي يليه وضعهما غير سليم• فالأصبع الثاني فوق الأصبع الأول، لكنهما غير ملتصقين• وكانت هذه العلامة تجعلني أفرح وأقول ربما كانت ابنتي: وبلهفة وفرحة وخوف أيضا، أحمل الرسالة التي تتضمن العنوان الذي يحدد مكان وجود طفلتي وأقصده سواء كان في البيضاء أو غيرها وأقوم بعمل بوليس سري أتربص بأبواب المنازل، بل أغامر بسلامتي فأدخل دور الناس متخفية: أغير إسمي وعنواني وأدعي أنني خادمة أبحث عن عمل••• أدخل المنزل أبحث عن ابنتي وعندما أتأكد أنها ليست هي أرجع منكسرة مهمومة• ما كان يزيد الأم صفية ألما أسئلة الناس وافتراضاتهم أيضا كانت تضخم مأساتها ورعبها على ابنتها: ربما قتلت••• ربما ماتت••• ربما أخذوا أعضاءها••• فلم تعد تدخل البيت إلا ليلا تفاديا للقاء أحد أو لتتحاشى نظراتهم المتهمة إياها بالإهمال والتقصير• في الأسبوع الأول، لم تكن الأم تبيت في البيت، لا تجد راحتها إلا في الشارع أو عند أحد الأقارب• كل شيء في البيت بدون فاطمة الزهراء أصبح أسود• ففي كل ركن وفي كل زاوية أثر أو ذكرى لفاطمة الزهراء• قصدت صفية مقر قناة 2m التي خصصت برنامجا عن اختطاف الأطفال، قدمت فيه حالة ابنتها هي وأم سهام المختطفة أيضا التي تعرفت علىها خلال رحلة البحث عن فاطمة الزهراء وكانت مأساتهما بداية صداقتهما التي دامت إلى الآن، ومازلتا تواصلان البحث• عاشت صفية جحيما لغياب ابنتها أججه ـ تؤكد ـ ما فعله زوجي آنذاك بي• لقد اتهمني علانية بالتسبب في ضياع صغيرتي وحملني وحدي مسؤولية ذلك بدل أن يخفف عني ويواسيني! وبدأ يعاقبني على ذلك، وينزل علي باللوم ولا يترك فرصة إلا وينهال علي فيها بالكلمات التي تنزل علي كالسيوف وصل الأمر بيننا إلى حد الإساءة اللفظية والضرب ومنعني من البحث عنها تعذيبا لي وامتنع عن الإنفاق على أطفالنا• كان يحبسني ولا يعطني النقود للسفر والتنقل لمقرات الإذاعات والجرائد• اضطررت للعمل في المنازل للبحث عنها ولم يوافق على عملي، فمنعني من العمل والخروج• عشت أزمة نفسية وصحية وأسرية انتهت بالطلاق• اضطررت للخروج إلى العمل لتوفير مصاريف إعالة أطفالي ومصاريف البحث عن ابنتي الضائعة• تحديت كل ذلك وحاولت الوقوف على رجلي، وتفرغت فقط للبحث عن فلذة كبدي، فلم أترك مدينة إلا بحثت عنها فيها، طرقت كل الأبواب ولجأت إلى الصحافة المرئية والمسموعة والمكتوبة حتى أني لجأت إلى الشعوذة مع أني لم أؤمن بها يوما• ماكان يخفف من فجيعتي هو تعاطف بعض الناس••• إحدى السيدات التي كانت تتابع أخبار ابتني عبر الجرائد والمحلات والإذاعة والتلفزة وتبحث معي دون علمي، علمت من خلال اتصالها بأسرتها بأكادير بوجود فتاة تشبه ابنتي عند إحدى الأسر بهذه المدينة• اتصلت بها واستقبلتني بحفاوة، كانت تحمل في ذراعها رزمة من الجرائد والمجلات تنشر خبر اختفاء فاطمة الزهراء أرتني إياها وأعطتني 200 دهـ مساعدة منها وحثتني على الإسراع إلى العنوان الذي أعطتني إياه• في نفس اليوم، قصدت أكادير ليلا وكلي أمل في لقاء ابنتي• كنت أبكي في صمت في الحافلة• لم أنم رغم طول الطريق كنت أقفز مفزوعة كلما سهوت لأتأكد من بقاء الورقة التي بها العنوان في صدري رغم أن لدي أربع نسخ منها! كنت أخشى أن تنقلب هذه الفرحة إلى غمة ككل مرة• وفي أكادير أكدوا لي أني سأجدها• بقيت أسبوعا وأنا مسمرة أمام المنزل أنتظر خروجها• لكن لم يتم ذلك، فأخذت تصريحا من الشرطة لكي ندخل إلى المنزل• رجوت رجال الشرطة أن يسلموا لي فاطمة الزهراء وأن لا يخيفوها لأني كنت متأكدة من أني سأجدها، لكن الصدمة كانت شديدة• إذ لم تكن الطفلة ابنتي! انهارت أعصابي ولم تستطع كل المهدئات أن تخفف ما ألم بي• وبقيت طريحة الفراش أكثر أسبوع• مثل هذه الحوادث تكررت كثيرا لصفية، فكلما أخبرها أحد أن فتاة تشبه ابنتها في مدينة ما إلا بحثت عنها هناك• ومازالت حتى الآن تبحث عنها• توصلت أيضا برسائل عديد كانت ترد عليها• في البداية، تقول: كنت أظن أنها ربما رسائل تحمل لي خبرا عن فاطمة الزهراء، لكني اكتشف أنها رسائل مواساة• وقد توصلت بها من كل أقطار العالم العربي• مرة وصلتني رسالة تقول إن ابنتي في سيدي مسعود تادارت• كان الفصل شتاء، البرد قارص والمطر شديد• ذهبت، لكن الخبر كان كاذبا• وتحكي صفية عن ابنتها دائما كطفلة رغم بلوغها الآن 18 سنة كانت أغنيتها المفضلة هي أنا ميال ميال، كنا نقول لها أنت ستصبحين فنانة• كانت تحفظها كلها عن ظهر قلب• كنت أضعها على ظهري وأخرج بها لقضاء بعض الأغراض وكانت تغني في الشارع ماتحاولوش لا لا لا ماتحاولوش• وكانت، دائما، عندما تسمعها في المذياع تقول لنا زيدو في الراديو بغيت نغني• وتضيف: كانت هادئة، من عاداتها شرب الحليب في الصباح• وعندما تستيقظ لم تكن توقظني ولم تكن تبكي، بل تتجه نحوي وتنام على صدري، تتمسح بي كقطة أليفة، وتقبل وجهي، عيني، خدي وفمي حتى أستيقظ••• فأقول لها: دعيني أنام، فتقول لي وهي تعانقني مقبلة وجهي وراجية إياي بغنج ودلال: اعطني الحليب وعودي للنوم• فراقها صعب كيف أنساها؟!• تبكي الأم طفية وتضيف بصوت متحشرج: لقد أصبحنا نعيش حياة حزن وكآبة بعد فاطمة الزهراء ولم نعد نحس لا بعيد ولا بفرحة• كثيرا ما وجدت إيمان تبكي وحدها وتحمل نفسها مسؤولية ضياع أختها فأواسيها وأخبرها أنه القدر وأنه امتحان علينا اجتيازه بصبر• ومن يدري ربما تمن علينا الأيام برؤيتها• فهذا هو الأمل الوحيد الذي أعيش من أجله، لأن إحساسا قويا ينتابني ويخبرني حدسي أنها على قيد الحياة• فأنا أرفض تصديق كل من يقول لي ربما توفيت، لأن إحساس الأم لم يخطئ يوما، وإيماني بالله قوي• لا يمكن أن يرد الله دعوة المظلوم، وأنا أم مظلومة سلبت ابنتها ودعائي لله كلما صليت أن له الحمد وله الشكر وأسأله اللطف في ما قدر وأصلي كي يعيد إلي ابنتي سالمة لتقر عيني برؤيتها• لم تقطع صفية الأمل ـ لحد الآن ـ في العثور على ابنتها• مر على رحيلها حتى الآن 15 سنة، تقول لم أستطع نسيانها• مازالت صورتها تراودني أتذكر حركاتها وسكناتها• ففاطمة الزهراء كانت طفلة محبوبة من لدن الجميع لطريقة كلامها الذي يفتتن بها المستمع• فرغم سنواتها الثلاثة إلا أنها كانت شديدة الذكاء حيث أنها استطاعت أن تحفظ عن ظهر قلب عنوان المنزل• فقبل اختفائها، سألتها إحدى الجارات عن اسمها وسنها وعن اسم أبيها وأمها وعن عنوان بيتها، فانبهرت الجارة بجوابها الحاذق حيث سردت عليها العنوان بحذافيره، فقالت لها: أنت راك شرفت، معمرك ماغدا تودري لكنها تودرت بعد يومين! على كل حال، إنه القدر! الحمد لله• 2008/9/2
|
|
|
|
|
الإتحاد الإشتراكي |