الكتابة والعوالم الافتراضية
صفحة 1 من اصل 1
الكتابة والعوالم الافتراضية
شياطين وملائكة
المساء9*7*2008في
بعض الأحيان، يحدث أن تكتب نصاً فترسله إلى وجهة نشر معلومة، فتجده
منقولاً منشوراً، في أكثر من موقع إلكتروني، وربما باسم «كاتب» آخـر.
وفي الوقت الذي يذهب فيه البعض إلى التأكيد على أن التكنولوجيا «تسعف
المبدع» و«تساعده بصور كثيرة ومتجددة»، وخاصة على مستوى «تحقيق التواصل
بين البشر» و«الحد من الفواصل والعوائق الجغرافية والزمنية» و«استدعاء
أعمال أي كاتب»، يرى آخرون أن «الإبداع تأثر كثيراً من سهولة النشر
الإلكتروني»، الشيء الذي دفع البعض إلى انتقاد طابع «الفوضى»، الذي يطال
النـشر الإلكتروني، من جهة أن «بعض كتاب الأنترنيت، الذين لم يخرجوا من
عوالمه الافتراضية، ربما يسقطون في بعض أوهام الكتابة، لأن معايير التقييم
غائبة أو مضللة، حيث يغدقون، على بعضهم البعض، الألقاب والصّفات، في
المنتديات والمواقع المفتوحة، ممّا يدخل الجميع في متاهة شاسعة تخلّ بأبسط
آليات التلقي الضرورية في قراءة العمل الأدبي».
كل هذا الحديث، هنا، عن النشر الإلكتروني والأنترنيت، لا بد وأن
يستحضر النقاش بصدد العولمة، التي تتوجه، في رأي محمد سبيلا، إلى «مواطن
العولمة المتكيف معها تكيفاً ناجحاً والمستجيب بالإيجاب لمتطلباتها
والمستوعب والممتثل لنداءاتها»، ذلك هو «الشخص المعولم»، أي ذلك «الذي فتح
«حدود» عقله لثقافتها «الجماهيرية» و«حدود» رغباته لإغراءاتها ولنزواتها
الإعلامية، أي لآرائها ورؤاها وللمعلومات التي تتدفق بها وعبرها في وعيه
وفي لا وعيه».
يذهب سبيلا إلى أن الشخصية النموذجية المطلوبة في نظام العولمة
«يستحسن أن تكون محايدة، ليست لديها أية حساسية انتمائية قبلية»، حيث يصير
«أول بند في لائحة التشخصن العالمي هو إتقان لغة الأم الخاصة بالعولمة،
التي هي الإنجليزية، وامتلاك الكمبيوتر الشخصي، والرقم البريدي العالمي،
والقدرة على السباحة في العوالم الافتراضية»، الشيء الذي يدفع إلى
«الإقرار بمبدأ الغلبة للأقوى»، و«الإمساك عن إبداء أي شكل من أشكال
الحنين إلى الكينونة، أو إلى نداء الأرض، أو إلى لغة الأم».
والمثير في علاقتنا بالتكنولوجيا، في رأي سبيلا، أنه إذا كانت
«الفواعل الأساسية» لحركة العولمة، في الظاهر، هي الإنسان، وبالتحديد
الإنسان الغربي (الأوربي - الأمريكي) المتفوق تكنولوجيا، فإن المتأمل في
حركية التاريخ المعاصر يتبدى له أن «الإنسان ذاته منجر في هذه الحركة، حيث
تستقل التقنية تدريجياً عن الإنسان، خاضعة لمنطقها الداخلي، الذي هو تلاحق
الاكتشافات وتراكم القوى. لكن، «إرادة القوة، التي تحكم ماهية التقنية
تتحول هي ذاتها مرتدة على ذاتها متخذة ذاتها غاية لذاتها»، لذلك «يبدو
أحياناً أن الإنسانية ذاتها هي أشبه ما تكون بـريشة في مهب رياح التقنية
العاتية التي لا تبقي ولا تذر».
وبقدرما تتحول التكنولوجيا، بشكل عام، والأنترنيت، بشكل خاص، إلى
ورطة، بقدر ما تقتنع بأنه «منفذ» يمنع عنك الجنون: مفارقة لا تعدم
التبريرات، لعل أولها، سؤال: هل كان من الممكن لحوافز الإبداع والسرد وخلق
الحكايا أن تتفاعل بين أطراف القارات والدول، بحيث تلغي الشبكة العنكبوتية
العزلة الثقافية وتؤثث لمقدسات جديدة مع بداية القرن : أزرار صغيرة تلمع
أمامك على لوحة المفاتيح، من أجل الإرسال والمحو والبحث واللقاء، قبل أن
تحملك إلى دخول عالم مشبع بهواء لا تعرف له اتجاهاً معيناً. فقط، تعطيه
أمر نفسك ورغباتها : سوق المعلومات وموطن كل الرغبات الملائكية
والشيطانية، في آن. سرعة في تبادل المعلومات والتعرف عليها ونقلها، وشبكة
عالمية لطرح الأفكار وتبادل الآراء. الصور والرسائل، وما شئت من حمى
العالم، تنفجر على شاشتك تباعاً. مواقع شخصية لشعراء يعرضون قصائدهم
بالصوت، مرفقة بألبوم العائلة. قصائد تقتفي أثر المعلقات. مربع الشاشة
وجدران الكعبة، وجاهلية الشعر لا تعلم شيئا عن تحولات الحداثة وما بعد
الحداثة وطقوس العولمة.
ياسين- عدد الرسائل : 153
العمر : 51
تاريخ التسجيل : 03/07/2008
مواضيع مماثلة
» سفر في الكتابة، كتابة في السفر
» أسئلة الكتابة الشعرية في الفايسبوك .. محمد بنقدور الوهراني
» الإبداع السجني.. الكتابة بمداد الألم والقهر والمقاومة / محمد دهنون
» حول الكتابة والهجرة .. كيف يفكر المغاربة في الهجرة، كيف يكتبونها!!
» سناء الشعلان: الكتابة حالة شهوة لا تعرف الإشباع.. ولا حدّ لها!
» أسئلة الكتابة الشعرية في الفايسبوك .. محمد بنقدور الوهراني
» الإبداع السجني.. الكتابة بمداد الألم والقهر والمقاومة / محمد دهنون
» حول الكتابة والهجرة .. كيف يفكر المغاربة في الهجرة، كيف يكتبونها!!
» سناء الشعلان: الكتابة حالة شهوة لا تعرف الإشباع.. ولا حدّ لها!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى