الإنسانية المختلفة والتنوع الثقافي/محمد وقيدي
صفحة 1 من اصل 1
الإنسانية المختلفة والتنوع الثقافي/محمد وقيدي
يستند كل قول
بالتنوع الثقافي وضرورة أخذه بعين الاعتبار إلى تصور عن الإنسانية بأنها
وجود مجتمعي وتاريخي وحضاري مختلف. وهذه هي النقطة التي نجعلها نقطة
انطلاقنافي البحث في علاقة الاختلاف بالتنوع الثقافي. الاختلاف حقيقة
إنسانية لامجال للتفكير في الإنسان كما هو بدونها. ننطلق منذ البداية من
القول إن الاختلاف معطى طبيعي بالنسبة للإنسان، وليس أبدا إضافة إلى طبيعة
إنسانية توجد خارجه. والاختلاف موجود لدى الإنسان انطلاقا من مظهره
الأساسي المتمثل في تقاسم صفة الإنسان بين جنسين، وهو المستوى الذي تتبعه
اختلافات أخرى في مستويات متعددة من حياةالإنسان، مثل الاختلاف بين الشعوب
والحضارات والثقافات التي تبدعها، وكذلك الاختلاف بين طرق عيشها وقيمها من
أجل التعايش والتفاهم.منطلقنا، إذن، هو الاختلاف من حيث هوتعبير عن الوجود
الإنساني فالإنسانية إما أن تعيش اختلافها وتعيش باختلافها، وذاك هو طريق
التعايش بين الأمم والشعوب والحضارات المختلفة، وإما أن تجعل اختلافها
سبيلا للصراعات المدمرة التي تقضي على وجودها.سيكون كلامنا متجها إلى
البحث عن الكيفية التي يمكن للإنسانية أن تعيش بها اختلافها، وعن الشروط
التي تجعل منه أساسا لضمان استمرارها وتعايشها.
لاننسى، مع ذلك، أن
نعتبر الوجه الآخر لحقيقة الإنسانية وهو وحدتها. فوحدة الإنسانية هي
الأساس في الاختلاف الذي نتحدث عنه، إذلايتعلق الأمر لدينا باختلاف بين
نوع وآخر، بل باختلاف داخل نفس النوع.وتظهر وحدة الإنسانية في مظاهر
مختلفة المستويات من تكوينهاوسلوكاتها.
تمثل الإنسانية نوعا واحدا من
خلال تصنيف الكائنات الحية. والمظهر الأول لهذا النوع هو التكوين
البيولوجي الذي يحدد البيولوجيون عناصره، والذي يرون من خلاله أن الإنسان
هو أكثر أنواع الكائنات الحية تعقدا من حيث تركيبه الجسمي وأرقاه لأن
تركيبه يسمح له بحياة عقلية ونفسية ومجتمعية لانجد مثيلا لها لدى الكائنات
الحية الأخرى.
الوحدة البيولوجية للإنسان هي المظهر الأول لوحدة
الإنسانية، ولأنها كذلك المظهر الذي تنبني على أساسها كل المظاهر الأخرى
لتلك الوحدة.التكوين البيولوجي هو الذي يجعلنا أمام نفس الكائن ويسمح
بالحديث عنه كذلك. إنه الأساس الذي يتيح لمن ينظر في الظواهر الإنسانية أن
يعمم كلامه على أكثر من ظاهرة تهم كيانا فرديا، ليقول بقوانين تهم كل
الذوات الإنسانية.
تتجاوز الوحدة الإنسانية المستوى البيولوجي والحاجات
الإنسانية المرتبطة به لتكون أيضا وحدة على الصعيد النفسي والمجتمعي.
فحاجات الإنسان النفسية وحياته المجتمعية بدورها فيها كثير من المشترك
الذي نتعرف من خلاله على نوع الحياة الإنسانية. والفروق الموجودة بين
المجتمعات المختلفة ليست أبدا أساسا موضوعيا للتعامل مع بعضها بشكل يجعلها
خارج نطاق الإنسانية الواحدة.فالإنسان حيث كان له نفس الحاجات والطموحات
في العيش في سلام تتوفر له كل الحاجات الضرورية من أجل الحفاظ على حياته
واستمرارها.
إن وحدة الإنسانية هي الأساس الذي يجعل العلوم المتعلقة
بالإنسان ممكنة، سواء كانت تتعلق بحياته الجسمية أو النفسية والعقلية بكل
فعالياتها أو المجتمعية والتاريخية بكل أشكالها ومستوياتها. فالعلوم
المتعلقة بالإنسان واحدة لأن هناك وحدة للنوع الذي يحمل إسم الإنسان والذي
رغم بعض الاختلافات والخصوصيات التي ترجع إلى بعض الشروط يمثل كيانا واحدا
من حيث نوعه بين الكائنات.وحدة الإنسان أساس قوي لإمكان العلوم المتعلقة
به ولموضوعيتها.
تعني وحدة الإنسانية بالنسبة للتوجه الذي أخذناه في
التحليل أن الإنسان معادل للإنسان، وأن الفروق التي أتت لدى الإنسانية
مرتبطة ببعض الشروط الطبيعية أو المجتمعية أو التاريخية والحضارية تأتي في
سياق وحدة الإنسانية ويجب، إذن، ألا تكون أساسا لتصنيف نهائي وثابت للبشر
أفرادا وجماعات وشعوبا.
بدأنا بالحديث عن الوحدة مع أن موضوع تفكيرنا
الأساسي هو الاختلاف، وكان ذلك من جانبنا اعتبارا لأولوية الوحدة على
الاختلاف، ولإضفاء النسبية على الفروق واعتبارها في حدود ما تمثله في
حقيقة الإنسان.وإذ نصل إلى الحديث عن الاختلاف، فإننا نبدأ الحديث عنه
بالقول إنه موجود في الإنسان بكل تاريخه الطويل، وإن الأسباب التي أدت
إليه متنوعة كما سبق الذكر.
يختلف الإنسان عن الإنسان بلون بشرته.
وعندما نلاحظ سكان العالم اليوم، ونتابع في نفس الوقت حالهم منذ التاريخ
المعروف للإنسانية عن نفسها، فإننا نجد أن أنحاء العالم المختلفة تضم بشرا
مختلفة ألوانه من جهة إلى أخرى: يغلب القارة الإفريقية سواد بشرة أهلها،
ويقطن القارة الأوربية في غالبها إنسان ذو بشرة بيضاء، وكذلك الشأن
بالنسبة لشمال القارة الأمريكية. ويقطن ذو البشرة الصفراء القارة
الأسيوية، كما يوجد في أمريكا ذوو بشرة حمراء. لكن هذا الاختلاف لايمنع عن
القول بانتماء هؤلاء جميعا إلى نفس النوع الإنساني، وهو ما يعيدنا إلى
ماقلناه عن الإنسانية الواحدة التي هي أساس الاختلاف ومرجعيته في قيمته
الموضوعية.
لم يغب هذا الاختلاف عن العلماء الذين حاولوا تفسيره ونختار
من هؤلاء واحدا من تراثنا الفكري هو ابن خلدون الذي يؤكد في بعض فصول
المقدمة أن لون بشرة الناس يختلف من إقليم إلى آخر وأنه يرتبط بذلك أيضا
اختلاف في نفسيتهم وسلوكهم الفردي والمجتمعي. وهذا معناه إرجاع الاختلاف
الذي أشرنا إليه بين الناس إلى عامل طبيعي، وهوما يعني أنه اختلاف لا ينفي
وحدة الإنسانية المختلفة ألوانها. غير أن هناك فرقا بين النظر بهذه
الكيفية إلى مايختلف به إنسان إقليم عن إنسان إقليم آخر وبين ماتقول به
النزعات العنصرية التي تأخذ ذلك الاختلاف مأخذ المطلق وتجعل من الاختلاف
في اللون فرقا حاسما في القيمة بين البشر. وقد ظهرت هذه النزعات التي
لهادائما رغم انحسارها النسبي رواسب في الوقت الحاضر منطلقة بصفة خاصة
منذوي البشرة البيضاء إزاء ذوي البشرة السوداء. ولذلك نرى أن استمرار
الإيديولوجيات العنصرية بشكل واضح أو خفي في التأثير في البشرمن شأنه أن
يكون مصدر صراعات مستمرة في أي شروط يوجد بها وسيكون دائما مظهرا يبرز عجز
الإنسانية عن مطابقة ذاتها كإنسانية واحدة تعرف الاختلاف بين أفراد نوعها.
والطريق إلى تجاوز هذه الحالة هو مكافحة النزعات العنصرية مهما كانت الصيغ
التي اتخذتها.الإيديولوجيات العنصرية المتعددة التعبيرات في عالم اليوم هي
عائق الإنسانية الواحدة المختلفة أن تطابق ذاتها بالعيش واحدة وهي تقبل
الاختلافات الموجودة داخل وحدتها.
إن ماتقود نحوه هذه النزعات العنصرية هو انفصام الإنسانية عندما نجعل التنافي هو القانون الذي يحكم علاقة اختلافها بوحدتها.
ليس
الاختلاف في لون البشرة إلا المظهر الأول للاختلافات العميقة التي تظهر في
تكوين الإنسان النفسي والمجتمعي. وبقدر ماكان الاختلاف في الشكل الأول
الظاهر للإنسان مصدرا لصراعات عبرت عنها النزعات العنصرية والمواقف
المضادة لها التي تسقط بدورها في العنصرية وتندمج في أثرها السلبي على وعي
الإنسانية بوحدتها، فإن الاختلافات الأخرى التي وصفناها بالعميقة أدت في
تاريخ الإنسانية الطويل نحو صراعات مدمرة، بل وما تزال مصدرا لأخطار كثيرة
ومتنوعة تهدد حياة النوع الإنسان باستمرار.
كان للإنسانية في جهات
العالم تاريخ طويل تشكلت فيه بفضل عوامل اختلفت من جهة إلى أخرى.وكان
للتاريخ المختلف بصماته على تشكل إنسانية متنوعة. فقد نشأت في جهات العالم
حضارات مختلفة نال شرق الكرة الأرضية وشمالها وجنوبها حظهم منها. وكانت
هذه الحضارات ذات أثر في تكوين الإنسان حيث وجدت بمعطياتها الخاصة. وهكذا،
فإن الإنسان ككائن زمني له تاريخ تشكل بطريقة مختلفة عبر هذا التاريخ.
ظهرت
ديانات مختلفة اختلف الناس حولها كما اختلفوا بها.فبين الذي يؤمن بهذا
الدين وبذلك الدين الآخر تشكلت فروق في الاعتقاد والممارسة أدت إلى الشعور
بالتباين بين الإنسان والإنسان. وأكثر من هذا، فقد ظهرت اختلافات بين
الناس داخل الدين الواحد الذي يتعايش المؤمنون به في الوطن الواحد، وهي
التي أدت في كثير من الأحيان إلى صراعات قد لاتقل عن غيرها تدميرا للذات
الإنسانية في كل أطرافها.
نشأت عند الشعوب عبر الزمن عادات وتقاليد
وأعراف مجتمعية أصبحت تشكل بقدر رسوخها في حياة الناس جزءا من هويتهم التي
يتشبثون بها إلى حدود بعيدة والتي يدركون من خلالها تميزهم عم الغير
ويبنون على أساسها علاقتهم به.لكن، لاشك أن هذا الاختلاف يقود أيضا إلى
الشعور بالغرابة عن الغير، وقد تكون مصدرا للشعور بالنفور إزاء الغير
المختلف وظهور مشاعر العنصرية والتمييز بسببها.
هناك أيضا الاختلافات
الثقافية التي تركزت حولها الدراسات الأنثربولوجية، وهي بدورها عميقة
وتكون مصدرا للتباعد والرغبة في التمايز، كما أنها تكون في كثير من
الأحيان مصدر نزاعات وصراعات وإرادة سيطرة وتوجيه، من ناحية، وإرادة تحر
ودفاع عن الهوية الثقافية من ناحية أخرى.
الإنسانية أمام هذه الأشكال
المتباينة من الاختلاف في مواجهة موقف ذي طرفين: إماالنظر إلى الاختلاف في
ضوء الحفاظ على الوحدة الإنسانية ليكون بذلك مظهر ثراء في الوجود
الإنساني، ويقتضي هذا الأمر سياسات الاعتراف بالاختلاف داخل تلك الوحدة
والعمل من أجل التسامح واستتباب السلام بين كل الشعوب والحضارات المختلفة،
وإما العمل باسم إضفاء صيغة المطلق على كل اختلاف يفصل جزءا من الإنسانية
عن بعضها الآخر، وطريق ذلك هو الصراعات التي لن تجد لها نهاية. الطريق
الأول وحده يعبر عن نضج الإنسانية.
أكدنا في السابق، ونحن نتحدث عن
الإنسانية المختلفة، أن الاختلاف معطى طبيعي لدى الإنسانية. وبتعبير آخر،
نرى أن الإنسانية بكل تاريخها وحضاراتها وعلمها وثقافاتها نعيش جدلا بين
كونها إنسانية واحدة باعتبار وحدة النوع الإنساني بين أنواع الكائنات
الموجودة وبين كونها إنسانية مختلفة يظهر الاختلاف بين أفرادها ومجموعاتها
على عدة مستويات يكون أولها في الظهور للملاحظة هو اختلاف البشر من حيث
مظهرهم الخارجي ومن حيث طباعهم النفسية والمجتمعية. وقد أشرنا إلى أن من
فكروا في هذه الظاهرة عزوها إلى حياة البشر في جهات من العالم يختلف
مناخها فيختلف معه تأثرها في أجسامهم وسلوكاتهم النفسية والمجتمعية. وقد
ألححنا على أن هذه الاختلافات طبيعية ولا ينبغي بأي حال الاستناد إليها
للتمييز بين البشر من حيث قيمتهم وما يرجع إليهم من حقوق في إطار وحدة
النوع البشري.
من جهة أخرى، رأينا أن الاختلافات بين أفراد النوع
البشرى لا تبدو في مظهرهم الخارجي فحسب، إذ هو أول ما يعطى للملاحظة فقط،
ولكن هناك اختلافات أخرى أعمق منه تشمل المظاهر المتعلقة بالسلوكات
النفسية والمجتمعية مثل اللغة والأشكال التعبيرية وأشكال المعمار والعادات
والتقاليد والمعتقدات الدينية والفكرية والإيديولوجية، وأنماط الحياة
ووسائلها، ونوع التعاقدات التي تربط بين أعضاء المجتمع، وغير ذلك مما يجري
في الحياة اليومية للناس. ويتم التعبير عن هذه الاختلافات بالقول إنها ذات
طابع ثقافي.
نأخذ الثقافة هنا بأعم معانيها الذي نجده في التحليل
الاجتماعي حيث يتم النظر إليها باعتبارها نتاجا لعوامل مجتمعية أخرى، كما
يتم اعتبارها في نفس الوقت عاملا من عوامل الحركية في المجتمع ومظهرا من
مظاهر نموه المتفاعل في نفس الوقت مع مظاهر أخرى. الثقافة بهذا المعنى
عامل من عوامل تقدم المجتمع إذا حضر فيه وعامل من عوامل تأخره إذا غاب
أوضعف. ويندرج ضمن هذا التعريف: اللغة الخاصة بكل مجموعة بشرية، سواء كانت
مجتمعا بكامله أو مكونا من مكونات مجتمع معين، وأشكال التعبير عن طريق
اللغة،أي أشكال التعبير الأدبي بكل الفنون الأدبية كالشعر والقصة والرواية
والمسرح ، ولكن أيضا أشكال التعبير الفكري مثل العلوم والفلسفة،كما تشمل
أشكال التعبير الأخرى بغير اللغة مثل الرموز والرسم والنحت والصورة
والسينما.وإذا كانت هذه الأشكال من التعبير ترجع إلى الثقافة العالمة، فإن
هناك ما يسمى بالثقافة الشعبية الذي يشمل أيضا جملة من آثار الثقافة
الشفوية المنقولة بما هي كذلك من جيل إلى آخر مثل الحكايات الشعبية أو
الأزجال أو غيرها مما لايكون بالضرورة مدونا في كتاب. لكن المعنى الواسع
للثقافة يزيد على هذه العناصر التي ذكرناها عناصر أخرى تتعلق بالفعل
المجتمعية بصفة عامة، ولكن في تواصل مع العناصر الأولى السالفة الذكر.
تشمل الثقافة بمعناها الواسع طرق التفكير الشائعة لدى جماعة ما، وطريقة
النظر إلى المشكلات المعروضة وتوفير الوسائل لحلها، والرؤى المشتركة
المتعلقة بالحياة والإنسان والكون والله، والعقائد الدينية وما يرتبط بها
من ممارسات، وأشكال اللباس والذوق الفني والموسيقي والأدبي،وأشكال المعمار
والسكن، والصيغ التي تأخذها العلاقات المجتمعية، ;والعادات والتقاليد، كما
تشمل الثقافة بمعناها الواسع القيم الأخلاقية والدينية والتربوية المتبعة
في مجتمع ما وتأثيرها على السلوكات الفردية والجماعية التي تكون حسب
معاييرها، كما تشمل الثقافة المعايير المعتمدة في كل مجتمع لتقويم سلوك
الأفراد والجماعات بداخله ولاعتبار سلوكات ما سوية أو شاذة.
عرف تاريخ
الإنسانية الطويل نشأة وتطور حضارات مختلفة في مواقعها الجغرافية، حيث
توزعت نشأتها بين كل جهات العالم. وقد كانت هذه الحضارات التي عرفتها
الإنسانية من إبداع شعوب مختلفة في أصولها العرقية، ومختلفة في ألوان بشرة
مبدعيها، ومتباينة من حيث عقائدها ودياناتها. لكن لابد من الإشارة أيضا
إلى ان كل حضارة من الحضارات التي وجدت في تاريخ الإنسانية مهما كان زمن
وجودها بعيدا عن زمننا تركت أثارا إبداعية وفكرية ، كما تركت معايير
للسلوك وأنماط للعيش لبعضها استمرار مهما كان ضعيفا في حياة الشعوب التي
عاشت في شروطها.
عرفت الإنسانية في تاريخها الطويل حضارات نشأت في شرق
الأرض ، إذ نذكر الحضارات الصينية والهندية والمصرية والأشورية والبابلية،
ثم الحضارة الإسلامية التي جاءت بعدها في التاريخ. وأما من جهة الغرب من
الأرض فقد ظهرت الحضارة اليونانية التي يعتبر الغربيون أنها مهد حضارتهم،
كما ظهرت الحضارة الأوربية بداية من الزمن الموسوم في التاريخ الأوربي
بالحديث، دون أن ننسى الحضارات التي ظهرت في القارة الأمريكية بشمالها
وجنوبها.
ليست هناك حضارة من بين التي ذكرناها، بل ومما لم نذكره أيضا،
لم يكن لها آثار امتدت في الزمن لتطبع حياة الشعوب التي أنتجتها وتترك
بصمات على حياتها. والتنوع الثقافي الذي يشكل في العالم المعاصر موضوع
بحثنا نتاج للتراث الغزير والمتنوع الذي تركته تلك الحضارات. وحينما نتحدث
عن التراث الثقافي لأي شعب من الشعوب في الوقت الحاضر، فإن الإشارة بذلك
تكون لما تركته الحضارات التي مرت على أرضه من نتاج ثقافي بالمعنى العام
الذي حددناه لكلمة ثقافة.ولايغيب عن الذهن المنتبه إلى كل جوانب هذه
المسألة أن هناك ارتباطا وجدانيا لدى كل شعب بتراثه الثقافي، وميلا إلى
الحفاظ على ذلك التراث الذي يشكل بعضا من هويته كشعب. تدرك الإنسانية ،
لاشك في ذلك، أنها واحدة من حيث إنها تشكل أرقى أنواع الكائنات في الكون،
ولكن ذلك لايمنع أبدا من وعيها بتنوعها الثقافي ومن إرادة كل مجموعة بشرية
منها في العيش وفقا لمعايير ثقافتها الخاصة.
بالتنوع الثقافي وضرورة أخذه بعين الاعتبار إلى تصور عن الإنسانية بأنها
وجود مجتمعي وتاريخي وحضاري مختلف. وهذه هي النقطة التي نجعلها نقطة
انطلاقنافي البحث في علاقة الاختلاف بالتنوع الثقافي. الاختلاف حقيقة
إنسانية لامجال للتفكير في الإنسان كما هو بدونها. ننطلق منذ البداية من
القول إن الاختلاف معطى طبيعي بالنسبة للإنسان، وليس أبدا إضافة إلى طبيعة
إنسانية توجد خارجه. والاختلاف موجود لدى الإنسان انطلاقا من مظهره
الأساسي المتمثل في تقاسم صفة الإنسان بين جنسين، وهو المستوى الذي تتبعه
اختلافات أخرى في مستويات متعددة من حياةالإنسان، مثل الاختلاف بين الشعوب
والحضارات والثقافات التي تبدعها، وكذلك الاختلاف بين طرق عيشها وقيمها من
أجل التعايش والتفاهم.منطلقنا، إذن، هو الاختلاف من حيث هوتعبير عن الوجود
الإنساني فالإنسانية إما أن تعيش اختلافها وتعيش باختلافها، وذاك هو طريق
التعايش بين الأمم والشعوب والحضارات المختلفة، وإما أن تجعل اختلافها
سبيلا للصراعات المدمرة التي تقضي على وجودها.سيكون كلامنا متجها إلى
البحث عن الكيفية التي يمكن للإنسانية أن تعيش بها اختلافها، وعن الشروط
التي تجعل منه أساسا لضمان استمرارها وتعايشها.
لاننسى، مع ذلك، أن
نعتبر الوجه الآخر لحقيقة الإنسانية وهو وحدتها. فوحدة الإنسانية هي
الأساس في الاختلاف الذي نتحدث عنه، إذلايتعلق الأمر لدينا باختلاف بين
نوع وآخر، بل باختلاف داخل نفس النوع.وتظهر وحدة الإنسانية في مظاهر
مختلفة المستويات من تكوينهاوسلوكاتها.
تمثل الإنسانية نوعا واحدا من
خلال تصنيف الكائنات الحية. والمظهر الأول لهذا النوع هو التكوين
البيولوجي الذي يحدد البيولوجيون عناصره، والذي يرون من خلاله أن الإنسان
هو أكثر أنواع الكائنات الحية تعقدا من حيث تركيبه الجسمي وأرقاه لأن
تركيبه يسمح له بحياة عقلية ونفسية ومجتمعية لانجد مثيلا لها لدى الكائنات
الحية الأخرى.
الوحدة البيولوجية للإنسان هي المظهر الأول لوحدة
الإنسانية، ولأنها كذلك المظهر الذي تنبني على أساسها كل المظاهر الأخرى
لتلك الوحدة.التكوين البيولوجي هو الذي يجعلنا أمام نفس الكائن ويسمح
بالحديث عنه كذلك. إنه الأساس الذي يتيح لمن ينظر في الظواهر الإنسانية أن
يعمم كلامه على أكثر من ظاهرة تهم كيانا فرديا، ليقول بقوانين تهم كل
الذوات الإنسانية.
تتجاوز الوحدة الإنسانية المستوى البيولوجي والحاجات
الإنسانية المرتبطة به لتكون أيضا وحدة على الصعيد النفسي والمجتمعي.
فحاجات الإنسان النفسية وحياته المجتمعية بدورها فيها كثير من المشترك
الذي نتعرف من خلاله على نوع الحياة الإنسانية. والفروق الموجودة بين
المجتمعات المختلفة ليست أبدا أساسا موضوعيا للتعامل مع بعضها بشكل يجعلها
خارج نطاق الإنسانية الواحدة.فالإنسان حيث كان له نفس الحاجات والطموحات
في العيش في سلام تتوفر له كل الحاجات الضرورية من أجل الحفاظ على حياته
واستمرارها.
إن وحدة الإنسانية هي الأساس الذي يجعل العلوم المتعلقة
بالإنسان ممكنة، سواء كانت تتعلق بحياته الجسمية أو النفسية والعقلية بكل
فعالياتها أو المجتمعية والتاريخية بكل أشكالها ومستوياتها. فالعلوم
المتعلقة بالإنسان واحدة لأن هناك وحدة للنوع الذي يحمل إسم الإنسان والذي
رغم بعض الاختلافات والخصوصيات التي ترجع إلى بعض الشروط يمثل كيانا واحدا
من حيث نوعه بين الكائنات.وحدة الإنسان أساس قوي لإمكان العلوم المتعلقة
به ولموضوعيتها.
تعني وحدة الإنسانية بالنسبة للتوجه الذي أخذناه في
التحليل أن الإنسان معادل للإنسان، وأن الفروق التي أتت لدى الإنسانية
مرتبطة ببعض الشروط الطبيعية أو المجتمعية أو التاريخية والحضارية تأتي في
سياق وحدة الإنسانية ويجب، إذن، ألا تكون أساسا لتصنيف نهائي وثابت للبشر
أفرادا وجماعات وشعوبا.
بدأنا بالحديث عن الوحدة مع أن موضوع تفكيرنا
الأساسي هو الاختلاف، وكان ذلك من جانبنا اعتبارا لأولوية الوحدة على
الاختلاف، ولإضفاء النسبية على الفروق واعتبارها في حدود ما تمثله في
حقيقة الإنسان.وإذ نصل إلى الحديث عن الاختلاف، فإننا نبدأ الحديث عنه
بالقول إنه موجود في الإنسان بكل تاريخه الطويل، وإن الأسباب التي أدت
إليه متنوعة كما سبق الذكر.
يختلف الإنسان عن الإنسان بلون بشرته.
وعندما نلاحظ سكان العالم اليوم، ونتابع في نفس الوقت حالهم منذ التاريخ
المعروف للإنسانية عن نفسها، فإننا نجد أن أنحاء العالم المختلفة تضم بشرا
مختلفة ألوانه من جهة إلى أخرى: يغلب القارة الإفريقية سواد بشرة أهلها،
ويقطن القارة الأوربية في غالبها إنسان ذو بشرة بيضاء، وكذلك الشأن
بالنسبة لشمال القارة الأمريكية. ويقطن ذو البشرة الصفراء القارة
الأسيوية، كما يوجد في أمريكا ذوو بشرة حمراء. لكن هذا الاختلاف لايمنع عن
القول بانتماء هؤلاء جميعا إلى نفس النوع الإنساني، وهو ما يعيدنا إلى
ماقلناه عن الإنسانية الواحدة التي هي أساس الاختلاف ومرجعيته في قيمته
الموضوعية.
لم يغب هذا الاختلاف عن العلماء الذين حاولوا تفسيره ونختار
من هؤلاء واحدا من تراثنا الفكري هو ابن خلدون الذي يؤكد في بعض فصول
المقدمة أن لون بشرة الناس يختلف من إقليم إلى آخر وأنه يرتبط بذلك أيضا
اختلاف في نفسيتهم وسلوكهم الفردي والمجتمعي. وهذا معناه إرجاع الاختلاف
الذي أشرنا إليه بين الناس إلى عامل طبيعي، وهوما يعني أنه اختلاف لا ينفي
وحدة الإنسانية المختلفة ألوانها. غير أن هناك فرقا بين النظر بهذه
الكيفية إلى مايختلف به إنسان إقليم عن إنسان إقليم آخر وبين ماتقول به
النزعات العنصرية التي تأخذ ذلك الاختلاف مأخذ المطلق وتجعل من الاختلاف
في اللون فرقا حاسما في القيمة بين البشر. وقد ظهرت هذه النزعات التي
لهادائما رغم انحسارها النسبي رواسب في الوقت الحاضر منطلقة بصفة خاصة
منذوي البشرة البيضاء إزاء ذوي البشرة السوداء. ولذلك نرى أن استمرار
الإيديولوجيات العنصرية بشكل واضح أو خفي في التأثير في البشرمن شأنه أن
يكون مصدر صراعات مستمرة في أي شروط يوجد بها وسيكون دائما مظهرا يبرز عجز
الإنسانية عن مطابقة ذاتها كإنسانية واحدة تعرف الاختلاف بين أفراد نوعها.
والطريق إلى تجاوز هذه الحالة هو مكافحة النزعات العنصرية مهما كانت الصيغ
التي اتخذتها.الإيديولوجيات العنصرية المتعددة التعبيرات في عالم اليوم هي
عائق الإنسانية الواحدة المختلفة أن تطابق ذاتها بالعيش واحدة وهي تقبل
الاختلافات الموجودة داخل وحدتها.
إن ماتقود نحوه هذه النزعات العنصرية هو انفصام الإنسانية عندما نجعل التنافي هو القانون الذي يحكم علاقة اختلافها بوحدتها.
ليس
الاختلاف في لون البشرة إلا المظهر الأول للاختلافات العميقة التي تظهر في
تكوين الإنسان النفسي والمجتمعي. وبقدر ماكان الاختلاف في الشكل الأول
الظاهر للإنسان مصدرا لصراعات عبرت عنها النزعات العنصرية والمواقف
المضادة لها التي تسقط بدورها في العنصرية وتندمج في أثرها السلبي على وعي
الإنسانية بوحدتها، فإن الاختلافات الأخرى التي وصفناها بالعميقة أدت في
تاريخ الإنسانية الطويل نحو صراعات مدمرة، بل وما تزال مصدرا لأخطار كثيرة
ومتنوعة تهدد حياة النوع الإنسان باستمرار.
كان للإنسانية في جهات
العالم تاريخ طويل تشكلت فيه بفضل عوامل اختلفت من جهة إلى أخرى.وكان
للتاريخ المختلف بصماته على تشكل إنسانية متنوعة. فقد نشأت في جهات العالم
حضارات مختلفة نال شرق الكرة الأرضية وشمالها وجنوبها حظهم منها. وكانت
هذه الحضارات ذات أثر في تكوين الإنسان حيث وجدت بمعطياتها الخاصة. وهكذا،
فإن الإنسان ككائن زمني له تاريخ تشكل بطريقة مختلفة عبر هذا التاريخ.
ظهرت
ديانات مختلفة اختلف الناس حولها كما اختلفوا بها.فبين الذي يؤمن بهذا
الدين وبذلك الدين الآخر تشكلت فروق في الاعتقاد والممارسة أدت إلى الشعور
بالتباين بين الإنسان والإنسان. وأكثر من هذا، فقد ظهرت اختلافات بين
الناس داخل الدين الواحد الذي يتعايش المؤمنون به في الوطن الواحد، وهي
التي أدت في كثير من الأحيان إلى صراعات قد لاتقل عن غيرها تدميرا للذات
الإنسانية في كل أطرافها.
نشأت عند الشعوب عبر الزمن عادات وتقاليد
وأعراف مجتمعية أصبحت تشكل بقدر رسوخها في حياة الناس جزءا من هويتهم التي
يتشبثون بها إلى حدود بعيدة والتي يدركون من خلالها تميزهم عم الغير
ويبنون على أساسها علاقتهم به.لكن، لاشك أن هذا الاختلاف يقود أيضا إلى
الشعور بالغرابة عن الغير، وقد تكون مصدرا للشعور بالنفور إزاء الغير
المختلف وظهور مشاعر العنصرية والتمييز بسببها.
هناك أيضا الاختلافات
الثقافية التي تركزت حولها الدراسات الأنثربولوجية، وهي بدورها عميقة
وتكون مصدرا للتباعد والرغبة في التمايز، كما أنها تكون في كثير من
الأحيان مصدر نزاعات وصراعات وإرادة سيطرة وتوجيه، من ناحية، وإرادة تحر
ودفاع عن الهوية الثقافية من ناحية أخرى.
الإنسانية أمام هذه الأشكال
المتباينة من الاختلاف في مواجهة موقف ذي طرفين: إماالنظر إلى الاختلاف في
ضوء الحفاظ على الوحدة الإنسانية ليكون بذلك مظهر ثراء في الوجود
الإنساني، ويقتضي هذا الأمر سياسات الاعتراف بالاختلاف داخل تلك الوحدة
والعمل من أجل التسامح واستتباب السلام بين كل الشعوب والحضارات المختلفة،
وإما العمل باسم إضفاء صيغة المطلق على كل اختلاف يفصل جزءا من الإنسانية
عن بعضها الآخر، وطريق ذلك هو الصراعات التي لن تجد لها نهاية. الطريق
الأول وحده يعبر عن نضج الإنسانية.
أكدنا في السابق، ونحن نتحدث عن
الإنسانية المختلفة، أن الاختلاف معطى طبيعي لدى الإنسانية. وبتعبير آخر،
نرى أن الإنسانية بكل تاريخها وحضاراتها وعلمها وثقافاتها نعيش جدلا بين
كونها إنسانية واحدة باعتبار وحدة النوع الإنساني بين أنواع الكائنات
الموجودة وبين كونها إنسانية مختلفة يظهر الاختلاف بين أفرادها ومجموعاتها
على عدة مستويات يكون أولها في الظهور للملاحظة هو اختلاف البشر من حيث
مظهرهم الخارجي ومن حيث طباعهم النفسية والمجتمعية. وقد أشرنا إلى أن من
فكروا في هذه الظاهرة عزوها إلى حياة البشر في جهات من العالم يختلف
مناخها فيختلف معه تأثرها في أجسامهم وسلوكاتهم النفسية والمجتمعية. وقد
ألححنا على أن هذه الاختلافات طبيعية ولا ينبغي بأي حال الاستناد إليها
للتمييز بين البشر من حيث قيمتهم وما يرجع إليهم من حقوق في إطار وحدة
النوع البشري.
من جهة أخرى، رأينا أن الاختلافات بين أفراد النوع
البشرى لا تبدو في مظهرهم الخارجي فحسب، إذ هو أول ما يعطى للملاحظة فقط،
ولكن هناك اختلافات أخرى أعمق منه تشمل المظاهر المتعلقة بالسلوكات
النفسية والمجتمعية مثل اللغة والأشكال التعبيرية وأشكال المعمار والعادات
والتقاليد والمعتقدات الدينية والفكرية والإيديولوجية، وأنماط الحياة
ووسائلها، ونوع التعاقدات التي تربط بين أعضاء المجتمع، وغير ذلك مما يجري
في الحياة اليومية للناس. ويتم التعبير عن هذه الاختلافات بالقول إنها ذات
طابع ثقافي.
نأخذ الثقافة هنا بأعم معانيها الذي نجده في التحليل
الاجتماعي حيث يتم النظر إليها باعتبارها نتاجا لعوامل مجتمعية أخرى، كما
يتم اعتبارها في نفس الوقت عاملا من عوامل الحركية في المجتمع ومظهرا من
مظاهر نموه المتفاعل في نفس الوقت مع مظاهر أخرى. الثقافة بهذا المعنى
عامل من عوامل تقدم المجتمع إذا حضر فيه وعامل من عوامل تأخره إذا غاب
أوضعف. ويندرج ضمن هذا التعريف: اللغة الخاصة بكل مجموعة بشرية، سواء كانت
مجتمعا بكامله أو مكونا من مكونات مجتمع معين، وأشكال التعبير عن طريق
اللغة،أي أشكال التعبير الأدبي بكل الفنون الأدبية كالشعر والقصة والرواية
والمسرح ، ولكن أيضا أشكال التعبير الفكري مثل العلوم والفلسفة،كما تشمل
أشكال التعبير الأخرى بغير اللغة مثل الرموز والرسم والنحت والصورة
والسينما.وإذا كانت هذه الأشكال من التعبير ترجع إلى الثقافة العالمة، فإن
هناك ما يسمى بالثقافة الشعبية الذي يشمل أيضا جملة من آثار الثقافة
الشفوية المنقولة بما هي كذلك من جيل إلى آخر مثل الحكايات الشعبية أو
الأزجال أو غيرها مما لايكون بالضرورة مدونا في كتاب. لكن المعنى الواسع
للثقافة يزيد على هذه العناصر التي ذكرناها عناصر أخرى تتعلق بالفعل
المجتمعية بصفة عامة، ولكن في تواصل مع العناصر الأولى السالفة الذكر.
تشمل الثقافة بمعناها الواسع طرق التفكير الشائعة لدى جماعة ما، وطريقة
النظر إلى المشكلات المعروضة وتوفير الوسائل لحلها، والرؤى المشتركة
المتعلقة بالحياة والإنسان والكون والله، والعقائد الدينية وما يرتبط بها
من ممارسات، وأشكال اللباس والذوق الفني والموسيقي والأدبي،وأشكال المعمار
والسكن، والصيغ التي تأخذها العلاقات المجتمعية، ;والعادات والتقاليد، كما
تشمل الثقافة بمعناها الواسع القيم الأخلاقية والدينية والتربوية المتبعة
في مجتمع ما وتأثيرها على السلوكات الفردية والجماعية التي تكون حسب
معاييرها، كما تشمل الثقافة المعايير المعتمدة في كل مجتمع لتقويم سلوك
الأفراد والجماعات بداخله ولاعتبار سلوكات ما سوية أو شاذة.
عرف تاريخ
الإنسانية الطويل نشأة وتطور حضارات مختلفة في مواقعها الجغرافية، حيث
توزعت نشأتها بين كل جهات العالم. وقد كانت هذه الحضارات التي عرفتها
الإنسانية من إبداع شعوب مختلفة في أصولها العرقية، ومختلفة في ألوان بشرة
مبدعيها، ومتباينة من حيث عقائدها ودياناتها. لكن لابد من الإشارة أيضا
إلى ان كل حضارة من الحضارات التي وجدت في تاريخ الإنسانية مهما كان زمن
وجودها بعيدا عن زمننا تركت أثارا إبداعية وفكرية ، كما تركت معايير
للسلوك وأنماط للعيش لبعضها استمرار مهما كان ضعيفا في حياة الشعوب التي
عاشت في شروطها.
عرفت الإنسانية في تاريخها الطويل حضارات نشأت في شرق
الأرض ، إذ نذكر الحضارات الصينية والهندية والمصرية والأشورية والبابلية،
ثم الحضارة الإسلامية التي جاءت بعدها في التاريخ. وأما من جهة الغرب من
الأرض فقد ظهرت الحضارة اليونانية التي يعتبر الغربيون أنها مهد حضارتهم،
كما ظهرت الحضارة الأوربية بداية من الزمن الموسوم في التاريخ الأوربي
بالحديث، دون أن ننسى الحضارات التي ظهرت في القارة الأمريكية بشمالها
وجنوبها.
ليست هناك حضارة من بين التي ذكرناها، بل ومما لم نذكره أيضا،
لم يكن لها آثار امتدت في الزمن لتطبع حياة الشعوب التي أنتجتها وتترك
بصمات على حياتها. والتنوع الثقافي الذي يشكل في العالم المعاصر موضوع
بحثنا نتاج للتراث الغزير والمتنوع الذي تركته تلك الحضارات. وحينما نتحدث
عن التراث الثقافي لأي شعب من الشعوب في الوقت الحاضر، فإن الإشارة بذلك
تكون لما تركته الحضارات التي مرت على أرضه من نتاج ثقافي بالمعنى العام
الذي حددناه لكلمة ثقافة.ولايغيب عن الذهن المنتبه إلى كل جوانب هذه
المسألة أن هناك ارتباطا وجدانيا لدى كل شعب بتراثه الثقافي، وميلا إلى
الحفاظ على ذلك التراث الذي يشكل بعضا من هويته كشعب. تدرك الإنسانية ،
لاشك في ذلك، أنها واحدة من حيث إنها تشكل أرقى أنواع الكائنات في الكون،
ولكن ذلك لايمنع أبدا من وعيها بتنوعها الثقافي ومن إرادة كل مجموعة بشرية
منها في العيش وفقا لمعايير ثقافتها الخاصة.
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
رد: الإنسانية المختلفة والتنوع الثقافي/محمد وقيدي
| |||
الإتحاد الإشتراكي |
said- مشرف (ة)
- عدد الرسائل : 4523
العمر : 60
Emploi : موظف
تاريخ التسجيل : 01/03/2007
مواضيع مماثلة
» قيم من حياة الجابري وفكره / محمد وقيدي
» نقد المفاهيم عند العروي: مهمة إبستمولوجية / محمد وقيدي
» ملف عن الشاعر محمد بنطلحة (الاتحاد الاشتراكي الثقافي)
» الشاعر محمد السرغيني /الملحق الثقافي-الاتحاد الاشتراكي
» أهمية دور التواصل الثقافي
» نقد المفاهيم عند العروي: مهمة إبستمولوجية / محمد وقيدي
» ملف عن الشاعر محمد بنطلحة (الاتحاد الاشتراكي الثقافي)
» الشاعر محمد السرغيني /الملحق الثقافي-الاتحاد الاشتراكي
» أهمية دور التواصل الثقافي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى